تنوير المقباس من تفسير ابن عباس

الفيروزآبادي

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وصل الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله أَجْمَعِينَ أخبرنَا عبد الله الثِّقَة بن الْمَأْمُون الْهَرَوِيّ قَالَ أخبرنَا أبي قَالَ أخبرنَا أَبُو عبد الله قَالَ أخبرنَا ابو عبيد الله مَحْمُود بن مُحَمَّد الرَّازِيّ قَالَ أخبرنَا عمار بن عبد الْمجِيد الْهَرَوِيّ قَالَ أخبرنَا عَليّ بن إِسْحَق السَّمرقَنْدِي عَن مُحَمَّد بن مَرْوَان عَن الْكَلْبِيّ عَن ابي صَالح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ الْبَاء بهاء الله وبهجته وبلاؤه وبركته وَابْتِدَاء اسْمه بارىء السِّين سناؤه وسموه أَي أرتفاعه وَابْتِدَاء اسْمه سميع الْمِيم ملكه ومجده ومنته على عباده الَّذين هدَاهُم الله تَعَالَى للايمان وَابْتِدَاء اسْمه مجيد الله مَعْنَاهُ الْخلق يألهون ويتألهون إِلَيْهِ إِي يَتَضَرَّعُونَ إِلَيْهِ عِنْد الْحَوَائِج ونزول الشدائد الرَّحْمَن العاطف على الْبر والفاجر بالرزق لَهُم وَدفع الْآيَات عَنْهُم الرَّحِيم خَاصَّة على الْمُؤمنِينَ بالمغفرة وأدخالهم الْجنَّة وَمَعْنَاهُ الَّذِي يستر عَلَيْهِم الذُّنُوب فِي الدُّنْيَا ويرحمهم فِي الْآخِرَة فيدخلهم الْجنَّة وَمن سُورَة فَاتِحَة الْكتاب وَهِي مَدَنِيَّة وَيُقَال مَكِّيَّة بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى

الفاتحة

{الْحَمد لِلَّهِ} يَقُول الشُّكْر لله وَهُوَ أَن صنع إِلَى خلقه فحمدوه وَيُقَال الشُّكْر لله بنعمه السوابغ على عباده الَّذين هدَاهُم للْإيمَان وَيُقَال الشُّكْر والوحدانية والإلهية لله الَّذِي لَا ولد لَهُ وَلَا شريك لَهُ وَلَا معِين لَهُ وَلَا وَزِير لَهُ {رَبِّ الْعَالمين} رب كل ذِي روح دب على وَجه الأَرْض وَمن أهل السَّمَاء وَيُقَال سيد الْجِنّ وَالْإِنْس وَيُقَال خَالق الْخلق ورازقهم ومحولهم من حَال إِلَى حَال

3

{الرَّحْمَن} الرَّقِيق من الرقة وَهِي الرَّحْمَة {الرَّحِيم} الرفيق

4

{مَالك يَوْمِ الدّين} قَاضِي يَوْم الدّين وَهُوَ يَوْم الْحساب وَالْقَضَاء فِيهِ بَين الْخَلَائق أَي يَوْم يدان فِيهِ النَّاس بأعمالهم لاقاضي غَيره

5

{إِيَّاكَ نَعْبُدُ} لَك نوحد وَلَك نطيع {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} نستعين بك على عبادتك ومنك نستوثق على طَاعَتك

6

{اهدنا الصِّرَاط الْمُسْتَقيم} أرشدنا للدّين الْقَائِم الَّذِي ترضاه وَهُوَ الْإِسْلَام وَيُقَال ثبتنا عَلَيْهِ وَيُقَال هُوَ كتاب الله يَقُول اهدنا إِلَى حَلَاله وَحَرَامه وَبَيَان مافيه

7

{صِرَاطَ الَّذين أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} دين الَّذين مننت عَلَيْهِم بِالدينِ وهم أَصْحَاب مُوسَى من قبل أَن تغير عَلَيْهِم نعم الله بِأَن ظلل عَلَيْهِم الْغَمَام وَأنزل عَلَيْهِم الْمَنّ والسلوى فِي التيه وَيُقَال هم النَّبِيُّونَ {غَيْرِ المغضوب عَلَيْهِم} غير دين الْيَهُود الَّذين غضِبت عَلَيْهِم وخذلتهم وَلم تحفظ قُلُوبهم حَتَّى تهودوا {وَلاَ الضآلين} وَلَا دين النَّصَارَى الَّذين ضلوا عَن الْإِسْلَام آمِينْ كَذَلِك تكون أمنته وَيُقَال فَلْيَكُن كَذَلِك وَيُقَال رَبنَا افْعَل بِنَا كَمَا سألناك وَالله أعلم

وَمن السُّورَة الَّتِي تذكر فِيهَا الْبَقَرَة وَهِي كلهَا مَدَنِيَّة وَيُقَال مَكِّيَّة أَيْضا آياتها مِائَتَان وَثَمَانُونَ وكلامها ثَلَاثَة آلَاف وَمِائَة وحروفها خمس وَعِشْرُونَ ألفا وَخَمْسمِائة بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وبإسناده عَن عبد الله بن الْمُبَارك قَالَ حَدثنَا عَليّ بن إِسْحَق السَّمرقَنْدِي عَن مُحَمَّد بن مَرْوَان عَن الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى

البقرة

{الم} يَقُول ألف الله لَام جِبْرِيل مِيم مُحَمَّد وَيُقَال ألف آلاؤه لَام لطفه مِيم ملكه وَيُقَال ألف ابْتِدَاء اسْمه الله لَام ابْتِدَاء اسْمه لطيف مِيم ابْتِدَاء اسْمه مجيد وَيُقَال أَنا الله أعلم وَيُقَال قسم أقسم بِهِ

2

{ذَلِكَ الْكتاب} أَي هَذَا الْكتاب الَّذِي يَقْرَؤُهُ عَلَيْكُم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {لاَ رَيْبَ فِيهِ} لَا شكّ فِيهِ أَنه من عِنْدِي فَإِن آمنتم بِهِ هديتكم وَإِن لم تؤمنوا بِهِ عذبتكم وَيُقَال ذَلِك الْكتاب يَعْنِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ وَيُقَال ذَلِك الْكتاب الَّذِي وعدتك يَوْم الْمِيثَاق بِهِ أَن أوحيه إِلَيْك وَيُقَال ذَلِك الْكتاب يَعْنِي التَّوْرَاة أَو الْإِنْجِيل لَا ريب فِيهِ لَا شكّ فِيهِ أَن فيهمَا صفة مُحَمَّد ونعته {هُدَى لِّلْمُتَّقِينَ} يَعْنِي الْقُرْآن بَيَان لِلْمُتقين الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش وَيُقَال كَرَامَة للْمُؤْمِنين وَيُقَال رَحْمَة لِلْمُتقين لأمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

3

{الَّذين يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} بِمَا غَابَ عَنْهُم من الْجنَّة وَالنَّار والصراط وَالْمِيزَان والبعث والحساب وَغير ذَلِك وَيُقَال الَّذين يُؤمنُونَ بِالْغَيْبِ بِمَا أنزل من الْقُرْآن وَبِمَا لم ينزل وَيُقَال الْغَيْب هُوَ الله {وَيُقِيمُونَ الصَّلَاة} يتمون الصَّلَوَات الْخمس بوضوئها وركوعها وسجودها وَمَا يجب فِيهَا من مواقيتها {وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} وَمِمَّا أعطيناهم من الْأَمْوَال يتصدقون وَيُقَال يؤدون زَكَاة أَمْوَالهم وَهُوَ أَبُو بكر الصّديق وَأَصْحَابه

4

{وَالَّذين يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ} من الْقُرْآن {ومآ أنزل من قبلك} على سَائِر الْأَنْبِيَاء من الْكتب {وبالآخرة هُمْ يُوقِنُونَ} وبالبعث بعد الْمَوْت ونعيم الْجنَّة هم يصدقون وَهُوَ عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه

5

{أُولَئِكَ} أهل هَذِه الصّفة {على هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ} على كَرَامَة وَرَحْمَة وَبَيَان نزل من رَبهم {وَأُولَئِكَ هم المفلحون} الناجون من السخط وَالْعَذَاب وَيُقَال أُولَئِكَ الَّذين أدركوا ووجدوا مَا طلبُوا ونجوا من شَرّ مامنه هربوا وهم أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

6

{إِنَّ الَّذين كَفَرُواْ} وثبتوا على الْكفْر {سَوَآءٌ عَلَيْهِم} العظة {أَأَنذَرْتَهُمْ} خوفتهم بِالْقُرْآنِ {أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ} لم تخوفهم لَا يُؤمنُونَ لَا يُرِيدُونَ أَن يُؤمنُوا وَيُقَال {لَا يُؤمنُونَ} فِي علم الله

7

{خَتَمَ الله على قُلُوبهِمْ} طبع الله على قُلُوبهم {وعَلى سَمْعِهِمْ وعَلى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} غطاء {وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ} شَدِيد فِي الْآخِرَة وهم الْيَهُود كَعْب بن الْأَشْرَف وَحي ابْن أَخطب وجدي بن أَخطب وَيُقَال هم مشركو أهل مَكَّة عتبَة وَشَيْبَة والوليد

8

{وَمِنَ النَّاس مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّه} فِي السِّرّ وصدقنا بإيماننا بِاللَّه {وباليوم الآخر} وبالبعث بعد الْمَوْت الَّذِي فِيهِ جَزَاء الْأَعْمَال {وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ} فِي السِّرّ وَلَا مُصدقين فِي إِيمَانهم

9

{يُخَادِعُونَ الله} يخالفون الله ويكذبونه فِي السِّرّ وَيُقَال اجترعوا على الله حَتَّى ظنُّوا أَنهم يخادعون الله {وَالَّذين آمَنُواْ} أَبَا بكر وَسَائِر أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَمَا يَخْدَعُونَ} يكذبُون {إِلاَّ أَنْفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ} وَمَا يعلمُونَ أَن الله يطلع نبيه على سر قُلُوبهم

10

{فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} شكّ ونفاق وَخلاف وظلمة {فَزَادَهُم الله مَرضا} شكا ونفاقا وحلافا وظلمة {وَلَهُم عَذَاب أَلِيم} وجيع فِي لآخر يخلص وَجَعه الى قُلُوبهم {بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} فِي السِّرّ وهم المُنَافِقُونَ عبد الله بن أبي وجد بن قيس ومعتب بن قُشَيْر

11

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ} يَعْنِي الْيَهُود {لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْض} بتعويق النَّاس عَن دين مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} لَهَا بِالطَّاعَةِ

12

{أَلا إِنَّهُم} بل إِنَّهُم {هُمُ المفسدون} لَهَا بالتعويق {وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ} لَا يعلم سفلتهم أَن رؤساءهم هم الَّذين يضلونهم

13

{وَإِذا قيل لَهُم} للْيَهُود {آمنُوا} بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن {كَمَا آمن النَّاس} عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه {قَالُوا أنؤمن} بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن {كَمَآ آمَنَ السفهآء} الْجُهَّال الخرقى {أَلا إِنَّهُمْ} بلَى إِنَّهُم {هُمُ السفهآء} الْجُهَّال الخرقى {وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ} ذَلِك

14

{وَإِذَا لَقُواْ} يَعْنِي الْمُنَافِقين {الَّذين آمَنُواْ} يَعْنِي أَبَا بكر وَأَصْحَابه {قَالُوا آمَنَّا} فِي السِّرّ وصدقنا بإيماننا كَمَا آمنتم لَهُ فِي السِّرّ وصدقتم بِهِ {وَإِذَا خَلَوْاْ} رجعُوا {إِلَى شَيَاطِينِهِمْ} كهنتهم ورؤساءهم وهم خَمْسَة نفر كَعْب بن الْأَشْرَف بِالْمَدِينَةِ وَأَبُو بردة الْأَسْلَمِيّ فِي بني أسلم وَابْن السَّوْدَاء بِالشَّام وَعبد الدَّار فِي جُهَيْنَة وعَوْف بن عَامر فِي بني عَامر {قَالُوا} لرؤسائهم {إِنَّا مَعَكُمْ} على دينكُمْ فِي السِّرّ {إِنَّمَا نَحن مستهزؤون} بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأَصْحَابه بِلَا إِلَه إِلَّا الله

15

{الله يستهزئ بِهِمْ} فِي الْآخِرَة يَعْنِي يفتح لَهُم بَابا إِلَى الْجنَّة ثمَّ يغلق دونهم فيستهزىء بهم الْمُؤْمِنُونَ {وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} يتركهم فِي الدُّنْيَا فِي كفرهم وضلالتهم يعمهون يمضون عمهة لَا يبصرون

16

{أُولَئِكَ الَّذين اشْتَروا الضَّلَالَة بِالْهدى} اخْتَارُوا الْكفْر على الْإِيمَان وَبَاعُوا الْهدى بالضلالة

{فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ} لم يربحوا فِي تِجَارَتهمْ بل خسروا {وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ} من الضَّلَالَة

17

{مثلهم} مثل الْمُنَافِقين مَعَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {كَمَثَلِ الَّذِي استوقد نَاراً} أوقد نَارا فِي ظلمَة لكَي يَأْمَن بهَا على أَهله وَمَاله وَنَفسه {فَلَمَّآ أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ} استضاءت وَرَأى مَا حوله وَأمن بهَا على نَفسه وَأَهله وَمَاله طفئت ناره فَكَذَلِك المُنَافِقُونَ آمنُوا بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن فَأمنُوا بِهِ على أنفسهم وَأَمْوَالهمْ وأهاليهم من السَّبي وَالْقَتْل فَلَمَّا مَاتُوا {ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ} بِمَنْفَعَة إِيمَانهم {وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ} فِي شَدَائِد الْقَبْر {لاَّ يُبْصِرُونَ} الرخَاء بعد ذَلِك وَيُقَال مثلهم أَي مثل الْيَهُود مَعَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمثل رجل أَقَامَ علما فِي هزيمَة فَاجْتمع إِلَيْهِ مهزمون فقلبوا علمهمْ فَذَهَبت منفعتهم وأمنهم بِهِ كَذَلِك الْيَهُود كَانُوا يستنصرون بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن قبل خُرُوجه فَلَمَّا خرج كفرُوا بِهِ فَذهب الله بنورهم برغبة إِيمَانهم وَمَنْفَعَة إِيمَانهم لأَنهم أَرَادوا أَن يُؤمنُوا بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَلم يُؤمنُوا وتركهم فِي ظلمات فِي ضَلَالَة الْيَهُودِيَّة لَا يبصرون الْهدى

18

{صُمٌّ} يتصاممون {بُكْمٌ} يتباكمون {عُمْيٌ} يتعامون {فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ} عَن كفرهم وضلالتهم

19

{أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السمآء} وَهَذَا مثل آخر يَقُول مثل الْمُنَافِقين وَالْيَهُود مَعَ الْقُرْآن كصيب كمطر نزل من السَّمَاء لَيْلًا على قوم فِي مفازة {فِيهِ} فِي اللَّيْل {ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وبرق} وَكَذَلِكَ الْقُرْآن نزل من الله فِيهِ ظلمات بَيَان الْفِتَن ورعد زجر وتخويف وبرق بَيَان وتبصرة ووعداً {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِق} من صَوت الرَّعْد {حَذَرَ الْمَوْت} مَخَافَة البوائق وَالْمَوْت كَذَلِك المُنَافِقُونَ وَالْيَهُود كَانُوا يجْعَلُونَ أَصَابِعهم فِي آذانهم من الصَّوَاعِق من بَيَان الْقُرْآن ووعده ووعيده حذر الْمَوْت مَخَافَة ميل الْقلب إِلَيْهِ {وَالله مُحِيطٌ بالكافرين} وَالْمُنَافِقِينَ أَي عَالم بهم وجامعهم فِي النَّار

20

{يَكَادُ الْبَرْق} النَّار {يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ} يذهب بأبصار الْكَافرين كَذَلِك الْبَيَان أَرَادَ أَن يذهب بأبصار ضلالتهم {كُلَّمَآ أَضَآءَ لَهُمْ} الْبَرْق {مَّشَوْاْ فِيهِ} فِي ضوء الْبَرْق {وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ} بقوا فِي الظلمَة كَذَلِك المُنَافِقُونَ لما آمنُوا مَشوا فِيمَا بَين الْمُؤمنِينَ لأَنهم تقبل إِيمَانهم فَلَمَّا مَاتُوا بقوا فِي ظلمَة الْقَبْر {وَلَوْ شَآءَ الله لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ} بالرعد {وَأَبْصَارِهِمْ} بالبرق كَذَلِك لَو شَاءَ الله لذهب بسمع الْمُنَافِقين وَالْيَهُود بزجر مَا فِي الْقُرْآن ووعيد مَا فِيهِ وأبصارهم بِالْبَيَانِ {إِنَّ الله على كُلِّ شَيْء} من ذهَاب السّمع وَالْبَصَر {قدير}

21

{يَا أَيهَا النَّاس} يَا أهل مَكَّة وَيُقَال هم الْيَهُود {اعبدوا رَبَّكُمُ} وحدوا ربكُم {الَّذِي خَلَقَكُمْ} نسماً من النُّطْفَة {وَالَّذين مِن قَبْلِكُمْ} وَخلق الَّذين من قبلكُمْ {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} لكَي تتقوا السخطة وَالْعَذَاب وتطيعوا الله

22

{الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْض فِرَاشاً} بساطاً ومناماً {والسمآء بِنَآءً} سقفًا مَرْفُوعا {وَأَنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً} مَطَرا {فَأَخْرَجَ بِهِ} فأنبت بالمطر {مِنَ الثمرات} من ألوان الثمرات {رِزْقاً لَّكُمْ} طَعَاما لكم ولسائر الْخلق {فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً} فَلَا تَقولُوا لله أعدالاً وأشكالاً وأشباهاً {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أَنِّي صانع هَذِه الْأَشْيَاء وَيُقَال وَأَنْتُم تعلمُونَ فِي كتابكُمْ أَنه لَيْسَ لَهُ ولد وَلَا شَبيه وَلَا ند

23

{وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ} فِي شكّ {مِّمَّا نَزَّلْنَا} بِمَا نزلنَا جِبْرِيل {على عَبْدِنَا} مُحَمَّد أَنه يختلقه من تِلْقَاء نَفسه {فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ} فجيئوا بِسُورَة من مثل سُورَة الْبَقَرَة {وَادعوا شُهَدَآءَكُم} وَاسْتَعِينُوا بآلهتكم الَّتِي تَعْبدُونَ {مِّن دُونِ الله} وَيُقَال برؤسائكم {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} فِي مَقَالَتَكُمْ

24

{فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ} وَهَذَا مقدم ومؤخر يَقُول لن تَفعلُوا أَي لن تقدروا أَن تجيئوا بِمثلِهِ فَإِن لم تَفعلُوا فَإِن لم تقدروا أَن تجيئوا {فَاتَّقُوا النَّار} فاخشوا النَّار إِن لم تؤمنوا {الَّتِي وَقُودُهَا النَّاس} حطبها الْكفَّار {وَالْحِجَارَة} حجارةِ الكبريت

{أُعِدَّتْ} خلقت وهيئت واعتدت وقدرت {لِلْكَافِرِينَ} ثمَّ ذكر كَرَامَة الْمُؤمنِينَ فِي الْجنَّة فَقَالَ

25

{وَبشر الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم وَيُقَال الصَّالِحَات من الْأَعْمَال {أَنَّ لَهُمْ} بِأَن لَهُم {جَنَّاتٍ} بساتين {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا} من تَحت شَجَرهَا ومساكنها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَاللَّبن وَالْعَسَل وَالْمَاء {كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا} كلما أطعموا فِيهَا فِي الْجنَّة {مِن ثَمَرَةٍ} من ألوان الثمرات {رِّزْقاً} طَعَاما {قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ} أطعمنَا من قبل هَذَا {وَأُتُواْ بِهِ} جيئوا بِهِ بِالطَّعَامِ {مُتَشَابِهاً} فِي اللَّوْن مُخْتَلفا فِي الطّعْم {وَلَهُمْ فِيهَآ} فِي الْجنَّة {أَزْوَاجٌ} جوَار {مُّطَهَّرَةٌ} مهذبة من الْحيض والأدناس {وَهُمْ فِيهَا} فِي الْجنَّة {خَالِدُونَ} دائمون لَا يموتون وَلَا يخرجُون

26

ثمَّ ذكر إِنْكَار الْيَهُود لأمثال الْقُرْآن فَقَالَ {إِن الله لَا يستحيي} لَا يتْرك وَكَيف يستحيي من ذكر شَيْء لَو اجْتمع الْخَلَائق كلهم على تخليقه مَا قدرُوا عَلَيْهِ وَلَا يمنعهُ الْحيَاء {أَن يَضْرِبَ مَثَلاً} أَن يبين لِلْخلقِ مثلا {مَّا بَعُوضَةً} فِي بعوضة {فَمَا فَوْقَهَا} فَكيف مَا فَوْقهَا يَعْنِي الذُّبَاب وَالْعَنْكَبُوت وَيُقَال مَا دونهَا {فَأَمَّا الَّذين آمَنُواْ} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ} يَعْنِي الْمثل {الْحق} أَي هُوَ الْحق {مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذين كَفَرُواْ} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ الله بِهَذَا مَثَلاً} أَي بِهَذَا الْمثل قل يَا مُحَمَّد إِن الله أَرَادَ بِهَذَا الْمثل أَنه {يضل بِهِ كثيرا} من الْيَهُود عَن الدّين {وَيهْدِي بِهِ كَثِيراً} من الْمُؤمنِينَ {وَمَا يُضِلُّ بِهِ} بِالْمثلِ {إِلاَّ الْفَاسِقين} الْيَهُود

27

{الَّذين يَنقُضُونَ عَهْدَ الله} فِي هَذَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ} تغليظه وتشديده وتأكيده {وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ الله بِهِ} من الْإِيمَان والأرحام {أَن يُوصَلَ} بِمُحَمد {وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْض} بتعويق النَّاس عَن مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {أُولَئِكَ هُمُ الخاسرون} المغبونون بذهاب الدُّنْيَا وَالْآخِرَة

28

{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّه} على وَجه التعجيب {وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً} نطفاً فِي أصلاب آبائكم {فَأَحْيَاكُمْ} فِي أَرْحَام أُمَّهَاتكُم {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} عِنْد انْقِطَاع آجالكم {ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} للبعث {ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} فِي الْآخِرَة فيجزيكم بأعمالكم

29

ثمَّ ذكر منته عَلَيْهِم فَقَالَ {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ} سخر لكم {مَّا فِي الأَرْض} من الدَّوَابّ والنبات وَغير ذَلِك {جَمِيعاً} منَّة مِنْهُ {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السمآء} أَي ثمَّ عمد إِلَى خلق السَّمَاء {فَسَوَّاهُنَّ} فجعلهن {سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} مستويات على الأَرْض {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ} من خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض {عَلِيمٌ}

30

ثمَّ ذكر قصَّة الْمَلَائِكَة الَّذين أمروا بِالسُّجُود لآدَم فَقَالَ {وَإِذْ قَالَ} وَقد قَالَ {رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ} الَّذين كَانُوا فِي الأَرْض {إِنِّي جَاعِلٌ} خَالق أخلق {فِي الأَرْض} من الأَرْض {خَلِيفَةً} بَدَلا مِنْكُم {قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا} أتخلق فِيهَا {مَن يُفْسِدُ فِيهَا} بِالْمَعَاصِي {وَيَسْفِكُ الدمآء} بالظلم {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ} نصلي لَك بِأَمْرك

{وَنُقَدِّسُ لَكَ} ونذكرك بِالطَّهَارَةِ {قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ} مَا يكون من ذَلِك الْخَلِيفَة {مَا لاَ تعلمُونَ}

31

{وَعَلَّمَ آدَمَ الأسمآء كُلَّهَا} أَسمَاء الذُّرِّيَّة وَيُقَال أَسمَاء الدَّوَابّ وَغير ذَلِك حَتَّى الْقَصعَة والقصيعة والسكرجة {ثُمَّ عَرَضَهُمْ} على مَذْهَب الشخوص {عَلَى الْمَلَائِكَة} الَّذين أمروا بِالسُّجُود {فَقَالَ أَنْبِئُونِي} أخبروني {بِأَسْمَآءِ هَؤُلَاءِ} الْخلق والذرية {إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} فِي مَقَالَتَكُمْ الأولى

32

{قَالُواْ سُبْحَانَكَ} تبنا إِلَيْك من ذَلِك {لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَآ} ألهمتنا {إِنَّكَ أَنْت الْعَلِيم} بقلوبهم {الْحَكِيم} بأمرنا وبأمرهم

33

{قَالَ يَا آدم أَنبِئْهُمْ} أخْبرهُم {بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّآ أَنْبَأَهُمْ} أخْبرهُم {بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض} غيب مَا يكون فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض {وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ} مَا تظْهرُونَ لربكم من الطَّاعَة لآدَم {وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ} مِنْهُ وَيُقَال مَا ابدىء لَهُم إِبْلِيس وَمَا كُنْتُم مِنْهُم

34

{وَإِذْ قُلْنَا} وَقد قُلْنَا {لِلْمَلاَئِكَةِ اسجدوا لآدَمَ} سَجْدَة التَّحِيَّة {فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى} عَن أَمر الله {واستكبر} تعاظم عَن السُّجُود لآدَم {وَكَانَ مِنَ الْكَافرين} بعد وَصَارَ من الْكَافرين بآبائه عَن أَمر الله وَيُقَال وَكَانَ فِي علم الله أَنه يصير من الْكَافرين وَيُقَال كَانَ من أول الْكَافرين

35

ثمَّ ذكر قصَّة آدم وحواء فَقَالَ {وَقُلْنَا يَا آدم اسكن أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجنَّة} ادخل أَنْت وحواء الْجنَّة {وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً} موسعاً عَلَيْكُمَا {حَيْثُ شِئْتُمَا} وَمَتى شئتما {وَلاَ تَقْرَبَا هَذِه الشَّجَرَة} لَا تأكلا من هَذِه الشَّجَرَة شَجَرَة الْعلم عَلَيْهَا من كل لون وفن {فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمين} فتصيرا من الضارين لأنفسكما

36

{فَأَزَلَّهُمَا} فاستزلهما {الشَّيْطَان عَنْهَا} عَن الْجنَّة {فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} من الرغد {وَقُلْنَا} لآدَم وحواء وَطَاوُس وحية وإبليس {اهبطوا} انزلوا إِلَى الأَرْض {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْض مُسْتَقَرٌّ} منزل {وَمَتَاعٌ} مَنْفَعَة ومعاش {إِلَى حِينٍ} إِلَى حِين الْمَوْت

37

{فَتلقى آدَمُ مِن رَّبِّهِ} حفظ آدم من ربه وَيُقَال لقن فتلقن وألهم فتلهم {كَلِمَاتٍ} لكَي تكون سَببا لَهُ ولأولاده إِلَى التَّوْبَة {فَتَابَ عَلَيْهِ} فَتَجَاوز عَنهُ {إِنَّهُ هُوَ التواب} المتجاوز {الرَّحِيم} لمن مَاتَ على التَّوْبَة

38

{قُلْنَا} لآدَم وحواء وحية وَطَاوُس وإبليس {اهبطوا مِنْهَا} من السَّمَاء {جَمِيعاً} ثمَّ ذكر ذُرِّيَّة آدم فَقَالَ {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم} فَلَمَّا يَأْتينكُمْ وَحين يَأْتينكُمْ وَكلما يَأْتينكُمْ {مِّنِّي هُدًى} كتاب وَرَسُول {فَمَن تَبِعَ هُدَايَ} الْكتاب وَالرَّسُول {فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِم} فِيمَا يستقبلهم من الْعَذَاب {وَلَا هم يَحْزَنُونَ} على مَا خلفوا من خَلفهم وَيُقَال بِلَا خوف عَلَيْهِم بالدوام وَلَا هم يَحْزَنُونَ بالدوام وَيُقَال فَلَا خوف عَلَيْهِم إِذا ذبح الْمَوْت وَلَا هم يَحْزَنُونَ إِذا أطبقت النَّار

39

{وَالَّذين كفرُوا وكذبوا بآياتنآ} بِالْكتاب وَالرَّسُول

{أُولَئِكَ أَصْحَاب النَّار} أهل النَّار {هم فِيهَا خَالدُونَ} فِي النَّار دائمون لَا يموتون وَلَا يخرجُون

40

ثمَّ ذكر منته على بني إِسْرَائِيل فَقَالَ {يَا بني إِسْرَائِيلَ} يَا أَوْلَاد يَعْقُوب {اذْكروا نِعْمَتِيَ} اشكروا واحفظوا منتي {الَّتِي أَنْعَمت عَلَيْكُم} منت عَلَيْكُم بِالْكتاب وَالرَّسُول والنجاة من فِرْعَوْن وَالْغَرق والمن والسلوى وَغير ذَلِك {وأوفوا بعهدي} أَتموا عهدي فِي هَذَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} أدخلكم الْجنَّة {وَإِيَّايَ فارهبون} فخافوني فِي نقض الْعَهْد وَلَا تخافوا غَيْرِي

41

{وَآمِنُواْ بِمَآ أَنزَلْتُ} جِبْرِيل بِهِ {مُصَدِّقاً} مُوَافقا بِالتَّوْحِيدِ وَصفَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته وَبَعض الشَّرَائِع {لِّمَا مَعَكُمْ} من الْكتاب {وَلَا تَكُونُوا أول كَافِر بِهِ} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي} بكتمان صفة مُحَمَّد ونعته {ثَمَناً قَلِيلاً} عوضا يَسِيرا من المأكلة {وإياي فاتقون} فخافوني فِي هَذَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

42

{وَلَا تلبسوا الْحق بِالْبَاطِلِ} وَلَا تخلطوا الْبَاطِل بِالْحَقِّ صفة الدَّجَّال بِصفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَتَكْتُمُواْ الْحق} وَلَا تكتموا الْحق {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} بكتمانه

43

ثمَّ ذكر لُزُوم الشَّرَائِع عَلَيْهِم بعد الْإِيمَان فَقَالَ {وَأَقِيمُواْ الصَّلَاة} أَتموا الصَّلَوَات الْخمس {وَآتُواْ الزَّكَاة} أعْطوا زَكَاة أَمْوَالكُم {واركعوا مَعَ الراكعين} صلوا الصَّلَوَات الْخمس مَعَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه فِي الْجَمَاعَة

44

ثمَّ ذكر قصَّة رُؤَسَاء الْيَهُود فَقَالَ {أَتَأْمُرُونَ النَّاس} سفلَة النَّاس بِالْبرِّ بِالتَّوْحِيدِ وَاتِّبَاع مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} تتركون أَنفسكُم فَلَا تتبعونه {وَأَنْتُمْ تتلون} تقرءون {الْكتاب} عَلَيْهِم {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} فَلَيْسَ لكم ذهن الإنسانية

45

{وَاسْتَعِينُوا بِالصبرِ} على أَدَاء فَرَائض الله وَترك الْمعاصِي {وَالصَّلَاة} وبكثرة الصَّلَاة على تمحيص الذُّنُوب {وَإِنَّهَا} يَعْنِي الصَّلَاة {لَكَبِيرَةٌ} لثقيلة {إِلاَّ عَلَى الخاشعين} المتواضعين

46

{الَّذين يظنون} يعلمُونَ ويستيقنون {إِنَّهُم ملاقوا رَبِّهِمْ} معاينو رَبهم {وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} بعد الْمَوْت

47

ثمَّ ذكر أَيْضا منته على بني إِسْرَائِيل فَقَالَ {يَا بني إِسْرَائِيل} يَا أَوْلَاد يَعْقُوب {اذْكروا نعمتي} احْفَظُوا منتي {الَّتِي أَنْعَمت عَلَيْكُم} مننت عَلَيْكُم {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ} بِالْكتاب وَالرَّسُول وَالْإِسْلَام {عَلَى الْعَالمين} على عالمي زمانكم

48

{وَاتَّقوا يَوْماً} واخشوا عَذَاب يَوْم إِن لم تؤمنوا وتتوبوا من الْيَهُودِيَّة {لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً} لَا تغني نفس كَافِرَة عَن نفس كَافِرَة من عَذَاب الله شَيْئا {وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ} لَا يشفع لَهَا شَافِع {وَلاَ يُؤْخَذُ} لَا يقبل {مِنْهَا عَدْلٌ} فدَاء {وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ} يمْنَعُونَ من عَذَاب الله

49

{وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ} من فِرْعَوْن وَقَومه {يسومونكم سوء الْعَذَاب} يعذبونكم بأشد الْعَذَاب ثمَّ ذكر عَذَابه عَلَيْهِم فَقَالَ {يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ} صغَارًا {وَيَسْتَحْيُونَ} يستخدمون {نِسَآءَكُمْ} كبارًا {وَفِي ذَلِكُمْ بلَاء} بلية {مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ} عَظِيمَة وَيُقَال نقمة من ربكُم عَظِيمَة

50

ثمَّ ذكر منَّة النجَاة من الْغَرق وغرق فِرْعَوْن وَقَومه فَقَالَ {وَإِذْ فَرَقْنَا} فلقنا {بِكُمُ الْبَحْر فَأَنجَيْنَاكُمْ}

من الْغَرق {وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ} وَقَومه {وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ} إِلَيْهِم بعد ثَلَاثَة أَيَّام

51

{وَإِذْ وَاعَدْنَا} وَقد واعدنا {مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} بِإِعْطَاء الْكتاب {ثُمَّ اتخذتم الْعجل} عَبدْتُمْ الْعجل {مِن بَعْدِهِ} من بعد انطلاقه إِلَى الْجَبَل {وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ} ضارون

52

{ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُم} تركناكم وَلم نستأصلكم {مِّن بَعْدِ ذَلِكَ} من بعد عبادتكم الْعجل {لَعَلَّكُمْ تشكرون} لكَي تشكرو عفوي

53

{وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكتاب} أعطينا مُوسَى التَّوْرَاة {وَالْفرْقَان} يَعْنِي بَينا فِيهَا الْحَلَال وَالْحرَام وَالْأَمر وَالنَّهْي وَغير ذَلِك وَيُقَال النُّصْرَة والدولة على فِرْعَوْن {لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} لكَي تهتدوا من الضَّلَالَة

54

ثمَّ ذكر قصَّة مُوسَى مَعَ قومه فَقَالَ {وَإِذ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قوم إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُم} ضررتم أَنفسكُم {باتخاذكم الْعجل} بعبادتكم الْعجل فَقَالُوا لمُوسَى فبماذا تَأْمُرنَا فَقَالَ لَهُم {فتوبوا إِلَى بَارِئِكُمْ} إِلَى خالقكم قَالُوا كَيفَ نتوب فَقَالَ لَهُم {فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ} فليقتل الَّذِي لم يعبد الْعجل الَّذِي عَبده {ذَلِكُمْ} التَّوْبَة وَالْقَتْل خَيْرٌ لَّكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ خالقكم فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَتَجَاوز عَنْكُم {إِنَّهُ هُوَ التواب} المتجاوز لمن تَابَ {الرَّحِيم} على من مَاتَ على التَّوْبَة

55

{وَإِذ قُلْتُمْ} وَقد قُلْتُمْ {يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ} لن نصدقك فِيمَا تَقول {حَتَّى نَرَى الله جَهْرَةً} مُعَاينَة كَمَا رَأَيْت {فَأَخَذَتْكُمُ الصاعقة} فأحرقتكم النَّار {وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ} إِلَيْهَا

56

{ثُمَّ بَعَثْنَاكُم} أحييناكم {مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ} حرقكم {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} لكَي تشكروا إحيائي

57

{وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَام} فِي التيه {وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنّ والسلوى} فِي التيه {كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ} حلالات {مَا رَزَقْنَاكُمْ} أعطيناكم وَلَا تَرفعُوا لغد فَرفعُوا {وَمَا ظَلَمُونَا} وَمَا نقصونا بِمَا رفعوا {وَلَكِن كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} يضرون

58

{وَإِذْ قُلْنَا ادخُلُوا هَذِه الْقرْيَة} قَرْيَة أرِيحَا {فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ} وَمَتى مَا شِئْتُم {رَغَداً} موسعاً عَلَيْكُم {وادخلوا الْبَاب سُجَّداً} ركعا {وَقُولُواْ حِطَّةٌ} أَن تحط عَنَّا خطايانا وَيُقَال لَا إِلَه إِلَّا الله {نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ} فِي حسناتهم

59

{فَبَدَّلَ الَّذين ظَلَمُواْ} أنفسهم وهم أَصْحَاب الحطة {قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} أَمر لَهُم فَقَالُوا حِنْطَة شمقاتاً يَعْنِي الْحِنْطَة الْحَمْرَاء {فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذين ظَلَمُواْ} غيروا القَوْل وهم أَصْحَاب الحطة {رِجْزاً} طاعوناً {مِّنَ السمآء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} يغيرون مَا أمروا بِهِ

60

{وَإِذِ استسقى مُوسَى لِقَوْمِهِ} فِي التيه {فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحجر} الَّذِي مَعَك وَكَانَ حجرا أعطَاهُ الله إِيَّاه عَلَيْهِ اثْنَا عشر ثدياً كثدي الْمَرْأَة يخرج من كل ثدي نهر إِذا ضرب عَصَاهُ عَلَيْهِ {فانفجرت مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً} نَهرا {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ} سبط {مَّشْرَبَهُمْ} من نهرهم قَالَ الله لَهُم {كُلُواْ} من الْمَنّ والسلوى {وَاشْرَبُوا} من الْأَنْهَار كلهَا {مِن رِّزْقِ الله} لكم {وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْض مُفْسِدِينَ} وَلَا تَمْشُوا فِي الأَرْض بِالْفَسَادِ وَخلاف أَمر مُوسَى

61

{وَإِذ قُلْتُمْ} وَقد قُلْتُمْ {يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ على طَعَامٍ وَاحِدٍ} على أكل طَعَام وَاحِد الْمَنّ والسلوى {فَادع} أَي اسْأَل {لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْض} مِمَّا تخرج الأَرْض {مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا} أَي ثومها {وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ} لَهُم مُوسَى {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أدنى} أردأ الثوم والبصل {بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} أفضل وأشرف الْمَنّ والسلوى أَي تسْأَلُون الَّذِي هُوَ الرَّدِيء وتتركون الَّذِي هُوَ الشريف {اهبطوا مِصْراً} الَّذِي خَرجْتُمْ مِنْهُ وَيُقَال مصرا من الْأَمْصَار {فَإِنَّ لَكُمْ مَّا سَأَلْتُم} فَأن ماسألتم لكم ثمَّ {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذلة} جعلت عَلَيْهِم المذلة بالجزية {والمسكنة} زِيّ الْفقر {وباؤوا بِغَضَبٍ} استوجبوا للعنة {مِّنَ الله ذَلِكَ} اللَّعْنَة والذلة والمسكنة {ذَلِك بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ الله} يجحدون بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيين بِغَيْرِ الْحق} بِغَيْر حق وَلَا جرم {ذَلِك} الْغَضَب {بِمَا عَصَواْ} لله فِي السبت {وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} بقتل الْأَنْبِيَاء وَاسْتِحْلَال الْمعاصِي

62

ثمَّ ذكر الَّذين آمنُوا مِنْهُم فَقَالَ {إِنَّ الَّذين آمَنُواْ} بمُوسَى وَسَائِر الْأَنْبِيَاء لَهُمْ أَجْرَهُمْ وثوابهم عِنْد رَبهم فِي الْجنَّة وَلَا خوف عَلَيْهِم بالدوام وَلا هُمْ يَحْزَنُون بالدوام وَيُقَال وَلَا خوف عَلَيْهِم فِيمَا يستقبلهم من الْعَذَاب وَلَا هم يَحْزَنُونَ على مَا خلفوا من خَلفهم وَيُقَال وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ إِذا ذبح الْمَوْت وَلاَ هم يَحْزَنُونَ إِذا أطبقت النَّار ثمَّ ذكر الَّذين لم يُؤمنُوا بمُوسَى وَسَائِر الْأَنْبِيَاء يُقَال {وَالَّذين هَادُواْ} مالوا عَن دين مُوسَى وهم الْيَهُود الَّذين تهودوا {وَالنَّصَارَى} الَّذين تنصرُوا {وَالصَّابِئِينَ} قوم من النَّصَارَى يحلقون وسط رؤوسهم ويقرءون الزبُور ويعبدون الْمَلَائِكَة يَقُولُونَ صَبَأت قُلُوبنَا أَي رجعت قُلُوبنَا إِلَى الله {مَنْ آمَنَ} مِنْهُم {بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر وَعَمِلَ صَالِحاً} فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ} ثوابهم أَيْضا {عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ

63

! ثمَّ ذكر أَخذ الْمِيثَاق عَلَيْهِم فَقَالَ {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ} وَقد أَخذنَا إقراركم {وَرَفَعْنَا} قلعنا وحبسنا {فَوْقَكُمُ} فَوق رؤوسكم {الطّور} الْجَبَل بِأخذ الْمِيثَاق {خُذُواْ مَآ آتَيْنَاكُم} اعْمَلُوا بِمَا أعطيناكم من الْكتاب {بِقُوَّةٍ} بجد ومواظبة النَّفس {واذْكُرُوا مَا فِيهِ} من الثَّوَاب وَالْعِقَاب واحفظوا مَا فِيهِ من الْحَلَال وَالْحرَام {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} لكَي تتقوا من السخط وَالْعَذَاب وتطيعوا الله

64

{ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ} أعرضتم عَن الْمِيثَاق {مِّن بَعْدِ ذَلِك فَلَوْلاَ فَضْلُ الله} من الله {عَلَيْكُمْ} بِتَأْخِير الْعَذَاب {وَرَحمته} بارسال مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْكُم {لَكُنْتُم مِّنَ الخاسرين} لصرتم من المغبونين بالعقوبة

65

{وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ} عَرَفْتُمْ وسمعتم عُقُوبَة {الَّذين اعتدوا مِنْكُمْ} بِأخذ الْمِيثَاق {فِي السبت} يَوْم السبت فِي زمن دَاوُد {فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ}

صيروا قردة ذليلين صاغرين

66

{فَجَعَلْنَاهَا} قردة {نَكَالاً} عُقُوبَة {لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا} لما قبلهَا من الذُّنُوب {وَمَا خَلْفَهَا} ولكي يَكُونُوا عِبْرَة لمن خَلفهم لكَي لَا يقتدوا بهم {وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ} عظة ونهياً لِلْمُتقين لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه

67

ثمَّ ذكر قصَّة الْبَقَرَة فَقَالَ {وَإِذْ قَالَ} وَقد قَالَ {مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً} من البقور {قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هزوا} أتستهزى بِنَا يَا مُوسَى قَالَ مُوسَى {أَعُوذُ بِاللَّه} أمتنع بِاللَّه {أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلين} من الْمُسْتَهْزِئِينَ بِالْمُؤْمِنِينَ فَلَمَّا علمُوا أَنه صَادِق

68

{قَالُواْ ادْع لَنَا رَبَّكَ} سل لنا رَبك {يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ} صَغِيرَة أَو كَبِيرَة هِيَ قَالَ مُوسَى {إِنَّهُ يَقُولُ} أَي يَقُول الله {إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ} لَا كَبِيرَة {وَلاَ بِكْرٌ} وَلَا صَغِيرَة {عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِك} نصف أَي وسط بَين الصَّغِير وَالْكَبِير {فافعلوا مَا تُؤْمَرونَ} وَلَا تسألوا

69

{قَالُواْ ادْع لَنَا رَبَّكَ} سل لنا رَبك {يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا} مَا لون الْبَقَرَة {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَآءُ} الظلْف والقرن سَوْدَاء الْبدن {فَاقِعٌ لَّوْنُهَا} صَاف لَوْنهَا {تَسُرُّ الناظرين} تعجب الناظرين إِلَيْهَا

70

{قَالُواْ ادْع لَنَا رَبَّكَ} سل لنا رَبك يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ عاملة هِيَ أم لَا {إِنَّ الْبَقر تَشَابَهَ عَلَيْنَا} تشاكل علينا {وَإِنَّآ إِن شَآءَ الله لَمُهْتَدُونَ} إِلَى وصفهَا وَيُقَال إِلَى قَاتل عاميل

71

{قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ} لَا مذللة {تُثِيرُ الأَرْض} تحرث الأَرْض {وَلاَ تَسْقِي الْحَرْث} لَا يستسقى عَلَيْهَا بالسواقي الْحَرْث {مُسَلَّمَةٌ} من كل عيب {لاَّ شِيَةَ فِيهَا} لَا وضح فِيهَا وَلَا بَيَاض {قَالُواْ الْآن جِئْتَ بِالْحَقِّ} الْآن تبين لنا الصّفة فطلبوها واشتروها بملء مسكها ذَهَبا {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ} فِي بَدْء الْأَمر وَيُقَال من غلاء ثمنهَا

72

ثمَّ ذكر الْمَقْتُول فَقَالَ {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً} عاميل {فادارأتم فِيهَا} فاختلفتم فِي قَتلهَا {وَالله مُخْرِجٌ} مظهر {مَّا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} من قَتلهَا

73

{فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ} عَنى الْمَقْتُول {بِبَعْضِهَا} أَي بعضو من أعضائها وَيُقَال بذنبها وَيُقَال بلسانها {كَذَلِكَ} كَمَا أَحْيَا الله عاميل {يُحْيِي الله الْمَوْتَى} للبعث {وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ} إحياءه {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} لكَي تصدقوا بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت

74

{ثُمَّ قَسَتْ} جَفتْ ويبست {قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِك} من بعد إحْيَاء عاميل وإعلامكم قَاتله {فَهِيَ كالحجارة} فِي الشدَّة {أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} بل أَشد قسوة ثمَّ عذر الْحِجَارَة وَذكر مَنْفَعَتهَا وَعَابَ على الْقُلُوب قَالَ {وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَة} حِجَارَة {لَمَا يَتَفَجَّرُ} يخرج {مِنْهُ الْأَنْهَار وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ} يَقُول يتصدع {فَيَخْرُجُ مِنْهُ المآء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ} يَقُول يتدحرج من أَعلَى الْجَبَل إِلَى أَسْفَله {مِنْ خَشْيَةِ الله} وقلوبكم لَا تتحرك من خوف الله {وَمَا الله بِغَافِلٍ} بتارك عُقُوبَة {عَمَّا تَعْمَلُونَ} من الْمعاصِي وَيُقَال مَا تكتمون من الْمعاصِي

75

{أفتطمعون أَن يُؤمنُوا لكم} أَن ترجو يَا مُحَمَّد أَن تؤمن بك الْيَهُود {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ} وهم السبعون الَّذين كَانُوا مَعَ مُوسَى {يَسْمَعُونَ كَلاَمَ الله} قِرَاءَة مُوسَى لكَلَام الله {ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ} يغيرونه {مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ} علموه وفهموه {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} أَنهم يغيرونه

76

ثمَّ ذكر منا فِي أهل الْكتاب وَيُقَال سفلَة أهل الْكتاب فَقَالَ {وَإِذَا لَقُواْ الَّذين آمَنُواْ} يَعْنِي أَبَا بكر وَأَصْحَابه {قَالُوا آمَنَّا} بنبيكم وَصفته ونعته فِي كتَابنَا {وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ} إِذا رَجَعَ السفلة إِلَى رُؤَسَائِهِمْ {قَالُوا} قَالَ الرؤساء للسفلة {أَتُحَدِّثُونَهُم} أتخبرون مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه {بِمَا فَتَحَ الله عَلَيْكُمْ} بِمَا بَين الله لكم من صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته فِي كتابكُمْ {لِيُحَآجُّوكُم} حَتَّى يخاصموكم {بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ} من عِنْد ربكُم مقدم ومؤخر {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} أفليس لكم ذهن الإنسانية

77

قَالَ الله تَعَالَى {أَو لَا يَعْلَمُونَ} يَعْنِي الرؤساء {أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ} فِيمَا بَينهم {وَمَا يُعْلِنُونَ} بِمُحَمد وَأَصْحَابه

78

{وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكتاب} لَا يحسنون قِرَاءَة الْكتاب وَلَا كِتَابَته {إِلاَّ أَمَانِيَّ} أَحَادِيث بِلَا أصل {وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ} وَمَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا بِالظَّنِّ بتلقين رُؤَسَائِهِمْ

79

{فَوَيْلٌ} فشدة الْعَذَاب وَيُقَال وَاد فِي جَهَنَّم {للَّذين يَكْتُبُونَ الْكتاب} يغيرون صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته فِي الْكتاب {بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا} الْكتاب الَّذِي جَاءَ {مِنْ عِنْدِ الله لِيَشْتَرُواْ بِهِ} بتغييره وكتابته {ثَمَناً قَلِيلاً} عرضا يَسِيرا من المأكلة والفضول {فَوَيْلٌ لَّهُمْ} فشدة الْعَذَاب لَهُم {مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ} مِمَّا غيرت أَيْديهم {وَوَيْلٌ لَّهُمْ} شدَّة الْعَذَاب لَهُم {مِّمَّا يَكْسِبُونَ} يصيبون من الْحَرَام والرشوة

80

{وَقَالُواْ} يَعْنِي الْيَهُود {لَن تَمَسَّنَا النَّار} لن تصيبنا النَّار {إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً} قدر أَرْبَعِينَ يَوْمًا الَّتِي عبد فِيهَا آبَاؤُنَا الْعجل {قُلْ} يَا مُحَمَّد {أَتَّخَذْتُمْ عِندَ الله عَهْداً} على مَا تَقولُونَ {فَلَنْ يُخْلِفَ الله عَهْدَهُ} إِن كَانَ لكم عِنْد الله عهد {أَمْ تَقُولُونَ} بل أتقولون {عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} فِي كتابكُمْ

81

{بلَى} رد عَلَيْهِم {مَن كَسَبَ سَيِّئَةً} أَي أشرك بِاللَّه {وأحاطت بِهِ خطيئته} أوبقه شركه أَي مَاتَ عَلَيْهِ {فَأُولَئِك} أهل هَذِه الصّفة {أَصْحَابُ النَّار} أهل النَّار {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} دائمون لَا يموتون فِيهَا وَلَا يخرجُون مِنْهَا

82

ثمَّ ذكر الَّذين آمنُوا فَقَالَ {وَالَّذين آمَنُواْ} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجنَّة هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} دائمون لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا

83

ثمَّ ذكر أَيْضا ميثاقه على بني إِسْرَائِيل فَقَالَ {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بني إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ الله} لَا توحدون إِلَّا الله وَلَا تشركون بِهِ شَيْئا {وبالوالدين إِحْسَاناً} برا بهما {وَذِي الْقُرْبَى} وصلَة الرَّحِم لِلْقَرَابَةِ {واليتامى} وَالْإِحْسَان إِلَى الْيَتَامَى {وَالْمَسَاكِين} وَالْإِحْسَان إِلَى الْمَسَاكِين {وَقُولُوا للنَّاس حسنا} فِي شَأْن مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَقًا وَيُقَال حسنا صدقا {وَأَقِيمُواْ الصَّلَاة} أَتموا الصَّلَوَات الْخمس {وَآتُواْ الزَّكَاة} وأعطوا زَكَاة أَمْوَالكُم {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ} أعرضتم عَن الْمِيثَاق

{إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْكُمْ} من آبائكم وَيُقَال إِلَّا قَلِيلا مِنْكُم عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه {وَأَنْتُمْ مُّعْرِضُونَ} مكذبون تاركون لَهُ

84

{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ} فِي الْكتاب {لاَ تَسْفِكُونَ دِمَآءَكُمْ} لَا تقتلون بَعْضكُم بَعْضًا {وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ} أَي بَعْضكُم بَعْضًا {مِّن دِيَارِكُمْ} من مَنَازِلكُمْ يَعْنِي بني قُرَيْظَة وَالنضير ثُمَّ {أَقْرَرْتُمْ} قبلتم {وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ} تعلمُونَ ذَلِك

85

{ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ} يَا هَؤُلَاءِ {تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ} بَعْضكُم بَعْضًا {وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنْكُمْ مِّن دِيَارِهِمْ} من مَنَازِلهمْ {تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ} تعاونون بَعْضكُم بَعْضًا {بالإثم} بالظلم {وَالْعُدْوَانِ} الاعتداء {وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَى} يَعْنِي أُسَارَى أهل دينكُمْ {تُفَادُوهُمْ} من الْعَدو مقدم ومؤخر {وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ} أَي إخراجهم وقتلهم محرم عَلَيْكُم {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكتاب} بِبَعْض مَا فِي الْكتاب تفادون أسراءكم من عَدوكُمْ {وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} وتتركون أسراء أصحابكم وَلَا تفادونهم يُقَال أتؤمنون بِبَعْض الْكتاب بِمَا تهوى أَنفسكُم وتكفرون بِبَعْض بِمَا لَا تهوى أَنفسكُم {فَمَا جَزَآءُ مَن يَفْعَلُ ذَلِك مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} إِلَّا عَذَاب فِي الدُّنْيَا بِالْقَتْلِ والسبي {وَيَوْمَ الْقِيَامَة يُرَدُّونَ} يرجعُونَ {إِلَى أَشَدِّ الْعَذَاب} أَسْفَل الْعَذَاب {وَمَا الله بِغَافِلٍ} بتارك عُقُوبَة {عَمَّا تَعْمَلُونَ} من الْمعاصِي وَيُقَال مَا تكتمون

86

{أُولَئِكَ الَّذين اشْتَروا الْحَيَاة الدُّنْيَا بِالآخِرَة} اخْتَارُوا الدُّنْيَا على الْآخِرَة وَالْكفْر على الْإِيمَان {فَلاَ يُخَفَّفُ} لَا يهون وَيُقَال لَا يرفع {عَنْهُمُ الْعَذَاب وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} يمْنَعُونَ من عَذَاب الله

87

{وَلَقَدْ آتَيْنَا} أعطينا {مُوسَى الْكتاب} التَّوْرَاة {وَقَفَّيْنَا} أتبعنا وأردتنا {مِن بَعْدِهِ بالرسل وَآتَيْنَا} أعطينا {عِيسَى ابْن مَرْيَمَ الْبَينَات} الْأَمر وَالنَّهْي والعجائب والعلامات {وَأَيَّدْنَاهُ} قويناه وأعناه {بِرُوحِ الْقُدس} بجبرائيل المطهر {أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ} يَا معشر الْيَهُود {رَسُولٌ بِمَا لاَ تهوى أَنْفُسُكُمْ} بِمَا لَا يُوَافق قُلُوبكُمْ ودينكم {استكبرتم} تعظمتم عَن الْإِيمَان بِهِ {فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ} يَقُول كَذبْتُمْ فريقا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعِيسَى {وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ} وفريقاً قتلتم يحيى وزَكَرِيا

88

{وَقَالُواْ} يَعْنِي الْيَهُود {قُلُوبُنَا غُلْفٌ} من قَوْلك يَا مُحَمَّد أَي قُلُوبنَا أوعية لكل علم وَهِي لَا تعي علمك وكلامك {بَل} رد عَلَيْهِم {لَّعَنَهُمُ الله} طبع الله على قُلُوبهم {بِكُفْرِهِمْ} عُقُوبَة لكفرهم {فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ} مَا يُؤمنُونَ قَلِيلا وَلَا كثيرا وَيُقَال مَا يُؤمنُونَ بِقَلِيل وَلَا بِكَثِير

89

{وَلَمَّا جَآءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ الله مُصَدِّقٌ} مُوَافق {لما مَعَهم} من الْكتاب بالتوحيدوصفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته وَبَعض الشَّرَائِع كفرُوا بِهِ {وَكَانُواْ مِن قبل} من قبل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {يَسْتَفْتِحُونَ} يستنصرون بِمُحَمد وَالْقُرْآن {عَلَى الَّذين كَفَرُواْ} من عدوهم أَسد وغَطَفَان وَمُزَيْنَة وجهينة {فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ} صفته ونعته فِي كِتَابهمْ {كَفَرُواْ بِهِ} جَحَدُوا بِهِ {فَلَعْنَةُ الله} سخطَة الله وعذابه {عَلَى الْكَافرين} على الْيَهُود

90

{بِئْسَمَا اشْتَروا بِهِ أَنْفُسَهُمْ} باعوا بِهِ أنفسهم {أَن يكفروا} بِأَن كفرُوا {بِمَآ أنَزَلَ الله} من الْكتاب وَالرَّسُول {بَغْياً} حسداً {أَن يُنَزِّلُ الله مِن فَضْلِهِ} بِأَن نزل الله جِبْرِيل بفضله الْكتاب والنبوة {على من يَشَاء من عباده} يَعْنِي مُحَمَّدًا {فباؤوا بِغَضَبٍ على غَضَبٍ} فاستوجبوا لعنة على أثر لعنة {وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ} يهانون بِهِ وَيُقَال شَدِيد

91

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ} يَعْنِي الْيَهُود {آمِنُواْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} يَعْنِي الْقُرْآن {قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَآ أُنْزِلَ عَلَيْنَا} يَعْنِي التَّوْرَاة {وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَآءَهُ} يَعْنِي سوى التَّوْرَاة {وَهُوَ الْحق} يَعْنِي الْقُرْآن {مُصَدِّقاً} مُوَافقا بِالتَّوْحِيدِ {لِّمَا مَعَهُمْ} من الْكتاب قَالُوا يَا مُحَمَّد آبَاؤُنَا كَانُوا مُؤمنين قَالَ الله {قُلْ} يَا مُحَمَّد {فَلِمَ تَقْتُلُونَ} قتلتم {أَنبِيَآءَ الله مِن قَبْلُ} من قبل هَذَا {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} إِن كُنْتُم مُصدقين فِي مَقَالَتَكُمْ

92

{وَلَقَدْ جَآءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ} بِالْأَمر وَالنَّهْي والعلامات {ثُمَّ اتخذتم الْعجل} عَبدْتُمْ الْعجل {مِن بَعْدِهِ} من بعد انطلاقه إِلَى الْجَبَل {وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ} كافرون

93

{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ} إقراركم {وَرَفَعْنَا} قلعنا ورفعنا وحبسنا {فَوْقَكُمُ} فَوق رؤوسكم {الطّور} الْجَبَل {خُذُواْ مَآ آتَيْنَاكُم} اعْمَلُوا بِمَا أعطيناكم من الْكتاب {بِقُوَّةٍ} بجد ومواظبة النَّفس {واسمعوا} أطِيعُوا مَا تؤمرون {قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا} كَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ لَوْلَا الْجَبَل لسمعنا قَوْلك وعصينا أَمرك {وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعجل بِكُفْرِهِمْ} أَدخل فِي قُلُوبهم حب عبَادَة الْعجل بكفرهم عُقُوبَة لكفرهم {قُلْ} يَا مُحَمَّد إِن كَانَ حب عبَادَة الْعجل يعدل حب خالقكم {بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ} يَعْنِي عبَادَة الْعجل {إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ} مُصدقين فِي مَقَالَتَكُمْ بِأَن آبَاءَنَا كَانُوا مُؤمنين

94

{قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّار الْآخِرَة} الْجنَّة {عِندَ الله خَالِصَةً} خَاصَّة {مِّن دُونِ النَّاس} من دون الْمُؤمنِينَ بِمُحَمد وَأَصْحَابه {فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْت} فاسألوا الْمَوْت {إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ} فِي مَقَالَتَكُمْ

95

{وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ} لن يسْأَلُوا الْمَوْت {أَبَداً بِمَا قدمت أَيْديهم} بِمَا عملت أَيْديهم فِي الْيَهُودِيَّة {وَالله عَلِيمٌ بالظالمين} باليهود

96

{وَلَتَجِدَنَّهُمْ} يَا مُحَمَّد يَعْنِي الْيَهُود {أَحْرَصَ النَّاس على حَيَاةٍ} على بَقَاء فِي الدُّنْيَا {وَمِنَ الَّذين أَشْرَكُواْ} وأحرص من الَّذين أشركوا مُشْركي الْعَرَب {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ} يتَمَنَّى أحدهم {لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ} أَن يعِيش ألف نيروز ومهرجان {وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ} بمباعده {مِنَ الْعَذَاب أَن يُعَمَّرَ} إِن عَاشَ ألف سنة {وَالله بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} من الْمعاصِي والاعتداء وَمَا يكتمون من صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته

97

ثمَّ نزل فِي قَوْلهم وَهُوَ قَول عبد الله بن صوريا إِن جِبْرِيل عدونا {قُلْ} يَا مُحَمَّد {مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ} عَدو لله {نَزَّلَهُ على قَلْبِكَ} نزل الله جِبْرِيل عَلَيْك بِالْقُرْآنِ {بِإِذْنِ الله} بِأَمْر الله {مُصَدِّقاً} مُوَافقا بِالتَّوْحِيدِ {لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} من الْكتاب {وَهُدًى} من الضَّلَالَة {وبشرى} بِشَارَة للْمُؤْمِنين بِالْجنَّةِ

98

{مَن كَانَ عَدُوّاً للَّهِ وَمَلَائِكَته} ولملائكته {وَرُسُلِهِ} ولرسله {وَجِبْرِيلَ} ولجبريل {وَمِيكَالَ} ولميكال {فَإِنَّ الله عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ} للْيَهُود وَأَيْضًا رسله وَجِبْرِيل وَمِيكَائِيل وَسَائِر الْمُؤمنِينَ أَعدَاء لَهُم

99

{وَلَقَدْ أَنْزَلْنَآ إِلَيْكَ آيَاتٍ} جِبْرِيل بآيَات {بَيِّنَاتٍ} مبينات واضحات بِالْأَمر وَالنَّهْي {وَمَا يَكْفُرُ بِهَآ} يجْحَد بِالْآيَاتِ {إِلَّا الْفَاسِقُونَ} الْكَافِرُونَ الْيَهُود

100

{أَو كلما عَاهَدُواْ عَهْداً} يَعْنِي الرؤساء من الْيَهُود مَعَ مُحَمَّد {نَّبَذَهُ} طَرحه ونقضه {فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ} كلهم {لاَ يُؤْمِنُونَ}

101

{وَلَمَّا جَآءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ الله مُصَدِّقٌ} مُوَافق بِالصّفةِ والنعت {لِّمَا مَعَهُمْ} من الْكتاب {نَبَذَ} طرح {فَرِيقٌ مِّنَ الَّذين أُوتُواْ الْكتاب} أعْطوا الْكتاب {كِتَابَ الله} يَعْنِي التَّوْرَاة {وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ} خلف ظُهُورهمْ لم يُؤمنُوا بِمَا فِيهِ من صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته وَلم يبينوا {كَأَنَّهُمْ} جهلاء {لاَ يَعْلَمُونَ} تركت الْيَهُود كتب الْأَنْبِيَاء كلهَا

102

{وَاتبعُوا مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِين} عمِلُوا بِمَا كتبت الشَّيَاطِين {على مُلْكِ سُلَيْمَانَ} فِي ذهَاب ملك سُلَيْمَان أَرْبَعِينَ يَوْمًا من السحر والنيرنجات {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ} مَا كتب سُلَيْمَان السحر والنيرنجات {وَلَكِن الشَّيَاطِين كَفَرُواْ} كتبُوا {يُعَلِّمُونَ النَّاس} يَعْنِي الشَّيَاطِين وَيُقَال الْيَهُود {السحر وَمَآ أُنْزِلَ عَلَى الْملكَيْنِ} وَلم ينزل على الْملكَيْنِ السحر والنيرنجات وَيُقَال يعلمُونَ مَا ألهم الْملكَانِ أَيْضا {بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ} مَا يصفان يَعْنِي الْملكَيْنِ لأحد {حَتَّى يَقُولاَ} أَولا {إِنَّمَا نَحن فتْنَة} ابتلينا بِهَذِهِ الدعْوَة تَدْعُو بهَا لكَي لَا نَشد الْعَذَاب على أَنْفُسنَا {فَلاَ تَكْفُرْ} فَلَا تتعلم وَلَا تعْمل بِهِ {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا} بِغَيْر تعليمهما {مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْء وَزَوْجِهِ} مَا يَأْخُذ بِهِ الرجل على الْمَرْأَة {وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ} بِالسحرِ والفرقة {مِنْ أَحَدٍ} لأحد {إِلاَّ بِإِذْنِ الله} إِلَّا بِإِرَادَة الله وَعلمه {وَيَتَعَلَّمُونَ} يَعْنِي الشَّيَاطِين وَالْيَهُود والسحرة بَعضهم من بعض {مَا يَضُرُّهُمْ} فِي الْآخِرَة {وَلاَ يَنفَعُهُمْ} فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة {وَلَقَدْ عَلِمُواْ} يَعْنِي الْملكَيْنِ وَيُقَال الْيَهُود فِي كِتَابهمْ وَيُقَال الشَّيَاطِين {لَمَنِ اشْتَرَاهُ} لمن اخْتَار السحر والنرنجات {مَا لَهُ فِي الْآخِرَة} فِي الْجنَّة {مِنْ خَلاَقٍ} نصيب {وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ} مَا اخْتَارُوا بِهِ السحر أنفسهم يَعْنِي الْيَهُود {لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} وَلَكِن لَا يعلمُونَ وَيُقَال وَقد كَانُوا يعلمُونَ فِي كِتَابهمْ

103

{وَلَوْ أَنَّهُمْ} يَعْنِي الْيَهُود {آمَنُواْ} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {وَاتَّقوا} تَابُوا من الْيَهُودِيَّة وَالسحر {لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ الله}) لَكَانَ ثوابهم عِنْد الله {خَيْرٌ} من السحر واليهودية {لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} يصدقون بِثَوَاب الله وَلَكِن لَا يعلمُونَ وَلَا يصدقون وَيُقَال قد كَانُوا يعلمُونَ فِي كأيهم

104

ثمَّ ذكر نَهْيه للْمُؤْمِنين عَن لُغَة الْيَهُود فَقَالَ {يَا أَيُّهَا الَّذين آمَنُواْ} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {لاَ تَقُولُواْ} لمُحَمد {رَاعِنَا} سَمعك يَا نَبِي الله {وَقُولُواْ انظرنا} أَي انْظُر إِلَيْنَا واسمع منا يَا نَبِي الله وَكَانَ بلغتهم رَاعنا اسْمَع لاسمعت فَمن ذَلِك نهى الله الْمُؤمنِينَ عَن لُغَة الْيَهُود {واسمعوا} مَا تؤمرون بِهِ وَأَطيعُوا {وَلِلكَافِرِينَ} للْيَهُود {عَذَابٌ أَلِيمٌ} وجيع يخلص وَجَعه إِلَى قُلُوبهم

105

{مَّا يَوَدُّ} مَا يتَمَنَّى {الَّذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكتاب} كَعْب بن الْأَشْرَف وَأَصْحَابه {وَلاَ الْمُشْركين} مُشْركي الْعَرَب أَبُو جهل وَأَصْحَابه

{أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ} أَن ينزل الله جِبْرِيل على نَبِيكُم {من خير} بِخَير بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام وَالْكتاب {مِّن رَّبِّكُمْ وَالله يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ} يخْتَار لدينِهِ والنبوة وَالْإِسْلَام وَالْكتاب {مَن يَشَآءُ} من كَانَ أَهلا لذَلِك يَعْنِي مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَالله ذُو الْفضل الْعَظِيم} ذُو الْمَنّ الْكَبِير بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام على مُحَمَّد

106

ثمَّ ذكر مَا نسخ من الْقُرْآن وَمَا لم ينْسَخ بمقالة قُرَيْش تَأْمُرنَا يَا مُحَمَّد بِأَمْر ثمَّ تَنْهَانَا عَنهُ فَقَالَ {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ} مَا نمح من آيَة قد عمل بهَا فَلَا تعْمل بهَا {أَوْ نُنسِهَا} نتركها غير مَنْسُوخَة للْعَمَل بهَا {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَآ} أَي نرسل جِبْرِيل بأنفع من الْمَنْسُوخ وأهون فِي الْعَمَل بهَا {أَوْ مِثْلِهَا} فِي الثَّوَاب والنفع وَالْعَمَل {أَلَمْ تَعْلَمْ} يَا مُحَمَّد {أَنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ} من النَّاسِخ والمنسوخ {قدير}

107

{أَلَمْ تَعْلَمْ} يَا مُحَمَّد {أَنَّ الله لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَات وَالْأَرْض} يَعْنِي خَزَائِن السَّمَوَات وَالْأَرْض يَأْمر عباده مَا يَشَاء لِأَنَّهُ عليم بصلاحهم {وَمَا لَكُمْ} يَا معشر الْيَهُود {مِّن دُونِ الله} من عَذَاب الله {مِن وَلِيٍّ} من قريب ينفعكم وَلَا حَافظ يحفظكم {وَلاَ نَصِيرٍ} مَانع يمنعكم

108

{أَمْ تُرِيدُونَ} أتريدون {أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ} رُؤْيَة الرب وَكَلَامه وَغير ذَلِك {كَمَا سُئِلَ مُوسَى} كَمَا سَأَلَ من مُوسَى بَنو إِسْرَائِيل {مِن قبل} من قبل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكفْر بِالْإِيمَان} اخْتَار الْكفْر على الْإِيمَان {فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ السَّبِيل} ترك قصد طَرِيق الْهدى

109

{وَدَّ} تمنى {كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكتاب} كَعْب الْأَشْرَف وَأَصْحَابه وفنحاص ابْن عاز وَرَاء وَأَصْحَابه {لَوْ يَرُدُّونَكُم} أَن يردوكم يَا عمار وَيَا حُذَيْفَة وَيَا معَاذ بن جبل {مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {كُفَّاراً} حَتَّى ترجعوا كفَّارًا إِلَى دينهم {حَسَداً مِّنْ عِنْدِ أَنفُسِهِم} حسداً مِنْهُم {مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحق} فِي كِتَابهمْ أَن مُحَمَّد وَدينه ونعته وَصفته هُوَ الْحق {فاعفوا} فاتركوا {واصفحوا} أَعرضُوا {حَتَّى يَأْتِيَ الله بِأَمْرِهِ} بعذابه على بني قُرَيْظَة وَالنضير من الْقَتْل والسبي والإجلاء {إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ} من الْقَتْل والإجلاء {قَدِيرٌ}

110

{وَأَقِيمُواْ الصَّلَاة} أَتموا الصَّلَوَات الْخمس {وَآتُواْ الزَّكَاة} أعْطوا زَكَاة أَمْوَالكُم {وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم} تسلفوا لأنفسكم {مِّنْ خَيْرٍ} من عمل صَالح وَزَكَاة وَصدقَة {تَجِدُوهُ} تَجدوا ثَوَابه {عِندَ الله} من عِنْد الله {إِنَّ الله بِمَا تَعْمَلُونَ} تنفقون من الصَّدَقَة وَالزَّكَاة {بَصِيرٌ} بنياتكم

111

{وقالواْ} يَعْنِي الْيَهُود {لَن يَدْخُلَ الْجنَّة إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً} إِلَّا من مَاتَ على الْيَهُودِيَّة بزعمهم {أَوْ نَصَارَى} وَكَذَلِكَ قَالَت النَّصَارَى {تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ} تمنيهم أَي تمنوا على الله ماليس فِي كِتَابهمْ {قُلْ} يَا مُحَمَّد لِكِلَا الْفَرِيقَيْنِ {هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ} يَعْنِي حجتكم من كتابكُمْ {إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} فِي مَقَالَتَكُمْ

112

{بلَى} لَيْسَ كَمَا قُلْتُمْ وَلَكِن {مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ} من أخْلص دينه وَعَمله لله {وَهُوَ مُحْسِنٌ} فِي القَوْل وَالْفِعْل {فَلَهُ أَجْرُهُ} ثَوَابه {عِندَ رَبِّهِ} فِي الْجنَّة {وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} بخلود النَّار {وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} بذهاب الْجنَّة

113

ثمَّ ذكر مقَالَة الْيَهُود وَالنَّصَارَى فِي خصومتهم فِي الدّين فَقَالَ {وَقَالَتِ الْيَهُود} يهود أهل الْمَدِينَة {لَيْسَتِ النَّصَارَى على شَيْءٍ} من دين الله وَلَا دين إِلَّا الْيَهُودِيَّة {وَقَالَتِ النَّصَارَى} نَصَارَى أهل نَجْرَان {لَيْسَتِ الْيَهُود على شَيْءٍ} من دين الله وَلَا دين إِلَّا النَّصْرَانِيَّة {وهم يَتلون الْكتاب} وكلا الْفَرِيقَيْنِ يقرونَ الْكتاب وَلَا يُؤمنُونَ وَيَقُولُونَ مَا لَيْسَ فِيهِ {كَذَلِكَ} هَكَذَا {قَالَ الَّذين لاَ يَعْلَمُونَ} تَوْحِيد الله من آبَائِهِم وَيُقَال كتاب الله من غَيرهم {مِثْلَ قَوْلِهِمْ}

شبه قَوْلهم {فَالله يَحْكُمُ} يقْضِي {بَيْنَهُمْ} بَين الْيَهُود وَالنَّصَارَى {يَوْمَ الْقِيَامَة فِيمَا كَانُواْ فِيهِ} من الدّين {يَخْتَلِفُونَ} يخالفون

114

ثمَّ ذكر قطوس بن اسبيانوس الرُّومِي ملك النَّصَارَى الَّذِي خرب بَيت الْمُقَدّس قَالَ {وَمَنْ أَظْلَمُ} فِي كفره {مِمَّنْ مَّنَعَ مَسَاجِدَ الله} خرب بَيت الْمُقَدّس {أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمه} لكيلا يذكر فِيهَا اسْمه بِالتَّوْحِيدِ وَالْأَذَان {وسعى} عمل {فِي خَرَابِهَآ} فِي خراب بَيت الْمُقَدّس من إِلْقَاء لجيف فِيهَا فَكَانَ خراباً إِلَى زمَان عمر {أُولَئِكَ} أهل الرّوم {مَا كَانَ لَهُمْ} أَمن {أَن يَدْخُلُوهَآ} يَعْنِي بَيت الْمُقَدّس {إِلاَّ خَآئِفِينَ} مستخفين من الْمُؤمنِينَ مَخَافَة الْقَتْل لَو علم بِهِ الْقَتْل لقتل {لَّهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ} عَذَاب خراب مدائنهم قسطنطينية وعمورية ورومية {وَلَهُمْ فِي الْآخِرَة عَذَابٌ عَظِيمٌ} شَدِيد أَشد مِمَّا لَهُم فِي الدُّنْيَا

115

ثمَّ ذكر قبلته فَقَالَ {وَللَّهِ الْمشرق وَالْمغْرب} قبْلَة لمن لَا يعلم الْقبْلَة {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ} تحولوا وُجُوهكُم فِي الصَّلَاة بِالتَّحَرِّي {فَثَمَّ وَجْهُ الله} فَتلك الصَّلَاة بِرِضا الله نزلت فِي نفر من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلوا فِي سفر إِلَى غير الْقبْلَة بِالتَّحَرِّي وَيُقَال وَللَّه الْمشرق وَالْمغْرب يَقُول الله لأهل الْمشرق وَالْمغْرب قبْلَة وَهُوَ الْحرم فأينما توَلّوا وُجُوهكُم فِي الصَّلَاة إِلَى الْحرم فثم وَجه الله قبْلَة الله {إِنَّ الله وَاسِعٌ} بالقبلة {عليم} بنياتهم

116

ثمَّ ذكر مقَالَة الْيَهُود وَالنَّصَارَى عَزِيز ابْن الله والمسيح ابْن الله قَالَ {وَقَالُواْ} يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى {اتخذ الله وَلَداً} عَزِيزًا ومسيحاً {سُبْحَانَهُ} نزه نَفسه عَن الْوَلَد وَالشَّرِيك {بَل} لَيْسَ كَمَا قُلْتُمْ وَلَكِن {لَّهُ} عبيدا {مَا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} من الْخلق {كُلٌّ لَهُ قانتون} عقرون لَهُ بالعبودية والتوحيد

117

{بَدِيعُ السَّمَاوَات وَالْأَرْض} ابتدعهما وَلم يَكُونَا شَيْئا {وَإِذَا قضى أَمْراً} إِذا أَرَادَ أَن يخلق ولدا بِلَا أَب مثل الْمَسِيح {فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} ولدا بِلَا أَب كآدم كَانَ بِلَا أَب وَأم

118

{وَقَالَ الَّذين لاَ يَعْلَمُونَ} تَوْحِيد الله يَعْنِي الْيَهُود {لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا الله} مُعَاينَة {أَوْ تَأْتِينَآ آيَة} عَلامَة لنبوة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لآمَنَّا بِهِ {كَذَلِكَ} هَكَذَا {قَالَ الَّذين مِن قَبْلِهِمْ} من آبَائِهِم {مِّثْلَ قَوْلِهِمْ} شبه قَوْلهم {تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ} اسْتَوَت كلمتهم وتوافقت قُلُوبهم مَعَ آبَائِهِم {قَدْ بَيَّنَّا الْآيَات} العلامات الْأَمر وَالنَّهْي وصفاتك فِي التَّوْرَاة {لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} يصدقون

119

{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ} يَا مُحَمَّد {بِالْحَقِّ} بِالْقُرْآنِ والتوحيد {بَشِيراً} بِالْجنَّةِ لمن آمن بِاللَّه {وَنَذِيراً} من النَّار لمن كفر بِاللَّه {وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَاب الْجَحِيم} لَا يَنْبَغِي أَن تسئل عَن أَصْحَاب الْجَحِيم وَيُقَال لَا تسْأَل عَن حاب الْجَحِيم عَن غفران أَصْحَاب الْجَحِيم

120

{وَلَنْ ترْضى عَنكَ الْيَهُود} يهود أهل الْمَدِينَة {وَلاَ النَّصَارَى} نَصَارَى أهل نَجْرَان {حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} دينهم وقبلتهم {قُلْ} يَا مُحَمَّد {إِنَّ هُدَى الله هُوَ الْهدى} أَي دين الله هُوَ الْإِسْلَام وقبلة الله هِيَ الْكَعْبَة {وَلَئِنِ اتبعت أَهْوَآءَهُمْ} دينهم وقبلتهم {بَعْدَ الَّذِي جَآءَكَ مِنَ الْعلم} من الْبَيَان أَن دين الله هُوَ الْإِسْلَام وقبلة الله هِيَ الْكَعْبَة {مَا لَكَ مِنَ الله} من عَذَاب الله {مِن ولي} قريب ينفعك {وَلَا نصير} انع يمنعك

121

ثمَّ ذكر مؤمني أهل الْكتاب عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه وبحيرا الراهب وَأَصْحَابه وَالنَّجَاشِي وَأَصْحَابه فَقَالَ {الَّذين آتَيْنَاهُمُ الْكتاب} أعطيناهم علم الْكتاب يَعْنِي التَّوْرَاة {يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ} يصفونه حق صفته وَلَا يحرفونه أَي يبينون حَلَاله وَحَرَامه وَأمره وَنَهْيه لمن سَأَلَهُمْ ويعملون بمحكمه ويؤمنون بمتشابهه {أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {وَمن يَكْفُرْ بِهِ} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {فَأُولَئِك هُمُ الخاسرون} المغبونون بذهاب الدُّنْيَا وَالْآخِرَة

122

ثمَّ ذكر منته على بني إِسْرَائِيل فَقَالَ {يَا بني إِسْرَائِيل} يَا أَوْلَاد يَعْقُوب {اذْكروا نعمتي}

احْفَظُوا منتي {الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} مننت على آبائكم بالنجاة من فِرْعَوْن وَقَومه وَغير ذَلِك {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ} بِالْإِسْلَامِ {عَلَى الْعَالمين} عالمي زمانكم

123

{وَاتَّقوا يَوْماً} واخشوا عَذَاب يَوْم وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً} لَا تَنْفَع نفس كَافِرَة عَن نفس كَافِرَة شَيْئا وَيُقَال نفس صَالِحَة عَن نفس صَالِحَة شَيْئا وَيُقَال وَالِد عَن وَلَده وَلَا مَوْلُود عَن وَالِده شَيْئا من عَذَاب الله {وَلاَ يقبل مِنْهَا عدل} نِدَاء {وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ} وَلَا يشفع لَهَا شَافِع ملك مقرب وَلَا نَبِي مُرْسل وَلَا عبد صَالح {وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} يمْنَعُونَ مِمَّا يُرَاد بهم

124

ثمَّ ذكر منته على إِبْرَاهِيم خَلِيله فَقَالَ {وَإِذِ ابتلى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ} أَي أمره بِعشر خِصَال خمس فِي الرَّأْس وَخمْس فِي الْجَسَد {فأتمهن} فَعمل بِهن وَيُقَال وَإِذا ابتلى إِبْرَاهِيم ربه بِكَلِمَات بكر كلمة دَعَا ربه بهَا فِي الْقُرْآن فأتمهن وَفِي بِهن وَيُقَال دَعَا بِهن ثمَّ قَالَ لَهُ {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً} خَليفَة يقْتَدى بك قَالَ إِبْرَاهِيم {وَمِن ذريتي} أَي وَاجعَل من ذريتي أَيْضا إِمَامًا يقْتَدى بِهِ قَالَ الله {لاَ يَنَالُ عَهْدِي} أَي لَا ينَال عهدي إِلَيْك ووعدي إِلَيْك وكرمتي إِلَيْك ورحمتي {الظَّالِمين} من ذريتك وَيُقَال أَي لَا أجعَل إِمَامًا ظَالِما من ذريتك وَيُقَال لَا ينَال عهدي الظَّالِمين فِي الْآخِرَة وَأما فِي الدُّنْيَا فينالهم

125

ثمَّ أَمر الْخلق أَن يقتدوا بِهِ فَقَالَ {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْت مَثَابَةً} مرجعاً {لِّلنَّاسِ} يثوبون إِلَيْهِ ويشتاقون إِلَيْهِ {وَأَمْناً} لمن دخل فِيهِ {وَاتَّخذُوا} يَا أمة مُحَمَّد {مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} قبْلَة {وَعَهِدْنَآ إِلَى إِبْرَاهِيمَ} أمرنَا إِبْرَاهِيم {وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ} من الْأَصْنَام {والعاكفين} المقيمين {والركع السُّجُود} لأهل الصَّلَوَات الْخمس من جملَة الْبلدَانِ

126

{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَل هَذَا بَلَداً آمِناً} من أَن يهاج فِيهِ {وارزق أَهْلَهُ مِنَ الثمرات} من ألوان الثمرات {مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت قَالَ الله {وَمَن كَفَرَ} أَيْضا {فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً} فسأرزقه لَيْلًا فِي الدُّنْيَا {ثُمَّ أَضْطَرُّهُ} ألجؤه {إِلَى عَذَابِ النَّار وَبِئْسَ الْمصير} صَار إِلَيْهِ

127

{وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِد مِنَ الْبَيْت} بنى إِبْرَاهِيم أساس الْبَيْت {وَإِسْمَاعِيلُ} يُعينهُ فَلَمَّا فرغا قَالَا

128

{رَبَّنَا} يَا رَبنَا {تَقَبَّلْ مِنَّآ} بناءنا بَيْتك {إِنَّك أَنْت السَّمِيع} لدعائنا {الْعَلِيم} الْإِجَابَة وَيُقَال الْعَلِيم بنياتنا لبنائنا بَيْتك {رَبَّنَا} يَا رَبنَا {واجعلنا مُسْلِمَيْنِ} مُطِيعِينَ مُخلصين {لَكَ} بِالتَّوْحِيدِ وَالْعِبَادَة {وَمِن ذريتنا أمة مسلمة} مطيعة مخلصة {لَّكَ} بِالتَّوْحِيدِ وَالْعِبَادَة {وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا} علمنَا سنَن حجنا {وَتُبْ عَلَيْنَآ} تجَاوز عَنَّا تقصيرنا {إِنَّكَ أَنتَ التواب} المتجاوز {الرَّحِيم} بِالْمُؤْمِنِينَ

129

{رَبَّنَا} يَا رَبنَا {وَابعث فِيهِمْ} فِي ذُرِّيَّة إِسْمَاعِيل {رَسُولا مِنْهُم} من نسبهم {يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ} الْقُرْآن {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكتاب} الْقُرْآن {وَالْحكمَة} الْحَلَال وَالْحرَام {وَيُزَكِّيهِمْ} يطهرهم بِالتَّوْحِيدِ وَالزَّكَاة من الذُّنُوب {إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيز} بالنقمة لمن لَا يُجيب رَسُولك الَّذِي ترسله إِلَيْهِم {الْحَكِيم} فِي إرْسَال الرَّسُول فَاسْتَجَاب الله دعاءه وَبعث فيهم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهن تِلْكَ الْكَلِمَات الَّتِي ابتلاه الله بهَا {فأتمهن} فَدَعَا بِهن

130

{وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ}

من يزهد فِي دين إِبْرَاهِيم وسننه {إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ} إِلَّا من خسر نَفسه وَذهب عقله وسفه رَأْيه {وَلَقَدِ اصطفيناه} اخترناه يَعْنِي إِبْرَاهِيم {فِي الدُّنْيَا} بالخلة وَيُقَال اخترناه فِي الدُّنْيَا بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام والذرية الطّيبَة {وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَة لَمِنَ الصَّالِحين} مَعَ آبَائِهِ الْمُرْسلين فِي الْجنَّة

131

{إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ} حِين خرج من السرب {أَسْلِمْ} فَرد فِي مَقَالَتك وَقل لَا إِلَه الا الله {قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالمين} فَردَّتْ فِي مَقَالَتي لله رب الْعَالمين وَيُقَال قَالَ لَهُ ربه حِين دَعَا قومه إِلَى التَّوْحِيد أسلم أخْلص دينك وعملك لله قَالَ أسلمت أخلصت ديني وعملي لله رب الْعَالمين وَيُقَال قَالَ لَهُ ربه حِين ألقِي فِي النَّار أسلم نَفسك إِلَى قَالَ أسلمت نَفسِي لله رب الْعَالمين

132

{ووصى بِهَآ إِبْرَاهِيمُ} بِلَا إِلَه إِلَّا الله {بَنِيهِ} عِنْد الْمَوْت {وَيَعْقُوبُ} أبناءه أَيْضا قَالَ {يَا بني إِنَّ الله اصْطفى لَكُمُ الدّين} اخْتَار لكم دين الْإِسْلَام {فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ} فاثبتوا على الْإِسْلَام حَتَّى تَمُوتُوا مُسلمين مُخلصين لَهُ بِالتَّوْحِيدِ وَالْعِبَادَة

133

ثمَّ ذكر خُصُومَة الْيَهُود بدين إِبْرَاهِيم فَقَالَ {أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ} أَكُنْتُم يَا معشر الْيَهُود حضراء {إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْت} بِمَاذَا أوصى بنيه باليهودية أَو الْإِسْلَام {إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي} من بعد موتِي {قَالُواْ نَعْبُدُ إلهك} الَّذِي تعبده {وإله آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِداً} أَي نعْبد إِلهاً وَاحِدًا {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} مقرون لله بِالْعبَادَة والتوحيد

134

{تِلْكَ أُمَّةٌ} جمَاعَة {قَدْ خَلَتْ} قد مَضَت {لَهَا مَا كَسَبَتْ} من الْخَيْر {وَلَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْ} من الْخَيْر {وَلاَ تُسْأَلُونَ} يَوْم الْقِيَامَة {عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وَيَقُولُونَ

135

ثمَّ ذكر خُصُومَة الْيَهُود وَالنَّصَارَى مَعَ الْمُؤمنِينَ فَقَالَ {وَقَالُواْ} يَعْنِي الْيَهُود للْمُؤْمِنين {كُونُواْ هُوداً} تهتدوا من الضَّلَالَة {أَوْ نَصَارَى} مقدم ومؤخر وَقَالَت النَّصَارَى كَذَلِك {تَهْتَدُواْ قُلْ} يَا مُحَمَّد لَيْسَ كَمَا قُلْتُمْ {بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً} مُسلما وَلَكِن اتبعُوا دين إِبْرَاهِيم حَنِيفا مُسلما مخلصاً تهتدوا {وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْركين} على دينهم

136

ثمَّ علم الْمُؤمنِينَ مجْرى التَّوْحِيد لكَي تكون للْيَهُود وَالنَّصَارَى دلَالَة إِلَى التَّوْحِيد فَقَالَ {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّه وَمَآ أُنْزِلَ إِلَيْنَا} يَعْنِي بِمُحَمد وَالْقُرْآن {وَمَآ أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ} يَعْنِي وبإبراهيم وَكتابه {وَإِسْمَاعِيل} وبإسمعيل وَكتابه {وَإِسْحَاق} وبإسحق وَكتابه {وَيَعْقُوبَ} وبيعقوب وَكتابه {والأسباط} وبأولاد يَعْقُوب وكتبهم {وَمَآ أُوتِيَ مُوسَى} يَعْنِي وبموسى والتوراة {وَعِيسَى} يَعْنِي وبعيسى وَالْإِنْجِيل {وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ} يَعْنِي وبجملة النَّبِيين وكتبهم {مِن رَّبِّهِمْ لاَ نفرق بَين أحد مِنْهُم} وَبَين لله بِالنُّبُوَّةِ التَّوْحِيد وَيُقَال لَا نكفر بِأحد مِنْهُم {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} مقرون لَهُ بِالْعبَادَة والتوحيد

137

{فَإِنْ آمَنُواْ} يَعْنِي أهل الْكتاب {بِمِثْلِ مَآ آمنتم بِهِ} بجملة لأنبياء وكتبهم {فَقَدِ اهتدوا} من الضَّلَالَة بدين مُحَمَّد وَإِبْرَاهِيم {وَّإِن تَوَلَّوْاْ} أَعرضُوا عَن الْإِيمَان بالنبيين وكتبهم {فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ} فِي خلاف من الدّين {فَسَيَكْفِيكَهُمُ الله} يَقُول سيرفع الله عَنْك مؤنتهم بِالْقَتْلِ والإجلاء {وَهُوَ السَّمِيع} لمقالتهم {الْعَلِيم} بعقوبتهم

138

{صِبْغَةَ الله} أَي اتبعُوا دين الله {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله صِبْغَةً} دينا {وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ} وَقُولُوا نَحن موحدون لَهُ بِالْعبَادَة والتوحيد

139

{قُلْ} يَا مُحَمَّد للْيَهُود وَالنَّصَارَى {أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللَّهِ} أتخاصموننا فِي دين الله {وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ} الله رَبنَا وربكم {وَلَنَآ أَعْمَالُنَا} ديننَا {وَلكم أَعمالكُم}

عَلَيْكُم أَعمالكُم دينكُمْ {وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ} مقرون لَهُ بِالْعبَادَة والتوحيد

140

{أَمْ تَقُولُونَ} يَا معشر الْيَهُود وَالنَّصَارَى {إِنَّ إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب والأسباط} أَوْلَاد يَعْقُوب {كَانُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَى} كَمَا تَقولُونَ {قُلْ} يَا مُحَمَّد {أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ} بدينهم {أَمِ الله} وَقد أخبرنَا الله مَا كَانَ إِبْرَاهِيم يَهُودِيّا وَلَا نَصْرَانِيّا {وَمَنْ أَظْلَمُ} فِي كفره وأعتى وأجرأ على الله {مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ الله} فِي التَّوْرَاة فِي هَذَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَمَا الله بِغَافِلٍ} بساه {َعَمَّا تَعْمَلُونَ} تكتمون من الشَّهَادَة

141

{تِلْكَ أُمَّةٌ} جمَاعَة {قَدْ خَلَتْ} قد مَضَت {لَهَا مَا كَسَبَتْ} من الْخَيْر {وَلَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْ} من الْخَيْر {وَلاَ تُسْأَلُونَ} يَوْم الْقِيَامَة {عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} فِي الدُّنْيَا

142

{سَيَقُولُ السفهآء مِنَ النَّاس} الْجُهَّال من الْيَهُود ومشركي الْعَرَب {مَا ولاهم} مَا حَولهمْ {عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا} إِلَّا ليرجعوا إِلَى دين آبَائِهِم وَيُقَال مَا ولاهم أَي شَيْء حَولهمْ عَن قبلتهم الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا وصلوا إِلَيْهَا يَعْنِي بَيت الْمُقَدّس {قُل} يَا مُحَمَّد {لله الْمشرق} الصَّلَاة إِلَى الْكَعْبَة {وَالْمغْرب} الصَّلَاة الَّتِي صليتم إِلَى بَيت الْمُقَدّس كِلَاهُمَا بِأَمْر الله {يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} يثبت من يَشَاء على دين وقبلة مُسْتَقِيمَة

143

{وَكَذَلِكَ} يَعْنِي كَمَا أكرمناكم بدين إِبْرَاهِيم الْإِسْلَام وقبلته {جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} عدلا {لِّتَكُونُواْ} لكَي تَكُونُوا {شُهَدَآءَ} لِلنَّبِيِّينَ {عَلَى النَّاس وَيَكُونَ الرَّسُول} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {عَلَيْكُمْ شَهِيداً} لكم مزكياً معدلاً {وَمَا جَعَلْنَا} مَا حولنا {الْقبْلَة الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَآ} صليت إِلَيْهَا تِسْعَة عشر شهرا {إِلاَّ لِنَعْلَمَ} لكَي نرى ونميز {مَن يَتَّبِعُ الرَّسُول} فِي الْقبْلَة {مِمَّن يَنقَلِبُ} يرجع {على عَقِبَيْهِ} إِلَى دينه وقبلته الأولى {وَإِن كَانَتْ} وَقد كَانَت صرف الْقبْلَة {لَكَبِيرَةً} لثقيلة {إِلاَّ عَلَى الَّذين هَدَى الله} حفظ الله قُلُوبهم {وَمَا كَانَ الله لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} ليبطل إيمَانكُمْ كقبل نسخ الشَّرَائِع وَيُقَال وَمَا كَانَ الله لِيُضيع لينسخ إيمَانكُمْ وَلَكِن نسخ شرائع إيمَانكُمْ وَيُقَال مَا نسخ إيمَانكُمْ صَلَاتكُمْ نَحْو بَيت الْمُقَدّس وَلَكِن نسخ قبلتكم بَيت الْمُقَدّس {إِنَّ الله بِالنَّاسِ} بِالْمُؤْمِنِينَ {لرؤوف رَّحِيمٌ} لَا ينْسَخ إيمَانكُمْ كقبل نسخ الشَّرَائِع

144

ثمَّ ذكر دُعَاء نبيه فِي تَحْويل الْقبْلَة إِلَى الْكَعْبَة فَقَالَ {قَدْ نرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السمآء} رفع بَصرك إِلَى السَّمَاء لنزول جِبْرِيل بتحويل الْقبْلَة {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ} فلنحولنك فِي الصَّلَاة {قِبْلَةً} إِلَى قبْلَة {تَرْضَاهَا} تهواها قبْلَة إِبْرَاهِيم {فَوَلِّ وَجْهَكَ} فحول وَجهك فِي الصَّلَاة {شَطْرَ} نَحْو {الْمَسْجِد الْحَرَام وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ} فِي بر أَو بَحر {فَوَلوا وُجُوهكُم} فِي الصَّلَاة {شَطْرَهُ} نَحوه {وَإِنَّ الَّذين أُوتُواْ الْكتاب} أعْطوا الْكتاب {لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ} يَعْنِي الْحرم {الْحق مِن رَّبِّهِمْ} هُوَ قبْلَة إِبْرَاهِيم وَلَكِن يكتمونه {وَمَا الله بِغَافِلٍ} بساه {عَمَّا يَعْمَلُونَ} يكتمون

145

{وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذين أُوتُواْ الْكتاب} جِئْت الَّذين أعْطوا الْكتاب {بِكُلِّ آيَةٍ}

عَلامَة طلبُوا مِنْك {مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ} مَا صلوا إِلَى قبلتك وَمَا دخلُوا فِي دينك {وَمَآ أَنتَ بِتَابِعٍ} بمصل {قِبْلَتَهُمْ} قبْلَة الْيَهُود وَالنَّصَارَى {وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ} بمصل {قِبْلَةَ بَعْضٍ} يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى {وَلَئِنِ اتبعت أَهْوَاءَهُم} بعد مَا نهيناك فَصليت إِلَى قبلتهم {مِّن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعلم} الْبَيَان أَن الْحرم هُوَ قبْلَة إِبْرَاهِيم {إِنَّكَ إِذَاً} إِن فعلت ذَلِك حِينَئِذٍ {لَّمِنَ الظَّالِمين} الضارين لنَفسك

146

ثمَّ ذكر مؤمني أهل الْكتاب فَقَالَ {الَّذين آتَيْنَاهُمُ الْكتاب} أعطيناهم علم التَّوْرَاة عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه {يعرفونه} يعْرفُونَ مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِصفتِهِ ونعته {كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَآءَهُمْ} بَين الغلمان {وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ} من أهل الْكتاب {لَيَكْتُمُونَ الْحق} صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} فِي كِتَابهمْ

147

{الْحق مِن رَّبِّكَ} أَي أَنَّك نَبِي مُرْسل من الله {فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الممترين} من الشاكين أَنهم لَا يعلمُونَ

148

{وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ} لكل أهل دين قبْلَة {هُوَ مُوَلِّيهَا} مستقبلها بهوى نَفسه وَيُقَال وَلكُل وجهة لكل نَبِي قبْلَة وَهِي الْكَعْبَة هُوَ موليها أَمر أَن يستقبلها {فاستبقوا الْخيرَات} فبادروا بالطاعات يَا أمة مُحَمَّد من جَمِيع الْأُمَم {أَيْنَمَا تَكُونُواْ} فِي بر أَو بَحر {يَأْتِ بِكُمُ الله} يَجِيء بكم ويجمعكم الله {جَمِيعاً} فيجزيكم بالخيرات {إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ} من جمعكم وَغَيره {قَدِيرٌ}

149

{وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ} فِي الصَّلَاة {شَطْرَ} نَحْو {الْمَسْجِد الْحَرَام وَإِنَّهُ} يَعْنِي الْحرم {لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ} إِنَّه قبْلَة إِبْرَاهِيم صلوَات الله عَلَيْهِ {وَمَا الله بِغَافِلٍ} بساه {عَمَّا تَعْمَلُونَ} عَمَّا تكتمون من قبْلَة إِبْرَاهِيم وَغَيرهَا

150

{وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ} كنت {فَوَلِّ وَجْهَكَ} فِي الصَّلَاة {شَطْرَ الْمَسْجِد الْحَرَام وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ} فِي بر أَو بَحر {فَوَلوا وُجُوهكُم} فِي الصَّلَاة {شَطْرَهُ} نَحوه {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ} لعبد الله ابْن سَلام وَأَصْحَابه {عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ} فِي تَحْويل الْقبْلَة لِأَن فِي كِتَابهمْ أَن الْحرم هُوَ قبْلَة إِبْرَاهِيم فَإِذا صليتم إِلَيْهِ لَا تكون لَهُم عَلَيْكُم حجَّة {إِلاَّ الَّذين ظَلَمُواْ} وَلَا الَّذين ظلمُوا فِي الْمقَالة {مِنْهُمْ} كَعْب بن الْأَشْرَف وَأَصْحَابه ومشركو الْعَرَب {فَلاَ تَخْشَوْهُمْ} فِي صرف الْقبْلَة {واخشوني} فِي تَركهَا {وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي} لكَي أتم منتي {عَلَيْكُمْ} بالقبلة كَمَا أتممت عَلَيْكُم بِالدينِ {وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} إِلَى قبْلَة إِبْرَاهِيم

151

{كَمَآ أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً} يَقُول اذكروني كَمَا أرسلنَا إِلَيْكُم رَسُولا {مِنْكُم} من نسبكم {يَتْلُو عَلَيْكُمْ} يقْرَأ عَلَيْكُم {آيَاتِنَا} يَعْنِي الْقُرْآن بِالْأَمر وَالنَّهْي {وَيُزَكِّيكُمْ} يطهركم بِالتَّوْحِيدِ وَالزَّكَاة وَالصَّدَََقَة من الذُّنُوب {وَيُعَلِّمُكُمُ الْكتاب} يَعْنِي الْقُرْآن {وَالْحكمَة} الْحَلَال وَالْحرَام {وَيُعَلِّمُكُم} من الْأَحْكَام وَالْحُدُود وأخبار الْأُمَم الْمَاضِيَة {مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ} قبل الْقُرْآن وَمُحَمّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

152

{فاذكروني} بِالطَّاعَةِ {أَذْكُرْكُمْ} بِالْجنَّةِ وَيُقَال فاذكروني فِي الرخَاء أذكركم فِي الشدَّة {واشكروا لِي} نعمتي {وَلاَ تكفرون} لَا تتركوا شكرها

153

{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ اسْتَعِينُوا بِالصبرِ} على أَدَاء فَرَائض الله وَترك الْمعاصِي وعَلى المرازي {وَالصَّلَاة} وبكثرة صَلَاة التَّطَوُّع بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار على تمحيص الذُّنُوب {إِنَّ الله مَعَ الصابرين} معِين وحافظ وناصر للصابرين على المرازي

154

ثمَّ ذكر مقَالَة الْمُنَافِقين لشهداء بدر وَأحد والمشاهد كلهَا مَاتَ فلَان وَذهب عَنهُ النَّعيم وَالسُّرُور لكَي يغتم بِهِ المخلصون فَقَالَ الله {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ الله} فِي طَاعَة الله يَوْم بدر والمشاهد كلهَا

{أَمْوَاتٌ} كَسَائِر الْأَمْوَات {بَلْ أَحْيَاءٌ} بل هم كأحياء أهل الْجنَّة فِي الْجنَّة يرْزقُونَ من التحف {وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ} لَا تعلمُونَ بكرامتهم وحالهم

155

ثمَّ ذكر ابتلاءه للْمُؤْمِنين فَقَالَ {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ} لنختبرنكم {بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْف} خوف الْعَدو {والجوع} فِي قحط السنين {وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَال} ذهَاب الْأَمْوَال {والأنفس} وَذَهَاب الْأَنْفس بِالْقَتْلِ وَالْمَوْت والأمراض {والثمرات} وَذَهَاب الثمرات ثمَّ قَالَ {وَبَشِّرِ} يَا مُحَمَّد {الصابرين}

156

{الَّذين إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ} مِمَّا ذكرت {قَالُواْ إِنَّا للَّهِ} نَحن عبيد الله {وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَاجِعونَ} بعد الْمَوْت وَإِن لم نرض بِقَضَائِهِ لَا يرضى عَنَّا بأعمالنا

157

{أُولَئِكَ} أهل هَذِه الصّفة {عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ} مغْفرَة {مِّن رَّبِّهِمْ} فِي الدُّنْيَا {وَرَحْمَةٌ} من الْعَذَاب فِي الْآخِرَة {وَأُولَئِكَ هُمُ المهتدون} للاسترجاع

158

ثمَّ ذكر كَرَاهِيَة الْمُؤمنِينَ للطَّواف بَين الصَّفَا والمروة من قبل الصنمين اللَّذين كَانَا عَلَيْهِمَا فَقَالَ {إِنَّ الصَّفَا والمروة} يَقُول الطّواف بَين الصَّفَا والمروة {مِن شَعَآئِرِ الله} مِمَّا أَمر الله تَعَالَى من مَنَاسِك الْحَج {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْت أَوِ اعْتَمر فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ} لَا مأتم عَلَيْهِ {أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} بَينهمَا {وَمَن تَطَوَّعَ خيرا} من زَاد على الطوف الْوَاجِب {فَإِنَّ الله شَاكِرٌ} يقبله {عَلِيمٌ} بنياتكم وَيُقَال فَإِن الله شَاكر يشْكر الْيَسِير وَيجْزِي بالجزيل

159

{إِنَّ الَّذين يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا} بَينا {مِنَ الْبَينَات} من الْأَمر وَالنَّهْي والعلامات فِي التَّوْرَاة {وَالْهدى} صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته {مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ} لبني إِسْرَائِيل {فِي الْكتاب} فِي التَّوْرَاة {أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ الله} يعذبهم الله فِي الْقَبْر {وَيَلْعَنُهُمُ اللاعنون} يلعنهم الْخَلَائق غير الْجِنّ وَالْإِنْس إِذا سمعُوا أَصْوَاتهم فِي الْقَبْر

160

{إِلاَّ الَّذين تَابُواْ} من الْيَهُودِيَّة {وَأَصْلَحُواْ} وحدوا {وَبَيَّنُواْ} صفة مُحَمَّد ونعته {فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ} أتجاوز عَنْهُم {وَأَنَا التَّوَّابُ} المتجاوز لمن تَابَ {الرَّحِيمُ} لمن مَاتَ على التَّوْبَة

161

{إِن الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ} بِاللَّه وَرَسُوله {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ الله} عَذَاب الله {وَالْمَلَائِكَة} لعنة الْمَلَائِكَة {وَالنَّاس أَجْمَعِينَ} لعنة الْمُؤمنِينَ بَعضهم بَعْضًا ترجع عَلَيْهِم

162

{خَالِدِينَ فِيهَا} فِي اللَّعْنَة {لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَاب} لَا يرفع وَلَا يرفعهُ وَلَا يهون عَلَيْهِم الْعَذَاب {وَلاَ هُمْ يُنْظَرُونَ} يؤجلون من الْعَذَاب

163

ثمَّ وحد نَفسه حِين جَحَدُوا وحدانيته فَقَالَ {وإلهكم إِلَه وَاحِدٌ} بِلَا ولد وَلَا شريك {لاَّ إِلَه إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَن} العاطف {الرَّحِيم} العطوف

164

ثمَّ ذكر عَلامَة وحدانيته فَقَالَ {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَات وَالْأَرْض} يَقُول فِي تخليقهما وَيُقَال فِيمَا خلق فيهمَا {وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار} فِي تقليب اللَّيْل وَالنَّهَار وزيادتهما ونقصانهما {والفلك} وَفِي السفن {الَّتِي تَجْرِي} تسير {فِي الْبَحْر بِمَا يَنفَعُ النَّاس} فِي مَعَايشهمْ {وَمَآ أَنزَلَ الله} وَفِيمَا أنزل الله {مِنَ السمآء مِن مَّآءٍ} مطر {فَأَحْيَا بِهِ} بالمطر {الأَرْض بعد مَوتهَا} بعد قحطها ويبوستهما {وَبَثَّ فِيهَا} خلق فِيهَا {مِن كُلِّ دَآبَّةٍ} ذكر وَأُنْثَى

{وَتَصْرِيفِ الرِّيَاح} وَفِي تقليب الرِّيَاح يَمِينا وَشمَالًا قبولاً ودبوراً مرّة بِالْعَذَابِ وَمرَّة بِالرَّحْمَةِ {والسحاب المسخر} وَفِي السَّحَاب الْمُذَلل {بَيْنَ السمآء وَالْأَرْض} يَقُول فِي كل هَؤُلَاءِ {لآيَاتٍ} لعلامات لوحدانية الرب {لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} يصدقون أَنَّهَا من الله

165

ثمَّ ذكر حب الْكفَّار لمعبودهم فِي الدُّنْيَا وتبرؤ بَعضهم من بعض فِي الْآخِرَة فَقَالَ {وَمِنَ النَّاس} يَعْنِي الْكفَّار {مَن يَتَّخِذُ} من يعبد {مِن دُونِ الله أَندَاداً} أصناماً {يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ الله} كحب الْمُؤمنِينَ المخلصين لله {وَالَّذين آمَنُواْ أَشَدُّ} أدوم {حُبّاً للَّهِ} من الْكفَّار لأصنامهم وَيُقَال نزلت هَذِه الْآيَة فِي الْمُنَافِقين الَّذين اتَّخذُوا الدِّرْهَم وَالدَّنَانِير كنزاً وكهفاً وَيُقَال اتَّخذُوا رؤساءهم آلِهَة من دون الله {وَلَوْ يَرَى الَّذين ظلمُوا} لَو يعلم الَّذين أشركوا {إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَاب} يَوْم الْقِيَامَة {أَنَّ الْقُوَّة} وَالْقُدْرَة والمنعة (للَّهِ جَمِيعًا وَأَن لله شَدِيدُ الْعَذَاب) فِي الْآخِرَة لآمنوا فِي الدُّنْيَا

166

{إِذْ تَبَرَّأَ الَّذين اتبعُوا} يَعْنِي القادة {مِنَ الَّذين اتبعُوا} يَعْنِي السفلة {وَرَأَوُاْ} يَعْنِي القادة والسفلة {الْعَذَاب} فِي الْآخِرَة {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَاب} الْعَهْد والإلفة بَينهم فِي الدُّنْيَا

167

{وَقَالَ الَّذين اتبعُوا} يَعْنِي السفلة {لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً} رَجْعَة إِلَى الدُّنْيَا {فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ} من القادة فِي الدُّنْيَا {كَمَا تبرؤوا مِنَّا} فِي الْآخِرَة {كَذَلِكَ} هَكَذَا {يُرِيهِمُ الله أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ} ندامات {عَلَيْهِمْ} فِي الْآخِرَة {وَمَا هُم بِخَارِجِينَ} القادة والسفلة {مِنَ النَّار

168

! ثمَّ ذكر تَحْلِيل الْحَرْث والأنعام فَقَالَ {يَا أَيهَا النَّاس} يَا أهل مَكَّة {كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْض} من الْحَرْث والأنعام {حَلاَلاً طَيِّباً} بِغَيْر تَحْرِيم من الله {وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَان} تَزْيِين الشَّيْطَان ووسوسته فِي تَحْرِيم الْحَرْث والأنعام {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} ظَاهر الْعَدَاوَة

169

{إِنَّمَا يَأْمُركُمْ} الشَّيْطَان {بالسوء} بالقبيح من الْفِعْل {والفحشآء} الْمعاصِي {وَأَن تَقُولُواْ عَلَى الله} من الْكَذِب {مَا لاَ تَعْلَمُونَ} ذَلِك

170

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ} لمشركي الْعَرَب {اتبعُوا مَآ أَنزَلَ الله} اتبعُوا تَحْلِيل مَا بَين الله من الْحَرْث والأنعام {قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ} وجدنَا عَلَيْهِ {آبَآءَنَآ} من التَّحْرِيم قَالَ الله {أَو لَو كَانَ آبَاؤُهُمْ} أَو لَيْسَ كَانَ آباؤهم وَقد كَانَ آباؤهم {لَا يعْقلُونَ شَيْئا} من الدّين {وَلَا يَهْتَدُونَ} لسنة نَبِي فَكيف تتبعونهم وَيُقَال وَإِن كَانَ آباؤهم لَا يعْقلُونَ شَيْئا من الدُّنْيَا وَلَا يَهْتَدُونَ لسنة نَبِي فَكيف تتبعونهم وَيُقَال وَإِن كَانَ آباؤهم لَا يعْقلُونَ شَيْئا من الدّين وَلَا يَهْتَدُونَ لسنة نَبِي أَنهم يتبعونهم

171

ثمَّ ضرب مثل الْكفَّار مَعَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ {وَمثل الَّذين كفرُوا} مَعَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ} يَقُول كَمثل المنعوق وَهُوَ الْإِبِل وَالْغنم مَعَ الناعق وَهُوَ الرَّاعِي الَّذِي ينعق بِصَوْت بِمَا لَا يسمع أَي لَا يفهم كَلَامه أَي كَلَام الرَّاعِي إِذا قَالَ لَهُ كل أَو اشرب {إِلاَّ دُعَآءً وَنِدَآءً صُمٌّ} عَن الْحق {بُكْمٌ} عَن الْحق {عمي} عَن الْهدى أَي يتصامون ويتباكمون ويتعامون عَن الْحق وَالْهدى {فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ} لَا يفقهُونَ أَمر الله ودعوة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا لَا تعقل الْإِبِل وَالْغنم كَلَام الرَّاعِي

172

ثمَّ ذكر أَيْضا تَحْلِيل الْحَرْث والأنعام فَقَالَ {يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ} من حلالات {مَا رَزَقْنَاكُمْ} أعطيناكم من الْحَرْث والأنعام {واشكروا للَّهِ} بذلك {إِن كُنْتُمْ} إِذْ كُنْتُم {إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} وَيُقَال إِن كُنْتُم تُرِيدُونَ بتحريمها عِبَادَته فَلَا تحرموها فَإِن عبَادَة الله فِي تحليلها

173

ثمَّ بَين مَا حرم عَلَيْهِم فَقَالَ {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْميتَة} الَّتِي أَمر بذبحها {وَالدَّم} دم المسفوح {وَلَحْمَ الْخِنْزِير وَمَآ أُهِلَّ بِهِ لغير الله}

مَا ذبح لغير اسْم الله عمدا للأصنام {فَمَنِ اضْطر} أجهد إِلَى أكل الْميتَة {غَيْرَ بَاغٍ} غير خَارج وَلَا مستحل {وَلاَ عَادٍ} يَقُول وَلَا قَاطع الطَّرِيق وَلَا متعمد لأكلها بِغَيْر الضَّرُورَة {فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} فَلَا حرج عَلَيْهِ بِأَكْل الْميتَة عِنْد الضَّرُورَة شبعاً وَلَا يتزود مِنْهَا شَيْئا {إِن الله غَفُور} بِأَكْلِهِ فَوق الْقُوت {رَّحِيمٌ} حِين رخص لَهُ أكل الْميتَة

174

{إِنَّ الَّذين يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلَ الله مِنَ الْكتاب} مَا بَين الله فِي التَّوْرَاة من صفة مُحَمَّد ونعته {وَيَشْتَرُونَ بِهِ} بكتمانه {ثَمَناً قَلِيلاً} عوضا يَسِيرا نزلت فِي كَعْب بن الْأَشْرَف وحيي بن أَخطب وجدي بن أَخطب {أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ} مَا يدْخلُونَ {فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّار} إِلَّا الْحَرَام وَيُقَال إِلَّا مَا يكون نَار فِي بطونهم يَوْم الْقِيَامَة {وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ الله} بِكَلَام طيب {يَوْمَ الْقِيَامَة وَلاَ يُزَكِّيهِمْ} وَلَا يبرئهم من الذُّنُوب وَيُقَال وَلَا يثني عَلَيْهِم ثَنَاء حسنا {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وجيع يخلص وَجَعه إِلَى قُلُوبهم

175

{أُولَئِكَ الَّذين اشْتَروا الضَّلَالَة بِالْهدى} الْكفْر بِالْإِيمَان {وَالْعَذَاب بالمغفرة} الْيَهُودِيَّة بِالْإِسْلَامِ وَيُقَال اخْتَارُوا مَا تجب بِهِ النَّار على مَا تجب بِهِ الْجنَّة {فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّار} يَقُول فَمَا أجرأهم على النَّار وَيُقَال فَمَا الَّذِي أجرأهم على النَّار وَيُقَال فَمَا أعملهم بِعَمَل أهل النَّار

176

{ذَلِكَ} الْعَذَاب {بِأَنَّ الله نَزَّلَ الْكتاب} أَي نزل جِبْرَائِيل بِالْقُرْآنِ والتوراة {بِالْحَقِّ} بتبيان الْحق وَالْبَاطِل فَكَفرُوا بِهِ {وَإِنَّ الَّذين اخْتلفُوا فِي الْكتاب} خالفوا مَا فِي الْكتاب من صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته وكتموا {لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} لفي خلاف بعيد عَن الْهدى

177

{لَّيْسَ الْبر} كل الْبر وَيُقَال لَيْسَ الْبر لَيْسَ الْإِيمَان {أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ} فِي الصَّلَاة {قِبَلَ الْمشرق} نَحْو الْكَعْبَة {وَالْمغْرب} نَحْو بَيت الْمُقَدّس {وَلَكِن الْبر} الْإِيمَان هُوَ إِقْرَار {مَنْ آمَنَ بِاللَّه} وَيُقَال لَيْسَ الْبر الْبَار وَلَكِن الْبر الْبَار يَعْنِي الْمُؤمن من آمن بِاللَّه {وَالْيَوْم الآخر} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت {وَالْمَلَائِكَة} بجملة الْمَلَائِكَة {وَالْكتاب} بجملة الْكتاب {والنبيين} بجملة النَّبِيين ثمَّ ذكر الْوَاجِبَات بعد الْإِيمَان فَقَالَ {وَآتَى المَال على حُبِّهِ} يَقُول الْبر بعد الْإِيمَان إِعْطَاء المَال على حبه على قلته وشهوته {ذَوِي الْقُرْبَى} ذَا الْقَرَابَة فِي الرَّحِم {واليتامى} يتامى الْمُؤمنِينَ {وَالْمَسَاكِين} المستغفلين {وَابْن السَّبِيل} مار الطَّرِيق الضَّعِيف النَّازِل {والسآئلين} الَّذين يسالون مَالك {وَفِي الرّقاب} المكاتبين والغزاة ثمَّ الشَّرَائِع بعد الْوَاجِبَات فَقَالَ {وَأَقَامَ الصَّلَاة} يَقُول الْبر بعد الْوَاجِبَات إتْمَام الصَّلَوَات الْخمس {وَآتَى الزَّكَاة} أعْطى الزَّكَاة وَمَا يشبه ذَلِك {والموفون بِعَهْدِهِمْ} المتمون عَهدهم فِيمَا بَينهم وَبَين الله وَفِيمَا بَينهم وَبَين النَّاس {إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي البأسآء} يَعْنِي الْخَوْف والبلايا والشدائد {وَالضَّرَّاء} الْأَمْرَاض والأوجاع والجوع {وَحِينَ الْبَأْس} عِنْد الْقِتَال {أُولَئِكَ الَّذين صَدَقُواْ} وقوا {وَأُولَئِكَ هُمُ المتقون} عَن نقض العهود

178

{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ كُتِبَ} فرض {عَلَيْكُمُ الْقصاص} الْقود فِي الْقَتْل {الْحر بِالْحُرِّ} عمدا {وَالْعَبْد بِالْعَبدِ} عمدا {وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} عمدا نزلت فِي حيين من الْعَرَب وَهِي مَنْسُوخَة بقوله النَّفس بِالنَّفسِ {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} يَقُول من ترك لَهُ من حق أَخِيه شَيْء يَعْنِي الْقَتْل أَي عُفيَ عَن الْقَتْل وَأخذ الدِّيَة {فاتباع بِالْمَعْرُوفِ} أَمر الطَّالِب أَن يطْلب مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ فِي ثَلَاث سِنِين إِن كَانَ دِيَة تَامَّة وَإِن كَانَ ثُلثي الدِّيَة أَو نصفهَا فَفِي سنتَيْن وَإِن كَانَ ثلثهَا فَفِي عَامه ذَلِك {وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ} أَمر الْمَطْلُوب أَن يُؤَدِّي إِلَى أَوْلِيَاء الْمَقْتُول حَقهم {بِِإِحْسَانٍ} بِغَيْر تقاض وتعب {ذَلِك} الْعَفو {تَخْفِيفٌ} تهوين {مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} للْقَاتِل من الْقَتْل {فَمَنِ اعْتدى بَعْدَ ذَلِك} بعد أَخذ الدِّيَة واعتداؤه أَن يَأْخُذ الدِّيَة وَيقتل أَيْضا {فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ}

يقتل وَلَا يُعْفَى عَنهُ وَلَا يُؤْخَذ مِنْهُ الدِّيَة

179

{وَلكم فِي الْقصاص حَيَاة} بَقَاء وعبرة {يَا أولي الْأَلْبَاب} ذَوي الْعُقُول من النَّاس {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} لكَي تتقوا قتل بَعْضكُم بَعْضًا مخلة الْقصاص

180

{كُتِبَ عَلَيْكُمْ} فرض عَلَيْكُم {إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْت} عِنْد الْمَوْت {إِن تَرَكَ خَيْراً} مَالا {الْوَصِيَّة لِلْوَالِدَيْنِ والأقربين} الرَّحِم {بِالْمَعْرُوفِ} للْوَالِدين أفضل وَأكْثر {حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ} الْمُوَحِّدين وَهَذِه الْآيَة مَنْسُوخَة بِآيَة الْمَوَارِيث

181

{فَمن بدله} غير وَصِيَّة الْمَيِّت {بعد مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ} وزره {عَلَى الَّذين يُبَدِّلُونَهُ} يغيرونه وَنَجَا الْمَيِّت مِنْهُ {إِنَّ الله سَمِيعٌ} لوَصِيَّة الْمَيِّت ومقالته {عَلِيمٌ} إِن جَار أَو عدل وَيُقَال عليم بِفعل الْوَصِيّ فَكَانُوا ينفذون الْوَصِيَّة كَمَا كَانَت وَإِن جَار مَخَافَة الْوزر حَتَّى نزل قَوْله

182

{فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ} علم من الْمَيِّت {جَنَفاً} ميلًا وَخطأ {أَوْ إِثْماً} عمدا فِي الجنف {فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ} بَين الْوَرَثَة وَبَين الْمُوصى لَهُ أَي رده إِلَى الثُّلُث وَالْعدْل {فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ} فَلَا حرج عَلَيْهِ فِي رده {إِنَّ الله غَفُورٌ} للْمَيت إِن جَار وَأَخْطَأ {رَّحِيمٌ} بِفعل الْمُوصي وَيُقَال غَفُور للْوَصِيّ رَحِيم حِين رخص عَلَيْهِ الرَّد إِلَى الثُّلُث وَالْعدْل

183

{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ كُتِبَ} فرض {عَلَيْكُمُ الصّيام كَمَا كُتِبَ} فرض {عَلَى الَّذين مِن قَبْلِكُمْ} بِالْعدَدِ وَيُقَال كتب عَلَيْكُم الصّيام فرض عَلَيْكُم الصّيام بترك الْأكل وَالشرب وَالْجِمَاع بعد صَلَاة الْعَتَمَة أَو النّوم قبل صَلَاة الْعَتَمَة {كَمَا كُتِبَ} فرض {عَلَى الَّذين مِن قَبْلِكُمْ} من أهل الْكتاب {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} لكَي تتقوا الْأكل وَالشرب وَالْجِمَاع بعد صَلَاة الْعشَاء أَو النّوم قبل صَلَاة الْعشَاء وَهَذَا مَنْسُوخ بقوله {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَة الصّيام الرَّفَث} وَبِقَوْلِهِ {وَكُلُواْ وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيط الْأَبْيَض}

184

{أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ} ثَلَاثِينَ يَوْمًا مقدم ومؤخر {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ على سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} فليصم من أَيَّام أخر بِقدر مَا أنظر من رَمَضَان {وَعَلَى الَّذين يُطِيقُونَهُ} يَعْنِي يُطِيقُونَ الصَّوْم {فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} فليطعم مَكَان كل يَوْم أفطر نصف صَاع من حِنْطَة لمسكين وَهَذِه مَنْسُوخَة بقوله {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْر فَلْيَصُمْهُ} وَيُقَال {وَعَلَى الَّذين يُطِيقُونَهُ} يَعْنِي الْفِدْيَة وَلَا يُطِيقُونَ الصَّوْم يَعْنِي الشَّيْخ الْكَبِير والعجوز الْكَبِيرَة لَا يطيقان الصَّوْم فديَة طَعَام مِسْكين فليطعمان مَكَان كل يَوْم أفطرا من رَمَضَان نصف صَاع من حِنْطَة لمسكين {فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً} زَاد على منوين {فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ} بالثواب {وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ} من الْفِدْيَة {إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} إِذا كُنْتُم تعلمُونَ

185

{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي} هُوَ الَّذِي {أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآن} جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ جملَة إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا فأملاه على السفرة ثمَّ نزل بِهِ بعد ذَلِك على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا بِيَوْم آيَة وآيتين وَثَلَاثًا وَسورَة {هُدًى لِّلنَّاسِ} الْقُرْآن بَيَان من الضَّلَالَة للنَّاس {وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهدى} واضحات من أَمر الدّين {وَالْفرْقَان} الْحَلَال وَالْحرَام وَالْأَحْكَام وَالْحُدُود وَالْخُرُوج من الشُّبُهَات {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْر} فِي الْحَضَر {فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً} فِي شهر رَمَضَان {أَوْ على سَفَرٍ فَعِدَّةٌ} فليصم {مِّن أَيَّامٍ أُخَرَ} بِقدر مَا أفطر {يُرِيدُ الله بِكُمُ الْيُسْر} أَرَادَ الله بكم رخصَة الْإِفْطَار فِي السّفر وَيَقُول اخْتَار الله لكم الْإِفْطَار فِي السّفر {وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعسر} لم يرد أَن يكون لكم الْعسر فِي الصَّوْم فِي السّفر وَيُقَال لم يخْتَر لكم الصَّوْم فِي السّفر {وَلِتُكْمِلُواْ الْعدة} لكَي تَصُومُوا فِي الْحَضَر عدَّة مَا أفطرتم فِي السّفر {وَلِتُكَبِّرُواْ الله} لكَي تعظموا الله {على مَا هدَاكُمْ} كَمَا اهداكم لدينِهِ ورخصته {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} لكَي تشكروا رخصته

186

{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي} أهل الْكتاب {عَنِّي} أَقَرِيب أَنا أم بعيد {فَإِني قَرِيبٌ} فأعلمهم يَا مُحَمَّد أَنِّي قريب بالإجابة {أُجِيبُ دَعْوَةَ الداع إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي} فليطيعوا رَسُولي {وَلْيُؤْمِنُوا بِي} وبرسولي قبل الدعْوَة {لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}

لكَي يهتدوا فيستجاب لَهُم الدُّعَاء

187

{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصّيام الرَّفَث إِلَى نِسَآئِكُمْ} المجامعة مَعَ نِسَائِكُم {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ} سكن لكم {وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} سكن لَهُنَّ {عَلِمَ الله أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ} بِالْجِمَاعِ بعد صَلَاة الْعَتَمَة {فَتَابَ عَلَيْكُمْ} تجَاوز عَنْكُم {وَعَفَا عَنْكُمْ} خيانتكم وَلم يعاقبكم {فَالْآن} حِين أحلّت لكم {بَاشِرُوهُنَّ} جامعوهن {وابتغوا} اطْلُبُوا {مَا كَتَبَ الله لَكُمْ} مَا قضى الله لكم من ولد صَالح نزلت فِي عمر بن الْخطاب {وَكُلُواْ وَاشْرَبُوا} من حِين يدْخل اللَّيْل {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيط الْأَبْيَض مِنَ الْخَيط الْأسود} يَعْنِي يتَبَيَّن لكم بَيَاض النَّهَار من سَواد اللَّيْل {مِنَ الْفجْر ثُمَّ أَتِمُّواْ الصّيام إِلَى اللَّيْل} إِلَى دُخُول اللَّيْل نزلت فِي صرمة بن مَالك بن عدي {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ} وَلَا تجامعوهن {وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ} معتكفون {فِي الْمَسَاجِد} لَيْلًا وَنَهَارًا {تِلْكَ حُدُودُ الله} تِلْكَ الْمُبَاشرَة مَعْصِيّة الله {فَلا تَقْرَبُوهَا} فاتركوا مُبَاشرَة النِّسَاء لَيْلًا وَنَهَارًا حَتَّى تفرغوا من الِاعْتِكَاف {كَذَلِك} هَكَذَا {يُبَيِّنُ الله آيَاتِهِ} أمره وَنَهْيه {لِلنَّاسِ} كَمَا يبين هَذَا {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} لكَي يتقوا مَعْصِيّة الله نزلت على نفر من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَليّ بن أبي طَالب عمار بن يَاسر وَغَيرهمَا كَانُوا معتكفين فِي الْمَسْجِد فَيَأْتُونَ إِلَى أَهَالِيهمْ إِذا احتاجوا ويجامعون نِسَاءَهُمْ ويغتسلون فيرجعون إِلَى الْمَسْجِد فنهاهم الله عَن ذَلِك

188

ثمَّ نزل فِي عبدن بن الأشوع وامرىء الْقَيْس {وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} بالظلم وَالسَّرِقَة وَالْغَصْب وَالْحلف الْكَاذِب وَغير ذَلِك {وَتُدْلُوا بِهَا} لَا تلجوا بهَا {إِلَى الْحُكَّام} لتأكلوا {فَرِيقاً} لكَي تَأْكُلُوا طَائِفَة {مِّنْ أَمْوَالِ النَّاس بالإثم} بِالْحلف الْكَاذِب {وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} ذَلِك فَأقر امْرُؤ الْقَيْس بِالْمَالِ بنزول هَذِه الْآيَة

189

{يَسْأَلُونَك عَن الْأَهِلّة} عَن زِيَادَة لأهلة ونقصانها لماذا {قُلْ} يَا مُحَمَّد {هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ} عَلَامَات للنَّاس لقَضَاء دينهم وعدة لنسائهم وصومهم وإنظارهم {وَالْحج} وللحج نزلت فِي معَاذ بن جبل حِين سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك {وَلَيْسَ الْبر} الطَّاعَة وَالتَّقوى {بِأَن تَأْتُواْ الْبيُوت مِن ظُهُورِهَا} بِأَن تدْخلُوا الْبيُوت من ظُهُورهَا من خلفهَا فِي الْإِحْرَام {وَلَكِن الْبر} الطَّاعَة فِي الْإِحْرَام {مَنِ اتَّقى} الصَّيْد وَغير ذَلِك {وَأتوا الْبيُوت} دخلُوا الْبيُوت {مِنْ أَبْوَابِهَا} الَّتِي كُنْتُم تدخلونها وتخرجون مِنْهَا قبل ذَلِك {وَاتَّقوا الله} واخشوا الله فِي الْإِحْرَام {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} لكَي تنجوا من السخط وَالْعَذَاب نزلت فِي نفر من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كنَانَة وخزاعة كَانُوا يدْخلُونَ بُيُوتهم فِي الْإِحْرَام من خلفهَا أَو من سطحها كَمَا فعلوا فِي الْجَاهِلِيَّة

190

{وقاتلوا فِي سَبِيل الله} فِي طَاعَة الله فِي الْحل وَالْحرم {الَّذين يقاتلونكم} يبدءونكم بِالْقِتَالِ {وَلاَ تَعْتَدوا} لَا تبتدئوا {إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} المبتدئين بِالْقِتَالِ فِي الْحل وَالْحرم

191

{واقتلوهم} إِن بدءوكم {حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} وَجَدْتُمُوهُمْ فِي الْحل وَالْحرم {وَأَخْرِجُوهُم} من مَكَّة {من حَيْثُ أخرجوكم} كَمَا أخروكم {والفتنة} الشّرك بِاللَّه وَعبادَة الْأَوْثَان {أَشَدُّ} أَمر {مِنَ الْقَتْل} فِي الْحرم {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ} بِالِابْتِدَاءِ {عِنْدَ الْمَسْجِد الْحَرَام} فِي الْحرم {حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ} فِي الْحرم بِالِابْتِدَاءِ {فَإِن} بِالِابْتِدَاءِ {فاقتلوهم كَذَلِكَ} هَكَذَا {جَزَآءُ الْكَافرين} بِالْقَتْلِ

192

{فَإِنِ انْتَهوا} عَن الْكفْر والشرك وتابوا {فَإِنَّ الله غَفُورٌ} لمن تَابَ {رَّحِيمٌ} لمن مَاتَ على التَّوْبَة

193

{وَقَاتِلُوهُمْ} بِالِابْتِدَاءِ مِنْهُم فِي الْحل وَالْحرم {حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} الشّرك بِاللَّه فِي الْحرم {وَيَكُونَ الدّين لِلَّهِ} يكون الْإِسْلَام وَالْعِبَادَة لله فِي الْحَرَام

{فَإِنِ انْتَهوا} عَن قتالكم فِي الْحرم {فَلاَ عُدْوَانَ} فَلَا سَبِيل لكم بِالْقَتْلِ {إِلاَّ عَلَى الظَّالِمين} المبتدئين بِالْقَتْلِ

194

{الشَّهْر الْحَرَام} الَّذِي دخلت فِيهِ لقَضَاء الْعمرَة {بالشهر الْحَرَام} الَّذِي صدوك عَنهُ {والحرمات قِصَاصٌ} بدل {فَمَنِ اعْتدى} ابْتَدَأَ {عَلَيْكُمْ} بِالْقَتْلِ فِي الْحرم {فاعتدوا} فابتدئوا {عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتدى عَلَيْكُمْ} بِالْقَتْلِ {وَاتَّقوا الله} واخشوا الله بِالِابْتِدَاءِ {وَاعْلَمُوا أَنَّ الله مَعَ الْمُتَّقِينَ} معِين الْمُتَّقِينَ بالنصرة

195

{وَأَنْفِقُواْ فِي سَبِيلِ الله} فِي طَاعَة الله لقَضَاء الْعمرَة {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة} يَقُول لَا تمنعوا أَيْدِيكُم عَن النَّفَقَة فِي سَبِيل الله فَتَهْلكُوا وَيُقَال لَا تلقوا أَنفسكُم بِأَيْدِيكُمْ فِي التَّهْلُكَة وَيُقَال لَا تنهكوا فَتَهْلكُوا أَي لَا تيأسوا من رَحْمَة الله تهلكوا {وأحسنوا} أَي بِالنَّفَقَةِ فِي سَبِيل الله وَيُقَال أَحْسنُوا الظَّن فِي الله وَيُقَال أَحْسنُوا النَّفَقَة فِي سَبِيل لله {إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} بِالنَّفَقَةِ فِي سَبِيل الله نزلت من قَوْله {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله} إِلَى هَهُنَا فِي المحرمين مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقَضَاء الْعمرَة بعد عَام الْحُدَيْبِيَة

196

{وَأَتِمُّواْ الْحَج وَالْعمْرَة لِلَّهِ} لتقبل الله بالإخلاص وإتمام الْحَج إِلَى آخِره وإتمام الْعمرَة إِلَى الْبَيْت {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} حبستم عَن الْحَج وَالْعمْرَة من عَدو أَو مرض {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْي} فَعَلَيْكُم مَا اسْتَيْسَرَ من الْهَدْي شَاة أَو بقرة أَو بعير لترك الْحرم {وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ} فِي الْحَبْس {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْي} الَّذِي تبعثون بِهِ {مَحِلَّهُ} منحره {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً} لَا يَسْتَطِيع أَن يقوم مقَامه فِي الْحَبْس فَيرجع إِلَى بَيته قبل أَن يبلغ هَدْيه إِلَى مَحَله {أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ} أَو فِي رَأسه قمل يحلق رَأسه نزلت فِي كَعْب بن عجْرَة وَكَانَ فِي رَأسه قمل فحلق رَأسه فِي الْحرم {ففدية من صِيَام} ففدوه صِيَام ثَلَاثَة أَيَّام {أَوْ صَدَقَةٍ} على سِتَّة مَسَاكِين من أهل مَكَّة {أَوْ نُسُكٍ} شَاة يبْعَث بهَا إِلَى مَحَله {فَإِذَآ أَمِنتُمْْ} من الْعَدو وبرأتم من الْمَرَض فاقضوا مَا أوجب الله عَلَيْكُم من حج أَو عمْرَة من الْعَام الْقَابِل {فَمَن تَمَتَّعَ} بالطيب وباللباس {بِالْعُمْرَةِ} بعد قَضَاء الْعمرَة {إِلَى الْحَج} إِلَى أَن يحرم بِالْحَجِّ {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْي} فَعَلَيهِ دم الْمُتْعَة وَدم الْقُرْآن والمتعة سَوَاء بقرة أَو شَاة أَو بعير {فَمَن لَّمْ يَجِدْ} فَمن لم يسْتَطع أَن يفعل من هَذِه الثَّلَاثَة شَيْئا {فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ} فليصم ثَلَاثَة أَيَّام مُتَتَابِعَات {فِي الْحَج} فِي عشر الْحَج آخرهَا يَوْم عَرَفَة {وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} إِلَى أهاليكم فِي الطَّرِيق أَو فِي أهاليكم {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} مَكَان الْهَدْي {ذَلِك} يَعْنِي دم الْمُتْعَة {لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِد الْحَرَام} لمن لم يكن أَهله ومنزله فِي الْحرم لِأَنَّهُ لَيْسَ على أهل الْحرم هدي التَّمَتُّع {وَاتَّقوا الله} خَشوا الله فِي ترك مَا أمرْتُم {وَاعْلَمُوا أَنَّ الله شَدِيدُ الْعقَاب} لمن ترك مَا أَمر من هدي أَو صَوْم

197

{الْحَج أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ} لِلْحَجِّ أشهر معروفات يحرم فِيهَا بِالْحَجِّ شَوَّال وَذي الْقعدَة وَعشر من ذِي الْحجَّة {فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَج} فَمن أحرم فِيهِنَّ بِالْحَجِّ {فَلا رَفَثَ} فَلَا جماع فِي الْإِحْرَام {وَلاَ فُسُوقَ} الْأَسْبَاب وَلَا منابز {وَلَا جِدَال} لامري مَعَ صَاحبه {فِي الْحَج} فِي إِحْرَام الْحَج وَيُقَال لَا جدل فِي فَرضِيَّة الْحَج {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ} مَا تتركوا من رفث وفسوق وجدال فِي الْحرم {يَعْلَمْهُ الله وَتَزَوَّدُواْ} يَا أولي الْأَلْبَاب من زَاد الدُّنْيَا مقدم ومؤخر يَقُول تزودا من الدُّنْيَا مَا تكفون بِهِ وُجُوهكُم عَن الْمَسْأَلَة ياذوي الْعُقُول من النَّاس وَإِلَّا توكلوا على الله {فَإِنَّ خَيْرَ الزَّاد التَّقْوَى} فَإِن التَّوَكُّل خير زَاد من زَاد الدُّنْيَا {واتقون} اخشوني فِي الْحرم {يَا أولي الْأَلْبَاب} نزلت هَذِه الْآيَة فِي أنَاس من أهل الْيمن كَانُوا يحجون بِغَيْر زَاد فيصيبون فِي الطَّرِيق من أهل الْمنزل ظلما نَهَاهُم الله عَن ذَلِك

198

{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ} حرج {أَن تَبْتَغُواْ} تَطْلُبُوا {فضلا من ربكُم} بالنجارة فِي الْحرم نزلت فِي أنَاس كَانُوا لَا يرَوْنَ البيع وَالشِّرَاء فِي الْحرم فَرخص الله لَهُم ذَلِك {فَإِذا أَفَضْتُم من عَرَفَات} فَإذْ رجعتم من عَرَفَات إِلَى الْمشعر الْحَرَام {اذْكروا الله} بِالْقَلْبِ وَاللِّسَان {عِندَ الْمشعر الْحَرَام واذكروه كَمَا هَدَاكُمْ} على مَا هدَاكُمْ {وَإِن كُنتُم} وَقد كُنْتُم {مِّن قَبْلِهِ} من قبل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وَالْإِسْلَام {لَمِنَ الضآلين} الْكَافرين

199

{ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس}

يَقُول ارجعو من حَيْثُ رَجَعَ أهل الْيمن {وَاسْتَغْفرُوا الله} لذنوبكم {إِنَّ الله غَفُورٌ} لمن تَابَ {رَّحِيمٌ} لمن مَاتَ على التَّوْبَة نزلت فِي أنَاس يُقَال لَهُم الحمسيون كَانُوا لَا يُرِيدُونَ الْخُرُوج من الْحرم إِلَى عَرَفَات لحجهم فنهاهم الله عَن ذَلِك وَأمرهمْ أَن يذهبوا إِلَى عَرَفَات ويرجعوا من ثمَّ

200

{فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَّنَاسِكَكُمْ} فَإِذا فَرَغْتُمْ من سنَن حَجكُمْ {فاذكروا الله} فَقولُوا يَا الله {كَذِكْرِكُمْ آبَآءَكُمْ} بيا أبه وَيُقَال اذْكروا الله بِالْإِحْسَانِ إِلَيْكُم كذكركم آبَاءَكُم كَمَا ذكرْتُمْ آبَاءَكُم فِي الْجَاهِلِيَّة بِالْإِحْسَانِ {أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً} بل أَكثر ذكرا من ذكر آبائكم {فَمِنَ النَّاس مَن يَقُولُ} فِي الْموقف {رَبَّنَآ آتِنَا} أعطنا فِي الدُّنْيَا إبِلا وبقراً وَغنما وعبيداً وإماءً ومالاً {وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَة مِنْ خَلاَقٍ} من نصيب فِي الْجنَّة بحجه

201

{وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَآ آتِنَا} أعطنا {فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} الْعلم وَالْعِبَادَة والعصمة من الذُّنُوب وَالشَّهَادَة وَالْغنيمَة {وَفِي الْآخِرَة حَسَنَةً} الْجنَّة وَنَعِيمهَا {وَقِنَا عَذَابَ النَّار} ادْفَعْ عَنَّا عَذَاب الْقَبْر وَعَذَاب النَّار

202

{أُولَئِكَ} أهل هَذِه الصّفة {لَهُمْ نَصِيبٌ} حَظّ وافر فِي الْجنَّة {مِّمَّا كَسَبُواْ} من حجهم {وَالله سَرِيعُ الْحساب} يَقُول إِذا حاسب فحسابه سريع وَيُقَال سريع الْحِفْظ وَيُقَال شَدِيد الْعقَاب لأهل الرِّيَاء

203

{واذْكُرُوا الله} بِالتَّكْبِيرِ والتهليل والتمجيد {فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ} مَعْلُومَات أَيَّام التَّشْرِيق وَهِي خَمْسَة أَيَّام يَوْم عَرَفَة وَيَوْم النَّحْر وَثَلَاثَة أَيَّام بعدهمَا {فَمَن تَعَجَّلَ} بِرُجُوعِهِ إِلَى أَهله {فِي يَوْمَيْنِ} بعد يَوْم النَّحْر {فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} بتعجيله {وَمَن تَأَخَّرَ} إِلَى الْيَوْم الثَّالِث {فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} بِتَأْخِيرِهِ وَيُقَال فَلَا عتب عَلَيْهِ بِتَأْخِيرِهِ يخرج مغفوراً لَهُ {لِمَنِ اتَّقى} يَقُول التَّعْجِيل لمن اتَّقى الصَّيْد إِلَى الْيَوْم الثَّالِث {وَاتَّقوا الله} واخشوا الله فِي أَخذ الصَّيْد إِلَى الْيَوْم الثَّالِث {وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} بعد الْمَوْت

204

{وَمن النَّاس من يُعْجِبك قَوْله} كَلَامه وَحَدِيثه وعلانيته {فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} فِي الدُّنْيَا {وَيُشْهِدُ الله على مَا فِي قَلْبِهِ} يحلف بِاللَّه إِنِّي أحبك وأتابعك {وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَام} جدل بِالْبَاطِلِ شَدِيد الْخُصُومَة

205

{وَإِذَا تولى} غضب {سعى} مَشى {فِي الأَرْض لِيُفْسِدَ فِيِهَا} بِالْمَعَاصِي {وَيُهْلِكَ الْحَرْث} الزَّرْع والكدس بالحرق {والنسل} بهلك الْحَيَوَان بِالْقَتْلِ {وَالله لاَ يُحِبُّ الْفساد} والمفسد

206

{وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ الله} فِي صنعك {أَخَذَتْهُ الْعِزَّة بالإثم} الحمية بالتكبر {فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ} مصيره إِلَى جَهَنَّم {وَلَبِئْسَ المهاد} الْفراش والمصير نزلت هَذِه الْآيَة فِي الْأَخْنَس بن شريق وَكَانَ حسن المنظر حُلْو الْمنطق وَكَانَ يعجب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَلَامه بِأَنِّي أحبك وأبايعك فِي السِّرّ وَيحلف بِاللَّه على ذَلِك وَكَانَ منافقاً زَعَمُوا أَنه أحرق كدس قوم وَقتل حمَار الْقَوْم

207

{وَمِنَ النَّاس مَن يَشْرِي} من يَشْتَرِي {نَفْسَهُ} بِمَالِه {ابتغآء مَرْضَاتِ الله} طلب رضَا الله نزلت فِي صُهَيْب بن سِنَان وَأَصْحَابه اشْترى نَفسه بِمَالِه من أهل مَكَّة {وَالله رَؤُوفٌ بالعباد} الَّذين قتلوا بِمَكَّة نزلت فِي أَبَوي عمار بن يَاسر وَسُميَّة وَغَيرهم قَتلهمْ مشركو أهل مَكَّة

208

{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ ادخُلُوا فِي السّلم كَآفَّةً} فِي شرائع دين مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَمِيعًا {وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَان} تَزْيِين الشَّيْطَان فِي تَحْرِيم السبت وَلحم الْجمل وَغير ذَلِك {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} ظَاهر الْعَدَاوَة

209

{فَإِن زَلَلْتُمْ} ملتم عَن شرائع دين مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْكُمُ الْبَينَات} بَيَان مَا فِي كتابكُمْ {فاعلموا أَنَّ الله عَزِيزٌ} بالنقمة لمن لَا يُتَابع رَسُوله {حَكِيمٌ} فِي نسخ شرائع الأول نزلت فِي عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه لكراهيتهم السبت وَلحم الْجمل وَغير ذَلِك

210

{هَلْ يَنظُرُونَ} هَل ينْتَظر أهل مَكَّة {إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ الله} بِلَا كَيفَ يَوْم الْقِيَامَة {فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَام وَالْمَلَائِكَة} مقدم ومؤخر {وَقُضِيَ الْأَمر} فرغ من الْأَمر أَدخل أهل الْجنَّة الْجنَّة وَأهل النَّار النَّار

{وَإِلَى الله تُرْجَعُ الْأُمُور} عواقب الْأُمُور فِي الْآخِرَة

211

{سَلْ بني إِسْرَائِيلَ} قل لأَوْلَاد يَعْقُوب {كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ} كم من مرّة كلمناهم بِالْأَمر وَالنَّهْي وأكرمناهم بِالدينِ فِي زمَان مُوسَى فبدلوا ذَلِك بالْكفْر {وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ الله} من يُغير دين الله وَكتابه بالْكفْر {من بعد مَا جَاءَتْهُ} من بعد مَا جَاءَ مُحَمَّد بِهِ {فَإِنَّ الله شَدِيدُ الْعقَاب} لمن كفر بِهِ

212

{زُيِّنَ} حسن {لِلَّذِينَ كَفَرُواْ} أبي جهل وَأَصْحَابه {الْحَيَاة الدُّنْيَا} مَا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا من سَعَة الْمَعيشَة {وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذين} على الَّذين {آمَنُواْ} سلمَان وبلال وصهيب وَأَصْحَابه بِضيق الْمَعيشَة {وَالَّذين اتَّقوا} الْكفْر والشرك يَعْنِي سلمَان وَأَصْحَابه {فَوْقَهُمْ} فِي الْحجَّة فِي الدُّنْيَا وَالْقدر والمنزلة فِي الْجنَّة {يَوْمَ الْقِيَامَة وَالله يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ} يُوسع المَال على من يَشَاء {بِغَيْرِ حِسَاب} بِغَيْر حزم وتكلف وَيُقَال ويرزق من يَشَاء فِي الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب بِغَيْر فَوت وَلَا اهتداء

213

{كَانَ النَّاس} فِي زمن نوح وَإِبْرَاهِيم {أُمَّةً وَاحِدَةً} على مِلَّة وَاحِدَة الْكفْر وَيُقَال كَانُوا فِي زمن إِبْرَاهِيم مُسلمين {فَبَعَثَ الله النَّبِيين} من ذُرِّيَّة نوح وَإِبْرَاهِيم {مُبَشِّرِينَ} بِالْجنَّةِ لمن آمن بِاللَّه {وَمُنذِرِينَ} من النَّار لمن لم يُؤمن بِاللَّه {وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكتاب} أنزل عَلَيْهِم جِبْرَائِيل بِالْكتاب {بِالْحَقِّ} مُبينًا الْحق وَالْبَاطِل {لِيَحْكُمَ} كل نَبِي بكتابه {بَيْنَ النَّاس فِيمَا اخْتلفُوا فِيهِ} فِي الدّين وَيُقَال ليحكم الْكتاب وَإِن قَرَأت بِالتَّاءِ أَرَادَ بِهِ النَّبِي مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَمَا اخْتلف فِيهِ} فِي الدّين وَمُحَمّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِلاَّ الَّذين أُوتُوهُ} أَعْطوهُ يَعْنِي الْكتاب {مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ الْبَينَات} بَيِّنَات مَا فِي كِتَابهمْ {بَغْياً بَيْنَهُمْ} حسداً مِنْهُم فَكَفرُوا بِهِ {فَهَدَى الله الَّذين آمَنُواْ} بالنبيين {لِمَا اخْتلفُوا فِيهِ} من الِاخْتِلَاف فِي الدّين {من الْحق} إِلَى الْحق وَيُقَال فهدي الله الَّذين آمنُوا فحفظ الله الَّذين آمنُوا بالنبيين لما اخْتلفُوا فِيهِ من الِاخْتِلَاف فِي الدّين من الْحق إِلَى الْبَاطِل {بِإِذْنِهِ} بكرامته وإرادته {وَالله يَهْدِي مَن يَشَآءُ} من كَانَ أَهلا لذَلِك وَيُقَال يثبت من يَشَاء {إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} على دين قَائِم يرضيه

214

{أَمْ حَسِبْتُمْ} أظننتم يَا معشر الْمُؤمنِينَ يَعْنِي عُثْمَان وَأَصْحَابه {أَن تَدْخُلُواْ الْجنَّة وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذين خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم} أَي لم تبتلوا بِمثل مَا ابتلى الَّذين مضوا من قبلكُمْ من الْمُؤمنِينَ {مَّسَّتْهُمُ} أَصَابَتْهُم {البأسآء} الْخَوْف والبلايا والشدائد {والضرآء} الْأَمْرَاض والأوجاع والجوع {وَزُلْزِلُواْ} حركوا فِي الشدَّة {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُول} حَتَّى قَالَ رسولهم {وَالَّذين آمَنُواْ مَعَهُ} بِهِ {مَتى نَصْرُ الله} على الْأَعْدَاء قَالَ الله لذَلِك النَّبِي {أَلا إِنَّ نَصْرَ الله} على الْأَعْدَاء بنجاتكم {قريب}

215

{يَسْأَلُونَكَ} يَا مُحَمَّد وَكَانَ هَذَا السُّؤَال قبل آيَة الْمَوَارِيث {مَاذَا يُنْفِقُونَ} على من يتصدقون {قل مَا أنفقتم من خير} من مَال {فَلِلْوَالِدَيْنِ} فعلى الْوَالِدين {والأقربين} وعَلى الْأَقْرَبين ثمَّ نسخت الصَّدَقَة بعد ذَلِك على الْوَالِدين بِآيَة الْمَوَارِيث {واليتامى} يَقُول تصدقوا على الْيَتَامَى يتامى النَّاس {وَالْمَسَاكِين} مَسَاكِين النَّاس {وَابْن السَّبِيل} الضَّيْف النَّازِل {وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ} مَا تنفقوا من مَال هَؤُلَاءِ {فَإِنَّ الله بِهِ عَلِيمٌ} أَي عَالم بِهِ وبنياتكم يجزيكم بِهِ

216

{كُتِبَ} فرض {عَلَيْكُمُ الْقِتَال} فِي أَوْقَات النفير الْعَام مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً} الْجِهَاد فِي سَبِيل الله {وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} تصيبون الشَّهَادَة وَالْغنيمَة {وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً} الْجُلُوس عَن الْجِهَاد {وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ} لَا تصيبون الشَّهَادَة وَلَا الْغَنِيمَة {وَالله يَعْلَمُ} أَن الْجِهَاد خير لكم {وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} أَن الْجُلُوس شَرّ لكم نزلت فِي سعد بن أبي وَقاص والمقداد بن الْأسود وأصحابهما ثمَّ نزلت فِي شَأْن عبد الله ابْن جحش وَأَصْحَابه وقتلهم عَمْرو بن الْحَضْرَمِيّ وسؤالهم عَن الْقِتَال فِي الشَّهْر الْحَرَام يَعْنِي رجباً آخر عَشِيَّة جُمَادَى الْآخِرَة قبل رُؤْيَة هِلَال رَجَب وملامة الْمُشْركين لَهُم بذلك فَقَالَ

217

{يَسْأَلُونَكَ} يَا مُحَمَّد عَنِ {الشَّهْر الْحَرَام قِتَالٍ فِيهِ} يَقُول يَسْأَلُونَك عَن الْقِتَال فِي الشَّهْر الْحَرَام يَعْنِي رجباً {قُلْ قِتَالٌ فِيهِ} فِي رَجَب {كَبِيرٌ} فِي الْعقُوبَة {وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ الله} وَلَكِن صرف النَّاس عَن دين الله وطاعته {وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِد الْحَرَام} وَصد النَّاس عَن الْمَسْجِد الْحَرَام {وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ} عُقُوبَة {عِندَ الله} من قتل عَمْرو بن الْحَضْرَمِيّ {والفتنة} الشّرك بِاللَّه {أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْل} من قتل عَمْرو بن الْحَضْرَمِيّ {وَلاَ يَزَالُونَ} يَعْنِي أهل مَكَّة {يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ} يرجعوكم {عَن دِينِكُمْ} الْإِسْلَام {إِن اسْتَطَاعُواْ} قدرُوا {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ} الْإِسْلَام {فَيَمُتْ} وَمن يمت {وَهُوَ كَافِر فَأُولَئِك حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} بطلت أَعْمَالهم وَردت حسناتهم {فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة} وَلَا يجزون بهَا فِي الْآخِرَة {وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّار} أهل النَّار {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} مقيمون لَا يموتون وَلَا يخرجُون

218

ثمَّ نزل أَيْضا فِي شَأْن عبد الله بن جحش وَأَصْحَابه فَقَالَ {إِنَّ الَّذين آمَنُواْ} بِاللَّه وَرَسُوله {وَالَّذين هَاجَرُواْ} من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة {وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ الله} فِي قتل عَمْرو بن الْحَضْرَمِيّ الْكَافِر {أُولَئِكَ يرجون رَحْمَة الله} ينالون جنَّة الله {وَالله غَفُورٌ} لصنيعهم {رَحِيمٌ} بهم إِذْ لم يعاقبهم

219

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخمر وَالْميسر} نزلت فِي شَأْن عمر بن الْخطاب لقَوْله اللَّهُمَّ أرنا رَأْيك فِي الْخمر فَقَالَ الله لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يَسْأَلُونَك عَن الْخمر وَالْميسر عَن شرب الْخمر والقمار {قُلْ} يَا مُحَمَّد {فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ} بعد التَّحْرِيم {وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} قبل التَّحْرِيم بِالتِّجَارَة بهما {وَإِثْمُهُمَآ} بعد التَّحْرِيم {أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا} قبل التَّحْرِيم ثمَّ حرم بعد ذَلِك فِي كليهمَا {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ} نزلت فِي شَأْن عَمْرو بن الجموح سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَاذَا نتصدق من أَمْوَالنَا فَقَالَ الله لنَبيه ويسألونك مَاذَا يُنْفقُونَ مَاذَا يتصدقون من أَمْوَالهم {قُلِ الْعَفو} مَا فضل من الْقُوت وَأكل الْعِيَال ثمَّ نسخ ذَلِك بِآيَة الزَّكَاة {كَذَلِك} هَكَذَا {يبين الله لكم الْآيَات} الْأَمر وَالنَّهْي وَهُوَ أَن الدُّنْيَا {لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ}

220

{فِي الدُّنْيَا} أَنَّهَا فانية {وَالْآخِرَة} أَنَّهَا بَاقِيَة {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى} نزلت فِي شَأْن عبد الله ابْن رَوَاحَة سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن مُخَالطَة الْيَتَامَى فِي الطَّعَام وَالشرَاب والمسكن يجوز أم لَا فَقَالَ الله لنَبيه ويسألونك عَن الْيَتَامَى عَن مُخَالطَة الْيَتَامَى بِالطَّعَامِ وَالشرَاب والمسكن {قُلْ} يَا مُحَمَّد {إِصْلاَحٌ لَّهُمْ} ولمالهم {خَيْرٌ} من ترك مخالطتهم {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ} فِي الطَّعَام وَالشرَاب والمسكن {فَإِخْوَانُكُمْ} فهم إخْوَانكُمْ فِي الدّين فاحفظوا أنصابهم {وَالله يَعْلَمُ الْمُفْسد} لمَال الْيَتِيم {مِنَ المصلح} لمَال الْيَتِيم {وَلَوْ شَآءَ الله لأَعْنَتَكُمْ} لحرم المخالطة عَلَيْكُم {إِنَّ الله عَزِيزٌ} بالنقمة لمفسد مَال الْيَتِيم {حَكِيمٌ} يحكم بإصلاح مَال الْيَتِيم

221

{وَلَا تنْكِحُوا المشركات} نزلت فِي مرْثَد ابْن أبي مرْثَد الغنوي الَّذِي أَرَادَ أَن يتَزَوَّج امْرَأَة مُشركَة تسمى عنَاق فنهي الله عَن ذَلِك فَقَالَ {وَلَا تنْكِحُوا المشركات} يَقُول لَا تتزوجوا المشركات بِاللَّه {حَتَّى يُؤْمِنَّ} بِاللَّه {وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ} يَقُول نِكَاح أمة مُؤمنَة {خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ} من نِكَاح حرَّة مُشركَة {وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} حسنها وجمالها وكَذَلِك {وَلَا تُنْكِحُواْ الْمُشْركين} أَي لَا تزوجوا الْمُشْركين بِاللَّه {حَتَّى يُؤْمِنُواْ} بِاللَّه {وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ} يَقُول تزويجكم لعبد مُؤمن {خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ} من تزويجكم لحر مُشْرك {وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} بدنه وقوته {أُولَئِكَ} الْمُشْركُونَ {يَدْعُونَ إِلَى النَّار} يدعونَ إِلَى الْكفْر وَعمل النَّار {وَالله يَدْعُو إِلَى الْجنَّة} بِالتَّوْحِيدِ {وَالْمَغْفِرَة} بِالتَّوْبَةِ {بِإِذْنِهِ} بأَمْره {وَيبين آيَاته}

أمره وَنَهْيه فِي التَّزْوِيج {لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} لكَي يتعظوا وينتهوا عَن تَزْوِيج الْحَرَام

222

{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيض} نزلت فِي شَأْن أبي لدحداح سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك فَقَالَ الله لنَبيه ويسألونك عَن الْمَحِيض عَن مجامعة النِّسَاء فِي الْمَحِيض {قُلْ} يَا مُحَمَّد {هُوَ أَذًى} قذر حرَام {فاعتزلوا النسآء فِي الْمَحِيض} فاتركوا مجامعة النِّسَاء فِي الْمَحِيض {وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ} بِالْجِمَاعِ {حَتَّى يَطْهُرْنَ} من الْحيض {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} واغتسلن {فَأْتُوهُنَّ} جامعوهن {مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ الله} من حَيْثُ رخص لكم الله قبل ذَلِك فِي الْفروج {إِنَّ الله يُحِبُّ التوابين} الراجعين من الذُّنُوب {وَيُحِبُّ المتطهرين} من الذُّنُوب والأدناس

223

{نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ} يَقُول فروج نِسَائِكُم مزرعة لأولادكم {فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ} مزرعتكم {أَنى شِئْتُمْ} كَيفَ شِئْتُم مقبلة أَو مُدبرَة إِذا كَانَ فِي صمام وَاحِد {وَقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُمْ} من ولد صَالح {وَاتَّقوا الله} اخشوا الله فِي أدبار النِّسَاء ومجامعتهن فِي الْحيض {وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُّلاَقُوهُ} معاينوه بعد الْمَوْت فيجزيكم بأعمالكم {وَبَشِّرِ الْمُؤمنِينَ} يَقُول وَبشر يَا مُحَمَّد الْمُؤمنِينَ الْمُتَّقِينَ عَن أدبار النِّسَاء ومجامعتهن فِي الْحيض بِالْجنَّةِ

224

{وَلاَ تَجْعَلُواْ الله عُرْضَةً} عِلّة {لأَيْمَانِكُمْ} نزلت فِي شَأْن عبد الله بن رَوَاحَة إِذْ حلف بِاللَّه أَن لَا يحسن إِلَى أُخْته وَخَتنه وَلَا يكلمهما وَلَا يصلح بَينهمَا فَنَهَاهُ الله عَن ذَلِك فَقَالَ وَلَا تجْعَلُوا الله عرضة لأيمانكم أَي عِلّة لَا تحلفُوا {أَن تَبَرُّواْ} أَن لَا تبروا {وَتَتَّقُواْ} وَأَن لَا تتقوا عَن قطيعة الرَّحِم {وَتُصْلِحُواْ} وَأَن لَا تصحلوا {بَيْنَ النَّاس} يَقُول ارْجعُوا إِلَى مَا هُوَ خير لكم وَكَفرُوا عَن يمينكم وَيُقَال أَن لَا تبروا أَي لَا تحسنوا إِلَى أحد وتتقوا أَي يَقُول اتَّقوا عَن الْحلف بِاللَّه فِي ترك الْإِحْسَان وتصلحوا أصلحوا بَين النَّاس {وَالله سَمِيعٌ} بيمينكم لترك الْإِحْسَان {عَلِيمٌ} بنياتكم وبكفارة الْيَمين

225

{لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} يَقُول بكفارة أَيْمَانكُم بقولكم لَا وَالله وبلى وَالله فِي الشِّرَاء وَالْبيع وَغير ذَلِك من اللَّغْو {وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} تضمر قُلُوبكُمْ بذلك {وَالله غَفُورٌ} لأيمانكم بِاللَّغْوِ {حَلِيمٌ} إِذْ لم يعجلكم بالعقوبة وَيُقَال اللَّغْو يَمِين على الْمعْصِيَة فَإِن تَركه وَكفر عَن يَمِينه لَا يؤاخذه وَإِن فعل يؤاخذه

226

{لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ} يتركون مجامعة نِسَائِهِم بِالْحلف لَا يقربهَا أَرْبَعَة أشهر أَو فَوق ذَلِك {تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} يَقُول انْتِظَار أَرْبَعَة أشهر {فَإِن فاؤوا} فَإِن جامعوا قبل أَرْبَعَة أشهر {فَإِنَّ الله غَفُورٌ} ليمينهم إِن تَابُوا {رَّحِيمٌ} إِذْ بَين كفارتهم

227

{وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلَاق} حققوا الطَّلَاق وبروا يمينهم {فَإِنَّ الله سَمِيعٌ} ليمينه {عَلِيمٌ} بِمَا بَانَتْ امْرَأَته مِنْهُ بتطليقة وَاحِدَة بعد أَرْبَعَة أشهر وبكفارة يَمِينه نزل ذَلِك فِي رجل يحلف بِاللَّه أَن لَا يقرب امْرَأَته بِالْجِمَاعِ أَرْبَعَة أشهر أَو فَوق ذَلِك فَإِن بر يَمِينه وَترك مجامعتها حَتَّى تجَاوز أَرْبَعَة أشهر بَانَتْ مِنْهُ امْرَأَته بتطليقة وَاحِدَة وَإِن جَامعهَا قبل ذَلِك فَعَلَيهِ كَفَّارَة الْيَمين

228

{والمطلقات} وَاحِدَة أَو اثْنَتَيْنِ {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} ينتظرن بِأَنْفُسِهِنَّ فِي الْعدة {ثَلَاثَة قُرُوء} ثَلَاث حيض {وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ} الْحَبل {مَا خَلَقَ الله فِي أَرْحَامِهِنَّ} من ولد {إِن كُنَّ} إِذْ كن {يُؤْمِنَّ بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر وَبُعُولَتُهُنَّ} أَزوَاجهنَّ {أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} بمراجعتهن {فِي ذَلِكَ} فِي ذَلِك الْحَبل أَو الْعدة {إِنْ أَرَادوا إِصْلاَحاً} مُرَاجعَة لِأَن فِي بَدْء الْإِسْلَام كَانَ إِذا طلق الرجل امْرَأَته تَطْلِيقَة أَو تَطْلِيقَتَيْنِ كَانَ أملك برجعتها بعد انْقِضَاء الْعدة قبل التَّزْوِيج فنسخ ملك الرّجْعَة بقوله {الطَّلَاق مَرَّتَانِ} وَكَذَلِكَ فِي الْحَبل كَانَ أَحَق برجعتها فِي ذَلِك الْحَبل وَلَو طَلقهَا ألف مرّة فنسخ الله ملك الرّجْعَة بقوله {فطلقوهن لعدتهن} {وَلَهُنَّ} من الْحق وَالْحُرْمَة على أَزوَاجهنَّ {مِثْلُ الَّذِي} للأزواج {عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} فِي إِحْسَان الصُّحْبَة والمعاشرة {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَة}

فَضِيلَة فِي الْعقل وَالْمِيرَاث وَالدية وَالشَّهَادَة وَبِمَا عَلَيْهِم من النَّفَقَة والخلعة {وَالله عَزِيز} بالنقمة لمن ترك مَا بَين الْمَرْأَة وَالزَّوْج من الْحق والحرمان {حَكِيمٌ} فِيمَا حكم بَينهمَا

229

{الطَّلَاق مَرَّتَانِ} يَقُول طَلَاق الرّجْعَة مَرَّتَانِ {فَإِمْسَاكٌ} قبل التطليقة الثَّالِثَة وَقبل الِاغْتِسَال من الْحَيْضَة الثَّلَاثَة {بِمَعْرُوف} بِحَق الصُّحْبَة والمعاشرة {أَوْ تَسْرِيحٌ} أَو يطلقهَا الثَّالِثَة بِإِحْسَان يُؤَدِّي حَقّهَا {وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّآ آتَيْتُمُوهُنَّ} أعطيتموهن من الْمهْر {شَيْئاً إِلاَّ أَن يَخَافَآ} يعلمَا الزَّوْج وَالْمَرْأَة عِنْد الْخلْع {أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ الله} أَحْكَام الله فِيمَا بَين الْمَرْأَة وَالزَّوْج {فَإِن خِفْتُمْ} علمْتُم {أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ الله} أَحْكَام الله فِيمَا بَين الْمَرْأَة وَالزَّوْج {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} على الزَّوْج خَاصَّة {فِيمَا افتدت بِهِ} أَن يَأْخُذ مَا اشترت الْمَرْأَة نَفسهَا بِهِ من الزَّوْج بِطيبَة نَفسهَا نزلت فِي ثَابت بن قيس ابْن شماس وَامْرَأَته جميلَة بنت عبد الله بن أبي سلول رَأس الْمُنَافِقين اشترت نَفسهَا من زَوجهَا بمهرها {تِلْكَ حُدُودُ الله} هَذِه أَحْكَام الله بَين الْمَرْأَة وَالزَّوْج {فَلاَ تَعْتَدُوهَا} فَلَا تجاوزوها إِلَى مَا نهى الله تَعَالَى لكم {وَمَن يَتَعَدَّ} تجَاوز {حُدُودَ الله} أَحْكَام الله إِلَى مَا نهى الله عَنهُ {فَأُولَئِك هُمُ الظَّالِمُونَ} الضارون لأَنْفُسِهِمْ

230

ثمَّ رَجَعَ إِلَى قَوْله الطَّلَاق مَرَّتَانِ فَقَالَ فَإِنْ طَلَّقَهَا الثَّالِثَة {فَلاَ تَحِلُّ لَهُ} تِلْكَ الْمَرْأَة مِن بَعْدُ التطليقة الثَّالِثَة {حَتَّى تَنْكِحَ} تتَزَوَّج {زَوْجاً غَيْرَهُ} وَيدخل بهَا الثَّانِي {فَإِن طَلَّقَهَا} الزَّوْج الثَّانِي نزلت فِي عبد الرَّحْمَن ابْن الزبير {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ} على الزَّوْج الأول وَالْمَرْأَة {أَن يَتَرَاجَعَآ} بِمهْر وَنِكَاح جَدِيد {إِن ظَنَّآ} علما {أَن يُقِيمَا حُدُودَ الله} أَحْكَام الله فِيمَا بَين الْمَرْأَة وَالزَّوْج {وَتِلْكَ حُدُودُ الله} هَذِه أَحْكَام الله فَرَائِضه

231

{يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} أَنه من الله ويصدقون بذلك {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النسآء} وَاحِدَة {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} عدتهن قبل الِاغْتِسَال من الْحَيْضَة الثَّالِثَة {فَأَمْسِكُوهُنَّ} فراجعوهن {بِمَعْرُوفٍ} بِحسن الصُّحْبَة والمعاشرة {أَوْ سَرِّحُوهُنَّ} اتركوهن حَتَّى يغتسلن ويخرجن من الْعدة {بِمَعْرُوفٍ} يُؤَدِّي حقهن {وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً} بالضرار {لِّتَعْتَدُواْ} لتظلموا عَلَيْهِنَّ ولتطيلوا عَلَيْهِنَّ الْعدة {وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ} الضرار {فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} ضرّ بِنَفسِهِ {وَلاَ تَتَّخِذُوا آيَاتِ الله} أَمر الله وَنَهْيه {هُزُواً} استهزاء لَا تعلمُونَ بهَا {واذْكُرُوا نِعْمَةَ الله} احْفَظُوا منَّة الله {عَلَيْكُمْ} الْإِسْلَام {وَمَآ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكتاب} فِي الْكتاب من الْأَمر وَالنَّهْي {وَالْحكمَة} الْحَلَال وَالْحرَام {يَعِظُكُمْ بِهِ} يَنْهَاكُم عَن الضرار {وَاتَّقوا الله} اخشوا الله فِي الضرار {وَاعْلَمُوا أَنَّ الله بِكُلِّ شَيْءٍ} من الضرار وَغَيره {عَلِيمٌ}

232

{وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النسآء} تَطْلِيقَة وَاحِدَة أَو تَطْلِيقَتَيْنِ {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} فانقضت عدتهن وأردن أَن يرجعن إِلَى أَزوَاجهنَّ الأول مهر وَنِكَاح جَدِيد {فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ} تمنعوهن {أَن يَنكِحْنَ} أَن يتزوجن {أَزْوَاجَهُنَّ} الأول وَإِن قَرَأت بخفض الضَّاد فَهُوَ الْحَبْس {إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُمْ} إِذا اتَّفقُوا فِيمَا بَينهم {بِالْمَعْرُوفِ} بِمهْر وَنِكَاح جَدِيد {ذَلِك} الَّذِي ذكرت {يُوعَظُ بِهِ} يُؤمر بِهِ {مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر ذَلِكُم} الَّذِي ذكرت {أزكى لَكُمْ} أصح لكم {وَأَطْهَرُ} لقلوبكم وقلوبهن من الرِّيبَة والعداوة {وَالله يَعْلَمُ} حب الْمَرْأَة للزَّوْج {وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} ذَلِك نزلت هَذِه الْآيَة فِي معقل بن يسَار الْمُزنِيّ لمَنعه أُخْته جميلَة الرُّجُوع إِلَى زَوجهَا الأول عبد الله بن عَاصِم بِمهْر وَنِكَاح جَدِيد فَنَهَاهُ الله عَن ذَلِك

233

{والوالدات} المطلقات {يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} سنتَيْن كاملتين {لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرضَاعَة} رضَاع الْوَلَد {وَعلَى الْمَوْلُود لَهُ} يَعْنِي الْأَب {رِزْقُهُنَّ} نفقتهن على الرَّضَاع {وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} بِغَيْر إِسْرَاف وَلَا تقتير {لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ} بِالنَّفَقَةِ على الرَّضَاع {إِلَّا وسعهَا} الا بِقدر مَا أَعْطَاهَا الله من المَال {لاَ تُضَآرَّ وَالِدَة بِوَلَدِهَا} يُؤْخَذ وَلَدهَا بَعْدَمَا رضيت بِمَا أَعْطَتْ غَيرهَا على الرَّضَاع {وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ} يَعْنِي الْأَب {بِوَلَدِهِ} بطرح الْوَلَد عَلَيْهِ بَعْدَمَا عرف أَنه وَلَا يقبل ثدي غَيرهَا {وَعَلَى الْوَارِث} وَارِث لأَب وَيُقَال وَارِث الصَّبِي {مِثْلُ ذَلِك} مثل مَا على الْأَب من النَّفَقَة وَترك الضرار إِذا لم يكن الْأَب

{فَإِنْ أَرَادَا} يَعْنِي الزَّوْج وَالْمَرْأَة {فِصَالاً} فصَال الصَّبِي عَن اللَّبن قبل الْحَوْلَيْنِ يَعْنِي فطاماً {عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا} بتراضي الْأَب وَالأُم {وَتَشَاوُرٍ} بمشاورتهما {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} على الْأَب وَالأُم إِن لم يرضعا ولدهما سنتَيْن {وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تسترضعوا أَوْلاَدَكُمْ} غير الْأُم وأرادت الْأُم أَن تتَزَوَّج {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} فَلَا حرج على الْأَب وَالأُم {إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم} إِذا أنفقتم مَا أعطيتم {بِالْمَعْرُوفِ} بالموافقة بِغَيْر مُخَالفَة {وَاتَّقوا الله} واخشوا الله فِي الضرار والمخالفة {وَاعْلَمُوا أَنَّ الله} بِمَا تَعْمَلُونَ من الْمُوَافقَة الْمُخَالفَة الضرار {بَصِيرٌ}

234

{وَالَّذين يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ} يموتون من رجالكم {وَيَذَرُونَ} يتركون {أَزْوَاجاً} بعد الْمَوْت {يَتَرَبَّصْنَ} ينتظرن {بِأَنْفُسِهِنَّ} فِي الْعدة {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} يَعْنِي عشرَة أَيَّام {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} فَإِذا انْقَضتْ عدتهن {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} على أَوْلِيَاء الْمَيِّت فِي تركهن {فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ} من الزِّينَة {بِالْمَعْرُوفِ} للتزويج {وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر {خَبِير}

235

{وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} لَا حرج على الْخطاب {فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النسآء} فِيمَا عرضتم أَنفسكُم على الْمَرْأَة الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا قبل انْقِضَاء الْعدة لتزوجها بعد انْقِضَاء الْعدة وَهُوَ أَن يَقُول لَهَا إِن جمع الله بَيْننَا بالحلال يُعجبنِي ذَلِك {أَوْ أَكْنَنتُمْ} أضمرتم ذَلِك {فِي أَنْفُسِكُمْ} فِي قُلُوبكُمْ {عَلِمَ الله أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ} تذكرُونَ نِكَاحهنَّ {وَلَكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً} بِالْجِمَاعِ {إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً} صَحِيحا ظَاهرا وَهُوَ أَن يَقُول إِن جمع الله بَيْننَا بالحلال يُعجبنِي ذَلِك لَا يزِيد على ذَلِك {وَلاَ تَعْزِمُواْ} لَا تحققوا {عُقْدَةَ النِّكَاح حَتَّى يَبْلُغَ الْكتاب أَجَلَهُ} حَتَّى تبلغ الْعدة وَقتهَا {وَاعْلَمُوا أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ} فِي قُلُوبكُمْ من الْوَفَاء وَالْخلاف على مَا قُلْتُمْ {فَاحْذَرُوهُ} فاحذروا مُخَالفَته {وَاعْلَمُوا أَنَّ الله غَفُورٌ} لمن تَابَ من مُخَالفَته {حَلِيمٌ} إِذْ لم يعجله بالعقوبة

236

{لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} لَا حرج عَلَيْكُم {إِن طَلَّقْتُمُ النسآء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} تجامعوهن {أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً} أَو لم تبينوا لَهُنَّ مهْرا {وَمَتِّعُوهُنَّ} مُتْعَة الطَّلَاق {عَلَى الموسع قَدَرُهُ} على الْمُوسر قدر مَاله {وَعَلَى المقتر قَدَرُهُ} قدر مَاله {مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ} فَوق مهر الْبَغي أدناه درع وخمار وَمِلْحَفَة {حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ} وَاجِبا على الْمُوَحِّدين لِأَنَّهُ بدل الْمهْر

237

ثمَّ بَين حكم من سمى مهرهَا فَقَالَ {وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ} تجامعوهن {وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً} وَقد بينتم مهورهن {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} فَعَلَيْكُم نصف مَا سميتم من مهرهن {إِلاَّ أَن يَعْفُونَ} إِلَّا أَن تتْرك الْمَرْأَة حَقّهَا على الزواج {أَو يعْفُو الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاح} أَو يتْرك الزَّوْج حَقه على الْمَرْأَة ليعطي مهرهَا كَامِلا {وَأَن تعفوا} تتركوا حقكم {أَقْرَبُ للتقوى} أقرب لِلْمُتقين إِلَى التَّقْوَى يَقُول للزَّوْج وَالْمَرْأَة من ترك حَقه على صَاحبه فَهُوَ أولى بالتقوى {وَلاَ تنسوا الْفضل بَيْنكُم} يَقُول للْمَرْأَة وَالزَّوْج لاتتركوا الْفضل وَالْإِحْسَان بَعْضكُم إِلَى بعض {إِنَّ الله بِمَا تَعْمَلُونَ} من الْفضل وَالْإِحْسَان {بَصِيرٌ}

238

ثمَّ حث على الصَّلَوَات الْخمس فَقَالَ

{حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَات} الْخمس بوضوئها وركوعها وسجودها وَمَا يجب فِيهَا فِي مواقيتها {وَالصَّلَاة الْوُسْطَى} صَلَاة الْعَصْر خَاصَّة {وَقُومُواْ للَّهِ قَانِتِينَ} صلوا لله قَائِمين بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُود وَيُقَال مُطِيعِينَ لَهُ فِي الصَّلَاة غير عاصين بالْكلَام

239

{فَإنْ خِفْتُمْ} من عَدو فِي المسايفة {فَرِجَالاً} فصلوا على أَرْجُلكُم بِالْإِيمَاءِ {أَوْ رُكْبَاناً} على الدَّوَابّ حَيْثُمَا توجهتم {فَإِذَآ أَمِنتُمْ فاذكروا الله} فصلوا لله بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُود {كَمَا عَلَّمَكُم} فِي الْقُرْآن للْمُسَافِر رَكْعَتَانِ وللمقيم أَربع {مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ} قبل الْقُرْآن

240

{وَالَّذين يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ} يقبضون من رجالكم {وَيَذَرُونَ} يتركون {أَزْوَاجاً} بعد الْمَوْت {وَصِيَّةً} يَقُول عَلَيْهِم وَصِيَّة وَإِن قَرَأت بِنصب الْهَاء يَقُول عَلَيْهِم أَن يوصوا وَصِيَّة {لأَزْوَاجِهِمْ} فِي أَمْوَالهم {مَّتَاعاً إِلَى الْحول} النَّفَقَة وَالسُّكْنَى إِلَى سنة {غَيْرَ إِخْرَاجٍ} من غير أَن يخْرجن من مسكن زوجهن {فَإِنْ خَرَجْنَ} من قبل أَنْفسهنَّ أَو تَزَوَّجن من قبل الْحول {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} على أَوْلِيَاء الْمَيِّت فِي منع النَّفَقَة وَالسُّكْنَى مِنْهَا بعد مَا خرجت من بَيت زَوجهَا أَو تزوجت {فِي مَا فَعَلْنَ} وَلَا بِمَا فعلن {فِي أَنْفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ} من تشوف وتزين للتزويج وَهِي مَنْسُوخَة بميراثها يَعْنِي نَفَقَة الْمُتَوفَّى {وَالله عَزِيزٌ} بالنقمة لمن ترك مَا أَمر بِهِ {حَكِيمٌ} بِمَا نسخ نَفَقَة الْمُتَوفَّى وَالسُّكْنَى إِلَى الْحول لقبل نصِيبهَا من الْمِيرَاث الرّبع أَو الثّمن

241

{وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} بِالْإِحْسَانِ وَالْفضل {حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ} وَلَيْسَ بِوَاجِب لِأَنَّهُ فضل على الْمهْر على وَجه الْإِحْسَان

242

{كَذَلِك} هَكَذَا {يبين الله لكم آيَاته} أمره وَنَهْيه كَمَا بَين هَذَا {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} مَا أمرْتُم بِهِ

243

ثمَّ ذكر خبر عزاة بني إِسْرَائِيل فَقَالَ {أَلَمْ تَرَ} ألم تخبر يَا مُحَمَّد فِي الْقُرْآن {إِلَى الَّذين خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ} من مَنَازِلهمْ لقِتَال عدوهم {وَهُمْ أُلُوفٌ} ثَمَانِيَة آلَاف فجبنوا عَن الْقِتَال {حَذَرَ الْمَوْت} مَخَافَة الْقَتْل {فَقَالَ لَهُمُ الله مُوتُواْ} فأماتهم الله مكانهم {ثُمَّ أَحْيَاهُمْ} بعد ثَمَانِيَة أَيَّام {إِنَّ الله لَذُو فَضْلٍ} لذُو من {عَلَى النَّاس} على هَؤُلَاءِ لإحيائهم {وَلَكِن أَكْثَرَ النَّاس لاَ يَشْكُرُونَ} الْحَيَاة ثمَّ قَالَ لَهُم الله بعد مَا أحياهم

244

{وقاتلوا فِي سَبِيل الله} فِي طَاعَة الله مَعَ عَدوكُمْ {وَاعْلَمُوا أَنَّ الله سَمِيعٌ} لمقالتكم {عَلِيمٌ} بنياتكم وعقوبتكم إِن لم تَفعلُوا مَا أمرْتُم بِهِ

245

ثمَّ حث الْمُؤمنِينَ على الصَّدَقَة فَقَالَ {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَناً} فِي الصَّدَقَة محتسباً صَادِقا من قبله {فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً} بِوَاحِدَة ألفي ألف {وَالله يَقْبِضُ} يقتر {وَيَبْسُطُ} يُوسع المَال على من يَشَاء فِي الدُّنْيَا {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} بعد الْمَوْت فتجزون بأعمالكم نزلت هَذِه الْآيَة فِي رجل من الْأَنْصَار يكنى أَبَا الدحداح أَو أَبَا الدحداحة

246

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الملإ} ألم تخبر عَن قوم {مِن بني إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ} اشمويل {ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً} بَين لنا ملك الْجَيْش {نُّقَاتِلْ} بأَمْره مَعَ عدونا {فِي سَبِيلِ الله} فِي طَاعَة الله {قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ} أتقدرون وَإِن قَرَأت بخفض السِّين تَقول أحسبتم {إِن كُتِبَ} إِن فرض {عَلَيْكُمُ الْقِتَال} مَعَ عَدوكُمْ {أَلاَّ تُقَاتِلُواْ} عَدوكُمْ {قَالُواْ وَمَا لَنَآ أَلاَّ نُقَاتِلَ} وَلم لَا نُقَاتِل الْعَدو {فِي سَبِيلِ الله وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا} من مَنَازلنَا {وَأَبْنَآئِنَا} وَسبي ذرارينا {فَلَمَّا كُتِبَ} أوجب {عَلَيْهِمُ الْقِتَال تَوَلَّوْاْ} أَعرضُوا عَن قتال عدوهم {إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ} ثلثمِائة وَثَلَاثَة عشر رجلا {وَالله عَلِيمٌ بالظالمين} الَّذين توَلّوا عَن قتال عدوهم

247

{وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ} أشمويل {إِنَّ الله قَدْ بَعَثَ} بَين {لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً} ملكه عَلَيْكُم {قَالُوا أَنى يَكُونُ} من أَيْن يكون {لَهُ الْملك عَلَيْنَا} وَلَيْسَ هُوَ من سبط الْملك {وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْملكِ مِنْهُ} لأَنا من سبط الْملك {وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ المَال} لَيْسَ لَهُ سَعَة المَال لينفق على الْجَيْش قَالَ أَشمويل {إِنَّ الله اصطفاه} اخْتَارَهُ بِالْملكِ وَملكه {عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً} فَضِيلَة {فِي الْعلم} علم الْحَرْب {والجسم} الطول وَالْقُوَّة {وَالله يُؤْتِي مُلْكَهُ} يُعْطي ملكه {مَن يَشَآءُ} فِي الدُّنْيَا وَإِن لم يكن من سبط الْملك {وَالله وَاسِعٌ} بِالْعَطِيَّةِ {عَلِيمٌ} بِمن يُعْطي قَالُوا لَيْسَ ملكه من الله بل أَنْت ملكته علينا

248

{وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ} أشمويل {إِنَّ آيَةَ} عَلامَة {مُلْكِهِ} أَنه من الله {أَن يَأْتِيَكُمُ التابوت} هُوَ أَن يرد إِلَيْكُم التابوت الَّذِي أَخذ مِنْكُم {فِيهِ سَكِينَةٌ} رَحْمَة وطمأنينة وَيُقَال فِيهِ ريح النُّصْرَة لَهُ صفرَة كوجه إِنْسَان {مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى} مِمَّا ترك مُوسَى يَعْنِي كِتَابه وَيُقَال ألواحه وَعَصَاهُ {وَآلُ هَارُونَ} مِمَّا ترك هرون رِدَاؤُهُ وعمامته {تَحْمِلُهُ} تسوقه {الْمَلَائِكَة} إِلَيْكُم {إِنَّ فِي ذَلِكَ} فِي رد التابوت إِلَيْكُم {لآيَةً} عَلامَة {لَّكُمْ} أَن ملكه من الله {إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ} مُصدقين فَلَمَّا رد إِلَيْهِم التابوت قبلوا وَخَرجُوا مَعَه

249

{فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ} خرج طالوت {بالجنود} بالجيش فَأخذ يمشي بهم فِي أَرض قفرة فَأَصَابَهُمْ حر وعطش شَدِيد فطلبوا مِنْهُ المَاء قَالَ لَهُم طالوت {إِنَّ الله مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ} مختبركم بنهر جَار {فَمَن شَرِبَ مِنْهُ} من النَّهر {فَلَيْسَ مِنِّي} لَيْسَ معي على عدوي وَلَا يُجَاوِزهُ {وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ} لم يشرب مِنْهُ {فَإِنَّهُ مني} على عدوي ثمَّ اسْتثْنى فَقَالَ {إِلاَّ مَنِ اغترف غُرْفَةً بِيَدِهِ} وَإِن قَرَأت بِفَتْح الْغَيْن أَرَادَ بِهِ غرفَة وَاحِدَة فَكَانَت تكفيهم تِلْكَ الغرفة لشربهم ودوابهم وَحَملهمْ {فَشَرِبُواْ مِنْهُ} فَلَمَّا بلغُوا إِلَى النَّهر وقفُوا فِي النَّهر وَشَرِبُوا مِنْهُ كَيفَ شَاءُوا {إِلَّا قَلِيلا مِنْهُم} ثلثمِائة وَثَلَاثَة عشر رجلا لم يشْربُوا إِلَّا كَمَا دلهم الله {فَلَمَّا جَاوَزَهُ} يَعْنِي النَّهر {هُوَ} يَعْنِي طالوت {وَالَّذين آمَنُواْ} صدقُوا {مَعَهُ قَالُواْ} فِيمَا بَينهم {لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْم بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ الَّذين يَظُنُّونَ} يعلمُونَ ويستيقنون {أَنَّهُمْ مُلاَقُواْ الله} معاينو الله بعد الْمَوْت {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ} جمَاعَة قَليلَة من الْمُؤمنِينَ {غَلَبَتْ فِئَةً} جمَاعَة {كَثِيرَةً} من الْكَافرين {بِإِذْنِ الله} بنصر الله {وَالله مَعَ الصابرين} معِين الصابرين فِي الْحَرْب بالنصرة

250

{وَلَمَّا بَرَزُواْ} تصافوا {لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ} يَعْنِي هَؤُلَاءِ المصدقين {رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً} أَي أكرمنا بِالصبرِ {وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا} فِي الْحَرْب {وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْم الْكَافرين} على جالوت وَجُنُوده

251

{فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ الله} بنصرة الله {وَقَتَلَ دَاوُدُ} النَّبِي {جَالُوتَ} الْكَافِر {وَآتَاهُ الله الْملك} أعْطى الله دَاوُد ملك بني إِسْرَائِيل {وَالْحكمَة} الْفَهم والنبوة {وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَآءُ} يَعْنِي الدروع {وَلَوْلاَ دَفْعُ الله النَّاس بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} كَمَا دفع بِدَاوُد شَرّ جالوت عَن بني إِسْرَائِيل {لَفَسَدَتِ الأَرْض} بِأَهْلِهَا يَقُول دفع الله بالنبيين عَن الْمُؤمنِينَ شَرّ أعدائهم وبالمجاهدين عَن القاعدين عَن الْجِهَاد شَرّ أعدائهم وَلَوْلَا ذَلِك لفسدت الأَرْض بِأَهْلِهَا

{وَلَكِن الله ذُو فَضْلٍ} ذُو من {عَلَى الْعَالمين} بِالدفع

252

{تِلْكَ آيَاتُ الله} هَذِه آيَات الله يَعْنِي الْقُرْآن بأخبار الْأُمَم الْمَاضِيَة {نَتْلُوهَا عَلَيْكَ} ننزل عَلَيْك جِبْرَائِيل منا {بِالْحَقِّ} لبَيَان الْحق وَالْبَاطِل {وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسلين} إِلَى الْجِنّ وَالْإِنْس كَافَّة

253

{تِلْكَ الرُّسُل} الَّذين سميناهم لَك {فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ} بالكرامة {مِّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ الله} وَهُوَ مُوسَى {وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} فَضَائِل هُوَ إِبْرَاهِيم اتَّخذهُ خَلِيلًا مصافياً وَإِدْرِيس رَفعه مَكَانا عليا {وَآتَيْنَا} أعطينا {عِيسَى ابْن مَرْيَمَ الْبَينَات} الْأَمر وَالنَّهْي والعجائب {وَأَيَّدْنَاهُ} قويناه وأعناه {بِرُوحِ الْقُدس} بجبرائيل الطَّاهِر {وَلَوْ شَآءَ الله مَا اقتتل} مَا اخْتلف {الَّذين مِن بَعْدِهِم} من بعد مُوسَى وَعِيسَى {مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ الْبَينَات} بَيَان مَا فِي كِتَابهمْ نعت مُحَمَّد وَصفته {وَلَكِن اخْتلفُوا} فِي الدّين {فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ} بِكُل كتاب وَرَسُول {وَمِنْهُمْ مَّن كَفَرَ} بالكتب وَالرسل {وَلَوْ شَآءَ الله مَا اقْتَتَلُوا} مَا اخْتلفُوا فِي الدّين {وَلَكِن الله يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} كَمَا يُرِيد بعباده

254

ثمَّ حثهم على الصَّدَقَة فَقَالَ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أَنْفقُوا من مَا رَزَقْنَاكُم} تصدقوا مِمَّا أعطيناكم من الْأَمْوَال فِي سَبِيل الله {مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {لاَّ بَيْعٌ فِيهِ} لَا فدَاء فِيهِ {وَلاَ خُلَّةٌ} وَلَا مخالة {وَلاَ شَفَاعَةٌ} للْكَافِرِينَ {والكافرون} بِاللَّه {هُمُ الظَّالِمُونَ} الْمُشْركُونَ بِاللَّه

255

ثمَّ مدح نَفسه فَقَالَ {الله لَا إِلَه إِلاَّ هُوَ الْحَيّ} الَّذِي لَا يَمُوت {القيوم} الْقَائِم الَّذِي لَا بَدْء لَهُ {لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ} نُعَاس {وَلاَ نَوْمٌ} ثقيل فيشغله عَن تَدْبيره وَأمره {لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات} من الْمَلَائِكَة {وَمَا فِي الأَرْض} من الْخلق {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ} من أهل السَّمَوَات وَالْأَرْض يَوْم الْقِيَامَة {إِلاَّ بِإِذْنِهِ} بأَمْره {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} بَين أَيدي الْمَلَائِكَة من أَمر الْآخِرَة لمن تكون الشَّفَاعَة {وَمَا خَلْفَهُمْ} من أَمر الدُّنْيَا {وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ} يَقُول لاتعلم الْمَلَائِكَة شَيْئا من أَمر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة إِلَّا مَا علمهمْ الله {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَات وَالْأَرْض} يَقُول كرسيه أوسع من السَّمَوَات وَالْأَرْض {وَلاَ يؤوده حِفْظُهُمَا} لَا يثقل عَلَيْهِ حفظ الْعَرْش والكرسي بِغَيْر الْمَلَائِكَة {وَهُوَ الْعلي} أَعلَى من كل شَيْء {الْعَظِيم} أعظم من كل شَيْء

256

{لاَ إِكْرَاهَ فِي الدّين} لَا يكره أحد على التَّوْحِيد من أهل الْكتاب وَالْمَجُوس بعد إِسْلَام الْعَرَب {قَد تَّبَيَّنَ الرشد مِنَ الغي} الْإِيمَان من الْكفْر وَالْحق من الْبَاطِل ثمَّ نزلت فِي مُنْذر بن ساوي التَّمِيمِي {فَمَنْ يَكْفُرْ بالطاغوت} بِأَمْر الشَّيْطَان وَعبادَة الْأَصْنَام {وَيْؤْمِن بِاللَّه} وَبِمَا جَاءَ مِنْهُ {فَقَدِ استمسك بالعروة الوثقى} فقد أَخذ بالثقة بِلَا إِلَه إِلَّا الله {لَا انفصام لَهَا} لَا انْقِطَاع لَهَا وَلَا زَوَال وَلَا هَلَاك وَيُقَال لَا انْقِطَاع لصَاحِبهَا عَن نعيم الْجنَّة وَلَا زَوَال عَن الْجنَّة وَلَا هَلَاك بِالْبَقَاءِ فِي النَّار {وَالله سَمِيعٌ} لهَذِهِ الْمقَالة {عَلِيمٌ} بثوابها وَنَعِيمهَا

257

{الله وَلِيُّ الَّذين آمَنُواْ} حَافظ وناصر الَّذين آمنُوا يَعْنِي عبد الله ابْن سَلام وَأَصْحَابه {يُخْرِجُهُمْ مِّنَ الظُّلُمَات إِلَى النُّور} فقد أخرجهم ووفقهم حَتَّى خَرجُوا من الْكفْر إِلَى الْإِيمَان {وَالَّذين كفرُوا} يَعْنِي كَعْب بن الْأَشْرَف وَأَصْحَابه {أَوْلِيَآؤُهُمُ الطاغوت} الشَّيْطَان

{يُخْرِجُونَهُمْ مِّنَ النُّور إِلَى الظُّلُمَات} يَدعُونَهُمْ من الْإِيمَان إِلَى الْكفْر {أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّار} أهل النَّار {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا أبدا

258

{أَلَمْ تَرَ} ألم تخبر {إِلَى الَّذِي} عَن الَّذِي {حَآجَّ} خَاصم {إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ} فِي دين ربه {أَنْ آتَاهُ الله الْملك} أعطَاهُ وَهُوَ نمْرُود بن كنعان {إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} يحيي الْبَعْث وَيُمِيت الدُّنْيَا {قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ} لَهُ ائْتِنِي بِبَيَان ذَلِك قَالَ فَأتي برجلَيْن من السجْن قتل وَاحِدَة وَترك وَاحِدًا وَقَالَ هَذَا بَيَان ذَلِك قَالَ إِبْرَاهِيم {فَإِنَّ الله يَأْتِي بالشمس مِنَ الْمشرق} من نَحْو الْمشرق {فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمغرب} من نَحْو الْمغرب {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} خصم وقصم الَّذِي كفر أَي سكت بِغَيْر الْحجَّة {وَالله لاَ يَهْدِي} إِلَى الْحجَّة {الْقَوْم الظَّالِمين} الْكَافرين يَعْنِي نمْرُود

259

{أَوْ كَالَّذي مَرَّ على قَرْيَةٍ} يَقُول وَإِلَى الَّذِي مر على قَرْيَة تسمى دير هِرقل وَهُوَ عَزِيز بن شرحيل مر على قَرْيَة {وَهِيَ خَاوِيَةٌ} سَاقِطَة {على عروشها} على سقوفها {قَالَ أَنى يحيي هَذِه الله بَعْدَ مَوْتِهَا} يَقُول كَيفَ يحيي الله أهل هَذِه الْقرْيَة بعد مَوْتهمْ {فَأَمَاتَهُ الله} مَكَانَهُ فَكَانَ مَيتا {مِاْئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ} أَحْيَاهُ فِي آخر النَّهَار قَالَ الله {كم لَبِثت} مكثت يَا عَزِيز {قَالَ لَبِثْتُ} مكثت {يَوْماً} ثمَّ نظر إِلَى الشَّمْس وَقد بَقِي مِنْهَا شَيْء فَقَالَ {أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ} الله {بَل لَّبِثْتَ} مكثت مَيتا {ماِْئَةَ عَامٍ فَانْظُر إِلَى طَعَامِكَ} التِّين وَالْعِنَب {وَشَرَابِكَ} الْعصير {لَمْ يَتَسَنَّهْ} لم يتَغَيَّر {وَانْظُر إِلَى حِمَارِكَ} إِلَى عِظَام حِمَارك كَيفَ تلوح بَيْضَاء {وَلِنَجْعَلَكَ} لكَي نجعلك {آيَةً} عَلامَة {لِلنَّاسِ} فِي إِحياء الْمَوْتَى أَنهم يحيون على مَا يموتون لِأَنَّهُ مَاتَ شَابًّا وَبعث شَابًّا فَيُقَال جعله عِبْرَة للنَّاس لِأَنَّهُ كَانَ ابْن أَرْبَعِينَ سنة وَابْنه ابْن مائَة وَعشْرين سنة {وَانْظُر إِلَى الْعِظَام} عِظَام الْحمار {كَيْفَ نُنْشِزُهَا} نرفع بَعْضهَا على بعض وَإِن قَرَأَ بالراء يَقُول كَيفَ نخلقها {ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً} بعد ذَلِك يَقُول ننبت عَلَيْهَا العصب وَالْعُرُوق وَاللَّحم وَالْجَلد وَالشعر ونجعل فِيهِ الرّوح بعد ذَلِك {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ} كَيفَ يجمع الله عِظَام الْمَوْتَى {قَالَ أَعْلَمُ} قد علمت {أَنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ} من الْحَيَاة وَالْمَوْت {قدير}

260

{وَإِذْ قَالَ} وَقد قَالَ {إِبْرَاهِيمُ} أَيْضا {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى} كَيفَ تجمع عِظَام الْمَوْتَى {قَالَ أَو لم تُؤْمِن} توقن بذلك {قَالَ بلَى} أَنا موقن {وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} لتسكن حرارة قلبِي وَأعلم بِأَنِّي خَلِيلك مستجاب الدعْوَة {قَالَ فَخُذْ} إِلَيْك مقدم ومؤخر {أَرْبَعَةً مِّنَ الطير} أشتاتاً أَي مُخْتَلفا ديكا وغرابا وبطا وطاوسا {فصرهن} فقطعنه {إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَل} ثمَّ ضع {على كُلِّ جَبَلٍ} من أَرْبَعَة أجبل {مِّنْهُنَّ جُزْءًا} بَعْضًا {ثُمَّ ادعهن} بأسمائهن {يَأْتِينَكَ سَعْياً} مشياً {وَاعْلَم} يَا إِبْرَاهِيم {أَنَّ الله عَزِيزٌ} بالنقمة لمن لم يقر بإحياء الْمَوْتَى {حَكِيمٌ} يجمع عِظَام الْمَوْتَى وإحيائهم كَمَا جمع وَأَحْيَا هَذِه الطُّيُور

261

ثمَّ ذكر نَفَقَة الْمُؤمنِينَ فِي سَبِيل الله فَقَالَ {مَّثَلُ الَّذين يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ الله} يَقُول مثل أَمْوَال الَّذين يُنْفقُونَ أَمْوَالهم فِي سَبِيل الله {كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ} أخرجت {سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ} مِنْهَا {مِّاْئَةُ حَبَّةٍ} كَذَلِك يُضَاعف نَفَقَة الْمُؤمنِينَ فِي سَبِيل الله من وَاحِد إِلَى سَبْعمِائة {وَالله يُضَاعِفُ} فَوق ذَلِك {لِمَن يَشَآءُ} لمن كَانَ أَهلا لذَلِك وَيُقَال لمن قبل مِنْهُ {وَالله وَاسِعٌ} بالتضعيف {عَلِيمٌ} بِنَفَقَة الْمُؤمنِينَ وبنياتهم

262

{الَّذين يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ الله} نزلت هَذِه الْآيَة فِي عُثْمَان بن عَفَّان وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف {ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَآ أَنْفَقُواُ} بعد النَّفَقَة {مَنّاً} على الله {وَلاَ أَذًى} لصَاحِبهَا {لَّهُمْ أَجْرُهُمْ} ثوابهم {عِنْدَ رَبِّهِمْ} فِي الْجنَّة {وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} فِيمَا يستقبلهم من الْعَذَاب {وَلَا هم يَحْزَنُونَ} عل مَا خلفوا من خَلفهم

263

{قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ} كَلَام حسن لأخيك فِي المغيب بِالدُّعَاءِ وَالثنَاء {وَمَغْفِرَةٌ} تجَاوز عَن مظْلمَة {خَيْرٌ} لَك وَله {مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذىً} تمن بهَا عَلَيْهِ وتؤذيه بذلك {وَالله غَنِيٌّ} عَن صَدَقَة المنان {حَلِيمٌ} إِذْ لم يعجل بعقوبة الْمِنَّة

264

{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم} أجر صَدقَاتكُمْ {بالمن} على الله مَعْنَاهُ الْعجب {والأذى} لصَاحِبهَا {كَالَّذي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَآءَ النَّاس} سمعة النَّاس {وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت {فَمَثَلُهُ} مثل صَدَقَة المنان وَصدقَة الْمُشرك {كَمَثَلِ صَفْوَانٍ} حجر (عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ) مطر شَدِيد {فَتَرَكَهُ صَلْداً} أجرد نقياً بِلَا تُرَاب {لاَّ يَقْدِرُونَ على شَيْءٍ} على ثَوَاب شَيْء فِي الْآخِرَة {مِّمَّا كَسَبُواْ} أَنْفقُوا فِي الدُّنْيَا بقول لَا يجد المنان والمؤذي ثَوَاب صدقته كَمَا لَا يُوجد عل الصفوان التُّرَاب بعد مَا أَصَابَهُ الْمَطَر الشَّديد {وَالله لاَ يَهْدِي} لَا يثيب {الْقَوْم الْكَافرين} والمرائين بنفقتهم فِي الشّرك والرياء كَذَلِك المنان لَا يثيبه الله بِنَفَقَتِهِ

265

{وَمَثَلُ الَّذين يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ} مثل أَمْوَال الَّذين يُنْفقُونَ أَمْوَالهم {ابتغآء مَرْضَاتِ الله} طلب رضَا الله {وَتَثْبِيتاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ} تَصْدِيقًا وَحَقِيقَة ويقيناً من قُلُوبهم بالثواب {كَمَثَلِ جَنَّةٍ} بُسْتَان {بِرَبْوَةٍ} بمَكَان مُرْتَفع مستو {أَصَابَهَا وَابِلٌ} مطر شَدِيد كثير {فَآتَتْ أُكُلَهَا} أخرجت ثَمَرهَا {ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ} مطر كثير {فَطَلٌّ} فرش مثل الرذاذ يَعْنِي الندى وَهَذَا مثل نَفَقَة الْمُؤمن إِذا كَانَ بالإخلاص والخشية قَليلَة أَو كَثِيرَة يُضَاعف ثَوَابهَا كَمَا يُضَاعف ثَمَرَة الْبُسْتَان {وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ} تنفقون {بَصِير}

266

{أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ} يتَمَنَّى أحدكُم {أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ} بُسْتَان {مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ} كروم {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَار} تطرد الْأَنْهَار من تَحت شَجَرهَا ومساكنها وغرفها {لَهُ فِيهَا} فِي الْجنَّة {مِن كُلِّ الثمرات} من ألوان الثمرات {وَأَصَابَهُ الْكبر وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَآءُ} عجزة عَن الْحِيلَة {فَأَصَابَهَآ} يَعْنِي تِلْكَ الْجنَّة {إِعْصَارٌ} يَعْنِي ريح حَار أَو بَارِد {فِيهِ نَارٌ فاحترقت كَذَلِكَ يُبَيِّنُ الله لَكُمُ الْآيَات} العلامات بِالْأَمر وَالنَّهْي {لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} لكَي تَتَفَكَّرُوا فِي أَمْثَال الْقُرْآن وَهَذَا مثل الْكَافرين فِي الْآخِرَة يكونُونَ بِلَا حِيلَة وَلَا رُجُوع إِلَى الدُّنْيَا كَمَا أَن هَذَا الْكَبِير بَقِي بِلَا حِيلَة وَلَا رُجُوع إِلَى قوته وشبابه

267

{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أَنْفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ} من حلالات {مَا كَسَبْتُمْ} مَا جمعتم من الذَّهَب وَالْفِضَّة {وَمِمَّآ أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْض} من النَّبَات يَعْنِي الْحُبُوب وَالثِّمَار {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبيث} لَا تعمدوا إِلَى الرَّدِيء من أَمْوَالكُم {مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ} بقابلية يَعْنِي الرَّدِيء إِذا كَانَ لكم حق على صَاحبكُم

{إِلَّا أَن تغمضوا فِيهِ} تتغمضوا فِيهِ وتتركوا بعض حقكم كَذَلِك لَا يقبل الله الرَّدِيء مِنْكُم {وَاعْلَمُوا أَنَّ الله غَنِيٌّ} عَن نفقاتكم {حَمِيدٌ} مَحْمُود فِي فعاله وَيُقَال يشْكر الْيَسِير وَيجْزِي الجزيل نزلت هَذِه الْآيَة فِي رجل بِالْمَدِينَةِ صَاحب الحشف

268

{الشَّيْطَان يَعِدُكُمُ الْفقر} يخوفكم الْفقر عِنْد الصَّدَقَة {وَيَأْمُرُكُم بالفحشآء} بِمَنْع الزَّكَاة {وَالله يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِنْهُ} لذنوبكم بأعطاء الزَّكَاة {وفضلا} خلفا وثوبا فِي الْآخِرَة {وَالله وَاسِعٌ} بالخلف وَالْمَغْفِرَة للذنوب {عَلِيمٌ} بنياتكم وصدقاتكم

269

ثمَّ ذكر كرامته فَقَالَ {يُؤْتِي الْحِكْمَة مَن يَشَاء} يَعْنِي النُّبُوَّة لمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَيُقَال تَفْسِير الْقُرْآن وَيُقَال إِصَابَة القَوْل وَالْفِعْل والرأي {وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَة} إِصَابَة القَوْل وَالْفِعْل والرأي {فَقَدْ أُوتِيَ} أعطي {خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ} يتعظ بأمثال الْقُرْآن وَالْحكمَة {إِلاَّ أُوْلُواْ الْأَلْبَاب} ذَوُو الْعُقُول من النَّاس

270

{وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن نَّفَقَةٍ} فِي سَبِيل الله {أَوْ نَذَرْتُمْ مِّن نَّذْرٍ} فِي طَاعَة الله فوفيتم بِهِ {فَإِنَّ الله يَعْلَمُهُ} يقبله إِذا كَانَ لله ويثيب عَلَيْهَا {وَمَا لِلظَّالِمِينَ} للْمُشْرِكين {مِنْ أَنْصَارٍ} من مَانع من عَذَاب الله

271

ثمَّ ذكر صَدَقَة السِّرّ وَالْعَلَانِيَة لقَولهم أَيهمَا أفضل فَقَالَ {إِن تُبْدُواْ} إِن تظهروا {الصَّدقَات} الْوَاجِبَة {فَنِعِمَّا هِيَ} فَنعم شَيْئا هِيَ {وَإِن تُخْفُوهَا} تسروها يَعْنِي التَّطَوُّع {وَتُؤْتُوهَا} تعطوها {الفقرآء} أَصْحَاب الصّفة {فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} من الْعَلَانِيَة وَكِلَاهُمَا مَقْبُول مِنْكُم {وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ} ذنوبكم بِقدر صَدقَاتكُمْ {وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ} تعطون من الصَّدَقَة {خَبِيرٌ

272

! ثمَّ رخص الصَّدَقَة على فُقَرَاء أهل الْكتاب وَالْمُشْرِكين لقَولهم أَيجوزُ لنا يَا رَسُول الله أَن نصدق على ذَوي قرابتنا من غير أهل ديننَا سَأَلت عَن ذَلِك أَسمَاء بنت أبي بكر وَيُقَال بنت أبي النَّضر فَقَالَ الله لنَبيه {لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ} فِي الدّين هدى فُقَرَاء أهل الْكتاب {وَلَكِن الله يَهْدِي مَن يَشَآءُ} لدينِهِ {وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ} من مَال على الْفُقَرَاء {فَلأَنفُسِكُمْ} ثَوَاب ذَلِك {وَمَا تُنفِقُونَ} على الْفُقَرَاء فَلَا تنفقون {إِلاَّ ابتغآء وَجْهِ الله} طلب مرضاة الله {وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ} من مَال على فُقَرَاء أَصْحَاب الصّفة {يُوَفَّ إِلَيْكُمْ} يوفر إِلَيْكُم ثَوَاب ذَلِك فِي الْآخِرَة {وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ} لَا ينقص من حسناتكم وَلَا يُزَاد على سَيِّئَاتكُمْ

273

{لِلْفُقَرَآءِ الَّذين أُحصِرُواْ} يَقُول إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء الَّذين حبسوا أنفسهم {فِي سَبِيلِ الله} فِي طَاعَة الله فِي مَسْجِد الرَّسُول وهم أَصْحَاب الصّفة {لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً} سيراً {فِي الأَرْض} بِالتِّجَارَة {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِل} لَا يعرفهُمْ {أَغْنِيَآءَ مِنَ التعفف} من التجمل {تَعْرِفُهُم} يَا مُحَمَّد {بِسِيمَاهُمْ} بحليتهم {لاَ يَسْأَلُونَ النَّاس إِلْحَافاً} يَقُول إلحاحاً وَلَا غير إلحاح {وَمَا تُنفِقُواْ} على فُقَرَاء أَصْحَاب الصّفة {مِنْ خَيْرٍ} من مَال {فَإِنَّ الله بِهِ} بِالْمَالِ وبنياتكم {عَلِيمٌ}

274

{الَّذين يُنْفقُونَ أَمْوَالهم} فِي الصَّدَقَة {بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار سِرّاً} فِي السِّرّ {وَعَلاَنِيَةً} فِي الْعَلَانِيَة {فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ} ثوابهم {عِندَ رَبِّهِمْ} فِي الْجنَّة {وَلَا خوف عَلَيْهِم} بالدوام {وَلَا هم يَحْزَنُونَ} إِذا حزن غَيرهم نزلت هَذِه الْآيَة فِي عَليّ بن أبي طَالب

275

ثمَّ ذكر عُقُوبَة آكل الرِّبَا فَقَالَ {الَّذين يَأْكُلُونَ الرِّبَا} استحلالاً {لاَ يَقُومُونَ} من قُبُورهم يَوْم الْقِيَامَة {إِلاَّ كَمَا يَقُومُ} فِي الدُّنْيَا

{الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ} يتخبله {الشَّيْطَان مِنَ الْمس} من الْجُنُون {ذَلِكَ} التخبل عَلامَة آكل الرِّبَا فِي الْآخِرَة {بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا البيع مِثْلُ الرِّبَا} الزِّيَادَة فِي آخر البيع بَعْدَمَا حل الْأَجَل كالزيادة فِي أول البيع إِذا بعث بِالنَّسِيئَةِ {وَأَحَلَّ الله البيع} الزِّيَادَة الأولى {وَحَرَّمَ الرِّبَا} الزِّيَادَة الْأَخِيرَة {فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ} نهي من ربه عَن الرِّبَا {فَانْتهى} عَن الرِّبَا {فَلَهُ مَا سَلَفَ} فَلَيْسَ عَلَيْهِ مَا مضى قبل التَّحْرِيم {وَأَمْرُهُ} فِيمَا بَقِي من عمره {إِلَى الله} إِن شَاءَ عصمه وَإِن شَاءَ خذله {وَمَنْ عَادَ} بعد التَّحْرِيم إِلَى قَوْله إِنَّمَا البيع مثل الرِّبَا {فَأُولَئِك أَصْحَاب النَّار} أهل النَّار {هم فِيهَا خَالدُونَ} دائمون إِلَى مَا شَاءَ الله إِذا كَانُوا مُخلصين

276

{يَمْحَقُ الله الرِّبَا} يهْلك وَيذْهب ببركته فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة {وَيُرْبِي} يقبل ويضاعف {الصَّدقَات} الْوَاجِبَة والتطوع إِذا كَانَ لله {وَالله لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ} كَافِر جَاحد بِتَحْرِيم الرِّبَا {أَثِيمٍ} فَاجر بِأَكْلِهِ

277

{إِنَّ الَّذين آمَنُواْ} بِاللَّه وَرُسُله وَكتبه وبتحريم الرِّبَا {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم وَتركُوا الرِّبَا {وَأَقَامُواْ الصَّلَاة} أَتموا الصَّلَوَات الْخمس بِمَا يجب فِيهَا {وَآتَوُاْ الزَّكَاة} أعْطوا زَكَاة أَمْوَالهم {لَهُمْ أَجْرُهُمْ} ثوابهم {عِندَ رَبِّهِمْ} فِي الْجنَّة {وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} إِذا ذبح الْمَوْت {وَلَا هم يَحْزَنُونَ} إِذا أطبقت النَّار

278

{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} يَعْنِي ثقيفا ومسعودا وخبيبا وَعبد يَا ليل وَرَبِيعَة {اتَّقوا الله} اخشوا الله فِي الرِّبَا {وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} اتْرُكُوا مَا بَقِي لكم من الرِّبَا على بني مَخْزُوم {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} إِذا كُنْتُم مُصدقين بِتَحْرِيم الرِّبَا

279

{فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ} لم تتركوا الرِّبَا {فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ الله وَرَسُولِهِ} فَاسْتَعدوا للعذاب من الله فِي الْآخِرَة بالنَّار وَالْعَذَاب من رَسُوله فِي الدُّنْيَا بِالسَّيْفِ {وَإِنْ تُبْتُمْ} من الرِّبَا {فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ} الَّتِي لكم على بني مَخْزُوم {لاَ تَظْلِمُونَ} على أحد إِذا لم تَطْلُبُوا الزِّيَادَة {وَلاَ تُظْلَمُونَ} لَا يظلمكم أحد إِذا أعطوكم رُءُوس أَمْوَالكُم وَيُقَال لَا تظْلمُونَ لَا تنقصون وَلَا تظْلمُونَ لَا تنقصون بديونكم

280

{وَإِن كَانَ} بديونكم بني مَخْزُوم {ذُو عُسْرَةٍ} شدَّة {فَنَظِرَةٌ} فأجلوهم {إِلَى مَيْسَرَةٍ} إِلَى أَن يتيسروا {وَأَن تَصَدَّقُواْ} عَلَيْهِم برؤوس أَمْوَالكُم فَهُوَ {خَيْرٌ لَّكُمْ} من الْأَخْذ وَالتَّأْخِير {إِن كُنْتُمْ} إِذْ كُنْتُم {تَعْلَمُونَ} ذَلِك

281

{وَاتَّقوا يَوْماً} اخشوا عَذَاب يَوْم {تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله ثُمَّ توفى} توفر {كُلُّ نَفْسٍ} برة وفاجرة {مَّا كَسَبَتْ} مَا عملت من خير أَو شَرّ {وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} لَا ينقص من حسناتهم وَلَا يُزَاد على سيئاتهم

282

ثمَّ علمهمْ مَا يَنْبَغِي لَهُم فِي معاملتهم فَقَالَ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} بِاللَّه وَالرَّسُول {إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى} إِلَى وَقت مَعْلُوم {فاكتبوه} يَعْنِي الدّين {وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ} بَين الدَّائِن والمديون {كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ} بِالْقِسْطِ {وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ} بَين الدَّائِن والمديون (كَمَا عَلَّمَهُ الله) الْكِتَابَة (فَلْيَكْتُبْ) بِلَا زِيَادَة وَلَا نُقْصَان الْكتاب {وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحق} وليملل أَي ليبين الْمَدْيُون على الْكَاتِب مَا عَلَيْهِ من الدّين {وَلْيَتَّقِ الله رَبَّهُ} وليخش الْمَدْيُون ربه {وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً} وَلَا ينقص مِمَّا عَلَيْهِ من الدّين شَيْئا فِي الْإِمْلَاء {فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحق} يَعْنِي الْمَدْيُون

سَفِيهاً) جَاهِلا بالإملاء {أَوْ ضَعِيفاً} عَاجِزا بالإملاء {أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ} لَا يحسن {أَن يُمِلَّ هُوَ} على الْكَاتِب {فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ} ولي المَال وَهُوَ الدَّائِن {بِالْعَدْلِ} بِلَا زِيَادَة {واستشهدوا} على حقوقكم {شَهِيدَيْنِ مِّن رِّجَالِكُمْ} من أحراركم حُرَّيْنِ مُسلمين مرضين {فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشهدآء} من أهل الثِّقَة بِالشَّهَادَةِ {أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا} أَن تنسى إِحْدَى الْمَرْأَتَيْنِ {فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا} الَّتِي لم تنس الشَّهَادَة {الْأُخْرَى} الَّتِي نسيت {وَلاَ يَأْبَ الشهدآء} عَن إِقَامَة الشَّهَادَة {إِذَا مَا دُعُواْ} إِلَى الْحُكَّام {وَلاَ تسأموا} لَا تملوا {أَن تَكْتُبُوهُ} أَن لَا تكتبوه يَعْنِي الدّين {صَغِيراً أَو كَبِيراً} قَلِيلا كَانَ أَو كثيرا {إِلَى أَجَلِهِ} إِلَى وقته {ذَلِكُمْ} الَّذِي ذكرت لكم من الْكِتَابَة للدّين {أقسط عِنْد الله} اصوب وَأَعْدل عِنْد لله {وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ} أبين للشَّاهِد بِالشَّهَادَةِ إِذا نسي {وَأدنى} أَحْرَى لكم {أَلاَّ ترتابوا} تَشكوا بِالدينِ وَالْأَجَل {إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً} حَالَة {تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ} يدا بيد {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ} حرج {أَن تكتبوه} يَعْنِي التِّجَارَة {وَأشْهدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} بالأجل {وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ} بِالْكِتَابَةِ {وَلاَ شَهِيدٌ} بِالشَّهَادَةِ أَي لَا تجبروهما على ذَلِك {وَإِن تَفْعَلُواْ} الضرار {فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ} مَعْصِيّة مِنْكُم {وَاتَّقوا الله} أَي اخشوا الله فِي الضرار {وَيُعَلِّمُكُمُ الله} مَا يصلح لكم فِي الْمُعَامَلَة {وَالله بِكُلِّ شَيْءٍ} من صلاحكم وَغَيره {عَلِيمٌ}

283

{وَإِن كُنتُمْ على سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً} أَو آلَة الْكِتَابَة {فرهان مَقْبُوضَة} فليقرض الدَّائِن من الْمَدْيُون رهنا بِدِينِهِ {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً} بِالدينِ بِلَا رهن {فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤتمن} بِالدينِ {أَمَانَتَهُ} حق صَاحبه {وَلْيَتَّقِ الله رَبَّهُ} وليخش الْمَدْيُون فِي أَدَاء الدّين {وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَة} عِنْد الْحُكَّام {وَمَن يَكْتُمْهَا} يَعْنِي الشَّهَادَة {فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} فَاجر قلبه {وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ} من كتمان الشَّهَادَة وإقامتها {عَلِيمٌ}

284

{للَّهِ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض} من الْخلق والعجائب يَأْمر عباده بِمَا يَشَاء {وَإِن تُبْدُواْ} تظهروا {مَا فِي أَنْفُسِكُمْ} مَا فِي قُلُوبكُمْ وَهُوَ حَدِيث النَّفس بعد الوسوسة قبل الإبداء {أَوْ تُخْفُوهُ} تسروه {يُحَاسِبْكُمْ} يجازِكم {بِهِ الله} وَكَذَلِكَ النسْيَان بعد الذّكر وَالْخَطَأ بعد الصَّوَاب والاستكراه بعد الِاجْتِهَاد {فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ} لمن تَابَ من سَائِر الذُّنُوب {وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ} من لم يتب {وَالله على كُلِّ شَيْءٍ} من الْمَغْفِرَة وَالْعَذَاب {قَدِيرٌ} فَلَمَّا نزلت هَذِه الْآيَة اشْتَدَّ على الْمُؤمنِينَ مَا فِي هَذِه الْآيَة

285

فَلَمَّا عرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى السَّمَاء سجد لرَبه فَقَالَ الله مدحاً لنَبيه {آمن الرَّسُول} صدق الرَّسُول مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ} يَعْنِي الْقُرْآن وَمَا فِيهِ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عبارَة عَن الله {والمؤمنون كُلٌّ} أَي كل وَاحِد مِنْهُم (آمَنَ بِاللَّه وَمَلَائِكَته وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ

{لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ} يَقُولُونَ لَا نكفر بِأحد من رسله {وَقَالُوا} أَيْضا {سَمِعْنَا} قَول رَبنَا {وَأَطَعْنَا} أَمر رَبنَا أَي سمعا وَطَاعَة لربنا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {غُفْرَانَكَ} نَسْأَلك الْمَغْفِرَة عَن حَدِيث النَّفس {رَبَّنَا} يَا رَبنَا {وَإِلَيْكَ الْمصير} الْمرجع بعد الْمَوْت

286

فَقَالَ الله {لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْساً} من الطَّاعَة {إِلاَّ وُسْعَهَا} إِلَّا طاقتها {لَهَا مَا كَسَبَتْ} من الْخَيْر وَترك حَدِيث النَّفس وَالنِّسْيَان وَالْخَطَأ والاستكراه {وَعَلَيْهَا مَا اكْتسبت} من الشَّرّ وَحَدِيث النَّفس وَالنِّسْيَان وَالْخَطَأ والاستكراه ثمَّ علمهمْ كَيفَ يدعونَ رَبهم حَتَّى يرفع عَنْهُم حَدِيث النَّفس وَالْخَطَأ وَالنِّسْيَان والاستكراه فَقَالَ لَهُم قُولُوا {رَبَّنَا} يَا رَبنَا {لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَآ} طَاعَتك {أَوْ أَخْطَأْنَا} فِي أَمرك {رَبَّنَا} يَا رَبنَا {وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً} عهد تحرم علينا الطَّيِّبَات بتركنا ذَلِك {كَمَا حَمَلْتَهُ} حرمته {عَلَى الَّذين مِن قَبْلِنَا} من بني إِسْرَائِيل بنقضهم عَهْدك فِي الطَّيِّبَات لُحُوم الْإِبِل وشحوم الْبَقر وَغير ذَلِك {رَبَّنَا} يَا رَبنَا {وَلاَ تُحَمِّلْنَا} أَي لَا تحمل علينا أَيْضا {مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ} مَا لَا رَاحَة لنا فِيهِ وَلَا مَنْفَعَة وَهُوَ الاستكراه {واعف عَنَّا} ذَلِك {واغفر لَنَا} ذَلِك {وارحمنآ} بذلك {أَنتَ مَوْلاَنَا} أولى بِنَا {فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْم الْكَافرين} وَيُقَال واعف عَنَّا من المسخ كَمَا مسخت قوم عِيسَى واغفر لنا من الْخَسْف كَمَا خسفت بقارون وارحمنا من الْقَذْف كَمَا قذفت قوم لوط فَلَمَّا دعوا بِهَذَا الدُّعَاء رفع الله عَنْهُم حَدِيث النَّفس وَالنِّسْيَان وَالْخَطَأ والاستكراه وَعَفا عَنْهُم من الْخَسْف وَالْمَسْخ وَالْقَذْف وَلمن اتبعهم بذلك وَمن السُّورَة الَّتِي يذكر فِيهَا آل عمرَان وَهِي كلهَا مَدَنِيَّة آياتها مِائَتَا آيَة وكلماتها ثَلَاث آلَاف وَأَرْبَعمِائَة وَسِتُّونَ وحروفها أَرْبَعَة عشر ألفا وَخَمْسمِائة وَخمْس وَعِشْرُونَ {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم} وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى

آل عمران

{الم} يَقُول أَنا الله أعلم بِخَبَر وَفد بني نَجْرَان وَيُقَال قسم أقسم بِهِ أَن الله وَاحِد لَا ولد لَهُ وَلَا شريك لَهُ

2

{الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ} الَّذِي لَا يَمُوت وَلَا يَزُول {القيوم} الْقَائِم الَّذِي لَا بَدْء لَهُ

3

{نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكتاب} جِبْرِيل بِالْكتاب {بِالْحَقِّ} لتبيان الْحق وَالْبَاطِل {مُصَدِّقاً} مُوَافقا بِالتَّوْحِيدِ {لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} لما قبله من الْكتب {وَأَنْزَلَ التَّوْرَاة} جملَة على مُوسَى بن عمرَان {وَالْإِنْجِيل} جملَة على عِيسَى بن مَرْيَم

4

{مِن قَبْلُ} من قبل مُحَمَّد وَالْقُرْآن {هُدًى لِّلنَّاسِ} لبني إِسْرَائِيل من الضَّلَالَة {وَأَنْزَلَ الْفرْقَان} على مُحَمَّد مُتَفَرقًا بالحلال وَالْحرَام {إِنَّ الَّذين كَفَرُواْ بِآيَاتِ الله} بِمُحَمد وَالْقُرْآن وهم وَفد بني نَجْرَان {لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة {وَالله عَزِيزٌ} منيع بالنقمة {ذُو انتقام} ذُو نقمة مِنْهُم

5

{إِنَّ الله لاَ يخفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْض} من خبر وَفد بني نَجْرَان {وَلاَ فِي السمآء} من خبر الْمَلَائِكَة

6

{هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ} يخلقكم (فِي الْأَرْحَام كَيْفَ يَشَآءُ) قَصِيرا أَو طَويلا حسنا أَو قبيحاً ذكرا أَو انثى شقيا أَو سعيد {لَا إِلَه} لَا مُصَور وَلَا خَالِي {إِلاَّ هُوَ الْعَزِيز} بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ {الْحَكِيم} بتصوير مَا فِي الْأَرْحَام

7

{هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكتاب} جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ

{مِنْهُ} من الْقُرْآن {آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ} مبينات بالحلال وَالْحرَام لم تنسخ يعْمل بهَا {هُنَّ أُمُّ الْكتاب} أصل الْكتاب وَإِمَام فِي كل كتاب يعْمل بهَا نَحْو قَوْله تَعَالَى {قُل تَعَالَوْا أتل مَا حرم ربكُم} الْآيَة {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} مَا اشتبهت على الْيَهُود من نَحْو حِسَاب الْجمل مثل آلم المص ق المر والر وَيُقَال منسوخات لَا يعْمل بهَا {فَأَمَّا الَّذِينَ} وهم الْيَهُود كَعْب بن الْأَشْرَف وحيي بن أَخطب وجدي بن أَخطب {فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} شكّ وَخلاف وميل عَن الْهدى {فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} من الْقُرْآن {ابْتِغَاء الْفِتْنَة} طلب الْكفْر والشرك والاستقامة على مَا هم عَلَيْهِ من الضَّلَالَة {وابتغاء تَأْوِيلِهِ} طلب عَاقِبَة هَذِه الْأمة لكَي يرجع الْملك إِلَيْهِم {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ} عَاقِبَة هَذِه الْأمة {إِلاَّ الله} انْقَطع الْكَلَام ثمَّ اسْتَأْنف فَقَالَ {والراسخون فِي الْعلم} البالغون بِعلم التَّوْرَاة عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه (يَقُولُونَ) آمنا بِهِ الْقُرْآن {كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا} نزل الْمُحكم والمتشابه {وَمَا يَذَّكَّرُ} يتعظ بأمثال الْقُرْآن {إِلاَّ أُوْلُواْ الْأَلْبَاب} ذَوُو الْعُقُول من النَّاس عبد الله ابْن سَلام وَأَصْحَابه

8

{رَبَّنَا} وَيَقُولُونَ أَيْضا يَا رَبنَا {لاَ تُزِغْ قُلُوبنَا} لَا تمحي قُلُوبنَا عَن دينك {بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} لدينك {وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنْكَ رَحْمَةً} ثبتنا على دينك {إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّاب} للْمُؤْمِنين الَّذين قبلنَا وَيُقَال الْوَهَّاب النُّبُوَّة وَالْإِسْلَام لمُحَمد

9

{رَبَّنَآ} وَيَقُولُونَ يَا رَبنَا {إِنَّكَ جَامِعُ النَّاس} بعد الْمَوْت {لِيَوْمٍ} فِي يَوْم {لاَّ رَيْبَ فِيهِ} لَا شكّ فِيهِ {إِنَّ الله لاَ يُخْلِفُ الميعاد} الْبَعْث بعد الْمَوْت والحساب والصراط وَالْمِيزَان وَالْجنَّة وَالنَّار

10

{إِن الَّذين كفرُوا} يَعْنِي كَعْب ابْن الْأَشْرَف وَأَصْحَابه وَيُقَال أَبُو جهل وَأَصْحَابه {لَن تغني عَنْهُم أَمْوَالهم} كَثْرَة أَمْوَالهم {وَلَا أَوْلَادهم} كَثْرَة أَوْلَادهم {مِّنَ الله} من عَذَاب الله {شَيْئاً وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّار} حطب النَّار

11

{كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ} كصنع آل فِرْعَوْن وَيَقُول صنع بك قَوْمك كَذبُوك وشتموك كَمَا صنع قوم مُوسَى بمُوسَى كذبوه وشتموه ونصنع بهم يَوْم بدر كَمَا صنعنَا بِقوم مُوسَى يَوْم الْغَرق {وَالَّذين مِن قَبْلِهِمْ} من قبل قوم مُوسَى {كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا} بِالْكتاب وَالرَّسُول الَّذِي بعثنَا إِلَيْهِم {فَأَخَذَهُمُ الله} أهلكهم الله {بِذُنُوبِهِمْ} بتكذيبهم {وَالله شَدِيدُ الْعقَاب} إِذا عاقب

12

{قُلْ} يَا مُحَمَّد {لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ} كفار مَكَّة {سَتُغْلَبُونَ} تقتلون يَوْم بدر {وَتُحْشَرُونَ} يَوْم الْقِيَامَة {إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ المهاد} الْفراش والمصير

13

{قَدْ كَانَ لَكُمْ} يَا أهل مَكَّة {آيَةٌ} عَلامَة لنبوة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فِي فِئَتَيْنِ} جمعين جمع مُحَمَّد وَجمع أبي سُفْيَان {التقتا} يَوْم بدر {فِئَةٌ} جمَاعَة {تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ الله} فِي طَاعَة الله مُحَمَّد وَأَصْحَابه وَكَانُوا ثلثمِائة وَثَلَاثَة عشر رجلا {وَأُخْرَى كَافِرَةٌ} وَجَمَاعَة أُخْرَى كَافِرَة بِاللَّه وَالرَّسُول أَبُو سُفْيَان وَأَصْحَابه وَكَانُوا تِسْعمائَة وَخمسين رجلا {يَرَوْنَهُمْ} يرَوْنَ أنفسهم {مِّثْلَيْهِمْ} مثل أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {رَأْيَ الْعين} عيَانًا ظَاهرا بِالْعينِ وَيُقَال لَهَا وَجه آخر يَقُول قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ بني قُرَيْظَة وَالنضير ستغلبون بِالْقَتْلِ والإجلاء وَتُحْشَرُونَ بعد الْمَوْت إِلَى جَهَنَّمْ وَبِئْسَ المِهَاد الْفراش والمصير أخْبرهُم بذلك قبل يَوْم بدر بِسنتَيْنِ ثمَّ نزل قَدْ كَانَ لَكُمْ يَا معشر الْيَهُود آيةٌ عَلامَة لنبوة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي فِئَتَيْنِ جمعين جمع مُحَمَّد وَجمع أبي سُفْيَان الْتَقَتَا يَوْم بدر فِئَةٌ جمَاعَة مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأَصْحَابه تقَاتل فِي سَبِيل الله فِي طَاعَة وَأُخْرَى كَافِرَة وَجَمَاعَة أُخْرَى كَافِرَة بِاللَّه وَالرَّسُول أَبُو سُفْيَان وَأَصْحَابه ترونهم رأيتموهم يَا معشر الْيَهُود مِّثْلَيْهِمْ مثل أَصْحَاب مُحَمَّد رَأْيَ الْعَيْنِ عيَانًا ظَاهرا {وَالله يُؤَيِّدُ} يُقَوي {بِنَصْرِهِ مَن يَشَآءُ} يَعْنِي مُحَمَّدًا {إِنَّ فِي ذَلِك} فِي نصْرَة الله لمُحَمد يَوْم بدر {لَعِبْرَةً لأُوْلِي الْأَبْصَار} فِي الدّين يَعْنِي الْمُؤمنِينَ وَيُقَال لمن أبْصر بِالْعينِ

14

ثمَّ ذكر مَا زين للْكفَّار من نعيم الدُّنْيَا فَقَالَ

{زُيِّنَ لِلنَّاسِ} حسن للنَّاس فِي قُلُوبهم {حُبُّ الشَّهَوَات} اللَّذَّات {مِنَ النِّسَاء} يَعْنِي من الْإِمَاء وَالنِّسَاء {والبنين} يَعْنِي العبيد والبنين {والقناطير المقنطرة} يَعْنِي الْأَمْوَال الْمَجْمُوعَة {مِنَ الذَّهَب وَالْفِضَّة} وَيُقَال يَعْنِي الْأَمْوَال المضروبة المنقشة من الذَّهَب وَالْفِضَّة وَالْقِنْطَار وَاحِد وَهُوَ ملْء مسك ثَوْر ذَهَبا أَو فضَّة وَيُقَال ألف وَمِائَتَا مِثْقَال والقناطير ثَلَاثَة والمقنطرة تِسْعَة {وَالْخَيْل المسومة} يَعْنِي الْخَيل الرواتع الحسان المعلمة {والأنعام} يَعْنِي الْغنم وَالْبَقر وَالْإِبِل {والحرث} يَعْنِي الزَّرْع والمزرعة {ذَلِك} الَّذِي ذكرت {مَتَاعُ الْحَيَاة الدُّنْيَا} مَنْفَعَة للنَّاس فِي الدُّنْيَا ثمَّ تفنى وَيُقَال ذَلِك هَذَا للَّذي ذكرت مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا يَقُول بَقَاؤُهُ كبقاء مَتَاع الْبَيْت مثل الْقدح والسكرجة وَغير ذَلِك {وَالله عِنْدَهُ حُسْنُ المآب} الْمرجع فِي الْآخِرَة يَعْنِي الْجنَّة لمن ترك ذَلِك

15

ثمَّ بيَّن نعيم الْآخِرَة وبقاءها وفضلها كَمَا بَين نعيم الدُّنْيَا فَقَالَ {قُلْ} يَا مُحَمَّد للْكفَّار {أَؤُنَبِّئُكُم} أخْبركُم {بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُم} مِمَّا ذكرت لكم من زِينَة الدُّنْيَا {لِلَّذِينَ اتَّقوا} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش يَعْنِي أَبَا بكر وَأَصْحَابه {عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ} بساتين {تجْرِي} تطرد {من تحتهَا} من تَحت شَجَرهَا ومساكنها {الْأَنْهَار} أنهارالخمر وَالْعَسَل وَاللَّبن وَالْمَاء {خَالِدِينَ فِيهَا} مقيمين فِي الْجنَّة لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا {وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ} وَلَهُم أَزوَاج مهذبة من الْحيض والأدناس {وَرِضْوَانٌ مِّنَ الله} ورضا رَبهم أكبر مِمَّا هم فِيهِ من النَّعيم {وَالله بَصِيرٌ بالعباد} بِالْمُؤْمِنِينَ وبمكانهم فِي الْجنَّة وبأعمالهم فِي الدُّنْيَا

16

ثمَّ وَصفهم فَقَالَ {الَّذين يَقُولُونَ} فِي الدُّنْيَا {رَبَّنَآ} يَا رَبنَا {إِنَّنَآ آمَنَّا} بك وبرسولك {فَاغْفِر لَنَا ذُنُوبَنَا} فِي الْجَاهِلِيَّة وَمَا بعد الْجَاهِلِيَّة {وقنا عَذَاب النَّار} دفع عَنَّا عَذَاب النَّار

17

{الصابرين} على أَدَاء فَرَائض الله وَاجْتنَاب مَعَاصيه وَيُقَال الصابرين على المرازي {والصادقين} فِي إِيمَانهم {والقانتين} لمطيعين لله وَلِلرَّسُولِ (والمنفقين) أَمْوَالهم فِي سَبِيل الله {والمستغفرين} الْمُصَلِّين (بالأسحار) التَّطَوُّع

18

ثمَّ وحد نَفسه فَقَالَ {شَهِدَ الله} وَإِن لم يشْهد أحد غَيره {أَنَّهُ لاَ إِلَه إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَة} يشْهدُونَ بذلك {وأولو الْعلم} والنبيون والمؤمنون يشْهدُونَ بذلك {قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ} بِالْعَدْلِ {لاَ إِلَه إِلاَّ هُوَ الْعَزِيز} بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ {الْحَكِيم} أَمر أَن لَا يعبد غَيره

19

{إِنَّ الدِّينَ} المرضي {عِندَ الله الْإِسْلَام} وَيُقَال شهد الله أَن الدّين عِنْد الله الْإِسْلَام مقدم ومؤخر وَشهد بذلك الْمَلَائِكَة والنبيون والمؤمنون نزلت هَذِه الْآيَة فِي رجلَيْنِ من أهل الشَّام طلبا من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي شَهَادَة أكبر فِي كتاب الله فَبين الله ذَلِك فَأَسْلمَا {وَمَا اخْتلف الَّذين أُوتُواْ الْكتاب} أعْطوا الْكتاب يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى فِي الْإِسْلَام وَمُحَمّد {إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْعلم} بَيَان مَا فِي كِتَابهمْ {بَغْياً بَيْنَهُمْ} حسداً بَينهم {وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ الله} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {فَإِنَّ الله سَرِيعُ الْحساب} شَدِيد الْعقَاب

20

ثمَّ ذكر خصومتهم مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي دين الْإِسْلَام يُقَال {فَإنْ حَآجُّوكَ} خاصموك يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى فِي الدّين {فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ} أخلصت ديني وعملي {للَّهِ وَمَنِ اتبعن} أَيْضا {وَقُلْ لِّلَّذِينَ أُوتُواْ الْكتاب} أعْطوا الْكتاب يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى {والأميين} يَعْنِي الْعَرَب {أَأَسْلَمْتُمْ} أتسلمون كَمَا أسلمنَا فَقَالَ الله {فَإِنْ أَسْلَمُواْ} كَمَا أسلمتم {فَقَدِ اهتدوا} من الضَّلَالَة {وَّإِن تَوَلَّوْاْ} عَن ذَلِك {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغ} التَّبْلِيغ عَن الله {وَالله بَصِيرٌ بالعباد} بِمن يُؤمن وبمن لَا يُؤمن

21

{إِنَّ الَّذين يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ الله} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيين} يَعْنِي يتولون الَّذين كَانُوا يقتلُون النَّبِيين من آبَائِهِم {بِغَيْرِ حَقٍّ} بِلَا جرم {وَيَقْتُلُونَ الَّذين يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ} بِالتَّوْحِيدِ {مِنَ النَّاس} من الَّذين آمنُوا بالنبيين {فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} وجيع يخلص وَجَعه إِلَى قُلُوبهم

22

{أُولَئِكَ الَّذين حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} بطلت حسناتهم

{فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة} يَعْنِي لَا يثابون بهَا فِي الْآخِرَة {وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ} من مانعين من عَذَاب الله

23

ثمَّ ذكر إِعْرَاض بني قُرَيْظَة وَالنضير من أهل خَيْبَر عَن الرَّجْم فَقَالَ {أَلَمْ تَرَ} ألم تنظر يَا مُحَمَّد {إِلَى الَّذين أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكتاب} أعْطوا علما بِمَا فِي التَّوْرَاة من الرَّجْم وَغَيره {يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ الله} الْقُرْآن {لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ} بِالرَّجمِ كَمَا فِي كِتَابهمْ على الْمُحصن والمحصنة اللَّذين زَنَيَا فِي خَيْبَر {ثُمَّ يتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ} يعرض طَائِفَة مِنْهُم بَنو قُرَيْظَة وَأهل خَيْبَر عَن الحكم {وَهُمْ مُّعْرِضُونَ} مكذبون بذلك

24

{ذَلِك} الْإِعْرَاض والتكذيب وَالْعَذَاب {بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّار} لن تصيبنا النَّار فِي الْآخِرَة {إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ} قدر أَرْبَعِينَ يَوْمًا قَالَ قوم من الْيَهُود لن تمسنا النَّار إِلَّا أَيَّامًا معدودات وَهِي سَبْعَة أَيَّام من أَيَّام الْآخِرَة كل يَوْم ألف سنة الَّتِي عبد آباؤهم الْعجل فِيهَا {وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ} يَعْنِي ثباتهم على دين الْيَهُودِيَّة {مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} الترؤهم هَذَا وَيُقَال تَأْخِير الْعَذَاب

25

{فَكَيْفَ} يصنعون يَا مُحَمَّد {إِذَا جَمَعْنَاهُمْ} بعد الْمَوْت {لِيَوْمٍ} فِي يَوْم {لاَّ رَيْبَ فِيهِ} لَا شكّ فِيهِ {وَوُفِّيَتْ} وفرت {كُلُّ نَفْسٍ} برة وفاجرة {مَّا كَسَبَتْ} مَا عملت من خير أَو شَرّ {وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} لَا ينقص من حسناتهم وَلَا يزدْ على سيئاتهم

26

{قُلِ اللَّهُمَّ} قل يَا الله أم بِنَا أَي اقصد بِنَا إِلَى الْخَيْر {مَالِكَ الْملك} يَا مَالك الْمُلُوك وَالْملك {تُؤْتِي الْملك مَن تَشَآءُ} تُعْطِي الْملك من تشَاء يَعْنِي مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه {وَتَنزِعُ الْملك مِمَّنْ تَشَآءُ} تَأْخُذ الْملك مِمَّن تشَاء من أهل فَارس وَالروم {وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ} يَعْنِي مُحَمَّدًا {وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ} يَعْنِي عبد الله بن أبي ابْن سلول وَأَصْحَابه وَأهل فَارس وَالروم {بِيَدِكَ الْخَيْر} الْعِزّ والذل وَالْملك وَالْغنيمَة والنصرة والدولة {إِنَّكَ على كُلِّ شَيْء} من الْعِزّ والذل وَالْملك وَالْغنيمَة والنصرة والدولة {قَدِيرٌ} نزلت هَذِه الْآيَة فِي عبد الله ابْن أبي ابْن سلول الْمُنَافِق فِي قَوْله بعد فتح مَكَّة من أَيْن يكون لَهُم ملك فَارس وَالروم وَيُقَال نزلت فِي قُرَيْش لقَولهم كسْرَى ينَام على فرش الديباج فَإِن كنت نَبيا فَأَيْنَ ملكك

27

ثمَّ بَين قدرته فَقَالَ {تولج اللَّيْل فِي النَّهَار} يَقُول تزيد النَّهَار على اللَّيْل فَيكون النَّهَار أطول من اللَّيْل {وَتُولِجُ النَّهَار فِي اللَّيْل} يَقُول تزيد اللَّيْل على النَّهَار فَيكون اللَّيْل أطول من النَّهَار {وَتُخْرِجُ الْحَيّ مِنَ الْمَيِّت} يَقُول تخرج النَّسمَة من النُّطْفَة {وَتخرج الْمَيِّت من الْحَيّ} النُّطْفَة من الْإِنْسَان وَيُقَال تخرج الْحَيّ الدَّجَاجَة من الْمَيِّت من الْبَيْضَة وَتخرج الْمَيِّت الْبَيْضَة من الْحَيّ من الدَّجَاجَة وَيَقُول وَتخرج الْحَيّ السنبلة من الْمَيِّت من الْحبَّة وَتخرج الْمَيِّت الْحبَّة من الْحَيّ من السنبلة {وَتَرْزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} بِلَا قُوَّة وَلَا هنداز وَلَا منَّة وَيُقَال توسع المَال على من تشَاء بِلَا حرج وتكليف

28

{لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ} يَقُول لَا يَنْبَغِي أَن تتَّخذ الْمُؤْمِنُونَ عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه {الْكَافرين} الْيَهُود {أَوْلِيَآءَ} فِي التعزز والكرامة {مِن دُونِ الْمُؤمنِينَ} المخلصين {وَمَن يَفْعَلْ ذَلِك} للولاية والكرامة {فَلَيْسَ مِنَ الله} من كَرَامَة الله وَرَحمته وذمته {فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ} تُرِيدُونَ أَن تنجوا {مِنْهُمْ تُقَاةً} نجاة بِاللِّسَانِ دون الْقلب {وَيُحَذِّرُكُمُ الله نَفْسَهُ} فِي تقية من دم الْحَرَام وَفرج الْحَرَام وَمَال الْحَرَام وَشرب الْخمر وَشَهَادَة الزُّور والشرك بِاللَّه {وَإِلَى الله الْمصير} الْمرجع بعد الْمَوْت

29

{قُلْ} يَا مُحَمَّد {إِن تُخْفُوا} تسروا {مَا فِي صُدُورِكُمْ} مَا فِي قُلُوبكُمْ من البغض والعداوة لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {أَوْ تُبْدُوهُ} تظهروه بالشتم والطعن وَالْحَرب {يَعْلَمْهُ الله} يحفظه الله عَلَيْكُم ويجزكم بذلك {وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض} من الْخَيْر وَالشَّر والسرر وَالْعَلَانِيَة {وَالله على كُلِّ شَيْءٍ} من أهل السَّمَوَات وَالْأَرْض وثوابهم وعقابهم {قَدِيرٌ} نزلت هَذِه الْآيَة فِي الْمُنَافِقين وَالْيَهُود

30

{يَوْمَ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً} مَكْتُوبًا فِي ديوانها {وَمَا عملت من سوء}

من قَبِيح أَيْضا تَجدهُ مَكْتُوبًا فِي ديوانها {تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا} بَين النَّفس {وَبَيْنَهُ} بَين الْفِعْل الْقَبِيح {أَمَدَاً بَعِيداً} أَََجَلًا طَويلا من مطلع الشَّمْس إِلَى مغْرِبهَا {وَيُحَذِّرُكُمُ الله نَفْسَهُ} عِنْد الْمعْصِيَة {وَالله رَؤُوفُ بالعباد} بِالْمُؤْمِنِينَ

31

{قُلْ} يَا مُحَمَّد {إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ الله} وَدينه {فَاتبعُوني} فاتبعوا ديني {يُحْبِبْكُمُ الله} يزدكم الله حبا إِلَى حبكم {وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} فِي الْيَهُودِيَّة {وَالله غَفُورٌ} لمن تَابَ {رَّحِيمٌ} لمن مَاتَ على التَّوْبَة نزلت هَذِه الْآيَة فِي الْيَهُود لقَولهم نَحن أَبنَاء الله وأحباؤه على دينه فَلَمَّا نزلت هَذِه الْآيَة قَالَ عبد الله بن أبي يَأْمُرنَا مُحَمَّد أَن نحبه كَمَا أحبت النَّصَارَى الْمَسِيح وَقَالَت الْيَهُود يُرِيد مُحَمَّد أَن نتخذه رَبًّا حناناً كَمَا اتَّخذت النَّصَارَى عِيسَى حناناً فَأنْزل الله فِي قَوْلهم

32

{قُلْ أَطِيعُواْ الله} فِي الْفَرَائِض {وَالرَّسُول} فِي السّنَن {فإِن تَوَلَّوْا} أَعرضُوا عَن طاعتهما {فَإِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الْكَافرين} الْيَهُود وَالْمُنَافِقِينَ فَلَمَّا

33

نزلت هَذِه الْآيَة قَالَت الْيَهُود نَحن على دين آدم مُسلمين فَأنْزل الله {إِنَّ الله اصْطفى آدَمَ} اخْتَار آدم بِالْإِسْلَامِ {وَنُوحاً} بِالْإِسْلَامِ {وَآلَ إِبْرَاهِيمَ} أَوْلَاد إِبْرَاهِيم بِالْإِسْلَامِ {وَآل عمرَان} مُوسَى وهرون بِالْإِسْلَامِ {عَلَى الْعَالمين} عالمي زمانهم وَيُقَال لَيْسَ عمرَان أَبَا مُوسَى وهرون

34

{ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ} بَعْضهَا على دين بعض وَولد بَعْضهَا من بعض {وَالله سَمِيعٌ} لمقالة الْيَهُود نَحن أَبنَاء الله وأحباؤه على دينه {عَلِيمٌ} بعقوبتهم وبمن هُوَ على دينه

35

وَاذْكُر يَا مُحَمَّد {إِذْ قَالَتِ امْرَأَة عِمْرَانَ} حنة أم مَرْيَم {رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ} جعلت لَك {مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً} خَادِمًا لمَسْجِد بَيت الْمُقَدّس {فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيع} للدُّعَاء {الْعَلِيم} بالإجابة وَبِمَا فِي بَطْني

36

{فَلَمَّا وَضَعَتْهَا} ولدتها فَإِذا هِيَ جَارِيَة {قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَآ أُنْثَى} ولدتها جَارِيَة {وَالله أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ} بِمَا ولدت {وَلَيْسَ الذّكر} فِي الْخدمَة والعورة {كالأنثى} كالجارية {وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ} أعتصمها بك وأمنعها بك {وَذُرِّيَّتَهَا} إِن كَانَ لَهَا ذُرِّيَّة {مِنَ الشَّيْطَان الرَّجِيم} اللعين

37

{فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ} أَي أحسن إِلَيْهَا حَتَّى قبلهَا مَكَان الْغُلَام {وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً} غذاها فِي الْعِبَادَة بِالسِّنِينَ والشهور وَالْأَيَّام والساعات غذَاء حسنا {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} ضمهَا إِلَيْهِ للتربية {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَاب} يَعْنِي بَيتهَا الَّذِي كَانَت تعبد فِيهِ {وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً} فَاكِهَة الشتَاء فِي الصَّيف مثل الْقصب وَفَاكِهَة الصَّيف فِي الشتَاء مثل الْعِنَب {قَالَ يَا مَرْيَم أَنى لَكِ هَذَا} من أَيْن لَك هَذَا فِي غير حِينه {قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ الله} أَتَانِي بِهِ جِبْرِيل {إنًّ الله يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ} يُعْطي من يَشَاء فِي حِينه وَفِي غير حِينه {بِغَيْرِ حِسَابٍ} بِلَا تَقْدِير وَلَا هدز

38

{هُنَالِكَ} عِنْد ذَلِك {دَعَا} وطمع {زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي} أَعْطِنِي {مِن لَّدُنْكَ} من عنْدك {ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً} ولدا صَالحا {إِنَّكَ سَمِيعُ الدعآء} مُجيب الدُّعَاء

39

{فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَة} يَعْنِي جِبْرِيل {وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَاب} فِي الْمَسْجِد {أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى} بِولد يُسمى بِيَحْيَى {مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ الله} بِعِيسَى ابْن مَرْيَم أَن يكون بِكَلِمَة من الله مخلوقاً بِلَا أَب {وَسَيِّداً} حَلِيمًا عَن الْجَهْل {وَحَصُوراً} لم يكن لَهُ شَهْوَة إِلَى النِّسَاء {وَنَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحين} من الْمُرْسلين

40

{قَالَ رَبِّ} قَالَ زَكَرِيَّا لجبريل يَا سَيِّدي {أَنى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ} من أَيْن يكون لي ولد {وَقَدْ بَلَغَنِي الْكبر} وَقد أدركني الْكبر {وامرأتي عَاقِرٌ} عقيم لَا تَلد {قَالَ} جِبْرِيل {كَذَلِكَ} كَمَا قلت لَك {الله يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ} كَمَا يَشَاء

41

{قَالَ} زَكَرِيَّا {رَبِّ} أَي يَا رب {اجْعَل لي آيَةً} عَلامَة فِي حَبل امْرَأَتي {قَالَ آيَتُكَ} علامتك فِي حَبل امْرَأَتك {أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاس} لَا تقدر أَن تكلم النَّاس

{ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ} من غير خرس {إِلاَّ رَمْزاً} إِلَّا تحريكاً بالشفتين والحاجبين والعينين وَالْيَدَيْنِ وَيُقَال إِلَّا كِتَابَة على الأَرْض {وَاذْكُر رَّبَّكَ} بِاللِّسَانِ وَالْقلب {كَثِيراً} على كل حَال {وَسَبِّحْ بالْعَشي وَالْإِبْكَار} صلى غدْوَة وعشياً كَمَا كنت تصلي

42

{وَإِذ قَالَت الْمَلَائِكَة} يَعْنِي جِبْرِيل {يَا مَرْيَم إِنَّ الله اصطفاك} يُقَال اختارك بِالْإِسْلَامِ وَالْعِبَادَة {وَطَهَّرَكِ} من الْكفْر والشرك والأدناس وَيُقَال أنجاك من الْقَتْل {واصطفاك} اختارك {على نِسَآءِ الْعَالمين} عالمي زَمَانك بِوِلَادَة عِيسَى

43

{يَا مَرْيَم اقنتي لِرَبِّكِ} أطيعي لِرَبِّك شكرا لذَلِك وَيُقَال أطيلي الْقيام فِي الصَّلَاة شكرا لِرَبِّك {واسجدي واركعي} مَعْنَاهُ واركعي واسجدي بامركوع وَالسُّجُود {مَعَ الراكعين} مَعَ أهل الصَّلَاة

44

{ذَلِك} هَذَا الَّذِي ذكرت من خبر مَرْيَم وزَكَرِيا {مِنْ أَنَبَآءِ الْغَيْب} من أَخْبَار الْغَائِب عَنْك يَا مُحَمَّد {نُوحِيهِ إِلَيكَ} يَقُول نرسل جِبْرِيل بِهِ إِلَيْك {وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ} يَعْنِي عِنْد الْأَحْبَار {إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ} فِي جري المَاء {أَيُّهُمْ يَكْفُلُ} يَأْخُذ {مَرْيَمَ} للتربية {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ} عِنْدهم {إِذْ يَخْتَصِمُونَ} يَتَكَلَّمُونَ بِالْحجَّةِ لتربية مَرْيَم

45

{إِذْ قَالَت الْمَلَائِكَة} يَعْنِي جِبْرِيل {يَا مَرْيَم إِنَّ الله يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ} بِولد يكون بِكَلِمَة من الله مخلوقاً {اسْمه الْمَسِيح} يُسمى الْمَسِيح لِأَنَّهُ يسيح فِي الْبلدَانِ وَيُقَال الْمَسِيح الْملك {عِيسَى ابْن مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا} لَهُ الْقدر والمنزلة فِي الدُّنْيَا عِنْد النَّاس {وَالْآخِرَة} وَفِي الْآخِرَة عِنْد الله لَهُ الْقدر والمنزلة {وَمِنَ المقربين} إِلَى الله فِي جنَّة عدن

46

{وَيُكَلِّمُ النَّاس فِي المهد} فِي الْحجر ابْن أَرْبَعِينَ يَوْمًا إِنِّي عبد الله ومسيحه {وَكَهْلاً} بعد ثَلَاثِينَ سنة بِالنُّبُوَّةِ {وَمِنَ الصَّالِحين} من الْمُرْسلين

47

{قَالَتْ رَبِّ} قَالَت مَرْيَم لجبريل يَا سَيِّدي {أَنى يَكُونُ لِي وَلَدٌ} من أَيْن يكون لي غُلَام ولد {وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ} بالحلال وَلَا بالحرام {قَالَ} جِبْرِيل {كَذَلِكَ} كَمَا قلت لَك {الله يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ} كَمَا يَشَاء {إِذَا قضى أَمْراً} إِذا أَرَادَ أَن يخلق ولدا مِنْك بِلَا أَب {فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} ولدا بِلَا أَب

48

{وَيُعَلِّمُهُ الْكتاب} كتب الْأَنْبِيَاء وَيُقَال الْكِتَابَة {وَالْحكمَة} الْحَلَال وَالْحرَام وَيُقَال حِكْمَة الْأَنْبِيَاء قبله {والتوراة} فِي بطن أمه {وَالْإِنْجِيل} بعد خُرُوجه من بطن أمه

49

{وَرَسُولاً} بعد ثَلَاثِينَ سنة {إِلَى بني إِسْرَائِيلَ} فَلَمَّا جَاءَهُم قَالَ {أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ} بعلامة {مِّن رَّبِّكُمْ} لنبوتي قَالُوا وَمَا الْعَلامَة قَالَ {أَنِّي أَخْلُقُ} إِنِّي أصور {لَكُمْ مِّنَ الطين كَهَيْئَةِ الطير} كشبه الطير {فَأَنفُخُ فِيهِ} كنفخ النَّائِم {فَيَكُونُ طَيْراً} فَيصير طيراً يطير بَين السَّمَاء وَالْأَرْض {بِإِذْنِ الله} بِأَمْر الله فصور لَهُم خفاشاً فَقَالُوا هَذَا سحر فَهَل عنْدك غَيره قَالَ نعم {وأبرئ} أصحح {الأكمه} الَّذِي لم يزل أعمى {والأبرص} أَيْضا {وأحيي الْمَوْتَى بِإِذْنِ الله} باسم الله الْأَعْظَم يَا حَيّ يَا قيوم فَلَمَّا فعل ذَلِك قَالُوا هَذَا سحر فَهَل عنْدك غَيره قَالَ نعم {وَأُنَبِّئُكُمْ} أخْبركُم {بِمَا تَأْكُلُونَ} غدْوَة وَعَشِيَّة {وَمَا تَدَّخِرُونَ} ترفعون من غداء لعشاء وَمن عشَاء لغداء {فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِك} فِيمَا قلت لكم {لآيَةً} لعلامة {لَّكُمْ} لنبوتي {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} مُصدقين

50

{وَمُصَدِّقاً} وجئتكم مُوَافقا بِالتَّوْحِيدِ بِالدينِ {لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاة} قبلي من التَّوْرَاة وَسَائِر الْكتب {وَلأُحِلَّ لَكُم} أرخص وَأبين لكم {بَعْضَ الَّذِي} تَحْلِيل بعض الَّذِي {حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} مثل لحم الْإِبِل وشحوم الْبَقر وَالْغنم والسبت وَغير ذَلِك

{وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ} بعلامة {مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُوا الله} فاخشوا الله فِيمَا أَمركُم بِهِ وتوبوا إِلَيْهِ {وَأَطِيعُونِ} وَاتبعُوا أَمْرِي وديني

51

{إِنَّ الله رَبِّي} هُوَ رَبِّي {وَرَبُّكُمْ فاعبدوه} فوحدوه {هَذَا} التَّوْحِيد {صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} دين قَائِم يرضاه وَهُوَ الْإِسْلَام

52

{فَلَمَّآ أَحَسَّ} علم {عِيسَى مِنْهُمُ الْكفْر} وَرَأى مِنْهُم الْقَتْل حِين أَرَادوا قَتله وَيُقَال أَحَسَّ سمع مِنْهُم تكْرَار الْكفْر {قَالَ} عِيسَى {مَنْ أَنْصَارِي} من أعواني {إِلَى الله} مَعَ الله على أعدائه {قَالَ الحواريون} أصفياؤه القصارون وهم اثْنَا عشر رجلا {نَحْنُ أَنْصَارُ الله} أعوانك مَعَ الله على أعدائه {آمَنَّا بِاللَّه واشهد} اعْلَم أَنْت يَا عِيسَى {بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} مقرون لله بِالْعبَادَة والتوحيد

53

{رَبَّنَآ} يَا رَبنَا {آمَنَّا بِمَآ أَنزَلْتَ} من الْكتاب يَعْنِي الْإِنْجِيل {وَاتَّبَعنَا الرَّسُول} دين الرَّسُول عِيسَى {فاكتبنا مَعَ الشَّاهِدين} فاجعلنا مَعَ السَّابِقين الْأَوَّلين الَّذين شهدُوا قبلنَا وَيُقَال فاجعلنا من أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

54

{وَمَكَرُواْ} أَرَادوا يَعْنِي الْيَهُود قتل عِيسَى {وَمَكَرَ الله} أَرَادَ الله قتل صَاحبهمْ قطيانوس {وَالله خَيْرُ الماكرين} أقوى المريدين وَيُقَال أفضل الصانعين

55

{إِذْ قَالَ الله يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ} مقدم ومؤخر يَقُول إِنِّي رافعك {إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ} منجيك {مِنَ الَّذين كَفَرُواْ} بك {وَجَاعِلُ الَّذين اتبعوك} اتبعُوا دينك {فَوْقَ الَّذين كَفَرُواْ} بِالْحجَّةِ والنصرة {إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة} ثمَّ متوفيك قابضك بعد النُّزُول وَيُقَال متوفي قَلْبك من حب الدُّنْيَا {ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ} بعد الْمَوْت {فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ} فأقضي بَيْنكُم {فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ} فِي الدّين {تَخْتَلِفُونَ} تخاصمون

56

{فَأَمَّا الَّذين كَفَرُواْ} بِاللَّه وَرَسُوله مُحَمَّد وَعِيسَى {فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيَا} بِالسَّيْفِ والجزية {وَالْآخِرَة} بالنَّار {وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ} من مانعين من عَذَاب الله فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة

57

{وَأَمَّا الَّذين آمَنُوا} بِاللَّه وَالْكتاب وَالرَّسُول مُحَمَّد وَعِيسَى {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم خَالِصا {فَيُوَفِّيهِمْ} يوفرهم {أُجُورَهُمْ} ثوابهم فِي الْجنَّة يَوْم الْقِيَامَة {وَالله لاَ يُحِبُّ الظَّالِمين} الْمُشْركين بظلمهم بظلمهم وشركهم

58

{ذَلِك} الَّذِي ذكرت يَا مُحَمَّد من خبر عِيسَى {نَتْلُوهُ عَلَيْكَ} ننزل عَلَيْك جِبْرِيل بِهِ {مِنَ الآيَاتِ} يَقُول من آيَات الْقُرْآن بِالْأَمر وَالنَّهْي {وَالذكر الْحَكِيم} الْمُحكم بالحلال وَالْحرَام وَيُقَال مُوَافقا للتوراة وَالْإِنْجِيل وَيُقَال اللَّوْح الْمَحْفُوظ

59

ثمَّ بَين تخليق عِيسَى بِلَا أَب لقَوْل وَفد بني نَجْرَان ائتنا بِحجَّة من الْقُرْآن على قَوْلك إِن عِيسَى لَيْسَ ولد الله فَقَالَ الله {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى} مثل تخلق عِيسَى {عِندَ الله} بِلَا أَب {كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ} بِلَا أَب وَأم {ثُمَّ قَالَ لَهُ} لعيسى {كُن فَيَكُونُ} ولدا بِلَا أَب

60

{الْحق} هُوَ الْخَبَر الْحق {مِن رَّبِّكَ} أَن عِيسَى لم يكن الله وَلَا وَلَده وَلَا شَرِيكه {فَلاَ تَكُنْ مِّن الممترين} من الشاكين فِيمَا بيّنت لَك من تخليق عِيسَى بِلَا أَب

61

ثمَّ ذكر خُصُومَة وَفد بني نَجْرَان مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد مَا بَين لَهُم أَن مثله عِنْد الله كَمثل آدم فَقَالُوا لَيْسَ كماتقول أَن عِيسَى لم يكن الله وَلَا وَلَده وَلَا شَرِيكه فَقَالَ الله {فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ} فَمن خاصمك فِيهِ فِي عِيسَى {مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعلم} من الْبَيَان بِأَن عِيسَى لم يكن الله وَلَا وَلَده وَلَا شَرِيكه {فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا} نخرج أبناءنا {وَأَبْنَآءَكُمْ} أخرجُوا أَنْتُم أبناءكم {وَنِسَآءَنَا} نخرج نِسَاءَنَا {وَنِسَآءَكُمْ} أخرجُوا أَنْتُم نساءكم {وَأَنْفُسَنَا} نخرج بِأَنْفُسِنَا {وأَنْفُسَكُمْ} اخْرُجُوا أَنْتُم بِأَنْفُسِكُمْ {ثُمَّ نَبْتَهِلْ} نَتَضَرَّع ونجتهد فِي الدُّعَاء

{فَنَجْعَل} فَنقل {لَّعْنَةُ الله} فِيمَا بَيْننَا {عَلَى الْكَاذِبين} على الله فِي عِيسَى

62

{إِنَّ هَذَا} الَّذِي ذكرت يَا مُحَمَّد من خبر عِيسَى ووفد بني نَجْرَان {لَهُوَ الْقَصَص الْحق} الْخَبَر الْحق بِأَن عِيسَى لم يكن الله وَلَا وَلَده وَلَا شَرِيكه {وَمَا مِنْ إِلَه إِلاَّ الله} بِلَا ولد وَلَا شريك {وَإِنَّ الله لَهُوَ الْعَزِيز} بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ {الْحَكِيم} أَمر الله أَن لَا يعبد غَيره وَيُقَال الحكم حكم عَلَيْهِم الْمُلَاعنَة فتولوا عَن ذَلِك وَلم يخرجُوا فِي الْمُلَاعنَة مَعَ النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لأَنهم علمُوا أَنهم كاذبون وَأَن مُحَمَّدًا نَبِي صَادِق مُرْسل وَصفته ونعته فِي كِتَابهمْ

63

فَقَالَ الله {فَإِن تَوَلَّوْاْ} عَن دعوتكم إِلَى الْمُلَاعنَة مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فَإِنَّ الله عَلِيمٌ بالمفسدين} بنصارى بني نَجْرَان

64

ثمَّ دعاهم إِلَى التَّوْحِيد فَقَالَ {قل يَا أهل الْكتاب تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ} لَا إِلَه إِلَّا الله {سَوَآءٍ} عدل {بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ الله} أَن لَا نوحد إِلَّا الله {وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً} من المخلوقين {وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً} لَا يُطِيع أحد منا أحدا من الرؤساء فِي مَعْصِيّة الله {مِّن دُونِ الله} فَأَبَوا عَن ذَلِك أَيْضا فَقَالَ الله {فَإِن تَوَلَّوْاْ} أَعرضُوا ونأوا عَن التَّوْحِيد {فَقُولُواْ اشْهَدُوا} اعلموا أَنْتُم {بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} مقرون لَهُ بِالْعبَادَة والتوحيد

65

ثمَّ ذكر خصومتهم مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقَوْلهمْ إِنَّا مُسلمُونَ على دين إِبْرَاهِيم وَادعوا ذَلِك فِي التَّوْرَاة فَقَالَ الله {يَا أهل الْكتاب لِمَ تُحَآجُّونَ} تخاصمون {فِي إِبْرَاهِيمَ} فِي دين إِبْرَاهِيم {وَمَآ أُنزِلَتِ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل إِلاَّ مِن بَعْدِهِ} بعد إِبْرَاهِيم {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} أَنه لَيْسَ فيهمَا أَن إِبْرَاهِيم كَانَ يَهُودِيّا أَو نَصْرَانِيّا

66

{هَا أَنْتُم هَؤُلَاءِ} أَنْتُم هَؤُلَاءِ الْيَهُود وَالنَّصَارَى {حَاجَجْتُمْ} خاصمتم {فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ} فِي كتابكُمْ أَن مُحَمَّدًا نَبِي مُرْسل وَأَن إِبْرَاهِيم لم يكن يَهُودِيّا وَلَا نَصْرَانِيّا فجحدتم ذَلِك {فَلِمَ تُحَآجُّونَ} فَلم تخاصمون {فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ} فِي كتابكُمْ فتقولون إِن إِبْرَاهِيم كَانَ يَهُودِيّا أَو نَصْرَانِيّا {وَالله يَعْلَمُ} أَن إِبْرَاهِيم لم يكن يَهُودِيّا وَلَا نَصْرَانِيّا {وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} أَنه كَانَ يَهُودِيّا أَو نَصْرَانِيّا

67

ثمَّ بَين الله تَكْذِيب قَوْلهم فَقَالَ {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً} على دين الْيَهُود {وَلاَ نَصْرَانِيّاً} على دين النَّصَارَى {وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً} حَاجا {مُّسْلِماً} مخلصاً {وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْركين} على دينهم

68

ثمَّ بَين من هُوَ على دين إِبْرَاهِيم فَقَالَ {إِنَّ أَوْلَى النَّاس} أَحَق النَّاس {بِإِبْرَاهِيمَ} بدين إبراهيهم {لَلَّذِينَ اتَّبعُوهُ} فِي زَمَانه {وَهَذَا النَّبِي} مُحَمَّد على دينه {وَالَّذين آمَنُواْ} بِمُحَمد وَالْقُرْآن أَيْضا على دين إِبْرَاهِيم {وَالله وَلِيُّ الْمُؤمنِينَ} حافظهم وناصرهم

69

ثمَّ ذكر دَعْوَة كَعْب بن الْأَشْرَف وَأَصْحَابه أَصْحَاب رَسُول الله معَاذًا وَحُذَيْفَة وَعمَّارًا بعد يَوْم أحد إِلَى دينهم الْيَهُودِيَّة عَن دينهم الْإِسْلَام فَقَالَ {وَدَّت} تمنت {طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكتاب لَوْ يُضِلُّونَكُمْ} أَن يضلوكم عَن دينكُمْ الْإِسْلَام {وَمَا يُضِلُّونَ} عَن دين الله {إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} بذلك وَيُقَال لَا يعلمُونَ أَن الله يخبر نبيه بذلك

70

{يَا أهل الْكتاب لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ الله} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ} تعلمُونَ فِي كتابكُمْ أَن مُحَمَّدًا نَبِي مُرْسل

71

{يَا أهل الْكتاب لِمَ تَلْبِسُونَ الْحق بِالْبَاطِلِ} لم تخلطون الْبَاطِل مَعَ الْحق فِي كتابكُمْ صفة مُحَمَّد {وَتَكْتُمُونَ الْحق} وَلم تكتمون صفة مُحَمَّد ونعته {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ذَلِك فِي كتابكُمْ

72

ثمَّ ذكر مقَالَة كَعْب وَأَصْحَابه فِي تَحْويل الْقبْلَة فَقَالَ {وَقَالَتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكتاب} كَعْب وَأَصْحَابه من الرؤساء لسفلتهم {آمِنُواْ بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذين آمَنُواْ} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {وَجْهَ النَّهَار} أول النَّهَار وَهُوَ صَلَاة الْفجْر {واكفروا آخِره}

يَعْنِي صَلَاة الظّهْر يَقُولُونَ آمنُوا بالقبلة الَّتِي صلى إِلَيْهَا مُحَمَّد وَأَصْحَابه صَلَاة الْفجْر وانفروا آخِره بالقبلة لأخرى الَّتِي صلوا إِلَيْهَا صَلَاة الظّهْر {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} لكَي يرجع عامتهم إِلَى دينكُمْ وقبلتكم

73

{وَلاَ تؤمنوا} لَا تصدقوا أحدا بِالنُّبُوَّةِ {إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ} الْيَهُودِيَّة وقبلتكم بَيت الْمُقَدّس {قل} لَهُم يَا مُحَمَّد معنى الْيَهُود {إِنَّ الْهدى هُدَى الله} إِن دين الله هُوَ الْإِسْلَام وقبلة الله هِيَ الْكَعْبَة {أَن يُؤْتى} أَن يعْطى {أَحَدٌ} من الدّين والقبلة {مِّثْلَ مَآ أُوتِيتُمْ} أعطيتم يَا أَصْحَاب مُحَمَّد {أَوْ يُحَآجُّوكُمْ} أَو أَن يخاصموكم الْيَهُود بِهَذَا الدّين والقبلة {عِندَ رَبِّكُمْ} يَوْم الْقِيَامَة {قُلْ} أَيْضا يَا مُحَمَّد {إِنَّ الْفضل} بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام وقبلة إِبْرَاهِيم {بِيَدِ الله يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ} يُعْطِيهِ من يَشَاء يَعْنِي مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه {وَالله وَاسِعٌ} لعطيته {عَلِيمٌ} بِمن يُعْطي

74

{يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ} يخْتَار لدينِهِ {مَن يَشَآءُ} مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه {وَالله ذُو الْفضل} ذُو الْمَنّ {الْعَظِيم} بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام على مُحَمَّد

75

ثمَّ ذكر أَمَانَة أهل الْكتاب وخيانتهم فَقَالَ {وَمِنْ أَهْلِ الْكتاب} يَعْنِي الْيَهُود {مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ} تبايعه بملء مسك ثَوْر ذَهَبا {يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} بِغَيْر عناء وَلَا تَعب وَلَا يستحله وَهُوَ عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه {وَمِنْهُمْ مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ} تبايعه {بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} لَا يردهُ إِلَيْك ويستحله {إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً} ملحاً متقاضياً وَهُوَ كَعْب وَأَصْحَابه {ذَلِك} الاستحلال والخيانة {بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيين سَبِيلٌ} فِي أَخذ أَمْوَال الْعَرَب حرج {وَيَقُولُونَ عَلَى الله الْكَذِب وَهُمْ يَعْلَمُونَ} أَنهم كاذبون بذلك

76

{بلَى} رد عَلَيْهِم {مَنْ أوفى بِعَهْدِهِ} يَقُول وَلَكِن من أوفى بعهده فِيمَا بَينه وَبَين الله أَو بَينه وَبَين النَّاس {وَاتَّقَى} عَن نقض الْعَهْد بالخيانة وَترك الْأَمَانَة {فَإِنَّ الله يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} عَن نقض الْعَهْد والخيانة وَترك الْأَمَانَة وَهُوَ عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه

77

ثمَّ ذكر عقوبتهم يَعْنِي عُقُوبَة الْيَهُود فَقَالَ {إِنَّ الَّذين يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ الله} بِنَقْض عهد الله {وَأَيْمَانِهِمْ} عهودهم مَعَ الْأَنْبِيَاء {ثَمَناً قَلِيلاً} عرضا يَسِيرا من المأكلة {أُولَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ} لَا نصيب لَهُم {فِي الْآخِرَة} فِي الْجنَّة {وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ الله} يَوْم الْقِيَامَة بِكَلَام طيب {وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَة} بِالرَّحْمَةِ {وَلاَ يُزَكِّيهِمْ} لَا يبرئهم من الْيَهُودِيَّة وَلَا يصلح بالهم وَلَهُمْ {عَذَابٌ أَلِيمٌ} وجيع يخلص وَجَعه إِلَى قُلُوبهم وَيُقَال نزلت فِي عَبْدَانِ بن الأشوع وامرىء الْقَيْس لخصومة كَانَت بَينهمَا وَنزلت فِي الْيَهُود أَيْضا

78

{وَإِنَّ مِنْهُمْ} من الْيَهُود {لَفَرِيقاً} طَائِفَة كَعْبًا وَأَصْحَابه {يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ} يحرفُونَ ألسنتهم {بِالْكتاب} بِقِرَاءَة صفة الرِّجَال فِي الْكتاب {لِتَحْسَبُوهُ} لكَي تظنه السفلة أَنه {مِنَ الْكتاب وَمَا هُوَ مِنَ الْكتاب وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللًّهِ} فِي التَّوْرَاة {وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ الله} فِي التَّوْرَاة {وَيَقُولُونَ عَلَى الله الْكَذِب وَهُمْ يَعْلَمُونَ} أَن لَيْسَ ذَلِك فِي كِتَابهمْ وَيُقَال نزلت فِي الحبرين الفقيرين اللَّذين غيرا صفة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي التَّوْرَاة

79

ثمَّ نزل فِي مقالتهم نَحن على دين إِبْرَاهِيم وأمرنا إِبْرَاهِيم بِهَذَا الدّين فَقَالَ الله {مَا كَانَ لِبَشَرٍ} من الْأَنْبِيَاء {أَن يُؤْتِيهُ الله} يُعْطِيهِ الله {الْكتاب وَالْحكم} الْفَهم {والنبوة ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِّي} عبيدا لي {مِن دُونِ الله وَلَكِن كُونُواْ} وَلَكِن أَمرهم أَن يَكُونُوا {رَبَّانِيِّينَ} عُلَمَاء فُقَهَاء عاملين {بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ} النَّاس {الْكتاب} من الْكتاب وَيُقَال تعلمُونَ الْكتاب {وَبِمَا كُنْتُم تدرسون} تقرءون من الْكتاب

80

{وَلاَ يَأْمُرَكُمْ} يَا معشر قُرَيْش وَالْيَهُود وَالنَّصَارَى {أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلَائِكَة} بَنَات الله {والنبيين أَرْبَاباً أيأمركم بالْكفْر} كَيفَ أَمركُم إِبْرَاهِيم بالْكفْر {بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ} بعد إِذْ أَمركُم بِالْإِسْلَامِ فَقَالَ إِن الله اصْطفى لكم الدّين فَلَا تموتن إِلَّا وَأَنْتُم مُسلمُونَ يَقُول مَا بعث الله رَسُولا إِلَّا أَمر ذَلِك الرَّسُول بِالْإِسْلَامِ لَا باليهودية والنصرانية وَعبادَة الْأَصْنَام كَمَا قَالَ هَؤُلَاءِ الْكفَّار وَيُقَال نزلت هَذِه الْآيَة فِي مقَالَة الْيَهُود لمُحَمد تَأْمُرنَا أَن نحبك ونعبدك كَمَا عبدت النَّصَارَى الْمَسِيح وَكَذَلِكَ قَالَت النَّصَارَى وَالْمُشْرِكُونَ

81

ثمَّ بَين الله ميثاقه يَوْم تلى على النَّبِيين فِي مُحَمَّد ونعته وَصفته فَقَالَ {وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ النَّبِيين} يَقُول أَخذ الْمِيثَاق على النَّبِيين أَن يبين بَعضهم لبَعض صفة مُحَمَّد ونعته وفضله {لَمَآ آتَيْتُكُم} يَقُول حِين أَعطيتكُم {مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ} فِيهِ الْحَلَال وَالْحرَام {ثُمَّ} تأخذون أَيْضا على أمتكُم أَن إِذا {جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ} مُوَافق بِالتَّوْحِيدِ {لِّمَا مَعَكُمْ} من الْكتاب {لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ} يَقُول لتقرن بِهِ وبفضله {وَلَتَنصُرُنَّهُ} بِالسَّيْفِ على أعدائه وببيان صفته {قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ} قَالَ الله لَهُم أقبلتم {وَأَخَذْتُمْ على ذَلِكُم} مَا قلت {إِصْرِي} عهدي {قَالُوا} أَي النَّبِيُّونَ {أَقْرَرْنَا} قبلنَا {قَالَ} الله {فَاشْهَدُوا} على ذَلِكُم {وَأَنَاْ مَعَكُمْ مِّنَ الشَّاهِدين} على ذَلِك فَأشْهد الله بَعضهم على بعض بذلك وَشهد هُوَ بِنَفسِهِ على ذَلِك فَبين كل نَبِي لأمته ذَلِك وَأشْهد كل نَبِي أمته بَعضهم على بعض بذلك وَشهد كل نَبِي بِنَفسِهِ على ذَلِك

82

{فَمَنْ تولى} من الْأُمَم {بَعْدَ ذَلِك} عَن الْمِيثَاق {فَأُولَئِك هُمُ الْفَاسِقُونَ} الناقضون الْكَافِرُونَ

83

ثمَّ ذكر خُصُومَة الْيَهُود وَالنَّصَارَى وسؤالهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اينا على دين إِبْرَاهِيم فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كلا الْفَرِيقَيْنِ بريئان من دين إِبْرَاهِيم فَقَالُوا لَا نرضى بذلك فَقَالَ الله {أَفَغَيْرَ دِينِ الله} الْإِسْلَام {يَبْغُونَ} يطْلبُونَ عنْدك {وَلَهُ أَسْلَمَ} أقرّ بِالْإِسْلَامِ والتوحيد {مَن فِي السَّمَاوَات} من الْمَلَائِكَة {وَالْأَرْض} من الْمُؤمنِينَ {طَوْعاً} أهل السَّمَوَات بالطوع {وَكَرْهاً} أهل الأَرْض بالكره وَيُقَال المخلصون بالطوع والمنافقون بالكره وَيُقَال الَّذين ولدُوا فِي الْإِسْلَام بالطوع وَالَّذين أدخلُوا فِي الْإِسْلَام بِالسَّيْفِ بالكره {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} بعد الْمَوْت

84

ثمَّ بَين حكم الْإِيمَان لكَي يكون دلَالَة لَهُم إِلَى الْإِيمَان فَقَالَ {قُلْ} يَا مُحَمَّد {آمَنَّا بِاللَّه} وَحده لَا شريك لَهُ {وَمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا} وَبِمَا أنزل علينا الْقُرْآن {وَمَآ أُنزِلَ على إِبْرَاهِيمَ} بإبراهيم وَكتابه {وَإِسْمَاعِيلَ} وَكتابه {وَإِسْحَاقَ} وَكتابه {وَيَعْقُوبَ} وَكتابه {والأسباط} أَوْلَاد يَعْقُوب وكتابهم {وَمَا أُوتِيَ} أعطي {مُوسَى} بمُوسَى وَكتابه {وَعِيسَى} بِعِيسَى وَكتابه {والنبيون} بجملة النَّبِيين وكتابهم {مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ} لَا نكفر بِأحد من الْأَنْبِيَاء وَيُقَال لَا نفرق بَينهم وَبَين الله بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} مقرون لَهُ بِالْعبَادَة والتوحيد مخلصون لَهُ بِالدينِ

85

{وَمَن يَبْتَغِ} يطْلب {غَيْرَ الْإِسْلَام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَة مِنَ الخاسرين} من المغبونين بذهاب الْجنَّة وَمَا فِيهَا وَلُزُوم النَّار وَمَا فِيهَا

86

{كَيْفَ يَهْدِي الله} لدينِهِ {قَوْماً كَفَرُواْ} بِاللَّه {بَعْدَ إِيمَانِهِمْ} بِاللَّه {وشهدوا أَنَّ الرَّسُول} مُحَمَّدًا {حَقٌّ وَجَآءَهُمُ الْبَينَات} الْبَيَان وَالْكتاب {وَالله لاَ يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمين} الْمُشْركين بِدِينِهِ من لم يكن أَهلا لذَلِك

87

{أُولَئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ الله} عَذَاب الله {وَالْمَلَائِكَة} ولعنة الْمَلَائِكَة {وَالنَّاس أَجْمَعِينَ} ولعنة الْمُؤمنِينَ

88

{خَالِدِينَ فِيهَا} فِي اللَّعْنَة {لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَاب وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ} يؤجلون من الْعَذَاب

89

{إِلاَّ الَّذين تَابُواْ} من الْكفْر والشرك {مِن بَعْدِ ذَلِك} من بعد الارتداد {وَأَصْلَحُواْ} وحدوا الله بالإخلاص {فَإِنَّ الله غَفُورٌ}

لمن تَابَ مِنْهُم {رَّحِيمٌ} لمن مَاتَ على التَّوْبَة

90

{إِنَّ الَّذين كَفَرُواْ} بِاللَّه {بَعْدَ إِيمَانِهِمْ} بِاللَّه {ثُمَّ ازدادوا كُفْراً} ثمَّ استقاموا على الْكفْر {لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ} مَا أَقَامُوا على ذَلِك {وَأُولَئِكَ هُمُ الضآلون} عَن الْهدى وَالْإِسْلَام

91

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ} بِاللَّه وَالرَّسُول {وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ} بِاللَّه وَالرَّسُول {فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأَرْض} وزن الأَرْض {ذَهَباً وَلَوِ افتدى بِهِ} يَقُول لَو نادوا بِهِ لتبقية أنفسهم لَا يقبل مِنْهُم {أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وجيع يخلص وَجَعه إِلَى قُلُوبهم {وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ} من مانعين من عَذَاب الله نزلت من قَوْله وَمن يبتغ غير الْإِسْلَام دينا إِلَى هَهُنَا فِي عشرَة نفر من الْمُنَافِقين طعمة وَأَصْحَابه رجعُوا من الْمَدِينَة إِلَى مَكَّة مرتدين عَن دينهم الْإِسْلَام فَمَاتَ بَعضهم على ذَلِك وَقتل بَعضهم على ذَلِك وَأسلم بَعضهم بعد ذَلِك

92

ثمَّ حث الْمُؤمنِينَ على النَّفَقَة فِي سَبِيل الله فَقَالَ {لَن تَنَالُواْ الْبر} يَعْنِي مَا عِنْد الله من الثَّوَاب والكرامة وَالْجنَّة حَتَّى تنفقوا مِمَّا تحبون من المَال وَيُقَال لن تنالوا الْبر لن تبلغوا إِلَى التَّوَكُّل وَالتَّقوى {حَتَّى تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُواْ مِن شَيْءٍ} شَيْئا من المَال {فَإِنَّ الله بِهِ} وبنياتكم {عَلِيمٌ} يَقُول أَي شَيْء تُرِيدُونَ بِهِ وَجه الله أَو مِدْحَة النَّاس

93

{كُلُّ الطَّعَام كَانَ حِلاًّ لبني إِسْرَائِيلَ} كل طَعَام حَلَال الْيَوْم على مُحَمَّد وَأمته كَانَ حَلَالا على بني إِسْرَائِيل أَوْلَاد يَعْقُوب {إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ} يَعْقُوب {على نَفْسِهِ} بِالنذرِ {مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاة} من قبل نزُول التَّوْرَاة على مُوسَى حرم يَعْقُوب لحم الْإِبِل وَأَلْبَانهَا على نَفسه فَلَمَّا نزلت هَذِه الْآيَة سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْيَهُود فَقَالَ مَا الَّذِي حرم إِسْرَائِيل على نَفسه من الطَّعَام فَقَالُوا مَا حرم إِسْرَائِيل على نَفسه شَيْئا من الطَّعَام وكل مَا هُوَ الْيَوْم حرَام علينا من نَحْو لحم الْإِبِل وَأَلْبَانهَا وشحوم الْبَقر وَالْغنم وَغير ذَلِك كَانَ حَرَامًا على كل نَبِي من آدم إِلَى مُوسَى صلوَات الله عَلَيْهِم وتستحلونه أَنْتُم وَادعوا تَحْرِيم ذَلِك فِي التَّوْرَاة فَقَالَ الله لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {قل} لَهُم {فَأتوا بِالتَّوْرَاةِ فاتلوها} فاقرءوا تَحْرِيم مَا ادعيتم فِيهَا {إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} فِيمَا تدعون فَلم يَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ وَعَلمُوا أَنهم كَانُوا كاذبين لَيْسَ فِيهَا مَا يَقُولُونَ

94

فَقَالَ الله {فَمَنِ افترى} اختلق {عَلَى الله الْكَذِب مِن بَعْدِ ذَلِكَ} من بعد الْبَيَان فِي التَّوْرَاة أَنهم كاذبون {فَأُولَئِك هُمُ الظَّالِمُونَ} الْكَافِرُونَ الْكَاذِبُونَ على الله

95

{قُلْ} يَا مُحَمَّد {صَدَقَ الله} فِي قَوْله مَا كَانَ إبْرَاهِيم يَهُودِياً وَلاَ نصْرَانِياً وَيُقَال قل يَا مُحَمَّد صدق الله فِيمَا قَالَ من التَّحْرِيم والتحليل {فاتبعوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} دين إِبْرَاهِيم {حَنِيفاً} يَعْنِي مُسلما {وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْركين} على دينهم

96

{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ} مَسْجِد {وُضِعَ لِلنَّاسِ} بني للْمُؤْمِنين {لَلَّذِي بِبَكَّةَ} يَقُول الَّذِي هُوَ ببكة وبكة هُوَ مَوضِع الْكَعْبَة وَإِنَّمَا سمي بكة لِأَن النَّاس يَبْكُونَ بَعضهم على بعض من الزحام فِي الطوف {مُبَارَكاً} يَعْنِي مَوضِع الْكَعْبَة فِيهِ الْمَغْفِرَة وَالرَّحْمَة {وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ} قبْلَة لكل نَبِي وَرَسُول وصديق وَمُؤمن

97

{فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ} عَلَامَات مبينات وَله {مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ} وحطيم إِسْمَاعِيل وَالْحجر الْأسود {وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً} من أَن يهاج فِيهِ {وَللَّهِ على النَّاس} عل الْمُؤمنِينَ {حِجُّ الْبَيْت} الذّهاب إِلَى الْبَيْت {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} بلاغاً وسيراً بالزاد وَالرَّاحِلَة وَترك الفقة لِعِيَالِهِ إِلَى أَن يرجع {وَمَن كَفَرَ} بِاللَّه وَبِمُحَمَّدٍ وَالْقُرْآن وبفريضة الْحَج {فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَن الْعَالمين} عَن إِيمَانهم وحجهم

98

{قل يَا أهل الْكتاب لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ الله} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {وَالله شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ} فِي الْكفْر من الكتمان والمعاصي

99

{قل يَا أهل الْكتاب لِمَ تَصُدُّونَ} تصرفون {عَن سَبِيلِ الله} عَن دين الله وطاعته {مَنْ آمَنَ} بِاللَّه وَبِمُحَمَّدٍ وَالْقُرْآن {تَبْغُونَهَا عِوَجاً} تطلبونها غياً وزيفاً {وَأَنْتُمْ شُهَدَآءُ} تعلمُونَ ذَلِك فِي الْكتاب

{وَمَا الله بِغَافِلٍ} بساه {عَمَّا تَعْمَلُونَ} فِي الْكفْر من الكتمان والمعاصي نزلت هَذِه الْآيَة فِي الَّذين دعوا عماراً وَأَصْحَابه إِلَى دينهم الْيَهُودِيَّة

100

{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً} طَائِفَة {مِّنَ الَّذين أُوتُواْ الْكتاب} أعْطوا التَّوْرَاة {يَرُدُّوكُم بَعْدَ إيمَانكُمْ} بِاللَّه وَبِمُحَمَّدٍ {كَافِرين} حَتَّى تَكُونُوا كَافِرين بِاللَّه وَبِمُحَمَّدٍ

101

{وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ} بِاللَّه على وَجه التَّعَجُّب {وَأَنْتُمْ تتلى} تقْرَأ {عَلَيْكُمْ آيَاتُ الله} الْقُرْآن بِالْأَمر وَالنَّهْي {وَفِيكُمْ} مَعكُمْ {رَسُولُهُ} مُحَمَّد {وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّه} وَمن يتَمَسَّك بدين الله وَكتابه {فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} فقد أرشد إِلَى طَرِيق قَائِم بَيْضَاء وَهُوَ الْإِسْلَام وَيُقَال فقد ثَبت عَلَيْهِ نزلت هَذِه الْآيَة فِي معَاذ وَأَصْحَابه

102

ثمَّ نزل فِي أَوْس وخزرج الْخُصُومَة كَانَت بَينهم فِي الْإِسْلَام افتخر فيهم ثَعْلَبَة بن غنم وَسعد بن أبي زِيَادَة بِالْقَتْلِ والغارة فِي الْجَاهِلِيَّة فَقَالَ {يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ اتَّقوا الله} أطِيعُوا الله {حَقَّ تُقَاتِهِ} وَحقّ تُقَاته أَن يطاع فَلَا يعْصى وَأَن يشْكر فَلَا يكفر وَأَن يذكر فَلَا ينسى وَيُقَال أطِيعُوا الله كَمَا يَنْبَغِي {وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ} مقرون لَهُ بِالْعبَادَة والتوحيد مخلصون بهما

103

{واعتصموا بِحَبْلِ الله} تمسكوا بدين الله وَكتابه {جَمِيعًا وَلَا تفَرقُوا} فِي الدّين {واذْكُرُوا نعْمَة الله} منَّة الله {عَلَيْكُمْ} بِالْإِسْلَامِ {إِذْ كُنتُمْ أَعْدَآءً} فِي الْجَاهِلِيَّة {فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ} بِالْإِسْلَامِ {فأصبحتم} نصرتم {بِنِعْمَتِهِ} بدين الْإِسْلَام {إِخْوَاناً} فِي الدّين {وَكُنتُمْ على شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّار} على طرف هوة من النَّار يَعْنِي الشط وَهُوَ الْكفْر {فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا} فأنجاكم مِنْهَا بِالْإِيمَان {كَذَلِك} هَكَذَا {يُبَيِّنُ الله لَكُمْ آيَاتِهِ} أمره وَنَهْيه ومنته {لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} لكَي تهتدوا من الضَّلَالَة

104

ثمَّ أَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالصُّلْح فَقَالَ {وَلْتَكُن مِّنْكُمْ} لَا تزل مِنْكُم {أُمَّةٌ} جمَاعَة {يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْر} إِلَى الصُّلْح وَالْإِحْسَان {وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ} بِالتَّوْحِيدِ وَاتِّبَاع مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكر} عَن الْكفْر والشرك وَترك اتِّبَاع الرَّسُول {وَأُولَئِكَ هُمُ المفلحون} الناجون من السخطة وَالْعَذَاب

105

{وَلاَ تَكُونُواْ} مُتَفَرّقين فِي الدّين {كَالَّذِين تَفَرَّقُواْ وَاخْتلفُوا} فِي الدّين كتفرق الْيَهُود وَالنَّصَارَى فِي الدّين {مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْبَينَات} بَيِّنَات مَا فِي كِتَابهمْ من الْإِسْلَام {وَأُولَئِكَ لَهُمْ} يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى {عَذَابٌ عَظِيمٌ} أعظم مَا يكون

106

{يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ} فِي يَوْم تبيض وُجُوه قوم {وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} فِي يَوْم تسود وُجُوه قوم {فَأَمَّا الَّذين اسودت وُجُوهُهُمْ} تَقول لَهُم الزَّبَانِيَة {أَكْفَرْتُمْ} بِاللَّه {بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} بِاللَّه {فَذُوقُواْ الْعَذَاب بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} بِاللَّه

107

{وَأَمَّا الَّذين ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ الله} فِي جنَّة الله {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} لَا يموتون وَلَا يخرجُون

108

{تِلْكَ آيَاتُ الله} هَذِه آيَات الله الْقُرْآن {نَتْلُوهَا عَلَيْكَ} ننزل جِبْرِيل بهَا عَلَيْك {بِالْحَقِّ} لبَيَان الْحق وَالْبَاطِل {وَمَا الله يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ} أَن يكون مِنْهُ ظلما على الْعَالمين على الْجِنّ وَالْإِنْس

109

{وَللَّه مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض}

من الْخلق والعجائب {وَإِلَى الله تُرْجَعُ الْأُمُور} فِي الْآخِرَة

110

{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} أَنْتُم خير أمة {أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} كَانَت للنَّاس ثمَّ بَين خَيرهمْ فَقَالَ {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ} بِالتَّوْحِيدِ وَاتِّبَاع مُحَمَّد {وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكر} عَن الْكفْر والشرك وَمُخَالفَة الرَّسُول {وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه} وبجملة الْكتب وَالرسل {وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكتاب} يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى {لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ} مِمَّا هم عَلَيْهِ {مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ} عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه {وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} الْكَافِرُونَ الناقضون الْعَهْد

111

{لَن يَضُرُّوكُمْ} لن ينقصوكم الْيَهُود {إِلاَّ أَذًى} بِاللِّسَانِ بالشتم والطعن {وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ} فِي الدّين {يُوَلُّوكُمُ الأدبار} منهزمين {ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ} لَا يمْنَعُونَ من سيفكم وسبيكم إيَّاهُم

112

{ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذلة} جعلت عَلَيْهِم مذلة الْجِزْيَة {أَيْنَ مَا ثقفوا} وجدوا لَا يقدرُونَ أَن يقومُوا مَعَ الْمُؤمنِينَ {إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ الله} إلاَّ بِالْإِيمَان بِاللَّه {وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاس} عهد من الْأُمَرَاء بالجزية {وباؤوا بِغَضَبٍ} استوجبوا بلعنة {مِّنَ الله وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ المسكنة} جعل عَلَيْهِم زِيّ الْفقر {ذَلِك} المذلة بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ الله) بِمُحَمد وَالْقُرْآن {وَيَقْتُلُونَ الأنبيآء بِغَيْرِ حَقٍّ} بِلَا جرم {ذَلِك} الْغَضَب والمسكنة {بِمَا عَصَوْاْ} الله فِي السبت {وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} بقتل الْأَنْبِيَاء وَاسْتِحْلَال الْمَحَارِم

113

{لَيْسُواْ سَوَآءً} أَي لَيْسَ من آمن من أهل الْكتاب كمن لم يُؤمن {مِّنْ أَهْلِ الْكتاب أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ} يَقُول مِنْهُم أمة جمَاعَة عدُول مهتدية بتوحيد الله وَهُوَ عبد الله ابْن سَلام وَأَصْحَابه {يَتلون} يقرءُون {آيَاتِ الله} الْقُرْآن {آنَآءَ اللَّيْل} سَاعَات اللَّيْل فِي الصَّلَاة {وَهُمْ يَسْجُدُونَ} يصلونَ لله

114

{يُؤْمِنُونَ بِاللَّه} وبجملة الْكتب وَالرسل {وَالْيَوْم الآخر} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت ونعيم الْجنَّة {وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ} بِالتَّوْحِيدِ وَاتِّبَاع مُحَمَّد {وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكر} عَن الْكفْر والشرك وَاتِّبَاع الجبت والطاغوت {وَيُسَارِعُونَ فِي الْخيرَات} يبادرون فِي الطَّاعَات {وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحين} من صالحي أمة مُحَمَّد وَيُقَال مَعَ صالحي أمة مُحَمَّد فِي الْجنَّة مثل أبي بكر وَأَصْحَابه

115

{وَمَا يَفْعَلُواْ} يَعْنِي عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه {مِنْ خَيْرٍ} مِمَّا ذكرت وَيُقَال من إِحْسَان إِلَى مُحَمَّد وَأَصْحَابه {فَلَنْ يُكْفَروهُ} لن ينسى ثَوَابه بل يثابوا {وَالله عَلِيمٌ بالمتقين} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه

116

{إِنَّ الَّذين كَفَرُواْ} بِمُحَمد وَالْقُرْآن كَعْب وَأَصْحَابه {لن تغني عَنْهُم أَمْوَالهم} كَثْرَة أَمْوَالهم {وَلَا أَوْلَادهم} كَثْرَة أَوْلَادهم {من الله} من عَذَاب الله {شَيْئاً وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّار} أهل النَّار {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} دائمون

117

{مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِه الْحَيَاة الدُّنْيَا} يَقُول مثل نَفَقَة الْيَهُود فِي الْيَهُودِيَّة {كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ} حر أَو برد {أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ} زرع قوم {ظلمُوا أَنْفُسَهُمْ} بِمَنْع حق الله مِنْهُ {فَأَهْلَكَتْهُ} أحرقته كَذَلِك الشّرك يهْلك النَّفَقَة كَمَا أهلكت الرّيح الزَّرْع {وَمَا ظَلَمَهُمُ الله} بذهاب مَنْفَعَة زرعهم ونفقتهم {وَلَكِن أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}

بالْكفْر وَمنع حق الله من الزَّرْع

118

ثمَّ نهى الله الْمُؤمنِينَ الْأَنْصَار وَغَيرهم عَن محادثة الْيَهُود وإفشاء السِّرّ إِلَيْهِم فَقَالَ {يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ} يَعْنِي الْيَهُود {بِطَانَةً} وليجة {مِّن دُونِكُمْ} من دون الْمُؤمنِينَ المخلصين {لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً} لَا يتركون الْجهد فِي فسادكم {وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ} تمنوا أَن أثمتم وأشركتم كَمَا أشركوا {قَدْ بَدَتِ} ظَهرت {البغضآء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} على ألسنتهم بالشتم والطعن {وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ} مَا يضمرون فِي قُلُوبهم من البغض والعداوة {أَكْبَرُ} من ذَلِك {قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ} أَي عَلامَة الْحَسَد {إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} مَا يقْرَأ عَلَيْكُم وَيُقَال قد بَينا لكم الْآيَات يَعْنِي الْأَمر وَالنَّهْي إِنْ كُنْتُمْ تعقلون لكَي تعلمُوا مَا آمركُم بِهِ

119

{هَا أَنْتُم أولاء} أَنْتُم يَا معشر الْمُؤمنِينَ {تُحِبُّونَهُمْ} يَعْنِي الْيَهُود لقبل الْمُصَاهَرَة وَالرضَاعَة {وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ} لقبل الدّين {وَتُؤْمِنُونَ بِالْكتاب كُلِّهِ} تقرون بجملة الْكتاب وَالرسل وهم لَا يقرونَ بذلك {وَإِذَا لَقُوكُمْ} يَعْنِي مُنَافِق الْيَهُود {قَالُوا آمَنَّا} بِمُحَمد وَالْقُرْآن وَأَن صفته ونعته فِي كتَابنَا {وَإِذَا خَلَوْاْ} رَجَعَ بَعضهم إِلَى بعض {عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأنامل} أَطْرَاف الْأَصَابِع {مِنَ الغيظ} من الحنق {قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ} بحنقكم {إِنَّ الله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور} بِمَا فِي الْقُلُوب من البغض والعداوة

120

{إِن تَمْسَسْكُمْ} تصبكم {حَسَنَةٌ} الْفَتْح وَالْغنيمَة {تَسُؤْهُمْ} ساءهم ذَلِك يَعْنِي الْيَهُود وَالْمُنَافِقِينَ {وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ} الْقَحْط والجدوبة وَالْقَتْل والهزيمة {يَفْرَحُواْ بِهَا} يعجبوا بهَا {وَإِن تَصْبِرُواْ} على أذاهم {وَتَتَّقُواْ} مَعْصِيّة الله {لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً} عداوتهم وصنيعتهم شَيْئا {إِنَّ الله بِمَا يَعْمَلُونَ} من الْمُخَالفَة والعداوة {مُحِيطٌ} عَالم

121

{وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ} خرجت من الْمَدِينَة يَوْم أحد {تبوئ الْمُؤمنِينَ} تتَّخذ للْمُؤْمِنين بِأحد {مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} أمكنة لقِتَال عدوهم {وَالله سَمِيعٌ} لمقالتكم {عَلِيمٌ} بِمَا يُصِيبكُم وبترككم المركز

122

{إِذْ هَمَّتْ طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ} أضمرت قبيلتان من الْمُؤمنِينَ بَنو سَلمَة وَبَنُو حَارِثَة {أَن تَفْشَلاَ} أَن تجبنا عَن قتال الْعَدو يَوْم أحدٌ {وَالله وليهما} حفاظهما ولاهما عَن ذَلِك {وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} وعَلى الْمُؤمنِينَ أَن يتوكلوا على الله فِي النُّصْرَة وَالْفَتْح

123

{وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ الله بِبَدْرٍ} يَوْم بدر {وَأَنْتُمْ أَذِلَّة} قَليلَة ثلثمِائة وَثَلَاث عشر رجلا {فَاتَّقُوا الله} فاخشوا الله فِي أَمر الْحَرْب وَلَا تخالفوا السُّلْطَان الَّذِي مَعكُمْ {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} لكَي تشكروا نصرته وَنعمته

124

{إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ} يَوْم أحد {أَلَنْ يَكْفِيكُمْ} مَعَ عَدوكُمْ {أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ} أَن ينصركم ربكُم {بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَة مُنزَلِينَ} من السَّمَاء لنصرتكم

125

{بلَى} يكفيكم {إِن تَصْبِرُواْ} مَعَ نَبِيكُم فِي الْحَرْب {وَتَتَّقُواْ} مَعْصِيَته ومخالفته {وَيَأْتُوكُمْ} يَعْنِي أهل مَكَّة {مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا} من وَجه مَكَّة {يُمْدِدْكُمْ} ينصركم {رَبُّكُمْ} على عَدوكُمْ {بِخَمْسَةِ آلَاف مِّنَ الْمَلَائِكَة مُسَوِّمِينَ} معلمين وَيُقَال متعممين بعمائم الصُّوف

126

{وَمَا جَعَلَهُ الله} مَا ذكر الله المدد {إِلاَّ بشرى لَكُمْ} بالنصرة {وَلِتَطْمَئِنَّ} لتسكن {قُلُوبُكُمْ بِهِ} بالمدد {وَمَا النَّصْر} بِالْمَلَائِكَةِ {إِلاَّ مِنْ عِنْد الله}

من الله {الْعَزِيز} بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ {الْحَكِيم} بالنصرة والدولة لمن يَشَاء وَيُقَال الْحَكِيم بِمَا أَصَابَكُم يَوْم أحد

127

{لِيَقْطَعَ طَرَفاً} يَقُول لَو نزل المدد لم ينزل إِلَّا ليقْتل جمعا {مِّنَ الَّذين كفرُوا} كفار مَكَّة {أَوْ يَكْبِتَهُمْ} يهزمهم {فَيَنقَلِبُواْ} يرجِعوا {خَآئِبِينَ} من الدولة وَالْغنيمَة

128

{لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمر شَيْءٌ} لَيْسَ بِيَدِك التَّوْبَة وَالْعَذَاب إِن تدع على المنهزمين يَوْم أحد من الرُّمَاة وَغَيرهم {أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} يَقُول إِن شَاءَ الله أَن يَتُوب عَلَيْهِم فَتَجَاوز عَنْهُم {أَوْ يُعَذِّبَهُمْ} بترك المركز {فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} بترك المركز وَيُقَال نزلت فِي الجبين عصية وذكوان دَعَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِم حِين قتلوا أَصْحَابه

129

{وَللَّه مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض} من الْخلق {يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ} لمن كَانَ أَهلا لذَلِك {ويعذب من يشآء} من كَانَ أَهلا لذَلِك {وَالله غَفُورٌ} لمن تَابَ {رَّحِيمٌ} لمن مَاتَ على التَّوْبَة

130

{يَآ أَيُّهَا الَّذين آمَنُواْ} يَعْنِي ثقيفاً {لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافاً} على الدِّرْهَم {مُّضَاعَفَةً} فِي الْأَجَل {وَاتَّقوا الله} واخشوا الله فِي أكل الرِّبَا {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} لكَي تنجوا من السخطة وَالْعَذَاب

131

{وَاتَّقوا النَّار} اخشوا النَّار فِي أكل الرِّبَا {الَّتِي أُعِدَّتْ} خلقت {لِلْكَافِرِينَ} بِاللَّه وبتحريم الرِّبَا

132

{وَأَطِيعُواْ الله وَالرَّسُول} فِي تَحْرِيم الرِّبَا وَفِي تَركه {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} لكَي ترحموا وتنجوا فَلَا تعذبوا

133

{وسارعوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ} بَادرُوا بِالتَّوْبَةِ من الرِّبَا وَسَائِر الذُّنُوب إِلَى تجَاوز من ربكُم {وَجَنَّةٍ} وَإِلَى جنَّة بِعَمَل صَالح وَترك الرِّبَا {عَرْضُهَا السَّمَاوَات وَالْأَرْض} لَو وصل بَعْضهَا إِلَى بعض {أُعِدَّتْ} خلقت {لِلْمُتَّقِينَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش وَأكل الرِّبَا

134

ثمَّ بَينهم فَقَالَ {الَّذين يُنفِقُونَ فِي السَّرَّآءِ والضرآء} يَقُول يُنْفقُونَ أَمْوَالهم فِي سَبِيل الله فِي الْيُسْر والعسر {والكاظمين الغيظ} الكاظمين غيظهم المرددين حدتهم فِي أَجْوَافهم {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاس} عَن المملوكين {وَالله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} إِلَى المملوكين والأحرار

135

ثمَّ نزل فِي رجل من الْأَنْصَار لأجل نظرة ولمسة وقبلة أَصَابَهَا من امْرَأَة الرجل الثَّقَفِيّ فَقَالَ {وَالَّذين إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً} مَعْصِيّة {أَوْ ظلمُوا أَنْفُسَهُمْ} بالنظرة واللمسة والقبلة {ذَكَرُواْ الله} خَافُوا الله {فاستغفروا لِذُنُوبِهِمْ} تَابُوا من ذنوبهم {وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوب} ذنُوب التائب {إِلاَّ الله وَلَمْ يُصِرُّواْ على مَا فَعَلُواْ} من الْمعْصِيَة {وَهُمْ يعلمُونَ} أَنَّهَا مَعْصِيّة الله

136

{أُولَئِكَ جَزَآؤُهُمْ مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ} لذنوبهم {وَجَنَّاتٌ} بساتين {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا} من تَحت شَجَرهَا ومساكنها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {خَالِدين فِيهَا} دائمين فِي الْجنَّة لايموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا {وَنِعْمَ أَجْرُ العاملين} ثَوَاب التائبين الْجنَّة وَمَا ذكر

137

{قَدْ خَلَتْ} قد مَضَت فِي الْأُمَم الَّذين مضوا {مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ} بالثواب وَالْمَغْفِرَة لمن تَابَ وَالْعَذَاب والهلاك لمن لم يتب {فَسِيرُواْ فِي الأَرْض فانظروا} وتفكروا {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ} كَيفَ صَار آخر أَمر {المكذبين} بالرسل الَّذين لم يتوبوا من تكذيبهم

138

{هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ} هَذَا الْقُرْآن بَيَان بالحلال وَالْحرَام للنَّاس {وَهُدًى} من الضَّلَالَة {وَمَوْعِظَةٌ} عظة وَنهي {لِّلْمُتَّقِينَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش

139

ثمَّ عزاهم فِيمَا أَصَابَهُم يَوْم أحد فَقَالَ {وَلاَ تَهِنُوا} لَا تضعفوا مَعَ عَدوكُمْ {وَلاَ تَحْزَنُوا} على مَا فاتكم من الْغَنَائِم يَوْم أحد يثبكم فِي الْآخِرَة وَلَا على مَا أَصَابَكُم من الْقَتْل والجراحة {وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ} آخر الْأَمر لكم بالنصرة والدولة

{إِنْ كُنْتُمْ} إِذْ كُنْتُم {مُّؤْمِنِينَ} أَن النُّصْرَة والدولة من الله

140

{إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ} إِن أَصَابَكُم جرح يَوْم أحد {فَقَدْ مَسَّ الْقَوْم} فقد أصَاب أهل مَكَّة يَوْم بدر {قَرْحٌ} جرح {مِّثْلُهُ} مثل مَا أَصَابَكُم يَوْم أحد {وَتِلْكَ الْأَيَّام} أَيَّام الدُّنْيَا {نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاس} بالدولة نديل الْمُؤمنِينَ على الْكَافرين والكافرين على الْمُؤمنِينَ {وَلِيَعْلَمَ الله} لكَي يرى الله {الَّذين آمَنُواْ} فِي زمن الْجِهَاد {وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ} يكرم من يَشَاء مِنْكُم بِالشَّهَادَةِ {وَالله لاَ يُحِبُّ الظَّالِمين} الْمُشْركين وَدينهمْ ودولتهم

141

{وَلِيُمَحِّصَ الله} لكَي يغْفر الله {الَّذين آمَنُواْ} بِمَا يصيبهم فِي الْجِهَاد {وَيَمْحَقَ الْكَافرين} يهْلك الْكَافرين فِي الْحَرْب

142

{أَمْ حَسِبْتُمْ} أظننتم يَا معشر الْمُؤمنِينَ {أَن تَدْخُلُواْ الْجنَّة} بِلَا قتال {وَلَمَّا يَعْلَمِ الله} لم ير الله {الَّذين جَاهَدُواْ مِنكُمْ} يَوْم أحد فِي سَبِيل الله {وَيَعْلَمَ الصابرين} وَلم ير الصابرين على قتال عدوهم مَعَ نَبِيّهم يَوْم أحد

143

{وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْت} فِي الْحَرْب {مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ} يَوْم أحد {فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ} الْقِتَال وَالْحَرب يَوْم أحد {وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ} إِلَى سيوف الْكفَّار فانهزمتم مِنْهُم وَلم تثبتوا مَعَ نَبِيكُم

144

ثمَّ نزل فِي مقالتهم لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بلغنَا يَا نَبِي الله أَنَّك قد قتلت فَلذَلِك انهزمنا فَقَالَ الله {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ} قد مَضَت من قبل مُحَمَّد {الرُّسُل أَفإِنْ مَّاتَ} مُحَمَّد {أَوْ قُتِلَ} فِي سَبِيل الله {انقلبتم على أَعْقَابِكُمْ} أترجعون أَنْتُم إِلَى دينكُمْ الأول {وَمَن يَنقَلِبْ على عَقِبَيْهِ} يرجع إِلَى دينه الأول {فَلَن يَضُرَّ الله} فَلَنْ ينقص الله رُجُوعه {شَيْئاً وَسَيَجْزِي الله الشَّاكِرِينَ} الْمُؤمنِينَ بإيمَانهمْ وجهادهم

145

{وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ} يَقُول لَا تَمُوت نفس {إِلاَّ بِإِذْنِ الله} بِإِرَادَة الله وقضائه {كِتَاباً مُّؤَجَّلاً} مؤقتاً كِتَابَة أَجله ورزقه سَوَاء لَا يسْبق أَحدهمَا صَاحبه {وَمَن يُرِدْ} بِعَمَلِهِ وجهاده {ثَوَابَ الدُّنْيَا} مَنْفَعَة الدُّنْيَا {نُؤْتِهِ مِنْهَا} نعطه من الدُّنْيَا مَا يُرِيد وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَة من نصيب {وَمَن يُرِدْ} بِعَمَلِهِ وجهاده {ثَوَابَ الْآخِرَة} مَنْفَعَة الْآخِرَة {نُؤْتِهِ مِنْهَا} نعطه من الْآخِرَة مَا يُرِيد {وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ} الْمُؤمنِينَ بإيمَانهمْ وجهادهم

146

{وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ} وَكم من نَبِي {قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} جموع كَثِيرَة من الْكفَّار {فَمَا وَهَنُواْ} مَا ضعف الْمُؤْمِنُونَ {لِمَآ أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ الله} من الْقَتْل والجراحة وَيُقَال وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيْ قتل مَعَه ربيون كثير يَقُول كم من نَبِي قتل وَكَانَ مَعَه جموع كَثِيرَة من الْمُؤمنِينَ فَمَا وهنوا فَمَا ضعف الْمُؤْمِنُونَ لمآ أَصَابَهُم فِي سَبِيل الله من قتل نَبِيّهم فِي طَاعَة الله {وَمَا ضَعُفُواْ} عجزوا عَن قتال عدوهم {وَمَا اسْتَكَانُوا} مَا ذلوا لعدوهم وَيُقَال مَا تضعفوا وَمَا خضعوا لعدوهم {وَالله يُحِبُّ الصابرين} على قتال عدوهم مَعَ نَبِيّهم

147

{وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ} قَول الْمُؤمنِينَ بعد مَا قتل نَبِيّهم {إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا} يَا رَبنَا {اغْفِر لَنَا ذُنُوبَنَا} دون الْكَبَائِر {وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا} بالعظائم من ذنوبنا يَعْنِي الْكَبَائِر {وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا} فِي الْحَرْب {وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْم الْكَافرين}

148

{فَآتَاهُمُ الله} أَعْطَاهُم الله {ثَوَابَ الدُّنْيَا} بِالْفَتْح وَالْغنيمَة {وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَة} فِي الْجنَّة {وَالله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} الْمُؤمنِينَ فِي الْجِهَاد

149

{يَا أَيُّهَا الَّذين آمنُوا} يَعْنِي حُذَيْفَة وَعمَّارًا {إِن تُطِيعُواْ الَّذين كَفَرُواْ}

يَعْنِي كَعْبًا وَأَصْحَابه {يَرُدُّوكُمْ على أَعْقَابِكُمْ} يرجعوكم إِلَى دينكُمْ الأول الْكفْر {فَتَنقَلِبُواْ} فترجعوا {خَاسِرِينَ} مغبونين بذهاب الدُّنْيَا وَالْآخِرَة والعقوبة من الله

150

{بَلِ الله مَوْلاَكُمْ} حافظكم ولاكم على ذَلِك وينصركم عَلَيْهِم {وَهُوَ خَيْرُ الناصرين} أقوى الناصرين بالنصرة

151

ثمَّ ذكر هزيمَة الْكفَّار يَوْم أحد قَالَ {سَنُلْقِي} سنقذف {فِي قُلُوبِ الَّذين كَفَرُواْ} كفار مَكَّة {الرعب} المخافة مِنْكُم حَتَّى انْهَزمُوا {بِمَآ أَشْرَكُواْ بِاللَّه مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً} كتابا وَلَا رَسُول {وَمَأْوَاهُمُ} منزلهم {النَّار وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمين} منزل الْكَافرين بالنَّار

152

ثمَّ ذكر وعده الْمُؤمنِينَ يَوْم أحد فَقَالَ {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ الله وَعْدَهُ} يَوْم أحد {إِذْ تَحُسُّونَهُمْ} تقتلونهم فِي أول الْحَرْب {بِإِذْنِهِ} بأَمْره ونصرته {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ} جبنتم عَن قتال الْعَدو {وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمر} اختلفتم فِي أَمر الْحَرْب {وَعَصَيْتُمْ} الرَّسُول بترك المركز {مِّن بَعْدِ مَآ أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ} النُّصْرَة وَالْغنيمَة {مِنكُم} من الرُّمَاة {مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا} بجهاده ووقوفه وهم الَّذين تركُوا المركز لقبل الْغَنِيمَة {وَمِنْكُمْ} من الرُّمَاة {مَّن يُرِيدُ الْآخِرَة} بجهاده ووقوفه وَهُوَ عبد الله ابْن جُبَير وَأَصْحَابه الَّذين ثبتوا مكانهم حَتَّى قتلوا {ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ} بالهزيمة وقلبهم عَلَيْكُم {لِيَبْتَلِيَكُمْ} ليختبركم بِمَعْصِيَة الرُّمَاة {وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ} لم يستأصلكم {وَالله ذُو فَضْلٍ} ذُو من {عَلَى الْمُؤمنِينَ} إِذْ يَسْتَأْصِلهُمْ على الرُّمَاة

153

ثمَّ ذكر إعراضهم عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَخَافَة عدوهم فَقَالَ {إِذْ تُصْعِدُونَ} أَي تبعدون فِي الأَرْض وَيُقَال تصعدون الْجَبَل بعد الْهَزِيمَة {وَلاَ تَلْوُونَ على أحَدٍ} لَا تلتفتون إِلَى مُحَمَّد وَلَا تقفون لَهُ {وَالرَّسُول} مُحَمَّد {يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ} من خلفكم يَا معشر الْمُؤمنِينَ أَنا رَسُول الله قفوا فَلم تقفوا {فَأَثَابَكُمْ غَمّاً بِغَمٍّ} زادكم الله غماً على غم غم إشراف خَالِد بن الْوَلِيد بغم الْقَتْل والهزيمة {لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ على مَا فَاتَكُمْ} من الْغَنِيمَة {وَلاَ مَآ أَصَابَكُمْ} ولكي لَا تحزنوا على مَا أَصَابَكُم من الْقَتْل والجراحة {وَالله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} فِي الْجِهَاد والهزيمة

154

ثمَّ ذكر منته عَلَيْهِم فقالَ {ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّن بَعْدِ الْغم أَمَنَةً} من الْعَدو {نُّعَاساً يغشى طَآئِفَةً} أَخذ طَائِفَة {مِّنْكُمْ} النعاس فَنَامَ من كَانَ مِنْكُم أهل الصدْق وَالْيَقِين {وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ} قد أخذتهم همة أنفسهم معتب ابْن قُشَيْر الْمُنَافِق وَأَصْحَابه لم يَأْخُذهُمْ النّوم {يَظُنُّونَ بِاللَّه غَيْرَ الْحق} أَن لَا ينصر الله رَسُوله وَأَصْحَابه {ظَنَّ الْجَاهِلِيَّة} كظنهم فِي الْجَاهِلِيَّة {يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الْأَمر} من النُّصْرَة والدولة {مِن شَيْءٍ قُلْ} يَا مُحَمَّد {إِنَّ الْأَمر} الدولة والنصرة {كُلَّهُ للَّهِ} بيد الله {يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِم} يسرون فِيمَا بَينهم {مَّا لَا يبدون لَك} مَالا يظهرون لَك مَخَافَة الْقَتْل {يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمر} من الدولة والنصرة {شَيْءٌ مَا قتلنَا هَا هُنَا} يَا مُحَمَّد لِلْمُنَافِقين {لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ} فِي الْمَدِينَة {لَبَرَزَ} لخرج {الَّذين كُتِبَ} قضي {عَلَيْهِمُ الْقَتْل إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} إِلَى مقتلهم ومصارعهم بِأحد {وَلِيَبْتَلِيَ الله} ليختبر الله {مَا فِي صُدُورِكُمْ} بِمَا فِي قُلُوب الْمُنَافِقين

{وَلِيُمَحِّصَ} ليبين {مَا فِي قُلُوبِكُمْ} من النِّفَاق {وَالله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور} بِمَا فِي الْقُلُوب من الْخَيْر وَالشَّر يَعْنِي الْمُنَافِقين وَيُقَال الرُّمَاة

155

ثمَّ ذكر المنهزمين يَوْم أحد فَقَالَ {إِنَّ الَّذين تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ} بالهزيمة عُثْمَان بن عَفَّان وَأَصْحَابه {يَوْمَ التقى الْجَمْعَانِ} جمع مُحَمَّد وَجمع أبي سُفْيَان {إِنَّمَا استزلهم الشَّيْطَان} زين لَهُم الشَّيْطَان أَن مُحَمَّدًا قتل فَانْهَزَمُوا سِتَّة فراسخ وَكَانُوا سِتَّة نفر {بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ} بتركهم المركز {وَلَقَدْ عَفَا الله عَنْهُمْ} إِذْ لم يَسْتَأْصِلهُمْ {إِنَّ الله غَفُورٌ} لمن تَابَ مِنْهُم {حَلِيم} إِذْ لم يعجل لَهُم الْعقُوبَة

156

ثمَّ قَالَ لأَصْحَاب مُحَمَّد {يَا أَيُّهَا الَّذين آمَنُواْ} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {لاَ تَكُونُواْ} فِي الْحَرْب {كَالَّذِين كَفَرُواْ} فِي السِّرّ يَعْنِي عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه فِي الطَّرِيق إِلَى الْمَدِينَة {وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ} الْمُنَافِقين {إِذَا ضَرَبُواْ فِي الأَرْض} إِذا خَرجُوا مَعَ أَصْحَاب مُحَمَّد فِي سفر {أَوْ كَانُواْ غُزًّى} أَو خَرجُوا فِي غزَاة مَعَ نَبِيّهم {لَّوْ كَانُواْ عِنْدَنَا} فِي الْمَدِينَة {مَا مَاتُواْ} فِي سفرهم {وَمَا قُتِلُواْ} فِي غزاتهم {لِيَجْعَلَ الله ذَلِك} يَقُول ليجعل الله ذَلِك الظَّن {حَسْرَةً} حزنا {فِي قُلُوبِهِمْ وَالله يُحْيِي} فِي السّفر {وَيُمِيتُ} فِي الْحَضَر {وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ} تَقولُونَ {بَصِيرٌ}

157

{وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ الله} يَا معشر الْمُنَافِقين {أَوْ مُتُّمْ} فِي بُيُوتكُمْ وكنتم مُخلصين {لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ الله} لذنوبكم {وَرَحْمَةٌ} من الْعَذَاب {خَيْرٌ} لكم {مِّمَّا يَجْمَعُونَ} فِي الدُّنْيَا من الْأَمْوَال

158

{وَلَئِنْ مُّتُّمْ} فِي حضر أَو سفر {أَوْ قُتِلْتُمْ} فِي غزَاة {لإِلَى الله تُحْشَرُونَ} بعد الْمَوْت

159

{فَبِمَا رَحْمَةٍ} فبرحمة {مِّنَ الله لِنتَ لَهُمْ} جَانِبك وجناحك {وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً} بِاللِّسَانِ {غَلِيظَ الْقلب} غليظاً بِالْقَلْبِ {لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} لتفرقوا من عنْدك {فَاعْفُ عَنْهُمْ} عَن أَصْحَابك فِي شَيْء يكون مِنْهُم {واستغفر لَهُمْ} من ذَلِك الذَّنب {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمر} فِي أَمر الْحَرْب {فَإِذَا عَزَمْتَ} صرفت على شَيْء {فَتَوَكَّلْ عَلَى الله} بالنصر والدولة {إِنَّ الله يُحِبُّ المتوكلين} عَلَيْهِ

160

{إِن يَنصُرْكُمُ الله} مثل يَوْم بدر {فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ} فَلَا يغلب عَلَيْكُم أحد من عَدوكُمْ {وَإِن يَخْذُلْكُمْ} مثل يَوْم أحد {فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم} على عَدوكُمْ {مِّنْ بَعْدِهِ} من بعد خذلانه {وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} وعَلى الْمُؤمنِينَ أَن يتوكلوا على الله بالنصرة والدولة

161

ثمَّ ذكر ظنهم بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن لَا يقسم لنا من الْغَنَائِم شَيْئا ولقبل ذَلِك تركُوا المركز فَقَالَ {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ} مَا جَازَ لنَبِيّ {أَنْ يَغُلَّ} أَن يخون أمته فِي الْغَنَائِم وَإِن قَرَأت أَن يغل يَقُول أَن تخونه أمته {وَمَن يَغْلُلْ} من الْغَنَائِم شَيْئا {يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَة} حَامِلا لَهُ على عُنُقه {ثُمَّ توفى} توفر {كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ} بِمَا عملت من الْغلُول وَغَيره {وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} لَا ينقص من حسناتهم وَلَا يُزَاد على سيئاتهم

162

{أَفَمَنِ اتبع رِضْوَانَ الله} فِي أَخذ الْخمس وَترك الْغلُول {كَمَن بَآءَ بِسَخْطٍ مِّنَ الله} كمن اسْتوْجبَ عَلَيْهِم سخط الله بالغلول {وَمَأْوَاهُ} مصير الغال {جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمصير} صَارُوا إِلَيْهِ

163

{هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ الله}

يَقُول لَهُم دَرَجَات عِنْد الله فِي الْجنَّة لمن ترك الْغلُول ودركات لمن غل {وَالله بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} من الْغلُول وَغَيره

164

ثمَّ ذكر منته عَلَيْهِم فَقَالَ {لَقَدْ مَنَّ الله عَلَى الْمُؤمنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ} إِلَيْهِم {رَسُولاً} آدَمِيًّا مَعْرُوف النّسَب {مِّنْ أَنْفُسِهِمْ} قرشياً عَرَبيا مثلهم {يَتْلُو} يقْرَأ {عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ} الْقُرْآن بِالْأَمر وَالنَّهْي {ويزكيهم} يطهرهم بِالتَّوْحِيدِ من الشّرك وَيَأْخُذ الزَّكَاة من الذُّنُوب {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكتاب} الْقُرْآن {وَالْحكمَة} الْحَلَال وَالْحرَام {وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ} وَقد كَانُوا من قبل مَجِيء مُحَمَّد وَالْقُرْآن {لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} لفي كفر بيِّن

165

ثمَّ ذكر مصيبتهم يَوْم أحد فَقَالَ {أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ} يَقُول حِين أَصَابَتْكُم مُصِيبَة يَوْم أحد {قَدْ أَصَبْتُمْ} أهل مَكَّة يَوْم بدر {مثلهَا} مثل مَا أَصَابَكُم يَوْم أحد {قُلْتُمْ أَنى هَذَا} من أَيْن أَصَابَنَا هَذَا وَنحن لَهُ مُسلمُونَ {قُلْ} يَا مُحَمَّد {هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ} بذنب أَنفسكُم بترككم المركز {إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ} من الْعقُوبَة وَغَيرهَا {قَدِيرٌ}

166

{وَمَآ أَصَابَكُمْ} الَّذِي أَصَابَكُم من الْقَتْل والجراحة {يَوْمَ التقى الْجَمْعَانِ} جمع مُحَمَّد وَجمع أبي سُفْيَان {فَبِإِذْنِ الله} فبإرادته وقضائه {وَلِيَعْلَمَ الْمُؤمنِينَ} لكَي يرى الْمُؤمنِينَ فِي الْجِهَاد

167

{وَلِيَعْلَمَ الَّذين نَافَقُواْ} لكَي يرى الْمُنَافِقين عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه فِي رجوعهم إِلَى الْمَدِينَة {وَقِيلَ لَهُمْ} قَالَ لَهُم عبد الله بن جُبَير {تَعَالَوْاْ} إِلَى أحد {قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله أَوِ ادفعوا} الْعَدو عَن حريمكم وذريتكم أَو كَثُرُوا الْمُؤمنِينَ {قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ} ثمَّ {قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ} إِلَى أحد {هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ} وَالْمُؤمنِينَ وَيُقَال رجوعهم إِلَى الْكفْر وَالْكفَّار يؤمئذ أقرب من رجوعهم إِلَى الْإِيمَان وَالْمُؤمنِينَ {يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم} بألسنتهم {مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} صدق ذَلِك {وَالله أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ} من الْكفْر والنفاق هم

168

{الَّذين قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ} الْمُنَافِقين بِالْمَدِينَةِ {وَقَعَدُواْ} عَن الْجِهَاد {لَوْ أَطَاعُونَا} يعنون مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه بالقعود فِي الْمَدِينَة {مَا قُتِلُوا} فِي غزاتهم {قُلْ} يَا مُحَمَّد لِلْمُنَافِقين {فادرؤوا} ادفعوا {عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ} فِي مَقَالَتَكُمْ

169

{وَلاَ تَحْسَبَنَّ} لَا تَظنن {الَّذين قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله} يَوْم بدر وَيَوْم أحد {أَمْوَاتاً} كَسَائِر الْأَمْوَات {بَلْ أَحْيَاءٌ} بل هم كالأحياء {عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} التحف

170

{فَرِحِينَ} معجبين {بِمَآ آتَاهُمُ الله} بِمَا أَعْطَاهُم الله {مِن فَضْلِهِ} من كرامته {وَيَسْتَبْشِرُونَ} بَعضهم بِبَعْض {بالذين لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ} من إخْوَانهمْ الَّذين فِي الدُّنْيَا أَن يلْحقُوا بهم لِأَن الله بشرهم بذلك {أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} إِذا خَافَ غَيرهم {وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} إِذا حزن غَيرهم

171

{يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ الله} بِثَوَاب من الله {وَفَضْلٍ} وكرامة {وَأَنَّ الله لاَ يُضِيعُ} لَا يبطل {أَجْرَ الْمُؤمنِينَ} فِي الْجِهَاد بِمَا يصيبهم فِي الْجِهَاد

172

ثمَّ ذكر موافاتهم مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى بدر الصُّغْرَى فَقَالَ {الَّذين اسْتَجَابُوا للَّهِ} أجابوا لله بِالطَّاعَةِ {وَالرَّسُول} بالموافاة إِلَى بدر الصُّغْرَى {مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ الْقرح} الْجرْح يَوْم أحد {لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ} وافوا

مِنْهُم) مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى بدر الصُّغْرَى {وَاتَّقوا} مَعْصِيّة الله وَمُخَالفَة الرَّسُول {أَجْرٌ عَظِيمٌ} ثَوَاب وافر فِي الْجنَّة وَنزل فيهم أَيْضا

173

{الَّذين قَالَ لَهُمُ النَّاس} نعيم بن مَسْعُود الْأَشْجَعِيّ {إِنَّ النَّاس} أَبَا سُفْيَان وَأَصْحَابه {قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ} باللطيمة واللطيمة سوق فِي قرب مَكَّة {فَاخْشَوْهُمْ} بِالْخرُوجِ إِلَيْهِم {فَزَادَهُمْ إِيمَاناً} جَرَاءَة بِالْخرُوجِ إِلَيْهِم {وَقَالُواْ حَسْبُنَا الله} ثقتنا بِاللَّه {وَنِعْمَ الْوَكِيل} الْكَفِيل بالنصرة

174

{فانقلبوا} رجعُوا {بِنِعْمَةٍ مِّنَ الله} بِثَوَاب من الله {وَفَضْلٍ} ربح مِمَّا تسوقوا بِهِ من السُّوق وَيُقَال غنيمَة {لَّمْ يَمْسَسْهُمْ} لم يصبهم فِي الذّهاب والمجيء {سوء} قتال وهزيمة {وَاتبعُوا رِضْوَانَ الله} فِي الموافاة مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى بدر الصُّغْرَى {وَالله ذُو فَضْلٍ} ذُو منّ {عَظِيمٍ} بِدفع الْعَدو عَنْهُم

175

{إِنَّمَا ذَلِكُم الشَّيْطَان} الَّذِي خوفكم الشَّيْطَان يَعْنِي نعيم بن مَسْعُود سَمَّاهُ الله شَيْطَانا لِأَنَّهُ كَانَ تَابعا للشَّيْطَان ولوسوسته {يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ} يَقُول يخوفكم بأوليائه الْكفَّار {فَلاَ تَخَافُوهُمْ} بِالْخرُوجِ {وَخَافُونِ} بِالْجُلُوسِ {إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ} إِذْ كُنْتُم مُصدقين بأحيائه

176

ثمَّ ذكر مسارعة الْمُنَافِقين فِي الْولَايَة مَعَ الْيَهُود فَقَالَ {وَلاَ يَحْزُنكَ} يَا مُحَمَّد وَلَا يغمك {الَّذين يُسَارِعُونَ} يبادرون {فِي الْكفْر} أَي مسارعة الْمُنَافِقين فِي الْولَايَة مَعَ الْيَهُود {إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ الله} لن ينقصوا الله بمسارعتهم فِي الْولَايَة مَعَ الْيَهُود {شَيْئاً يُرِيدُ الله} أَرَادَ الله {أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ} للْيَهُود الْمُنَافِقين {حَظّاً} نَصِيبا {فِي الْآخِرَة} فِي الْجنَّة {وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} شَدِيد أَشد مَا يكون

177

{إِنَّ الَّذين اشْتَروا الْكفْر بِالْإِيمَان} اخْتَارُوا الْكفْر على الْإِيمَان هم المُنَافِقُونَ {لَن يَضُرُّواْ الله} لن ينقصوا الله باختيارهم الْكفْر {شَيْئاً وَلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وجيع يخلص وَجَعه إِلَى قُلُوبهم

178

ثمَّ ذكر إمهاله لَهُم فِي الْكفْر فَقَالَ {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذين كَفَرُواْ} لَا يظنن الْيَهُود {أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ} نمهلهم ونعطيهم من الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد {خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ} ونعطيهم من الْأَمْوَال ولأولاد {ليزدادوا إِثْمَاً} ذَنبا فِي الدُّنْيَا ودركات فِي الْآخِرَة {وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} يهانون بِهِ يَوْمًا فيوماً وَسَاعَة بعد سَاعَة وَيُقَال شَدِيد وَيُقَال نزلت من قَوْله وَلاَ يَحْزنكَ إِلَى هَهُنَا فِي مُشْركي أهل مَكَّة يَوْم أحد

179

ثمَّ ذكر مقَالَة الْمُشْركين لمُحَمد أَنْت تَقول لنا مِنْكُم كَافِر ومنكم مُؤمن فَبين لنا يَا مُحَمَّد من يُؤمن منا وَمن لَا يُؤمن فَقَالَ {مَّا كَانَ الله لِيَذَرَ الْمُؤمنِينَ} والكافرين {على مَآ أَنْتُمْ عَلَيْهِ} من الدّين حَتَّى يصير الْمُؤمن كَافِرًا وَالْكَافِر مُؤمنا إِن كَانَ فِي قَضَائِهِ كَذَلِك {حَتَّى يَمِيزَ الْخَبيث مِنَ الطّيب} الشقي من السعيد وَالْكَافِر من الْمُؤمن وَالْمُنَافِق من المخلص {وَمَا كَانَ الله لِيُطْلِعَكُمْ} يَا أهل مَكَّة {عَلَى الْغَيْب} على ذَلِك حَتَّى تعلمُوا من يُؤمن وَمن لَا يُؤمن {وَلَكِنَّ الله يَجْتَبِي} يصطفي {من رسله من يَشَاء} يَعْنِي مُحَمَّد فيطلعه على بعض ذَلِك بِالْوَحْي {فَآمِنُواْ بِاللَّه وَرُسُلِهِ} وبجملة الرُّسُل والكتب {وَإِن تُؤْمِنُواْ} بِاللَّه وبجملة الْكتب وَالرسل {وَتَتَّقُواْ} الْكفْر والشرك {فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ} ثَوَاب وافر فِي الْجنَّة

180

ثمَّ ذكر بخلهم يَعْنِي الْيَهُود وَالْمُنَافِقِينَ بِمَا أَعْطَاهُم الله فَقَالَ {وَلاَ يَحْسَبَنَّ} لَا يظنن {الَّذين يَبْخَلُونَ بِمَآ آتَاهُمُ الله} أَعْطَاهُم الله {مِن فَضْلِهِ} من المَال {هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ} سَيجْعَلُ {مَا بَخِلُواْ بِهِ} من المَال يَعْنِي الذَّهَب وَالْفِضَّة طوقامن النَّار فِي عنقهم {يَوْمَ الْقِيَامَة وَللَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَات وَالْأَرْض} خَزَائِن السَّمَوَات الْمَطَر وَالْأَرْض النَّبَات وَيُقَال يَمُوت أهل السَّمَوَات وَالْأَرْض وَيبقى الْملك لله الْوَاحِد القهار {وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ} من الْبُخْل والسخاء {خَبِيرٌ}

181

ثمَّ ذكر مقَالَة الْيَهُود فنحَاص بن عازوراء وَأَصْحَابه حِين قَالُوا يَا مُحَمَّد إِن الله فَقير يطْلب منا الْقَرْض فَقَالَ {لَّقَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الَّذين قَالُوا}

يَعْنِي فنحَاص بن عازوراء وَأَصْحَابه {إِنَّ الله فَقِيرٌ} مُحْتَاج يطْلب منا الْقَرْض {وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ} وَلَا نحتاج إِلَى قرضه {سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ} سنحفظ عَلَيْهِم مَا قَالُوا فِي الْآخِرَة {وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاء} ونحفظ عَلَيْهِم قَتلهمْ الْأَنْبِيَاء {بِغَيْرِ حَقٍّ} بِلَا جرم {وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيق} الشَّديد

182

{ذَلِك} الْعَذَاب {بِمَا قَدَّمَتْ} عملت {أَيْدِيكُمْ} فِي الْيَهُودِيَّة {وَأَنَّ الله لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ} أَن يأخذكم بِلَا جرم

183

{الَّذين قَالُوا} هم الَّذين قَالُوا يَعْنِي الْيَهُود {إِنَّ الله عَهِدَ إِلَيْنَا} أمرنَا فِي الْكتاب {أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ} أَن لَا نصدق أحدا بالرسالة {حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّار} يعنون حَتَّى يأتينا بِنَار تَأْكُل القربان كَمَا كَانَت فِي زمن الْأَنْبِيَاء {قُلْ} يَا مُحَمَّد {قَدْ جَآءَكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ} بِالْأَمر وَالنَّهْي والعلامات {وَبِالَّذِي قُلْتُمْ} من القربان زَكَرِيَّا وَيحيى وَعِيسَى {فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ} يحيى وزَكَرِيا وَقد كَانَ القربان فِي زمانهم {إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} فِي مَقَالَتَكُمْ فَقَالُوا مَا قتل آبَاؤُنَا الْأَنْبِيَاء زوراً

184

فَقَالَ الله {فَإِن كَذَّبُوكَ} يَا مُحَمَّد بِمَا قلت لَهُم فَلَا تحزن بذلك {فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ من قبلك} كذبهمْ قَومهمْ {جاؤوا بِالْبَيِّنَاتِ} بِالْأَمر وَالنَّهْي وعلامات النُّبُوَّة {والزبر} وبخبر كتب الْأَوَّلين {وَالْكتاب الْمُنِير} الْمُبين للْحَلَال وَالْحرَام

185

ثمَّ ذكر مَوْتهمْ وَمَا بعد الْمَوْت فَقَالَ {كُلُّ نَفْسٍ} منفوسة {ذَآئِقَةُ الْمَوْت} تذوق الْمَوْت {وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ} توفون {أُجُورَكُمْ} ثَوَاب أَعمالكُم {يَوْمَ الْقِيَامَة فَمَن زُحْزِحَ} عزل ونحي وَأبْعد {عَنِ النَّار} بِالتَّوْحِيدِ وَالْعَمَل الصَّالح {وَأُدْخِلَ الْجنَّة فَقَدْ فَازَ} بِالْجنَّةِ وَمَا فِيهَا وَنَجَا من النَّار وَمَا فِيهَا {وَما الْحَيَاة الدُّنْيَا} لَيْسَ مَا فِي الدُّنْيَا من النَّعيم {إِلاَّ مَتَاعُ الْغرُور} إِلَّا كمتاع الْبَيْت فِي بَقَائِهِ مثل الخزف والزجاجة وَغير ذَلِك

186

ثمَّ ذكر أَذَى الْكفَّار لنَبيه ولأصحابه فَقَالَ {لَتُبْلَوُنَّ} لتختبرن {فِي أَمْوَالِكُمْ} فِي ذهَاب أَمْوَالكُم {وَأَنْفُسِكُمْ} وَفِيمَا يُصِيب أَنفسكُم من الْأَمْرَاض والأوجاع وَالْقَتْل وَالضَّرْب وَسَائِر البلايا {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذين أُوتُواْ الْكتاب} أعْطوا الْكتاب {مِن قَبْلِكُمْ} يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى الشتم والطعن وَالْكذب والزور على الله {وَمِنَ الَّذين أشركوا} يَعْنِي مُشْركي الْعَرَب أَيْضا {أَذًى كَثِيراً} بالشتم وَالضَّرْب واللعن وَالْقَتْل وَالْكذب والزور على الله {وَإِن تَصْبِرُواْ} على أذهم {وَتَتَّقُواْ} مَعْصِيّة الله فِي الْأَذَى {فَإِنَّ ذَلِك} الصَّبْر وَالِاحْتِمَال {مِنْ عَزْمِ الْأُمُور} من خير الْأُمُور وحزم أُمُورهم يَعْنِي الْمُؤمنِينَ

187

ثمَّ ذكر ميثاقه على أهل الْكتاب فِي الْكتاب بِبَيَان صفة نبيه ونعته فَقَالَ {وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ الَّذين أُوتُواْ الْكتاب} أعْطوا الْكتاب يَعْنِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل {لَتُبَيِّنُنَّهُ} صفة مُحَمَّد ونعته {لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ} لَا تكتمون صفة مُحَمَّد ونعته فِي الْكتاب {فَنَبَذُوهُ} فطرحوا كتاب الله وَعَهده {وَرَاء} خلف {ظُهُورهمْ} وَلم يعلمُوا بِهِ {واشتروا بِهِ} بكتمان صفة مُحَمَّد ونعته فِي الْكتاب {ثَمَناً قَلِيلاً} عرضا يَسِيرا من المأكلة {فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} يختارون لأَنْفُسِهِمْ الْيَهُودِيَّة وكتمان صفة مُحَمَّد ونعته

188

ثمَّ ذكر طَلَبهمْ الثَّنَاء والمحمدة بِمَا لم يكن فيهم يَعْنِي الْيَهُود فَقَالَ {لاَ تَحْسَبَنَّ} لَا تَظنن يَا مُحَمَّد {الَّذين يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوا} بِمَا غير واصفة مُحَمَّد ونعته فِي الْكتاب {وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ} يحبونَ أَن يُقَال فيهم الْخَيْر وَلَا خير فيهم أَن يَقُولُوا هم على دين إِبْرَاهِيم ويحسنون إِلَى الْفُقَرَاء {فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ} يَا مُحَمَّد {بِمَفَازَةٍ} بمباعدة {مِّنَ الْعَذَاب وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم} وجيع

189

{وَللَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَات وَالْأَرْض}

خَزَائِن السَّمَوَات بالمطر وَالْأَرْض بالنبات {وَالله على كُلِّ شَيْءٍ} من أهل السَّمَوَات وَالْأَرْض وخزائنهما {قَدِيرٌ} ثمَّ بَين عَلامَة قدرته لكفار مَكَّة لقَولهم ائتنا بِآيَة يَا مُحَمَّد على مَا تَقول فَقَالَ

190

{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَات} إِن فِيمَا خلق فِي السَّمَوَات من الْمَلَائِكَة وَالشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم والسحاب {وَالْأَرْض} وَفِي خلق الأَرْض وَمَا فِي الأَرْض من الْجبَال والبحور وَالشَّجر وَالدَّوَاب {وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار} وَفِي تقلب اللَّيْل وَالنَّهَار {لآيَاتٍ} لعلامات لوحدانيته {لأُوْلِي الْأَلْبَاب} لِذَوي الْعُقُول من النَّاس

191

ثمَّ نعتهم فَقَالَ {الَّذين يَذْكُرُونَ الله} يصلونَ لله {قِيَاماً} إِذا اسْتَطَاعُوا {وَقُعُوداً} إِذا لم يستطيعوا قيَاما {وعَلى جُنُوبِهِمْ} إِذا لم يستطيعوا قيَاما وقعوداً {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَات وَالْأَرْض} من الْعَجَائِب {رَبَّنَآ} يَقُولُونَ يَا رَبنَا {مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً} جزَافا {سُبْحَانَكَ} نزهوا الله {فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} ادْفَعْ عَنَّا عَذَاب النَّار

192

{رَبَّنَآ} يَقُولُونَ يَا رَبنَا {إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّار فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} أهنته {وَمَا لِلظَّالِمِينَ} للْمُشْرِكين {من أنصار} من مَانع مِمَّا يُرَاد بهم فِي الْآخِرَة وَالدُّنْيَا

193

{رَّبَّنَآ} وَيَقُولُونَ يَا رَبنَا {إِنَّنَآ سَمِعْنَا مُنَادِياً} يعنون مُحَمَّدًا {يُنَادِي لِلإِيمَانِ} يَدْعُو إِلَى التَّوْحِيد {أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا} بك وبكتابك وَرَسُولك {فَاغْفِر لَنَا ذُنُوبَنَا} الْكَبَائِر {وَكَفِّرْ} تجَاوز {عَنَّا سَيِّئَاتِنَا} دون الْكَبَائِر {وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَار} اقبض أَرْوَاحنَا على الْإِيمَان واجمعنا مَعَ أَرْوَاح النبييين وَالصَّالِحِينَ

194

{رَبَّنَا} وَيَقُولُونَ يَا رَبنَا {وَآتِنَا} أعطنا {مَا وَعَدتَّنَا على رُسُلِكَ} يَعْنِي مُحَمَّدًا {وَلاَ تُخْزِنَا} لَا تعذبنا {يَوْمَ الْقِيَامَة} كَمَا تعذب الْكفَّار {إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الميعاد} الْبَعْث بعد الْمَوْت وَمَا وعدت الْمُؤمنِينَ

195

{فَاسْتَجَاب لَهُمْ رَبُّهُمْ} فِيمَا سَأَلُوهُ فَقَالَ {أَنِّي لاَ أُضِيعُ} لَا أبطل {عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُمْ} ثَوَاب عمل عَامل مِنْكُم (مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ) إِذْ كَانَ بَعْضكُم على دين بعض وأوليائه بعض ثمَّ بَين كرامته للمهاجرين فَقَالَ {فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ} من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة مَعَ النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَبعد النَّبِي {وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ} أخرجوهم كفار مَكَّة من مَنَازِلهمْ بِمَكَّة {وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي} فِي طَاعَتي {وَقَاتَلُواْ} الْعَدو فِي سَبِيل الله {وَقُتِلُواْ} حَتَّى قتلوا فِي الْجِهَاد مَعَ نَبِي الله {لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} ذنوبهم فِي الْجِهَاد {وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ} بساتين {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا} من تَحت شَجَرهَا ومساكنها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {ثَوَاباً مِّن عِندِ الله} جَزَاء لَهُم من الله {وَالله عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَاب} الْمرجع الصَّالح أحسن من جزائهم

196

ثمَّ ذكرهم فنَاء الدُّنْيَا ورغبهم عَنْهَا وَبَقَاء الْآخِرَة وحثهم على طلبَهَا فَقَالَ {لاَ يَغُرَّنَّكَ} يَا مُحَمَّد خَاطب بِهِ مُحَمَّدًا وعنى أَصْحَابه {تَقَلُّبُ الَّذين كَفَرُواْ فِي الْبِلَاد} ذهَاب الْيَهُود وَالْمُشْرِكين ومجيئهم فِي التِّجَارَة

197

{مَتَاعٌ قَلِيلٌ} مَنْفَعَة يسيرَة فِي الدُّنْيَا {ثُمَّ مَأْوَاهُمْ} مصيرهم {جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المهاد} الْفراش والمصير

198

{لَكِنِ الَّذين اتَّقوا رَبَّهُمْ} يَقُول وَالَّذين وحدوا رَبهم بِالتَّوْبَةِ من الْكفْر {لَهُمْ جَنَّاتٌ} بساتين {تجْرِي من تحتهَا} من تَحت شَجَرهَا ومساكنها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {خَالِدِينَ فِيهَا} مقيمين فِي الْجنَّة لَا يموتون وَلَا يخرجُون {نُزُلاً} ثَوابًا {مِّنْ عِندِ الله وَمَا عِنْد الله}

من الثَّوَاب {خَيْرٌ لِّلأَبْرَار} للموحدين مِمَّا أعطي الْكفَّار فِي الدُّنْيَا

199

ثمَّ نعت من آمن من أهل الْكتاب عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه فَقَالَ {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكتاب لَمَن يُؤْمِنُ بِاللَّه وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ} الْقُرْآن {وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ} من الْكتاب التَّوْرَاة (خَاشِعِينَ للَّهِ) متواضعين ذليلين لله فِي الطَّاعَة {لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ الله} بكتمان صفة مُحَمَّد ونعته فِي الْكتاب {ثَمَناً قَلِيلاً} عرضا يَسِيرا من المأكلة {أُولَئِكَ لَهُم أجرهم} ثوابهم {عِنْد رَبهم} فِي الْجنَّة {إِنَّ الله سَرِيعُ الْحساب} إِذا حاسب فحسابه سريع

200

ثمَّ حثهم على الصَّبْر فِي الْجِهَاد والمرازي فَقَالَ {يَا أَيُّهَا الَّذين آمَنُواْ} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {اصْبِرُوا} على الْجِهَاد مَعَ نَبِيكُم {وَصَابِرُواْ} كاثروا وغالبوا على عَدوكُمْ {وَرَابِطُواْ} أَنفسكُم على عَدوكُمْ مَعَ نَبِيكُم مَا أَقَامُوا وَيُقَال اصْبِرُوا على أَدَاء الْفَرَائِض وَاجْتنَاب الْمعاصِي وَصَابِرُوا غالبوا وكاثروا أهل الْأَهْوَاء والبدع وَرَابطُوا الْخُيُول فِي سَبِيل الله {وَاتَّقوا الله} أطِيعُوا الله فِيمَا أَمركُم فَلَا تتركوه {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} لكَي تنجوا من السخطة وَالْعَذَاب السُّورَة الَّتِي يذكر فِيهَا النِّسَاء وَهِي كلهَا مَدَنِيَّة وكلماتها ثَلَاثَة آلَاف وَتِسْعمِائَة وَأَرْبَعُونَ وحروفها سِتَّة عشر ألفا وَثَلَاثُونَ حرفا {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم {

النساء

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّاس} عَام وَقد يكون خَاصّا {اتَّقوا رَبَّكُمُ} أطِيعُوا ربكُم {الَّذِي خَلَقَكُمْ} بالتناسل {مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ} من نفس آدم وَحدهَا وَكَانَت نفس حَوَّاء فِيهَا {وَخَلَقَ مِنْهَا} من نفس آدم {زَوْجَهَا} حَوَّاء {وَبَثَّ مِنْهُمَا} خلق بالتوالد من آدم وحواء {رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً} خلقا كثيرا ذكرا وَأُنْثَى {وَاتَّقوا الله} أطِيعُوا الله {الَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ} بِحَق الله الْحَوَائِج والحقوق بَعْضكُم من بعض {والأرحام} بِحَق الْقرْبَة والأرحام إِن قُرِئت بِنصب الْمِيم يَقُول وصلوا الْأَرْحَام وَلَا تقطعوها معطوفة إِلَى قَوْله وَاتَّقوا الله {إِنَّ الله كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} حفيظاً يسألكم عَمَّا أَمركُم من الطَّاعَة وصلَة الْأَرْحَام

2

{وَآتُواْ الْيَتَامَى} أعْطوا الْيَتَامَى {أَمْوَالَهُمْ} الَّتِي عنْدكُمْ بعد الرشد والبلاغ {وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبيث بالطيب} يَعْنِي لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالهم الْحَرَام وتتركوا أَمْوَالكُم الْحَلَال {وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} أَي مَعَ أَمْوَالكُم بالتخليط {إِنَّهُ كَانَ} يَعْنِي أكل مَال الْيَتِيم ظلما {حُوباً كَبِيراً} ذَنبا عَظِيما عِنْد الله بالعقوبة نزلت فِي رجل من غطفان كَانَ عِنْده مَال كثير لِابْنِ أَخ لَهُ يَتِيم فَلَمَّا نزلت هَذِه الْآيَة قَالُوا نعزل الْيَتَامَى مَخَافَة الْإِثْم فَنزل الله

3

{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى} أَن لَا تعدلوا بَين الْيَتَامَى فِي حفظ الْأَمْوَال فَكَذَلِك خَافُوا أَن لَا تعدلوا بَين النِّسَاء فِي النَّفَقَة وَالْقِسْمَة وَكَانُوا يَتَزَوَّجُونَ من النِّسَاء مَا شَاءُوا تسعا أَو عشرا وَكَانَ تَحت قيس ابْن الْحَرْث ثَمَان نسْوَة فنهاهم الله عَن ذَلِك وَحرم مَا فَوق الْأَرْبَعَة فَقَالَ {فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ} فتزوجوا مَا أحل الله لكم {مِّنَ النسآء مثنى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ} يَقُول وَاحِدَة أَو اثْنَتَيْنِ أَو ثَلَاثًا أَو أَرْبعا لَا يُزَاد على ذَلِك {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ} بَين أَربع نسْوَة فِي الْقِسْمَة وَالنَّفقَة {فَوَاحِدَةً} فتزوجوا امْرَأَة وَاحِدَة حرَّة {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} من الْإِمَاء لَا قسْمَة لَهُنَّ عَلَيْكُم وَلَا عدَّة لكم عَلَيْهِنَّ {ذَلِك} تَزْوِيج الْوَاحِدَة {أدنى} أَحْرَى {أَلاَّ تَعُولُواْ} لَا تميلوا وَلَا تَجُورُوا بَين أَربع من النِّسَاء فِي الْقِسْمَة وَالنَّفقَة

4

{وَآتُواْ} أعْطوا {النسآء صَدُقَاتِهِنَّ} مهورهن {نِحْلَةً} هبة لَهُنَّ من الله فَرِيضَة عَلَيْكُم {فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ} فَإِن أحللن لكم من الْمهْر شَيْئا {نَفْساً} بِطيبَة النَّفس {فَكُلُوهُ هَنِيئًا}

بِلَا إِثْم {مَّرِيئاً} بِلَا ملامة وَكَانُوا يَتَزَوَّجُونَ بِلَا مهر

5

{وَلاَ تُؤْتُواْ السفهآء} لَا تعطوا الْجُهَّال بِموضع الْحق من النِّسَاء وَالْأَوْلَاد {أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ الله لَكُمْ قِيَاماً} معاشاً {وارزقوهم فِيهَا} أطعموهم فِيهَا {وَاكْسُوهُمْ} وَكُونُوا أَنْتُم القوامون على ذَلِك فَإِنَّكُم أعلم مِنْهُم فِي النَّفَقَة وَالصَّدَََقَة بِموضع الْحق {وَقُولُواْ لَهُمْ} إِن لم يكن لكم شَيْء {قَوْلاً مَّعْرُوفاً} عدَّة حَسَنَة أَي سأكسو وسأعطى

6

{وابتلوا الْيَتَامَى} اختبروا عقول الْيَتَامَى {حَتَّى إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ} الْحلم {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ} فَإِن رَأَيْتُمْ مِنْهُم {رُشْداً} صلاحاً فِي الدّين وحفظاً فِي المَال {فادفعوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} الَّتِي عنْدكُمْ {وَلاَ تَأْكُلُوهَآ إِسْرَافاً} فِي الْمعْصِيَة حَرَامًا {وَبِدَاراً} مبادرة كبر الْيَتِيم إِلَى أكلهَا الأول فَالْأول {أَن يَكْبَرُواْ} مَخَافَة أَن يكبروا فيمنعوكم من ذَلِك {وَمَن كَانَ غَنِيّاً} عَن مَال الْيَتِيم {فَلْيَسْتَعْفِفْ} بغناه عَن مَال الْيَتِيم وَلَا يرزأ أَي لَا ينقص مِنْهُ شَيْئا {وَمَن كَانَ فَقِيراً} مُحْتَاجا {فَلْيَأْكُلْ} من الَّذِي لَهُ {بِالْمَعْرُوفِ} بالتقدير لكَي لَا يحْتَاج إِلَى مَال الْيَتِيم وَيُقَال فَليَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ بِقدر مَا يعْمل فِي مَال الْيَتِيم وَيُقَال فَليَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ بالقرض ليرد عَلَيْهِ {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} بعد الرشد وَالْبُلُوغ {فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ} عِنْد الدّفع {وَكفى بِاللَّه حَسِيباً} شَهِيدا نزلت فِي ثَابت بن رِفَاعَة الْأنْصَارِيّ

7

ثمَّ ذكر نصيب الرِّجَال وَالنِّسَاء من الْمِيرَاث لأَنهم كَانُوا لَا يُعْطون النِّسَاء وَالصبيان من الْمِيرَاث شَيْئا فَقَالَ {لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ} حَظّ {مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَان وَالْأَقْرَبُونَ} فِي الرَّحِم {وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَان وَالْأَقْرَبُونَ} فِي الرَّحِم {مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ} يَقُول إِن كَانَ الْمِيرَاث قَلِيلا كَانَ أَو كثيرا {نَصِيباً مَّفْرُوضاً} حظاً مَعْلُوما قَلِيلا كَانَ أَو كثيرا وَلم يبين كم هُوَ تمّ بَين بعد ذَلِك نزلت فِي أم كحة وبناتها كَانَ لَهُنَّ عَم لَا يعطيهن شَيْئا

8

{وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَة} عِنْد قسْمَة الْمِيرَاث {أُوْلُواْ الْقُرْبَى} قرَابَة الْمَيِّت الَّذِي لَيْسَ بوارث {واليتامى} يتامى الْمُؤمنِينَ قبل الْقِسْمَة {وَالْمَسَاكِين} مَسَاكِين الْمُؤمنِينَ {فارزقوهم مِّنْهُ} أعطوهم من الْمِيرَاث شَيْئا قبل الْقِسْمَة {وَقُولُواْ لَهُمْ} إِن لم يكن الْوَارِث بَالغا {قَوْلاً مَّعْرُوفاً} عدَّة حَسَنَة أَي سأوصيه حَتَّى يعطيك شَيْئا

9

{وليخش الَّذين} يحْضرُون لمريض ويأمرون أَن يُوصي أَكثر من الثُّلُث على أَوْلَاد الْمَرِيض الضَّيْعَة بعد مَوته {لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ} بعد مَوْتهمْ {ذُرِّيَّةً ضِعَافاً} عجزة عَن الْحِيلَة {خَافُواْ عَلَيْهِمْ} الضَّيْعَة وَكَذَلِكَ خَافُوا على أَوْلَاد الْمَيِّت وَيُقَال مر الْمَيِّت مَا كنت آمُر لنَفسك ولتخش على ضَيْعَة أَوْلَادهم كَمَا تخشى على ضَيْعَة أولادك وَكَانُوا يحْضرُون الْمَرِيض وَيَقُولُونَ لَهُ أعْط مَالك لفُلَان وَفُلَان حَتَّى يسْتَغْرق مَاله كُله وَلَا يتْرك لأولاده شَيْئا فنهاهم الله عَن ذَلِك ثمَّ قَالَ {فَلْيَتَّقُواّ الله} فليخشوا الله فِيمَا يأمرونه فَوق الثُّلُث {وَلْيَقُولُواْ} للْمَرِيض {قَوْلاً سَدِيداً} عدلا فِي الْوَصِيَّة

10

{إِنَّ الَّذين يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً} غصبا {إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً} يَعْنِي حَرَامًا وَيُقَال يَجْعَل فِي بطونهم نَارا يَوْم الْقِيَامَة {وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} نَارا وقوداً فِي الْآخِرَة نزلت فِي حَنْظَلَة بن شمردل

11

ثمَّ بَين نصيب الذّكر وَالْأُنْثَى فِي الْمِيرَاث فَقَالَ {يُوصِيكُمُ الله} يبين الله لكم {فِي أَوْلاَدِكُمْ} فِي مِيرَاث أَوْلَادكُم بعد موتكم {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} نصيب الْأُنْثَيَيْنِ {فَإِن كُنَّ نِسَآءً} بَنَات ولد الصلب {فَوْقَ اثْنَتَيْنِ} ابْنَتَيْن أَو أَكثر من بعد ذَلِك (فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ) من المَال {وَإِن كَانَتْ} ابْنة {وَاحِدَةً فَلَهَا النّصْف} من المَال {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدس مِمَّا تَرَكَ} من المَال {إِن كَانَ لَهُ} للْمَيت {وَلَدٌ} ذكر أَو أُنْثَى {فَإِن لَّمْ يَكُنْ لَّهُ} للْمَيت {وَلَدٌ} ذكر أَو أُنْثَى

{وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُث} وَمَا بَقِي فللأب {فَإِن كَانَ لَهُ} للْمَيت {إِخْوَةٌ} من الْأَب وَالأُم أَو من الْأَب أَو من الْأُم {فَلأُمِّهِ السُّدس مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَآ أَوْ دَيْنٍ} من بعد قَضَاء دين على الْمَيِّت واستخراج وَصِيَّة يُوصي بهَا إِلَى الثُّلُث {آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ} أَنْتُم فِي الدُّنْيَا {أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً} فِي الْآخِرَة فِي الدَّرَجَات وَيُقَال فِي الدُّنْيَا فِي الْمِيرَاث {فَرِيضَةً مِّنَ الله} عَلَيْكُم قسْمَة الْمَوَارِيث {إِنَّ الله كَانَ عَلِيماً} بقسمة الْمَوَارِيث {حَكِيماً} فِيمَا بَين نصيب الذّكر وَالْأُنْثَى

12

{وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} من المَال {إِنْ لَّمْ يَكُنْ لَّهُنَّ وَلَدٌ} ذكر أَو أُنْثَى مِنْكُم أَو من غَيْركُمْ {فَإِن كَانَ لَهُنَّ ولد} ذكر أَو أُنْثَى مِنْكُم أَو من غَيْركُمْ {فَلَكُمُ الرّبع مِمَّا تَرَكْنَ} من المَال {مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَآ أَوْ دَيْنٍ} من بعد قَضَاء الدّين عَلَيْهِنَّ واستخراج وَصِيَّة يوصين بهَا إِلَى الثُّلُث {وَلَهُنَّ الرّبع مِمَّا تَرَكْتُمْ} من المَال {إِن لَّمْ يَكُنْ لكم ولد} ذكر أَو أُنْثَى مِنْهُنَّ أَو من غَيْرهنَّ {فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ} ذكر أَو أُنْثَى مِنْهُنَّ أَو من غَيْرهنَّ {فَلَهُنَّ الثّمن مِمَّا تَرَكْتُم} من المَال {مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَآ أَوْ دَيْنٍ} من بعد قَضَاء دين عَلَيْكُم من المَال واستخراج وَصِيَّة توصون بهَا إِلَى الثُّلُث {وَإِن كَانَ رَجُلٌ} لَا ولد لَهُ وَلَا وَالِد لَهُ وَلَا قرَابَة لَهُ من الْوَلَد أَو الْوَالِد {يُورَثُ كَلاَلَةً} يُورث مَاله إِلَى كَلَالَة والكلالة هِيَ الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات من الْأُم {أَو امْرَأَة} أَو كَانَت امْرَأَة مثل ذَلِك وَيُقَال الْكَلَالَة مَا خلا الْوَلَد وَالْوَالِد وَيُقَال الْكَلَالَة هِيَ المَال الَّذِي لَا يَرِثهُ وَالِد وَلَا ولد {وَلَهُ} للْمَيت {أَخٌ أَوْ أُخْتٌ} من أمه {فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدس فَإِن كَانُوا أَكْثَرَ مِن ذَلِك فَهُمْ شُرَكَآءُ فِي الثُّلُث} الذّكر وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاء {مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يوصى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ} من بعد قَضَاء الدّين عَلَيْهِ واستخراج وَصِيَّة يُوصي بهَا إِلَى الثُّلُث {غَيْرَ مُضَآرٍّ} للْوَرَثَة وَهُوَ أَن يُوصي فَوق الثُّلُث {وَصِيَّةً مِّنَ الله} فَرِيضَة من الله عَلَيْكُم قسْمَة الْمَوَارِيث {وَالله عَلِيمٌ} بقسمة الْمَوَارِيث {حَلِيمٌ} فِيمَا يكون بَيْنكُم من الْجَهْل والخيانة فِي قسْمَة الْمَوَارِيث لَا يعجلكم بالعقوبة

13

{تِلْكَ حُدُودُ الله} هَذِه أَحْكَام الله وفرائضه {وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ} فِي قسْمَة الْمَوَارِيث {يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ} بساتين {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا} من تَحت شَجَرهَا ومساكنها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {خَالِدِينَ فِيهَا} يَقُول خَالِدا فِي الْجنَّة لَا يَمُوت وَلَا يخرج مِنْهَا {وَذَلِكَ الْفَوْز الْعَظِيم} النجَاة الوافرة بِالْجنَّةِ

14

{وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ} فِي قسْمَة الْمَوَارِيث {وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ} يتَجَاوَز أَحْكَامه وفرائضه بالميل والجور {يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا} دَائِما فِي النَّار إِلَى مَا شَاءَ الله {وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} يهان بِهِ وَيُقَال شَدِيد

15

{واللاتي يَأْتِينَ الْفَاحِشَة} يَعْنِي الزِّنَا {مِن نِّسَآئِكُمْ} من حرائركم الْمُحْصنَات {فاستشهدوا عَلَيْهِنَّ} على العورتين {أَرْبَعَة مِنْكُم} من أحراركم {فَإِن شهدُوا} كماينبغي {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبيُوت} فاحبسوهن فِي السجْن {حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْت} يمتن فِي السجْن {أَوْ يَجْعَلَ الله لَهُنَّ سَبِيلاً} مخرجا بِالرَّجمِ فنسخ حبس المحصنة بِالرَّجمِ

16

{واللذان يأتيانها}

يَعْنِي الْفَاحِشَة {مِنكُمْ} من أحراركم وَهُوَ الْفَتى والفتاة زَنَيَا {فَآذُوهُمَا} بالسب والتعيير {فَإِن تَابَا} من بعد ذَلِك {وَأَصْلَحَا} فِيمَا بَينهمَا وَبَين الله {فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَآ} عَن السب والتعيير {إِنَّ الله كَانَ تَوَّاباً} متجاوزاً {رَّحِيماً} وَقد نسخ السب والتعيير للفتى والفتاة بجلد مائَة

17

{إِنَّمَا التَّوْبَة} التجاوز {عَلَى الله} من الله {للَّذين يعْملُونَ السوء بِجَهَالَةٍ} بتعمد وَإِن كَانَ جَاهِلا لعقوبته {ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ} من قبل السُّوق والنزع {فَأُولَئِك يَتُوبُ الله عَلَيْهِمْ} يتَجَاوَز الله عَنْهُم {وَكَانَ الله عَلِيماً} بتوبتكم {حَكِيماً} بِقبُول التَّوْبَة قبل المعاينة وَلَا يقبل عِنْد المعاينة وَبعدهَا

18

{وَلَيْسَتِ التَّوْبَة} التجاوز على الله {لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَات حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْت} عِنْد النزع {قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآن وَلاَ الَّذين يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ} يَقُول وَلَا يقبل تَوْبَة الْكفَّار عِنْد المعاينة {أُولَئِكَ} الْكفَّار {أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} وجيعاً نزلت فِي طعمة وَأَصْحَابه الَّذين ارْتَدُّوا

19

{يَا أَيُّهَا الَّذين آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النسآء} نسَاء آبائكم {كَرْهاً} جبرا {وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ} لَا تحبسوهن من التَّزْوِيج نزلت هَذِه الْآيَة فِي كَبْشَة بنت معن الْأَنْصَارِيَّة ومحصن بن أبي قيس الْأنْصَارِيّ وَكَانُوا يَرِثُونَ قبل ذَلِك {ُلِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ آتَيْتُمُوهُنَّ} مِمَّا أعطاهن آباؤكم {إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ} بزنا {مُّبَيِّنَةٍ} بالشهود فاحبسوهن فِي السجْن وَقد نسخ الْحَبْس الْآن بِآيَة الرَّجْم وَقد كَانُوا يَرِثُونَ نسَاء آبَائِهِم كَمَا يَرِثُونَ المَال يَرِثهَا الابْن الْأَكْبَر فَإِن كَانَت امْرَأَة جميلَة غنية دخل بهَا بِلَا مهر وَإِن لم تكن غنية أَو شَابة جميلَة تَركهَا وَلم يدْخل بهَا حَتَّى تفدي نَفسهَا بِمَا لَهَا فنهاهم الله عَن ذَلِك ثمَّ بَين الصُّحْبَة مَعَ النِّسَاء فَقَالَ {وَعَاشِرُوهُنَّ} صاحبوهن {بِالْمَعْرُوفِ} بِالْإِحْسَانِ والجميل {فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ} يَعْنِي كرهتم الصُّحْبَة مَعَهُنَّ {فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً} يَعْنِي الصُّحْبَة مَعَهُنَّ {وَيَجْعَلَ الله فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} يرزقكم الله مِنْهُنَّ ولدا صَالحا

20

{وَإِنْ أَرَدْتُّمُ استبدال زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ} يَقُول إِن أردتم أَن تتزوجوا وَاحِدَة وتطلقوا وَاحِدَة أَو تتزوجوا عَلَيْهَا أُخْرَى {وَآتَيْتُمْ} أعطيتم {إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً} مهْرا {فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ} من الْمهْر {شَيْئاً} غصبا {أَتَأْخُذُونَهُ} يَعْنِي الْمهْر {بُهْتَاناً} حَرَامًا {وَإِثْماً مُّبِيناً} ظلما بيِّناً

21

{وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ} تستحلونه يَعْنِي الْمهْر على وَجه التَّعَجُّب {وَقَدْ أفْضى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} يَقُول وَقد اجْتَمَعْتُمْ فِي لِحَاف وَاحِد بِالْمهْرِ وَالنِّكَاح {وَأَخَذْنَ مِنكُم} يَقُول أَخذ الله مِنْكُم عِنْد النِّكَاح للنِّسَاء {مِّيثَاقاً غَلِيظاً} وثيقاً إمْسَاك بِمَعْرُوف أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان

22

ثمَّ حرم عَلَيْهِم نِكَاح نسَاء آبَائِهِم وَقد كَانُوا يَتَزَوَّجُونَ فِي الْجَاهِلِيَّة نسَاء آبَائِهِم فنهاهم الله عَن ذَلِك فَقَالَ {وَلاَ تَنكِحُواْ} لَا تتزوجوا {مَا نَكَحَ} مَا تزوج {آبَاؤُكُمْ مِّنَ النسآء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} سوى مَا قد مضى فِي الْجَاهِلِيَّة {إِنَّهُ} يَعْنِي تزوجَ نسَاء الْآبَاء {كَانَ فَاحِشَةً} مَعْصِيّة {وَمَقْتاً} بغضاً {وَسَآءَ سَبِيلاً} بئس مسلكاً نزلت فِي مُحصن بن أبي قيس الْأنْصَارِيّ

23

ثمَّ بيَّن مَا حرم عَلَيْهِم من النِّسَاء بالتزوج فَقَالَ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} من النّسَب {وَبَنَاتُكُمْ} من النّسَب {وَأَخَوَاتُكُمْ} من النّسَب من أَي وَجه يكون {وَعَمَّاتُكُمْ} أَخَوَات آبائكم {وَخَالاَتُكُمْ} أَخَوَات أُمَّهَاتكُم {وَبَنَاتُ الْأَخ} من النّسَب من أَي وَجه يكن {وَبَنَاتُ الْأُخْت} من النّسَب من أَي وَجه يكن {وَأُمَّهَاتُكُمُ} وَحرمت عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم أَيْضا {اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ} فِي الْحَوْلَيْنِ {وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرضَاعَة وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ}

اللَّاتِي دَخَلْتُم ببناتهن أَو لم تدْخلُوا بِهن سَوَاء حرَام عَلَيْكُم {وَرَبَائِبُكُمُ} بَنَات نِسَائِكُم {اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} ربيتم فِي بُيُوتكُمْ {مِّن نِّسَآئِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} بأمهاتهن {فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} بأمهاتهن {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} أَن تتزوجوا بناتهن بعد طَلَاق أمهاتهن {وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ} نسَاء أَبْنَائِكُم {الَّذين مِنْ أَصْلاَبِكُمْ} وهم ولد فراشكم {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} بِالنِّكَاحِ حرتين أَو أمتين {إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} سوى مَا قد مضى فِي الْجَاهِلِيَّة {إِنَّ الله كَانَ غَفُوراً} فِيمَا كَانَ مِنْكُم فِي الْجَاهِلِيَّة {رَّحِيماً} فِيمَا يكون مِنْكُم فِي الْإِسْلَام إِذا تبتم

24

{وَالْمُحصنَات} ذَوَات الْأزْوَاج {مِنَ النسآء} حرَام عَلَيْكُم {إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَانُكُمْ} من السبايا فَإِنَّهُنَّ حَلَال لكم وَإِن كَانَ أَزوَاجهنَّ فِي دَار الْحَرْب بعد مَا استبرأتم أرحامهن بِحَيْضَة {كِتَابَ الله عَلَيْكُمْ} فِي كتاب الله عَلَيْكُم حرَام الَّذِي سميت لكم {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} سوى مَا قد بيّنت لكم تَحْرِيمه {أَن تَبْتَغُواْ} تتزوجوا {بِأَمْوَالِكُمْ} إِلَى الْأَرْبَع وَيُقَال أَن تشتروا بأموالكم من الْإِمَاء وَيُقَال أَن تَبْتَغُوا بأموالكم أَن تَطْلُبُوا بأموالكم فزوجهن وَهِي الْمُتْعَة وَقد نسخت الْآن {مُّحْصِنِينَ} يَقُول كونُوا مَعَهُنَّ متزوجين {غَيْرَ مُسَافِحِينَ} غير زانين بِلَا نِكَاح {فَمَا استمتعتم} استنفعتم {بِهِ مِنْهُنَّ} بعد النِّكَاح {فَآتُوهُنَّ} فأعطوهن {أُجُورَهُنَّ} مهورهن كَامِلَة {فَرِيضَةً} من الله عَلَيْكُم أَن تعطوا الْمهْر تَاما {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} وَلَا حرج عَلَيْكُم {فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ} فِيمَا تنقصون وتزيدون فِي الْمهْر بِالتَّرَاضِي {مِن بَعْدِ الْفَرِيضَة} الأولى الَّتِي سميتم لَهَا {إِنَّ الله كَانَ عَلِيماً} فِيمَا أحل لكم الْمُتْعَة {حَكِيماً} فِيمَا حرم عَلَيْكُم الْمُتْعَة وَيُقَال عليماً باضطراركم إِلَى الْمُتْعَة حكيماً فِيمَا حرم عَلَيْكُم الْمُتْعَة

25

{وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً} من لم يجد مِنْكُم مَالا {أَن يَنكِحَ الْمُحْصنَات} الْحَرَائِر {الْمُؤْمِنَات فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم} فتزوجوا مِمَّا ملكت أَيْمَانكُم {مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَات} من الولائد اللَّاتِي فِي أَيدي الْمُؤمنِينَ {وَالله أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ} بمستقر قُلُوبكُمْ على الْإِيمَان {بَعْضُكُمْ مِّن بَعْضٍ} أَي كلكُمْ أَوْلَاد آدم وَيُقَال بَعْضكُم على دين بعض وَقيل بَعْضكُم بِبَعْض {فانكحوهن} فتزوجوا الولائد {بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} مالكيهن {وَآتُوهُنَّ} أعطوهن يَعْنِي الولائد {أُجُورَهُنَّ} مهورهن {بِالْمَعْرُوفِ} فَوق مهر الْبَغي {مُحْصَنَاتٍ} يَقُول تزوجوا الولائد المتعففات {غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ} غير معلنات بِالزِّنَا {وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} فَلَا يكون لَهَا خَلِيل يَزْنِي بهَا فِي السِّرّ {فَإِذَآ أُحْصِنَّ} تَزَوَّجن الولائد {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ} بزنا {فَعَلَيْهِنَّ} على الولائد {نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصنَات} الْحَرَائِر {مِنَ الْعَذَاب} الْجلد {ذَلِكَ} تزوج الولائد حَلَال {لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَت مِنْكُمْ} الزِّنَا والفجور مِنْكُم {وَأَن تَصْبِرُواْ} عَن نِكَاح الولائد {خَيْرٌ لَّكُمْ} تكون أَوْلَادكُم أحراراً {وَالله غَفُورٌ} فِيمَا يكون مِنْكُم من الزِّنَا {رَّحِيمٌ} حِين رخص لكم تزوج الولائد عِنْد الضَّرُورَة

26

{يُرِيدُ الله لِيُبَيِّنَ لَكُمْ} مَا أحل لكم وَيُقَال إِن الصَّبْر عَن تزوج الولائد خير لكم من التَّزَوُّج {وَيَهْدِيَكُمْ} يبين لكم {سُنَنَ الَّذين مِن قَبْلِكُمْ} من أهل الْكتاب وَكَانَ عَلَيْهِم حرَام تزوج الولائد {وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ} يتَجَاوَز عَنْكُم مَا كَانَ مِنْكُم فِي الْجَاهِلِيَّة {وَالله عَلِيمٌ} باضطراركم إِلَى نِكَاح الولائد {حَكِيمٌ} حِين حرم عَلَيْكُم نِكَاحهنَّ إِلَّا عِنْد الضَّرُورَة

27

{وَالله يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} أَن يتَجَاوَز عَنْكُم حِين حرم عَلَيْكُم الزِّنَا وَنِكَاح الْأَخَوَات من الْأَب {وَيُرِيدُ الَّذين يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَات}

الزِّنَا وَنِكَاح الْأَخَوَات من الْأَب وهم الْيَهُود {أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً} أَن تخطئوا خطأ عَظِيما بِنِكَاح الْأَخَوَات من الْأَب لقَولهم إِنَّه حَلَال فِي كتَابنَا

28

{يُرِيدُ الله أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} أَن يهون عَلَيْكُم فِي تزوج الولائد عِنْد الضَّرُورَة {وَخُلِقَ الْإِنْسَان ضَعِيفاً} لَا يصبر عَن أَمر النِّسَاء

29

{يَا أَيُّهَا الَّذين آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ} بالظلم وَالْغَضَب وَشَهَادَة الزُّور وَالْحلف الْكَاذِب وَغير ذَلِك {إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً} إِلَّا أَن يتْرك بَعْضكُم على بعض فِي الشِّرَاء وَالْبيع والمحاباة {عَن تَرَاضٍ} بتراض {مِّنْكُمْ وَلاَ تقتلُوا أَنْفُسَكُمْ} بَعْضكُم بَعْضًا بِغَيْر حق {إِنَّ الله كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} حِين حرم عَلَيْكُم قتل بَعْضكُم بَعْضًا

30

{وَمَن يَفْعَلْ ذَلِك} الْقَتْل وَاسْتِحْلَال المَال {عُدْوَاناً} اعتداء {وَظُلْماً} وجوراً {فَسَوْفَ نُصْلِيهِ} ندخله {نَاراً} فِي الْآخِرَة وَهَذَا وَعِيد لَهُ {وَكَانَ ذَلِك} الدُّخُول وَالْعَذَاب {عَلَى الله يَسِيراً} هيناً

31

{إِن تَجْتَنِبُواْ} إِن تتركوا {كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنهُ} فِي هَذ السُّورَة {نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} ذنوبكم دون الْكَبَائِر من جمَاعَة إِلَى جمَاعَة وَمن جُمُعَة إِلَى جُمُعَة وَمن شهر رَمَضَان إِلَى شهر رَمَضَان {وَنُدْخِلْكُمْ} فِي الْآخِرَة {مُّدْخَلاً كَرِيماً} حسنا وَهِي الْجنَّة

32

{وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ الله بِهِ بَعْضَكُمْ على بَعْضٍ} يَقُول لَا يتَمَنَّى الرجل مَال أَخِيه ودابته وَامْرَأَته وَلَا شَيْئا من الَّذِي لَهُ واسألوا الله من فَضله وَقُولُوا اللَّهُمَّ ارزقنا مثله أَو خيرا مِنْهُ مَعَ التَّفْوِيض وَيُقَال نزلت هَذِه الْآيَة فِي أم سَلمَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقولها للنَّبِي لَيْت الله كتب علينا مَا كتب على الرِّجَال لكَي نؤجر كَمَا تؤجر الرِّجَال فَنهى الله عَن ذَلِك فَقَالَ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فضل الله بِهِ من الْجَمَاعَة وَالْجُمُعَة والغزو وَالْجهَاد وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر بَعْضكُم يَعْنِي الرِّجَال على بعض يَعْنِي النِّسَاء ثمَّ بَين ثَوَاب الرِّجَال وَالنِّسَاء باكتسابهم فَقَالَ {لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ} ثَوَاب {مِّمَّا اكتسبوا} من الْخَيْر {وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ} ثَوَاب {مِّمَّا اكتسبن} من الْخَيْر فِي بُيُوتهنَّ {واسألوا الله مِن فَضْلِهِ} من توفيقه وعصمته {إِنَّ الله كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ} من الْخَيْر وَالشَّر وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب والتوفيق والخذلان {عليما}

33

{وَلِكُلٍّ} يَقُول وَلكُل وَاحِد {جَعَلْنَا} مِنْكُم {مَوَالِيَ} يَعْنِي الْوَرَثَة لكَي يَرث {مِمَّا تَرَكَ} مَا ترك {الْوَالِدَان} من المَال {وَالْأَقْرَبُونَ} فِي الرَّحِم {وَالَّذين عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} شروطكم {فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} أعطوهم شروطهم وَقد نسخت الْآن وَقد كَانُوا يتبنون رجَالًا وغلمانا يجْعَلُونَ لَهُم فِي مَالهم كَمَا لبَعض ولدهم فنسخ الله ذَلِك وَلَيْسَ بمنسوخ إِن أَعْطَاهُم من الثُّلُث نصِيبهم {إِنَّ الله كَانَ على كُلِّ شَيْءٍ} من أَعمالكُم {شَهِيداً} عَالما

34

{الرِّجَال قَوَّامُونَ عَلَى النسآء} مسلطون على أدب النِّسَاء {بِمَا فَضَّلَ الله بَعْضَهُمْ} الرِّجَال بِالْعقلِ وَالْقِسْمَة فِي الْغَنَائِم وَالْمِيرَاث {على بَعْضٍ} يَعْنِي النِّسَاء {وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} يَعْنِي بِالْمهْرِ وَالنَّفقَة الَّتِي عَلَيْهِم دونهن {فالصالحات} يَقُول المحسنات إِلَى أَزوَاجهنَّ {قَانِتَاتٌ} مطيعات لله فِي أَزوَاجهنَّ {حَافِظَاتٌ} لأنفسهن وَمَال أَزوَاجهنَّ {لِّلْغَيْبِ} لغيب أَزوَاجهنَّ {بِمَا حفظ الله} بِحِفْظ لله إياهن بالتوفيق {واللاتي تَخَافُونَ} تعلمُونَ {نُشُوزَهُنَّ} عصيانهن فِي الْمضَاجِع مَعكُمْ {فَعِظُوهُنَّ} بِالْعلمِ وَالْقُرْآن {واهجروهن فِي الْمضَاجِع} حولوا عَنْهُن وُجُوهكُم فِي الْفراش {واضربوهن} ضربا غير مبرح وَلَا شائن {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ} فِي الْمضَاجِع {فَلاَ تَبْغُواْ} فَلَا تَطْلُبُوا {عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً} فِي الْحبّ {إِنَّ الله كَانَ عَلِيّاً} أَعلَى كل شَيْء {كَبِيراً} أكبر كل شَيْء لم يكلفهم ذَلِك فَلَا تكلفوا النِّسَاء مَالا طَاقَة لَهُنَّ بِهِ من الْمحبَّة

35

{وَإِنْ خِفْتُمْ} علمْتُم {شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} مُخَالفَة بَين الرجل وَالْمَرْأَة وَلم تدروا من أَيهمَا {فَابْعَثُوا حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ} من أهل الرجل إِلَى الرجل حَتَّى يسمع كَلَامه وَيعلم ظَالِما هُوَ أَو مَظْلُوما

{وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَآ} من أهل الْمَرْأَة إِلَى الْمَرْأَة حَتَّى يسمع كَلَامهَا وَيعلم ظالمة هِيَ أَو مظلومة {إِن يُرِيدَآ} الحكمان {إِصْلاَحاً} بَين الْمَرْأَة وَالرجل {يُوَفِّقِ الله بَيْنَهُمَآ} بَين الْحكمَيْنِ الْمَرْأَة وَالرجل {إِنَّ الله كَانَ عَلِيماً} بموافقة الْحكمَيْنِ ومخالفتهما {خَبِيراً} بِفعل الْمَرْأَة وَالرجل نزلت من قَوْله الرِّجَال قوامون على النِّسَاء إِلَى هَهُنَا فِي بنت مُحَمَّد بن سَلمَة بلطمة لطمها زَوجهَا أسعد بن الرّبيع لقبل عصيانها فِي الْمضَاجِع فطلبت من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قصاصها من زَوجهَا فَنَهَاهَا الله عَن ذَلِك

36

{واعبدوا الله} وحدوا الله {وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئا} من الْأَوْثَان {وبالوالدين إحسانا} برا بهما {وَبِذِي الْقُرْبَى} أَمر بصلَة الْقَرَابَة {واليتامى} أَمر بِالْإِحْسَانِ إِلَى الْيَتَامَى وَحفظ أَمْوَالهم وَغير ذَلِك {وَالْمَسَاكِين} وحث على صَدَقَة الْمَسَاكِين {وَالْجَار ذِي الْقُرْبَى} جَار بَيْنك وَبَين قرَابَة لَهُ ثَلَاثَة حُقُوق حق الْقَرَابَة وَحقّ الْإِسْلَام وَحقّ الْجوَار {وَالْجَار الْجنب} الْجَار الْأَجْنَبِيّ من قوم آخَرين لَهُ حقان حق الْإِسْلَام وَحقّ الْجوَار {والصاحب بالجنب} الرفيق فِي السّفر لَهُ حقان حق الْإِسْلَام وَحقّ الصُّحْبَة وَيُقَال الصاحب بالجنب الْمَرْأَة فِي الْبَيْت أَمر بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهَا {وَابْن السَّبِيل} أَمر بإكرام الضَّيْف وللضيف ثَلَاثَة أَيَّام حق وَمَا فَوق ذَلِك فَهُوَ صَدَقَة {وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} أَمر بِالْإِحْسَانِ إِلَى الخدم من العبيد وَالْإِمَاء {إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً} فِي مشيته {فَخُوراً} بنعم الله بطراً متكبراً على عباده

37

{الَّذين يَبْخَلُونَ} هم الَّذين يَبْخلُونَ بكتمان صفة مُحَمَّد ونعته كَعْب وَأَصْحَابه {وَيَأْمُرُونَ النَّاس بالبخل} بِالْكِتْمَانِ {وَيَكْتُمُونَ مَآ آتَاهُمُ الله} مَا بيَّن الله لَهُم فِي الْكتاب {مِن فَضْلِهِ} من صفة مُحَمَّد ونعته {وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ} للْيَهُود {عَذَاباً مُّهِيناً} يهانون بِهِ

38

{وَالَّذين} وهم رُؤَسَاء الْيَهُود {يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَآءَ النَّاس} سمعة للنَّاس حَتَّى يَقُولُوا إِنَّهُم على سنة إِبْرَاهِيم ويتفضلون بِأَمْوَالِهِمْ ويعطون {وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّه} وَبِمُحَمَّدٍ وَالْقُرْآن {وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخر} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت وبنعيم الْجنَّة {وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَان لَهُ قَرِيناً} معينا فِي الدُّنْيَا {فَسَآءَ قِرِيناً} بئس القرين لَهُ فِي النَّار

39

{وَمَاذَا عَلَيْهِمْ} على الْيَهُود وَلم يكن عَلَيْهِم شَيْء {لَوْ آمَنُواْ بِاللَّه} وَبِمُحَمَّدٍ وَالْقُرْآن {وَالْيَوْم الآخر} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت ونعيم الْجنَّة {وَأَنْفَقُواْ من مَا رَزَقَهُمُ الله} أَعْطَاهُم الله من المَال فِي سَبِيل الله {وَكَانَ الله بِهِم} باليهود وبمن يُؤمن وبمن لَا يُؤمن مِنْهُم {عَلِيماً}

40

{إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} لَا يتْرك من عمل الْكَافِر مِثْقَال ذرة لينفعه فِي الْآخِرَة ويرضي بِهِ خصماءه {وَإِن تَكُ حَسَنَةً} لِلْمُؤمنِ المخلص بعد رضَا الخصماء {يُضَاعِفْهَا} من وَاحِدَة إِلَى عشرَة {وَيُؤْتِ} ويعط {مِن لَّدُنْهُ} من عِنْده {أَجْراً عَظِيماً} ثَوابًا وافراً فِي الْجنَّة

41

{فَكَيْفَ} يصنع الْكفَّار {إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ} قوم {بِشَهِيدٍ} بِنَبِي يشْهد عَلَيْهِم بالبلاغ {وَجِئْنَا بِكَ} يَا مُحَمَّد {على هَؤُلَاءِ شَهِيداً} وَيُقَال لأمتك شَهِيدا مزكياً معدلاً مُصدقا لَهُم لِأَن أمته يشْهدُونَ للأنبياء على قَومهمْ إِذا جَحَدُوا

42

{يَوْمَئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {يَوَدُّ} يتَمَنَّى {الَّذين كَفَرُواْ} بِاللَّه {وَعَصَوُاْ الرَّسُول} بالإجابة {لَوْ تسوى بِهِمُ الأَرْض} أَي يصيرون تُرَابا مَعَ الْبَهَائِم {وَلاَ يَكْتُمُونَ الله حَدِيثاً} لم يَقُولُوا وَالله رَبنَا مَا كُنَّا مُشْرِكين

43

وَنزل فِي أَصْحَاب مُحَمَّد قبل تَحْرِيم الْخمر قَوْله {يَا أَيُّهَا الَّذين آمَنُواْ} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {لَا تقربُوا الصَّلَاة} فِي مَسْجِد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام {وَأَنْتُمْ سكارى} نشاوى {حَتَّى تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ} مَا يقْرَأ إمامكم فِي الصَّلَاة {وَلاَ جُنُباً} لَا تَأْتُوا الْمَسْجِد جنبا {إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ} إِلَّا ماري الطَّرِيق فِيمَا لَا بُد لكم {حَتَّى تَغْتَسِلُواْ} من الْجَنَابَة {وَإِنْ كُنتُم مرضى} جرحى {أَوْ على سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الغآئط} من مَكَان حدث {أَوْ لاَمَسْتُمُ النسآء} أَو جامعتم النِّسَاء.

{فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً} فتعمدوا إِلَى تُرَاب نظيف {فامسحوا بِوُجُوهِكُمْ} بالضربة الأولى {وَأَيْدِيَكُمْ} بالضربة الثَّانِيَة {إِنَّ الله كَانَ عَفُوّاً} متفضلاً فِيمَا وسع عَلَيْكُم {غَفُوراً} فِيمَا يكون مِنْكُم من التَّقْصِير

44

{أَلَمْ تَرَ} ألم تخبر فِي الْكتاب {إِلَى} عَن {الَّذين أُوتُواْ} أعْطوا {نَصِيباً مِّنَ الْكتاب} علما بِالتَّوْرَاةِ {يَشْتَرُونَ الضَّلَالَة} يختارون الْيَهُودِيَّة {وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيل} أَن تتركوا دين الْإِسْلَام نزلت فِي اليسع وَرَافِع بن حَرْمَلَة حبرين من الْيَهُود دعوا عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه إِلَى دينهما

45

{وَالله أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ} من الْمُنَافِقين وَالْيَهُود {وَكفى بِاللَّه وَلِيّاً} حَافِظًا {وَكفى بِاللَّه نَصِيراً} مَانِعا

46

{مِّنَ الَّذين هَادُواْ} يَعْنِي الْيَهُود مَالك بن الصَّيف وَأَصْحَابه {يُحَرِّفُونَ الْكَلم عَن مَّوَاضِعِهِ} يغيرون صفة مُحَمَّد ونعته بعد بَيَانه فِي التَّوْرَاة ويأتون مُحَمَّدًا {وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا} قَوْلك يَا مُحَمَّد {وَعَصَيْنَا} أَمرك فِي السِّرّ عَنهُ {واسمع} منا يَا مُحَمَّد {غَيْرَ مُسْمَعٍ} غير مُطَاع ومسمع مِنْك فِي السِّرّ {وَرَاعِنَا} اسْمَع منا يَا مُحَمَّد وَكَانَ بلغتهم رَاعنا اسْمَع لاسمعت {ليا بألسنتهم} يحرفُونَ ألسنتهم بالشتم وَالتَّعْبِير {وَطَعْناً فِي الدّين} عَيْبا فِي الْإِسْلَام {وَلَوْ أَنَّهُمْ} يَعْنِي الْيَهُود {قَالُواْ سَمِعْنَا} قَوْلك يَا مُحَمَّد {وَأَطَعْنَا} أَمرك {واسمع} منا {وانظرنا} انْظُر إِلَيْنَا {لَكَانَ خيرا لَهُم} من السب والتعيير {وَأَقْوَمَ} أصوب {وَلَكِن} وَلَكنهُمْ {لَّعَنَهُمُ الله} عذبهم الله بالجزية {بِكُفْرِهِمْ} عُقُوبَة لكفرهم {فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً} وَهُوَ من أسلم مِنْهُم عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه

47

{يَا أَيُّهَآ الَّذين أُوتُواْ الْكتاب} أعْطوا علم التَّوْرَاة بِصفة مُحَمَّد ونعته {آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا} يَعْنِي الْقُرْآن {مُصَدِّقاً} مُوَافقا {لِّمَا مَعَكُمْ} بِالتَّوْحِيدِ وَصفَة مُحَمَّد ونعته {مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً} أَن نغير قُلُوبكُمْ {فَنَرُدَّهَا على أَدْبَارِهَآ} فنردها عَن بصائر الْهدى ويحول وُجُوههم إِلَى الأقفية {أَوْ نَلْعَنَهُمْ} أَو نمسخهم {كَمَا لَعَنَّآ} مسخنا {أَصْحَابَ السبت} قردة {وَكَانَ أَمر الله مَفْعُولا} كَائِنا بأسم بعد نزُول هَذِه الْآيَة عبد الله ابْن سَلام وَأَصْحَابه

48

{إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} إِن مَاتَ عَلَيْهِ {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ} لمن تَابَ {وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّه فَقَدِ افترى} اختلق على الله {إِثْماً} كذبا {عَظِيماً} نزلت فِي وَحشِي قَاتل حَمْزَة عَم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

49

{أَلَمْ تَرَ} ألم تخبر فِي الْكتاب {إِلَى الَّذين} عَن الَّذين {يُزَكُّونَ} يبرئون {أَنْفُسَهُمْ} من الذُّنُوب يَعْنِي الْيَهُود بحير بن عَمْرو ومرحب بن زيد {بل الله يُزكي} يبرىء من الذُّنُوب {مَن يَشَآءُ} من كَانَ أهل لذَلِك {وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً} لَا ينقص من ذنوبهم قدر فتيل وَهُوَ الشَّيْء الَّذِي يكون فِي وسط النواة وَيُقَال هُوَ الْوَسخ الَّذِي تفتل بَين إصبعك

50

{انظُرْ} يَا مُحَمَّد {كَيفَ يَفْتَرُونَ} يختلقون {عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ} لقَولهم مَا نعمل بِالنَّهَارِ من الذُّنُوب يغفره الله لنا بِاللَّيْلِ وَمَا نعمل بِاللَّيْلِ يغفره بِالنَّهَارِ {وَكفى بِهِ} بزعمهم هَذَا بِاللَّه بِمَا قَالُوا {إِثْماً مُّبِيناً} كذبا بَينا

51

{أَلَمْ تَرَ} ألم تخبر يَا مُحَمَّد {إِلَى الَّذين} عَن الَّذين {أُوتُواْ} أعْطوا {نَصِيباً مِّنَ الْكتاب} علما بِالتَّوْرَاةِ بنعتك وصفتك وَآيَة الرَّجْم وَمَا يشبهها مَالك بن الصَّيف وَأَصْحَابه وَكَانُوا سبعين رجلا {يُؤْمِنُونَ بالجبت} حييّ بن أَخطب {والطاغوت} كَعْب بن الْأَشْرَف {وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ} كفار مَكَّة {هَؤُلاءِ} كفار مَكَّة {أهْدى} أصوب {مِنَ الَّذين آمَنُواْ}

بِمُحَمد وَالْقُرْآن وَدينه {سَبِيلاً} أصوب دينا مقدم ومؤخر

52

{أُولَئِكَ الَّذين لَعَنَهُمُ الله} عذبهم الله بالجزية {وَمَن يَلْعَنِ الله} يعذبه فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة {فَلَن تَجِدَ لَهُ} يَا مُحَمَّد {نَصِيراً} مَانِعا من عَذَابه

53

{أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ} لَو كَانَ للْيَهُود نصيب {مِّنَ الْملك فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ} لَا يُعْطون {النَّاس} يَعْنِي مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه {نَقِيراً} قدر النقير وَهُوَ النقرة الَّتِي على ظهر النواة

54

{أَمْ يَحْسُدُونَ} بل يحسدون {النَّاس} يَعْنِي مُحَمَّدًا {على مَآ آتَاهُمُ الله مِن فَضْلِهِ} على مَا أعطَاهُ الله من الْكتاب والنبوة وَكَثْرَة النِّسَاء {فَقَدْ آتَيْنَآ} أعطينا {آلَ إِبْرَاهِيمَ} دَاوُد وَسليمَان {الْكتاب وَالْحكمَة} الْعلم والفهم والنبوة {وَآتَيْنَاهُمْ مُّلْكاً عَظِيماً} أكرمناهم بِالنُّبُوَّةِ والإٍسلام وأعطيناهم ملك بني إِسْرَائِيل فَكَانَ لداود مائَة امْرَأَة مهرية ولسليمان سَبْعمِائة سَرِيَّة وثلثمائة امْرَأَة مهرية

55

{فَمِنْهُمْ} من الْيَهُود {مَّنْ آمَنَ بِهِ} بِكِتَاب دَاوُد وَسليمَان {وَمِنْهُمْ مَّن صَدَّ عَنْهُ} كفر بِهِ {وَكفى} لكعب وَأَصْحَابه {بِجَهَنَّمَ سَعِيراً} نَارا وقودا

56

{إِنَّ الَّذين كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {سَوْفَ} وَهَذَا وَعِيد لَهُم {نُصْلِيهِمْ} ندخلهم {نَاراً} فِي الْآخِرَة {كُلَّمَا نَضِجَتْ} احترقت {جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا} جددنا جُلُودهمْ {لِيَذُوقُواْ الْعَذَاب} لكَي يَجدوا ألم الْعَذَاب {إِنَّ الله كَانَ عَزِيزاً} بالنقمة مِنْهُم {حَكِيماً} حكم عَلَيْهِم بتبديل الْجُلُود

57

ثمَّ نزل فِي الْمُؤمنِينَ فَقَالَ {وَالَّذين آمَنُواْ} بِمُحَمد وَالْقُرْآن وَجُمْلَة الْكتب وَالرسل {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم بالإخلاص {سَنُدْخِلُهُمْ} فِي الْآخِرَة {جَنَّاتٍ} بساتين {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا} من تَحت شَجَرهَا وسورها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَاللَّبن وَالْعَسَل وَالْمَاء {خَالِدِينَ فِيهَآ} مقيمين فِي الْجنَّة لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا {أَبَداً لَّهُمْ فِيهَآ} فِي الْجنَّة {أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ} من الْحيض والأدناس {وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً} كُنَّا كنيناً وَيُقَال ظلاً ظليلاً ممدوداً

58

ثمَّ نزل فِي شَأْن الْمِفْتَاح الَّذِي أَخذه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من عُثْمَان بن طَلْحَة بأمانة الله فَأمر الله رَسُوله برد الْأَمَانَة إِلَى أَهلهَا فَقَالَ {إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الْأَمَانَات} أَن تردوا الْمِفْتَاح {إِلَى أَهلهَا} إِلَى عُثْمَان ابْن طَلْحَة {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاس} بَين عُثْمَان ابْن طَلْحَة وعباس بن عبد الْمطلب {أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ} أَن تردوا الْمِفْتَاح إِلَى عُثْمَان والسقاية إِلَى الْعَبَّاس {إِنَّ الله نِعِمَّا يَعِظُكُمْ} نعم مَا يَأْمُركُمْ {بِهِ} من رد الْأَمَانَات وَالْعدْل {إِنَّ الله كَانَ سَمِيعاً} بمقالة الْعَبَّاس أَعْطِنِي الْمِفْتَاح مَعَ السِّقَايَة يَا رَسُول الله {بَصِيراً} بصنع عُثْمَان بن طَلْحَة حَيْثُ منع الْمِفْتَاح ثمَّ قَالَ خُذ بأمانة الله حَقي يَا رَسُول الله

59

{يَا أَيُّهَا الَّذين آمَنُواْ} عُثْمَان بن طَلْحَة وَأَصْحَابه {أَطِيعُواْ الله} فِيمَا أَمركُم {وَأَطِيعُواْ الرَّسُول} فِيمَا يَأْمُركُمْ {وَأُوْلِي الْأَمر مِنْكُمْ} أُمَرَاء السَّرَايَا وَيُقَال الْعلمَاء {فَإِن تَنَازَعْتُمْ} اختلفتم {فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله} إِلَى كتاب الله {وَالرَّسُول} وَسنة الرَّسُول {إِن كُنتُمْ} إِذْ كُنْتُم {تُؤْمِنُونَ بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر} الْبَعْث بعد الْمَوْت {ذَلِك} الرَّد إِلَى كتاب الله وَسنة الرَّسُول {خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} عَاقِبَة

60

{أَلَمْ تَرَ} ألم تخبر يَا مُحَمَّد {إِلَى الَّذين} عَن الَّذين {يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ} يَعْنِي الْقُرْآن

{وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ} يَعْنِي التَّوْرَاة {يُرِيدُونَ} عِنْد الْخُصُومَة {أَن يتحاكموا إِلَى الطاغوت} إِلَى كَعْب بن الْأَشْرَف {وَقَدْ أمروا} فِي الْقُرْآن {أَن يكفروا بِهِ} ان يتبرءوا مِنْهُ {وَيُرِيدُ الشَّيْطَان أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً} عَن الْحق وَالْهدى نزلت فِي رجل من الْمُنَافِقين يُسمى بشرا الَّذِي قَتله عمر بن الْخطاب كَانَ لَهُ خُصُومَة مَعَ رجل من الْيَهُود

61

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ} لحاطب بن أبي بلتعة الْمُنَافِق الَّذِي كَانَ لَهُ خُصُومَة مَعَ الزبير بن الْعَوام ابْن عمَّة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {تَعَالَوْاْ إِلَى مَآ أَنزَلَ الله} إِلَى حكم مَا أنزل الله فِي الْقُرْآن {وَإِلَى الرَّسُول} إِلَى حكم الرَّسُول {رَأَيْتَ الْمُنَافِقين} يَعْنِي حَاطِب بن أبي بلتعة {يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً} يعرضون عَن حكمك إعْرَاضًا مَعَه إِلَى الشدق

62

فَقَالَ {فَكَيْفَ} يصنعون على وَجه التَّعَجُّب {إِذَآ أَصَابَتْهُمْ مُّصِيبَةٌ} عُقُوبَة {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} بلي الشدق {ثمَّ جاؤوك} بعد ذَلِك {يحلفُونَ بِاللَّه} يَعْنِي حَاطِبًا حلف بِاللَّه {إِنْ أَرَدْنَآ} مَا أردنَا بلي الشدق {إِلاَّ إِحْسَاناً} فِي الْكَلَام {وَتَوْفِيقاً} صَوَابا

63

{أُولَئِكَ الَّذين} يَعْنِي الَّذِي لوى شدقه على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {يَعْلَمُ الله مَا فِي قُلُوبِهِمْ} يَعْنِي مَا فِي قلبه من النِّفَاق وَهُوَ حَاطِب بن أبي بلتعة وَيُقَال فَكيف يصنعون أَي أهل مَسْجِد الضرار إِذا أَصَابَتْهُم مُصِيبَة عُقُوبَة بِمَا قدمت أَيْديهم ببنائهم مَسْجِد الضرار ثُمَّ جَآءُوكَ بعد ذَلِك يَحْلِفُونَ بِاللَّه يَعْنِي ثَعْلَبَة وحاطباً حلفا بِاللَّه إِن أردنَا بِبِنَاء الْمَسْجِد إِلَّا إحساناً إِلَى الْمُؤمنِينَ وتوفيقاً مُوَافقَة فِي الدّين أَن تبْعَث إِلَيْنَا فَقِيها أُولَئِكَ الَّذين بنوا مَسْجِد الضرار يعلم الله مَا فِي قُلُوبهم من النِّفَاق وَالْخلاف {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} اتركهم وَلَا تعاقبهم فِي هَذِه الْمرة {وَعِظْهُمْ} بلسانك لكَي لَا يَفْعَلُوا مرّة أُخْرَى {وَقُل لَّهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً} تقدم إِلَيْهِم تقدماً وثيقاً فِي الْوَعيد إِن فَعلْتُمْ كَذَا أفعل بكم كَذَا

64

{وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ} ذَلِك الرَّسُول {بِإِذْنِ الله} بِأَمْر الله لَا ليعْمَل بِخِلَاف أمره ويلوى عَلَيْهِ الشدق برد حكمه {وَلَوْ أَنَّهُمْ} يَعْنِي أهل مَسْجِد الضرار وحاطباً {إِذ ظلمُوا أَنْفُسَهُمْ} بلي الشدق وَبِنَاء مَسْجِد الضرار {جاؤوك} للتَّوْبَة {فاستغفروا الله} فتابوا إِلَى الله من صنيعهم {واستغفر لَهُمُ الرَّسُول} دَعَا لَهُم الرَّسُول {لَوَجَدُواْ الله تَوَّاباً} متجاوزاً {رَّحِيماً} بهم بعد التَّوْبَة

65

{فَلاَ وَرَبِّكَ} أقسم بِنَفسِهِ وبعمر مُحَمَّد {لاَ يُؤْمِنُونَ} فِي السِّرّ وَلَا يسْتَحقُّونَ اسْم الْإِيمَان فِي السِّرّ {حَتَّى يُحَكِّمُوكَ} حَتَّى يجعلوك حَاكما {فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} فِيمَا الْتبس بَينهم وَيُقَال فِيمَا اخْتلف بَينهم من الحكم {ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنْفُسِهِمْ} فِي قُلُوبهم {حَرَجاً} شكا {مِّمَّا قَضَيْتَ} بَينهم {وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً} يخضعوا لَك خضوعا

66

{وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ} أَوجَبْنَا عَلَيْهِم كَمَا أَوجَبْنَا على بني إِسْرَائِيل {أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَو اخْرُجُوا من دِيَاركُمْ} من مَنَازِلكُمْ صفرا {مَّا فَعَلُوهُ} بِطيبَة النَّفس {إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ} من المخلصين رئيسهم ثَابت بن قيس بن شماس الْأنْصَارِيّ {وَلَوْ أَنَّهُمْ} يَعْنِي الْمُنَافِقين {فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ} يؤمرون {بِهِ} من التَّوْبَة وَالْإِخْلَاص {لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ} فِي الْآخِرَة مِمَّا هم عَلَيْهِ فِي السِّرّ {وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً} حَقِيقَة فِي الدُّنْيَا

67

{وَإِذاً} لَو فعلوا مَا أمروا بِهِ {لآتَيْنَاهُمْ} لأعطيناهم {مِّن لَّدُنَّآ} من عندنَا {أَجْراً عَظِيماً} ثَوابًا وافراً فِي الْجنَّة

68

{وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً} لثبتناهم فِي الدُّنْيَا على دين قَائِم نرضاه وَهُوَ الْإِسْلَام

69

{وَمَن يُطِعِ الله وَالرَّسُول} نزلت هَذِه الْآيَة فِي ثَوْبَان مولى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقَوْله أَخَاف أَن لَا أَلْقَاك فِي الْآخِرَة يَا رَسُول الله وَرَآهُ رَسُول الله متغيراً لَونه وَكَانَ يُحِبهُ حبا شَدِيدا لَا يكَاد يصبر عَنهُ فَذكر الله كرامته فَقَالَ {وَمن يطع الله} فِي الْفَرَائِض وَالرَّسُول فِي السّنَن {فَأُولَئِك} فِي الْجنَّة {مَعَ الَّذين أَنْعَمَ الله} من الله {عَلَيْهِم من النَّبِيين} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَغَيره {وَالصديقين} أفاضل أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

{والشهدآء} الَّذين اسْتشْهدُوا فِي سَبِيل الله {وَالصَّالِحِينَ} صالحي أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً} مرافقة فِي الْجنَّة

70

{ذَلِك} المرافقة مَعَ النَّبِيين وَالصديقين وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ {الْفضل مِنَ الله} الْمَنّ من الله {وَكفى بِاللَّه عَلِيماً} بحب ثَوْبَان وكرامته فِي الْجنَّة وثوابه

71

ثمَّ علم خُرُوجهمْ فِي سَبِيل الله فَقَالَ {يَا أَيُّهَا الَّذين آمَنُواْ} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {خُذُواْ حِذْرَكُمْ} من عَدوكُمْ وَلَا تخْرجُوا مُتَفَرّقين {فانفروا} وَلَكِن اخْرُجُوا {ثبات} جماعات سَرِيَّة سَرِيَّة {أَوِ انفروا جَمِيعاً} أَو اخْرُجُوا كلكُمْ مَعَ نَبِيكُم

72

{وَإِنَّ مِنْكُمْ} يَا معشر الْمُؤمنِينَ {لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ} يَقُول ليتثاقلن عَن الْخُرُوج فِي سَبِيل الله عبد الله بن أبي وينتظر مَا يُصِيبكُم فِي السّريَّة {فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ} فِي السّريَّة {مُّصِيبَةٌ} الْقَتْل والهزيمة والشدة {قَالَ} عبد الله بن أبي {قَدْ أَنْعَمَ الله} من الله {عَلَيَّ} بِالْجُلُوسِ {إِذْ لَمْ أَكُنْ مَّعَهُمْ} فِي تِلْكَ السّريَّة {شَهِيداً} حَاضرا

73

{وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ} فِي تِلْكَ السّريَّة {فَضْلٌ} فتح وغنيمة {من الله ليَقُولن} عبد الله ابْن أبي {كَأَن لَّمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ} صلَة فِي الدّين وَمَعْرِفَة فِي الصُّحْبَة مقدم ومؤخر {يَا لَيْتَني كُنتُ} فِي الْغُزَاة {مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً} فأصيب غَنَائِم كَثِيرَة وحظا وافر

74

ثمَّ أَمرهم بِالْقِتَالِ فِي سَبِيل الله وَإِن كَانُوا منافقين فَقَالَ {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ الله} فِي طَاعَة الله {الَّذين يشرون الْحَيَاة الدُّنْيَا بِالآخِرَة} يختارون الدُّنْيَا على الْآخِرَة وَيُقَال نزلت هَذِه الْآيَة فِي المخلصين فليقاتل فِي سَبِيل الله فِي طَاعَة الله الَّذين يشرون الْحَيَاة الدُّنْيَا بِالآخِرَة يبيعون الدُّنْيَا بِالآخِرَة ويختارون الْآخِرَة على الدُّنْيَا ثمَّ ذكر ثوابهم فَقَالَ {وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ الله} فِي طَاعَة الله {فَيُقْتَلْ} يستشهد {أَو يَغْلِبْ} يظفر على الْعَدو {فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ} نُعْطِيه فِي كلا الْوَجْهَيْنِ {أَجْراً عَظِيماً} ثَوابًا وافراً فِي الْجنَّة

75

ثمَّ ذكر كراهيتهم الْقِتَال فِي سَبِيل الله فَقَالَ {وَمَا لَكُمْ} يَا معشر الْمُؤمنِينَ {لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيل الله} فِي طَاعَة الله مَعَ أهل مَكَّة {وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَال والنسآء والولدان} الصّبيان {الَّذين يَقُولُونَ} بِمَكَّة {رَبَّنَآ} يَا رَبنَا {أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِه الْقرْيَة} يَعْنِي مَكَّة {الظَّالِم أَهْلُهَا} الْمُشرك أَهلهَا {وَاجعَل لَّنَا مِن لَّدُنْكَ} من عنْدك {وَلِيّاً} حَافِظًا يعنون عتاب بن أسيد {وَاجعَل لَّنَا مِن لَّدُنْكَ} من عنْدك {نَصِيراً} مَانِعا فَاسْتَجَاب الله دعاءهم وَجعل لَهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ناصراً وعتاباً وليا

76

ثمَّ ذكر قِتَالهمْ فِي سَبِيل الله فَقَالَ {الَّذين آمَنُواْ} مُحَمَّد وَأَصْحَابه {يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله وَالَّذين كَفَرُواْ} أَبُو سُفْيَان وَأَصْحَابه {يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطاغوت} فِي طَاعَة الشَّيْطَان {فَقَاتلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَان} جند الشَّيْطَان {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَان} صنع الشَّيْطَان ومكره {كَانَ ضَعِيفاً} بالخذلان لَا يخذلهم كَمَا خذلهم يَوْم بدر

77

ثمَّ ذكر كراهيتهم لِلْخُرُوجِ مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالموافاة إِلَى بدر الصُّغْرَى فَقَالَ {أَلَمْ تَرَ} ألم تخبر يَا مُحَمَّد {إِلَى الَّذين} عَن الَّذين {قِيلَ لَهُمْ} قلت لَهُم بِمَكَّة لعبد الرَّحْمَن بن عَوْف الزُّهْرِيّ وَسعد بن أبي وَقاص الزُّهْرِيّ وَقُدَامَة بن مَظْعُون الجُمَحِي ومقداد بن الْأسود الْكِنْدِيّ وَطَلْحَة بن عبد الله التَّيْمِيّ {كفوا أَيْدِيَكُمْ} عَن الْقَتْل وَالضَّرْب فَإِنِّي لم أومر بِالْقِتَالِ {وَأَقِيمُواْ الصَّلَاة} أَتموا الصَّلَوَات الْخمس بوضوئها وركوعها وسجودها وَمَا يجب فِيهَا من مواقيتها {وَآتُواْ الزَّكَاة} أعْطوا زَكَاة أَمْوَالكُم {فَلَمَّا كُتِبَ} فرض {عَلَيْهِمُ} بِالْمَدِينَةِ {الْقِتَال} الْجِهَاد فِي سَبِيل الله {إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ} طَائِفَة مِنْهُم طَلْحَة بن عبد الله {يَخْشَوْنَ النَّاس} يخَافُونَ أهل مَكَّة {كَخَشْيَةِ الله} كخوفهم من الله {أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً} بل أَكثر خوفًا

{وَقَالُواْ رَبَّنَا} يَا رَبنَا {لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَال} قد أوجبت علينا الْجِهَاد فِي سَبِيلك {لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} هلا عافيتنا {إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} إِلَى الْمَوْت {قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {مَتَاعُ الدُّنْيَا} مَنْفَعَة الدُّنْيَا {قَلِيلٌ} فِي الْآخِرَة {وَالْآخِرَة} ثَوَاب الْآخِرَة {خَيْرٌ} أفضل {لِّمَنِ اتَّقى} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش {وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً} لَا ينقص من حسناتهم قدر فتيل وَهُوَ الشَّيْء الَّذِي يكون فِي شقّ النواة وَيُقَال هُوَ الْوَسخ الَّذِي يكون بَين أصابعك إِذا قتلت

78

{أَيْنَمَا تَكُونُواْ} يَا معشر الْمُؤمنِينَ المخلصين وَالْمُنَافِقِينَ فِي بر أَو بَحر سفر أَو حضر {يُدْرِككُّمُ الْمَوْت} فتموتوا {وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ} فِي قُصُور حَصِينَة ثمَّ ذكر مقَالَة الْيَهُود وَالْمُنَافِقِينَ مَا زلنا نَعْرِف النَّقْص فِي ثمارنا ومزارعنا مُنْذُ قدم علينا مُحَمَّد وَأَصْحَابه فَقَالَ {وَإِن تُصِبْهُمْ} يَعْنِي الْمُنَافِقين وَالْيَهُود {حَسَنَةٌ} الخصب وَرخّص السّعر وتتابع السّنة بالأمطار {يَقُولُواْ هَذِه مِنْ عِندِ الله} لما علم فِينَا الْخَيْر {وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} الْقَحْط والجدوبة والشدة وَغَلَاء السّعر {يَقُولُواْ هَذِه مِنْ عِندِكَ} يعنون من شُؤْم مُحَمَّد وَأَصْحَابه {قُلْ} يَا مُحَمَّد لِلْمُنَافِقين وَالْيَهُود {كُلٌّ} فِي الشدَّة وَالنعْمَة {مِّنْ عِنْد الله فَمَا لهَؤُلَاء الْقَوْم} يَعْنِي الْمُنَافِقين وَالْيَهُود {لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً} قولا إِن النِّعْمَة والشدة من الله

79

ثمَّ ذكر بِمَاذَا تصيبهم النِّعْمَة والشدة فَقَالَ {مَّآ أَصَابَكَ} يَا مُحَمَّد {مِنْ حَسَنَةٍ} من خصب وَرخّص السّعر وتتابع السّنة بالأمطار {فَمِنَ الله} فَمن نعْمَة الله عَلَيْك خَاطب بِهِ مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعنى بِهِ قومه {وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ} من قحط وجدوبة وَغَلَاء السّعر {فَمِن نَّفْسِكَ} فلقبل طَهَارَة نَفسك بطهرك بذلك وَيُقَال مَا أَصَابَك من حَسَنَة من فتح وغنيمة فَمن الله فَمن كَرَامَة الله وَمَا أَصَابَك من سَيِّئَة من قتل وهزيمة مثل يَوْم أحد فَمن نَفسك فبذنب أَصْحَابك بتركهم المركز وَيُقَال مَا أَصَابَك من حَسَنَة مَا عملت من خير فَمن الله توفيقه وعونه وَمَا أَصَابَك من سَيِّئَة مَا عملت من شَرّ فَمن نَفسك فَمن قبل جِنَايَة نَفسك خذلانه {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ} إِلَى الْجِنّ وَالْإِنْس {رَسُولاً} بالبلاغ {وَكفى بِاللَّه شَهِيداً} على مقالتهم إِن الْحَسَنَة من الله والسيئة من شُؤْم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه وَيُقَال وَكفى بِاللَّه شَهِيدا على قَوْلهم ائتنا بِشَهِيد يشْهد بأنك رَسُول الله

80

فَلَمَّا نزل {وَمَا أرسلنَا من رَسُول إِلَّا ليطاع بِإِذن الله} قَالَ عبد الله بن أبي يَأْمُرنَا مُحَمَّد أَن نطيعه دون الله فَنزل فِيهِ {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُول} فِيمَا يَأْمُرهُ {فَقَدْ أَطَاعَ الله} لِأَن الرَّسُول لَا يَأْمر إِلَّا بِمَا أَمر الله {وَمَن تولى} عَن طَاعَة الرَّسُول {فَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِم حفيظا} كَفِيلا

81

{وَيَقُولُونَ} يَعْنِي الْمُنَافِقين عبد الله ابْن أبي وَأَصْحَابه {طَاعَةٌ} أَمرك طَاعَة يَا مُحَمَّد مر بِمَا شِئْت نفعله {فَإِذَا بَرَزُواْ} خَرجُوا {مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ} غيرت {طَآئِفَةٌ} فريق {مِّنْهُمْ} من الْمُنَافِقين {غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ} تَأمر {وَالله يَكْتُبُ} يحفظ عَلَيْهِم {مَا يُبَيِّتُونَ} مَا يغيرون من أَمرك {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} وَلَا تعاقبهم {وَتَوَكَّلْ عَلَى الله} ثق بِاللَّه فِيمَا يصلحون {وَكفى بِاللَّه وَكِيلاً} كَفِيلا بالنصرة والدولة لَك عَلَيْهِم

82

{أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآن} أَفلا يتفكرون فِي الْقُرْآن أَنه يشبه بعضه بَعْضًا وَيصدق بعضه بَعْضًا وَفِيه مَا أَمرهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ الله} وَلَو كَانَ هَذَا الْقُرْآن من أحد غير الله {لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلَافا كَثِيراً} تناقضاً كثيرا لَا يشبه بعضه بَعْضًا

83

ثمَّ ذكر خِيَانَة الْمُنَافِقين فَقَالَ {وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْن} خبر من أَمر الْعَسْكَر أَو الْفَتْح أَو الْغَنِيمَة أصروا عَلَيْهِ حسداً مِنْهُم {أَوِ الْخَوْف} وَإِن جَاءَ خبر خوف من الْعَسْكَر أَو الْقَتْل أَو الْهَزِيمَة {أَذَاعُواْ بِهِ} فثوا بِهِ {وَلَوْ رَدُّوهُ} لَو تركُوا خبر الْعَسْكَر {إِلَى الرَّسُول} حَتَّى يُخْبِرهُمْ الرَّسُول {وَإِلَى أُوْلِي الْأَمر مِنْهُمْ} إِلَى ذَوي الْعقل واللب

مِنْهُم من الْمُؤمنِينَ يَعْنِي أَبَا بكر وَأَصْحَابه {لَعَلِمَهُ} يَعْنِي الْخَبَر الْحق {الَّذين يَسْتَنْبِطُونَهُ} يبتغونه أَي يطْلبُونَ الْخَبَر {مِنْهُمْ} من أبي بكر وَأَصْحَابه {وَلَوْلاَ فَضْلُ الله} منّ الله {عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} بالتوفيق والعصمة {لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَان} كلكُمْ {إِلاَّ قَلِيلاً} مِنْهُم لَا يفشون إِلَّا بِالْخَيرِ

84

ثمَّ أَمر نبيه بِالْجِهَادِ فِي سَبِيل الله إِلَى بدر الصُّغْرَى فَقَالَ {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ الله} فِي طَاعَة الله {لاَ تُكَلَّفُ} لَا تُؤمر بذلك {إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ} حضّض {الْمُؤمنِينَ} على الْخُرُوج مَعَك {عَسَى الله} وَعَسَى من الله وَاجِب {أَن يَكُفَّ} يمْنَع {بَأْسَ} قتال {الَّذين كَفَرُواْ} كفار مَكَّة {وَالله أَشَدُّ بَأْساً} عذَابا {وَأَشَدُّ تَنكِيلاً} عُقُوبَة

85

ثمَّ ذكر ثَوَاب من آمن وعقوبة من كفر يَعْنِي أَبَا بكر وَأَبا جهل فَقَالَ {مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً} يوحد أَو يصلح بَين اثْنَيْنِ {يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا} أجر من الْحَسَنَة {وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً} يُشْرك أَو ينم {يَكُنْ لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا} وزر مِنْهَا من السَّيئَة {وَكَانَ الله على كُلِّ شَيْءٍ} من الْحَسَنَة والسيئة {مُّقِيتاً} مقتدراً مجازياً وَيُقَال على قوت كل شَيْء مقتدراً

86

{وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ} إِذا سلم عَلَيْكُم بِسَلام {فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ} فردوها بِأَفْضَل مِنْهَا فِي الزِّيَادَة على أهل دينكُمْ وملتكم {أَوْ رُدُّوهَآ} مثل مَا سلم عَلَيْكُم على غير أهل دينكُمْ {إِنَّ الله كَانَ على كُلِّ شَيْءٍ} من السَّلَام وَالرَّدّ {حَسِيباً} مجازياً وشهيداً نزلت فِي قوم بخلوا بِالسَّلَامِ

87

ثمَّ وحد نَفسه فَقَالَ {الله لَا إِلَه إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ} وَالله ليجمعنكم {إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة} ليَوْم الْقِيَامَة فِي الْبَعْث {لاَ رَيْبَ فِيهِ} لَا شكّ فِيهِ {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ الله حَدِيثا} قولا

88

ثمَّ نزلت فِي عشر نفر من الْمُنَافِقين الَّذين ارْتَدُّوا عَن الْإِسْلَام وَرَجَعُوا من الْمَدِينَة إِلَى مَكَّة فَقَالَ {فَمَا لَكُمْ} يَا معشر الْمُؤمنِينَ صرتم {فِي الْمُنَافِقين} الَّذين ارْتَدُّوا عَن الْإِسْلَام {فِئَتَيْنِ} فرْقَتَيْن فرقة تحل أَمْوَالهم ودماءهم وَفرْقَة تحرم {وَالله أَرْكَسَهُمْ} ردهم إِلَى الشّرك {بِمَا كسبوا} بنفاقهم وخبث نياتهم {أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ} أَن ترشدوا إِلَى دين الله {مَنْ أَضَلَّ الله} عَن دينه {وَمَن يُضْلِلِ الله} عَن دينه {فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً} دينا وَلَا حجَّة

89

{وَدُّواْ} تمنوا {لَوْ تَكْفُرُونَ} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ} مَعَهم {سَوَآءً} شرعا فِي دين الشّرك {فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَآءَ} فِي الدّين والعون والنصرة {حَتَّى يُهَاجِرُواْ} حَتَّى يُؤمنُوا مرّة أُخْرَى ويهاجروا {فِي سَبِيلِ الله} فِي طَاعَة الله {فَإِنْ تَوَلَّوْاْ} عَن الْإِيمَان وَالْهجْرَة {فَخُذُوهُمْ} فأسروهم {واقتلوهم حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} فِي الْحل وَالْحرَام {وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيّاً} فِي الدّين والعون والنصرة {وَلاَ نَصِيراً} مَانِعا

90

ثمَّ اسْتثْنى فَقَالَ {إِلاَّ الَّذين يَصِلُونَ} يرجعُونَ يَعْنِي من الْعشْرَة {إِلَى قَوْمٍ} يَعْنِي قوم هِلَال بن عُوَيْمِر الْأَسْلَمِيّ {بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ} عهد وَصلح {أَو جاؤوكم} وَقد جاءوكم يَعْنِي قوم هِلَال {حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} ضَاقَتْ قُلُوبهم من شدَّة النَّفَقَة بِسَبَب الْعَهْد {أَن يُقَاتِلُوكُمْ} لقبل الْعَهْد {أَوْ يُقَاتِلُواْ قَوْمَهُمْ} لقبل الْقَرَابَة {وَلَوْ شَآءَ الله لَسَلَّطَهُمْ} يَعْنِي قوم هِلَال بن عُوَيْمِر {عَلَيْكُمْ} يَوْم فتح مَكَّة {فَلَقَاتَلُوكُمْ} مَعَ قَومهمْ {فَإِنِ اعتزلوكم} تركوكم {فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ} مَعَ قَومهمْ يَوْم فتح مَكَّة {وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السّلم} خضعوا لكم بِالصُّلْحِ وَالْوَفَاء {فَمَا جَعَلَ الله لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً} حجَّة بِالْقَتْلِ

91

{سَتَجِدُونَ آخَرِينَ} من غَيرهم من غير قوم هِلَال أَسد أَو غطفان {يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ} أَن يأمنوا مِنْكُم على أنفسهم وَأَمْوَالهمْ وأهاليهم بِلَا إِلَه إِلَّا الله {وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ} من قَومهمْ بالْكفْر {كُلَّ مَا ردوا إِلَى الْفِتْنَة} دعوا إِلَى الشّرك {أُرْكِسُواْ فِيِهَا} رجعُوا إِلَيْهِ {فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ} فَإِن لم يتركوكم يَوْم فتح مَكَّة {ويلقوا إِلَيْكُمُ السّلم}

وَلم يخضعوا لكم بِالصُّلْحِ {ويكفوا أَيْدِيَهُمْ} وَلم يكفوا أَيْديهم عَن قتالكم يَوْم فتح مَكَّة {فَخُذُوهُمْ} وَأسرُوهُمْ {واقتلوهم حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} وَجَدْتُمُوهُمْ فِي الْحل وَالْحرم {وأولئكم} يَعْنِي أسداً وغَطَفَان {جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً} حجَّة بَيِّنَة بِالْقَتْلِ

92

{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ} مَا جَازَ لمُؤْمِن عَيَّاش بن أبي ربيعَة {أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً} حَارِث بن زيد {إِلَّا خطأ} وَلَا خطأ {وَمن قتل مُؤمنا خطأ} بخطأ {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ} فَعَلَيهِ عتق رَقَبَة مُؤمنَة بِاللَّه وَرَسُوله {وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ} كَامِلَة {إِلَى أَهْلِهِ} تُؤَدّى إِلَى أَوْلِيَاء الْمَقْتُول {إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ} إِلَّا أَن يصدق أَوْلِيَاء الْمَقْتُول بِالدِّيَةِ على الْقَاتِل {فَإِن كَانَ} الْمَقْتُول {مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ} حَرْب لكم {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} يَعْنِي الْمَقْتُول {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ} فعلى الْقَاتِل عتق رَقَبَة مُؤمنَة بِاللَّه وَرَسُوله وَلَيْسَ عَلَيْهِ الدِّيَة وَكَانَ الْحَارِث من قوم كَانُوا حَربًا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَإِن كَانَ} الْمَقْتُول {مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ} عهد وَصلح {فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ} كَامِلَة {إِلَى أَهْلِهِ} تُؤَدّى إِلَى أَوْلِيَاء الْمَقْتُول {وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ} وَعَلِيهِ عتق رَقَبَة مُوَحدَة مصدقة بتوحيد الله {فَمَن لَّمْ يَجِدْ} التَّحْرِير {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابعين} فَعَلَيهِ صِيَام شَهْرَيْن متواصلين لَا يفرق فِي صِيَامه بَين يَوْمَيْنِ {تَوْبَةً مِّنَ الله} تجاوزاً من الله لقَاتل الْخَطَأ إِن فعل ذَلِك {وَكَانَ الله عَلِيماً} بِقَاتِل الْخَطَأ {حَكِيماً} فِيمَا حكم عَلَيْهِ

93

ثمَّ نزل فِي شَأْن مقيس ابْن حبابة قَاتل رَسُول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الفِهري بعد أَخذه دِيَة أَخِيه هِشَام بن ضَبَابَة وارتد بعد ذَلِك عَن دينه وَرجع إِلَى مَكَّة كَافِرًا فَنزل فِيهِ {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً} بقتْله {فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ} بقتْله {خَالِداً فِيهَا} بشركه {وَغَضِبَ الله عَلَيْهِ} بِأَخْذِهِ الدِّيَة {وَلَعَنَهُ} بقتْله غير قَاتل أَخِيه {وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} شَدِيدا بجرأته على الله

94

ثمَّ نزل فِي شَأْن أُسَامَة بن زيد قَاتل مرداس بن نهيك الْفَزارِيّ وَكَانَ مُؤمنا فَنزل فِيهِ {يَا أَيُّهَا الَّذين آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ} خَرجْتُمْ {فِي سَبِيلِ الله} فِي الْجِهَاد {فَتَبَيَّنُواْ} تحققوا حَتَّى يتَبَيَّن لكم الْمُؤمن من الْكَافِر {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ ألْقى إِلَيْكُمُ السَّلَام} لمن أسمعكم لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله مَعَ السَّلَام {لَسْتَ مُؤْمِناً} فَتَقْتُلُونَهُ {تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاة الدُّنْيَا} تطلبون بذلك مَا كَانَ مَعَه من الْغَنَائِم {فَعِنْدَ الله مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ} ثَوَاب كثير لمن ترك قتل الْمُؤمن {كَذَلِك كُنتُم} فِي قومكم تأمنون من الْمُؤمنِينَ من مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه بِلَا إِلَه إِلَّا الله {مِّن قَبْلُ} من قبل الْهِجْرَة {فَمَنَّ الله عَلَيْكُمْ} بِالْهِجْرَةِ من بَين الْكَافرين {فَتَبَيَّنُواْ} فتثبتوا يَقُول قفوا حَتَّى لَا تقتلُوا مُؤمنا {إِنَّ الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ} من الْقَتْل وَغَيره {خَبِيراً}

95

ثمَّ بيّن ثَوَاب الْمُجَاهدين فَقَالَ {لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤمنِينَ} عَن الْجِهَاد {غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَر} الشدَّة والضعف بِالْبدنِ وَالْبَصَر مثل عبد الله بن أم مَكْتُوم وَعبد الله بن جحش الْأَسدي بِخُرُوج أنفسهم {وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله بِأَمْوَالِهِمْ} بِنَفَقَة أَمْوَالهم {وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ الله الْمُجَاهدين بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى القاعدين} بِغَيْر الضَّرَر {دَرَجَةً} فَضِيلَة {وَكُلاًّ} كلا الْفَرِيقَيْنِ الْمُجَاهدين والقاعدين {وَعَدَ الله الْحسنى} الْجنَّة بِالْإِيمَان {وَفَضَّلَ الله الْمُجَاهدين} بِالْجِهَادِ

{عَلَى القاعدين} بِغَيْر عذر {أَجْراً عَظِيماً} ثَوابًا وافراً فِي الْجنَّة

96

{دَرَجَاتٍ مِّنْهُ} فَضَائِل من الله فِي الدَّرَجَات {وَمَغْفِرَةً} للذنوب {وَرَحْمَةً} من الْعَذَاب {وَكَانَ الله غَفُوراً} لمن تَابَ عَن الْقعُود وَخرج إِلَى الْجِهَاد {رَّحِيماً} لمن مَاتَ على التَّوْبَة

97

ثمَّ نزل فِي شَأْن النَّفر الَّذين قعدوا يَوْم بدر وَكَانُوا خمسين رجلا ارْتَدُّوا عَن الْإِسْلَام فَقتل عامتهم فَقَالَ {إِنَّ الَّذين تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَة} قبضتهم الْمَلَائِكَة يَوْم بدر {ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} بالشرك {قَالُواْ} قَالَت لَهُم الْمَلَائِكَة حِين الْقَبْض {فِيمَ كُنتُمْ} مَاذَا كُنْتُم تَصْنَعُونَ بِمَكَّة {قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ} مقهورين ذليلين {فِي الأَرْض} فِي أَرض مَكَّة فِي أَيدي الْكفَّار {قَالُوا} قَالَت لَهُم الْمَلَائِكَة {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله} أَرض الْمَدِينَة {وَاسِعَةً} آمِنَة {فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا} إِلَيْهَا {فَأُولَئِك} النَّفر {مَأْوَاهُمْ} مصيرهم {جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً} صَار إِلَيْهِ

98

ثمَّ بَين أهل الْعذر فَقَالَ {إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَال} الشُّيُوخ الضُّعَفَاء {والنسآء والولدان} الصّبيان {لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً} حِيلَة الْخُرُوج {وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً} لَا يعْرفُونَ طَرِيقا

99

{فَأُولَئِك عَسَى الله} وَعَسَى من الله وَاجِب {أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ} فِيمَا كَانَ مِنْهُم {وَكَانَ الله عَفُوّاً} لما كَانَ مِنْهُم {غَفُوراً} لمن تَابَ مِنْهُم

100

{وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} فِي طَاعَة الله {يَجِدْ فِي الأَرْض} فِي أَرض الْمَدِينَة {مُرَاغَماً} محولاً وملجأ {كَثِيراً وَسَعَةً} فِي الْمَعيشَة وأمنانزلت هَذِه الْآيَة فِي أَكْثَم بن صَيْفِي ثمَّ نزلت فِي جُنْدُب بن ضَمرَة شيخ كَانَ بِمَكَّة هَاجر من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة فأدركه الْمَوْت بِالتَّنْعِيمِ ثَوَابه مثل ثَوَاب الْمُهَاجِرين فَمَاتَ حميدا فَنزلت فِيهِ {وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ} بِمَكَّة {مُهَاجِراً إِلَى الله} إِلَى طَاعَة الله {وَرَسُولِهِ} إِلَى رَسُوله بِالْمَدِينَةِ {ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْت} بِالتَّنْعِيمِ {فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ} وَجب ثَوَاب هجرته {عَلىَ الله وَكَانَ الله غَفُوراً} لما كَانَ مِنْهُ فِي الشّرك {رَّحِيماً} بِمَا كَانَ مِنْهُ فِي الْإِسْلَام

101

{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ} سافرتم {فِي الأَرْض} فِي سَبِيل الله {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ} مأثم {أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلَاة} من صَلَاة الْمُقِيم {إِنْ خِفْتُمْ} علمْتُم {أَن يَفْتِنَكُمُ} أَن يقتلكم {الَّذين كفرُوا} فِي الصَّلَاة {إِنَّ الْكَافرين كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً} ظَاهر الْعَدَاوَة وَهِي صَلَاة الْخَوْف

102

ثمَّ بَين كَيفَ يصلونَ فَقَالَ {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ} مَعَهم شَهِيدا {فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاة} فأقمت لَهُم فِي الصَّلَاة فَكبر وليكبروا مَعَك {فَلْتَقُمْ} فلتكن {طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ مَّعَكَ} فِي الصَّلَاة {وليأخذوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ} ركعوا رَكْعَة وَاحِدَة {فَلْيَكُونُواْ} فليرجعوا {مِن وَرَآئِكُمْ} إِلَى مصَاف أَصْحَابهم بِإِزَاءِ الْعَدو {وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى} الَّتِي بِإِزَاءِ الْعَدو {لَمْ يُصَلُّواْ} مَعَك الرَّكْعَة الأولى {فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ} الرَّكْعَة الثَّانِيَة {وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ} من عدوهم {وَأَسْلِحَتَهُمْ} وليأخذوا سِلَاحهمْ مَعَهم {وَدَّ} تمنى {الَّذين كَفَرُواْ} يَعْنِي بني أَنْمَار {لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ} فتنسونها {وَأَمْتِعَتِكُمْ} تخلون مَتَاع الْحَرْب

{فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ} يحملون عَلَيْكُم {مَّيْلَةً وَاحِدَةً} حَملَة وَاحِدَة فِي الصَّلَاة ثمَّ رخص لَهُم فِي وضع السِّلَاح فَقَالَ {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} لَا حرج عَلَيْكُم {إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ} شدَّة من مطر {أَوْ كُنتُم مرضى} جرحى {أَن تضعوا أَسْلِحَتَكُمْ} سلاحكم {وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ} من عَدوكُمْ {إِنَّ الله أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ} بني أَنهَار {عَذَاباً مُّهِيناً} يهانون بِهِ وَيُقَال شَدِيدا

103

{فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاة} فَإِذا فَرَغْتُمْ من صَلَاة الْخَوْف {فاذكروا الله} فصلوا لله {قِيَاماً} للصحيح {وَقُعُوداً} للْمَرِيض {وعَلى جُنُوبِكُمْ} للجريح وَالْمَرِيض {فَإِذَا اطمأننتم} رجعتم إِلَى مَنَازِلكُمْ وَذهب عَنْكُم الْخَوْف {فَأَقِيمُواْ الصَّلَاة} فَأتمُّوا الصَّلَاة أَرْبعا {إِنَّ الصَّلَاة كَانَتْ} صَارَت {عَلَى الْمُؤمنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً} مَفْرُوضًا مَعْلُوما فِي السّفر والحضر للْمُسَافِر رَكْعَتَانِ وللمقيم أَربع

104

ثمَّ حثهم على طلب أبي سُفْيَان وَأَصْحَابه بعد يَوْم أحد فَقَالَ {وَلاَ تَهِنُواْ} لَا تعجزوا وَلَا تضعفوا {فِي ابتغآء الْقَوْم} فِي طلب أبي سُفْيَان وَأَصْحَابه {إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ} تتوجعون بالجراحة {فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ} يتوجعون بالجراحة {كَمَا تَأْلَمونَ} تتوجعون بالجراحة {وَتَرْجُونَ مِنَ الله} ثَوَابه وتخافون عَذَابه {مَا لاَ يَرْجُونَ} ذَلِك {وَكَانَ الله عَلِيماً} بجراحتكم {حَكِيماً} حكم عَلَيْكُم بابتغاء الْقَوْم

105

ثمَّ بيَّن قصَّة طعمة بن أُبَيْرِق سَارِق الدرْع واليهودي زيد بن سمين الَّذِي رمي بِالسَّرقَةِ فَقَالَ {إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكتاب} جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ {بِالْحَقِّ} لتبيان الْحق وَالْبَاطِل {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاس} بِالْحَقِّ بَين طعمة وَزيد بن سمين {بِمَآ أَرَاكَ الله} بِمَا علمك الله فِي الْقُرْآن وَبَين {وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ} بِالسَّرقَةِ يَعْنِي طعمة {خَصِيماً} معينا

106

{واستغفر الله} تب إِلَى الله من همك بِضَرْب الْيَهُودِيّ زيد بن سمين {إِنَّ الله كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً} لمن مَاتَ على التَّوْبَة وَيُقَال غَفُورًا لذنبك الَّذِي هَمَمْت بِهِ رحِيما بك

107

{وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذين يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ} بِالسَّرقَةِ {إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً} خائناً بِالسَّرقَةِ {أَثِيماً} فَاجِرًا بِالْحلف الْكَاذِب والبهتان على البرىء

108

{يَسْتَخْفُونَ} يستحون {مِنَ النَّاس} بِالسَّرقَةِ {وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ الله} لَا يستحون من الله {وَهُوَ مَعَهُمْ} عَالم بهم {إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يرضى مِنَ القَوْل} يَقُول يؤلفون وَيَقُولُونَ من القَوْل مَا لَا يُرْضِي الله وَلَا يرضونه مقدم ومؤخر {وَكَانَ الله بِمَا يَعْمَلُونَ} وَيَقُولُونَ {محيطا} عَالما

109

{هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ} أَنْتُم يَا قوم طعمة يَعْنِي بني ظفر {جَادَلْتُمْ} خاصمتم {عَنْهُمْ} عَن طعمة {فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ الله} يُخَاصم الله {عَنْهُمْ} عَن طعمة يَوْمَ الْقِيَامَة {أَمْ مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ} على طعمة {وَكِيلاً} كَفِيلا من عَذَاب الله

110

{وَمن يعْمل سوءا} سَرقَة {أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ} بِالْحلف الْبَاطِل والبهتان على البريء {ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ الله} يتب إِلَى الله {يَجِدِ الله غَفُوراً} لذنوبه {رَّحِيماً} حَيْثُ قبل تَوْبَته

111

{وَمَن يَكْسِبْ إِثْماً} سَرقَة وَيحلف بِاللَّه كَاذِبًا {فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ} عُقُوبَته {على نَفْسِهِ وَكَانَ الله عليما}

يَعْنِي بسارق الدرْع {حَكِيماً} حكم عَلَيْهِ بِالْقطعِ

112

{وَمن يكْسب خَطِيئَة} سَرقَة {أَوْ إِثْماً} أَو يحلف بِاللَّه كَاذِبًا {ثُمَّ يَرْمِ بِهِ} بِمَا سرق {بَرِيئاً} زيد بن سمين {فَقَدِ احْتمل} فقد أوجب على نَفسه {بُهْتَاناً} عُقُوبَة بهتان عَظِيم {وَإِثْماً مُّبِيناً} وعقوبة ذَنْب بيِّن

113

{وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكَ} منّ الله عَلَيْك بِالنُّبُوَّةِ {وَرَحْمَتُهُ} بإرسال جِبْرِيل إِلَيْك {لَهَمَّتْ} أضمرت وأرادت {طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ} من قوم طعمة {أَن يُضِلُّوكَ} أَن يخطئوك عَن الحكم {وَمَا يُضِلُّونَ} عَن الحكم {إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ} بِشَيْء لِأَن مضرته على من شهد بالزور {وَأَنزَلَ الله عَلَيْكَ الْكتاب} جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ {وَالْحكمَة} بيَّن فِيهِ الْحَلَال وَالْحرَام وَالْقَضَاء {وَعَلَّمَكَ} بِالْقُرْآنِ من الْأَحْكَام وَالْحُدُود {مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} قبل الْقُرْآن {وَكَانَ فَضْلُ الله عَلَيْكَ عَظِيما} بِالنُّبُوَّةِ

114

{لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ} من نجوى قوم طعمة {إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ} حث على صَدَقَة الْمَسَاكِين {أَوْ مَعْرُوفٍ} أَو قرض لإِنْسَان {أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاس} بَين طعمة وَزيد ابْن سمين الْيَهُودِيّ {وَمَن يَفْعَلْ ذَلِك} الصَّدَقَة وَالْقَرْض والإصلاح {ابتغآء مَرْضَاتِ الله} طلب رضَا الله {فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ} نُعْطِيه {أَجْراً عَظِيماً} ثَوابًا وافراً فِي الْجنَّة

115

{وَمَن يُشَاقِقِ} يُخَالف {الرَّسُول} فِي التَّوْحِيد وَالْحكم وَهُوَ طعمة {مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهدى} التَّوْحِيد وَالْحكم وَهُوَ طعمة {وَيَتَّبِعْ} يتَّخذ {غَيْرَ سَبِيلِ} دين {الْمُؤمنِينَ} يخْتَر على دين الْمُؤمنِينَ دين أهل مَكَّة الشّرك {نُوَلِّهِ مَا تولى} نتركه إِلَى مَا اخْتَار فِي الدُّنْيَا {وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ} فِي الْآخِرَة {وَسَآءَتْ مَصِيراً} صَار إِلَيْهِ

116

{إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} إِن مَاتَ عَلَيْهِ مثل طعمة {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِك} دون الشّرك {لِمَن يَشَآءُ} لمن كَانَ أَهلا لذَلِك {وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّه فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً} عَن الْهدى

117

{إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ} مَا يعبد أهل مَكَّة من دون الله {إِلاَّ إِنَاثاً} أصناماً بِلَا روح اللات والعزى وَمَنَاة {وَإِن يَدْعُونَ} مَا يعْبدُونَ {إِلاَّ شَيْطَاناً مَّرِيداً} متمرداً شَدِيدا

118

{لَّعَنَهُ الله} طرده الله من كل خير {وَقَالَ} إِبْلِيس {لأَتَّخِذَنَّ} لأستولين ولأستزلن {مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً} حظاً مَعْلُوما فَمَا أطيع فِيهِ فَهُوَ مفروضه مأموره وَيُقَال من كل ألف تِسْعمائَة وتسع وَتسْعُونَ فِي النَّار

119

{وَلأُضِلَّنَّهُمْ} عَن الْهدى {وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ} لأرجينهم أَن لَا جنَّة وَلَا نَار {وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ} فليشققن {آذَانَ الْأَنْعَام} وَهِي الْبحيرَة {وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ الله} دين الله {وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَان} يعبد الشَّيْطَان {وَلِيّاً} رَبًّا {مِّن دُونِ الله فَقَدْ خَسِرَ} غبن {خُسْرَاناً مُّبِيناً} غبناً بَينا بذهاب الدُّنْيَا وَالْآخِرَة

120

{يَعِدُهُمْ} الشَّيْطَان أَن لَا جنَّة وَلَا نَار {وَيُمَنِّيهِمْ} يرجيهم أَن الدُّنْيَا لَا تفنى {وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَان إِلاَّ غُرُوراً}

بَاطِلا وكذبا

121

{أُولَئِكَ} الْكفَّار {مَأْوَاهُمْ} مصيرهم {جَهَنَّمُ وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصاً} مفراً وملجأ

122

{وَالَّذين آمَنُواْ} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ} بساتين {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا} من تَحت غرفها ومساكنها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَاللَّبن وَالْعَسَل {خَالِدِينَ فِيهَا} مقيمين فِي الْجنَّة لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا {أَبَداً وَعْدَ الله} فِي جَهَنَّم وَالْجنَّة {حَقّاً} كَائِنا صدقا) {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ الله قِيلاً} وَعدا

123

{لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ} لَيْسَ كَمَا تمنيتم يَا معشر الْمُؤمنِينَ أَن لَا تؤاخذوا بِسوء بعد الْإِيمَان {وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكتاب} وَلَا كَمَا تمنى أهل الْكتاب لقَولهم مَا نعمل بِالنَّهَارِ من الذُّنُوب يغْفر بِاللَّيْلِ وَمَا نعمل بِاللَّيْلِ يغْفر بِالنَّهَارِ {من يعْمل سوءا} شرا {يُجْزَ بِهِ} الْمُؤمن فِي الدُّنْيَا أَو بعد الْمَوْت قبل دُخُول الْجنَّة وَالْكَافِر فِي الْآخِرَة قبل دُخُول النَّار أَو بعد دُخُول النَّار {وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ الله} من عَذَاب الله {وَلِيّاً} قَرِيبا يَنْفَعهُ {وَلاَ نَصِيراً} مَانِعا يمنعهُ

124

{وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينه وَبَين ربه {مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} من رجال أَو نسَاء {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} وَهُوَ مَعَ ذَلِك مُؤمن مُصدق بإيمانه {فَأُولَئِك يَدْخُلُونَ الْجنَّة وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً} لَا ينقص من حسناتهم قدر نقير وَهُوَ النقرة الَّتِي على ظهر النواة

125

{وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً} أحكم دينا وَأحسن قولا {مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ} أخْلص دينه وَعَمله لله {وَهُوَ مُحْسِنٌ} موحد محسن بالْقَوْل وَالْفِعْل {واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً} مُسلما {وَاتخذ الله إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} مصافياً

126

{وَللَّه مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض} من الْخلق والعجائب كلهم عبيده وإماؤه {وَكَانَ الله بِكُلِّ شَيْءٍ} من أهل السَّمَوَات وَالْأَرْض {محيطا} عَالما

127

{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النسآء} يَسْأَلُونَك فِي مِيرَاث النِّسَاء سَأَلَهُ ذَلِك عُيَيْنَة {قُلِ الله يُفْتِيكُمْ} يبين لكم {فِيهِنَّ} فِي ميراثهن {وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} وَيبين مَا قرىء عَلَيْكُم {فِي الْكتاب} فِي أول هَذِه السُّورَة {فِي يتامى النِّسَاء} فِي بَنَات أم كحة {اللَّاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ} لَا تعطونهن {مَا كُتِبَ لَهُنَّ} ماوجب لَهُنَّ من الْمِيرَاث وَقد بيَّن الله هَذِه الْآيَة فِي أول هَذِه السُّورَة {وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ} يَعْنِي ترغبون عَن نِكَاحهنَّ لقبل دمامتهن فأعطوهن أموالهن لكَي ترغبوا فِي نِكَاحهنَّ لقبل مالهن {وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْولدَان} وَيبين لكم مِيرَاث الصّبيان {وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ} وَيبين لكم أَن تقوموا بِحِفْظ مَال الْيَتَامَى بِالْقِسْطِ بِالْعَدْلِ {وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ} من إِحْسَان إِلَى هَؤُلَاءِ {فَإِنَّ الله كَانَ بِهِ} وبنياتكم {عَلِيماً}

128

{وَإِنِ امْرَأَة} يَعْنِي عميرَة {خَافَتْ مِن بَعْلِهَا} علمت من زَوجهَا أسعد بن الرّبيع {نُشُوزاً} ترك مجامعتها {أَوْ إِعْرَاضاً} ترك محادثتها ومجالستها {فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَآ} على الزَّوْج وَالْمَرْأَة {أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا} يَعْنِي بَين الْمَرْأَة وَالزَّوْج {صُلْحاً} مَعْلُوما ترْضى بِهِ الْمَرْأَة عَن الزَّوْج {وَالصُّلْح} على رضَا الْمَرْأَة {خَيْرٌ} من الْجور والميل {وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفس الشُّح} جبلت الْأَنْفس على الشُّح وَالْبخل فتبخل بِنَصِيب زَوجهَا وَيُقَال طمعها يجرها إِلَى أَن ترْضى {وَإِن تُحْسِنُواْ} تسووا بَين الشَّابَّة والعجوز فِي الْقِسْمَة وَالنَّفقَة {وَتَتَّقُواْ} الْجور والميل {فَإِنَّ الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ} من الْجور والميل {خَبِيراً}

129

{وَلَن تستطيعوا أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النسآء}

فِي الْحبّ {وَلَوْ حَرَصْتُمْ} جهدتم {فَلاَ تَمِيلُواْ} بِالْبدنِ {كُلَّ الْميل} إِلَى الشَّابَّة {فَتَذَرُوهَا} الْأُخْرَى يَعْنِي الْمَرْأَة الْعَجُوز {كالمعلقة} كالمسجونة لَا أيم وَلَا ذَات بعل {وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ} تسووا وتتقوا الْميل والجور {فَإِنَّ الله كَانَ غَفُوراً} لمن تَابَ من الْميل والجور {رَّحِيماً} على من مَاتَ على التَّوْبَة

130

{وَإِن يَتَفَرَّقَا} يَعْنِي الْمَرْأَة وَالزَّوْج بِالطَّلَاق {يُغْنِ الله كُلاًّ} يَعْنِي الزَّوْج وَالْمَرْأَة {مِّن سَعَتِهِ} من رزقه الزَّوْج بِامْرَأَة أُخْرَى وَالْمَرْأَة بِزَوْج آخر {وَكَانَ الله وَاسِعاً} لَهما فِي النِّكَاح {حَكِيماً} فِيمَا حكم عَلَيْهِمَا من الْعدْل وَكَانَ لأسعد بن ربيع امْرَأَة أُخْرَى شَابة يمِيل إِلَيْهَا فَنَهَاهُ الله عَن ذَلِك وَأمره بالتسوية بَين الْعَجُوز والشابة

131

{وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَات} من الخزائن {وَمَا فِي الأَرْض} من الخزائن وَغير ذَلِك {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذين أُوتُواْ الْكتاب} أعْطوا الْكتاب {مِن قَبْلِكُمْ} يَعْنِي أهل التَّوْرَاة فِي التَّوْرَاة وَأهل الْإِنْجِيل فِي الْإِنْجِيل وَأهل كل كتاب فِي كِتَابهمْ {وَإِيَّاكُمْ} يَا أمة مُحَمَّد فِي كتابكُمْ {أَنِ اتَّقوا الله} أطِيعُوا الله {وَإِن تَكْفُرُواْ} بِاللَّه {فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَات} من الْمَلَائِكَة جنود {وَمَا فِي الأَرْض} من الْجِنّ وَالْإِنْس وَغير ذَلِك جنود {وَكَانَ الله غَنِيّاً} عَن إيمَانكُمْ {حَمِيداً} لمن وحد وَيُقَال مَحْمُودًا فِي أَفعاله يشْكر الْيَسِير وَيجْزِي الجزيل

132

{وَللَّه مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض} من الْخلق {وَكفى بِاللَّه وَكِيلاً} رَبًّا

133

{إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ} يهلككم {أَيُّهَا النَّاس وَيَأْتِ بِآخَرِينَ} يخلق خلقا خيرا مِنْكُم وأطوع لله {وَكَانَ الله على ذَلِك} على إهلاككم وتخليق غَيْركُمْ {قَدِيرًا}

134

{مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا} مَنْفَعَة الدُّنْيَا بِعَمَلِهِ الَّذِي افترضه الله عَلَيْهِ {فَعِندَ الله ثَوَابُ الدُّنْيَا} فليعمل لله فَإِن ثَوَاب الدُّنْيَا {وَالْآخِرَة} بيد الله {وَكَانَ الله سَمِيعاً} لمقالكم {بَصيرًا} بأعمالكم

135

{يَا أَيُّهَا الَّذين آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لله} يَقُول كونُوا قَوْلَيْنِ بِالْعَدْلِ فِي الشَّهَادَة {وَلَوْ على أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدين والأقربين} فِي الرَّحِم {إِن يَكُنْ} الْوَالِدَان {غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَالله أولى بِهِمَا} أَحَق بحقيهما {فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهوى أَن تَعْدِلُواْ} أَن لَا تعالو سوى الشَّهَادَة {وَإِن تَلْوُواْ} تلجلجوا {أَوْ تُعْرِضُواْ} لَا تُقِيمُوا الشَّهَادَة عِنْد الْحُكَّام {فَإِنَّ الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ} من كتمان الشَّهَادَة وإقامتها {خَبِيرا} نزلت فِي مقيس ابْن حبابة كَانَت عِنْده شَهَادَة على أَبِيه

136

{يَا أَيُّهَا الَّذين آمَنُواْ} يَوْم الْمِيثَاق وَكَفرُوا بعد ذَلِك {آمِنُواْ} الْيَوْم {بِاللَّه وَرَسُولِهِ} وَيُقَال سماهم بأسماء آبَائِهِم يَعْنِي يَا أَبنَاء الَّذين آمنُوا نزلت هَذِه الْآيَة فِي عبد الله بن سَلام وَأسد وَأسيد ابْني كَعْب وثعلبة بن قيس وَسَلام ابْن أُخْت عبد الله بن سَلام وَسَلَمَة ابْن أَخِيه ويامين ابْن يَامِين فَهَؤُلَاءِ مؤمنو أهل التَّوْرَاة نزل فيهم يأيها الَّذين آمَنُواْ بمُوسَى والتوراة آمَنُواْ بِاللَّه وَرَسُولِهِ مُحَمَّد {وَالْكتاب الَّذِي نَزَّلَ على رَسُولِهِ} مُحَمَّد يَعْنِي الْقُرْآن {وَالْكتاب الَّذِي أَنزَلَ مِن قَبْلُ} من قبل مُحَمَّد وَالْقُرْآن على سَائِر الْأَنْبِيَاء {وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّه وَمَلآئِكَتِهِ} أَو بملائكته {وَكُتُبِهِ} أَو بكتبه {وَرُسُلِهِ} أَو برسله {وَالْيَوْم الآخر} أَو بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت {فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً} فَلَمَّا نزلت هَذِه الْآيَة دخلُوا فِي الْإِسْلَام

137

ثمَّ نزل فِي الَّذين لم يُؤمنُوا بِمُحَمد وَالْقُرْآن فَقَالَ

{إِنَّ الَّذين آمَنُوا} بمُوسَى {ثُمَّ كَفَرُواْ} بعد مُوسَى {ثمَّ آمنُوا} بعزيز {ثمَّ كفرُوا} بعد عَزِيز بالمسيح {ثُمَّ ازدادوا كُفْراً} ثمَّ استقاموا على الْكفْر بِمُحَمد وَالْقُرْآن {لَّمْ يَكُنِ الله لِيَغْفِرَ لَهُم} مَا اقاموا على ذَلِك {وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً} دينا وصواباً وَطَرِيق هدى

138

ثمَّ نزل فِي الْمُنَافِقين قَوْله {بَشِّرِ الْمُنَافِقين} عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه وَمن يكون إِلَى يَوْم الْقِيَامَة مِنْهُم {بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} وجيعاً يخلص وَجَعه إِلَى قُلُوبهم

139

ثمَّ بيَّن صفتهمْ فَقَالَ {الَّذين يَتَّخِذُونَ الْكَافرين} يَعْنِي الْيَهُود {أَوْلِيَآءَ} فِي العون والنصرة {مِن دُونِ الْمُؤمنِينَ} المخلصين {أَيَبْتَغُونَ} أيطلبون {عِندَهُمُ} عِنْد الْيَهُود {الْعِزَّة} الْقُدْرَة والمنعة {فَإِنَّ الْعِزَّة} المنعة وَالْقُدْرَة {لِلَّهِ جَمِيعاً}

140

{وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكتاب} أَمر لكم فِي الْقُرْآن إِذْ أَنْتُم بِمَكَّة {أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ الله} ذكر مُحَمَّد وَالْقُرْآن {يُكَفَرُ بِهَا} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {فَلاَ تَقْعُدُواْ} فَلَا تجلسوا {مَعَهُمْ} فِي الْخَوْض {حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} حَتَّى يكون خوضهم وحديثهم فِي غير مُحَمَّد وَالْقُرْآن {إِنَّكُمْ إِذاً} إِذا جلستم مَعَهم بِغَيْر كره {مِّثْلُهُمْ} فِي الْخَوْض والاستهزاء {إِنَّ الله جَامِعُ الْمُنَافِقين} مُنَافِق أهل الْمَدِينَة عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه {والكافرين} كفار أهل مَكَّة أبي جهل وَأَصْحَابه وكفار أهل الْمَدِينَة كَعْب وَأَصْحَابه {فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا

141

! ثمَّ بيَّن من هم فَقَالَ {الَّذين يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ} ينتظرون بكم يَعْنِي الدَّوَائِر والشدة {فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ} نصْرَة وغنيمة {مِّنَ الله قَالُوا} يَعْنِي الْمُنَافِقين للمخلصين {أَلَمْ نَكُنْ مَّعَكُمْ} على دينكُمْ أعطونا من الْغَنِيمَة {وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ} للْيَهُود {نَصِيبٌ} دولة {قَالُوا} للْيَهُود {أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ} ألم نفش سر مُحَمَّد إِلَيْكُم ونخبركم بِهِ {وَنَمْنَعْكُمْ مِّنَ الْمُؤمنِينَ} من قتال الْمُؤمنِينَ ونخبر عَنْكُم الْمُؤمنِينَ {فَالله يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ} يَا معشر الْمُنَافِقين وَالْيَهُود {يَوْمَ الْقِيَامَة وَلَن يَجْعَلَ الله لِلْكَافِرِينَ} للْيَهُود {عَلَى الْمُؤمنِينَ سَبِيلاً} دولة دَائِما

142

{إِنَّ الْمُنَافِقين} عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه {يُخَادِعُونَ الله} يكذبُون الله فِي السِّرّ ويخالفونه يظنون أَنهم يخادعون الله {وَهُوَ خَادِعُهُمْ} يَوْم الْقِيَامَة على الصِّرَاط حِين يَقُول الْمُؤْمِنُونَ فِي السّير ارْجعُوا وراءكم فالتمسوا نورا وَقد علمُوا أَنهم لَا يرجعُونَ {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاة} أَتَوا إِلَى الصَّلَاة {قَامُواْ كسَالَى} أَتَوا متثاقلين {يراؤون النَّاس} إِذا رَأَوْا النَّاس أَتَوا وصلوا وَإِذا لم يرَوا لم يَأْتُوا وَلم يصلوا {وَلاَ يَذْكُرُونَ الله} لَا يصلونَ لله {إِلاَّ قَلِيلاً} رِيَاء وَسُمْعَة

143

{مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِك} مترددين بَين الْكفْر وَالْإِيمَان كفر السِّرّ وإيمان الْعَلَانِيَة {لاَ إِلَى هَؤُلَاءِ} لَيْسُوا مَعَ الْمُؤمنِينَ فِي السِّرّ فَيجب لَهُم مَا يجب للْمُؤْمِنين {وَلاَ إِلَى هَؤُلَاءِ} وَلَيْسوا مَعَ الْيَهُود فِي الْعَلَانِيَة فَيجب عَلَيْهِم مَا يجب على الْيَهُود {وَمَن يُضْلِلِ الله} عَن دينه وحجته فِي السِّرّ {فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً} دينا وَلَا حجَّة فِي السِّرّ

144

{يَا أَيُّهَا الَّذين آمَنُواْ} بالعلانية يَعْنِي عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه {لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافرين} يَعْنِي الْيَهُود {أَوْلِيَآءَ} فِي التعزز {مِن دُونِ الْمُؤمنِينَ} المخلصين {أَتُرِيدُونَ} يَا معشر الْمُنَافِقين {أَن تَجْعَلُواْ لِلَّهِ} لرَسُول الله {عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً} حجَّة بَيِّنَة وعذراً بَينا بِالْقَتْلِ

145

{إِنَّ الْمُنَافِقين} عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه {فِي الدَّرك الْأَسْفَل مِنَ النَّار}

فِي النَّار لقبل شرورهم ومكرهم وخيانتهم مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه {وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً} مَانِعا

146

{إِلاَّ الَّذين تَابُواْ} من النِّفَاق وَكفر السِّرّ {وَأَصْلَحُواْ} فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم من الْمَكْر والخيانة {واعتصموا بِاللَّه} تمسكوا بتوحيد الله فِي السِّرّ {وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ} توحيدهم {لِلَّهِ فَأُولَئِك مَعَ الْمُؤمنِينَ} فِي السِّرّ وَيُقَال فِي الْوَعْد وَيُقَال مَعَ الْمُؤمنِينَ فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة وَيُقَال مَعَ الْمُؤمنِينَ فِي الْجنَّة {وَسَوْفَ يُؤْتِ الله} يُعْطي الله {الْمُؤمنِينَ} المخلصين {أَجْراً عَظِيماً} ثَوابًا وافراً فِي الْجنَّة

147

{مَّا يَفْعَلُ الله بِعَذَابِكُمْ} مَا يصنع الله بعذابكم {إِن شَكَرْتُمْ} إِن وحدتم فِي السِّرّ {وَآمَنْتُمْ} صدقتكم بإيمانكم فِي السِّرّ {وَكَانَ الله شَاكِراً} يشْكر الْيَسِير وَيجْزِي الجزيل {عَلِيماً} لمن يشْكر وَلمن لَا يشْكر

148

{لَا يحب الله الْجَهْر بالسوء} بالشتم {مِنَ القَوْل إِلاَّ مَن ظُلِمَ} فقد أذن لَهُ بِالدُّعَاءِ وَيُقَال وَلَا من ظلم {وَكَانَ الله سَمِيعاً} لدعاء الْمَظْلُوم {عَلِيماً} بعقوبة الظَّالِم نزلت فِي أبي بكر شَتمه رجل

149

{إِن تُبْدُواْ خَيْراً} إِن تردوا جَوَابا حسنا {أَوْ تُخْفُوهُ} وَلَا تحتقروا {أَوْ تَعْفُواْ} تتجاوزوا {عَن سوء} عَن مظْلمَة {فَإِنَّ الله كَانَ عَفُوّاً} متجاوزاً للمظلوم {قَدِيراً} بعقوبة الظَّالِم

150

{إِنَّ الَّذين يَكْفُرُونَ بِاللَّه وَرُسُلِهِ} يَعْنِي كَعْبًا وَأَصْحَابه {وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ الله وَرُسُلِهِ} بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام {وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ} بِبَعْض الْكتب وَالرسل {وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ} بِبَعْض الْكتب وَالرسل {وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِك} بَين الْكفْر وَالْإِيمَان {سَبِيلا} دينا

151

{أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً} الْبَتَّةَ {وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ} للْيَهُود وَغَيرهم {عَذَاباً مُّهِيناً} يهانون بِهِ وَيُقَال شَدِيدا

152

{وَالَّذين آمَنُواْ بِاللَّه وَرُسُلِهِ} وَهُوَ عبد الله ابْن سَلام وَأَصْحَابه {وَلَمْ يُفَرِّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ} بَين النبييين وَبَين الله بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام {أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ} نعطيهم {أُجُورَهُمْ} ثوابهم فِي الْآخِرَة {وَكَانَ الله غَفُوراً} لمن تَابَ مِنْهُم {رَّحِيماً} لمن مَاتَ على التَّوْبَة

153

{يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكتاب} كَعْب وَأَصْحَابه {أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ السمآء} جملَة كالتوراة وَيُقَال أَن تنزل عَلَيْهِم كتابا فِيهِ خَيرهمْ وشرهم وثوابهم وعقابهم {فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِك} مِمَّا سألوك {فَقَالُوا أَرِنَا الله جَهْرَةً} مُعَاينَة {فَأَخَذَتْهُمُ الصاعقة} فَأَحْرَقَتْهُمْ النَّار {بِظُلْمِهِمْ} بتكذيبهم مُوسَى وجراءتهم على الله {ثُمَّ اتَّخذُوا الْعجل} عبدُوا الْعجل {مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ الْبَينَات} الْأَمر وَالنَّهْي {فَعَفَوْنَا عَن ذَلِك} تركناهم وَلم نَسْتَأْصِلهُمْ {وَآتَيْنَا} أعطينا {مُوسَى سُلْطَاناً مُّبِيناً} حجَّة بَيِّنَة الْيَد والعصا

154

{ورفعنا فَوْقهم} قلعنا ورفعنا وحبسنا فَوق رُءُوسهم {الطّور} الْجَبَل {بِمِيثَاقِهِمْ} بِأخذ ميثاقهم {وَقُلْنَا لَهُمُ ادخُلُوا الْبَاب} بَاب أرِيحَا {سُجَّداً} ركعا {وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي السبت} يَوْم السبت بِأخذ الْحيتَان

{وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِّيثَاقاً غَلِيظاً} وثيقاً فِي مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

155

{فَبِمَا نَقْضِهِمْ} فبنقضهم {مِّيثَاقَهُمْ} فعلنَا بهم مَا فعلنَا {وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ الله} وبكفرهم بِمُحَمد وَالْقُرْآن ضربت عَلَيْهِم الْجِزْيَة {وَقَتْلِهِمُ} وبقتلهم {الأنبيآء بِغَيْرِ حَقٍّ} بِغَيْر جرم أهلكناهم {وَقَوْلِهِمْ} وبقولهم {قُلُوبُنَا غُلْفٌ} أوعية لكل علم وَهِي لَا تعي كلامك وعلمك {بَلْ طَبَعَ الله عَلَيْهَا} بل لَيْسَ كَمَا قَالُوا وَلَكِن ختم الله على قُلُوبهم {بِكُفْرِهِمْ} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {فَلاَ يُؤْمِنُونَ} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {إِلاَّ قَلِيلاً} عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه

156

{وَبِكُفْرِهِمْ} بِعِيسَى وَالْإِنْجِيل {وَقَوْلِهِمْ} وبقولهم {على مَرْيَمَ بهتانا عَظِيما} وَهِي الْقرْيَة جعلناهم خنازير

157

{وَقَوْلِهِمْ} وبقولهم {إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيح عِيسَى ابْن مَرْيَمَ رَسُولَ الله} أهلك الله صَاحبهمْ تطيانوس {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ} ألقِي شبه عِيسَى على تطيانوس فَقَتَلُوهُ بدل عِيسَى {وَإِنَّ الَّذين اخْتلفُوا فِيهِ} فِي قَتله {لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ} من قَتله {مَا لَهُمْ بِهِ} بقتْله {مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاع الظَّن} وَلَا الظَّن {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً} أَي يَقِينا مَا قَتَلُوهُ

158

{بَل رَّفَعَهُ الله إِلَيْهِ} إِلَى السَّمَاء {وَكَانَ الله عَزِيزاً} بالنقمة من أعدائه {حَكِيماً} بالنصرة لأوليائه نجى نبيه وَأهْلك صَاحبهمْ

159

{وَإِن مِّنْ} وَمَا من {أَهْلِ الْكتاب} الْيَهُود وَالنَّصَارَى أحد {إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ} بِعِيسَى أَنه لم يكن ساحراً وَلَا الله وَلَا ابْنه وَلَا شَرِيكه {قَبْلَ مَوْتِهِ} قبل خُرُوج نَفسه بعد نزُول عِيسَى ثمَّ يَمُوت بعد كل يَهُودِيّ يكون فِي زمنهم {وَيَوْمَ الْقِيَامَة يَكُونُ} عِيسَى {عَلَيْهِمْ شَهِيداً} بالبلاغ

160

{فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذين هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} يَقُول فبظلمهم {وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ الله} عَن ذكر دين الله {كَثِيراً}

161

{وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا} وباستحلال الرِّبَا {وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ} فِي التَّوْرَاة {وَأَكْلِهِمْ} وبأكلهم {أَمْوَالَ النَّاس بِالْبَاطِلِ} بالظلم والرشوة حرمنا عَلَيْهِم طَيّبَات الثروب من الشحوم وَلحم الْإِبِل وَأَلْبَانهَا أحلّت لَهُم كَانَت عَلَيْهِم حَلَالا {وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ} من الْيَهُود {عَذَاباً أَلِيماً} وجيعاً يخلص وَجَعه إِلَى قُلُوبهم

162

{لَكِن الراسخون} البالغون {فِي الْعلم} فِي علم التَّوْرَاة {مِنْهُمْ} من أهل الْكتاب عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه يقرونَ بِالْقُرْآنِ وَسَائِر الْكتب وَإِن لم تقر بِهِ الْيَهُود {والمؤمنون} وَجُمْلَة الْمُؤمنِينَ {يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيكَ} من الْقُرْآن {ومآ أنزل من قبلك} على سَائِر الْأَنْبِيَاء {والمقيمين الصَّلَاة} المتمين الصَّلَوَات الْخمس {والمؤتون الزَّكَاة} المؤدون زَكَاة أَمْوَالهم أَيْضا يقرونَ بِالْقُرْآنِ وَسَائِر الْكتب {والمؤمنون بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت أَيْضا يقرونَ بِالْقُرْآنِ وَسَائِر الْكتب وكل هَؤُلَاءِ يقرونَ بِالْقُرْآنِ وَسَائِر الْكتب إِن لم يقربهَا الْيَهُود ثمَّ بيَّن ثوابهم فَقَالَ {أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ} سنعطيهم {أَجْراً عَظِيماً} ثَوابًا وافراً فِي الْجنَّة

163

{إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ} أرسلنَا إِلَيْك جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ {كَمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَى نُوحٍ والنبيين مِن بَعْدِهِ} من بعد نوح {وَأَوْحَيْنَآ إِلَى إِبْرَاهِيمَ} أرسلنَا جِبْرِيل أَيْضا إِلَى إِبْرَاهِيم {وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ والأسباط} أَوْلَاد يَعْقُوب {وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسليمَان وآتينا}

أعطينا {دَاوُد زبورا}

164

{وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ} سميناهم لَك {مِن قَبْلُ} من قبل هَذِه السُّورَة {وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ} لم نسمهم لَك {وَكَلَّمَ الله مُوسَى تكليما}

165

{رسلًا} كلا هَؤُلَاءِ الرُّسُل أرسلناهم {مُّبَشِّرِينَ} بِالْجنَّةِ لمن آمن بِاللَّه {وَمُنذِرِينَ} من النَّار لمن لَا يُؤمن بِاللَّه {لِئَلاَّ} لكَي لَا {يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى الله حُجَّةٌ} يَوْم الْقِيَامَة {بَعْدَ الرُّسُل} بعد إرْسَال الرُّسُل إِلَيْهِم لكَي لَا يَقُولُوا لم ترسل إِلَيْنَا الرُّسُل {وَكَانَ الله عَزِيزاً} بالنقمة لمن لَا يُجيب رسله {حَكِيماً} حكم عَلَيْهِم بإجابة الرُّسُل

166

ثمَّ نزل فِي أهل مَكَّة لقَولهم سَأَلنَا أهل الْكتاب عَنْك فَلم يشْهد أحد مِنْهُم أَنَّك نَبِي مُرْسل {لَكِن الله يَشْهَدُ} وَإِن لم يشْهد غَيره {بِمَآ أَنزَلَ إِلَيْكَ} يَعْنِي جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ {أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ} بأَمْره {وَالْمَلَائِكَة يَشْهَدُونَ} على ذَلِك {وَكفى بِاللَّه شَهِيداً} وَإِن لم يشْهد غَيره

167

{إِنَّ الَّذين كَفَرُواْ} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {وَصَدُّواْ} النَّاس {عَن سَبِيلِ الله} عَن دين الله وطاعته {قَدْ ضَلُّواْ ضلالا بَعِيداً} عَن الْهدى

168

{إِنَّ الَّذين كَفَرُواْ} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {وَظَلَمُواْ} هم الَّذين أشركوا بِاللَّه {لَمْ يَكُنِ الله لِيَغْفِرَ لَهُم} ماقاموا على ذَلِك {وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً} طَرِيق الْهدى

169

{إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ} مقيمين فِي النَّار لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا {أَبَداً وَكَانَ ذَلِك} الخلود وَالْعَذَاب {عَلَى الله يَسِيراً} هينا

170

{يَا أَيُّهَا النَّاس} يَا أهل مَكَّة {قَدْ جَآءَكُمُ الرَّسُول} مُحَمَّد {بِالْحَقِّ} بِالتَّوْحِيدِ وَالْقُرْآن {مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُواْ} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {خَيْراً لَّكُمْ} مِمَّا أَنْتُم عَلَيْهِ {وَإِن تَكْفُرُواْ} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} كلهم عبيده وإماؤه {وَكَانَ الله عَلِيماً} بِمن يُؤمن وبمن لَا يُؤمن {حَكِيماً} حكم عَلَيْهِم أَن لَا يعبدوا غَيره

171

ثمَّ نزل فِي نَصَارَى أهل نَجْرَان النسطورية وهم الَّذين قَالُوا عِيسَى ابْن الله والمار يعقوبية وهم الَّذين قَالُوا عِيسَى هُوَ الله والمرقوسية وهم الَّذين قَالُوا ثَالِث ثَلَاثَة والملكانية وهم الَّذين قَالُوا عِيسَى والرب شريكان فَأنْزل الله فيهم {يَا أهل الْكتاب لاَ تَغْلُواْ} لَا تشددوا {فِي دِينِكُمْ} فَإِنَّهُ لَيْسَ بِحَق {وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى الله إِلاَّ الْحق} الصدْق {إِنَّمَا الْمَسِيح عِيسَى ابْن مَرْيَمَ رَسُولُ الله وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ} وَصَارَ بِكَلِمَة من الله مخلوقاً {وَرُوحٌ مِّنْهُ} وبأمر مِنْهُ صَار ولدا بِلَا أَب {فَآمِنُواْ بِاللَّه وَرُسُلِهِ} جملَة الرُّسُل عِيسَى وَغَيره {وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ} ولد ووالد وَزَوْجَة {انْتَهوا} عَن مَقَالَتَكُمْ وتوبوا {خَيْراً لَّكُمْ} من مَقَالَتَكُمْ {إِنَّمَا الله إِلَه وَاحِدٌ} بِلَا ولد وَلَا شريك {سُبْحَانَهُ} نزه نَفسه {أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض} عبيدا {وَكفى بِاللَّه وَكِيلاً} رَبًّا لِلْخلقِ وشهيداً على مَا قَالَ من خبر عِيسَى

172

{لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيح} لن يأنف الْمَسِيح {أَن يَكُونَ عَبْداً للَّهِ} أَن يقر بالعبودية لله نزلت هَذِه الْآيَة فِي قَوْلهم إِنَّه عَار على صاحبنا مَا تَقول يَا مُحَمَّد فَأنْزل الله إِنَّه لَيْسَ بِعَارٍ أَن يكون عِيسَى عبد الله {وَلاَ الْمَلَائِكَة المقربون} يَقُول وَلَا تأنف الْمَلَائِكَة المقربون حَملَة الْعَرْش أَن يقرُّوا بالعبودية لله {وَمَن يَسْتَنْكِفْ} يأنف {عَنْ عِبَادَتِهِ} عَن الْإِقْرَار بعبوديته {وَيَسْتَكْبِرْ} عَن الْإِيمَان بِاللَّه {فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ}

يَوْم الْقِيَامَة {جَمِيعاً} الْكَافِر وَالْمُؤمن

173

{فَأَمَّا الَّذين آمَنُواْ} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {فَيُوَفِّيهِمْ} فيوفرهم {أُجُورهم} ثوابهم فِي الْجنَّة {ويزيدهم من فَضله} كرامته {وَأَمَّا الَّذين استنكفوا} أنفوا {واستكبروا} عَن الْإِيمَان بِمُحَمد وَالْقُرْآن {فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} وجيعاً {وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مِّن دُونِ الله} من عَذَاب الله {وَلِيّاً} قَرِيبا يَنْفَعهُمْ {وَلاَ نَصِيراً} مَانِعا يمنعهُم من عَذَاب الله

174

{يَا أَيُّهَا النَّاس} يَا أهل مَكَّة {قَدْ جَآءَكُمْ بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ} رَسُول من ربكُم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وأنزلنا إِلَيْكُم} إِلَى نَبِيكُم {كتابا مُّبِيناً} الْحَلَال وَالْحرَام

175

{فَأَمَّا الَّذين آمَنُواْ بِاللَّه} وَبِمُحَمَّدٍ وَالْقُرْآن {واعتصموا بِهِ} تمسكوا بتوحيد الله {فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ} فِي جنَّة {وَفَضْلٍ} كَرَامَة مِنْهُ مقدم ومؤخر {وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً} يثبتهم على طَرِيق مُسْتَقِيم فِي الدُّنْيَا مقدم ومؤخر يَقُول يثبتهم فِي الدِّينَا على الْإِيمَان ويدخلهم فِي الْآخِرَة الْجنَّة

176

{يَسْتَفْتُونَكَ} يَسْأَلُونَك يَا مُحَمَّد نزلت هَذِه الْآيَة فِي جَابر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن لي أُخْتا مَالِي مِنْهَا إِن مَاتَت فَقَالَ الله يَسْأَلُونَك يَا مُحَمَّد عَن مِيرَاث الْكَلَالَة {قُلِ الله يُفْتِيكُمْ} يبين لكم {فِي الْكَلَالَة} فِي مِيرَاث الْكَلَالَة والكلالة مَا خلا الْوَالِد وَالْولد ثمَّ بَين فَقَالَ {إِن امْرُؤ هَلَكَ} مَاتَ (لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ) وَلَا وَالِد {وَلَهُ أُخْتٌ} من أَبِيه وَأمه أَو من أَبِيه {فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} الْمَيِّت من المَال {وَهُوَ يَرِثُهَآ} إِن مَاتَت {إِن لَّمْ يَكُنْ لَّهَآ وَلَدٌ} ذكر أَو أُنْثَى {فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ} أُخْتَيْنِ من أَب وَأم أَو أَب {فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} مَا ترك الْمَيِّت من المَال {وَإِن كَانُوا إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَآءً} ذكرا أَو أُنْثَى من أَب وَأم أَو من أَب {فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ} نصيب {الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ الله لَكُمْ} قسْمَة الْمَوَارِيث {أَن تَضِلُّواْ} لكَي لَا تخطئوا فِي قسْمَة الْمَوَارِيث {وَالله بِكُلِّ شَيْءٍ} من قسْمَة الْمَوَارِيث وَغَيرهَا {عليم { (وَمن السُّورَة الَّتِي يذكر فِيهَا الْمَائِدَة وَهِي كلهَا مَدَنِيَّة) tit/2 { بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم {/ tit

المائدة

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذين آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} أَتموا الْعُقُود الَّتِي بَيْنكُم وَبَين الله أَو بَين النَّاس وَيُقَال أَتموا الْفَرَائِض الَّتِي فرضت عَلَيْكُم مَعَ الْقبُول يَوْم الْمِيثَاق وَفِي هَذَا الْكتاب {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَام} رخصت عَلَيْكُم صيد الْبَريَّة مثل بقر الْوَحْش وحمر الْوَحْش والظباء {إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} إِلَّا مَا حرم عَلَيْكُم فِي هَذِه السُّورَة {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْد} غير مستحلي الصَّيْد {وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} أَو فِي الْحرم {إِنَّ الله يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} يَقُول يحل وَيحرم مَا يُرِيد فِي الْحل وَالْحرم

2

{يَا أَيُّهَا الَّذين آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ الله} لَا تستحلوا ترك الْمَنَاسِك كلهَا {وَلاَ الشَّهْر الْحَرَام} يَقُول وَلَا الْغَارة فِي الشَّهْر الْحَرَام {وَلاَ الْهَدْي} يَقُول وَلَا أَخذ الْهَدْي الَّذِي يهدى إِلَى الْبَيْت {وَلاَ القلائد} يَقُول وَلَا أَخذ القلائد الَّتِي تقلد بمجيء الشَّهْر الْحَرَام {وَلَا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام} يَقُول وَلَا الْغَارة على المتوجهين إِلَى بَيت الله الْحَرَام وهم حجاج الْيَمَامَة قوم بكر بن وَائِل الْمُشرك وتجار شُرَيْح بن ضبيعة الْمُشرك {يَبْتَغُونَ فَضْلاً} يطْلبُونَ رزقا {مِّن رَّبِّهِمْ} بِالتِّجَارَة {وَرِضْوَاناً} من رَبهم بِالْحَجِّ وَيُقَال يَبْتَغُونَ يطْلبُونَ فضلا رزقا بِالتِّجَارَة ورضواناً من رَبهم مقدم ومؤخر {وَإِذَا حَلَلْتُمْ} خَرجْتُمْ من الْحرم بعد أَيَّام التَّشْرِيق {فاصطادوا} صيد الْبَريَّة إِن شِئْتُم {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ} وَلَا يحملنكم {شَنَآنُ قَوْمٍ} بغض أهل مَكَّة {أَن صَدُّوكُمْ} بِأَن صرفوكم {عَنِ الْمَسْجِد الْحَرَام} عَام الْحُدَيْبِيَة {أَن تَعْتَدُواْ} تظلموا على حجاج قوم بكر بن وَائِل {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبر} على الطَّاعَة {وَالتَّقوى} ترك الْمعاصِي {وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الْإِثْم} على الْمعْصِيَة {والعدوان} الاعتداء وَالظُّلم على حجاج بكر بن وَائِل {وَاتَّقوا الله} اخشوا الله فِيمَا أَمركُم ونهاكم {إِنَّ الله شَدِيدُ الْعقَاب} إِذا عاقب لمن ترك مَا أَمر بِهِ

3

ثمَّ بيَّن مَا حرم عَلَيْهِم فَقَالَ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْميتَة} يَقُول حرمت عَلَيْكُم أكل الْميتَة الَّتِي أَمر بذبحها {وَالدَّم} الدَّم المسفوح {وَلَحْمُ الْخِنْزِير وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ} يَقُول وَمَا ذبح بِغَيْر اسْم الله مُتَعَمدا {والمنخنقة} وَهِي الَّتِي اختنقت بالحبل حَتَّى تَمُوت {والموقوذة} وَهِي الَّتِي تضرب بالخشب حَتَّى تَمُوت {والمتردية} وَهِي الَّتِي تتردى من جبل أَو من بِئْر فتموت {والنطيحة} وَهِي الَّتِي نطحت صاحبتها فتموت {وَمَآ أَكَلَ السَّبع} وَهِي فريسته {إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ} إِلَّا مَا أدركتم وَفِيه الرّوح فذبحتم {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النصب} الصَّنَم {وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بالأزلام} وَهِي القداح الَّتِي كَانُوا يقتسمون بهَا السِّهَام النَّاقِصَة وَيُقَال حرم عَلَيْكُم الِاشْتِغَال بالأزلام وَهِي القداح الَّتِي كَانَت مَكْتُوبَة على جَانب أَمرنِي رَبِّي وعَلى جَانب آخر نهاني رَبِّي يعْملُونَ بهَا فِي أُمُورهم فنهاهم الله عَن ذَلِك {ذَلِكُم} الَّذِي ذكرت لكم من الْمعاصِي وَالْحرَام {فِسْقٌ} اسْتِعْمَاله فسق واستحلاله كفر {الْيَوْم} يَوْم الْحَج الْأَكْبَر حجَّة الْوَدَاع {يَئِسَ الَّذين كَفَرُواْ} كفار مَكَّة {مِن دِينِكُمْ} من رُجُوع دينكُمْ إِلَى دينهم بعد مَا تركْتُم دينهم وَشَرَائِع دينهم {فَلاَ تَخْشَوْهُمْ} فِي اتِّبَاع مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومخالفتهم {واخشون} فِي ترك اتِّبَاع مُحَمَّد وَدينه وموافقتهم {الْيَوْم} يَوْم الْحَج {أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} بيّنت لكم شرائع دينكُمْ من الْحَلَال وَالْحرَام وَالْأَمر وَالنَّهْي {وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} منتي أَن لَا يجْتَمع مَعكُمْ بعد هَذَا الْيَوْم مُشْرك بِعَرَفَات وَمنى وَالطّواف وَالسَّعْي بَين الصَّفَا والمروة {وَرَضِيتُ لَكُمُ} اخْتَرْت لكم {الْإِسْلَام دِيناً فَمَنِ اضْطر} أجهد إِلَى أكل الْميتَة عِنْد الضَّرُورَة {فِي مَخْمَصَةٍ} فِي مجاعَة {غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ} غير متعمد للمعصية وَيُقَال غير متعمد للْأَكْل بِغَيْر ضَرُورَة {فَإِنَّ الله غَفُورٌ} إِن أكل شبعاً {رَّحِيمٌ} حِين رخص عَلَيْهِ أكل الْميتَة من الضَّرُورَة قوتاً وَيكرهُ شبعاً

4

{يَسْأَلُونَكَ} يَا مُحَمَّد يَعْنِي بذلك زيد بن مهلهل الطَّائِي وعدي بن حَاتِم وَكَانَا صيادين {مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ} من الصَّيْد {قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَات} المذبوحات من الْحَلَال {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ الْجَوَارِح} من الكواسب {مُكَلِّبِينَ} معلمين وَإِن قَرَأت بخفض اللَّام فهم أَصْحَاب الْكلاب {تُعَلِّمُونَهُنَّ} تؤدبونهن إِذا أكلن الصَّيْد حَتَّى لَا يأكلن {مِمَّا عَلَّمَكُمُ الله} كَمَا أدبكم الله {فَكُلُواْ مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} لكم الْكلاب المعلمة {واذْكُرُوا اسْم الله عَلَيْهِ} على ذبح الصَّيْد وَيُقَال على إرْسَال الْكَلْب عَلَيْهِ {وَاتَّقوا الله} اخشوا الله فِي أكل الْميتَة {إِنَّ الله سَرِيعُ الْحساب}

الْحساب شَدِيد الْعقَاب وَيُقَال إِذا حاسب فحسابه سريع

5

{الْيَوْم} يَوْم الْحَج {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَات} المذبوحات من الْحَلَال {وَطَعَامُ الَّذين} ذَبَائِح الَّذين {أُوتُواْ الْكتاب} أعْطوا الْكتاب {حِلٌّ لَّكُمْ} مَا كَانَ حَلَال لكم حَلَالا لَهُم {وَطَعَامُكُمْ} ذبائحكم {حِلٌّ لَّهُمْ} حَلَال لَهُم تَأْكُل الْيَهُود وتأكل النَّصَارَى ذَبِيحَة الْمُسلمين {وَالْمُحصنَات} تَزْوِيج الْحَرَائِر العفائف {مِنَ الْمُؤْمِنَات} حل لكم حَلَال لكم {وَالْمُحصنَات مِنَ الَّذين أُوتُواْ الْكتاب مِن قَبْلِكُمْ} يَقُول تَزْوِيج الْحَرَائِر العفائف من أهل الْكتاب حَلَال لكم {إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ} بينتم لَهُنَّ {أُجُورَهُنَّ} مهورهن فَوق مهر بغي {مُحْصِنِينَ} كونُوا مَعَهُنَّ متزوجين {غَيْرَ مُسَافِحِينَ} غير معلنين بِالزِّنَا {وَلاَ متخذي أَخْدَانٍ} يَقُول وَلَا يكون لَهَا خَلِيل يَزْنِي بهَا فِي السِّرّ ثمَّ نزلت فِي نسَاء أهل مَكَّة افتخرن على نسَاء الْمُؤمنِينَ فَقَالَ {وَمَن يَكْفُرْ بِالْإِيمَان} بِالتَّوْحِيدِ {فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} فِي الدُّنْيَا {وَهُوَ فِي الْآخِرَة مِنَ الخاسرين} من المغبونين بذهاب الْجنَّة وَدخُول النَّار

6

{يَا أَيُّهَا الَّذين آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاة} وَأَنْتُم على غير وضوء فعلمكم كَيفَ تَصْنَعُونَ فَقَالَ {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمرَافِق وامسحوا بِرُؤُوسِكُمْ} كَيفَ شِئْتُم {وَأَرْجُلَكُمْ} فَوق الْخُفَّيْنِ {إِلَى الْكَعْبَيْنِ} وَإِن قَرَأت بِنصب اللَّام يرجع إِلَى الْغسْل {وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فاطهروا} بِالْمَاءِ أَي فَاغْسِلُوا بِالْمَاءِ {وَإِن كُنتُم مرضى} من الجدري أَو الْجراحَة نزلت فِي عبد الرَّحْمَن بن عَوْف {أَوْ على سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّنَ الْغَائِط} أَو تغوطتم أَو بلتم {أَوْ لاَمَسْتُمُ} جامعتم {النسآء فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً} فَلم تقدروا على المَاء {فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً} فتعمدوا إِلَى تُرَاب نظيف {فامسحوا بِوُجُوهِكُمْ} بالضربة الأولى {وَأَيْدِيكُمْ} بالضربة الثَّانِيَة {مِّنْهُ} من التُّرَاب {مَا يُرِيدُ الله لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ} من ضيق {وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} بِالتَّيَمُّمِ من الْأَحْدَاث والجنابة {وَلِيُتِمَّ} ولكي يتم {نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ} بِالتَّيَمُّمِ والرخصة {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} لكَي تشكروا نعْمَته ورخصته

7

{واذْكُرُوا نِعْمَةَ الله} احْفَظُوا منَّة الله {عَلَيْكُمْ} بِالْإِيمَان {وَمِيثَاقَهُ} عَهده {الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ} أَمركُم بِهِ يَوْم الْمِيثَاق {إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا} قَوْلك يَا رَبنَا {وَأَطَعْنَا} أَمرك {وَاتَّقوا الله} اخشوا الله فِيمَا أَمركُم ونهاكم {إِنَّ الله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور} بِمَا فِي الْقُلُوب من الْوَفَاء والنقض

8

{يَا أَيُّهَآ الَّذين آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ} قوالين {لِلَّهِ شُهَدَآءَ بِالْقِسْطِ} بِالْعَدْلِ {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ} لَا يحملنكم {شَنَآنُ قَوْمٍ} بعض شُرَيْح بن شُرَحْبِيل {على أَلاَّ تَعْدِلُواْ} بَين حجاج قوم بكر بن وَائِل {اعدلوا} بَينهم {هُوَ أَقْرَبُ للتقوى} الْعدْل أقرب لِلْمُتقين إِلَى التَّقْوَى {وَاتَّقوا الله} اخشوا الله فِي الْعدْل والجور {إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} من الْعدْل والجور

9

{وَعَدَ الله الَّذين آمَنُواْ} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {لَهُم مَّغْفِرَةٌ} لذنوبهم فِي الدُّنْيَا {وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} يَعْنِي ثَوَاب وافر فِي الْجنَّة

10

{وَالَّذين كَفَرُواْ} بِاللَّه {وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيم} أهل النَّار

11

{يَا أَيُّهَآ الَّذين آمَنُواْ} يَعْنِي مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه {اذْكروا نعْمَة الله عَلَيْكُمْ} احْفَظُوا منّة الله عَلَيْكُم بِدفع بَأْس الْعَدو عَنْكُم

{إِذْ هَمَّ قَوْمٌ} أَرَادَ قوم يَعْنِي بني قُرَيْظَة {أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ} بِالْقَتْلِ {فَكَفَّ} فَمنع {أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ} بِالْقَتْلِ {وَاتَّقوا الله} اخشوا الله فِيمَا أَمركُم {وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} على الْمُؤمنِينَ أَن يتوكلوا على الله

12

{وَلَقَدْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ بني إِسْرَآئِيلَ} قَرَار بني إِسْرَائِيل فِي التَّوْرَاة فِي مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن لَا يعبدوا إِلَّا الله وَلَا يشركوا بِهِ شَيْئا {وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَي عَشَرَ نَقِيباً} رَسُولا وَيُقَال ملكا لكل سبط ملك {وَقَالَ الله} لهَؤُلَاء الْمُلُوك {إِنِّي مَعَكُمْ} معينكم {لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاة} أتممتم الصَّلَاة الَّتِي فرضت عَلَيْكُم {وَآتَيْتُمُ الزَّكَاة} أعطيتم زَكَاة أَمْوَالكُم {وَآمَنتُمْ} أقررتم وصدقتم {بِرُسُلِي} الَّذين يجيئون إِلَيْكُم {وَعَزَّرْتُمُوهُمْ} أعنتموهم ونصرتموهم بِالسَّيْفِ على الْأَعْدَاء {وَأَقْرَضْتُمُ الله قَرْضاً حَسَناً} صَادِقا من قُلُوبكُمْ {لأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} لأمحصن عَلَيْكُم ذنوبكم دون الْكَبَائِر {وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ} بساتين {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا} تطرد من تَحت شَجَرهَا ومساكنها {الْأَنْهَار} أَنهَار المَاء وَاللَّبن وَالْخمر وَالْعَسَل {فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِك} بعد أَخذ الْمِيثَاق وَالْإِقْرَار بِهِ {مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ السَّبِيل} فقد ترك قصد طَرِيق الْهدى

13

وَكَفرُوا إِلَّا خَمْسَة مِنْهُم فَبين عُقُوبَة الَّذين كفرُوا فَقَالَ {فَبِمَا نَقْضِهِم} يَقُول بنقضهم يَعْنِي الْمُلُوك {مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ} عذبناهم بالجزية {وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} يابسة بِلَا نور {يُحَرِّفُونَ الْكَلم عَن موَاضعه} يغيرون صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته وَبَيَان الرَّجْم بعد بَيَانه فِي التَّوْرَاة {وَنَسُواْ حَظَّا} تركُوا بَعْضًا {مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ} أمروا بِهِ فِي التَّوْرَاة من اتِّبَاع مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِظْهَار صفته ونعته ثمَّ ذكر خيانتهم للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ {وَلاَ تَزَالُ} يَا مُحَمَّد {تَطَّلِعُ على خَآئِنَةٍ} تعلم خَائِنَة ومعصية {مِّنْهُمْ} يَعْنِي من بني قُرَيْظَة {إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ} عبد الله ابْن سَلام وَأَصْحَابه {فَاعْفُ عَنْهُمْ} وَلَا تعاقبهم {وَاصْفَحْ} اترك {إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} إِلَى النَّاس

14

{وَمِنَ الَّذين قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى} يَعْنِي نَصَارَى نَجْرَان {أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ} فِي الْإِنْجِيل بِاتِّبَاع مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَيَان صفته وَأَن لَا يعبدوا إِلَّا الله وَلَا يشركوا بِهِ شَيْئا {فَنَسُواْ حَظّاً} فتركوا بَعْضًا {مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ} أمروا بِهِ {فَأَغْرَيْنَا} ألقينا {بَيْنَهُمُ} بَين الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَيُقَال بَين نَصَارَى أهل نَجْرَان النسطورية والمار يعقوبية والمرقوسية والملكانية {الْعَدَاوَة} بِالْقَتْلِ والهلاك {والبغضآء} فِي الْقلب {إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ الله} يُخْبِرهُمْ الله {بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} من الْمُخَالفَة والخيانة والكتمان والعداوة والبغضاء

15

{يَا أَهْلَ الْكتاب قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكتاب} من صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته وَالرَّجم وَغير ذَلِك {وَيَعْفُو عَن كثير} بترك كثيرا فَلَا يبين لكم {قَدْ جَآءَكُمْ مِّنَ الله نُورٌ} رَسُول يَعْنِي مُحَمَّدًا {وَكِتَابٌ مُّبِينٌ} بالحلال وَالْحرَام

16

{يَهْدِي بِهِ} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {الله مَنِ اتبع رِضْوَانَهُ} توحيده {سُبُلَ السَّلَام} دين الْإِسْلَام وَالسَّلَام هُوَ الله {وَيُخْرِجُهُمْ مِّنِ الظُّلُمَات إِلَى النُّور} من الْكفْر إِلَى الْإِيمَان {بِإِذْنِهِ} بأَمْره وَيُقَال بتوفيقه وكرامته {وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}

يثبتهم على ذَلِك الدّين بعد الْإِجَابَة

17

{لَّقَدْ كفر الَّذين قآلوا إِن الله هُوَ الْمَسِيح ابْن مَرْيَم} وَهِي مقَالَة الْمَار يعقوبية {قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد لِلنَّصَارَى {فَمَن يَمْلِكُ مِنَ الله} يقدر أَن يمْنَع من عَذَاب الله {شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ} أَن يعذب {الْمَسِيح ابْن مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْض جَمِيعاً} جَمِيع من عَبدهَا {وَللَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَات وَالْأَرْض} خَزَائِن السَّمَوَات وَالْأَرْض {وَمَا بَيْنَهُمَا} من الْخلق والعجائب {يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ} كَمَا يَشَاء بأب أَو بِغَيْر أَب {وَالله على كُلِّ شَيْءٍ} من خلق الْخلق وَالثَّوَاب لأوليائه وَالْعِقَاب لأعدائه {قَدِيرٌ}

18

{وَقَالَتِ الْيَهُود} يَعْنِي يهود أهل الْمَدِينَة {وَالنَّصَارَى} نَصَارَى أهل نَجْرَان {نَحْنُ أَبْنَاءُ الله} أَبنَاء أَنْبيَاء الله {وَأَحِبَّاؤُهُ} على دينه وَيُقَال نَحن على دين الله كأبنائه وأحبائه وَيُقَال قَالُوا نَحن على الله كأبنائه وَنحن على دينه {قُلْ} يَا مُحَمَّد للْيَهُود {فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم} بعبادتكم الْعجل أَرْبَعِينَ يَوْمًا إِن كُنْتُم عَلَيْهِ كأبنائه هَل رَأَيْتُمْ أَبَا يعذب ابْنه بالنَّار {بَلْ أَنتُمْ بَشَرٌ} خلق عبيد {مِمَّنْ} كمن {خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ} لمن تَابَ من الْيَهُودِيَّة والنصرانية {وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ} من مَاتَ على الْيَهُودِيَّة والنصرانية {وَلِلَّهِ مُلْكُ} خَزَائِن {السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنَهُمَا} من الْخلق والعجائب {وَإِلَيْهِ الْمصير} الْمرجع مصير من آمن وَمن لم يُؤمن

19

{يَا أَهْلَ الْكتاب} يَا أهل التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل {قد جَاءَكُم رَسُولنَا} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {يُبَيِّنُ لَكُمْ} مَا أمرْتُم بِهِ وَمَا نهيتم عَنهُ {على فَتْرَةٍ مَّنَ الرُّسُل} على انْقِطَاع من الرُّسُل {أَن تَقُولُواْ} لكَي لَا تَقولُوا يَوْم الْقِيَامَة {مَا جَآءَنَا مِن بَشِيرٍ} بِالْجنَّةِ {وَلاَ نَذِيرٍ} من النَّار {فَقَدْ جَاءَكُمْ} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {بَشِيرٌ} بِالْجنَّةِ {وَنَذِيرٌ} من النَّار {وَالله على كُلِّ شَيْءٍ} من إرْسَال الرُّسُل وَالثَّوَاب لمن أجَاب الرُّسُل وَالْعِقَاب لمن لم يجب الرُّسُل {قدير}

20

{وَإِذ قَالَ} وَقد قَالَ {مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قوم اذْكروا نِعْمَةَ الله} منَّة الله {عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ} مِنْكُم {أَنْبِيَآءَ وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً} بعد ماكنتم مماليك يرعون {وَآتَاكُمْ} أَعْطَاكُم {مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن الْعَالمين} عالمي زمانكم فِي التيه من الْمَنّ والسلوى

21

{يَا قوم ادخُلُوا الأَرْض المقدسة} وَهِي دمشق وفلسطين وَبَعض الْأُرْدُن المطهرة {الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} وهب الله لكم وَجعلهَا مِيرَاثا لأبيكم إِبْرَاهِيم {وَلاَ تَرْتَدُّوا على أَدْبَارِكُمْ} لَا ترجعوا إِلَى خلفكم {فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} فترجعوا مغبونين بالعقوبة بِأخذ الله الْمَنّ والسلوى مِنْكُم

22

{قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ} قتالين {وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا} أَرض الجبارين {حَتَّى يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ} فِيهَا

23

{قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذين يَخَافُونَ} اثْنَي عشر رجلا خَافُوا من الجبارين {أَنْعَمَ الله عَلَيْهِمَا} بِيَقِين الخطوات وهما يُوشَع بن نون وكالب بن يوحنا {ادخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَاب فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ} عَلَيْهِم {وَعَلَى الله فتوكلوا}

بالنصرة {إِن كُنتُم} إِذْ كُنْتُم {مُّؤْمِنِينَ} وَيُقَال وَقَالَ رجلَانِ من الَّذين يخَافُونَ مُوسَى خَافُوا من مُوسَى وهما من الجبارين أنعم الله عَلَيْهِمَا بِالتَّوْحِيدِ الْآيَة

24

{قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَّدْخُلَهَآ} أَرض الجبارين {أَبَداً مَّا داموا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْت وَرَبك} سيدك هرون {فَقَاتلا} فَإِن رَبكُمَا يعينكما كَمَا أعانكما على فِرْعَوْن وَقَومه {إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ} منتظرون

25

{قَالَ رَبِّ} قَالَ مُوسَى يَا رب {إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي} يَقُول لَا أقدر إِلَّا على نَفسِي وَأخي هَارُون {فافرق بَيْنَنَا} فَاقْض بَيْننَا {وَبَيْنَ الْقَوْم الْفَاسِقين} العاصين

26

{قَالَ} الله يَا مُوسَى {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ} الدُّخُول فِيهَا بعد مَا سميتهم فاسقين {أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْض} يتحيرون فِي أَرض التيه وَهِي سبع فراسخ لَا يقدرُونَ أَن يخرجُوا وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلا {فَلاَ تَأْسَ} فَلَا تحزن {عَلَى الْقَوْم الْفَاسِقين}

27

{واتل عَلَيْهِمْ} اقْرَأ عَلَيْهِم يَا مُحَمَّد {نَبَأَ} خبر {ابْني آدَمَ بِالْحَقِّ} بِالْقُرْآنِ {إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا} من هابيل {وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخر} من قابيل {قَالَ} قابيل لهابيل {لأَقْتُلَنَّكَ} يَا هابيل {قَالَ} لم قَالَ لِأَن الله تقبل قربانك وَلم يتَقَبَّل قرباني قَالَ هابيل {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله مِنَ الْمُتَّقِينَ} من الصَّادِقين بالْقَوْل وَالْفِعْل الزاكية الْقُلُوب وَلم تكن زاكي الْقلب

28

{لَئِن بَسَطتَ} مددت {إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي} ظلما {مَآ أَنَاْ بِبَاسِطٍ} بماد {يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ} ظلما {إِنِّي أَخَافُ الله رَبَّ الْعَالمين} بقتلك ظلما

29

{إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي} أَن تُؤْخَذ بذنبي {وَإِثْمِكَ} ذَنْبك الَّذِي لقبل دمي {فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّار} فَتَصِير من أهل النَّار {وَذَلِكَ جَزَآءُ الظَّالِمين} النَّار جَزَاء الْمُعْتَدِينَ بالظلم

30

{فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ} فتابعت لَهُ نَفسه {قَتْلَ أَخِيهِ} على قتل أَخِيه {فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الخاسرين} فَصَارَ من المغبونين بالعقوبة

31

{فَبَعَثَ الله غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْض} يثير التُّرَاب من الأَرْض ليواري غراباً مَيتا {لِيُرِيَهُ} ليرى قابيل {كَيفَ يواري} يُغطي {سوأة أَخِيه} عَورَة أَخِيه فِي التُّرَاب {قَالَ يَا ويلتى أَعَجَزْتُ} أضعفت عَن الْحِيلَة {أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَاب} فِي الْحِيلَة {فأواري} فأغطى {سوأة أَخِي} عَورَة أخي بِالتُّرَابِ {فَأَصْبَحَ مِنَ النادمين} فَصَارَ نَادِما على مَا لم يوار عَورَة أَخِيه وَلم يكن نَادِما على قَتله

32

{مِنْ أَجْلِ ذَلِك} من أجل قتل قابيل هابيل ظلما {كَتَبْنَا على بني إِسْرَائِيلَ} أَوجَبْنَا على بني إِسْرَائِيل فِي التَّوْرَاة {أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ} قتل نفسا مُتَعَمدا {أَوْ فَسَادٍ} شرك {فِي الأَرْض فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاس جَمِيعاً} يَقُول وَجَبت عَلَيْهِ النَّار بقتل نفس وَاحِدَة ظلما كَمَا لَو قتل النَّاس جَمِيعًا {وَمَنْ أَحْيَاهَا} كف عَن قَتلهَا {فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً} يَقُول وَجَبت لَهُ الْجنَّة بِعَفْو نفس وَاحِدَة كَمَا لَو عَفا النَّاس جَمِيعًا {وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ} يَعْنِي إِلَى بني إِسْرَائِيل {رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ} بِالْأَمر وَالنَّهْي والعلامات {ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ} من بني إِسْرَائِيل {بَعْدَ ذَلِك} بعد الرُّسُل

{فِي الأَرْض لَمُسْرِفُونَ} لمشركون

33

ثمَّ نزلت فِي قوم هِلَال ابْن عُوَيْمِر لأَنهم قتلوا قوما من بني كنَانَة أَرَادوا الْهِجْرَة إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليسلموا فَقَتَلُوهُمْ وَأخذُوا مَا كَانَ مَعَهم من السَّلب فبيَّن الله عقوبتهم يَعْنِي قوم هِلَال وَكَانُوا مُشْرِكين فَقَالَ {إِنَّمَا جَزَآءُ} مُكَافَأَة {الَّذين يُحَارِبُونَ الله وَرَسُولَهُ} يكفرون بِاللَّه وَرَسُوله {وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْض فَسَاداً} يعْملُونَ فِي الأَرْض بِالْمَعَاصِي وهوالقتل وَأخذ المَال ظلما {أَن يقتلُوا} يَقُول جَزَاء من قتل وَلم يَأْخُذ المَال الْقَتْل {أَوْ يصلبوا} يَقُول جَزَاء من قتل وَأخذ المَال ظلما الصلب {أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ} الْيَد الْيُمْنَى وَالرجل الْيُسْرَى يَقُول جَزَاء من أَخذ المَال وَلم يقتل قطع الْيَد وَالرجل {أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْض} أَو يحبسوا فِي السجْن حَتَّى يَبْدُو صَلَاحهمْ وَتظهر تَوْبَتهمْ يَقُول جَزَاء من يخوف النَّاس على الطَّرِيق وَلم يَأْخُذ المَال وَلم يقتل السجْن {ذَلِك} الَّذِي ذكرت {لَهُمْ خِزْيٌ} عَذَاب {فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَة عَذَابٌ عَظِيمٌ} شَدِيد أَشد مِمَّا يكون فِي الدُّنْيَا لمن لم يتب

34

ثمَّ بَين عَفوه لمن تَابَ فَقَالَ {إِلاَّ الَّذين تَابُواْ} من الْكفْر والشرك {مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ} بِالْأَخْذِ {فاعلموا أَنَّ الله غَفُورٌ} متجاوز {رَّحِيمٌ} لمن تَابَ

35

{يَا أَيُّهَا الَّذين آمَنُواْ} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {اتَّقوا الله} فِيمَا أَمركُم {وابتغوا إِلَيهِ الْوَسِيلَة} الدرجَة الرفيعة وَيُقَال اطْلُبُوا إِلَيْهِ الْقرب فِي الدَّرَجَات بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَة {وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ} فِي طَاعَته {لَعَلَّكُمْ تفلحون} لكَي تنجوا من السخطة وَالْعَذَاب وتأمنوا

36

{إِنَّ الَّذين كَفَرُواْ} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي الأَرْض} من الْأَمْوَال {جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ} ضعفه مَعَه {لِيَفْتَدُواْ بِهِ} ليفادوا بِهِ أنفسهم {مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَة مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ} الْفِدَاء {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وجيع

37

{يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النَّار} بتحويل حَال إِلَى حَال {وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا} من النَّار {وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ} دَائِم لَا يَنْقَطِع

38

{وَالسَّارِق} من الرِّجَال يَعْنِي طعمة {والسارقة} من النِّسَاء {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} أيمانهما {جَزَآءً بِمَا كَسَبَا} عُقُوبَة بِمَا سرقا {نَكَالاً مِّنَ الله} شَيْئا من الله لَهُم {وَالله عَزِيزٌ} بالنقمة من السَّارِق {حَكِيمٌ} حكم عَلَيْهِم بِالْقطعِ

39

{فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ} سَرقته وقطعه {وَأَصْلَحَ} فِيمَا بَينه وَبَين ربه بِالتَّوْبَةِ {فَإِنَّ الله يَتُوبُ عَلَيْهِ} يتَجَاوَز عَنهُ {إِنَّ الله غَفُورٌ} متجاوز {رَّحِيمٌ} لمن تَابَ

40

{أَلَمْ تَعْلَمْ} ألم تخبر يَا مُحَمَّد فِي الْقُرْآن {أَنَّ الله لَهُ مُلْكُ} خَزَائِن {السَّمَاوَات وَالْأَرْض يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ} من كَانَ أَهلا لذَلِك {وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ} من كَانَ أَهلا لذَلِك {وَالله على كُلِّ شَيْءٍ} من الغفران وَغَيره {قدير}

41

{يَا أَيهَا الرَّسُول} يَا مُحَمَّد {لاَ يَحْزُنكَ الَّذين يُسَارِعُونَ} يبادرون {فِي الْكفْر} فِي الْولَايَة مَعَ الْكفَّار فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة {مِنَ الَّذين قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ} بألسنتهم قَالُوا صدقنا {وَلَمْ تُؤْمِن} لم تصدق {قُلُوبُهُمْ} قُلُوب الْمُنَافِقين يَعْنِي عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه {وَمِنَ الَّذين هِادُواْ} يهود بني قُرَيْظَة كَعْب وَأَصْحَابه {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ}

قَول الزُّور {لِقَوْمٍ آخَرِينَ} لأهل خَيْبَر {لَمْ يَأْتُوكَ} يَعْنِي أهل خَيْبَر فِيمَا حدث فيهم وَلَكِن سَأَلَ عَنْهُم بَنو قُرَيْظَة {يُحَرِّفُونَ الْكَلم} يغيرون صفة مُحَمَّد ونعته وَالرَّجم على الْمُحصن والمحصنة إِذا زَنَيَا {مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ} من بعد بَيَانه فِي التَّوْرَاة {يَقُولُونَ} يَعْنِي الرؤساء للسفلة وَيُقَال المُنَافِقُونَ عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه {إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا} إِن أَمركُم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْجلدِ {فَخُذُوهُ} فاقبلوا مِنْهُ وَاعْمَلُوا بِهِ {وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ} إِن لم يَأْمُركُمْ بِالْجلدِ مُحَمَّد وأمركم بِالرَّجمِ {فاحذروا} يَعْنِي إِن لم يكن يوافقكم على مَا تطلبون ويأمركم بِغَيْرِهِ فاحذروا وَلَا تقبلُوا مِنْهُ قَالَ الله عز وَجل {وَمَن يُرِدِ الله فِتْنَتَهُ} يَعْنِي كفره وشركه وَيُقَال فضيحته وَيُقَال اختباره {فَلَن تَمْلِكَ لَهُ من الله} من عَذَاب الله {شَيْئا أُولَئِكَ} يَعْنِي الْيَهُود وَالْمُنَافِقِينَ {الَّذين لَمْ يُرِدِ الله أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ} من الْمَكْر والخيانة والإصرار على الْكفْر {لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ} عَذَاب بِالْقَتْلِ والإجلاء {وَلَهُم فِي الْآخِرَة عَذَاب عَظِيم} أعظم مِمَّا يكون لَهُم فِي الدُّنْيَا

42

{سَمَّاعُونَ} قوالون {لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} للرشوة وَالْحرَام بتغيير حكم الله {فَإِن جاؤوك} يَا مُحَمَّد يَعْنِي بني قُرَيْظَة والنظير وَيُقَال أهل خَيْبَر {فاحكم بَيْنَهُمْ} بَين بني قُرَيْظَة وَالنضير بِالرَّجمِ وَيُقَال بَين أهل خَيْبَر {أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} أَنْت بِالْخِيَارِ {وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ} وَلَا تحكم بَينهم {فَلَن يَضُرُّوكَ} لن ينقصوك {شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فاحكم بَيْنَهُمْ} بَين بني قُرَيْظَة وَالنضير وَيُقَال بَيت أهل خَيْبَر {بِالْقِسْطِ} بِالرَّجمِ {إِنَّ الله يُحِبُّ المقسطين} العادلين بِكِتَاب الله العاملين بالزجم

43

{وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ} على وَجه التَّعَجُّب فِي الرَّجْم {وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاة فِيهَا} فِي التَّوْرَاة {حُكْمُ الله} يَعْنِي الرَّجْم {ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِك} من بعد الْبَيَان فِي التَّوْرَاة وَالْقُرْآن {وَمَآ أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} بِالتَّوْرَاةِ

44

{إِنَّآ أَنزَلْنَا التَّوْرَاة} على مُوسَى {فِيهَا} فِي التَّوْرَاة {هُدًى} من الضَّلَالَة {وَنُورٌ} بَيَان الرَّجْم {يَحْكُمُ بِهَا} بِالتَّوْرَاةِ {النَّبِيُّونَ الَّذين أَسْلَمُواْ} الَّذين كَانُوا مُسلمين من لدن مُوسَى إِلَى عِيسَى وَبَينهمَا ألف نَبِي بَين الَّذين أَسْلمُوا {لِلَّذِينَ هَادُواْ} الْآبَاء الَّذين هادوا {والربانيون} يَقُول وَكَانَ يحكم بهَا الربانيون وَالْعُلَمَاء وَأَصْحَاب الصوامع دون الْأَنْبِيَاء {والأحبار} سَائِر الْعلمَاء {بِمَا استحفظوا مِن كِتَابِ الله} بِمَا عمِلُوا ودعوا من كتاب الله {وَكَانُواْ عَلَيْهِ} على الرَّجْم شُهَدَآءَ {فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاس} فِي إِظْهَار صفة مُحَمَّد ونعته وَالرَّجم {واخشون} فِي كتمانها {وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي} بكتمان صفة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته وَآيَة الرَّجْم {ثَمَناً قَلِيلاً} عرضا يَسِيرا من المأكلة {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ الله} يَقُول وَمن لم يبين مَا بيَّن الله فِي التَّوْرَاة من صفة مُحَمَّد ونعته وَآيَة الرَّجْم {فَأُولَئِك هُمُ الْكَافِرُونَ} بِاللَّه وَالرَّسُول وَالْكتاب

45

{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ} فَرضنَا على بني إِسْرَائِيل {فِيهَآ} فِي التَّوْرَاة {أَنَّ النَّفس بِالنَّفسِ} عمدا وَفَاء {وَالْعين بِالْعينِ} عمدا وَفَاء {وَالْأنف بالأنف} عمدا وَفَاء {وَالْأُذن بالأذن} عمدا وَفَاء {وَالسّن بِالسِّنِّ} عمدا وَفَاء {والجروح قِصَاصٌ} حُكُومَة عدل {فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ} بالجراحة على الْجَارِح {فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ} للجريح وَيُقَال للجارح {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بمآ أنزل الله} يَقُول وَمن لم يبين مَا بيَّن الله فِي الْقُرْآن وَلم يعْمل {فَأُولَئِك هُمُ الظَّالِمُونَ} الضارون لأَنْفُسِهِمْ فِي الْعقُوبَة

46

{وَقَفَّيْنَا} أتبعنا وأردفنا {على آثَارِهِم بِعَيسَى ابْن مَرْيَمَ مُصَدِّقاً} مُوَافقا {لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاة} بِالتَّوْحِيدِ وَبَعض الشَّرَائِع {وَآتَيْنَاهُ} أعطيناه {الْإِنْجِيل فِيهِ} فِي الْإِنْجِيل {هُدًى} من الضَّلَالَة {وَنُورٌ} بَيَان الرَّجْم {وَمُصَدِّقاً} مُوَافقا {لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاة} بِالتَّوْحِيدِ وَالرَّجم {وَهُدًى} من الضَّلَالَة {وَمَوْعِظَةً} نهيا {لِّلْمُتَّقِينَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش

47

{وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيل} ولكي يبين أهل الْإِنْجِيل {بِمَآ أَنزَلَ الله فِيهِ} بِمَا بيَّن الله فِي الْإِنْجِيل من صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته وَالرَّجم {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ الله} يَقُول وَمن لم يبين مَا بيَّن الله فِي الْإِنْجِيل {فَأُولَئِك هُمُ الْفَاسِقُونَ} هم العاصون الْكَافِرُونَ

48

{وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الْكتاب} جِبْرِيل بِالْكتاب يَعْنِي الْقُرْآن {بِالْحَقِّ} لبَيَان الْحق وَالْبَاطِل {مُصَدِّقاً} مُوَافقا بِالتَّوْحِيدِ وَبَعض الشَّرَائِع {لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} لما قبله {مِنَ الْكتاب} يَعْنِي الْكتب {وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ} شَهِيدا على الْكتب كلهَا وَيُقَال على الرَّجْم وَيُقَال أَمينا على الْكتب {فاحكم بَيْنَهُم} بَين بني قُرَيْظَة وَالنضير وَأهل خَيْبَر {بِمَآ أَنزَلَ الله} بِمَا بيَّن الله لَك فِي الْقُرْآن {وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ} فِي الْجلد وَترك الرَّجْم {عَمَّا جَآءَكَ مِنَ الْحق} بعد مَا جَاءَك من الْبَيَان {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً} لكل نَبِي مِنْكُم بيَّنا لَهُ شرعة {وَمِنْهَاجاً} فَرَائض وسنناً {وَلَوْ شَآءَ الله لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} لجمعكم على شَرِيعَة وَاحِدَة {وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ} ليختبركم {فِي مَآ آتَاكُم} أَعْطَاكُم من الْكتاب وَالسّنَن والفرائض فَيَقُول أَنا فرضته عَلَيْكُم وَلَا يدْخل فِي قُلُوبكُمْ شَيْء من التَّوَهُّم {فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ} فسابقوا يَا أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأُمَم فِي السّنَن والفرائض والصالحات وَيُقَال بَادرُوا بالطاعات يَا أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً} جَمِيع الْأُمَم {فَيُنَبِّئُكُم} فيخبركم {بِمَا كُنتُمْ فِيهِ} فِي الدّين والشرائع {تختلفون} تخالفون

49

{وَأَنِ احكم} واحكم {بَيْنَهُمْ} بَين بني قُرَيْظَة وَالنضير وَأهل خَيْبَر {بِمَآ أَنزَلَ الله} بِمَا بيَّن الله فِي الْقُرْآن {وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ} بِالْجلدِ وَترك الرَّجْم {واحذرهم} وَلَا تَأْمَنهُمْ {أَن يَفْتِنُوكَ} لكَي لَا يصرفوك {عَن بَعْضِ مَآ أَنزَلَ الله إِلَيْكَ} فِي الْقُرْآن من الرَّجْم {فَإِن تَوَلَّوْاْ} عَن الرَّجْم وَعَما حكمت بَينهم من الْقصاص {فَاعْلَم أَنَّمَا يُرِيدُ الله أَن يُصِيبَهُم} أَن يعذبهم {بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ} بِكُل ذنوبهم {وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاس} من أهل الْكتاب {لَفَاسِقُونَ} لناقضون كافرون

50

{أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّة يَبْغُونَ} أفحكمهم فِي الْجَاهِلِيَّة يطْلبُونَ عنْدك فِي الْقُرْآن يَا مُحَمَّد {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله حُكْماً} قَضَاء {لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} يصدقون بِالْقُرْآنِ

51

{يَا أَيُّهَا الَّذين آمَنُواْ} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَوْلِيَآءَ} فِي العون والنصرة {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ} يَقُول بَعضهم على دين بعض فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة وَولي بعض {وَمَن يَتَوَلَّهُمْ} فِي العون والنصرة {مِّنكُمْ} يَا معشر الْمُؤمنِينَ {فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} فِي الْولَايَة وَلَيْسَ فِي أَمَانَة الله وَحفظه {إِنَّ الله لاَ يَهْدِي} لَا يرشد إِلَى دينه وحجته {الْقَوْم الظَّالِمين} الْيَهُود وَالنَّصَارَى

52

{فَتَرَى} يَا مُحَمَّد {الَّذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} شكّ ونفاق يَعْنِي عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه

{يُسَارِعُونَ فِيهِمْ} يبادرون فيهم فِي ولايتهم {يَقُولُونَ} يَقُول بَعضهم لبَعض {نخشى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ} شدَّة فَلذَلِك نتخذهم أَوْلِيَاء {فَعَسَى الله} وَعَسَى من الله وَاجِب {أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْح} فتح مَكَّة والنصرة لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه {أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ} أَو عَذَاب على بني قُرَيْظَة وَالنضير بِالْقَتْلِ والإجلاء من عِنْده {فَيُصْبِحُواْ} فيصيروا يَعْنِي الْمُنَافِقين {على مَآ أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ} من ولَايَة الْيَهُود {نَادِمِينَ} بعد مَا افتضحوا

53

{وَيَقُولُ الَّذين آمَنُواْ} المخلصون لِلْمُنَافِقين عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه {أَهَؤُلَاءِ} يَعْنِي الْمُنَافِقين {الَّذين أَقْسَمُواْ بِاللَّه جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} شدَّة أَيْمَانهم إِذا حلف الرجل بِاللَّه فقد جهد يَمِينه {إِنَّهُمْ} يَعْنِي الْمُنَافِقين {لَمَعَكُمْ} مَعَ المخلصين على دينكُمْ فِي السِّرّ {حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} بِطَلَب حسناتهم فِي الدُّنْيَا {فَأَصْبحُوا خاسرين} فصاروا مغبونين بالعقوبة

54

{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ} أَسد وغَطَفَان وأناس من كِنْدَة ومرار {مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ} بعد موت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - {فَسَوْفَ يَأْتِي} يَجِيء {الله بِقَوْمٍ} يَعْنِي أهل الْيمن {يُحِبُّهُمْ} الله {وَيُحِبُّونَهُ} أَي يحبونَ الله {أَذِلَّةٍ} رحيمة مشفقة {عَلَى الْمُؤمنِينَ} مَعَ الْمُؤمنِينَ {أَعِزَّةٍ} أشدة {عَلَى الْكَافرين يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله} أَي عاطفين فِي طَاعَة الله {وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائم} {ذَلِك} الَّذِي ذكرت من الْحبّ وَالْأَمر وَغير ذَلِك {فَضْلُ الله} من الله تَعَالَى {يُؤْتِيهِ} يُعْطِيهِ {مَن يَشَآءُ} من كَانَ أَهلا لذَلِك {وَالله وَاسِعٌ} جواد بعطيته {عَلِيمٌ} لمن يُعْطي

55

ثمَّ نزلت فِي عبد الله ابْن سَلام وَأَصْحَابه أَسد وَأسيد أَو ثَعْلَبَة بن قيس وَغَيرهم بعد مَا جفاهم الْيَهُود فَقَالَ {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله} حافظكم وناصركم ومؤنسكم الله {وَرَسُولُهُ وَالَّذين آمَنُواْ} أَبُو بكر وَأَصْحَابه {الَّذين يُقِيمُونَ الصَّلَاة} الصَّلَوَات الْخمس {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاة} يُعْطون زَكَاة أَمْوَالهم {وَهُمْ رَاكِعُونَ} يصلونَ الصَّلَوَات الْخمس فِي الْجَمَاعَة مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

56

{وَمَن يَتَوَلَّ الله وَرَسُولَهُ وَالَّذين آمَنُواْ} أَبَا بكر وَأَصْحَابه فِي العون والنصرة {فَإِنَّ حِزْبَ الله} جند الله {هُمُ الغالبون} على أعدائهم يَعْنِي مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه

57

{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذين اتَّخذُوا دِينَكُمْ هُزُواً} سخرية {وَلَعِباً} ضحكة وباطلاً {مِّنَ الَّذين أُوتُواْ} أعْطوا {الْكتاب مِن قَبْلِكُمْ} يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى {وَالْكفَّار} وَسَائِر الْكفَّار {أَوْلِيَآءَ} فِي العون والنصرة {وَاتَّقوا الله} واخشوا الله فِي ولايتهم {إِن كُنتُم} إِذا كُنْتُم {مُّؤْمِنِينَ}

58

{وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاة} بِالْأَذَانِ وَالْإِقَامَة {اتَّخَذُوهَا هُزُواً} سخرية {وَلَعِباً} ضحكة وباطلاً {ذَلِك} الِاسْتِهْزَاء {بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ} أَمر الله وَلَا يعلمُونَ تَوْحِيد الله وَلَا دين الله نزلت هَذِه الْآيَة فِي رجل من الْيَهُود كَانَ يسخر بِأَذَان بِلَال فأحرقه الله بالنَّار

59

{قل} يَا مُحَمَّد للْيَهُود {يَا أهل الْكتاب هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ} تطعنون علينا وتعيبوننا {إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللَّه} إِلَّا لقبل إيمَاننَا بِاللَّه وَحده لَا شريك لَهُ {وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا} يَعْنِي الْقُرْآن {وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلُ} وَبِمَا أنزل من مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن من جملَة الْكتب وَالرسل {وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ} كلكُمْ {فَاسِقُونَ} كافرون

60

ثمَّ نزلت فِي مقالتهم وَمَا نعلم أهل دين من الْأَدْيَان أقل حظاً من مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه فَقَالَ الله {قُلْ} يَا مُحَمَّد للْيَهُود {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ} أخْبركُم {بِشَرٍّ مِّن ذَلِك} مِمَّا قُلْتُمْ لمُحَمد وَأَصْحَابه {مَثُوبَةً عِندَ الله}

من لَهُ عُقُوبَة عِنْد الله {مَن لَّعَنَهُ الله} عذبه الله بالجزية {وَغَضِبَ عَلَيْهِ} سخط عَلَيْهِ {وَجَعَلَ مِنْهُمُ القردة} فِي زمن دَاوُد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {والخنازير} فِي زمن عِيسَى بعد أكلهم من الْمَائِدَة {وَعَبَدَ الطاغوت} الْكُهَّان وَالشَّيَاطِين وَإِن قَرَأت وَعبد الطاغوت بِضَم الْبَاء يَقُول وجعلهم عباد الشَّيْطَان والأصنام والكهان {أُولَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً} صنيعاً فِي الدُّنْيَا ومنزلاً فِي الْآخِرَة {وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ السَّبِيل} عَن قصد طَرِيق الْهدى

61

{وَإِذا جاؤوكم} يَعْنِي سفلَة الْيَهُود وَيُقَال المُنَافِقُونَ {قَالُوا آمَنَّا} بك وبصفتك ونعتك إِنَّه فِي كتَابنَا {وَقَدْ دَّخَلُواْ بالْكفْر} بِكفْر السِّرّ {وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ} بِكفْر السِّرّ {وَالله أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ} من الْكفْر

62

{وَترى كَثِيراً مِّنْهُمْ} يَا مُحَمَّد يَعْنِي من الْيَهُود {يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْم} يبادرون فِي الْمعْصِيَة والشرك {والعدوان} الظُّلم والاعتداء على النَّاس {وَأَكْلِهِمُ السُّحت} الرِّشْوَة الْحَرَام وَفِي تَغْيِير الحكم {لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} من الْمعْصِيَة والاعتداء

63

{لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ} هلا ينهاهم {الربانيون} أَصْحَاب الصوامع {والأحبار} الْعلمَاء {عَن قَوْلِهِمُ الْإِثْم} الشّرك {وَأَكْلِهِمُ السُّحت} الرِّشْوَة وَالْحرَام {لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} فِي تَركهم ذَلِك

64

{وَقَالَتِ الْيَهُود} يَعْنِي فنحَاص بن عازوراء الْيَهُودِيّ {يَدُ الله مَغْلُولَةٌ} محبوسة عَن الْبسط {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ} أَمْسَكت أَيْديهم عَن الْخَيْر وَالنَّفقَة فِي الْخَيْر {وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ} عذبُوا بالجزية بِمَا قَالُوا {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} مفتوحتان على الْبر والفاجر {يُنفِقُ} يُعْطي {كَيْفَ يَشَآءُ} إِن شَاءَ وسع وَإِن شَاءَ قتر {وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم} وَالله ليزيدن كثيرا مِنْهُم كفارهم {مَّآ أُنزِلَ إِلَيْكَ} بِمَا أنزل إِلَيْك {مِن رَّبِّكَ} يَعْنِي الْقُرْآن {طغيانا} تماديا {وَكفرا} ثباتا على الْكفْر {وَأَلْقَيْنَا} أشلينا وأغرينا {بَيْنَهُمُ} بَين الْيَهُود وَالنَّصَارَى {الْعَدَاوَة} فِي الْقَتْل والهلاك {والبغضآء} فِي الْقلب {إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ} كلما اجْتَمعُوا على قتل مُحَمَّد تمرداً {أَطْفَأَهَا الله} فرق الله جمعهم وَخَالف كلمتهم {وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْض فَسَاداً} يَمْشُونَ فِي الأَرْض بِالْفَسَادِ بتعويق النَّاس عَن مُحَمَّد والدعوة إِلَى غير الله {وَالله لاَ يُحِبُّ المفسدين} الْيَهُود وَدينهمْ

65

{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكتاب} الْيَهُود وَالنَّصَارَى {آمَنُواْ} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {وَاتَّقوا} تَابُوا من الْيَهُودِيَّة والنصرانية {لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} ذنوبهم فِي الْيَهُودِيَّة والنصرانية {وَلأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعيم} فِي الْآخِرَة

66

{وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل} أقرُّوا بِمَا فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وبيّنوا ذَلِك يَعْنِي صفة مُحَمَّد ونعته {وَمَآ أُنزِلَ إِلَيهِمْ مِّن رَّبِّهِمْ} وبيّنوا مَا بيَّن لَهُم رَبهم فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَيُقَال أقرُّوا بجملة الْكتب وَالرسل من رَبهم {لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ} بالمطر {وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم} بالنبات وَالثِّمَار {مِّنْهُمْ} من أهل الْكتاب {أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ} جمَاعَة عادلة مُسْتَقِيمَة يَعْنِي عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه وبحيرا الراهب وَأَصْحَابه وَالنَّجَاشِي وَأَصْحَابه وسلمان الْفَارِسِي وَأَصْحَابه {وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَآءَ مَا يَعْمَلُونَ} بئس مَا يصنعون من كتمان صفة مُحَمَّد ونعته مِنْهُم كَعْب بن الْأَشْرَف وَكَعب بن أَسد وَمَالك بن الصَّيف وَسَعِيد بن عَمْرو وَأَبُو يَاسر وجدي بن أَخطب

67

{يَا أَيهَا الرَّسُول} يَعْنِي مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ}

من سبّ آلِهَتهم وعيب دينهم والقتال مَعَهم والدعوة إِلَى الْإِسْلَام {وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ} مَا أمرت {فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} كَمَا يَنْبَغِي {وَالله يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاس} من الْيَهُود وَغَيرهم {إِنَّ الله لاَ يَهْدِي الْقَوْم الْكَافرين} لَا يرشد إِلَى دينه من لم يكن أَهلا لدينِهِ

68

{قل} يَا مُحَمَّد {يَا أهل الْكتاب} يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى {لَسْتُمْ على شَيْءٍ} من دين الله {حَتَّى تُقِيمُواْ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل} حَتَّى تقروا بِمَا فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل {وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ} من جملَة الْكتب وَالرسل {وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ} كفارهم {مَّآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ} بِمَا أنزل إِلَيْك {مِن رَّبِّكَ} يَعْنِي الْقُرْآن {طغيانا} تماديا {وَكفرا} ثباتا عل الْكفْر {فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْم الْكَافرين} فَلَا تحزن على هلاكهم فِي الْكفْر إِن لم يُؤمنُوا

69

{إِنَّ الَّذين آمَنُواْ} بمُوسَى وبجملة الْأَنْبِيَاء والكتب وماتوا على ذَلِك فَلَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ {وَالَّذين هَادُواْ} تهودوا {والصابئون} يَعْنِي قوما من النَّصَارَى هم أَلين قولا من النَّصَارَى {وَالنَّصَارَى} نَصَارَى أهل نَجْرَان وَغَيرهم {مَنْ آمَنَ} يَعْنِي من الْيَهُود وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى {بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت وَتَابَ الْيَهُودِيّ من الْيَهُودِيَّة والصابىء من الصابئة وَالنَّصَارَى من النَّصْرَانِيَّة {وعَمِلَ صَالِحاً} خَالِصا فِيمَا بَينه وَبَين ربه {فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} فِيمَا يستقبلهم من الْعَذَاب {وَلَا هم يَحْزَنُونَ} على مَا خلفوا من خَلفهم وَيُقَال فَلَا خوف عَلَيْهِم إِذا خَافَ النَّاس وَلَا هم يَحْزَنُونَ إِذا حزن النَّاس وَيُقَال فَلَا خوف عَلَيْهِم إِذا ذبح الْمَوْت وَلَا هم يَحْزَنُونَ إِذا أطبقت النَّار

70

{لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ} إِقْرَار {بني إِسْرَائِيلَ} فِي التَّوْرَاة فِي مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَن لَا يشركوا بِاللَّه {وَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَآءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تهوى أَنفُسُهُمْ} بِمَا لَا يُوَافق قُلُوبهم وَدينهمْ الْيَهُودِيَّة {فَرِيقاً كَذَّبُواْ} يَقُول كذبُوا فريقاً عِيسَى ومحمداً صلوَات الله عَلَيْهِمَا {وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ} يَقُول وفريقاً قتلوا زَكَرِيَّا وَيحيى

71

{وَحَسبُوا أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ} بلية وَيُقَال أَن لَا تفْسد قُلُوبهم بقتل الْأَنْبِيَاء وتكذيبهم {عموا} عَن الْهدى {وَصَمُّواْ} عَن الْحق فِي الْقلب وَكَفرُوا بِاللَّه ثمَّ آمنُوا وتابوا من الْكفْر {ثُمَّ تَابَ الله عَلَيْهِمْ} تجَاوز الله عَنْهُم) {ثُمَّ عَمُواْ} عَن الْهدى {وَصَمُّواْ} عَن الْحق وَكَفرُوا {كَثِيرٌ مِّنْهُمْ} وماتوا على ذَلِك {وَالله بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} فِي الْكفْر من قتل الْأَنْبِيَاء وتكذيبهم

72

{لقد كفر الَّذين قآلوا إِن الله هُوَ الْمَسِيح ابْن مَرْيَمَ} وَهُوَ مقَالَة النسطورية {وَقَالَ الْمَسِيح} ابْن مَرْيَم {يَا بني إِسْرَائِيلَ اعبدوا الله} وحدوا الله {رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّه} ويمت عَلَيْهِ {فَقَدْ حَرَّمَ الله عَلَيهِ الْجنَّة} أَن يدخلهَا {وَمَأْوَاهُ} مصيره {النَّار وَمَا للظالمين} للْمُشْرِكين {من أنصار} من مَانع مِمَّا يُرَاد بهم

73

{لَّقَدْ كَفَرَ الَّذين قَالُوا إِنَّ الله ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ} وَهِي مقَالَة المرقوسية يَقُول أَب وَابْن وروح قدس {وَمَا مِنْ إِلَه} لأهل السَّمَوَات وَالْأَرْض {إِلاَّ إِلَه وَاحِدٌ} لَا ولد لَهُ وَلَا شريك لَهُ {وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ} يَقُول وَإِن لم يتوبوا من مقالتهم يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى {لَيَمَسَّنَّ} ليصيبن {الَّذين كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وجيع يخلص وَجَعه إِلَى قُلُوبهم

74

{أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى الله} من مقالتهم {وَيَسْتَغْفِرُونَهُ} يوحدونه {وَالله غَفُورٌ} لمن تَابَ وآمن {رَّحِيمٌ} لمن مَاتَ على التَّوْبَة

75

{مَّا الْمَسِيح ابْن مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ} مُرْسل {قَدْ خَلَتْ} قد مَضَت {مِن قَبْلِهِ الرُّسُل وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ} شبه نَبِي {كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَام} كَانَا عَبْدَيْنِ يأكلان الطَّعَام {انْظُر} يَا مُحَمَّد {كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَات} العلامات بِأَن عِيسَى وَمَرْيَم لم يَكُونَا بإلهين {ثُمَّ انْظُر} يَا مُحَمَّد {أَنى يُؤْفَكُونَ} كَيفَ يصرفون بِالْكَذِبِ

76

{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} الْأَصْنَام {مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً} مَا لَا يقدر لكم على دفع الضَّرَر فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة {وَلاَ نَفْعاً} يَقُول وَلَا جر النَّفْع فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة {وَالله هُوَ السَّمِيع} لمقالتكم فِي عِيسَى وَأمه {الْعَلِيم} بعقوبتكم

77

{قل يَا أهل الْكتاب} يعْنى أهل نَجْرَان {لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ} لَا تشددوا فِي دينكُمْ {غَيْرَ الْحق} فَإِنَّهُ لَيْسَ بِحَق {وَلاَ تتبعوا أَهْوَآءَ قَوْمٍ} دين قوم ومقالة قوم {قَدْ ضَلُّواْ} عَن الْهدى {مِن قَبْلُ} من قبلكُمْ وهم الرؤساء السَّيِّد وَالْعَاقِب {وَأَضَلُّواْ كَثِيراً} عَن الْحق وَالْهدى {وَضَلُّواْ عَن سَوَآءِ السَّبِيل} عَن قصد طَرِيق الْهدى

78

{لُعِنَ} مسخ {الَّذين كَفَرُواْ مِن بني إِسْرَائِيلَ على لِسَان دَاوُد} بِدُعَاء دَاوُد صَارُوا قردة {وَعِيسَى ابْن مَرْيَمَ} وبدعاء عِيسَى ابْن مَرْيَم صَارُوا خنازير {ذَلِك} اللَّعْنَة {بِمَا عَصَوْا} فِي السبت وَأكل الْمَائِدَة {وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} بقتل الْأَنْبِيَاء وَاسْتِحْلَال الْمعاصِي

79

{كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ} لَا يتوبون {عَن مُّنكَرٍ} عَن قَبِيح {فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} أَي مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ من الْمعْصِيَة والاعتداء

80

{ترى كَثِيراً مِّنْهُمْ} من الْمُنَافِقين {يَتَوَلَّوْنَ} فِي العون والنصرة {الَّذين كَفَرُواْ} كَعْبًا وَأَصْحَابه وَيُقَال ترى كثيرا مِنْهُم من الْيَهُودِيَّة كَعْبًا وَأَصْحَابه يتولون الَّذين كفرُوا كفار أهل مَكَّة أَبَا سُفْيَان وَأَصْحَابه {لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ} فِي الْيَهُودِيَّة والنفاق {أَن سَخِطَ} بِأَن سخط {الله عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَاب هُمْ خَالِدُونَ} لَا يموتون وَلَا يخرجُون

81

{وَلَوْ كَانُوا} يَعْنِي الْمُنَافِقين {يُؤْمِنُونَ بِاللَّه} يصدقون بإيمَانهمْ بِاللَّه {وَالنَّبِيّ} مُحَمَّد {وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ} يَعْنِي الْقُرْآن {مَا اتخذوهم} يَعْنِي الْيَهُود {أَوْلِيَآءَ} فِي العون والنصرة {وَلَكِن كثيرا مِنْهُم} من أهل الْكتاب {فَاسِقُونَ} مُنَافِقُونَ وَيُقَال وَلَو كَانُوا يَعْنِي الْيَهُود يُؤمنُونَ بِاللَّه يقرونَ بتوحيد الله وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا أنزل إِلَيْهِ يَعْنِي الْقُرْآن مَا اتخذوهم يَعْنِي أَبَا سُفْيَان وَأَصْحَابه أَوْلِيَاء فِي العون والنصرة وَلَكِن كثيرا مِنْهُم من أهل الْكتاب فَاسِقُونَ كافرون

82

ثمَّ بَين عداوتهم للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه فَقَالَ {لَتَجِدَنَّ} يَا مُحَمَّد {أَشَدَّ النَّاس عَدَاوَةً} وأقبح قولا {لِّلَّذِينَ آمَنُواْ} مُحَمَّد وَأَصْحَابه {الْيَهُود} يَعْنِي يهود بني قُرَيْظَة وَالنضير وفدك وخيبر {وَالَّذين أَشْرَكُواْ} وَأَشد الَّذين أشركوا مشركو أهل مَكَّة {وَلَتَجِدَنَّ} يَا مُحَمَّد {أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً} صلَة وألين قولا {لِّلَّذِينَ آمَنُواْ} مُحَمَّد وَأَصْحَابه {الَّذين قَالُوا إِنَّا نَصَارَى} يَعْنِي النَّجَاشِيّ أَصْحَابه وَكَانُوا اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ رجلا وَيُقَال أَرْبَعُونَ رجلا اثْنَان وَثَلَاثُونَ رجلا من الْحَبَشَة وَثَمَانِية نفر من رُهْبَان الشَّام بحيرا الراهب وَأَصْحَابه أَبْرَهَة وأشرف وَإِدْرِيس وَتَمِيم وَتَمام ودريد وأيمن {ذَلِك} الْمَوَدَّة {بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ} متعبدين محلقة أوساط رؤوسهم {وَرُهْبَانًا} أَصْحَاب الصوامع علماءهم {وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ} عَن الْإِيمَان بِمُحَمد وَالْقُرْآن

83

{وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى الرَّسُول} قِرَاءَة مَا أنزل إِلَى الرَّسُول من جَعْفَر بن أبي طَالب {ترى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ} تسيل {مِنَ الدمع مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحق} من صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته فِي كِتَابهمْ {يَقُولُونَ رَبَّنَآ} يَا رَبنَا {آمَنَّا} بك وبكتابك وبرسولك مُحَمَّدًا {فاكتبنا مَعَ الشَّاهِدين}

فاجعلنا من أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذين آمنُوا

84

فَلَامَهُمْ قَومهمْ بذلك فَقَالُوا {وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللَّه وَمَا جَآءَنَا مِنَ الْحق} يَقُول وَبِمَا جَاءَنَا من الْحق من الْكتاب وَالرَّسُول {وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا} فِي الْآخِرَة الْجنَّة {مَعَ الْقَوْم الصَّالِحين} مَعَ صالحي أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

85

{فَأَثَابَهُمُ الله} فَأوجب الله لَهُم {بِمَا قَالُواْ} بتوحيدهم بالطوع {جَنَّاتٍ} بساتين {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا} من تَحت شَجَرهَا ومساكنها {الْأَنْهَار} أَنهَار المَاء وَاللَّبن وَالْخمر وَالْعَسَل {خَالِدين فِيهَا} مقيمين فِي الْجنَّة لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا {وَذَلِكَ} الَّذِي ذكرت {جَزَآءُ الْمُحْسِنِينَ} الْمُوَحِّدين وَيُقَال الْمُحْسِنِينَ بالْقَوْل وَالْفِعْل

86

{وَالَّذين كَفَرُواْ} بِاللَّه {وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيم} أهل النَّار

87

{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ الله لَكُمْ} نزلت هَذِه الْآيَة فِي عشرَة نفر من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُم أَبُو بكر الصّديق وَعمر وَعلي وَعبد الله بن مَسْعُود وَعُثْمَان بن مَظْعُون الجُمَحِي ومقداد بن الْأسود الْكِنْدِيّ وَسَالم مولى أبي حُذَيْفَة بن عتبَة وسلمان الْفَارِسِي وَأَبُو ذَر وعمار بن يَاسر توافقوا فِي بَيت عُثْمَان بن مَظْعُون أَن لَا يَأْكُلُوا وَلَا يشْربُوا إِلَّا قوتاً وَلَا يأووا بَيْتا وَلَا يَأْتُوا النِّسَاء وَلَا يَأْكُلُون لَحْمًا وَلَا دسماً وَأَن يجبوا أنفسهم فنهاهم الله عَن ذَلِك وَنزلت فيهم هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ الله لَكُمْ} من الطَّعَام وَالشرَاب وَالْجِمَاع {وَلاَ تَعْتَدوا} بِقطع المذاكير {إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} من الْحَلَال إِلَى الْحَرَام فِي الْمثلَة

88

{وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله حَلاَلاً طَيِّباً} من الطَّعَام وَالشرَاب {وَاتَّقوا الله الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ} فِي الْمثلَة وَتَحْرِيم مَا أحل الله لكم

89

{لاَ يُؤَاخِذُكُمُ الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} بكفارة أَيْمَانكُم بِاللَّغْوِ {وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَان} بضمير قُلُوبكُمْ بالأيمان {فَكَفَّارَتُهُ} كَفَّارَة الْيَمين الَّتِي لَيست بلغُوا {إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ} من أعدل {مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} من الْخبز والأدم تغدونهم وتعشونهم {أَوْ كِسْوَتُهُمْ} أَو كسْوَة عشرَة مَسَاكِين بِقدر مَا يواري بِهِ عورتهم ملحفة أَو قَمِيصًا أَو إزاراً {أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} كَيْفَمَا يكون {فَمَن لَّمْ يَجِدْ} من هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة شَيْئا {فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ} تتابعاً {ذَلِك} الَّذِي ذكرت {كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} ثمَّ حنثتم {واحفظوا أَيْمَانَكُمْ} لفظ أَيْمَانكُم وَكَفَّارَة أَيْمَانكُم {كَذَلِك} هَكَذَا {يبين الله لكم آيَاته} أمره وَنَهْيه كَمَا بيَّن كَفَّارَة الْيَمين {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} لكَي تشكروا بَيَانه فِي الْأَمر وَالنَّهْي

90

{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ إِنَّمَا الْخمر} الشَّرَاب الَّذِي خامر الْعقل {وَالْميسر} الْقمَار كُله {والأنصاب} عبَادَة الْأَوْثَان {والأزلام} اسْتِعْمَال الْقدح {رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَان} حرَام بِأَمْر الشَّيْطَان ووسوسته {فَاجْتَنبُوهُ} فاتركوه {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} لكَي تنجوا من السخطة وَالْعَذَاب وتأمنوا فِي الْآخِرَة

91

{إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَان أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَة والبغضاء فِي الْخمر} إِذا صرتم نشاوى {وَالْميسر} وَهُوَ الْقمَار إِذا ذهب مالكم {وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ الله} يَقُول ويصرفكم الْخمر عَن طَاعَة الله {وَعَنِ الصَّلَاة} يَقُول يصدكم عَن الصَّلَوَات الْخمس {فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ} أَفلا تنتهون

92

{وَأَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرَّسُول} فِي تَحْرِيم الْخمر {واحذروا} فِي تحليلها أَو شربهَا

{فَإِن تَوَلَّيْتُمْ} عَن طاعتهما فِي تَحْرِيم الْخمر {فاعلموا أَنَّمَا على رَسُولِنَا} مُحَمَّد {الْبَلَاغ} التَّبْلِيغ عَن الله {الْمُبين} بلغَة تعلمونها

93

ثمَّ نزل فِي رجال من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار لقَولهم للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَيفَ حَال الَّذين مَاتُوا منا على شرب الْخمر قبل التَّحْرِيم فَأنْزل الله فيهم {لَيْسَ عَلَى الَّذين آمَنُواْ} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {جُنَاحٌ} مأثم {فِيمَا طعموا} شربوا وَهَذَا فِيمَن شرب من الْأَحْيَاء والأموات قبل التَّحْرِيم {إِذَا مَا اتَّقوا} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش {وَآمَنُواْ} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {ثُمَّ اتَّقَواْ وَآمَنُواْ} يَعْنِي الْأَحْيَاء تَحْلِيل الْخمر بعد تَحْرِيمهَا وآمنوا بتحريمها {ثُمَّ اتَّقَواْ} شربهَا {وَّأَحْسَنُواْ} تركُوا شربهَا {وَالله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} فِي ترك شربهَا وَهَذَا فِيمَن شرب من الْأَحْيَاء قبل الْبَيَان

94

ثمَّ نزل فِي تَحْرِيم الصَّيْد عَام الْحُدَيْبِيَة فَقَالَ {يَا أَيُّهَا الَّذين آمَنُواْ} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {لَيَبْلُوَنَّكُمُ الله بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْد} يَقُول ليختبرنكم بصيد الْبر {تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ} إِلَى فِرَاخه وبيضه {وَرِمَاحُكُمْ} إِلَى الْوَحْش عَام الْحُدَيْبِيَة {لِيَعْلَمَ الله} لكَي يرى الله {مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ} فَيتْرك الصَّيْد {فَمَنِ اعْتدى} مُتَعَمدا {بَعْدَ ذَلِك} بعد مَا حكم عَلَيْهِ بالجزاء وَبَين {فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ضرب وجيع يمْلَأ ظَهره وبطنه ضربا وجيعا

95

{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْد وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} أَو فِي الْحرم {وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً} نزلت هَذِه الْآيَة فِي ابي الْيُسْر ابْن عَمْرو قتل صيدا مُتَعَمدا بقتْله نَاسِيا لإحرامه فَأنْزل الله فِيهِ وَمن قَتله مِنْكُم مُتَعَمدا بقتْله نَاسِيا لإحرامه {فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النعم يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ} يقومه عَلَيْهِ حكمان {هَدْياً} فيشتري بِهِ هَديا {بَالِغَ الْكَعْبَة} يبلغ بِهِ الْكَعْبَة {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ} يَقُول أَو يقوم عَلَيْهِ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّرَاهِم بِالطَّعَامِ فيطعم بِهِ مَسَاكِين أهل مَكَّة {أَو عَدْلُ ذَلِك صِيَاماً} يَقُول إِن لم يجد الطَّعَام يقوم عَلَيْهِ مَكَان نصف صَاع صَوْم يَوْم {لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} عُقُوبَة أمره {عَفَا الله عَمَّا سَلَف} قبل التَّحْرِيم {وَمَنْ عَادَ} بعد مَا حكم عَلَيْهِ وَضرب ضربا وجيعاً فِي الدُّنْيَا {فَيَنْتَقِمُ الله مِنْهُ} فَيتْرك حَتَّى ينْتَقم الله مِنْهُ {وَالله عَزِيزٌ} بالنقمة {ذُو انتقام} ذُو عُقُوبَة

96

{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْر} نزلت فِي قوم من بني مُدْلِج كَانُوا أهل صيد الْبَحْر سَأَلُوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن طَعَام الْبَحْر وَعَما حسر الْبَحْر عَنهُ فَأنْزل الله أحل لكم صيد الْبَحْر {وَطَعَامُهُ} يَعْنِي مَا حسر عَنهُ المَاء وألقاه {مَتَاعاً لَّكُمْ} مَنْفَعَة لكم {وَلِلسَّيَّارَةِ} مارّي طَرِيق المالح {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبر مَا دُمْتُمْ حُرُماً} أَو فِي الْحرم {وَاتَّقوا الله} اخشوا الله {الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} فِيمَا حرم عَلَيْكُم من الصَّيْد فِي الْإِحْرَام وَالْحرم

97

{جَعَلَ الله الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام قِيَاماً} أمنا وقواماً {لِّلنَّاسِ} فِي الْعِبَادَة {والشهر الْحَرَام} أمنا {وَالْهَدْي} وَهُوَ الَّذِي يهدى إِلَى الْبَيْت أمنا للرفقة الَّتِي الْهَدْي فِيهَا {والقلائد} أمنا وَهِي الَّتِي عَلَيْهَا قلادة من لحى شجر الْحرم جعلهَا الله أمنا للرفقة الَّتِي هِيَ فِيهَا {ذَلِك} الَّذِي ذكرت {لِتَعْلَمُوا} لكَي تعلمُوا {أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَات} بصلاح مَا فِي السَّمَوَات {وَمَا فِي الأَرْض وَأَنَّ الله بِكُلِّ شَيْءٍ} من صَلَاحهَا وَصَلَاح أَهلهَا {عَلِيمٌ}

98

{اعلموا أَنَّ الله شَدِيدُ الْعقَاب} لمن اسْتحلَّ مَا حرم الله {وَأَنَّ الله غَفُورٌ} متجاوز {رَّحِيمٌ} لمن تَابَ

99

{مَّا عَلَى الرَّسُول إِلاَّ الْبَلَاغ} عَن الله

{وَالله يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ} تظْهرُونَ من الْخَيْر وَالشَّر {وَمَا تَكْتُمُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر وَيُقَال وَالله يعلم مَا تبدون تظْهرُونَ فِيمَا بَيْنكُم وَمَا تكتمون تسرون بَعْضكُم عَن بعض بِأخذ مَال شُرَيْح {قُل} يَا مُحَمَّد لأهل السَّرْح الَّذِي سَاق شُرَيْح

100

{لاَّ يَسْتَوِي الْخَبيث} الْحَرَام مَال شُرَيْح {وَالطّيب} الْحَلَال الَّذِي سَاق شُرَيْح {وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبيث} الْحَرَام {فَاتَّقُوا الله} فاخشوا الله فِي أَخذ الْحَرَام {يَا أولي الْأَلْبَاب} يَا أهل اللب وَالْعقل {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} لكَي تنجوا من السخطة وَالْعَذَاب

101

{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ} نزلت فِي حَارِث بن يزِيد سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين نزل {ولِلَّهِ عَلَى النَّاس حَجُّ الْبَيْت} فَقَالَ أَفِي كل عَام يَا رَسُول الله فَنَهَاهُ الله عَن ذَلِك وَقَالَ يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ {لاَ تَسْأَلُواْ} نَبِيكُم {عَنْ أَشْيَآءَ} قد عَفا الله عَنْهَا {إِن تُبْدَ لَكُمْ} تُؤمر لكم {تَسُؤْكُمْ} ساءكم ذَلِك {وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا} عَن الْأَشْيَاء الَّتِي قد عَفا الله عَنْهَا {حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآن} جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ {تُبْدَ لَكُمْ} تُؤمر لكم {عَفَا الله عَنْهَا} عَن مسئلتكم {وَالله غَفُورٌ} لمن تَابَ {حَلِيمٌ} عَن جهلكم

102

{قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ} نَبِيّهم أَشْيَاء {ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ} فَلَمَّا بيَّن لَهُم نَبِيّهم صَارُوا بهَا كَافِرين

103

{مَا جَعَلَ الله مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ} يَقُول مَا حرم الله بحيرة وَلَا سائبة وَلَا وصيلة وَلَا حامياً فَأَما الْبحيرَة فَمن الْإِبِل كَانُوا إِذا نتجت النَّاقة خَمْسَة أبطن نظرُوا فِي الْبَطن الْخَامِس فَإِن كَانَت سقباً والسقب الذّكر نحروه فَأَكله الرِّجَال وَالنِّسَاء جَمِيعًا وَإِن كَانَت أُنْثَى شَقوا أذنها فَتلك الْبحيرَة وَكَانَ لَبنهَا ومنافعها للرِّجَال خَاصَّة دون النِّسَاء حَتَّى تَمُوت فَإِذا مَاتَت اشْترك فِي أكلهَا الرِّجَال وَالنِّسَاء وَأما السائبة فَكَانَ الرجل يسيب من مَاله مَا يَشَاء من الْحَيَوَان وَغَيره فَيَجِيء بِهِ إِلَى السَّدَنَة والسدنة خَزَنَة آلِهَتهم فيدفعه إِلَيْهِم فيقبضونه مِنْهُ فيطعمون مِنْهُ أَبنَاء السَّبِيل الرِّجَال دون النِّسَاء ويطعمون مِنْهُ لآلهتهم الذُّكُور دون الْإِنَاث حَتَّى يَمُوت إِن كَانَ حَيَوَانا فَإِذا مَاتَ اشْترك فِيهِ الرِّجَال وَالنِّسَاء وَأما الوصيلة فَهِيَ الشَّاة كَانَت إِذا ولدت سَبْعَة أبطن عَمدُوا إِلَى الْبَطن السَّابِع فَإِذا كَانَ ذكرا ذبحوه فَأَكله الرِّجَال وَالنِّسَاء جَمِيعًا وَإِن كَانَ أُنْثَى لم تنْتَفع النِّسَاء مِنْهَا بِشَيْء حَتَّى تَمُوت فَإِذا مَاتَت كَانَ الرِّجَال وَالنِّسَاء يأكلونها جَمِيعًا وَإِن كَانَ ذكرا وَأُنْثَى بِبَطن وَاحِد قيل وصلت أخاها فيتركان مَعَ إخوتها فَلَا يذبحان وَكَانَا للرِّجَال دون النِّسَاء حَتَّى يموتا فَإِذا مَاتَا اشْترك فِي أكلهما الرِّجَال وَالنِّسَاء وَأما الحام فَهُوَ الْفَحْل إِذا ركب ولد وَلَده قيل حمى ظَهره فَيتْرك وَلَا يحمل عَلَيْهِ شَيْء وَلَا يركب وَلَا يمْنَع من مَاء وَلَا رعي وَأَيّمَا إبل أَتَاهَا يضْرب فِيهَا لم يخل بَينه وَبَينهَا فَإِذا أدْركهُ الْهَرم أَو مَاتَ أكله الرِّجَال وَالنِّسَاء جَمِيعًا فَذَاك قَوْله تَعَالَى {مَا جَعَلَ الله مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ} {وَلَكِن الَّذين كَفَرُواْ} يَعْنِي عَمْرو بن لحي وَأَصْحَابه {يَفْتَرُونَ} يختلقون {على الله الْكَذِب} فِي تَحْرِيمهَا {وَأَكْثَرُهُمْ} كلهم {لاَ يَعْقِلُونَ} أَمر الله وتحليله وتحريمه

104

{وَإِذا قيل لَهُم} قَالَ لَهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لمشركى أهل مَكَّة {تَعَالَوْاْ إِلَى مَآ أَنزَلَ الله} إِلَى تَحْلِيل مَا بيَّن الله فِي الْقُرْآن {وَإِلَى الرَّسُول} وَإِلَى مَا بيَّن لكم الرَّسُول من التَّحْلِيل {قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَآ} من التَّحْرِيم {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ} وَقد كَانَ آباؤهم {لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً} من التَّوْحِيد وَالدين {وَلاَ يَهْتَدُونَ} لسنة نَبِي وَيُقَال أَو لَيْسَ كَانَ آباؤهم لَا يعلمُونَ شَيْئا من

الدّين وَلَا يَهْتَدُونَ لسنة النَّبِي فَكيف هم يقتدون بهم

105

{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} أَقبلُوا على أَنفسكُم {لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ} ضَلَالَة من ضل {إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} إِلَى الْإِيمَان وبينتم ضلالتهم {إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ} بعد الْمَوْت {جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ} يُخْبِركُمْ {بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} وتقولون من الْخَيْر وَالشَّر نزلت هَذِه الْآيَة من قَوْله عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ إِلَى هَهُنَا فِي مُشْركي أهل مَكَّة حِين قبل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أهل الْكتاب الْجِزْيَة وَلم يقبل مِنْهُم وَقد بيّنت قصَّة هَذَا فِي سُورَة الْبَقَرَة

106

{يِا أَيُّهَا الَّذين آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} عَلَيْكُم بِالشَّهَادَةِ فِيمَا يكون بَيْنكُم فِي السّفر والحضر {إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْت حِينَ الْوَصِيَّة} عِنْد وَصِيَّة الْمَيِّت {اثْنَان} فليشهد شَاهِدَانِ {ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ} من أحراركم حران وَيُقَال من قومكم {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} من غير أهل دينكُمْ وَيُقَال من غير قومكم ثمَّ ذكر السّفر وَترك الْحَضَر فَقَالَ {إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ} سِرْتُمْ وسافرتم {فِي الأَرْض فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْت} نزلت هَذِه الْآيَة فِي ثَلَاث نفر اصطحبوا فِي التِّجَارَة إِلَى الْبَلَد بلد الشَّام فَمَاتَ أحدهم بِالْبَلَدِ يُقَال لَهُ بديل بن أبي مَارِيَة مولى عَمْرو بن الْعَاصِ وَكَانَ مُسلما فأوصى صَاحِبيهِ عدي بن بداء وَتَمِيم ابْن أَوْس الدَّارِيّ وَكَانَا نَصْرَانِيين فخانا فِي الْوَصِيَّة فَقَالَ الله لأولياء الْمَيِّت {تَحْبِسُونَهُمَا} يَعْنِي النصرانيين {مِن بَعْدِ الصَّلَاة} صَلَاة الْعَصْر {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّه} فيحلفان بِهِ {إِنِ ارتبتم} إِن شَكَكْتُمْ يَا أَوْلِيَاء الْمَيِّت إِن المَال أَكثر مِمَّا أَتَيَا بِهِ {لاَ نَشْتَرِي بِهِ} وليقولا لَا نشتري بِالْيَمِينِ {ثَمَناً} عوضا يَسِيرا من الدُّنْيَا {وَلَوْ كَانَ ذَا قربى} وَلَو كَانَ الْمَيِّت ذَا قرَابَة منا فِي الرَّحِم {وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ الله} وليقولا لَا نكتم شَهَادَة الله عندنَا إِذا سئلنا {إِنَّآ} إِن كتمنا {إِذَاً} حِينَئِذٍ {لَّمِنَ الآثمين} العاصين فَتبين بعد مَا حلفا خيانتهما وَعلم بذلك أَوْلِيَاء الْمَيِّت فَقَالَ الله

107

{فَإِنْ عُثِرَ} فَإِن اطلع {على أَنَّهُمَا} يَعْنِي النصرانيين {استحقآ} استوجبا {إِثْماً} خِيَانَة {فَآخَرَانِ} وليان من أَوْلِيَاء الْمَيِّت وهما عَمْرو بن الْعَاصِ ومطلب بن أبي ودَاعَة {يِقُومَانُ مَقَامَهُمَا} مقَام النصرانيين {مِنَ الَّذين اسْتحق عَلَيْهِمُ} الْخِيَانَة يَعْنِي النصرانيين وَيُقَال من الَّذين استكتم المَال مِنْهُمَا يَعْنِي من أَوْلِيَاء الْمَيِّت {الأوليان} بِالْمَالِ مقدم ومؤخر {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّه} فيحلفان بِاللَّه أَي أَوْلِيَاء الْمَيِّت إِن المَال أَكثر مِمَّا أَتَيَا بِهِ {لَشَهَادَتُنَا} شَهَادَة الْمُسلمين {أَحَقُّ} اصدق (مِن شَهَادَتِهِمَا) شَهَادَة النصرانيين {وَمَا اعتدينآ} وليقولا وَمَا اعتدينا فِيمَا أدعينا {إِنَّا إِذاً} إِن اعتدينا فِيمَا أدعينا {لَّمِنَ الظَّالِمين} الضارين الْكَاذِبين

108

{ذَلِك أدنى} أَحْرَى وأجدر {أَن يَأْتُواْ بِالشَّهَادَةِ} يَعْنِي النصرانيين {على وَجْهِهَآ} كَمَا كَانَت {أَوْ يخَافُوا} أَو يخافا النصرانيان {أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ} أيمانهما {بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ} بعد شَهَادَة الرجلَيْن الْمُسلمين فَلَا يكتمان {وَاتَّقوا الله} اخشوا الله فِي أَمَانَته {واسمعوا} مَا تؤمرون بِهِ وَأَطيعُوا الله {وَالله لاَ يَهْدِي الْقَوْم الْفَاسِقين} لَا يرشد العاصين الْكَاذِبين الْكَافرين إِلَى دينه وحجته من لم يكن أَهلا لذَلِك

109

{يَوْمَ يَجْمَعُ الله الرُّسُل} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {فَيَقُولُ} لَهُم فِي بعض المواطن فِي وَقت الدهشة {مَاذَآ أُجِبْتُمْ} مَاذَا أجابكم الْقَوْم {قَالُواْ} من شدَّة الْمَسْأَلَة وهول ذَلِك الموطن {لاَ عِلْمَ لَنَآ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الغيوب} بِمَا غَابَ عَنَّا من إِجَابَة الْقَوْم ثمَّ يجيبون بعد ذَلِك فَيَشْهَدُونَ على قَومهمْ بالبلاغ

110

{إِذْ قَالَ الله} قد قَالَ الله {يَا عِيسَى ابْن مَرْيَمَ اذكر نِعْمَتِي}

احفظ منتي {عَلَيْكَ} بِالنُّبُوَّةِ {وعَلى وَالِدَتِكَ} بِالْإِسْلَامِ وَالْعِبَادَة {إِذْ أَيَّدتُّكَ} أعنتك {بِرُوحِ الْقُدس} بِجِبْرِيل المطهر لقنك وأعانك فِي تكليم النَّاس {تُكَلِّمُ النَّاس فِي المهد} فِي الْحجر والسرير بِأبي عبد الله ومسيحه {وَكَهْلاً} وأعانك بعد ثَلَاثِينَ سنة بِأَنِّي رَسُول الله إِلَيْكُم {وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكتاب} كتب الْأَنْبِيَاء وَيُقَال الْخط بالقلم {وَالْحكمَة} حِكْمَة الْحُكَمَاء وَيُقَال الْحَلَال وَالْحرَام {والتوراة} وعلمتك التَّوْرَاة فِي بطن أمك {وَالْإِنْجِيل} بعد خُرُوجك {وَإِذْ تَخْلُقُ} تصور {مِنَ الطين كَهَيْئَةِ الطير} شبه الطير وَهُوَ الخفاش {بِإِذْنِي} بأَمْري {فَتَنفُخُ فِيهَا} كنفخ النَّائِم {فَتَكُونُ طَيْراً} فَتَصِير طيراً تطير بَين السَّمَاء وَالْأَرْض {بِإِذْنِي} بأَمْري وإرادتي {وَتُبْرِئُ} تصحح {الأكمه} الَّذِي يُولد أعمى {والأبرص بِإِذْنِي} بأَمْري وإرادتي وقدرتي {وَإِذْ تُخْرِجُ} تحيي {الْمَوْتَى بِإِذْنِيِ} بإرادتي وإحيائي {وَإِذْ كَفَفْتُ} منعت {بني إِسْرَائِيل عَنْك} إِذْ هُوَ اتقبلك {إِذْ جِئْتَهُمْ} حَيْثُ جئتهم {بِالْبَيِّنَاتِ} بِالْأَمر وَالنَّهْي والعجائب الَّتِي أريتهم {فَقَالَ الَّذين كَفَرُواْ مِنْهُمْ} من بني إِسْرَائِيل {إِنْ هَذَا} مَا هَذَا الَّذِي يرينا عِيسَى {إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ} ظَاهر وَإِن قَرَأت سَاحر مُبين أَرَادوا بِهِ عِيسَى

111

{وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الحواريين} ألهمت الحواريين القصارين وهم اثْنَا عشر رجلا {أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي} عِيسَى {قَالُوا آمَنَّا} بك وبرسولك عِيسَى {واشهد} أَنْت يَا عِيسَى وَشهد بَعضهم على بعض {بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} مخلصون بِالْعبَادَة والتوحيد

112

{إِذْ قَالَ الحواريون} الأصفياء يَعْنِي شَمْعُون الصفي {يَا عِيسَى ابْن مَرْيَمَ} يَقُول لَك قَوْمك {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ} هَل يفعل رَبك وَإِن قَرَأت بِالتَّاءِ وَنصب الْيَاء تَقول هَل تَسْتَطِيع أَن تَدْعُو رَبك {أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً} طَعَاما {مِّنَ السمآء قَالَ} عِيسَى لشمعون قل لَهُم {اتَّقوا الله} اخشوا الله {إِن كُنتُم} إِذْ كُنْتُم {مُّؤْمِنِينَ} موقنين فلعلكم تتركون شكرها فيعذبكم فَقَالَ لَهُم ذَلِك شَمْعُون

113

{قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا} بِمَا ترينا من الْعَجَائِب {وَنَعْلَمَ} ونستيقن {أَن قَدْ صَدَقْتَنَا} مَا تَقول {وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدين} إِذا رَجعْنَا إِلَى قَومنَا

114

{قَالَ عِيسَى ابْن مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَآ أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السمآء} طَعَاما من السَّمَاء وَيُقَال بركَة الطَّعَام وَكَانَ مَعَهم شَيْء من الطَّعَام {تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا} لأهل زَمَاننَا {وآخرنا} لمن خلفنا لكَي نعبدك فِيهَا وَكَانَ يَوْم الْأَحَد {وَآيَةً مِّنْكَ} لمن آمن وَحجَّة على من كفر {وارزقنا} أعطنا مَا سألناك {وَأَنتَ خَيْرُ الرازقين} أفضل المطعمين

115

{قَالَ الله} لعيسى قل لَهُم {إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ} مَا سَأَلْتُم {فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ} بعد النُّزُول وَالْأكل {مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِّنَ الْعَالمين} عالمي زمانهم أمسخه خنزيراً قَالُوا بعد النُّزُول وَالْأكل هَذَا سحر مُبين كذب بيِّن قَالَ عِيسَى إِن تُعَذبهُمْ على هَذِه الْمقَالة الَّتِي استحقوا عَلَيْهَا الْهَلَاك فَإِنَّهُم عِبَادك وَإِن تغْفر لَهُم تتب عَلَيْهِم وتتجاوز عَنْهُم فَإنَّك أَنْت الْعَزِيز بالنقمة لمن لم يتب الْحَكِيم بالمغفرة لمن تَابَ مقدم ومؤخر

116

{وَإِذْ قَالَ الله} يَقُول الله يَوْم الْقِيَامَة {يَا عِيسَى ابْن مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ} فِي الدُّنْيَا {اتخذوني وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ الله قَالَ} يَقُول عِيسَى {سُبْحَانَكَ} نزه ربه {مَا يَكُونُ} يَقُول مَا كَانَ يَنْبَغِي وَمَا يجوز {لي أَنْ أَقُولَ} لَهُم {مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ} بجائز {إِن كُنتُ قُلْتُهُ} لَهُم {فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي}

مَا كَانَ مني لَهُم من الْأَمر وَالنَّهْي {وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} مَا كَانَ مِنْك لَهُم من الخذلان والتوفيق {إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الغيوب} مَا غَابَ عَن الْعباد

117

{مَا قُلْتُ لَهُمْ} فِي الدُّنْيَا {إِلاَّ مَآ أَمرتنِي بِهِ أَن اعبدوا الله} وحادوا الله وأطيعوه {رَبِّي وَرَبَّكُمْ} هُوَ رَبِّي وربكم {وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً} بالبلاغ {مَّا دُمْتُ فِيهِمْ} مَا كنت فيهم {فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي} رفعته من بَينهم {كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ} الحفيظ والشهيد عَلَيْهِم {وَأَنتَ على كُلِّ شَيْءٍ} من مَقَالَتي ومقالتهم {شَهِيدٌ} عليم قَالَ عِيسَى

118

{إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيز الْحَكِيم} قد فسرتها فِي التَّقْدِيم

119

{قَالَ الله} سَيَقُولُ الله {هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقين صِدْقُهُمْ} وَالْمُؤمنِينَ إِيمَانهم والمبلغين تبليغهم والموفين وفاؤهم {لَهُمْ جَنَّاتٌ} بساتين {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا} من تَحت شَجَرهَا وسررها {الْأَنْهَار} أَنهَار المَاء وَاللَّبن وَالْخمر وَالْعَسَل {خَالِدين فِيهَا} مقيمين فِي الْجنَّة لَا يموتون فِيهَا وَلَا يخرجُون مِنْهَا {أَبَداً رَّضِيَ الله عَنْهُمْ} بإيمَانهمْ وعملهم {وَرَضُواْ عَنْهُ} بالثواب والكرامة {ذَلِك} الَّذِي ذكرت من الخلود والرضوان {الْفَوْز الْعَظِيم} النجَاة الوافرة فازوا بِالْجنَّةِ ونجوا من عَذَاب النَّار

120

{لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَات وَالْأَرْض} خَزَائِن السَّمَوَات وَالْأَرْض خَزَائِن السَّمَوَات الْمَطَر وَالْأَرْض النَّبَات وَالثِّمَار وَغير ذَلِك {وَمَا فِيهِنَّ} من الْخلق والعجائب {وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ} من خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب {قَدِيرٌ} فاحمدوا الَّذِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمن السُّورَة الَّتِي يذكر فِيهَا الْأَنْعَام وَهِي مَكِّيَّة نزلت جملَة وَاحِدَة غير خمس آيَات مِنْهَا مدنيات {قل تَعَالَوْا أتل مَا حرم ربكُم} إِلَى آخر الثَّلَاثَة وَقَوله {وَمَا قدرُوا الله} إِلَى آخِره وَقَوله {وَمن أظلم مِمَّن افترى على الله كذبا} إِلَى آخر الْآيَة هَؤُلَاءِ خمس آيَات نزلت بِالْمَدِينَةِ آياتها مائَة وست وَعِشْرُونَ وكلماتها ثَلَاثَة آلَاف وَخَمْسُونَ وحروفها اثْنَا عشر ألفا وَأَرْبَعمِائَة وَاثْنَانِ وَعِشْرُونَ {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

الأنعام

! وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {الْحَمد للَّهِ} يَقُول الشُّكْر والألوهية لله {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَات} فِي يَوْمَيْنِ يَوْم الْأَحَد وَيَوْم الِاثْنَيْنِ {وَالْأَرْض} فِي يَوْمَيْنِ يَوْم الثُّلَاثَاء وَالْأَرْبِعَاء {وَجَعَلَ الظُّلُمَات والنور} خلق الْكفْر وَالْإِيمَان أَو اللَّيْل وَالنَّهَار {ثْمَّ الَّذين كَفَرُواْ} كفار مَكَّة {بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} بِهِ الْأَصْنَام

2

{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن طِينٍ} من آدم وآدَم من طين {ثُمَّ قضى أَجَلاً} خلق الدُّنْيَا وَجعل أجلهَا إِلَى الفناء وَخلق الْخلق وَجعل آجالهم إِلَى الْمَوْت {وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ} أجل الْآخِرَة مَعْلُوم عِنْد الله بِلَا موت وَلَا فنَاء {ثُمَّ أَنتُمْ} يَا أهل مَكَّة {تمترون} تشكون بِاللَّه وبالبعث بعد الْمَوْت

3

{وَهُوَ الله فِي السَّمَاوَات} وَهُوَ إِلَه من فِي السَّمَوَات {وَفِي الأَرْض} وإله من فِي الأَرْض {يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ} يَقُول يعلم السِّرّ وَالْعَلَانِيَة مِنْكُم {وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ} مَا تَعْمَلُونَ من الْخَيْر وَالشَّر

4

{وَمَا تَأْتِيهِم} يَعْنِي أهل مَكَّة {مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ} مثل انكساف الشَّمْس وانشقاق الْقَمَر والنجوم {إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا} عَن الْآيَة {مُعْرِضِينَ} مكذبين بهَا

5

{فَقَدْ كَذَّبُواْ} يَعْنِي

أهل مَكَّة {بِالْحَقِّ} بِالْقُرْآنِ وَالْآيَة {لَمَّا جَآءَهُمْ} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بهما {فَسَوْفَ} وَهَذَا وَعِيد لَهُم {يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يستهزؤون} خبر استهزائهم وعقوبة استهزائهم يَوْم بدر وَيَوْم أحد وَيَوْم الْأَحْزَاب

6

{أَلَمْ يَرَوْاْ} ألم يخبر أهل مَكَّة فِي الْقُرْآن {كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ} من الْأُمَم الخالية {مَّكَّنَّاهُمْ} ملكناهم وأمهلناهم {فِي الأَرْض مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ} مَا لم نملككم ونمهلكم يَا أهل مَكَّة {وَأَرْسَلْنَا السمآء عَلَيْهِم مَّدْرَاراً} مَطَرا دَائِما دريراً كلما احتاجوا إِلَيْهِ {وَجَعَلْنَا الْأَنْهَار تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ} من تَحت بساتينهم وزروعهم وشجرهم {فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ} بتكذيبهم الْأَنْبِيَاء {وَأَنْشَأْنَا} خلقنَا {مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً} قوما {آخَرِينَ} خيرا مِنْهُم

7

{وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً} لَو نزلنَا جِبْرِيل عَلَيْك بِالْقُرْآنِ جملَة {فِي قِرْطَاسٍ} فِي صحيفَة كَمَا سَأَلَك عبد الله بن أبي أُميَّة المَخْزُومِي وَأَصْحَابه {فلمسوه بِأَيْدِيهِم} فَأَخَذُوهُ وقرءوه {لَقَالَ الَّذين كَفَرُواْ} يَعْنِي عبد الله بن أبي أُميَّة المَخْزُومِي {إِن هَذَا} مَا هَذَا {إِلَّا سحر مُبين} كذب بَين

8

{وَقَالُواْ} يَعْنِي عبد الله بن أبي أُميَّة المَخْزُومِي {لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ} هلا أنزل عَلَيْهِ ملك فَيشْهد لَهُ بِمَا يَقُول {وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً} كَمَا سألوك {لَّقُضِيَ الْأَمر} نزل بعذابهم وَقبض أَرْوَاحهم وَيُقَال فرغ من هلاكهم {ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ} لَا يؤجلون

9

{وَلَوْ جَعَلْنَاهُ} يَعْنِي الرَّسُول {مَلَكاً لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً} فِي صُورَة رجل آدَمِيّ حَتَّى يقدروا أَن ينْظرُوا إِلَيْهِ {وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم} على الْمَلَائِكَة {مَّا يَلْبِسُونَ} مثل مَا يلبسُونَ من الثِّيَاب وَيُقَال وللبسنا عَلَيْهِم خلطنا عَلَيْهِم صُورَة الْملك مَا يلبسُونَ كَمَا يخلطون على أنفسهم صفة مُحَمَّد ونعته

10

{وَلَقَدِ استهزئ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ} اسْتَهْزَأَ بهم قَومهمْ كَمَا اسْتَهْزَأَ بك قَوْمك {فَحَاقَ} فَوَجَبَ وَنزل وَدَار {بالذين سَخِرُواْ مِنْهُمْ} من الْكفَّار {مَا كَانُوا بِهِ يستهزؤون} عُقُوبَة استهزائهم

11

{قُلْ} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {سِيرُواْ} سافروا {فِي الأَرْض ثُمَّ انْظُرُوا} وتفكروا {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المكذبين} كَيفَ صَار آخر أَمر المكذبين بِاللَّه وَالرسل

12

{قُل} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} من الْخلق فَإِن أجابوك وَإِلَّا {قُل لِلَّهِ} خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض {كَتَبَ على نَفْسِهِ الرَّحْمَة} أوجب على نَفسه الرَّحْمَة لأمة صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِتَأْخِير الْعَذَاب {لَيَجْمَعَنَّكُمْ} وَالله ليجمعنكم {إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة} ليَوْم الْقِيَامَة {لاَ رَيْبَ فِيهِ} لَا شكّ فِيهِ {الَّذين خسروا} غبنوا {أَنفُسَهُمْ} ومنازلهم وخدمهم وأزواجهم فِي الْجنَّة {فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} بِمُحَمد وَالْقُرْآن وَنزل فِي مقالتهم فِي مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ارْجع إِلَى ديننَا حَتَّى نغنيك ونزوجك ونعزك ونملكك على أَنْفُسنَا

13

{وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْل وَالنَّهَار} مَا اسْتَقر فِي وَطنه فِي اللَّيْل وَالنَّهَار {وَهُوَ السَّمِيع} لمقالتهم {الْعَلِيم} بعقوبتهم وبأرزاق الْخلق

14

{قُلْ} يَا مُحَمَّد لَهُم {أَغَيْرَ الله أَتَّخِذُ وَلِيّاً} أعبد رَبًّا {فَاطِرِ السَّمَاوَات} خَالق السَّمَوَات {وَالْأَرْض وَهُوَ يُطْعِمُ} يرْزق الْعباد {وَلاَ يُطْعَمُ} لَا يرْزق وَيُقَال لَا يعان على الترزيق {قُلْ} يَا مُحَمَّد لكفار مَكَّة {إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ} أول من يكون على الْإِسْلَام وَيُقَال أول من أخْلص بِالْعبَادَة والتوحيد لله من أهل زَمَانه {وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْركين} مَعَ الْمُشْركين على دينهم

15

{قُلْ} يَا مُحَمَّد {إِنِّي أَخَافُ} أعلم {إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي} وعبدت غَيره وَرجعت إِلَى دينكُمْ {عَذَاب يَوْم عَظِيم} عذَابا عَظِيما

افي يَوْم عَظِيم وَيُقَال عذَابا فِي يَوْم عَظِيم

16

{مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ} الْعَذَاب {يَوْمَئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {فَقَدْ رَحِمَهُ} عصمه وَغفر لَهُ {وَذَلِكَ} الغفران {الْفَوْز الْمُبين} النجَاة الوافرة

17

{وَإِن يَمْسَسْكَ الله} يصبك الله {بِضُرٍّ} بِشدَّة وفقر {فَلاَ كَاشِفَ لَهُ} فَلَا رَافع لَهُ {إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ} يصبك {بِخَيْرٍ} بِنِعْمَة وغنى {فَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ} من الشدَّة والفقر وَالنعْمَة والغنى {قَدُيرٌ}

18

{وَهُوَ القاهر} الْغَالِب {فَوْقَ عِبَادِهِ} على عباده {وَهُوَ الْحَكِيم} فِي أمره وقضائه {الْخَبِير} بخلقه وبأعمالهم

19

ثمَّ نزلت فِي مقالتهم للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ائتنا بِشَهِيد يشْهد أَنَّك نَبِي {قُلْ} يَا مُحَمَّد لَهُم {أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ} أعدل وأرضى {شَهَادةً} فَإِن أجابوك وَإِلَّا {قُلِ الله شَهِيدٌ بيني وَبَيْنكُم} بِأَنِّي رَسُوله وَهَذَا الْقُرْآن كَلَامه {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآن} أنزل إِلَى جِبْرِيل بِهَذَا الْقُرْآن {لأُنذِرَكُمْ بِهِ} لأخوفكم بِالْقُرْآنِ {وَمَن بَلَغَ} إِلَيْهِ خبر الْقُرْآن فَأَنا نَذِير لَهُ {أَئِنَّكُمْ} يَا أهل مَكَّة {لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ الله آلِهَةً أُخْرَى} يَعْنِي الْأَصْنَام تَقولُونَ إِنَّهَا بِنَا الله فَإِن شهدُوا على ذَلِك {قُل لاَّ أَشْهَدُ} مَعكُمْ {قُلْ} يَا مُحَمَّد {إِنَّمَا هُوَ إِلَه وَاحِدٌ} إِنَّمَا الله إِلَه وَاحِد {وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ} بِهِ من الْأَصْنَام فِي الْعِبَادَة

20

{الَّذين آتَيْنَاهُمُ الْكتاب} أعطيناهم علم التَّوْرَاة يَعْنِي عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه {يَعْرِفُونَهُ} يعْرفُونَ مُحَمَّد بِصفتِهِ ونعته {كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَآءَهُمُ} يَعْنِي الغلمان {الَّذين خسروا أنفسهم} غبنوا أنفسهم بذهاب الدُّنْيَا وَالْآخِرَة يَعْنِي كَعْب بن الْأَشْرَف وَأَصْحَابه {فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} بِمُحَمد وَالْقُرْآن

21

{وَمَنْ أَظْلَمُ} أجرا {مِمَّنِ افترى} اختلق {عَلَى الله كَذِباً} فأشركه بآلهة شَتَّى {أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ} لَا ينجو وَلَا يَأْمَن {الظَّالِمُونَ} الْكَافِرُونَ وَالْمُشْرِكُونَ من عَذَاب الله

22

{وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً} كَافَّة النَّاس يَوْم الْقِيَامَة {ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ} بِاللَّه الْآلهَة {أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ} آلِهَتكُم {الَّذين كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} تَعْبدُونَ وتقولون إِنَّهُم شفعاؤكم

23

{ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ} عذرهمْ وجوابهم {إِلاَّ أَن قَالُواْ} إِلَّا قَوْلهم {وَالله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكين

24

{انْظُر} يَا مُحَمَّد وَيُقَال يَقُول للْمَلَائكَة {كَيْفَ كَذَبُواْ على أَنفُسِهِمْ} كَيفَ أوجبوا عُقُوبَة كذبهمْ على أنفسهم {وَضَلَّ عَنْهُمْ} اشْتغل عَنْهُم بأنفهسم {مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} يعْبدُونَ بِالْكَذِبِ وَيُقَال بَطل افتراؤهم

25

{وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} يَقُول من أهل مَكَّة من يستمع إِلَى كلامك وحديثك مِنْهُم أَبُو سُفْيَان بن حَرْب والوليد بن الْمُغيرَة وَالنضْر بن الْحَارِث وَعتبَة وَشَيْبَة ابْنا ربيعَة وَأُميَّة وَأبي ابْنا خلف والحرث بن عَامر {وَجَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً} أغطية {أَن يَفْقَهُوهُ} لكَي لَا يفقهوا كلامك وحديثك {وَفِي آذانهم وقرا} صمما لكَي لَا يسمعوا الْحق وَالْهدى وَيُقَال ثقلاً عَن الْهدى أَن يعقلوه {وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ} طلبوها مِنْك {لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا} طلب مِنْهُ حَارِث بن عَامر {حَتَّى إِذا جاؤوك} جَاءُوا إِلَيْك {يُجَادِلُونَكَ} يَسْأَلُونَك مَاذَا أنزل من الْقُرْآن فَإِذا أَخْبَرتهم {يَقُولُ الَّذين كفرُوا} يَعْنِي النَّضر بن الْحَارِث {إِنْ هَذَا} مَا هَذَا الَّذِي يَقُول مُحَمَّد {إِلاَّ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلين} كذب الْأَوَّلين وأحاديثهم

26

{وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ} وَهُوَ أَبُو جهل وَأَصْحَابه ينهون عَنهُ عَن مُحَمَّد وَالْقُرْآن {وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} يمْنَعُونَ عَنهُ ويتباعدون وَيُقَال هُوَ أَبُو طَالب كَانَ ينْهَى النَّاس عَن أَذَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا يُتَابِعه {وَإِن يُهْلِكُونَ} مَا يهْلكُونَ

{إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} مَا يعلمُونَ أَن أوزار الَّذين يصدونهم عَنهُ هِيَ عَلَيْهِم

27

{وَلَوْ ترى} يَا مُحَمَّد {إِذْ وُقِفُواْ} حبسوا {على النَّار فَقَالُوا يَا ليتنا نُرَدُّ} إِلَى الدُّنْيَا {وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا} بالكتب وَالرسل {وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤمنِينَ} مَعَ الْمُؤمنِينَ فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة

28

{بَلْ بَدَا لَهُمْ} ظهر لَهُم عُقُوبَة {مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ} يسرون من الْكفْر والشرك {مِن قبل} فِي الدِّينَا {وَلَوْ رُدُّواْ} إِلَى الدُّنْيَا كَمَا سَأَلُوا {لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ} من الْكفْر والشرك {وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} لأَنهم لَو ردوا لم يُؤمنُوا بِهِ

29

{وَقَالُوا} يَعْنِي كفار مَكَّة {إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا} أَي مَا حياتنا إِلَّا حياتنا الدُّنْيَا {وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} بعد الْمَوْت

30

{وَلَوْ ترى} يَا مُحَمَّد {إِذْ وُقِفُواْ} يَقُول حبسوا {على رَبِّهِمْ} عِنْد رَبهم {قَالَ} الله لَهُم وَيُقَال تَقول لَهُم الْمَلَائِكَة {أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ} أَلَيْسَ هَذَا الْعَذَاب والبعث بعد الْمَوْت حق {قَالُواْ بلَى وَرَبِّنَا} إِنَّه لحق كَمَا قَالَت الرُّسُل {قَالَ فَذُوقُواْ الْعَذَاب بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ} تجحدون بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت

31

{قَدْ خَسِرَ} قد غبن {الَّذين كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ الله} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت يَقُول أنظرهم {حَتَّى إِذا جَاءَتْهُم السَّاعَة بَغْتَة} فَجْأَة {قَالُوا يَا حسرتنا} يَا حزناه أَو يَا ندامتاه {على مَا فَرَّطْنَا فِيهَا} تركنَا فِي الدُّنْيَا يَعْنِي الْإِيمَان وَالتَّوْبَة {وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ} آثامهم {على ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ} بئس مَا يحملون من الذُّنُوب

32

{وَمَا الْحَيَاة الدنيآ} مَا فِي الدُّنْيَا من الزهرة وَالنَّعِيم {إِلاَّ لَعِبٌ} فَرح {وَلَهْوٌ} بَاطِل {وَلَلدَّارُ الْآخِرَة} يَعْنِي الْجنَّة {خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} أَن الدُّنْيَا فانية وَالْآخِرَة بَاقِيَة

33

{قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ} يَا مُحَمَّد {الَّذِي يَقُولُونَ} من الطعْن والتكذيب وَطلب الْآيَة {فَإِنَّهُمْ} يَعْنِي حَارِث بن عَامر وَأَصْحَابه {لاَ يُكَذِّبُونَكَ} فِي السِّرّ {وَلَكِن الظَّالِمين} الْمُشْركين {بِآيَاتِ الله} فِي الْعَلَانِيَة {يَجْحَدُونَ}

34

{وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ} كذبهمْ قَومهمْ كَمَا كَذبك قَوْمك {فَصَبَرُواْ على مَا كُذِّبُواْ} على مَا كذبهمْ قَومهمْ {وَأُوذُواْ} وصبروا على أَذَى قَومهمْ {حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا} بِهَلَاك قَومهمْ {وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ الله} لَا مغير لكلمات الله بالنصرة لأوليائه على أعدائه {وَلَقدْ جَآءَكَ} يَا مُحَمَّد {مِن نَّبَإِ} خبر {الْمُرْسلين} كَيفَ كذبهمْ قَومهمْ كَمَا كَذبك قَوْمك فصبروا على ذَلِك

35

{وَإِن كَانَ كَبُر} عظم {عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ} تكذيبهم {فَإِن اسْتَطَعْت} قدرت (أَن تَبْتَغِيَ) أَن تطلب {نَفَقاً} سرباً {فِي الأَرْض} فَتدخل فِيهِ {أَوْ سُلَّماً فِي السمآء} أَو سَببا وطريقاً تصعد فِيهِ إِلَى السَّمَاء {فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ} يَقُول تنزل بِالْآيَةِ الَّتِي طلبوها فلتفعل {وَلَوْ شَآءَ الله لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهدى} على التَّوْحِيد {فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلين} بمقدوري عَلَيْهِم بالْكفْر

36

{إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ} يُؤمن ويطيع {الَّذين يَسْمَعُونَ} يصدقون وَيُقَال يعْقلُونَ الموعظة {والموتى} يَعْنِي موتى يَوْم بدر وَيَوْم أحد وَيَوْم الْأَحْزَاب وَيُقَال الْمَوْتَى الْقُلُوب {يَبْعَثُهُمُ الله} بعد الْمَوْت {ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} فِي الْمَحْشَر فيجزيهم بأعمالهم

37

{وَقَالُوا} يَعْنِي كفار مَكَّة حَارِث بن عمامر وَأَصْحَابه وَأَبُو جهل بن هِشَام والوليد بن الْمُغيرَة وَأُميَّة وَأبي ابْنا خلف وَالنضْر بن الْحَارِث {لَوْلاَ} هلا {نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ} عَلامَة {مِّن رَّبِّهِ} لنبوته {قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {إِنَّ الله قَادِرٌ على أَن يُنَزِّلٍ آيَةً} كَمَا طلبُوا {وَلَكِن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} مَا لَهُم علم فنزولها

38

{وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْض وَلاَ طَائِرٍ يطير بجناحيه}

بَين السَّمَاء وَالْأَرْض {إِلاَّ أُمَمٌ} خلق عبيد {أَمْثَالُكُمْ} أَي مَخْلُوق أشباهكم فِي الْأكل وَالْجِمَاع يفقه بَعْضهَا عَن بعض كَمَا يفقه بَعْضكُم عَن بعض آيَة لكم {مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكتاب} مَا تركنَا من الَّذِي كتبنَا فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ {مِن شَيْءٍ} شَيْئا إِلَّا ذَكرْنَاهُ فِي الْقُرْآن {ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ} يَعْنِي الطُّيُور وَالدَّوَاب {يُحْشَرُونَ} مَعَ سَائِر الْخلق يَوْم الْقِيَامَة

39

{وَالَّذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {صُمٌّ} بالقلوب وَيُقَال يتصاممون عَن الْحق {وَبُكْمٌ} يتباكمون عَن الْحق وَالْهدى {فِي الظُّلُمَات} أَي هم على الْكفْر {مَن يَشَإِ الله يُضْلِلْهُ} يمته على الْكفْر {وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ} يمته {على صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} على طَرِيق قَائِم يرضيه وَيُقَال من يَشَأْ الله يضلله يتْركهُ مخذولاً وَمن يَشَأْ يَجعله يهده ويوفقه ويثبته على صِرَاط مُسْتَقِيم على طَرِيق قَائِم يرضاه وَهُوَ الْإِسْلَام

40

{قُلْ أَرَأَيْتُكُم} مَا تَقولُونَ يَا أهل مَكَّة {إِن أَتَاكُم عَذَاب الله} يَوْم بَدْرًا أَو يَوْم أحد أَو يَوْم الْأَحْزَاب {أَوْ أَتَتْكُمْ السَّاعَة} أَو يأتيكم الْعَذَاب يَوْم الْقِيَامَة {أغير الله تدعون} بكشف العذبا {إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} أجِيبُوا إِن كُنْتُم صَادِقين أَن الْأَصْنَام شركاؤه

41

{بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ} إِلَيْهِ الَّذِي تدعون أَي أَنهم لَا يدعونَ غير الله وَإِنَّمَا يدعونَ الله عز وَجل ليكشف عَنْهُم الْعَذَاب {فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَآءَ وَتَنسَوْنَ} تتركون {مَا تُشْرِكُونَ} بِهِ من الْأَصْنَام فَلَا تدعونهم

42

{وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ} كَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَى قَوْمك {فَأَخَذْنَاهُمْ بالبأسآء} بالخوف بَعضهم من بعض والبلايا والشدائد إِذْ لم يُؤمنُوا {والضرآء} الْأَمْرَاض والأوجاع والجوع {لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ} لكَي يَدْعُو ويؤمنوا فأكشف عَنْهُم الْعَذَاب

43

{فلولا} فَهَلا {إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَا} عذابنا {تَضَرَّعُواْ} آمنُوا {وَلَكِن قَسَتْ} جَفتْ ويبست {قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَان مَا كَانُواّ يَعْمَلُونَ} فِي كفرهم أَن حَال الدُّنْيَا هَكَذَا تكون شدَّة ثمَّ نعْمَة

44

{فَلَمَّا نسوا مَا ذكرُوا بِهِ} تركُوا مَا أمروا بِهِ فِي الْكتاب {فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} من الزهرة وَالْخصب وَالنَّعِيم {حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ} أعجبوا {بِمَآ أُوتُوا} أعْطوا من الزهرة وَالْخصب وَالنَّعِيم {أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً} فَجْأَة بِالْعَذَابِ {فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ} آيسون من كل خير

45

{فَقُطِعَ دَابِرُ} غَايَة {الْقَوْم الَّذين ظَلَمُواْ} أشركوا أَي استؤصلوا بِالْهَلَاكِ {وَالْحَمْد للَّهِ} قل الْحَمد لله وَالشُّكْر لله {رَبِّ الْعَالمين} على استئصالهم

46

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ} مَا تَقولُونَ يَا أهل مَكَّة {إِنْ أَخَذَ الله سَمْعَكُمْ} فَلم تسمعوا موعظة وَلَا هدى {وَأَبْصَارَكُمْ} فَلم تبصروا الْحق {وَخَتَمَ} طبع {على قُلُوبِكُمْ} فَلم تعقلوا الْحق وَالْهدى {مَّنْ إِلَه غَيْرُ الله} يَعْنِي الْأَصْنَام {يَأْتِيكُمْ بِهِ} بِمَا أَخذ الله مِنْكُم {انْظُر} يَا مُحَمَّد {كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَات} نبين الْقُرْآن لَهُم {ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ} يعرضون يكذبُون الْآيَات

47

{قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ} يَا أهل مَكَّة {إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ الله بَغْتَةً} فَجْأَة {أَوْ جَهْرَةً} مُعَاينَة {هَلْ يُهْلَكُ} بِالْعَذَابِ {إِلاَّ الْقَوْم الظَّالِمُونَ} العاصون لما أمروا بِهِ وَيُقَال الْمُشْركُونَ

48

{وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسلين إِلاَّ مُبَشِّرِينَ} بِالْجنَّةِ لمن آمن بِهِ {ومنذرين} من النَّار لم كفر {فَمَنْ آمَنَ} بالرسل والكتب {وَأَصْلَحَ} فِيمَا بَينه وَبَين ربه {فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} إِذا خَافَ أهل النَّار {وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} إِذا حزنوا

49

{وَالَّذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {يَمَسُّهُمُ الْعَذَاب} يصيبهم الْعَذَاب {بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} يكفرون بِمُحَمد وَالْقُرْآن

50

{قُل} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ} مَفَاتِيح خَزَائِن {الله} من النَّبَات وَالثِّمَار والأمطار وَالْعَذَاب {وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْب} من نزُول الْعَذَاب

{وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ} من السَّمَاء {إِنْ أَتَّبِعُ} مَا أعمل شَيْئا وَلَا أَقُول {إِلاَّ مَا يُوحى إِلَيَّ} إِلَّا مَا أمرت فِي الْقُرْآن {قُلْ} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى والبصير} الْكَافِر وَالْمُؤمن فِي الطَّاعَات وَالثَّوَاب {أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ} فِي أَمْثَال الْقُرْآن نزلت هَذِه الْآيَة من قَوْله {قُلْ لاَ أَقُولُ لَكُمْ} إِلَى هَهُنَا فِي أبي جهل وَأَصْحَابه الْحَارِث وعيينة

51

ثمَّ نزل فِي الموَالِي {وَأَنذِرْ بِهِ} خوف بِالْقُرْآنِ وَيُقَال بِاللَّه {الَّذين يَخَافُونَ} يعلمُونَ ويستيقنون مِنْهُم بِلَال ابْن رَبَاح وصهيب بن سِنَان وَمهجع بن صَالح وعمار بن يَاسر وسلمان الْفَارِسِي وعامر بن فهَيْرَة وخباب بن الْأَرَت وَسَالم مولى أبي حُذَيْفَة {أَن يحْشرُوا إِلَى رَبِّهِمْ} بعد الْمَوْت {لَيْسَ لَهُمْ مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ} حَافظ يحفظهم {وَلاَ شَفِيعٌ} يشفع لَهُم وينجيهم من الْعَذَاب غير الله {لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} لكَي يتقوا الْمعاصِي وَيكون عوناً لَهُم فِي الطَّاعَة

52

{وَلاَ تَطْرُدِ} يَا مُحَمَّد بقول عُيَيْنَة بن حصن الْفَزارِيّ حَيْثُ قَالَ اطرد هَؤُلَاءِ عَنْك حَتَّى يَجِيء إِلَيْك أَشْرَاف قَوْمك ويسمعوا كلامك ويؤمنوا بك وطلبوا أَيْضا من عمر أَن يَقُول للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اجْعَل مجلسك يَوْمًا لنا وَيَوْما لَهُم فَلم يرض الله بذلك ونهاهم عَن ذَلِك فَقَالَ وَلَا تطرد {الَّذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} يَعْنِي سلمَان وَأَصْحَابه من الموَالِي يعْبدُونَ رَبهم {بِالْغَدَاةِ والعشي} غدْوَة وَعَشِيَّة بالصلوات الْخمس {يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} يُرِيدُونَ بذلك وَجه الله وَرضَاهُ {مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم} من مؤنتهم {مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ} من مؤنتك {عَلَيْهِمْ مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ} لَا تطردهم {فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمين} من الضارين بِنَفْسِك

53

{وَكَذَلِكَ} هَكَذَا {فَتَنَّا} ابتلينا {بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} الْعَرَبِيّ بالمولى والشريف بالوضيع نزلت هَذِه الْآيَة فِي عُيَيْنَة بن حصن الْفَزارِيّ وَعتبَة وَشَيْبَة ابْني ربيعَة وَأُميَّة بن خلف الجُمَحِي والوليد بن الْمُغيرَة المَخْزُومِي وَأبي جهل بن هِشَام وَسُهيْل بن عَمْرو وأشباههم من الرؤساء ابتلوا بِالْمَوَالِي {لِيَقُولُوا} لكَي يَقُول يَعْنِي عُيَيْنَة بن حصن الْفَزارِيّ وَأَصْحَابه {أَهَؤُلَاءِ} لسلمان وَأَصْحَابه {مَنَّ الله عَلَيْهِم} بِالْإِيمَان {مِّن بَيْنِنَآ أَلَيْسَ الله بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} بِالْمُؤْمِنِينَ لمن كَانَ أَهلا لذَلِك

54

{وَإِذَا جَآءَكَ الَّذين يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا} بكتابنا ورسولنا عمر بن الْخطاب {فَقُلْ} يَا مُحَمَّد {سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ} قبل ربكُم توبتكم وعذركم {كَتَبَ رَبُّكُمْ} أوجب ربكُم {على نَفْسِهِ الرَّحْمَة} لمن تَابَ {أَنه من عمل مِنْكُم سوءا} ذَنبا {بِجَهَالَةٍ} بتعمد وَإِن كَانَ جَاهِلا بعقوبته {ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ} من بعد السوء {وَأَصْلَحَ} فِيمَا بَينه وَبَين ربه {فَأَنَّهُ غَفُورٌ} متجاوز {رَّحِيمٌ} لمن تَابَ

55

{وَكَذَلِكَ} هَكَذَا {نفَصِّلُ الْآيَات} نبين الْقُرْآن بِالْأَمر وَالنَّهْي وخبرهم {وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرمين} طَرِيق الْمُشْركين عُيَيْنَة وَأَصْحَابه لم لَا يُؤمنُونَ

56

{قُلْ} يَا مُحَمَّد لعيينة وَأَصْحَابه {إِنِّي نُهِيتُ} فِي الْقُرْآن {أَنْ أَعْبُدَ الَّذين تَدْعُونَ} تَعْبدُونَ {مِن دُونِ الله} من الْأَوْثَان {قُلْ} يَا مُحَمَّد لعيينة وَأَصْحَابه {لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَآءَكُمْ} فِي عبَادَة الْأَصْنَام وطرد سلمَان وَأَصْحَابه عني {قَدْ ضَلَلْتُ} عَن الْهدى {إِذاً} إِن فعلت ذَلِك {وَمَآ أَنَاْ مِنَ المهتدين} للصَّوَاب بعملي إِن طردتهم

57

{قُلْ} يَا مُحَمَّد للنضر بن الْحَارِث وَأَصْحَابه {إِنِّي على بَيِّنَة من رَبِّي} على بَيَان من رَبِّي وبصيرة من أَمْرِي وديني {وَكَذَّبْتُم بِهِ} بِالْقُرْآنِ والتوحيد {مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ} من الْعَذَاب {إِن الحكم} مَا الحكم بنزول الْعَذَاب {إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحق} يحكم بِالْعَدْلِ وَيَأْمُر بِالْحَقِّ {وَهُوَ خَيْرُ الفاصلين} أفضل

القاضين {قُل} يَا مُحَمَّد

58

{لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ} من الْعَذَاب {لَقُضِيَ الْأَمر بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} لفرغ من هلاككم {وَالله أَعْلَمُ بالظالمين} بعقوبة الْمُشْركين النَّضر وَأَصْحَابه فَوَقع بالنضر بن الْحَارِث الْعَذَاب الَّذِي سَأَلَ فَقتل صبرا يَوْم بدر

59

{وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْب} خَزَائِن الْغَيْب الْمَطَر والنبات وَالثِّمَار ونزول الْعَذَاب الَّذِي تَسْتَعْجِلُون بِهِ يَوْم بدر {لاَ يَعْلَمُهَآ} لَا يعلم مفاتح الْغَيْب بنزول الْعَذَاب الَّذِي تَسْتَعْجِلُون بِهِ {إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبر وَالْبَحْر} من الْخلق والعجائب وَيُقَال وَيعلم مَا يهْلك فِي الْبر وَالْبَحْر {وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ} من الشّجر {إِلاَّ يَعْلَمُهَا} كم دوران تَدور {وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْض} تَحت الصَّخْرَة الَّتِي أَسْفَل الْأَرْضين إِلَّا يعلمهَا {وَلاَ رَطْبٍ} يَعْنِي المَاء {وَلاَ يَابِسٍ} يَعْنِي الْبَادِيَة {إِلاَّ فِي كِتَابٍ} مَكْتُوب {مُّبِينٍ} كل ذَلِك فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ مُبين مقدارها ووقتها

60

{وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ} يقبض أرواحكم فِي الْمَنَام {وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم} مَا كسبتم {بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ} يرد إِلَيْكُم أرواحكم {فِيهِ} فِي النَّهَار {ليقضى أَجَلٌ مّسَمًّى} لكَي يتم أجلهَا وَرِزْقهَا {ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ} بعد الْمَوْت {ثُمَّ يُنَبِّئُكُم} يُخْبِركُمْ {بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر

61

{وَهُوَ القاهر} الْغَالِب {فَوْقَ عِبَادِهِ} على عباده {وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً} من الْمَلَائِكَة ملكَيْنِ بِالنَّهَارِ وملكين بِاللَّيْلِ يَكْتُبُونَ حسناتكم وسيئاتكم {حَتَّى إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْت} حَضَره الْمَوْت {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا} قَبضه ملك الْمَوْت وأعوانه {وَهُمْ} يَعْنِي ملك الْمَوْت وأعوانه {لاَ يُفَرِّطُونَ} لَا يؤخرون الْمَيِّت طرفَة عين

62

{ثُمَّ ردوا إِلَى الله} يَوْم الْقِيَامَة {مَوْلاَهُمُ الْحق} وليهم بالثواب وَالْعِقَاب بِالْحَقِّ وَالْعدْل وَيُقَال مَوْلَاهُم الْحق معبودهم بِالْحَقِّ وَلَكِن لم يعبدوه بِالْحَقِّ غَايَة عِبَادَته وكل معبود غير الله بَاطِل {أَلاَ لَهُ الحكم} الْقَضَاء بَين الْعباد وَيَوْم الْقِيَامَة {وَهُوَ أَسْرَعُ الحاسبين} إِذا حاسب فحسابه سريع

63

{قُلْ} يَا مُحَمَّد لكفار مَكَّة {مَن يُنَجِّيكُمْ مِّن ظُلُمَاتِ الْبر وَالْبَحْر} من شَدَائِد الْبر وَالْبَحْر وأهوالهما {تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} سرا وَعَلَانِيَة وَإِن قَرَأت بجر الْخَاء وَتَقْدِيم الْيَاء من الْفَاء يَقُول مستكيناً وخوفاً {لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِه} الْأَهْوَال والشدائد {لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} من الْمُؤمنِينَ

64

{قُلِ} يَا مُحَمَّد لَهُم {الله يُنَجِّيكُمْ مِّنْهَا} من شَدَائِد الْبر وَالْبَحْر {وَمِن كُلِّ كَرْبٍ} غم وهول {ثُمَّ أَنتُمْ} يَا أهل مَكَّة {تُشْرِكُونَ} بِهِ الْأَصْنَام

65

{قُلْ} يَا مُحَمَّد لَهُم {هُوَ الْقَادِر على أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ} كَمَا بعث على قوم نوح وَقوم لوط {أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} يخسف بكم الأَرْض كَمَا خسف بقارون {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً} أهواء مُخْتَلفَة كَمَا كَانَت فِي بني إِسْرَائِيل بعد النَّبِيين {وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} بِالسَّيْفِ {انْظُر} يَا مُحَمَّد {كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَات} نبين الْقُرْآن بأخبار الْأُمَم الْمَاضِيَة وَمَا فعلنَا بهم {لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} لكَي يفقهوا أَمر الله وتوحيده

66

{وَكَذَّبَ بِهِ} بِالْقُرْآنِ {قَوْمُكَ} قُرَيْش {وَهُوَ الْحق} يعين الْقُرْآن {قُل} يَا مُحَمَّد {لَّسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} بكفيل أَن أؤديكم إِلَى الله مُؤمنين

67

{لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ} لكل قَول من الله ومني من الْأَمر وَالنَّهْي والوعد والوعيد والبشرى بالنصرة وَالْعَذَاب مُسْتَقر فعل وَحَقِيقَة مِنْهُ مَا يكون فِي الدُّنْيَا وَمِنْه مَا يكون فِي الْآخِرَة {وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} ذَلِك فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَيُقَال لكل نبأ مُسْتَقر لكل قَول وَفعل مِنْكُم حَقِيقَة وَحَقِيقَة ذَلِك فِي الْقلب وسوف تعلمُونَ مَاذَا يفعل بكم

68

{وَإِذا رَأَيْت الَّذين يَخُوضُونَ فِي آيَاتنَا} يستهزؤن بك وَبِالْقُرْآنِ {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} فاترك مجَالِسهمْ {حَتَّى يخوضوا فِي حَدِيث غَيره} كي يكون خوفهم وحديثهم فِي غير الْقُرْآن والاستهزاء بك {وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَان} بعد النَّهْي {فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذكرى} بعد مَا ذكرت {مَعَ الْقَوْم الظَّالِمين} الْمُشْركين أَمر الله نبيه بذلك إِذْ كَانَ بِمَكَّة فشق على أَصْحَابه ذَلِك

69

فَرخص لَهُم بعد ذَلِك بِالْجُلُوسِ مَعَهم للعظة وَالنَّهْي فَقَالَ {وَمَا عَلَى الَّذين يَتَّقُونَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش والاستهزاء {مِنْ حِسَابِهِم} من مأثمهم وَالْكفْر والاستهزاء بهم {مِّن شَيْءٍ وَلَكِن ذكرى} ذكروهم بِالْقُرْآنِ {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش والاستهزاء بِالْقُرْآنِ وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

70

{وَذَرِ الَّذين اتَّخذُوا دِينَهُمْ} يَعْنِي الْيَهُود) وَالنَّصَارَى ومشركي الْعَرَب اتَّخذُوا دين آبَائِهِم الْمُؤمنِينَ {لَعِباً} ضحكة {وَلَهْواً} استهزاء وَيُقَال دينهم عِنْدهم لعباً ولهواً فَرحا وباطلاً {وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاة الدُّنْيَا} مَا فِي الدُّنْيَا من الزهرة وَالنَّعِيم {وَذَكِّرْ بِهِ} عظ بِالْقُرْآنِ وَيُقَال بِاللَّه {أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ} لكَي لَا تهْلك وَلَا توهن وَلَا تعذب نفس {بِمَا كسبت} من للذنوب {لَيْسَ لَهَا} للنَّفس {مِن دُونِ الله} من عَذَاب الله {وَلِيٌّ} قريب يدْفع عَنْهَا {وَلاَ شَفِيعٌ} يشفع لَهَا {وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ} أَن تَجِيء بِكُل من على وَجه الأَرْض {لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَآ} لَا يقبل من النَّفس {أُولَئِكَ} المستهزئون {الَّذين أُبْسِلُواْ} أهلكوا وأوهنوا وعذبوا وهم عُيَيْنَة وَالنضْر وأصحابهما {بِمَا كَسَبُواْ} من الذُّنُوب {لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ} مَاء حَار يغلي قد انْتهى حره {وَعَذَابٌ أَلِيمٌ} وجيع {بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ} بِمُحَمد وَالْقُرْآن

71

{قل} يَا مُحَمَّد لعيينة وَأَصْحَابه {أندعو} تأمروننا أَن تعبد {مِن دُونِ الله مَا لاَ يَنفَعُنَا} أَن عبدناه فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة {وَلاَ يَضُرُّنَا} إِن لم نعبده فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة {وَنُرَدُّ على أَعْقَابِنَا} نرْجِع وَرَاءَنَا إِلَى الشّرك {بَعْدَ إِذْ هدَانَا الله} يدينه أكرامنا بِدِينِهِ {كَالَّذي} فَيكون مثلنَا كَالَّذي {استهوته} استزلته {الشَّيَاطِين فِي الأَرْض حَيْرَانَ} ضَالًّا عَن الْهدى {لَهُ أَصْحَابٌ} لعيينة أَصْحَاب وهم أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {يَدْعُونَهُ إِلَى الْهدى} إِلَى الْإِسْلَام {ائتنا} أَطعْنَا وَهُوَ يَدعُوهُم يَعْنِي عُيَيْنَة إِلَى الشّرك وَيُقَال نزلت هَذِه الْآيَة فِي أبي بكر الصّديق وَابْنه عبد الرَّحْمَن وَكَانَ يَدْعُو أَبَوَيْهِ إِلَى دينه قبل أَن يسلم فَقَالَ الله لنَبيه قُلْ يَا مُحَمَّد لأبي بكر حَتَّى يَقُول لِابْنِهِ عبد الرَّحْمَن أتدعو تَأْمُرنَا يَا عبد الرَّحْمَن أَن نعْبد من دون الله مَا لَا ينفعنا فِي الدُّنْيَا فِي الرزق والمعاش وَلَا فِي الْآخِرَة إِن عبدناه وَلَا يضرنا إِن لم نعبده ونرد على أعقابنا نرْجِع إِلَى ديننَا الأول بعد إِذا هدَانَا الله لدين مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَالَّذي فَيكون مثلناكمثل عبد الرَّحْمَن استهوته استزلته الشَّيَاطِين عَن دين الله فِي الأَرْض حيران ضَالًّا عَن الْهدى لَهُ لعبد الرَّحْمَن أَصْحَاب أَبَوَاهُ أَبُو بكر وَأمه يَدعُونَهُ إِلَى الْهدى أَي يَدعُونَهُ إِلَى الْإِسْلَام وَالتَّوْبَة وَهُوَ يَعْنِي عبد الرَّحْمَن يدعوهما إِلَى الشّرك ويقولان لَهُ أَي أَبَوَاهُ ائتنا أَطعْنَا بِالْإِسْلَامِ {قُلْ} يَا مُحَمَّد {إِنَّ هُدَى الله هُوَ الْهدى} إِن دين الله هُوَ الْإِسْلَام وقبلتنا هِيَ الْكَعْبَة {وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ} لنخلص بِالْعبَادَة والتوحيد {لِرَبِّ الْعَالمين} لله رب الْعَالمين

72

{وَأَن أقِيمُوا الصَّلَاة} أَتموا الصلوة الْخمس {واتقوه} وأطيعوه {وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} بعد الْمَوْت فيجزيكم بأعمالكم

73

{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِالْحَقِّ} لتبيان الْحق

وَالْبَاطِل وَيُقَال الفناء والزوال {وَيَوْمَ يَقُولُ} للصور {كُن فَيَكُونُ} يَعْنِي تصير السَّمَوَات صوراً ينْفخ فِيهِ مثل الْقرن وتبدل سَمَاء أُخْرَى وَيُقَال يَوْم كن يَعْنِي ليَوْم الْقِيَامَة فَتكون السَّاعَة قَوْلُهُ فِي الْبَعْث {الْحق} الصدْق {وَلَهُ الْملك} الْقَضَاء بَين الْعباد {يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّور عَالِمُ الْغَيْب} مَا يكون {وَالشَّهَادَة} مَا كَانَ وَيُقَال عَالم الْغَيْب مَا غَابَ عَن الْعباد وَالشَّهَادَة مَا علمه الْعباد {وَهُوَ الْحَكِيم} فِي أمره وقضائه {الْخَبِير} بخلقه وبأعمالهم

74

{وَإِذْ قَالَ} وَقد قَالَ {إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ} وَهُوَ تارح بن ناحور {أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً} أَتَعبد أصناماً {آلِهَةً} شَتَّى صَغِيرا وكبيراً ذكرا وَأُنْثَى {إِنِّي أَرَاكَ} يَا أَبَت {وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} فِي كفر بَين وَخطأ بَين فِي عبَادَة الْأَصْنَام

75

{وَكَذَلِكَ} هَكَذَا {نري إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض} مَا بَين السَّمَوَات وَالْأَرْض من الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم حِين خرج من السرب {وَلِيَكُونَ مِنَ الموقنين} لكَي يكون من المقربين بِأَن الله وَاحِد خَالق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا فِيهِنَّ وَيُقَال أرَاهُ الله لَيْلَة أسرِي بِهِ إِلَى إِلَى السَّمَاء حَتَّى أبْصر من السَّمَاء السَّابِعَة الأَرْض السَّابِعَة وليكون من الموقنين لكَي يكون لَهُ يَقِين الخطوات

76

{فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْل} فِي السرب {رَأَى كَوْكَباً} وَهِي الزهرة {قَالَ هَذَا رَبِّي} أَتَرَى هَذَا رَبِّي {فَلَمَّآ أَفَلَ} غَابَ وَتغَير عَن حَاله إِلَى الْحمرَة {قَالَ لَا أُحِبُّ الآفلين} ربّاً لَيْسَ بدائم

77

{فَلَمَّآ رَأَى الْقَمَر بَازِغاً} طالعاً {قَالَ هَذَا رَبِّي} أَتَرَى هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ من الأول {فَلَمَّآ أَفَلَ} غَابَ وَتغَير {قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي} لم يثبتني ربّي على الْهَدْي {لأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْم الضَّالّين} عَن الْهدى

78

{فَلَماَّ رَأَى الشَّمْس بَازِغَةً} طالعة قد مَلَأت كلّ شيءٍ {قَالَ هَذَا رَبِّي} أَتَرَى هَذَا رَبِّي {هَذَا أَكْبَرُ} من الأول وَالثَّانِي {فَلَمَّآ أَفَلَتْ} غَابَتْ وتغيرت قَالَ إِبْرَاهِيم إِنِّي لَا أحب الآفلين رَبًّا لَيْسَ بدائم لَئِن لم يهدني رَبِّي لم يثبتني رَبِّي لأكونن من الْقَوْم الضَّالّين عَن الْهدى مقدم ومؤخر وَيُقَال قَالَ هَذَا رَبِّي على معنى الِاسْتِهْزَاء لِقَوْمِهِ لِأَن قومه كَانُوا يعْبدُونَ الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم فَأنْكر عَلَيْهِم فاستهزأ بهم وَقَالَ لَهُم أمثل هَذَا يكون الرب فَلَمَّا خرج من السرب وَجَاء إِلَى قومه وَهُوَ يؤمئذ ابْن سبع عشرَة سنة نظر إِلَى السَّمَاء وَالْأَرْض فَقَالَ رَبِّي الَّذِي خلق هَذَا ثمَّ مضى حَتَّى أَتَى قومه فَرَآهُمْ عاكفين على أصنام لَهُم {قَالَ يَا قوم إِنِّي بَرِيء مِمَّا تشركون} بِاللَّه من الْأَصْنَام

79

قَالُوا يَا إِبْرَاهِيم فَمن تعبد أَنْت قَالَ {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ} أخلصت ديني وعملي {لِلَّذِي فَطَرَ} خلق {السَّمَاوَات وَالْأَرْض حَنِيفاً} مُسلما {وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُشْركين} على دينهم

80

{وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ} خاصمه قومه فِي آلِهَتهم وخوفوه بهَا لكَي يتْرك دين الله {قَالَ} إِبْرَاهِيم {أتحاجوني فِي الله} أتخاصموني فِي دين الله لقبل آلِهَتكُم وتخوفوني بهَا لكَي أترك دين رَبِّي {وَقَدْ هَدَانِ} رَبِّي لدينِهِ {وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ} من الْأَصْنَام {إِلاَّ أَن يَشَآءَ رَبِّي شَيْئاً} نزوع الْمعرفَة من قلبِي فَأَخَاف مِمَّا تخافون {وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً} علم رَبِّي أَنكُمْ على غير الْحق {أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ} تتعظون فِيمَا أَقُول لكم من النَّهْي

81

{وَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ} بِاللَّه من الْأَصْنَام {وَلاَ تَخَافُونَ} أَنْتُم من الله {أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَّه مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً} كتابا وَلَا حجَّة وَكَانُوا يخوفونه بآلهتهم فَيَقُولُونَ نَخَاف عَلَيْك إِن شتمتهم أَن يخبلوك فَلذَلِك قَالَ لَا أَخَاف {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ} أهل دينين أَنا وَأَنْتُم {أَحَقُّ} أولى {بالأمن} من معبوده وأجيبوا {إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} ذَلِك فَلم

يجيبوا

82

فَأجَاب الله مَا سَأَلَ عَنْهُم إِبْرَاهِيم فَقَالَ {الَّذين آمَنُواْ وَلَمْ يلبسوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} لم يخلطوا إِيمَانهم بشرك وَلم ينافقوا بإيمَانهمْ {أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْن} من معبودهم {وَهُمْ مُّهْتَدُونَ} للصَّوَاب وَيُقَال أُولَئِكَ لَهُم الْأَمْن من الْعَذَاب وهم مهتدون إِلَى الْحجَّة

83

{وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ} هَذِه حجتنا {آتَيْنَاهَآ} ألهمناها {إِبْرَاهِيمَ} حَتَّى احْتج بهَا {على قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ} فَضَائِل بِالْقُدْرَةِ والمنزلة وَالْحجّة وبعلم التَّوْحِيد {مَّن نَّشَآءُ} من كَانَ أَهلا لذَلِك {إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ} بإلهام الْحجَّة لأوليائه {عَلِيمٌ} بِحجَّة أوليائه وعقوبة أعدائه

84

{وَوَهَبْنَا لَهُ} لإِبْرَاهِيم {إِسْحَاق} ولدا {وَيَعْقُوب} ولد الْوَلَد {كلا} يَعْنِي إِبْرَاهِيم وَإِسْحَق وَيَعْقُوب {هَدَيْنَا} أكرمنا بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام {وَنُوحاً هَدَيْنَا} أكرمنا أَيْضا بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام {مِن قَبْلُ} أَي من قبل إِبْرَاهِيم {وَمِن ذُرِّيَّتِهِ} وَمن ذُرِّيَّة نوح وَيُقَال من ذُرِّيَّة إِبْرَاهِيم {دَاوُد وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ ومُوسَى وَهَارُونَ} كَلاًّ هديناهم بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام {وَكَذَلِكَ} هَكَذَا {نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} بالْقَوْل وَالْفِعْل وَيُقَال الْمُوَحِّدين

85

{وَزَكَرِيَّا وَيحيى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ} كل هَؤُلَاءِ هديناهم بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام وَكلهمْ من ذُرِّيَّة إِبْرَاهِيم {مِّنَ الصَّالِحين} يَعْنِي كَانُوا من الْمُرْسلين

86

{وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسع وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ} كل هَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاء {فَضَّلْنَا} بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام {عَلَى الْعَالمين} عالمي زمانهم من الْكَافرين وَالْمُؤمنِينَ

87

{وَمِنْ آبَائِهِمْ} آدم وشيث وَإِدْرِيس ونوح وَهود وَصَالح هديناهم بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام {وَذُرِّيَّاتِهِمْ} يَعْنِي أَوْلَاد يَعْقُوب {وَإِخْوَانِهِمْ} يَعْنِي إخْوَة يُوسُف هديناهم بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام {واجتبيناهم} اصطفيناهم {وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} يَعْنِي ثبتناهم على طَرِيق مُسْتَقِيم

88

{ذَلِك} الصِّرَاط الْمُسْتَقيم {هدى الله} دين الله {يَهْدِي بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ} من كَانَ أَهلا لذَلِك {وَلَوْ أَشْرَكُواْ} لَو أشرك هَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاء {لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} من الطَّاعَات

89

{أُولَئِكَ الَّذين} قَصَصنَا من النَّبِيين {آتَيْنَاهُمُ} أعطيناهم {الْكتاب} الَّذين نزل بِهِ جِبْرِيل من السَّمَاء {وَالْحكم} الْعلم والفهم {والنبوة فَإِن يَكْفُرْ بِهَا} بسبيلهم وَدينهمْ {هَؤُلَاءِ} أهل مَكَّة {فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا} وقفنا بهَا بدين الْأَنْبِيَاء وسبيلهم {قَوْماً} بِالْمَدِينَةِ {لَّيْسُواْ بهَا} بدين الْأَنْبِيَاء وبسبيلهم {بكافرين} بجاحدين

90

{أُولَئِكَ الَّذين} قصصناهم من النَّبِيين {هَدَى الله} هدَاهُم الله بالأخلاق الْحسنى {فَبِهُدَاهُمُ} فبأخلاقهم الْحسنى من الصَّبْر وَالِاحْتِمَال وَالرِّضَا والقناعة وَغير ذَلِك {اقتده قُل} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ} على التَّوْحِيد وَالْقُرْآن {أَجْراً} جعلا {إِنْ هُوَ} مَا هُوَ يَعْنِي الْقُرْآن {إِلاَّ ذكرى} عظة {لِلْعَالَمِينَ} الْجِنّ وَالْإِنْس

91

{وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ} مَا عظموا الله حق عَظمته {إِذْ قَالُواْ مَآ أَنزَلَ الله على بَشَرٍ} من النَّبِيين {مِّن شَيْءٍ} من كتاب نزلت هَذِه الْآيَة فِي مَالك بن الصَّيف الْيَهُودِيّ قَالَ مَا أنزل الله على بشر من شَيْء {قُلْ} يَا مُحَمَّد لمَالِك {مَنْ أَنزَلَ الْكتاب الَّذِي جَآءَ بِهِ مُوسَى نُوراً} بَيَانا وضياء {وَهُدًى لِّلنَّاسِ} من الضَّلَالَة {تَجْعَلُونَهُ} تكتبونه {قَرَاطِيسَ} فِي قَرَاطِيس أَي فِي الصُّحُف {تُبْدُونَهَا} تظْهرُونَ كثيرا مَا لَيْسَ فِيهِ صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته {وَتُخْفُونَ كَثِيراً} يَعْنِي تكتمون كثيرا مَا فِيهِ صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته {وعلمتم} من الْأَحْكَام وَالْحُدُود وَالْحرَام وَصفَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته فِي الْكتاب

{مَّا لَمْ تعلمُوا أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ} من قبل من الْأَحْكَام وَالْحُدُود فَإِن أجابوك وَقَالُوا الله أنزل وَإِلَّا {قُلِ الله} أنزل {ثُمَّ ذَرْهُمْ} اتركهم {فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} فِي باطلهم يعمهون يَخُوضُونَ ويكذبون

92

{وَهَذَا كِتَابٌ} يَعْنِي الْقُرْآن {أَنزَلْنَاهُ} جِبْرِيل بِهِ {مبارك} فِيهِ الْمَغْفِرَة وَالرَّحْمَة لن آمن بِهِ {مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} مُوَافق للتوراة وَالْإِنْجِيل وَالزَّبُور وَسَائِر الْكتب بِالتَّوْحِيدِ وَصفَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته {وَلِتُنذِرَ} تخوف بِالْقُرْآنِ {أُمَّ الْقرى} يَعْنِي أهل مَكَّة وَيُقَال أم الْقرى عَظِيمَة الْقرى وَيُقَال إِنَّمَا سميت أم الْقرى لِأَن الأَرْض دحيت من تحتهَا {وَمَنْ حَوْلَهَا} من سَائِر الْبلدَانِ {وَالَّذين يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَة} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت ونعيم الْجنَّة {يُؤْمِنُونَ بِهِ} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {وَهُمْ على صَلاَتِهِمْ} على أَوْقَات صلواتهم الْخمس {يُحَافِظُونَ}

93

{وَمَنْ أَظْلَمُ} أَعْتَى وأجرأ {مِمَّنِ افترى} اختلق {عَلَى الله كَذِباً أَوْ قَالَ} مَا أنزل الله على بشر من شَيْء وَهُوَ مَالك بن الصَّيف أَو قَالَ يَعْنِي وَمن قَالَ {أُوْحِيَ إِلَيَّ} كتاب {وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ} من الْكتاب وَهُوَ مُسَيْلمَة الْكذَّاب {وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَآ أَنَزلَ الله} سأقول مثل مَا يَقُول مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ عبد الله ابْن سعد بن أبي سرح {وَلَوْ ترى} يَا مُحَمَّد {إِذِ الظَّالِمُونَ} الْمُشْركُونَ والمنافقون يَوْم بدر {فِي غَمَرَاتِ الْمَوْت} فِي نزعات الْمَوْت وغشيانه {وَالْمَلَائِكَة باسطوا أَيْديهم} ضاربوا أَيْديهم إِلَى أَرْوَاحهم {أخرجُوا} أَي يَقُولُونَ أخرجُوا {أَنفُسَكُمُ} أرواحكم {الْيَوْم} يَوْم بدر وَيُقَال يَوْم الْقِيَامَة {تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهون} الشَّديد {بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى الله غَيْرَ الْحق} مَا لَيْسَ بِحَق {وكنتم عَن آيَاته} عَن مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن {تَسْتَكْبِرُونَ} أَي تتعظمون عَن الْإِيمَان بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن فِي الدُّنْيَا

94

{وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى} صفر بِلَا مَال وَلَا ولد {كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} فِي الدُّنْيَا بِلَا مَال وَلَا ولد {وَتَرَكْتُمْ} خَلفْتُمْ {مَّا خَوَّلْنَاكُمْ} أعطيناكم {وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ} خلف ظهوركم فِي الدُّنْيَا {وَمَا نرى مَعَكُمْ} لكم {شُفَعَآءَكُمُ} آلِهَتكُم {الَّذين زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ} لكم {شُرَكَآءُ} شُفَعَاء {لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} وصلكم يَعْنِي مَا كَانَ بَيْنكُم من الْوَصْل والود {وَضَلَّ عَنكُم} اشْتغل عَنْكُم بأنفسها {مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} تَعْبدُونَ وتقولون إِنَّهَا شفعاؤكم يَعْنِي الْأَصْنَام

95

{إِن الله فالق الْحبّ} يعين خَالق الْحُبُوب كلهَا وَيُقَال خَالق مَا كَانَ فِي الْحبّ {والنوى} يَعْنِي مَا كَانَ فِيهِ النواة {يُخْرِجُ الْحَيّ مِنَ الْمَيِّت} النَّسمَة وَالدَّوَاب من النُّطْفَة وَيُقَال الطير من الْبَيْضَة وَيُقَال السنبلة وَالثِّمَار من الْحبَّة والنواة {وَمُخْرِجُ الْمَيِّت مِنَ الْحَيّ} النُّطْفَة من النَّسمَة وَالدَّوَاب وَيُقَال الْبَيْضَة من الطير وَيُقَال الْحبَّة والنواة من السنبلة وَالثِّمَار {ذَلِكُم} الَّذِي يفعل هَذَا هُوَ {الله} لَا الْآلهَة تَفْعَلهُ {فَأنى تُؤْفَكُونَ} من أَيْن تكذبون

96

{فَالِقُ الإصباح} خَالق صبح النَّهَار {وَجَعَلَ اللَّيْل سَكَناً} مسكنا لِلْخلقِ {وَالشَّمْس وَالْقَمَر} يَعْنِي خلق الشَّمْس وَالْقَمَر {حُسْبَاناً} منازلهما بِالْحِسَابِ وَيُقَال معلقان بَين السَّمَاء وَالْأَرْض يدوران بالدوران {ذَلِك تَقْدِيرُ الْعَزِيز} يَعْنِي تَدْبِير الْعَزِيز بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ {الْعَلِيم} بتدبيره وبمن آمن بِهِ وبمن لَا يُؤمن بِهِ

97

{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُوم لِتَهْتَدُواْ} لِتَعْلَمُوا {بِهَا} الطَّرِيق {فِي ظُلُمَاتِ الْبر وَالْبَحْر} وأهوالهما إِذا سافرتم فِي بر أَو بَحر {قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَات} قد بَينا

الْقُرْآن وعلامات الوحدانية {لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} أَنه من الله يَعْنِي الْمُؤمنِينَ المصدقين

98

{وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُم} خَلقكُم {مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ} من نفس آدم {فَمُسْتَقَرٌّ} فِي الْأَرْحَام {وَمُسْتَوْدَعٌ} فِي الأصلاب وَيُقَال فمستقر فِي الأصلاب ومستودع فِي الْأَرْحَام {قَدْ فَصَّلْنَا} بَينا {الْآيَات لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ} أَمر الله وتوحيده

99

{وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً} مَطَرا {فَأَخْرَجْنَا بِهِ} فَأَنْبَتْنَا بالمطر {نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ} من الْحُبُوب وَغَيرهَا {فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ} أَي بالمطر من الأَرْض {خَضِراً} النَّبَات الْأَخْضَر {نُّخْرِجُ مِنْهُ} من النَّبَات الْأَخْضَر {حَبّاً مُّتَرَاكِباً} متراكباً فِي السنبل وَغَيره الزَّيْتُون {وَمِنَ النّخل مِن طَلْعِهَا} كُفُرَاها {قِنْوَانٌ} عذوق {دَانِيَةٌ} قريبَة يَنَالهُ الْقَاعِد والقائم {وَجَنَّاتٍ} بساتين {مِّنْ أَعْنَابٍ} من كروم {وَالزَّيْتُون} شجر الزَّيْتُون {وَالرُّمَّان} شجر الرُّمَّان {مُشْتَبِهاً} فِي اللَّوْن يَعْنِي الرُّمَّان {وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ} أَي مُخْتَلف فِي الطّعْم {انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ} انْعَقَد {وَيَنْعِهِ} نضجه {إِنَّ فِي ذَلِكُم} فِي اخْتِلَاف ألوانه {لآيَاتٍ} لعلامات {لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} يصدقون أَنه من الله

100

{وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ الْجِنّ} قَالُوا إِن الله تَعَالَى وإبليس أَخَوان شريكان الله خَالق النَّاس وَالدَّوَاب والأنعام وإبليس خَالق الْحَيَّات والعقارب وَالسِّبَاع وَهِي مقَالَة الْمَجُوس {وَخَلَقَهُمْ} خلقهمْ الله وَأمرهمْ بِالتَّوْحِيدِ {وَخَرَقُواْ لَهُ} وصفوا لَهُ {بَنِينَ} من الْبَنِينَ وَهِي مقَالَة الْيَهُود وَالنَّصَارَى {وَبَنَاتٍ} من الْمَلَائِكَة والأصنام وَهِي مقَالَة مُشْركي الْعَرَب {بِغَيْرِ عِلْمٍ} بِلَا علم وَحجَّة وَبَيَان {سُبْحَانَهُ} نزه نَفسه عَن الْوَلَد الشَّرِيك {وَتَعَالَى} تَبرأ {عَمَّا يَصِفُونَ} من الْبَنِينَ وَالْبَنَات

101

{بَدِيعُ} خَالق {السَّمَاوَات وَالْأَرْض} ابتدعهما وَلم يَكُونَا شَيْئا {أَنى يَكُونُ} من أَيْن يكون {لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَاحِبَةٌ} زَوْجَة {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ} بَائِن مِنْهُ {وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ} من الْخلق {عَلِيمٌ}

102

{ذَلِكُم الله رَبُّكُمْ} الَّذِي يفعل هَذَا هُوَ ربكُم {لَا إِلَه إِلاَّ هُوَ} وَحده لَا شريك لَهُ {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} بَائِن مِنْهُ {فاعبدوه} فوحدوه لَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا {وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ} من الْخلق {وَكِيلٌ} شَهِيد وَيُقَال كَفِيل بأرزاقهم

103

{لاَّ تُدْرِكُهُ الْأَبْصَار} فِي الدُّنْيَا وَلَا يرى الْخلق مَا يرى هُوَ وتنقطع دونه الْأَبْصَار بالكيفية فِي الْآخِرَة وبالرؤية فِي الدُّنْيَا {وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَار} فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَيرى مَا لم ير الْخلق وَلَا يخفى عَلَيْهِ شَيْء وَلَا يفوتهُ {وَهُوَ اللَّطِيف} فِي أَفعاله نَافِذ علمه بخلقه {الْخَبِير} بخلقه وبأعمالهم

104

{قَدْ جَآءَكُمْ بَصَآئِرُ} بَيَان {مِن رَّبِّكُمْ} يَعْنِي الْقُرْآن {فَمَنْ أَبْصَرَ} أقرّ بِالْقُرْآنِ {فَلِنَفْسِهِ} الثَّوَاب {وَمَنْ عَمِيَ} كفر {فَعَلَيْهَا} عُقُوبَة ذَلِك {وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} أحفظكم

105

{وَكَذَلِكَ} هَكَذَا {نُصَرِّفُ الْآيَات} نبين الْقُرْآن فِي شَأْنهمْ {وَلِيَقُولُواْ} لكَي يَقُولُوا {دَرَسْتَ} قَرَأت وتخلقت وَيُقَال لكَي لَا يَقُولُوا تخلقت وَإِن قَرَأت دارست يَقُول لكَي لَا يَقُولُوا تعلمت من أبي فكيهة مولى لقريش وَيُقَال لكَي لَا يَقُولُوا تعلمت من جبر ويسار موليين لقريش وَإِن قَرَأت درست بِسُكُون التَّاء فَمَعْنَاه قَالُوا هَذِه أَخْبَار درست أَي تقادمت {وَلِنُبَيِّنَهُ} لكَي نبينه {لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} يصدقون أَنه من الله

106

{اتبع مَآ أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} اعْمَلْ بِمَا أنزل إِلَيْك من رَبك يَعْنِي الْقُرْآن من حَلَاله وَحَرَامه {لَا إِلَه إِلاَّ هُوَ} لَا خَالق وَلَا رَازِق إِلَّا هُوَ

{وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْركين} يَعْنِي الْمُسْتَهْزِئِينَ مِنْهُم الْوَلِيد بن الْمُغيرَة المَخْزُومِي وَالْعَاص بن وَائِل السَّهْمِي وَالْأسود بن عبد يَغُوث الزُّهْرِيّ وَالْأسود بن الْحَارِث ابْن عبد الْمطلب والْحَارث بن قيس بن حَنْظَلَة

107

{وَلَوْ شَآءَ الله} أَن لَا يشركوا {مَآ أَشْرَكُواْ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً} تحفظهم {وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ} بكفيل

108

{وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذين يَدْعُونَ} يعْبدُونَ {مِن دُونِ الله فَيَسُبُّواْ الله عَدْواً} اعتداء {بِغَيْرِ عِلْمٍ} بِلَا علم وَلَا حجَّة وَهَذَا بعد مَا قَالَ لَهُم إِنَّكُم وَمَا تَعْبدُونَ من دون الله حصب جَهَنَّم ثمَّ نسخته آيَة الْقِتَال {كَذَلِكَ} كَمَا زينا دينهم وعملهم إِلَيْهِم {زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ} لكل أهل دين {عَمَلَهُمْ} وَدينهمْ {ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَّرْجِعُهُمْ} بعد الْمَوْت {فَيُنَبِّئُهُمْ} يُخْبِرهُمْ {بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} فِي دينهم

109

{وَأَقْسَمُواْ بِاللَّه جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} شدَّة أَيْمَانهم إِذا حلف الرجل بِاللَّه فقد حلف جهد يَمِينه {لَئِن جَآءَتْهُمْ آيَةٌ} كَمَا طلبُوا {لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا} بِالْآيَةِ {قُلْ} يَا مُحَمَّد للمستهزئين وأصحابهم {إِنَّمَا الْآيَات عِندَ الله} تَجِيء الْآيَات من عِنْد الله {وَمَا يُشْعِرُكُمْ} يدريكم أَيهَا الْمُؤْمِنُونَ {أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتْ} يَعْنِي الْآيَة {لاَ يُؤْمِنُونَ} وَالله إِنَّهُم لَا يُؤمنُونَ بِالْآيَةِ

110

{وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ} قُلُوبهم {وَأَبْصَارَهُمْ} عِنْد نزُول الْآيَة حَتَّى لَا يُؤمنُوا بهَا {كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ} بِمَا أخْبرهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْآيَة {أَوَّلَ مَرَّةٍ} قبل هَذَا {وَنَذَرُهُمْ} نتركهم {فِي طُغْيَانِهِمْ} كفرهم وضلالتهم {يَعْمَهُونَ} عمهة لَا يبصرون

111

{وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ} إِلَى الْمُسْتَهْزِئِينَ {الْمَلَائِكَة} كَمَا طلبُوا فَشَهِدُوا على مَا أَنْكَرُوا {وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى} من الْقُبُور كَمَا طلبُوا بِأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وَالْقُرْآن كَلَام الله {وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ} من الطُّيُور وَالدَّوَاب {قُبُلاً} معانة وَإِن قَرَأت قبلا يَقُول قَبيلَة قَبيلَة وَإِن قَرَأت قبيلاً يَقُول كَفِيلا على مَا تَقول انه الْحق وَيشْهدُونَ على مَا أَنْكَرُوا {مَّا كَانُواْ ليؤمنوا} بِمُحَمد وَالْقُرْآن {إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله} أَن يُؤمنُوا {وَلَكِن أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ} أَنه الْحق من الله

112

{وَكَذَلِكَ} كَمَا جعلنَا أَبَا جهل والْمُسْتَهْزِئِين عدوا لَك هَكَذَا {جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً} فرعوناً {شَيَاطِينَ الْإِنْس وَالْجِنّ} يَقُول جعلنَا شياطين الْجِنّ وَالْإِنْس {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ} يملي بَعضهم على بعض {زُخْرُفَ القَوْل} تَزْيِين القَوْل {غُرُوراً} لكَي يغروا بِهِ بني آدم {وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} يَعْنِي التزيين والغرور {فَذَرْهُمْ} اتركهم يَا مُحَمَّد الْمُسْتَهْزِئِينَ وأصحابهم {وَمَا يَفْتَرُونَ} من تَزْيِين القَوْل والغرور

113

{ولتصغى إِلَيْهِ} لكَي تميل إِلَى هَذَا الزخرف والغرور {أَفْئِدَةُ} قُلُوب {الَّذين لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَة} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت {وَلِيَرْضَوْهُ} وليقبلوا من الشَّيَاطِين الزِّينَة والغرور {وَلِيَقْتَرِفُواْ} ليكتسبوا {مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ} مكتسبون من الْإِثْم قل يَا مُحَمَّد لَهُم

114

{أَفَغَيْرَ الله أَبْتَغِي حَكَماً} أعبد رَبًّا {وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ} إِلَى نَبِيكُم {الْكتاب} جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ {مُفَصَّلاً} مُبينًا بالحلال وَالْحرَام وَيُقَال مُتَفَرقًا آيَة وآيتين {وَالَّذين آتَيْنَاهُمُ الْكتاب} أعطيناهم علم التَّوْرَاة يَعْنِي عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه {يَعْلَمُونَ} يستيقنون فِي كِتَابهمْ {أَنَّهُ} يَعْنِي الْقُرْآن {مُنَزَّلٌ} أنزل {مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ} بِالْأَمر وَالنَّهْي وَيُقَال إِنَّه يَعْنِي جِبْرِيل منزل من رَبك بِالْحَقِّ بِالْقُرْآنِ {فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الممترين} من الشاكين أَنهم لَا يعلمُونَ ذَلِك

115

{وتمت كلمة رَبِّكَ} بِالْقُرْآنِ بِالْأَمر وَالنَّهْي {صِدْقاً} فِي قَوْله {وَعَدْلاً} مِنْهُ {لاَّ مُبَدِّلِ} لَا مغير {لِكَلِمَاتِهِ} الْقُرْآن وَيُقَال وتمت وَجَبت كلمة رَبك بالنصرة لأوليائه صِدْقاً فِي قَوْله وَعَدْلاً فِيمَا يكون لاَّ مُبَدِّلِ لَا مغير لِكَلِمَاتِهِ بالنصرة لأوليائه وَيُقَال تمت كلمة رَبك ظهر دين

رَبك صدقا من الْعباد أَنه دين الله وعدلاً من الله من أمره لَا مبدل لَا مغير لكلماته لدينِهِ {وَهُوَ السَّمِيع} لمقالتهم {الْعَلِيم} بهم وبأعمالهم

116

{وَإِن تُطِعْ} يَا مُحَمَّد {أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْض} وهم رُؤَسَاء أهل مَكَّة مِنْهُم أَبُو الْأَحْوَص مَالك بن عَوْف الْجُشَمِي وَبُدَيْل بن وَرْقَاء الْخُزَاعِيّ وجليس بن وَرْقَاء الْخُزَاعِيّ {يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ الله} يخطئوك عَن طَرِيق الله فِي الْحرم {إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّن} مَا يَقُولُونَ إِلَّا بِالظَّنِّ {وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} يكذبُون فِي قَوْلهم للْمُؤْمِنين أَن مَا ذبح الله خير مَا تذبحون أَنْتُم بسكاكينكم

117

{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ} عَن دينه وطاعته {وَهُوَ أَعْلَمُ بالمهتدين} لدينِهِ يَعْنِي مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأَصْحَابه

118

{فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْم الله عَلَيْهِ} من الذَّبَائِح {إِن كُنتُمْ} إِذْ كُنْتُم {بِآيَاتِهِ} الْقُرْآن {مُؤمنين}

119

{وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْم الله عَلَيْهِ} من الذَّبَائِح {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ} بَين لكم {مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} من الْميتَة وَالدَّم وَلحم الْخِنْزِير {إِلاَّ مَا اضطررتم إِلَيْهِ} أجهدتم إِلَى أكل الْميتَة {وَإِنَّ كَثِيراً} أَبَا الْأَحْوَص وَأَصْحَابه {لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم} ليدعون إِلَى أكل الْميتَة {بِغَيْرِ عِلْمٍ} وَلَا حجَّة {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بالمعتدين} الْحَلَال إِلَى الْحَرَام

120

{وَذَرُواْ ظَاهِرَ الْإِثْم} اتْرُكُوا زنا الظَّاهِر {وَبَاطِنَهُ} زنا السِّرّ وَهِي المخالّة {إِنَّ الَّذين يَكْسِبُونَ الْإِثْم} يعْملُونَ الزِّنَا {سَيُجْزَوْنَ} الْجلد فِي الدُّنْيَا والعقوبة فِي الْآخِرَة {بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ} يَكْسِبُونَ من الزِّنَا

121

{وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْم الله عَلَيْهِ} من الذَّبَائِح عمدا {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} يَعْنِي أكله بِغَيْر الضَّرُورَة مَعْصِيّة واستحلاله على إِنْكَار التَّنْزِيل كفر {وَإِنَّ الشَّيَاطِين لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ} يوسوسون أولياءهم أَبَا الْأَحْوَص وَأَصْحَابه {لِيُجَادِلُوكُمْ} يخاصموكم فِي أكل الْميتَة والشرك وَأَن الْمَلَائِكَة بَنَات الله {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ} فِي الشّرك وَأكل الْميتَة فأحللتموها غير مضطرين إِلَيْهَا {إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} مثلهم

122

{أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً} نزلت فِي عمار بن يَاسر وَأبي جهل بن هِشَام هَذِه الْآيَة أَو من كَانَ مَيتا كَافِرًا {فَأَحْيَيْنَاهُ} أكرمناه بِالْإِيمَان وَهُوَ عمار بن يَاسر {وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً} معرفَة {يَمْشِي بِهِ} يَهْتَدِي بِهِ {فِي النَّاس} بَين النَّاس وَيُقَال ونجعل لَهُ نورا على الصِّرَاط فِي النَّاس بَين النَّاس {كَمَن مَّثَلُهُ} كمن هُوَ {فِي الظُّلُمَات} فِي ضَلَالَة الْكفْر فِي الدُّنْيَا وظلمات جَهَنَّم يَوْم الْقِيَامَة وَهُوَ أَبُو جهل {لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا} من الْكفْر الضَّلَالَة فِي الدُّنْيَا والظلمات فِي جَهَنَّم {كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} يَقُول كَمَا زينا لأبي جهل عمله الَّذِي كَانَ يعْمل

123

{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ} بَلْدَة {أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا} أَي رؤساءها وجبابرتها وأغنياءها كَمَا جعلنَا فِي أهل مَكَّة الْمُسْتَهْزِئِينَ وأصحابهم أَبَا جهل وَغَيره {لِيَمْكُرُواْ فِيهَا} ليعملوا فِيهَا بِالْمَعَاصِي وَالْفساد وَيُقَال ليكذبوا فِيهَا الْأَنْبِيَاء {وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنْفُسِهِمْ} يَقُول مَا يصنعون من الْمعاصِي وَالْفساد عُقُوبَة ذَلِك ودماره على أنفسهم {وَمَا يَشْعُرُونَ} ذَلِك

124

{وَإِذَا جَآءَتْهُمْ آيَةٌ} أَي الْوَلِيد بن الْمُغيرَة وَعبد يَا ليل وَأَبا مَسْعُود الثَّقَفِيّ آيَة من السَّمَاء تخبرهم بصنيعهم {قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ} يَعْنِي بِالْآيَةِ {حَتَّى نؤتى} نعطى الْكتاب {مِثْلَ مَآ أُوتِيَ} أعطي {رسل الله} يعنون مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {الله أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} إِلَى من يُرْسل جِبْرِيل بالرسالة {سَيُصِيبُ الَّذين أَجْرَمُواْ} أشركوا يَعْنِي وليداً وَأَصْحَابه {صَغَارٌ} ذل وهوان {عِندَ الله وَعَذَابٌ شَدِيدٌ} عَن الله مقدم ومؤخر {بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ}

يكذبُون الرُّسُل

125

{فَمَن يُرِدِ الله أَن يَهْدِيَهُ} يرشده لدينِهِ {يَشْرَحْ صَدْرَهُ} قلبه {لِلإِسْلاَمِ} لقبُول الْإِسْلَام حَتَّى يسلم {وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ} يتْركهُ ضَالًّا كَافِرًا {يَجْعَلْ صَدْرَهُ} يتْرك قلبه {ضَيِّقاً} كضيق الزج فِي الرمْح {حَرَجاً} شكّاً وَإِن قَرَأت حرجاً يَقُول لَا يجد النُّور فِي قلبه منفذاً وَلَا مجَازًا {كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السمآء} كالمكلف الصعُود إِلَى السَّمَاء هَكَذَا قلبه لَا يَهْتَدِي إِلَى الْإِسْلَام {كَذَلِك} هَكَذَا {يَجْعَلُ الله الرجس} يتْرك الله التَّكْذِيب {عَلَى الَّذين} فِي قُلُوب الَّذين {لَا يُؤمنُونَ} بِمُحَمد وَالْقُرْآن عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ثمَّ يعذبهم إِن لم يُؤمنُوا

126

{وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ} صَنِيع رَبك {مُسْتَقِيماً} عدلا وَيُقَال وَهَذَا يَعْنِي الْإِسْلَام صِرَاط رَبك دين رَبك مُسْتَقِيمًا قَائِما يرتضيه وَهُوَ الْإِسْلَام {قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَات} بَينا الْقُرْآن بِالْأَمر وَالنَّهْي والإهانة والكرامة {لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ} يتعظون فيؤمنون وَيُقَال نزل فَمَن يُرِدِ الله أَن يَهْدِيَهُ الْآيَة فِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي جهل وَيُقَال نزلت فِي عمار وَأبي جهل

127

{لَهُمْ} للْمُؤْمِنين {دَارُ السَّلَام عِندَ رَبِّهِمْ} السَّلَام هُوَ الله وَالْجنَّة دَاره {وَهُوَ وَلِيُّهُمْ} بالثواب والكرامة {بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} وَيَقُولُونَ فِي الدُّنْيَا من الْخيرَات

128

{وَيَوْم يحشرهم جَمِيعًا} الْجِنّ وَالْإِنْس فَنَقُول {يَا معشر الْجِنّ قَدِ استكثرتم مِّنَ الْإِنْس} من ضلالات الْإِنْس أَي أضللتم كثيرا من الْإِنْس بالتعوذ {وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم} أَوْلِيَاء الْجِنّ {مِّنَ الْإِنْس} الَّذين كَانُوا يتعوذون برؤساء الْجِنّ إِذا نزلُوا وَاديا واصطادوا من دوابهم صيدا كَانُوا يَقُولُونَ نَعُوذ بِسَيِّد هَذَا الْوَادي من سُفَهَاء قومه فيأمنون بذلك {رَبَّنَا} يَا رَبنَا {استمتع} انْتفع {بَعْضُنَا بِبَعْضٍ} وَكَانَ مَنْفَعَة الْإِنْس الْأَمْن مِنْهُم وَمَنْفَعَة الْجِنّ الشّرف وَالْعَظَمَة على قَومهمْ (وَبَلَغْنَآ) أدركنا {أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا} وَقت لنا يَعْنِي الْمَوْت {قَالَ} الله لَهُم {النَّار مَثْوَاكُمْ} منزلكم يَا معشر الْجِنّ وَالْإِنْس {خَالِدِينَ فِيهَآ} مقيمين فِي النَّار {إِلاَّ مَا شَآءَ الله} وَقد شَاءَ الله لَهُم الخلود {إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ} حكم عَلَيْهِم بالخلود {عَليمٌ} بهم وبعقوبتهم

129

{وَكَذَلِكَ} هَكَذَا {نُوَلِّي} نَتْرُك {بَعْضَ الظَّالِمين} الْمُشْركين {بَعْضاً} إِلَى بعض فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَيُقَال نولي نملك بعض الظَّالِمين الْمُشْركين على بعض {بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} يَقُولُونَ ويعملون من الشَّرّ

130

{يَا معشر الْجِنّ وَالْإِنْس أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنْكُمْ} من الْإِنْس مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَسَائِر الرُّسُل وَمن الْجِنّ تِسْعَة نفر الَّذين أَتَوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتولوا إِلَى قَومهمْ منذرين وَيُقَال كَانَ لَهُم نَبِي يُسمى يُوسُف {يقصون عَلَيْكُم} يقرءُون عَلَيْكُم {آيَاتِي} بِالْأَمر وَالنَّهْي {وَيُنذِرُونَكُمْ} يخافونكم {لِقَآءَ يَوْمِكُمْ} عَذَاب يومكم {هَذَا قَالُواْ} يَعْنِي الْجِنّ وَالْإِنْس {شَهِدْنَا على أَنْفُسِنَا} أَنهم قد بلغُوا الرسَالَة وكفرنا بهم قَالَ الله {وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاة الدنيآ} مَا فِي الدُّنْيَا من الزهرة وَالنَّعِيم {وَشَهِدُواْ على أَنْفُسِهِمْ} فِي الْآخِرَة {أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ} فِي الدُّنْيَا

131

{ذَلِك} إرْسَال الرُّسُل {أَن لَّمْ يَكُنْ} بِأَن لم يكن {رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقرى} أهل الْقرى {بِظُلْمٍ} بشرك وذنب وَيُقَال بظُلْم مِنْهُ {وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ} عَن الْأَمر وَالنَّهْي وتبليغ الرُّسُل

132

{وَلِكُلٍّ} لكل وَاحِد من الْجِنّ وَالْإِنْس {دَرَجَاتٌ} للْمُؤْمِنين فِي الْجنَّة من الْإِنْس وَالْجِنّ ودركات للْكَافِرِينَ فِي النَّار {مِمَّا عمِلُوا} بماعملوا من الْخَيْر وَالشَّر {وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ} بساه {عَمَّا يَعْمَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر وَيُقَال بتارك عُقُوبَة مَا يعْملُونَ من الْمعاصِي

133

{وَرَبُّكَ الْغَنِيّ} عَن إِيمَانهم

{ذُو الرَّحْمَة} بِتَأْخِيرِهِ الْعَذَاب لمن آمن بِهِ {إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ} يهلككم يَا أهل مَكَّة {وَيَسْتَخْلِفْ} يخلف {مِن بَعْدِكُمْ مَّا يَشَآءُ كَمَآ أَنشَأَكُمْ مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ} قرنا بعد قرن

134

{إِنَّمَا تُوعَدُونَ} من الْعَذَاب {لآتٍ} لكائن {وَمَآ أَنتُم بِمُعْجِزِينَ} بفائتين من الْعَذَاب يدرككم حَيْثُمَا كُنْتُم

135

{قل} يَا مُحَمَّد لكفار أهل مَكَّة {يَا قوم اعْمَلُوا على مَكَانَتِكُمْ} على دينكُمْ فِي مَنَازِلكُمْ بهلاكي {إِنَّي عَامِلٌ} بِهَلَاكِكُمْ {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّار} يَعْنِي الْجنَّة {إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ} لَا يَأْمَن وَلَا ينجو {الظَّالِمُونَ} الْمُشْركُونَ من عَذَاب الله

136

{وَجَعَلُواْ لِلَّهِ} وصفوا لله {مِمَّا ذَرَأَ} خلق {مِنَ الْحَرْث والأنعام} الْإِبِل وَالْبَقر والسائمة {نَصِيباً} حظا فَقَالَ {هَذَا لِلَّهِ} بِزَعْمِهِمْ {وَهَذَا لِشُرَكَآئِنَا} لِآلِهَتِنَا {فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ} لآلهتهم {فَلاَ يَصِلُ إِلَى الله} فَلَا يرجع إِلَى الَّذِي جَعَلُوهُ لله {وَمَا كَانَ للَّهِ فَهُوَ يَصِلُ} يرجع {إِلَى شُرَكَآئِهِمْ} إِلَى الَّذِي جعلُوا لآلهتهم {سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ} بئس مَا يقضون لأَنْفُسِهِمْ

137

{وَكَذَلِكَ} كَمَا زينا قَوْلهم وعملهم {زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْركين قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ} بناتهم {شُرَكَآؤُهُمْ} من الشَّيَاطِين {لِيُرْدُوهُمْ} ليهلكوهم {وَلِيَلْبِسُواْ} يخلطوا {عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ} دين إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل {وَلَوْ شَآءَ الله مَا فَعَلُوهُ} يَعْنِي التزيين وَدفن بناتهم أَحيَاء {فَذَرْهُمْ} اتركهم (وَمَا يَفْتَرُونَ) يكذبُون على الله فَيَقُولُونَ إِن الله أَمرهم بذلك يَعْنِي بدفن الْبَنَات

138

{وَقَالُوا هَذِه أنعام} يَعْنِي الْبحيرَة والسائبة والوصيلة والحام {وَحَرْثٌ حِجْرٌ} حرَام {لاَّ يَطْعَمُهَآ إِلاَّ مَن نَّشَآءُ بِزَعْمِهِمْ} يعنون الرِّجَال دون النِّسَاء {وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا} وَهِي الحام {وَأَنْعَامٌ لاَّ يَذْكُرُونَ اسْم الله عَلَيْهَا} إِذا حملت وَلَا إِذا ركبت وَهِي الْبحيرَة {افترآء عَلَيْهِ} كذبا على الله أَنه أَمرهم بذلك {سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} يكذبُون على الله

139

{وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَذِه الْأَنْعَام} يَعْنِي الْبحيرَة والوصيلة {خَالِصَةٌ} حَلَال {لِّذُكُورِنَا} يعنون الرِّجَال {وَمُحَرَّمٌ على أَزْوَاجِنَا} يعنون النِّسَاء {وَإِن يَكُن ميتَة} تلو ميتَة أَو مَاتَ بعد ذَلِك {فَهُمْ فِيهِ} فِي أكله {شُرَكَآءُ} شرع الرِّجَال وَالنِّسَاء {سَيَجْزِيهِمْ} وَهَذَا وَعِيد لَهُم {وَصْفَهُمْ} وَيُقَال مَا وَصفهم عَمْرو بن لحي رَآهُ النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي جَهَنَّم يجر قصبه من دبره وَكَانَ يعلمهُمْ تَحْرِيم الْأَنْعَام {إِنَّهُ حِكِيمٌ} أحل لَهُم الْحَلَال {عَلِيمٌ} بوصفهم الْحَرَام

140

{قَدْ خَسِرَ} قد غبن {الَّذين قتلوا أَوْلاَدَهُمْ} دفنُوا بناتهم أَحيَاء {سَفَهاً} جهلا {بِغَيْرِ عِلْمٍ} بِلَا علم نزلت فِي ربيعَة وَمُضر رُؤَسَاء أَحيَاء الْعَرَب الَّذين كَانُوا يدفنون بناتهم فِي الْجَاهِلِيَّة إِلَّا مَا كَانَ من بني كنَانَة فَإِنَّهُم لم يَفْعَلُوا ذَلِك {وَحَرَّمُواْ} على النِّسَاء {مَا رَزَقَهُمُ الله} مَا أحل الله لَهُم من الْحَرْث والأنعام {افتراء على الله} اختلاقا على الله الْكَذِب {قد ضلوا} أخطئوا فِيمَا قَالُوا {وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ} للهدى وَالصَّوَاب بِمَا وصفوا

141

{وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ} خلق {جَنَّاتٍ} بساتين {مَّعْرُوشَاتٍ} مبسوطات مَا لَا يقوم على سَاق مثل الكروم وَغَيرهَا {وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ} غير مبسوطات مَا يقوم على سَاق مثل الْجَوْز واللوز وَغَيرهمَا وَيُقَال معروشات مغروسات {وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ} أَي وَغير مغروسات {وَالنَّخْل وَالزَّرْع مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ} فِي الْحَلَاوَة والحموضة {وَالزَّيْتُون} وَخلق شجر الزَّيْتُون {وَالرُّمَّان} شجر الرُّمَّان {مُتَشَابِهاً} فِي اللَّوْن والمنظر {وَغَيْرَ مُتَشَابِه} مُخْتَلف فِي الطّعْم {كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ} من ثَمَر النّخل {إِذَآ أَثْمَرَ} انْعَقَد {وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} يَوْم كَيْله وَإِن قَرَأت بِنصب الْحَاء يَقُول يَوْم يحصد {وَلاَ تسرفوا} وَلَا تنفقوا فِي مَعْصِيّة الله وَلَا تمنعوا طَاعَة الله

وَيُقَال وَلَا تسرفوا لَا تحرموا الْبحيرَة والسائبة والوصيلة والحام {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المسرفين} المنفقين فِي مَعْصِيّة الله وَالْمُشْرِكين وَيُقَال نزلت هَذِه الْآيَة فِي ثَابت ابْن قيس صرم بيدَيْهِ خَمْسمِائَة نَخْلَة وَقسمهَا وَلم يتْرك لأَهله شَيْئا

142

{وَمِنَ الْأَنْعَام} وَخلق من الْأَنْعَام {حَمُولَةً} مَا يحمل عَلَيْهَا مثل الْإِبِل وَالْبَقر {وفرشا} مَالا يحمل عَلَيْهَا مثل الْغنم وصغار الْإِبِل {كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله} من الْحَرْث والأنعام {وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَان} تَزْيِين الشَّيْطَان بِتَحْرِيم الْحَرْث والأنعام {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} ظَاهر الْعَدَاوَة يَأْمُركُمْ بِتَحْرِيم الْحَرْث والأنعام

143

{ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} خلق ثَمَانِيَة أَصْنَاف {مَّنَ الضَّأْن} من الشَّاة {اثْنَيْنِ} ذكرا وَأُنْثَى {وَمِنَ الْمعز اثْنَيْنِ} ذكرا وَأُنْثَى {قُلْ} يَا مُحَمَّد لمَالِك {آلذكرين حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ} أجاء تَحْرِيم الْبحيرَة والوصيلة من قبل مَاء الذكرين أَو من قبل مَاء الْأُنْثَيَيْنِ {أَمَّا اشْتَمَلت عَلَيْهِ} أَو من قبل الِاجْتِمَاع على الْوَلَد {أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي} خبروني {بِعِلْمٍ} بِبَيَان مَا تَقولُونَ {إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} أَن الله حرم مَا تَقولُونَ

144

{وَمِنَ الْإِبِل} وَخلق من الْإِبِل {اثْنَيْنِ} ذكر وَأُنْثَى {وَمِنَ الْبَقر اثْنَيْنِ} ذكرا وَأُنْثَى {قُلْ} يَا مُحَمَّد لمَالِك {آلذكرين حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ} أجاء تَحْرِيم الْبحيرَة والوصيلة من قبل مَاء الذكرين أَو من قبل مَاء الْأُنْثَيَيْنِ {أَمَّا اشْتَمَلت عَلَيْهِ} أَو من قبل الِاجْتِمَاع على الْوَلَد {أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ} وَلها وَجه آخر يَقُول أجاء تَحْرِيم هَذَا من قبل أَنه ولد ذكرا أَو من قبل أَنَّهَا ولدت أُنْثَى {أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ} حضراء {إِذْ وَصَّاكُمُ الله} أَمركُم الله {بِهَذَا} بِمَا تَقولُونَ {فَمَنْ أَظْلَمُ} أَعْتَى وَأَجرا على الله {مِمَّنِ افترى} اختلق {عَلَى الله كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاس} عَن دين الله وطاعته {بِغَيْرِ عِلْمٍ} بِلَا علم آتَاهُ الله {إِنَّ الله لاَ يَهْدِي} لَا يرشد إِلَى دينه وحجته {الْقَوْم الظَّالِمين} الْمُشْركين يَعْنِي مَالك بن عَوْف

145

فَسكت مَالك وَعلم مَا يُرَاد مِنْهُ فَقَالَ تكلم أَنْت فَأَسْمع مِنْك يَا مُحَمَّد فَلم حرم آبَاؤُنَا فَقَالَ الله {قُل} يَا مُحَمَّد {لَا أجد فِيمَا أُوْحِيَ إِلَيَّ} يَعْنِي الْقُرْآن {مُحَرَّماً على طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} على آكل يَأْكُلهُ {إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً} جَارِيا {أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} حرَام مقدم ومؤخر {أَوْ فِسْقاً} ذَبِيحَة {أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ} ذبح لغير اسْم الله عمدا {فَمَنِ اضْطر} أجهد إِلَى أكل الْميتَة {غَيْرَ بَاغٍ} على الْمُسلمين وَلَا مستحل لأكل الْميتَة بِغَيْر الضَّرُورَة {وَلاَ عَادٍ} قَاطع الطَّرِيق وَلَا متعمد لأكل الْميتَة بِغَيْر ضَرُورَة {فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ} لأكله شبعاً {رَّحِيمٌ} فِيمَا رخص عَلَيْهِ وَلَا يَنْبَغِي أَن يَأْكُل شبعاً وَإِن أكل يعف الله عَنهُ

146

{وَعَلَى الَّذين هَادُواْ} يَعْنِي الْيَهُود {حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} كل ذِي مخلب من الطير وكل ذِي نَاب من السبَاع وَمَا يكون لَهُ ظفر مثل الْإِبِل والبط والأوز ابْن المَاء والأرنب كَانَ حَرَامًا عَلَيْهِم {وَمِنَ الْبَقر وَالْغنم حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَآ} يَعْنِي الثروب وشحم الكليتين {إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الحوايآ} المباعر {أَوْ مَا اخْتَلَط بِعَظْمٍ} مثل الألية فَهَذَا مَا كَانَ حَلَالا عَلَيْهِم {ذَلِك} الَّذِي حرمنا عَلَيْهِم {جَزَيْنَاهُم} عاقبناهم {بِبَغْيِهِمْ} بذنبهم حرمنا عَلَيْهِم {وِإِنَّا لَصَادِقُونَ} فِيمَا قُلْنَا

147

{فَإِن كَذَّبُوكَ} يَا مُحَمَّد بِمَا وصفت لَك من التَّحْرِيم {فَقُلْ رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ} على الْبر والفاجر بِتَأْخِير الْعَذَاب {وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ} عَذَابه {عَنِ الْقَوْم الْمُجْرمين} الْمُشْركين

148

{سَيَقُولُ الَّذين أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ الله مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ} من الْحَرْث والأنعام وَلَكِن أَمر وَحرم عَلَيْهِمَا {كَذَلِك} كَمَا كَذبك قَوْمك {كَذَّبَ الَّذين مِن قَبْلِهِم} رسلهم {حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا} عذابنا {قُلْ} يَا مُحَمَّد {هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ} من بَيَان على مَا تَقولُونَ من التَّحْرِيم

{فَتُخْرِجُوهُ} فتظهروه {لَنَآ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّن} مَا تَقولُونَ فِي تَحْرِيم الْحَرْث والأنعام إِلَّا بِالظَّنِّ {وَإِنْ أَنتُمْ} مَا أَنْتُم {إَلاَّ تَخْرُصُونَ} تكذبون

149

{قُلْ} يَا مُحَمَّد إِن لم تكن لكم حجَّة على مَا تَقولُونَ {فَلِلَّهِ الْحجَّة الْبَالِغَة} الْوَثِيقَة {فَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ} لدينِهِ {أَجْمَعِينَ}

150

{قُلْ} يَا مُحَمَّد لَهُم {هَلُمَّ شُهَدَآءَكُمُ الَّذين يَشْهَدُونَ أَنَّ الله حَرَّمَ هَذَا} يَعْنِي مَا تَقولُونَ من الْحَرْث والأنعام {فَإِن شَهِدُواْ} بالزور على تَحْرِيمهَا {فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ الَّذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا} الْقُرْآن {وَالَّذين لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَة} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت {وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} يشركُونَ بِهِ الْأَصْنَام

151

{قُلْ} يَا مُحَمَّد لمَالِك بن عَوْف وَأَصْحَابه {تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} فِي الْكتاب الَّذِي أنزل عليّ {أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً} أَوله أَن لَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا من الْأَوْثَان {وبالوالدين إِحْسَاناً} بَرّاً بهما {وَلاَ تقتلُوا أَوْلاَدَكُمْ} بناتكم {مِّنْ إمْلاَقٍ} مَخَافَة الذل والفقر {نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} يَعْنِي أَوْلَادكُم {وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِش} الزِّنَا {مَا ظَهَرَ مِنْهَا} يَعْنِي زنا الظَّاهِر {وَمَا بَطَنَ} يَعْنِي زنا السِّرّ وَهِي المخالة {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفس الَّتِي حَرَّمَ الله} قَتلهَا {إِلاَّ بِالْحَقِّ} بِالْعَدْلِ يَعْنِي بالقود وَالرَّجم والارتداد {ذَلِكُم وَصَّاكُمْ بِهِ} بِمَا أَمركُم فِي الْكتاب {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} أمره وتوحيده

152

{وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيم إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} بِالْحِفْظِ والأرباح {حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} الْحلم والرشد وَالصَّلَاح {وَأَوْفُواْ الْكَيْل وَالْمِيزَان} أَتموا الْكَيْل وَالْوَزْن {بِالْقِسْطِ} بِالْعَدْلِ {لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً} عِنْد الْكَيْل وَالْوَزْن {إِلاَّ وُسْعَهَا} إِلَّا جهدها بِالْعَدْلِ {وَإِذَا قُلْتُمْ فاعدلوا} فاصدقوا {وَلَوْ كَانَ ذَا قربى} لَو كَانَ على ذِي قرَابَة مِنْكُم فِي الرَّحِم فَقولُوا عَلَيْهِ الْحق والصدق {وَبِعَهْدِ الله أَوْفُواْ} يَعْنِي أَتموا الْعَهْد بِاللَّه {ذَلِكُم وَصَّاكُمْ بِهِ} أَمركُم بِهِ فِي الْكتاب {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} لكَي تتعظوا

153

{وَأَنَّ هَذَا} يَعْنِي الْإِسْلَام {صِرَاطِي مُسْتَقِيماً} قَائِما أرضاه {فَاتَّبعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السبل} يَعْنِي الْيَهُودِيَّة والنصرانية والمجوسية {فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} عَن دينه {ذَلِكُم وَصَّاكُمْ بِهِ} أَمركُم بِهِ فِي الْكتاب {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} لكَي تتقوا السبل

154

(ثُمَّ آتَيْنَا) أعطينا {مُوسَى الْكتاب} يَعْنِي التَّوْرَاة {تَمَاماً} بِالْأَمر وَالنَّهْي والوعد والوعيد وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب {عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ} يَقُول على أحسن حَال وَيُقَال على إِحْسَان مُوسَى وتبليغ رِسَالَة ربه {وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ} يَقُول وبياناً لكل شَيْء من الْحَلَال وَالْحرَام {وَهُدًى} من الضَّلَالَة {وَرَحْمَةً} من الْعَذَاب لمن آمن بِهِ {لَّعَلَّهُمْ بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت {يُؤْمِنُونَ} يصدقون

155

{وَهَذَا كِتَابٌ} يَعْنِي الْقُرْآن {أَنزَلْنَاهُ} أنزلنَا بِهِ جِبْرِيل {مُبَارَكٌ} فِيهِ الرَّحْمَة وَالْمَغْفِرَة لمن آمن بِهِ {فَاتَّبعُوهُ} فاتبعوا حَلَاله وَحَرَامه وَأمره وَنَهْيه {وَاتَّقوا} غَيره {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} لكَي ترحموا فَلَا تعذبوا

156

{أَن تَقولُوا} لكَي لَا تَقولُوا يَا أهل مَكَّة يَوْم الْقِيَامَة {إِنَّمَآ أُنزِلَ الْكتاب على طَآئِفَتَيْنِ} على أهل دينين {مِن قَبْلِنَا} يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى {وَإِن كُنَّا} وَقد كُنَّا {عَن دِرَاسَتِهِمْ} عَن قراءتهم التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل {لَغَافِلِينَ} لجاهلين

157

{أَوْ تَقُولُواْ} لكَي لَا تَقولُوا يَوْم الْقِيَامَة {لَوْ أَنَّآ أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكتاب} كَمَا أنزل على الْيَهُود وَالنَّصَارَى {لَكُنَّآ أهْدى مِنْهُمْ} أسْرع مِنْهُم إِجَابَة للرسول وأصوب دينا {فَقَدْ جَآءَكُمْ بَيِّنَةٌ} بَيَان {مِّن رَّبِّكُمْ} يَعْنِي الْكتاب وَالرَّسُول {وَهدى} من الضَّلَالَة {وَرَحْمَة} لمن آمن بِهِ {فَمن أظلم} أَعْتَى وَأَجرا على الله {مِمَّن كذب بآيَات الله} بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن {وصدف عَنْهَا} أعرض عَنَّا {سَنَجْزِي الَّذين يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا} يعرضون عَن مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن {سوء الْعَذَاب}

شدَّة الْعَذَاب {بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ} يعرضون عَن مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام وَالْقُرْآن

158

{هَلْ يَنظُرُونَ} هَل ينتظروا أهل مَكَّة {إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلَائِكَة} عِنْد الْمَوْت لقبض أَرْوَاحهم {أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ} يَوْم الْقِيَامَة بِلَا كَيفَ {أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} يَعْنِي طُلُوع الشَّمْس من مغْرِبهَا {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} قبل طُلُوع الشَّمْس من مغْرِبهَا {لاَ يَنفَعُ نَفْساً} كَافِرَة {إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ} من قبل طُلُوع الشَّمْس من مغْرِبهَا {أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً} وَلم تخلص بإيمانها وَلم تعْمل خيرا قبل طُلُوع الشَّمْس من مغْرِبهَا لِأَنَّهُ لَا يقبل مِمَّن كَانَ كَافِر إِيمَان وَلَا عمل وَلَا تَوْبَة إِذا أسلم حِين يَرَاهَا إِلَّا من كَانَ صَغِيرا يؤمئذ أَو مَوْلُود بعد ذَلِك فَإِنَّهُ إِن ارْتَدَّ بعد مَا تطلع الشَّمْس من مغْرِبهَا ثمَّ أسلم قبل مِنْهُ وَمن كَانَ يَوْمئِذٍ مُؤمنا مذنباً فَتَابَ من الذُّنُوب قبل مِنْهُ يَقُول من كَانَ يؤمئد مُؤمنا مذنباً فَتَابَ أَو صَغِيرا أَو مولوداً بعد ذَلِك فَإِنَّهُ ينفع إِيمَانهم وتوبتهم وعملهم {قُلِ} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {انتظروا} يَوْم الْقِيَامَة {إِنَّا مُنتَظِرُونَ} بكم الْعَذَاب يَوْم الْقِيَامَة أوقبل يَوْم الْقِيَامَة وَيُقَال قُلِ يَا مُحَمَّد انتظروا هلاكي إِنَّا منتظرون لهلاككم

159

{إِنَّ الَّذين فَرَّقُواْ دِينَهُمْ} تركُوا دينهم وَدين آبَائِهِم وَيُقَال إقرارهم يَوْم الْمِيثَاق وَإِن قَرَأت فرقوا بتَشْديد الرَّاء يَعْنِي شتتوا دينهم أَي اخْتلفُوا فِي دينهم {وَكَانُواْ شِيَعاً} صَارُوا فرقا الْيَهُودِيَّة والنصرانية والمجوسية {لَّسْتَ مِنْهُمْ} من قِتَالهمْ {فِي شَيْءٍ} ثمَّ أمره بعد ذَلِك بقتالهم وَيُقَال لَيْسَ بِيَدِك تَوْبَتهمْ وَلَا عَذَابهمْ {إِنَّمَآ أَمْرُهُمْ} بذلك {إِلَى الله ثُمَّ يُنَبِّئُهُم} يُخْبِرهُمْ {بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر

160

{مَن جَآءَ بِالْحَسَنَة} مَعَ التَّوْحِيد {فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَآءَ بِالسَّيِّئَةِ} بالشرك بِاللَّه {فَلاَ يجزى إِلاَّ مِثْلَهَا} يَعْنِي النَّار {وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} لَا ينقص من حسناتهم وَلَا يُزَاد على سيئاتهم

161

{قُلْ} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة وَالْيَهُود وَالنَّصَارَى {إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي} أكرمني رَبِّي بِدِينِهِ وَأَمرَنِي أَن أَدْعُو الْخلق وَيُقَال بَين لي رَبِّي كَيفَ أَدْعُو الْخلق {إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً} صدقا {مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} دين إِبْرَاهِيم {حَنِيفاً} مُسلما {وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْركين} مَعَ الْمُشْركين على دينهم

162

{قُلْ} يَا مُحَمَّد {إِنَّ صَلاَتِي} الصَّلَوَات الْخمس {وَنُسُكِي} ديني وحجتي وذبيحتي وعبادتي {وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ} فِي الدُّنْيَا فِي طَاعَة الله وَرضَاهُ {رب الْعَالمين} سيد الْجِنّ وَالْإِنْس

163

{لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِك أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسلمين} المخلصين بِالْعبَادَة والتوحيد

164

{قُلْ} يَا مُحَمَّد {أَغَيْرَ الله أَبْغِي رَبّاً} أعبد ربّاً {وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ} بَائِن مِنْهُ {وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ} من الذُّنُوب {إِلاَّ عَلَيْهَا} عُقُوبَة ذَلِك {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} لَا تحمل حاملة حمل أُخْرَى من الذُّنُوب وَيُقَال لَا تُؤْخَذ نفس بذنب نفس أُخْرَى وَيُقَال لَا تعذب نفس بِغَيْر ذَنْب وَيُقَال لَا تحمل حمالَة ذَنْب أُخْرَى بِطيبَة النَّفس وَلَكِن يحمل عَلَيْهَا بالكره {ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ} بعد الْمَوْت {فَيُنَبِّئُكُمْ} يُخْبِركُمْ {بِمَا كُنتُمْ فِيهِ} فِي الدّين {تَخْتَلِفُونَ} تخالفون

165

{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْض} خلف الْأُمَم الْمَاضِيَة فِي الأَرْض {وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} فَضَائِل بِالْمَالِ والخدم {لِّيَبْلُوَكُمْ} ليختبركم {فِي مَآ آتَاكُمْ} أَعْطَاكُم من المَال والخدم {إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعقَاب} لمن كفر بِهِ وَلَا يشكره {وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ} متجاوز {رَّحِيمٌ} لمن آمن بِهِ

وَمن السُّورَة الَّتِي يذكر فِيهَا الْأَعْرَاف وَهِي كلهَا مَكِّيَّة وآياتها مِائَتَان وست وكلماتها ثَلَاثَة آلَاف وسِتمِائَة وَخمْس وَعِشْرُونَ وحروفها أَرْبَعَة عشر ألفا وثلثمائة وَعشرَة أحرف {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم {

الأعراف

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {المص} يَقُول أَنا الله أعلم وَأفضل وَيُقَال قسم أقسم بِهِ

2

{كِتَابٌ} إِن هَذَا الْكتاب يَعْنِي الْقُرْآن {أُنزِلَ إِلَيْكَ} جِبْرِيل بِهِ {فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ} فَلَا يَقع فِي قَلْبك شكّ {مِّنْهُ} من الْقُرْآن أَنه لَيْسَ من الله وَيُقَال ضيق {لِتُنذِرَ بِهِ} بِالْقُرْآنِ أهل مَكَّة لكَي يُؤمنُوا {وذكرى} عظة {لِلْمُؤْمِنِينَ}

3

{اتبعُوا مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ} يَعْنِي الْقُرْآن أحلُّوا حَلَاله وحرموا حرَامه {وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ} لَا تعبدوا من دون الله {أَوْلِيَآءَ} أَرْبَابًا من الْأَصْنَام {قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ} مَا تتعظون بِقَلِيل وَلَا بِكَثِير

4

{وَكَم مِّن قَرْيَةٍ} من أهل قَرْيَة {أَهْلَكْنَاهَا} عذبناها {فَجَآءَهَا بَأْسُنَا} عذابنا {بَيَاتاً} لَيْلًا أَو نَهَارا {أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ} نائمون عِنْد القيلولة

5

{فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ} قَوْلهم {إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَآ} عذابنا بهلاكهم {إِلاَّ أَن قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظالمين} مُشْرِكين

6

{فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذين أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ} الرُّسُل يَعْنِي الْقَوْم عَن إِجَابَة الرُّسُل {وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسلين} عَن تبليغهم

7

{فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم} فلنخبرنهم {بِعِلْمٍ} بِبَيَان {وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ} عَن تَبْلِيغ الرُّسُل وَإجَابَة الْقَوْم

8

{وَالْوَزْن} وزن الْأَعْمَال {يَوْمَئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {الْحق} الْعدْل {فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} حَسَنَاته فِي الْمِيزَان {فَأُولَئِك هُمُ المفلحون} الناجون من السخط وَالْعَذَاب

9

{وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ} حَسَنَاته فِي الْمِيزَان {فَأُولَئِك الَّذين خسروا أَنْفُسَهُم} بالعقوبة {بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا} بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن {يِظْلِمُونَ} يكفرون

10

{وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ} ملكناكم {فِي الأَرْض وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا} فِي الأَرْض {مَعَايِشَ} مَا تَأْكُلُونَ وَمَا تشربون وَمَا تلبسُونَ {قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ} مَا تشكرون بِقَلِيل وَلَا بِكَثِير وَيُقَال شكركم فِيمَا صنع إِلَيْكُم قَلِيل

11

{وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ} من آدم وآدَم من تُرَاب {ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} فِي الْأَرْحَام وصورنا آدم بَين مَكَّة والطائف {ثُمَّ قُلْنَا للْمَلَائكَة} الَّذين كَانُوا فِي الأَرْض {اسجدوا لآدَم} سَجْدَة التَّحِيَّة {فسجدوا إِلاَّ إِبْلِيسَ} رئيسهم {لَمْ يَكُنْ مِّنَ الساجدين} مَعَ الساجدين بِالسُّجُود لآدَم

12

{قَالَ مَا مَنَعَكَ} قَالَ الله يَا إِبْلِيس مَا مَنعك {أَلاَّ تَسْجُدَ} لآدَم (إِذْ أَمَرْتُكَ) بِالسُّجُود {قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} أَنا نَارِي وآدَم طيني وَالنَّار تَأْكُل الطين

13

{قَالَ} الله لَهُ {فاهبط مِنْهَا} فَانْزِل من السَّمَاء وَيُقَال فَاخْرُج مِنْهَا من صُورَة الْمَلَائِكَة {فَمَا يَكُونُ لَكَ} مَا يَنْبَغِي لَك {أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا} أَن تتعظم فِي صُورَة الْمَلَائِكَة على بني آدم {فَاخْرُج} من صُورَة الْمَلَائِكَة وَيُقَال فَاخْرُج مِنْهَا من الأَرْض {إِنَّكَ مِنَ الصاغرين} من الذليلين بالعقوبة

14

{قَالَ أَنظِرْنِي} أجلني {إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} من الْقُبُور أَرَادَ الملعون أَن لَا يَمُوت

15

{قَالَ} الله لَهُ {إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ} من المؤجلين إِلَى نفخة الصُّور

16

{قَالَ}

إِبْلِيس {فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي} فَكَمَا أضللتني عَن الْهدى {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ} لبني آدم {صِرَاطَكَ الْمُسْتَقيم} دين الْإِسْلَام

17

{ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ} من قبل الْآخِرَة أَن لاجنة وَلَا نَار وَلَا بعث وَلَا حِسَاب {وَمِنْ خَلْفِهِمْ} أَن الدُّنْيَا لَا تفنى وَآمرهُمْ بِالْجمعِ وَالْمَنْع وَالْبخل وَالْفساد {وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ} من قبل الدّين فَمن كَانَ على الْهدى أشبه عَلَيْهِ حَتَّى يخرج مِنْهُ وَمن كَانَ على الضَّلَالَة أزين لَهُ حَتَّى يثبت عَلَيْهَا {وَعَن شَمَآئِلِهِمْ} من قبل اللَّذَّات والشهوات {وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ} كلهم {شَاكِرِينَ} مُؤمنين

18

{قَالَ اخْرُج مِنْهَا} من صُورَة الْمَلَائِكَة {مذؤوما} ملوماً {مَّدْحُوراً} مقصى بَعيدا من كل خير {لَّمَن تَبِعَكَ} أطاعك {مِنْهُمْ} من الْجِنّ وَالْإِنْس {لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ} من كفار الْجِنّ وَالْإِنْس {أَجْمَعِينَ}

19

{وَيَا آدَمُ اسكن} انْزِلْ {أَنتَ وَزَوْجُكَ} حَوَّاء {الْجنَّة فَكُلاَ} من الْجنَّة {مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا} وَمَتى شئتما {وَلاَ تَقْرَبَا هَذِه الشَّجَرَة} لَا تأكلا من هَذِه الشَّجَرَة شَجَرَة الْعلم {فَتَكُونَا من الظَّالِمين} فَتَصِير من الضارين لأنفسكما

20

{فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَان} إِبْلِيس بِأَكْل الشَّجَرَة {لِيُبْدِيَ لَهُمَا} ليظْهر لَهما {مَا وُورِيَ عَنْهُمَا} مَا غطى عَنْهُمَا بلباس النُّور {من سوآتهما} من عوراتهما {وَقَالَ} لَهما إِبْلِيس {مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا} يَا آدم وَيَا حَوَّاء {عَنْ هَذِه الشَّجَرَة} عَن أكل هَذِه الشَّجَرَة {إِلاَّ أَن تَكُونَا} تصيرا {مَلَكَيْنِ} تعلمان الْخَيْر وَالشَّر فِي الْجنَّة {أَوْ تَكُونَا} تصيرا {مِنَ الخالدين} فِي الْجنَّة فَلذَلِك منعكما عَن أكل الشَّجَرَة

21

{وَقَاسَمَهُمَآ} حلف لَهما {إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ الناصحين} فِي حلفي لَكمَا إِنَّهَا شَجَرَة الْخلد

22

{فَدَلاَّهُمَا} إِلَى أكل الشَّجَرَة {بِغُرُورٍ} بَاطِل وَكذب حَتَّى أكلا {فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَة} فَلَمَّا أكلا من الشَّجَرَة {بَدَت لَهما} ظَهرت لَهما {سوآتهما} عوراتهما {وَطَفِقَا} عمدا من الاستحياء {يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا} يلزقان على عوراتهما {مِن وَرَقِ الْجنَّة} من ورق التِّين {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَآ} يَا آدم وَيَا حَوَّاء {أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَة} عَن أكل هَذِه الشَّجَرَة {وَأَقُل لَّكُمَآ إِنَّ الشيطآن} إِبْلِيس {لَكُمَا عَدُوٌ مُّبِينٌ} ظَاهر الْعَدَاوَة

23

{قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا} ضررنا أَنْفُسنَا بمعصيتنا {وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا} تتجاوز عَنَّا {وَتَرْحَمْنَا} فَلَا تعذبنا {لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسرين} لنصيرن من المغبونين بالعقوبة

24

{قَالَ اهبطوا} انزلوا من الْجنَّة {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدو} يَعْنِي آدم وحواء والحية والطاوس {وَلَكُمْ فِي الأَرْض مُسْتَقَرٌّ} مأوى ومنزل {وَمَتَاعٌ} معاش {إِلَى حِينٍ} حِين الْمَوْت

25

{قَالَ فِيهَا} فِي الأَرْض الأَرْض {تَحْيَوْنَ} تعيشون {وَفِيهَا} فِي الأَرْض {تَمُوتُونَ وَمِنْهَا} من الأَرْض {تُخْرَجُونَ} يَوْم الْقِيَامَة

26

{يَا بني آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ} خلقنَا لكم وأعطيناكم {لِبَاساً} يَعْنِي ثِيَاب الْقطن وَغَيره من الصُّوف وَالشعر {يواري} يغطى {سوآتكم} عوراتكم من العري {وَرِيشاً} مَالا ومتاعاً يَعْنِي آلَة الْبَيْت {وَلِبَاسُ التَّقْوَى} لِبَاس التَّوْحِيد والعفة {ذَلِك} يَعْنِي لِبَاس الْعِفَّة {خَيْرٌ} من لِبَاس الْقطن {ذَلِك} يَعْنِي لِبَاس الْقطن {مِنْ آيَاتِ الله} من عجائب الله {لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} لكَي يتعظوا

27

{يَا بني آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ} لَا يستزلنكم {الشَّيْطَان} إِبْلِيس عَن طَاعَتي {كَمَا أخرج} استزل {أَبَوَيْكُمْ} آدم وحواء {مِّنَ الْجنَّة يَنزِعُ عَنْهُمَا} يخلع عَنْهُمَا {لِبَاسَهُمَا} لِبَاس النُّور {لِيُرِيَهُمَا} ليظْهر لَهما {سوآتهما} عوراتهما {إِنَّهُ} يَعْنِي إِبْلِيس {يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ} جُنُوده {مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ} لِأَن صدوركم مسكنهم {إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِين أَوْلِيَآءَ} أعواناً {لِلَّذِينَ لَا يُؤمنُونَ} بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن

28

{وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً} حرمُوا الْبحيرَة والسائبة والوصيلة والحام {قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَآ} على تَحْرِيمهَا {آبَاءَنَا} وأجدادنا {وَالله أَمَرَنَا بِهَا} بِتَحْرِيم الْبحيرَة والسائبة والوصيلة والحام {قُلْ} يَا مُحَمَّد {إِنَّ الله لَا يَأْمر بالفحشاء} بِالْمَعَاصِي وبتحريم الْحَرْث والأنعام {أَتَقُولُونَ} بل تَقولُونَ {عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} ذَلِك

29

{قُلْ} يَا مُحَمَّد {أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ} بِالتَّوْحِيدِ بِلَا إِلَه إِلَّا الله {وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ} واستقبلوا بوجوهكم {عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} عِنْد كل صَلَاة {وادعوه} واعبدوه {مُخْلِصِينَ لَهُ الدّين} مُخلصين لَهُ بِالْعبَادَة والتوحيد {كَمَا بَدَأَكُمْ} يَوْم الْمِيثَاق سعيداً وشقياً عَارِفًا ومنكراً مُصدقا ومكذباً {تَعُودُونَ} إِلَى ذَلِك

30

{فَرِيقاً هدى} أكْرمهم الله بالمعرفة والسعادة وهم أهل الْيَمين {وَفَرِيقاً حَقَّ} وَجب {عَلَيْهِمُ الضَّلَالَة} أَهَانَهُمْ الله بالنكرة والشقاوة وهم أهل الشمَال {إِنَّهُمُ اتَّخذُوا} يَقُول قد علم الله أَنهم يتخذون {الشَّيَاطِين أَوْلِيَآءَ} أَرْبَابًا {مِن دُونِ الله وَيَحْسَبُونَ} يظنّ أهل الضَّلَالَة {أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ} بدين الله

31

{يَا بني آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ} البسوا ثيابكم {عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} عِنْد وَقت كل صَلَاة وَطواف {وكُلُواْ} من اللَّحْم وَالدَّسم {وَاشْرَبُوا} من اللَّبن {وَلاَ تسرفوا} لَا تحرموا الطَّيِّبَات من الرزق وَاللَّحم وَالدَّسم {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المسرفين} الْمُعْتَدِينَ من الْحَلَال إِلَى الْحَرَام

32

{قُلْ} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله} لبس الثِّيَاب فِي أَيَّام الْمَوْسِم وَالْحرم وَالطّواف {الَّتِي أَخْرَجَ} يَعْنِي الزِّينَة خلق {لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرزق} من اللَّحْم وَالدَّسم وَقد كَانُوا يحرمُونَ فِي الْجَاهِلِيَّة على أنفسهم فِي أَيَّام الْمَوْسِم اللَّحْم وَالدَّسم ويدخلون الْحرم الرِّجَال بِالنَّهَارِ وَالنِّسَاء بِاللَّيْلِ عُرَاة فيطوفون عُرَاة فنهاهم الله عَن ذَلِك {قُلْ} يَا مُحَمَّد {هِي} يَعْنِي الطَّيِّبَات {لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن {خَالِصَةً} خَاصَّة {يَوْمَ الْقِيَامَة} واشترك فِيهَا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا الْبر والفاجر مقدم ومؤخر {كَذَلِكَ} هَكَذَا {نُفَصِّلُ الْآيَات} نبين الْقُرْآن بالحلال وَالْحرَام {لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} ويصدقون أَنه من الله

33

{قُلْ} يَا مُحَمَّد لَهُم {إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِش} الزِّنَا {مَا ظَهَرَ مِنْهَا} يَعْنِي زنا الظَّاهِر {وَمَا بَطَنَ} مِنْهَا يَعْنِي زنا السِّرّ وَهِي المخالة {وَالْإِثْم} الْخمر كَمَا قَالَ الشَّاعِر: (شربت الْإِثْم حَتَّى ضل عَقْلِي ... كَذَا الْإِثْم تذْهب بالعقول) وَقَالَ أَيْضا (شربت الْإِثْم بالصواع جهارا ... وَترى آلهتك بَيْننَا مستفادا) {وَالْبَغي} الاستطالة {بِغَيْرِ الْحق} بِلَا حق {وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّه مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً} كتابا وَلَا حجَّة {وَأَن تَقُولُواْ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} ذَلِك من تَحْرِيم الْحَرْث والأنعام والطيبات واللباس

34

{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ} لكل أهل دين {أَجَلٌ} وَقت لهلاكها {فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ} وَقت هلاكهم {لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً} لَا يتركون بعد الْأَجَل طرفَة عين {وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} لَا يهْلكُونَ قبل الْأَجَل طرفَة عين

35

{يَا بني آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ} حِين يَأْتينكُمْ {رسل مِنْكُم} آدميون مثلكُمْ {يقصون عَلَيْكُم} يقرءُون عَلَيْكُم {آيَاتِي} بِالْأَمر وَالنَّهْي {فَمَنِ اتَّقى} آمن بِالْكتاب وَالرسل {وَأَصْلَحَ} فِيمَا بَينه وَبَين ربه {فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} من الْعَذَاب {وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} من ذهَاب الْجنَّة

36

{وَالَّذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا} بكتابنا وبرسولنا {واستكبروا عَنْهَآ} عَن الْإِيمَان بهَا {أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّار} أهل النَّار {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} دائمون لَا يموتون وَلَا يخرجُون

37

{فَمن أظلم} أَعْتَى وَأَجرا على الله {مِمَّن افترى} اختلق

{عَلَى الله كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ} بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن {أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكتاب} مَا وعدهم فِي الْكتاب من سَواد الْوُجُوه وزرقة الْأَعْين أنظرهم يَا مُحَمَّد {حَتَّى إِذَا جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا} يَعْنِي ملك الْمَوْت وأعوانه {يَتَوَفَّوْنَهُمْ} يقبضون أَرْوَاحهم {قَالُوا} عِنْد قبض أَرْوَاحهم {أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ} تَعْبدُونَ {مِن دُونِ الله} فيمنعونكم عَنَّا {قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا} اشتغلوا عَنَّا بِأَنْفسِهِم {وَشَهِدُواْ على أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ} بِاللَّه وبالرسل فِي الدُّنْيَا

38

{قَالَ} الله لَهُم {ادخُلُوا} النَّار {فِي أُمَمٍ} مَعَ أُمَم {قَدْ خَلَتْ} قد مَضَت {مِن قَبْلِكُمْ مِّن الْجِنّ وَالْإِنْس} من كفار الْجِنّ وَالْإِنْس {فِي النَّار كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ} أهل دين {لَّعَنَتْ أُخْتَهَا} دعت على الَّتِي دخلت قبلهَا {حَتَّى إِذَا اداركوا فِيهَا} اجْتَمعُوا فِي النَّار {جَمِيعاً} الأول فَالْأول {قَالَتْ أُخْرَاهُمْ} أُخْرَى الْأُمَم {لأُولاَهُمْ} لأولى الْأُمَم {رَبَّنَا هَؤُلَاءِ} يَعْنِي الرؤساء {أَضَلُّونَا} عَن دينك وطاعتك {فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِّنَ النَّار} عذبهم مثل عذابنا مرَّتَيْنِ {قَالَ} الله لَهُم {لِكُلٍّ} لكل وَاحِد مِنْهُم {ضِعْفٌ وَلَكِن لاَّ تَعْلَمُونَ} ذَلِك من شدَّة عذابكم

39

{وَقَالَتْ أُولاَهُمْ} أولى الْأُمَم {لأُخْرَاهُمْ} لأخرى الْأُمَم {فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ} أَن يكون عذابنا ضعفا كَفرْتُمْ كَمَا كفرنا وعبدتم من دون الله كَمَا عَبدنَا فَيَقُول الله لَهُم {فَذُوقُواْ الْعَذَاب بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ} تَقولُونَ وتعملون من الشّرك فِي الدُّنْيَا

40

{إِن الَّذين كذبُوا بِآيَاتِنَا} بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن {واستكبروا} عَنْهَا عَن الْإِيمَان بهَا {لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السمآء} لرفع أَعْمَالهم وَلَا لرفع أَرْوَاحهم {وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجنَّة حَتَّى يَلِجَ الْجمل فِي سَمِّ الْخياط} كَمَا لَا يدْخل الْجمل فِي سم الْخياط فِي ثقب الإبرة وَيُقَال حَتَّى يدْخل الْجمل فِي خرق الإبرة وَيُقَال حَتَّى يدْخل القلس الْحَبل الَّذِي تشد بِهِ السَّفِينَة فِي خرق الإبرة {وَكَذَلِكَ} هَكَذَا {نَجْزِي الْمُجْرمين} الْمُشْركين

41

{لَهُمْ مِّن جَهَنَّمَ مِهَاد} فرَاش من نَار {وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ} غاشية من نَار {وَكَذَلِكَ} هَكَذَا {نَجْزِي الظَّالِمين} الْمُشْركين

42

{وَالَّذين آمنُوا} بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً} من الْجهد {إِلاَّ وُسْعَهَا} إِلَّا طاقتها {أُولَئِكَ} يَعْنِي الْمُؤمنِينَ {أَصْحَابُ الْجنَّة} أهل الْجنَّة {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} دائمون لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا

43

{وَنَزَعْنَا} أَخرجنا {مَا فِي صُدُورِهِم} قُلُوبهم {مِّنْ غِلٍّ} بغض وحسد وعداوة فِي الدُّنْيَا {تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ} فِي الْآخِرَة من تَحت مساكنها وسررهم {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {وَقَالُواْ} إِذا بلغُوا إِلَى مَنَازِلهمْ وَيُقَال إِلَى عين الْحَيَوَان {الْحَمد لِلَّهِ} الشُّكْر والْمنَّة لله {الَّذِي هَدَانَا لهَذَا} الْمنزل وَالْعين {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا الله} إِلَيْهِ وَيُقَال لما رَأَوْا كَرَامَة الله بِإِيمَان قَالُوا الْحَمد لِلَّهِ الشُّكْر والْمنَّة لله الَّذِي هَدَانَا لهَذَا الدّين دين الْإِسْلَام وَمَا كُنَّا لنهتدي لدين الْإِسْلَام لَوْلَا أَن هدَانَا الله لدينِهِ {لَقَدْ جَاءَت رسل رَبنَا بِالْحَقِّ} والبشرى بالثواب والكرامة {ونودوا أَن تِلْكُمُ الْجنَّة أورثتموها}

أعطيتموها {بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} وتقولون فِي الدُّنْيَا من الْخيرَات

44

{ونادى أَصْحَابُ الْجنَّة أَصْحَابَ النَّار أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا} من الثَّوَاب والكرامة {حَقّاً} صدقا كَائِنا {فَهَلْ وَجَدتُّم} يَا أهل النَّار {مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ} من الْعَذَاب والهوان {حَقّاً} صدقا كَائِنا {قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ} فَنَادَى مُنَاد بَين أهل الْجنَّة وَالنَّار {أَن لَّعْنَةُ الله} عَذَاب الله {عَلَى الظَّالِمين} الْكَافرين

45

{الَّذين يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله} يصرفون النَّاس عَن دين الله وطاعته {وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً} يطلبونها مُغيرَة {وَهُمْ بِالآخِرَة} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت {كَافِرُونَ} جاحدون

46

{وَبَيْنَهُمَا} بَين الْجنَّة وَالنَّار {حِجَابٌ} سور {وَعَلَى الْأَعْرَاف رِجَالٌ} وعَلى السُّور رجال وهم قوم اسْتَوَت حسناتهم بسيئاتهم وَيُقَال هم قوم كَانُوا عُلَمَاء فُقَهَاء شاكين فِي الرزق {يَعْرِفُونَ كُلاًّ} كلا الْفَرِيقَيْنِ من دخل النَّار وَمن دخل الْجنَّة {بِسِيمَاهُمْ} يعْرفُونَ من دخل النَّار بسواد وَجهه وزرقة عَيْنَيْهِ وَمن دخل الْجنَّة ببياض وَجهه أغر محجل {وَنَادَوْاْ} يَعْنِي أهل السُّور {أَصْحَابَ الْجنَّة أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ} يَا أَهل الْجنَّة {لَمْ يَدْخُلُوهَا} {وَهُمْ يَطْمَعُونَ} فِي الدُّخُول يَعْنِي أَصْحَاب الْأَعْرَاف

47

{وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ} إِذا نظرُوا {تِلْقَآءَ أَصْحَابِ النَّار} نَحْو أَهل النَّار {قَالُواْ رَبَّنَا} يَا رَبنَا {لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْم الظَّالِمين} الْكَافرين فِي النَّار

48

{ونادى أَصْحَابُ الْأَعْرَاف رِجَالاٍ} من الْكفَّار {يَعْرِفُونَهُمْ} قبل دُخُولهمْ النَّار {بِسِيمَاهُمْ} بسواد وُجُوههم وزرقة أَعينهم {قَالُواْ} يَا وليد بن الْمُغيرَة وَيَا أَبا جهل بن هِشَام وَيَا أُميَّة بن خلف وَيَا أبي بن خلف الجُمَحِي وَيَا أسود ابْن عبد الْمطلب وَيَا سَائِر الرؤساء {مَآ أغْنى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ} من المَال والخدم {وَمَا كُنْتُمْ تستكبرون} تتعظمون عَن الْإِيمَان بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن

49

ثمَّ نظرُوا إِلَى أَصْحَاب الْجنَّة فَرَأَوْا فِي الْجنَّة سلمَان الْفَارِسِي وصهيباً وَعمَّارًا وَسَائِر الضُّعَفَاء والفقراء قَالُوا {أَهَؤُلَاءِ} الضُّعَفَاء {الَّذين أَقْسَمْتُمْ} حلفتم فِي الدُّنْيَا يَا معشر الْكفَّار {لاَ يَنَالُهُمُ الله بِرَحْمَةٍ} لَا يدخلهم الله الْجنَّة وَقد دخلُوا الْجنَّة على رغم أنوفكم ثمَّ يَقُول الله لأَصْحَاب الْأَعْرَاف {ادخُلُوا الْجنَّة لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ} من الْعَذَاب {وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ}

50

{ونادى أَصْحَابُ النَّار أَصْحَابَ الْجنَّة أَنْ أَفِيضُواْ} صبوا {عَلَيْنَا مِنَ المآء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله} من ثمار الْجنَّة {قَالُوا} يَعْنِي أهل الْجنَّة {إِنَّ الله حَرَّمَهُمَا} يَعْنِي ثمار الْجنَّة وَالْمَاء {عَلَى الْكَافرين}

51

{الَّذين اتَّخذُوا دِينَهُمْ لَهْواً} بَاطِلا {وَلَعِباً} فَرحا وَيُقَال ضحكة وسخرية {وغرتهم الْحَيَاة الدُّنْيَا} مافي الدُّنْيَا من الزهرة وَالنَّعِيم {فاليوم} يَوْم الْقِيَامَة {نَنسَاهُمْ} نتركهم فِي النَّار {كَمَا نَسُواْ} كَمَا تركُوا {لِقَآءَ يَوْمِهِمْ هَذَا} الْإِقْرَار بيومهم هَذَا {وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا} بكتابنا ورسولنا {يَجْحَدُونَ} يكفرون

52

{وَلَقَد جئناهم بِكِتَاب} يَقُول أرسلنَا إِلَيْهِم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْقُرْآنِ {فَصَّلْنَاهُ} بَيناهُ {على عِلْمٍ} بِعلم منا وَيُقَال علمناه {هُدًى} من الضَّلَالَة

{وَرَحْمَة} من الْعَذَاب {لقوم يُؤمنُونَ} بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن

53

{هَل ينظرُونَ} مَا ينتظرون أهل مَكَّة إِذْ لَا يُؤمنُونَ {إِلاَّ تَأْوِيلَهُ} عَاقِبَة مَا وعد لَهُم فِي الْقُرْآن {يَوْمَ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {يَأْتِي تَأْوِيلُهُ} عَاقِبَة مَا وعد لَهُم فِي الْقُرْآن {يَقُولُ الَّذين نَسُوهُ} تركُوا الْإِقْرَار بِهِ {مِن قَبْلُ} من قبل ذَلِك فِي الدُّنْيَا {قَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} بِبَيَان الْبَعْث وَالْجنَّة وَالنَّار وَلَكِن كذبناهم {فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ فَيَشْفَعُواْ لَنَآ} من الْعَذَاب {أَوْ نُرَدُّ} إِلَى الدُّنْيَا {فَنَعْمَلَ} فنؤمن ونعمل {غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} فِي الشّرك {قَدْ خسروا} غبنوا {أَنفُسَهُمْ} بذهاب الْجنَّة وَلُزُوم النَّار {وَضَلَّ عَنْهُمْ} اشْتغل عَنْهُم {مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} يعْبدُونَ بِالْكَذِبِ

54

{إِنَّ رَبَّكُمُ الله الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} من أَيَّام الدُّنْيَا طول كل يَوْم ألف سنة {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش} عمد إِلَى خلق الْعَرْش وَيُقَال اسْتَقر {يُغْشِي اللَّيْل النَّهَار} يُغطي اللَّيْل بِالنَّهَارِ وَالنَّهَار بِاللَّيْلِ {يَطْلُبُهُ} يَعْنِي اللَّيْل النَّهَار وَالنَّهَار اللَّيْل {حَثِيثاً} سَرِيعا يَجِيء وَيذْهب {وَالشَّمْس} وَخلق الشَّمْس {وَالْقَمَر والنجوم مُسَخَّرَاتٍ} مذللات {بِأَمْرِهِ} بإِذنه {أَلاَ لَهُ الْخلق} خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض {وَالْأَمر} يَعْنِي الْقَضَاء بَين الْعباد يَوْم الْقِيَامَة {تَبَارَكَ الله} ذُو بركَة وَيُقَال تَعَالَى الله وَيُقَال تَبرأ {رَبُّ الْعَالمين} سيد الْعَالمين ومدبرهم

55

{ادعوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً} عَلَانيَة {وَخُفْيَةً} سرا وَيُقَال تضرعاً أَي مستكيناً وخفية أَي خوفًا {إِنَّهُ لَا يحب الْمُعْتَدِينَ} بِالدُّعَاءِ مَا لايحق لَهُم على الصَّالِحين

56

{وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْض} بِالْمَعَاصِي وَالدَّعْوَى إِلَى غير الله {بَعْدَ إِصْلاَحِهَا} بِالطَّاعَةِ والدعوة إِلَى الله تَعَالَى {وادعوه} اعبدوه {خَوْفاً} مِنْهُ وَمن عَذَابه {وَطَمَعاً} إِلَيْهِ أَن تصيروا إِلَى جنته {إِن رَحْمَة الله} جنَّة الله {قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} من الْمُؤمنِينَ الْمُحْسِنِينَ بالْقَوْل وَالْفِعْل

57

{وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاح بُشْراً} طيبا {بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} قُدَّام الْمَطَر {حَتَّى إِذَآ أَقَلَّتْ} رفعت {سَحَاباً ثِقَالاً} ثقيلاً بِالْمَاءِ {سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ} إِلَى مَكَان {مَّيِّتٍ} لَا نَبَات فِيهِ {فَأَنْزَلْنَا بِهِ} بِالْمَكَانِ الْمَيِّت {المآء فَأَخْرَجْنَا بِهِ} بالمطر {مِن كُلِّ الثمرات} من ألوان الثمرات {كَذَلِك} كَمَا نحيي الأَرْض بالنبات {نُخْرِجُ الْمَوْتَى} نحيي وَنخرج الْمَوْتَى من الْقُبُور {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} لكَي تتعظوا

58

{والبلد الطّيب} الْمَكَان الزاكي الَّذِي لَيْسَ بسبخة {يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ} بِإِرَادَة ربه بِلَا كد وَلَا عناء كَذَلِك الْمُؤمن المخلص يُؤَدِّي مَا أَمر الله طَوْعًا بِطيبَة النَّفس {وَالَّذِي خَبُثَ} الْمَكَان الْخَبيث السبخة {لاَ يَخْرُجُ} نَبَاته {إِلَّا نكدا} إِلَّا بتعب وعناء {ذَلِك} الْمُنَافِق لَا يُؤَدِّي مَا أَمر الله إِلَّا كرها بِغَيْر طيبَة النَّفس {نُصَرِّفُ الْآيَات} نبين الْقُرْآن فِي مثل الْمُؤمن وَالْكَافِر {لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ} يُؤمنُونَ

59

{لقد أرسلنَا نوحًا إِلَى قومه فَقَالَ يَا قوم اعبدوا الله} وحدوا الله {مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَه غَيْرُهُ} غير الَّذِي أدعوكم إِلَيْهِ {إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ} أعلم أَن يكون عَلَيْكُم {عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} إِن لم تؤمنوا

60

{قَالَ الْمَلأ} الرؤساء {مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ} يَا نوح {فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} فِي خطأ بَين فِيمَا تَقول

61

{قَالَ يَا قوم لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ} سفاهة {وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رب الْعَالمين} إِلَيْكُم

62

{أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي} بِالْأَمر وَالنَّهْي {وَأَنصَحُ لَكُمْ} أحذركم من الْعَذَاب وأدعوكم إِلَى التَّوْبَة وَالْإِيمَان {وَأَعْلَمُ مِنَ الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} من الْعَذَاب إِن لم تؤمنوا

63

{أوعجبتم} بل عجبتم {أَن جَاءَكُم} {ذِكْرٌ} نبوة {مِّن رَّبِّكُمْ على رَجُلٍ مِّنْكُمْ} آدَمِيّ مثلكُمْ {لِيُنذِرَكُمْ} ليخوفكم {وَلِتَتَّقُواْ} لكَي تطيعوا الله فتتقوا عبَادَة غير الله {وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} لكَي ترحموا فَلَا تعذبوا

64

{فَكَذَّبُوهُ} يَعْنِي نوحًا {فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذين مَعَهُ فِي الْفلك} فِي السَّفِينَة من الْغَرق وَالْعَذَاب {وَأَغْرَقْنَا الَّذين كذبُوا بآياتنآ} بكتابنا ورسولنا نوح {إِنَّهُم كَانُواْ قَوْماً عَمِينَ} عَن الْهدى كَافِرين بِاللَّه

65

{وَإِلَى عَادٍ} وَأَرْسَلْنَا إِلَى عَاد {أَخَاهُمْ} نَبِيّهم {هودا قَالَ يَا قوم اعبدوا الله} وحدوا الله {مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَه غَيْرُهُ} غير الَّذِي أدعوكم إِلَيْهِ {أَفَلاَ تَتَّقُونَ} عبَادَة غير الله

66

{قَالَ الْمَلأ} الرؤساء {الَّذين كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ} يَا هود {فِي سَفَاهَةٍ} فِي جَهَالَة {وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبين} فِيمَا تَقول

67

{قَالَ يَا قوم لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ} جَهَالَة {وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رب الْعَالمين} إِلَيْكُم

68

{أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي} بِالْأَمر وَالنَّهْي {وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ} أحذركم من عَذَاب الله وأدعوكم إِلَى التَّوْبَة وَالْإِيمَان {أَمِينٌ} على رِسَالَة رَبِّي وَيُقَال قد كنت أَمينا فِيكُم قبل هَذَا فَكيف تتهموني الْيَوْم

69

{أوعجبتم} بل عجبتم {أَن جَآءَكُمْ} بِأَن جَاءَكُم {ذِكْرٌ} نبوة {من ربكُم على رجل مِنْكُم} آدَمِيّ مثلكُمْ {لِيُنذِرَكُمْ} ليخوفكم من عَذَاب الله {واذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ} من بعد هَلَاك قوم نوح {وَزَادَكُمْ فِي الْخلق} فِي الطول والجسم {بسطة} فَضِيلَة {فاذكروا آلآءَ الله} نعماء الله وآمنوا بِهِ {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} لكَي تنجوا من السخط وَالْعَذَاب

70

{قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ الله وَحْدَهُ وَنَذَرَ} نَتْرُك {مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} من آلِهَة شَتَّى {فأتنا بِمَا تعدنآ} من الْعَذَاب {إِن كنت من الصَّادِقين}

71

{قَالَ قَدْ وَقَعَ} وَجب {عَلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ} عَذَاب {وَغَضَبٌ} سخط من ربكُم {أَتُجَادِلُونَنِي} أتخاصمونني {فِي أَسْمَآءٍ} فِي أصنام {سَمَّيْتُمُوهَآ أَنْتُمْ وَآبَآؤكُمُ} آلِهَة {مَّا نَزَّلَ الله بِهَا} بعبادتها

{مِن سُلْطَانٍ} من كتاب وَلَا حجَّة {فانتظروا} لهلاكي {إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ المنتظرين} لهلاككم

72

{فَأَنجَيْنَاهُ} يَعْنِي هوداً {وَالَّذين مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا} عَلَيْهِم {وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا} أَي استأصلنا الَّذين كذبُوا بكتابنا ورسولنا هود {وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ} وَكلهمْ كَانُوا كَافِرين الَّذين أهلكوا

73

{وَإِلَى ثَمُودَ} وَأَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُود {أَخَاهُمْ} نَبِيّهم وَيُقَال كَانَ أَخَاهُم فِي النّسَب وَلم يكن أَخَاهُم فِي الدّين {صَالحا قَالَ يَا قوم اعبدوا الله} وحدوا الله {مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَه غَيره} غير الَّذِي أَمركُم أَن تؤمنوا بِهِ {قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ} بَيَان من ربكُم {هَذِه نَاقَةُ الله لَكُمْ آيَةً} عَلامَة على رِسَالَة الله {فَذَرُوهَا} اتركوها {تَأْكُلْ فِي أَرْضِ الله} الْحجر من عشبها {وَلاَ تمسوها بِسوء} بعقر {فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} بعد عقرهَا

74

{واذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ} مستخلفين فِي الأَرْض {مِن بَعْدِ عَادٍ} من بعد هَلَاك عَاد {وَبَوَّأَكُمْ} أنزلكم {فِي الأَرْض تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا} تبنون من طينها {قُصُوراً} للصيف {وَتَنْحِتُونَ الْجبَال} فِي الْجبَال {بُيُوتاً} للشتاء {فاذكروا آلآءَ الله} نعماء الله وآمنوا بِهِ {وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْض مُفْسِدِينَ} لَا تعملوا فِي الأَرْض بِالْمَعَاصِي وَالدُّعَاء إِلَى غير الله

75

{قَالَ الْمَلأ} الرؤساء {الَّذين استكبروا} عَن الْإِيمَان {مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ استضعفوا} قهروا {لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ} من الضُّعَفَاء {أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ} إِلَيْكُم {قَالُوا إِنَّا بِمَآ أُرْسِلَ بِهِ} صَالح {مُؤْمِنُونَ} مصدقون

76

{قَالَ الَّذين استكبروا} عَن الْإِيمَان {إِنَّا بِالَّذِي آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} جاحدون

77

{فَعَقَرُواْ النَّاقة} قتلوها {وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ} أَبَوا عَن قبُول أَمر رَبهم الَّذِي أَمرهم صَالح {وَقَالُوا يَا صَالح ائتنا بِمَا تَعِدُنَآ} من الْعَذَاب {إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسلين} استهزاء بِهِ

78

{فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة} الزلزلة والصيحة بِالْعَذَابِ {فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ} فصاروا فِي مدينتهم {جَاثِمِينَ} ميتين لَا يتحركون

79

{فَتَوَلّى عَنْهُمْ} خرج من بَينهم صَالح قبل أَن يهْلكُوا {وَقَالَ يَا قوم لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي} بِالْأَمر وَالنَّهْي {وَنَصَحْتُ لَكُمْ} حذرتكم من عَذَاب الله ودعوتكم إِلَى التَّوْبَة وَالْإِيمَان {وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ الناصحين} لم تطيعوا الناصحين

80

{وَلُوطاً} وَأَرْسَلْنَا لوطاً إِلَى قومه {إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَة} يَعْنِي اللواطة {مَا سَبَقَكُمْ بِهَا} بِهَذَا الْعَمَل {مِنْ أَحَدٍ} أحد {مِّن الْعَالمين} قبلكُمْ

81

{إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَال}

أدبار الرِّجَال {شَهْوَةً} أشهى لكم {مِّن دُونِ النسآء} من فروج النِّسَاء {بل أَنْتُم قوم مُّسْرِفُونَ} فِي الشّرك معتدون الْحَلَال إِلَى الْحَرَام

82

{وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ} لم يكن جَوَاب قومه {إِلاَّ أَن قَالُوا} قَالَ بَعضهم لبَعض {أخرجوهم} يَعْنِي لوطا وابنتيه زعورا وريشا {مِّن قَرْيَتِكُمْ} من مدينتكم {إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} يتنزهون عَن أدبار الرِّجَال وَالنِّسَاء

83

{فَأَنجَيْنَاهُ} يَعْنِي لوطاً {وَأَهْلَهُ} وابنتيه زعورا وريثا {إِلاَّ امْرَأَته كَانَتْ مِنَ الغابرين} صَارَت من المتخلفين بِالْهَلَاكِ

84

{وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ} أنزلنَا على مسافريهم وشذاذهم {مَّطَراً} حِجَارَة من السَّمَاء {فَانْظُر} يَا مُحَمَّد {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرمين} صَار آخر أَمر الْمُشْركين بِالْهَلَاكِ

85

{وَإِلَى مَدْيَنَ} وَأَرْسَلْنَا إِلَى مَدين {أَخَاهُمْ} نَبِيّهم {شعيبا قَالَ يَا قوم اعبدوا الله} وحدوا الله {مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَه غَيره} غير الَّذِي أَمركُم أَن تؤمنوا بِهِ {قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ} بَيَان {مِّن رَّبِّكُمْ} على رِسَالَة الله {فَأَوْفُواْ الْكَيْل وَالْمِيزَان} أَتموا الْكَيْل وَالْمِيزَان {وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاس أَشْيَاءَهُمْ} وَلَا تنقصوا حُقُوق النَّاس فِي الْكَيْل وَالْوَزْن {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْض} بِالْمَعَاصِي وَالدُّعَاء إِلَى غير الله وَالنَّقْص فِي الْكَيْل وَالْوَزْن {بَعْدَ إِصْلاَحِهَا} بِالطَّاعَةِ وَالدُّعَاء إِلَى الله وَالْوَفَاء بِالْكَيْلِ وَالْوَزْن {ذَلِكُم} التَّوْحِيد وَالْوَفَاء بِالْكَيْلِ وَالْوَزْن {خَيْرٌ لَّكُمْ} مِمَّا أَنْتُم فِيهِ {إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ} مقرين بِمَا أَقُول لكم

86

{وَلاَ تَقْعُدُواْ} وَلَا تجلسوا {بِكُلِّ صِرَاطٍ} طَرِيق على كل طَرِيق فِيهِ ممر النَّاس {تُوعِدُونَ} تضربون وتخوفون وتأخذون ثِيَاب من مر بكم من الغرباء {وَتَصُدُّونَ} تصرفون {عَن سَبِيلِ الله} عَن دين الله وطاعته {مَنْ آمَنَ بِهِ} بشعيب {وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً} تطلبونها غيراً {واذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً} بِالْعدَدِ {فَكَثَّرَكُمْ} بِالْعدَدِ {وانظروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المفسدين} كَيفَ صَار آخر أَمر الْمُشْركين قبلكُمْ بِالْهَلَاكِ

87

{وَإِن كَانَ} وَقد كَانَ {طَآئِفَةٌ مَّنكُمْ آمَنُواْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَآئِفَةٌ لَّمْ يْؤْمِنُواْ فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ الله بَيْنَنَا} وَبَيْنكُم بِالْعَذَابِ {وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمين} القاضين

88

{قَالَ الْمَلأ} الرؤساء {الَّذين استكبروا} عَن الْإِيمَان {من قومه لنخرجنك يَا شُعَيْب وَالَّذين آمَنُواْ مَعَكَ} بك {مِن قَرْيَتِنَآ} من مدينتنا {أَوْ لَتَعُودُنَّ} تدخلن {فِي مِلَّتِنَا} فِي ديننَا {قَالَ} شُعَيْب {أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ} أتجبروننا على ذَلِك وَإِن كُنَّا كارهين

89

{قَدِ افترينا} اختلقنا {عَلَى الله كَذِباً} بَاطِلا {إِنْ عُدْنَا} إِن دَخَلنَا {فِي مِلَّتِكُمْ} فِي دينكُمْ {بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا الله مِنْهَا} من دينكُمْ {وَمَا يَكُونُ لَنَآ} مَا يجوز لنا {أَن نَّعُودَ فِيهَآ} أَن ندخل فِي دينكُمْ الشّرك بِاللَّه {إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله رَبُّنَا} نزع الْمعرفَة من قلبنا {وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْء علما}

علم منا بِكُل شَيْء {عَلَى الله تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا} يَا رَبنَا {افْتَحْ} اقْضِ {بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ} بِالْعَدْلِ {وَأَنتَ خَيْرُ الفاتحين} القاضين

90

{وَقَالَ الْمَلأ} الرؤساء {الَّذين كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ} للسفلة {لَئِنِ اتبعتم شُعَيْباً} فِي دينه {إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ} لجاهلون مغبونون

91

{فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة} الزلزلة والصيحة بِالْعَذَابِ {فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ} فصاروا فِي مدينتهم وعساكرهم {جَاثِمِينَ} ميتين (الَّذين كَذَّبُواْ شُعَيْباً) هَلَكُوا {كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا} كَأَن لم يَكُونُوا فِي الأَرْض

92

{الَّذين كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَانُواْ هُمُ الخاسرين} صَارُوا هم المغبونين فِي الْعقُوبَة

93

{فَتَوَلّى عَنْهُمْ} خرج من بَينهم قبل الْهَلَاك {وَقَالَ يَا قوم لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي} بِالْأَمر وَالنَّهْي {وَنَصَحْتُ لَكُمْ} حذرتكم من عَذَاب الله ودعوتكم إِلَى التَّوْبَة وَالْإِيمَان {فَكَيْفَ آسى} أَحْزَن {على قَوْمٍ كَافِرِينَ} بِاللَّه أهلكوا

94

{وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ} الَّتِي أهلكنا أَهلهَا {مِّن نَّبِيٍّ} مُرْسل {إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا} قبل الْهَلَاك {بالبأسآء} بالخوف وَالْبَلَاء والشدائد {والضرآء} الْأَمْرَاض والأوجاع والجوع {لَعَلَّهُمْ يَضَّرِّعُونَ} لكَي يُؤمنُوا فَلم يُؤمنُوا

95

{ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيئَة الْحَسَنَة} مَكَان الْقَحْط والجدوبة والشدة الخصب والرخاء وَالنَّعِيم {حَتَّى عَفَوْاْ} جمعُوا وَكَثُرت أَمْوَالهم {وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ} قد أصَاب {آبَاءَنَا الضرآء والسرآء} الشدَّة والرخاء كَمَا أَصَابَنَا فصبروا على دينهم فَنحْن مثلهم نقتدي بهم {فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً} فَجْأَة بِالْعَذَابِ {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} وهم لَا يعلمُونَ بنزول الْعَذَاب

96

{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقرى} الَّتِي أهلكنا أَهلهَا {آمَنُواْ} بِالْكتاب وَالرسل {وَاتَّقوا} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش وتابوا {لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ السمآء} بالمطر {وَالْأَرْض} بالنبات وَالثِّمَار {وَلَكِن كذبُوا} رسل وكتبي {فَأَخَذْنَاهُمْ} بِالْقَحْطِ والجدوبة وَالْعَذَاب {بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} يكذبُون الْأَنْبِيَاء والكتب

97

{أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقرى} أهل مَكَّة {أَن يَأْتِيَهُمْ} أَن لَا يَأْتِيهم {بَأْسُنَا} عذابنا {بَيَاتاً} لَيْلًا {وَهُمْ نَآئِمُونَ} غافلون عَن ذَلِك

98

{أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقرى} أهل مَكَّة {أَن يَأْتِيَهُمْ} أَن لَا يَأْتِيهم {بَأْسُنَا} عذابنا {ضُحًى} نَهَارا {وَهُمْ يَلْعَبُونَ} يَخُوضُونَ فِي الْبَاطِل

99

{أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ الله} عَذَاب الله {فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ الله} عَذَاب الله {إِلاَّ الْقَوْم الخاسرون} المغبونون الْكَافِرُونَ

100

{أَوَلَمْ يَهْدِ} أَو لم يتَبَيَّن {لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْض} أَرض مَكَّة {مِن بَعْدِ أَهْلِهَآ} من بعد هَلَاك أَهلهَا {أَن لَّوْ نَشَآءُ أَصَبْنَاهُمْ} عذبناهم {بِذُنُوبِهِمْ} كَمَا عذبنا الَّذين من قبلهم {وَنَطْبَعُ} لكَي نختم {على قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يسمعُونَ} الْهدى وَلَا يصدقون بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن

101

{تِلْكَ الْقرى} الَّتِي أهلكنا أَهلهَا {نَقُصُّ عَلَيْكَ} ننزل عَلَيْك جِبْرِيل {مِنْ أَنبَآئِهَا} بِخَبَر هلاكها {وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ} بِالْأَمر وَالنَّهْي والعلامات {فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ} بالكتب وَالرسل {بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ} من قبل يَوْم الْمِيثَاق وَيُقَال لم يُؤمن آخر الْأُمَم بِمَا كذبت أول الْأُمَم {كَذَلِكَ} هَكَذَا {يَطْبَعُ الله} يخْتم الله {على قُلُوبِ الْكَافرين} بِاللَّه فِي علم الله

102

{وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم} أَكْثَرهم {مِّنْ عَهْدٍ} على عهد الأول {وَإِن وَجَدْنَآ} وَقد وجدنَا {أَكْثَرَهُمْ} كلهم {لَفَاسِقِينَ} لناقضين الْعَهْد

103

{ثُمَّ بَعَثْنَا} أرسلنَا {مِن بَعْدِهِم} من بعد هَؤُلَاءِ الرُّسُل {مُوسَى بِآيَاتِنَآ} التسع {إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ} قومه {فَظَلَمُواْ بِهَا} فجحدوا بِالْآيَاتِ {فَانْظُر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المفسدين} كَيفَ صَار آخر أَمر الْمُشْركين بِالْهَلَاكِ

104

{وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْن إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالمين} إِلَيْك قَالَ فِرْعَوْن كذبت

105

قَالَ مُوسَى {حَقِيقٌ عَلَى} جدير على {أَنْ لاَّ أَقُولَ عَلَى الله إِلاَّ الْحق} الصدْق {قد جِئتُكُمْ بِبَيِّنَة} بَيَان {مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بني إِسْرَائِيلَ} مَعَ أَمْوَالهم قليلهم وكثيرهم

106

{قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ} بعلامة {فَأْتِ بِهَآ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقين} بأنك رَسُول

107

{فَألْقى عَصَاهُ} أول آيَة {فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ} حَيَّة صفراء ذكر أعظم الْحَيَّات

108

{وَنَزَعَ يَدَهُ} من إبطه {فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ} تضىء {للناظرين} إِلَيْهَا

109

{وَقَالَ الْمَلأ} الرؤساء {مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ} حاذق بِالسحرِ

110

{يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ} أَرض مصر {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} فَقَالَ فِرْعَوْن لَهُم بِمَاذَا تشيرون فِي أمره

111

{قَالُوا أرجه} قفه {وأخاه} هرون وَلَا تقتلهما {وَأَرْسِلْ فِي المدآئن حَاشِرِينَ} الشَّرْط

112

{يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ} حاذق بِالسحرِ

113

{وَجَآءَ السَّحَرَة فِرْعَوْن} سَبْعُونَ ساحرا {وَقَالُوا} لفرعون {إِنَّ لَنَا لأَجْراً} هَدِيَّة تُعْطِينَا {إِن كُنَّا نَحْنُ الغالبين} لمُوسَى

114

{قَالَ نَعَمْ} لكم عِنْدِي ذَلِك {وَإِنَّكُمْ لَمِنَ المقربين} إِلَى بالمنزلة

115

{قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّآ أَن تُلْقِيَ} أَولا {وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ نَحْنُ الملقين} أَولا

116

{قَالَ} مُوسَى {أَلْقَوْاْ مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ} أَولا {فَلَمَّآ أَلْقُوْاْ} سبعين عَصا وَسبعين حبلا {سحروا أَعْيُنَ النَّاس} أخذُوا أعين النَّاس بِالسحرِ {واسترهبوهم} استفزعوهم {وجاؤوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} كذب بَين وَيُقَال برقية عَظِيمَة

117

{وَأَوْحَيْنَآ إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ} فَألْقى {فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ} تلقم {مَا يَأْفِكُونَ} مأفوكهم من العصي والحبال

118

{فَوَقَعَ الْحق} فاستبان أَن الْحق مَعَ مُوسَى {وَبَطَلَ} اضمحل {مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} من السحر

119

{فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ} فَغَلَبَهُمْ مُوسَى عِنْد ذَلِك {وانقلبوا} رجعُوا {صَاغِرِينَ} ذليلين

120

{وَأُلْقِيَ السَّحَرَة} خر السَّحَرَة {سَاجِدِينَ} لله وَيُقَال سجدوا من سرعَة سجودهم كَأَنَّهُمْ ألقوا

121

{قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالمين} قَالَ فِرْعَوْن إيَّايَ تعنون

122

قَالُوا {رب مُوسَى وَهَارُون قَالَ فِرْعَوْن آمنتم بِهِ} صَدقْتُمْ بِرَبّ مُوسَى وهرون {قَبْلَ أَن آذَنَ} أَن آمُر {لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَة} فِيمَا بَيْنكُم وَبَين مُوسَى {لِتُخْرِجُواْ مِنْهَآ أَهْلَهَا} بالمكر {فَسَوْفَ تعلمُونَ}

124

{لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ} الْيَد الْيُمْنَى وَالرجل الْيُسْرَى {ثمَّ لأصلبنكم أَجْمَعِينَ} على شاطىء النَّهر

125

{قَالُوا} يَعْنِي السَّحَرَة {إِنَّآ إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ} رَاجِعُون

126

{وَمَا تَنقِمُ مِنَّآ} مَا تطعن علينا وتعاقبنا {إِلاَّ أَنْ آمَنَّا} بِأَن آمنا {بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَآءَتْنَا} حِين جاءتنا {رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً} أكرمنا بِالصبرِ عِنْد الصلب وَالْقطع لكَي لَا نرْجِع كفَّارًا {وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} مُخلصين على دين مُوسَى

127

{وَقَالَ الْمَلأ} الرؤساء {مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى} تتْرك مُوسَى {وَقَوْمَهُ} لَا تقتلهم {لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْض} بتغيير الدّين وَالْعِبَادَة {وَيَذَرَكَ} يتركك {وَآلِهَتَكَ} وَعبادَة آلهتك إِن قَرَأت بِكَسْر اللَّام وَنصب التَّاء وَيُقَال عبادتك بالإلهية إِن قَرَأت بِنصب اللَّام وَالتَّاء {قَالَ} فِرْعَوْن {سَنُقَتِّلُ أَبْنَآءَهُمْ} صغَارًا كَمَا قتلناهم أول مرّة {وَنَسْتَحْيِي} نستخدم {نِسَآءَهُمْ} كبارًا {وَإِنَّا فَوْقَهُمْ} عَلَيْهِم {قَاهِرُونَ} مسلطون

128

{قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّه واصبروا} على الْبلَاء {إِنَّ الأَرْض} أَرض مصر {لِلَّهِ يُورِثُهَا} ينزلها {مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقبَة} الْجنَّة {لِلْمُتَّقِينَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش

129

{قَالُوا} يَا مُوسَى {أُوذِينَا} عذبنا بقتل الْأَبْنَاء واستخدم النِّسَاء وَالْعَمَل {مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا} بالرسالة {قَالَ} مُوسَى {عَسى رَبُّكُمْ} وَعَسَى من الله وَاجِب {أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ} فِرْعَوْن وَقَومه بِالسِّنِينَ بِالْقَحْطِ والجوع {وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْض} يجعلكم سكان الأَرْض أَرض مصر {فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} فِي طَاعَته

130

{وَلَقَدْ أَخَذْنَآ آلَ فِرْعَونَ} قومه {بِالسِّنِينَ} بِالْقَحْطِ والجوع عَاما بعد عَام {وَنَقْصٍ مِّن الثمرات} من ذهَاب الثمرات {لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} لكَي يتعظوا

131

{فَإِذَا جَآءَتْهُمُ الْحَسَنَة} الخصب والرخاء وَالنَّعِيم {قَالُواْ لَنَا} يَنْبَغِي لنا

{هَذِه وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} الْقَحْط والجدوبة والشدة {يَطَّيَّرُواْ} يتشاءموا {بمُوسَى وَمَن مَّعَهُ} قَالَ الله {أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ} شدتهم ورخاؤهم {عِندَ الله} من الله {وَلَكِن أَكْثَرَهُمْ} كلهم {لاَ يَعْلَمُونَ} ذَلِك وَلَا يصدقون

132

{وَقَالُوا} يَا مُوسَى {مهما} كلما {تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ} من عَلامَة {لِّتَسْحَرَنَا بِهَا} لتأْخذ أَعيننَا بهَا {فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} بمصدقين بالرسالة فَدَعَا عَلَيْهِم مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام

133

{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ} سلط الله عَلَيْهِم {الطوفان} الْمَطَر من السَّمَاء دَائِما من سبت إِلَى سبت لَا يَنْقَطِع لَيْلًا وَلَا نَهَارا {وَالْجَرَاد} وسلط عَلَيْهِم بعد ذَلِك الْجَرَاد حَتَّى أكل مَا أنبتت الأَرْض من النَّبَات وَالثِّمَار {وَالْقمل} وسلط الله عَلَيْهِم بعد ذَلِك الْقمل حَتَّى أكل مَا بَقِي من الْجَرَاد الصَّغِير وَهِي الدبى بِلَا أَجْنِحَة {والضفادع} وسلط عَلَيْهِم بعد ذَلِك الضفادع حَتَّى آذاهم {وَالدَّم} وسلط عَلَيْهِم بعد ذَلِك الدَّم حَتَّى صَار قليبهم وأنهارهم دَمًا {آيَاتٍ مّفَصَّلاَتٍ} مبينات بَين كل آيَتَيْنِ شهرا {فاستكبروا} عَن الْإِيمَان وَلم يُؤمنُوا {وَكَانُواْ قَوْماً مجرمين} مُشْرِكين

134

{وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرجز} كلما نزل عَلَيْهِم الْعَذَاب مثل الطوفان وَالْجَرَاد وَالْقمل والضفادع وَالدَّم {قَالُوا يَا مُوسَى ادْع لنا رَبك} سل لنا رَبك {بِمَا عَهِدَ عِندَكَ} بِمَا أَمر رَبك {لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرجز} رفعت عَنَّا الْعَذَاب {لَنُؤْمِنَنَّ} لنصدقن {لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بني إِسْرَآئِيلَ} مَعَ أَمْوَالهم قليلهم وكثيرهم

135

{فَلَماَّ كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرجز} فَلَمَّا رفعنَا عَنْهُم الْعَذَاب {إِلَى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ} يَعْنِي الْغَرق {إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ} ينقضون عَهدهم مَعَ مُوسَى

136

{فانتقمنا مِنْهُمْ} بِمرَّة وَاحِدَة {فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي اليم} فِي الْبَحْر {بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا} التسع {وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ} جاحدين بهَا

137

{وَأَوْرَثْنَا الْقَوْم الَّذين كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ} يستذلون {مَشَارِقَ الأَرْض} أَرض بَيت الْمُقَدّس وفلسطين وأردن ومصر {وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} فِي بَعْضهَا بِالْمَاءِ وَالشَّجر {وَتَمَّتْ} وَجَبت {كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحسنى} بِالْجنَّةِ وَيُقَال بالنصرة {على بني إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُواْ} على الْبلَاء وَيُقَال على دينهم {وَدَمَّرْنَا} أهلكنا {مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ} من الْقُصُور والمدائن {وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ} من الشّجر والكروم وَيُقَال يبنون

138

{وَجَاوَزْنَا ببني إِسْرَآئِيلَ الْبَحْر فَأَتَوْاْ على قَوْمٍ} يُقَال لَهُم الرقم بَقِيَّة من قوم إِبْرَاهِيم {يَعْكُفُونَ على أَصْنَامٍ لَّهُمْ} يُقِيمُونَ على عبَادَة أصنام لَهُم {قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَآ إِلَهًا} بَين إِلَهًا نعبده {كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} يعبدونها {قَالَ} مُوسَى {إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} أَمر الله

139

{إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ} مهلك {مَّا هُمْ فِيهِ} من الشّرك {وَبَاطِلٌ} ضلال {مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} فِي الشّرك

140

{قَالَ} مُوسَى {أَغَيْرَ الله أَبْغِيكُمْ إِلَهًا}

آمركُم أَن تعبدوا رَبًّا {وَهُوَ} وَقد {فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالمين} عالمي زمانكم بِالْإِسْلَامِ

141

{وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَونَ} من فِرْعَوْن وَقَومه {يسومونكم سوء الْعَذَاب يُقَتِّلُونَ أَبْنَآءَكُمْ} صغَارًا {وَيَسْتَحْيُونَ} يستخدمون {نِسَآءَكُمْ} كبارًا {وَفِي ذَلِكُم} فِيمَا نجاكم {بلَاء} نعْمَة {مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ} عَظِيمَة وَيُقَال وَفِي ذَلِكُم فِي عَذَابه بلَاء بلية من ربكُم عَظِيم عَظِيمَة

142

{وَوَاعَدْنَا مُوسَى} الْإِتْيَان إِلَى الْجَبَل {ثَلاَثِينَ لَيْلَةً} شهر ذِي الْقعدَة {وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ} من ذِي الْحجَّة {فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ} ميعاد ربِّهِ {أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} كَمَا وعده {وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخلفني} كن خليفتي {فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ} مرهم بالصلاح {وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ المفسدين} طَرِيق المفسدين بِالْمَعَاصِي

143

{وَلَمَّا جَآءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا} لميعادنا بمدين {وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ} طمع فِي الرُّؤْيَة {قَالَ} الله {لَن تَرَانِي} لن تقدر أَن تراني فِي الدُّنْيَا يَا مُوسَى {وَلَكِن انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ} أعظم جبل بمدين {فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ} فَإِن اسْتَقر الْجَبَل لرؤيتي {فَسَوْفَ تَرَانِي} فلعلك تراني {فَلَمَّا تجلى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} ظهر لجبل زبير {جَعَلَهُ دَكّاً} كسراً {وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً} مغشياً عَلَيْهِ {فَلَمَّآ أَفَاقَ} من غَشيته {قَالَ سُبْحَانَكَ} نزه ربه {تُبْتُ إِلَيْك} من مسئلتي الرُّؤْيَة {وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤمنِينَ} المقرين بأنك لن ترى فِي الدُّنْيَا

144

{قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصطفيتك عَلَى النَّاس} على بني إِسْرَائِيل {بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي} وبتكلمي مَعَك {فَخُذْ مَآ آتَيْتُكَ} فاعمل بِمَا أَعطيتك {وَكُنْ مِّنَ الشَّاكِرِينَ} بتكليمي مَعَك من بَين النَّاس

145

{وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الألواح مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً} نهيا {وَتَفْصِيلاً} تبياناً {لِّكُلِّ شَيْءٍ} من الْحَلَال وَالْحرَام وَالْأَمر وَالنَّهْي {فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ} فاعمل بهَا بجد ومواظبة النَّفس {وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بأحسنها} يعملوا بمحكمها ويؤمنوا بمتشابهها {سأريكم دَارَ الْفَاسِقين} يَعْنِي دَار العاصين وَهِي جَهَنَّم وَيُقَال الْعرَاق وَيُقَال مصر

146

{سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي} عَن الْإِقْرَار بآياتي {الَّذين يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْض بِغَيْرِ الْحق} بِلَا حقّ وَيُقَال سأريكم يَا مُحَمَّد دَار الْفَاسِقين دَار بدر وَيُقَال مَكَّة {وَإِن يَرَوْاْ} يَعْنِي فِرْعَوْن وَقَومه وَيُقَال أَبُو جهل وَأَصْحَابه {كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرشد} طَرِيق الْإِسْلَام وَالْخَيْر {لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً} لَا يحسبوه طَرِيقا {وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الغي} طَرِيق الْكفْر والشرك {يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً} يحسبوه طَرِيقا {ذَلِك} الَّذِي ذكرت {بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا} بكتابنا ورسولنا

{وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ} جاحدين بهَا

147

{وَالَّذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا} بكتابنا ورسولنا {وَلِقَآءِ الْآخِرَة} الْبَعْث بعد الْمَوْت {حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} بطلت حسناتهم فِي الشّرك {هَلْ يُجْزَوْنَ} مَا يجزون فِي الْآخِرَة {إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} فِي الدُّنْيَا وَيَقُولُونَ من الشّرك

148

{وَاتخذ} صاغ {قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ} من بعد انطلاق مُوسَى إِلَى الْجَبَل {مِنْ حُلِيِّهِمْ} من ذهبهم {عِجْلاً جَسَداً} مجسداً صَغِيرا {لَّهُ خُوَارٌ} صَوت صاغ لَهُم السامري {أَلَمْ يَرَوْاْ} ألم يعلم قوم مُوسَى {أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ} يَعْنِي الْعجل بِشَيْء {وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً} طَرِيقا {اتخذوه} عبدوه بِالْجَهْلِ {وَكَانُواْ ظَالِمِينَ} صَارُوا ضارين لأَنْفُسِهِمْ بعبادتهم إِيَّاه

149

{وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ} ندموا على عِبَادَتهم الْعجل {وَرَأَوْاْ} علمُوا وأيقنوا {أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ} عَن الْحق وَالْهدى {قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا} فيعذبنا {لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسرين} بالعقوبة

150

{وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً} حَزينًا حِين سمع صَوت الْفِتْنَة {قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بعدِي} بئس مَا صَنَعْتُم بِعبَادة الْعجل من بعد انطلاقي إِلَى الْجَبَل {أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ} أسبقتم بِعبَادة الْعجل وعد ربكُم {وَأَلْقَى الألواح} من يَده فانكسر مِنْهَا لوحان {وَأخذ بِرَأْس أَخِيه} أَي بِشعر هرون {يجره إِلَيْهِ} إِلَى نَفسه {قَالَ} هرون {ابْن أُمَّ} وَقد كَانَ أَخَاهُ من أَبِيه وَأمه وَإِنَّمَا ذكر الْأُم لكَي يرفق بِهِ {إِنَّ الْقَوْم استضعفوني} استذلوني {وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي} بخلافهم إيَّايَ {فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعدآء} فَلَا تفرح بِي الْأَعْدَاء أَصْحَاب الْعجل {وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْم الظَّالِمين} لَا تعذبني فِي أَصْحَاب الْعجل

151

{قَالَ} مُوسَى {رَبِّ اغْفِر لِي} لما صنعت بأخي هرون {ولأخي} هرون بِمَا لم يناجزهم بِالْقِتَالِ {وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ} فِي جنتك {وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} بِنَا

152

{إِنَّ الَّذين اتَّخذُوا} عبدُوا {الْعجل} وَمن اقْتدى بهم {سَيَنَالُهُمْ} سَيُصِيبُهُمْ {غَضَبٌ} سخط {مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ} مذلة بالجزية {فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ} هَكَذَا {نَجْزِي المفترين} الْكَاذِبين على الله

153

{وَالَّذين عَمِلُواْ السَّيِّئَات} فِي الشّرك بِاللَّه {ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِهَا} بعد الشّرك وَيُقَال بعد السَّيِّئَات {وآمنوا} وحدوا وأقروا بِاللَّه {إِنَّ رَبَّكَ} يَا مُوسَى وَيُقَال يَا مُحَمَّد {مِن بَعْدِهَا} من بعد التَّوْبَة وَالْإِيمَان {لَغَفُورٌ} متجاوز {رَّحِيمٌ}

154

{وَلَماَّ سَكَتَ} سكن {عَن مُّوسَى الْغَضَب أَخَذَ الألواح وَفِي نُسْخَتِهَا} فِيمَا بَقِي مِنْهَا وَيُقَال فِيمَا أُعِيد لَهُ فِي اللَّوْحَيْنِ {هُدًى} من الضَّلَالَة {وَرَحْمَةٌ} من الْعَذَاب {لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يرهبون} يخَافُونَ

155

{وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ} من قومه {سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا} لميعادنا

{فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرجفة} الزلزلة بِالْهَلَاكِ يَعْنِي الْمَوْت {قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِّن قَبْلُ} من قبل هَذَا الْيَوْم {وَإِيَّايَ} بقتلي القبطي {أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السفهآء} الْجُهَّال {مِنَّآ} بِعبَادة الْعجل ظن مُوسَى أَنما أهلكهم بِعبَادة قَومهمْ الْعجل {إِنْ هِيَ} مَا هِيَ {إِلاَّ فِتْنَتُكَ} بليتك {تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَآءُ وَتَهْدِي مَن تَشَآءُ} من الْفِتْنَة {أَنتَ وَلِيُّنَا} أولى بِنَا {فَاغْفِر لَنَا وارحمنا} وَلَا تعذبنا {وَأَنتَ خَيْرُ الغافرين} المتجاوزين

156

{واكتب لَنَا} أوجب لنا {فِي هَذِه الدُّنْيَا حَسَنَةً} الْعلم وَالْعِبَادَة والعصمة من الذُّنُوب {وَفِي الْآخِرَة} حَسَنَة الْجنَّة وَنَعِيمهَا {إِنَّا هُدْنَآ إِلَيْكَ} تبنا إِلَيْك وَيُقَال أَقبلنَا إِلَيْك {قَالَ} الله {عَذَابي أُصِيبُ بِهِ} أخص بِهِ {مَنْ أَشَآءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} من الْبر والفاجر فتطاول لَهَا إِبْلِيس فَقَالَ أَنا من الْأَشْيَاء فَأخْرجهُ الله مِنْهَا فَقَالَ {فسأكتبها} سأوجبها {لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاة} يُعْطون زَكَاة أَمْوَالهم {وَالَّذين هُم بِآيَاتِنَا} بكتابنا ورسولنا {يُؤْمِنُونَ} فتطاول لَهَا أهل الْكتاب فَقَالُوا نَحن أهل التَّقْوَى وَالْكتاب فَأخْرجهُمْ الله مِنْهَا

157

وَبَين لمن الرَّحْمَة فَقَالَ {الَّذين يَتَّبِعُونَ الرَّسُول} {النَّبِي الْأُمِّي} يَعْنِي مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {الَّذِي يَجِدُونَهُ} بنعته وَصفته {مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ} بِالتَّوْحِيدِ وَالْإِحْسَان {وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكر} عَن الْكفْر أَو الْإِسَاءَة {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَات} يبين لَهُم تَحْلِيل مَا فِي الْكتاب من لُحُوم الْإِبِل وَأَلْبَانهَا وشحوم الْبَقر وَالْغنم وَغَيرهَا {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخبآئث} يبين لَهُم تَحْرِيم مَا فِي الْكتاب من الْميتَة وَالدَّم وَلحم الْخِنْزِير وَغير ذَلِك {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ} عهودهم الَّتِي كَانَ يحرم عَلَيْهِم بنقضها الطَّيِّبَات {والأغلال} الشدائد {الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} من قطع الثِّيَاب وَغَيرهَا {فَالَّذِينَ آمنُوا بِهِ} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَعْنِي عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه {وَعَزَّرُوهُ} أعانوه {وَنَصَرُوهُ} بِالسَّيْفِ {وَاتبعُوا النُّور} الْقُرْآن {الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ} أنزل جِبْرِيل بِهِ عَلَيْهِ أحلُّوا حَلَاله وحرموا حرَامه {أُولَئِكَ هُمُ المفلحون} الناجون من السخط وَالْعَذَاب

158

{قل} يَا مُحَمَّد {يَا أَيهَا النَّاس إِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ جَمِيعاً} كَافَّة {الَّذِي لَهُ مُلْكُ} خَزَائِن {السَّمَاوَات وَالْأَرْض لَا إِلَه} لَا رَازِق {إِلاَّ هُوَ يُحْيِي} للبعث {وَيُمِيتُ} فِي الدُّنْيَا {فَآمِنُواْ بِاللَّه وَرَسُولِهِ النَّبِي الْأُمِّي الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّه} الَّذِي هُوَ يُؤمن بِاللَّه {وَكَلِمَاتِهِ} بكتابه الْقُرْآن وَإِن قَرَأت وكلمته يَقُول وبعيسى أَنه صَار بِكَلِمَة من الله مخلوقاً يَعْنِي كن فَكَانَ {واتبعوه} اتبعُوا دين مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} لكَي تهتدوا من الضَّلَالَة بِالْإِيمَان

159

{وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ} جمَاعَة {يَهْدُونَ} يأمرون {بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} وبالحق يعْملُونَ وهم الَّذين وَرَاء نهر الرمل

160

{وَقَطَّعْنَاهُمُ} فرقناهم {اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً} سبطاً سبطاً تِسْعَة أَسْبَاط وَنصف سبط من قبل الْمشرق عِنْد مطلع الشَّمْس خلف الصين على نهر رمل يُسمى أردن وسبطين وَنصفا فِي جَمِيع الْعَالم

{وَأَوْحَيْنَآ إِلَى مُوسَى} أمرنَا مُوسَى {إِذِ استسقاه قَوْمُهُ} فِي التيه {أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحجر} الَّذِي مَعَك {فانبجست} فانخرجت {مِنْهُ} من الْحجر {اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً} نَهرا {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ} سبط {مَّشْرَبَهُمْ} من النَّهر {وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَام} فِي التيه كَانَ يظلهم بِالنَّهَارِ من الشَّمْس ويضيء لَهُم بِاللَّيْلِ مثل السراج {وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنّ والسلوى} فِي التيه {كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} أعطيناكم من الْمَنّ والسلوى {وَمَا ظَلَمُونَا} مَا نقصونا وَمَا ضرونا بِمَا رفعوا {وَلَكِن كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} ينقصُونَ ويضرون

161

{وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسكنوا} انزلوا {هَذِه الْقرْيَة} قَرْيَة أرِيحَا {وَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ} وَمَتى شِئْتُم {وَقُولُواْ حِطَّةٌ} لَا إِلَه إِلَّا الله وَيُقَال حط عَنَّا الْخَطَايَا {وادخلوا الْبَاب} بَاب أريحاء {سُجَّداً} ركعا {نغفر لكم خطيئاتكم سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ} فِي إحسانهم

162

{فَبَدَّلَ} فَغير {الَّذين ظَلَمُواْ مِنْهُمْ} وهم أَصْحَاب الْخَطِيئَة وَقَالُوا {قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} آمُر لَهُم أمروا بالحطة فَقَالُوا حِنْطَة سمقاتا {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِّنَ السمآء} طاعوناً من السَّمَاء {بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ} يغيرون

163

{واسألهم} يَا مُحَمَّد يَعْنِي الْيَهُود {عَنِ الْقرْيَة} عَن خبر الْقرْيَة وَهِي تسمى أَيْلَة {الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْر إِذْ يَعْدُونَ فِي السبت} يعتدون يَوْم السبت بِأخذ الْحيتَان {إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً} جماعات جماعات من غمر المَاء إِلَى شاطئه {وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ} هَكَذَا {نَبْلُوهُم} نختبرهم {بِمَا كَانُوا يفسقون} يعصون

164

{وَإِذ قَالَتْ أُمَّةٌ} جمَاعَة {مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً الله مُهْلِكُهُمْ} بالمسخ {أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً} بالنَّار {قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ} حجَّة لنا عِنْد ربكُم {وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} عَن أَخذ الْحيتَان يَوْم السبت وَكَانُوا ثَلَاثَة نفر نفر كَانُوا يصطادون ويأمرون بذلك وَنَفر كَانُوا لَا يصطادون وَلَا ينهون عَن ذَلِك وَنَفر كَانُوا لَا يصطادون وَينْهَوْنَ عَن ذَلِك فمسخ النَّفر الَّذين كَانُوا يصطادون ويأمرون بذلك وَنَجَا الْآخرَانِ

165

{فَلَمَّا نسوا مَا ذكرُوا بِهِ} تركُوا مَا أمروا بِهِ {أنجينا الَّذين ينهون عَن السوء} عَن أَخذ الْحيتَان يَوْم السبت {وَأَخَذْنَا الَّذين ظَلَمُواْ} بِأخذ الْحيتَان يَوْم السبت {بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} شَدِيد {بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} يعصون

166

{فَلَماَّ عَتَوْاْ} أَبَوا عَن مَا نهوا عَنهُ {قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ} صيروا {قِرَدَةً خَاسِئِينَ} صاغرين ذليلين

167

{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ} قَالَ لَهُم رَبك {لَيَبْعَثَنَّ} ليسلطن {عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة مَن يَسُومُهُمْ سوء الْعَذَاب}

من يعذبهم بأشد الْعَذَاب بالجزية وَغَيرهَا وَهُوَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأمته {إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعقَاب} لشديد الْعقَاب لمن لَا يُؤمن بِهِ {وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ} متجاوز {رَحِيم} لمن آمن بِهِ

168

{وَقَطَّعْنَاهُمْ} فرقناهم {فِي الأَرْض أُمَماً} سبطاً سبطاً {مِّنْهُمُ الصالحون} وهم تِسْعَة أَسْبَاط وَنصف الَّذين وَرَاء نهر الرمل {وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِك} يَعْنِي دون ذَلِك الْقَوْم سَائِر الْمُؤمنِينَ من بني إِسْرَائِيل وَيُقَال دون ذَلِك الْقَوْم يَعْنِي كفار بني إِسْرَائِيل {وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ} اختبرناهم بِالْخصْبِ والرخاء وَالنَّعِيم {والسيئات} بِالْقَحْطِ والجدوبة والشدة {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} لكَي يرجِعوا عَن معصيتهم وكفرهم

169

{فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ} فَبَقيَ من بعد الصَّالِحين {خَلْفٌ} خلف سوء وهم الْيَهُود {وَرِثُواْ الْكتاب} أخذُوا التَّوْرَاة وكتموا مَا فِيهَا من صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته {يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى} يَأْخُذُونَ على كتمان صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته حرَام الدُّنْيَا من الرِّشْوَة وَغَيرهَا {وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا} مَا نَفْعل بِاللَّيْلِ من الذُّنُوب يغْفر لنا بِالنَّهَارِ وَمَا نعمل بِالنَّهَارِ يغْفر لنا بِاللَّيْلِ {وَإِن يَأْتِهِمْ} الْيَوْم {عَرَضٌ مِّثْلُهُ} حرَام مثله مثل مَا أَتَاهُم أمس {يَأْخُذُوهُ} يستحلوه {أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِّيثَاقُ الْكتاب} الْمِيثَاق فِي الْكتاب {أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى الله إِلَّا الْحق} إِلَّا الصدْق {ودرسوا} قرءوا {مَا فِيهِ} من صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته وَيُقَال قرءوا مَا فِيهِ من الْحَلَال وَالْحرَام وَلم يعملوا بِهِ {وَالدَّار الْآخِرَة} يَعْنِي الْجنَّة {خَيْرٌ} أفضل {لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش والرشوة وتغيير صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته فِي التَّوْرَاة من دَار الدُّنْيَا {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} أَن الدُّنْيَا فانية وَالْآخِرَة بَاقِيَة

170

{وَالَّذين يُمَسِّكُونَ بِالْكتاب} يعْملُونَ بِمَا فِي الْكتاب يحلونَ حَلَاله ويحرمون حرَامه ويبينون صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته {وَأَقَامُواْ الصَّلَاة} أَتموا الصَّلَوَات الْخمس {إِنَّا لاَ نُضِيعُ} لَا نبطل {أَجْرَ المصلحين} ثَوَاب الْمُحْسِنِينَ بالْقَوْل وَالْفِعْل يَعْنِي عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه

171

{وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَل} قلعنا ورفعنا وحبسنا الْجَبَل {فَوْقهم} فَوق رُءُوسهم {كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ} علالي {وظنوا} علمُوا وأيقنوا {أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ} نَازل عَلَيْهِم إِن لم يقبلُوا الْكتاب {خُذُواْ مَآ آتَيْنَاكُم} اعْمَلُوا بِمَا أعطيناكم {بِقُوَّةٍ} بجد ومواظبة النَّفس {واذْكُرُوا مَا فِيهِ} من الثَّوَاب وَالْعِقَاب وَيُقَال احْفَظُوا مَا فِيهِ من الْأَمر وَالنَّهْي وَيُقَال اعْمَلُوا بِمَا فِيهِ من الْحَلَال وَالْحرَام {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} لكَي تتقوا السخط وَالْعَذَاب وتطيعوا الله

172

{وَإِذْ} وَقد {أَخَذَ رَبُّكَ} يَا مُحَمَّد يَوْم الْمِيثَاق {مِن بني آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} يَقُول ذُرِّيتهمْ من ظُهُورهمْ مقدم ومؤخر {وَأَشْهَدَهُمْ} استنطقهم {على أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بلَى شَهِدْنَآ} علمنَا وأقررنا بأنك رَبنَا فَقَالَ الله للْمَلَائكَة اشْهَدُوا عَلَيْهِم وَقَالَ لَهُم ليشهد بَعْضكُم على بعض {أَن تَقُولُواْ} لكَي لَا تَقولُوا {يَوْمَ الْقِيَامَة إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا} الْمِيثَاق {غَافِلِينَ} لم يُؤْخَذ علينا

173

{أَوْ تَقولُوا} لكَي لَا تَقولُوا {إِنَّمَآ أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ} من قبلنَا وَنَقَضُوا الْمِيثَاق والعهد قبلنَا {وَكُنَّا ذُرِّيَّةً} صغَارًا ضعفاء {مِّن بَعْدِهِمْ} اقتدينا بهم {أَفَتُهْلِكُنَا} أفتعذبنا {بِمَا فَعَلَ المبطلون} الْمُشْركُونَ قبلنَا فِي نقض الْعَهْد

174

{وَكَذَلِكَ} هَكَذَا {نُفَصِّلُ الْآيَات} نبين الْقُرْآن بِخَبَر الْمِيثَاق {وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} لكَي يرجِعوا من الْكفْر والشرك إِلَى الْمِيثَاق الأول

175

{واتل عَلَيْهِمْ} اقْرَأ عَلَيْهِم يَا مُحَمَّد {نَبَأَ} خبر {الَّذِي آتَيْنَاهُ} أعطيناه {آيَاتِنَا} الِاسْم الْأَعْظَم {فانسلخ مِنْهَا} فَخرج مِنْهَا وَهُوَ بلعم بن باعوراء أكْرمه الله بِالِاسْمِ الْأَعْظَم فَدَعَا بِهِ على مُوسَى فَأخذ الله مِنْهُ حفظ ذَلِك وَيُقَال أُميَّة بن أبي الصَّلْت أكْرمه الله تَعَالَى بِعلم حسن وَكَلَام حسن وَلما لم يُؤمن أَخذ الله مِنْهُ ذَلِك {فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَان} فغره الشَّيْطَان {فَكَانَ مِنَ الغاوين} فَصَارَ من الضَّالّين الْكَافرين

176

{وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا}

بِالِاسْمِ الْأَعْظَم إِلَى السَّمَاء فملكناه بهَا على أهل الدُّنْيَا {وَلكنه أَخْلَدَ إِلَى الأَرْض} مَال إِلَى الأَرْض {وَاتبع هَوَاهُ} هوى الْملك وَيُقَال هوى نَفسه بمساوى الْأُمُور {فَمَثَلُهُ} مثل بلعم وَيُقَال مثل أُميَّة بن أبي الصَّلْت {كَمَثَلِ الْكَلْب إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ} إِن تشدد عَلَيْهِ فتطرده {يَلْهَثْ} يدلع لِسَانه {أَوْ تَتْرُكْهُ} فَلَا تطرده {يَلْهَث} يدلع لِسَانه كَذَلِك مثل بلعم وَأُميَّة إِن وعظ لم يتعظ وَإِن سكت عَنهُ لم يعقل {ذَّلِكَ} هَكَذَا {مَثَلُ الْقَوْم الَّذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا} بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن وهم الْيَهُود {فاقصص الْقَصَص} فاقرأ عَلَيْهِم الْقُرْآن {لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} لكَي يتفكروا فِي أَمْثَال الْقُرْآن

177

{سَآءَ مَثَلاً} بئس مثلا {الْقَوْم الَّذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا} بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن إِذا كَانَ مثلهم كَمثل الْكَلْب {وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ} يضرون بالعقوبة

178

{مَن يَهْدِ الله} لدينِهِ {فَهُوَ الْمُهْتَدي} لدينِهِ {وَمَن يُضْلِلْ} عَن دينه {فَأُولَئِك هُمُ الخاسرون} المغبونون بالعقوبة

179

{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا} خلقنَا {لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنّ وَالْإِنْس لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا} الْحق {وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا} الْحق {وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَآ} الْحق {أُولَئِكَ كالأنعام} فِي فهم الْحق {بَلْ هُمْ أَضَلُّ} لأَنهم كفار {أُولَئِكَ هُمُ الغافلون} عَن أَمر الْآخِرَة جاحدون بهَا

180

{وَلِلَّهِ الأسمآء الْحسنى} الصِّفَات الْعليا الْعلم وَالْقُدْرَة والسمع وَالْبَصَر وَغير ذَلِك {فَادعوهُ بهَا} فاقرءوا بهَا {وَذَرُواْ الَّذين يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ} يَقُول يجحدون بأسمائه وَصِفَاته وَإِن قَرَأت يلحدون يميلون عَن الْإِقْرَار بأسمائه وَصِفَاته وَيُقَال يلحدون فِي أَسْمَائِهِ يشبهون بأسمائه اللات والعزى وَمَنَاة {سَيُجْزَوْنَ} فِي الْآخِرَة {مَا كَانُواْ} بِمَا كَانُوا {يَعْمَلُونَ} وَيَقُولُونَ فِي الدُّنْيَا من الشَّرّ

181

{وَمِمَّنْ خَلَقْنَآ أُمَّةٌ} جمَاعَة {يَهْدُونَ بِالْحَقِّ} يأمرون بِالْحَقِّ {وَبِهِ يَعْدِلُونَ} وبالحق يعْملُونَ وهم أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

182

{وَالَّذين كذبُوا بِآيَاتِنَا} بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن وَهُوَ أَبُو جهل وَأَصْحَابه المستهزئون بنزول الْعَذَاب {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ} سنأخذهم بِالْعَذَابِ {مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ} بنزول الْعَذَاب فأهلكهم الله فِي يَوْم وَاحِد كل وَاحِد بِهَلَاك غير هَلَاك صَاحبه

183

{وَأُمْلِي لَهُمْ} أمهلهم {إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} عَذَابي وأخذي شَدِيد

184

{أَو لم يتفكروا} فِيمَا بَينهم أَن مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يكن ساحراً وَلَا كَاهِنًا وَلَا مَجْنُونا ثمَّ قَالَ الله تَعَالَى {مَا بِصَاحِبِهِمْ} مَا بِنَبِيِّهِمْ {من جنَّة} مامسه من جُنُون أَي جُنُون {إِنْ هُوَ} مَا هُوَ {إِلاَّ نَذِيرٌ} وَرَسُول مخوف {مُّبِينٌ} يبين لَهُم بلغَة يعلمونها

185

{أَوَلَمْ يَنْظُرُواْ} يَعْنِي أهل مَكَّة {فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَات} من الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم والسحاب {وَالْأَرْض} وَفِي ملكوت الأَرْض وَمَا فِي الأَرْض من الشّجر وَالْجِبَال والبحار وَالدَّوَاب {وَمَا خَلَقَ الله مِن شَيْءٍ} وَفِيمَا خلق الله من سَائِر الْأَشْيَاء {وَأَنْ عَسى} وَعَسَى من الله وَاجِب {أَن يَكُونَ قَدِ اقْترب أَجَلُهُمْ} دنا هلاكهم {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ} فَبِأَي كتاب بعد كتاب الله {يُؤْمِنُونَ} إِن لم يُؤمنُوا بِهَذَا الْكتاب

186

{مَن يُضْلِلِ الله} عَن دينه {فَلاَ هَادِيَ لَهُ} فَلَا مرشد لَهُ إِلَى دينه {وَيَذَرُهُمْ} يتركهم {فِي طُغْيَانِهِمْ} فِي كفرهم وضلالهم

{يَعْمَهُونَ} يمضون عمهة لَا يبصرون

187

{يَسْأَلُونَكَ} يَا مُحَمَّد أهل مَكَّة {عَنِ السَّاعَة} عَن قيام السَّاعَة وحينها {أَيَّانَ مُرْسَاهَا} مَتى قِيَامهَا وحينها {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا} علم قِيَامهَا وحينها {عِنْدَ رَبِّي} من رَبِّي {لاَ يُجَلِّيهَا لوَقْتهَا} لايبين وَقتهَا وحينها {إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} ثقل علم قِيَامهَا وحينها على أهل السَّمَوَات وَالْأَرْض {لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً} فَجْأَة {يَسْأَلُونَكَ} يَا مُحَمَّد عَن قيام السَّاعَة {كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا} عَالم بهَا وَيُقَال جَاهِل بهَا وَيُقَال غافل عَنْهَا {قُلْ} يَا مُحَمَّد {إِنَّمَا عِلْمُهَا} علم قِيَامهَا وحينها {عِندَ الله} من الله {وَلَكِن أَكْثَرَ النَّاس} أهل مَكَّة {لاَ يَعْلَمُونَ} وَلَا يصدقون ذَلِك

188

{قُل} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً} جر النَّفْع {وَلاَ ضَرّاً} دفع الضّر {إِلاَّ مَا شَآءَ الله} أَن يفعل بِي من الضّر والنفع {وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْب} النَّفْع والضر {لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْر} من النَّفْع {وَمَا مسني السوء} الضّر وَيُقَال وَلَو كنت أعلم مَتى ينزل الْعَذَاب عَلَيْكُم لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْر شكرا لذَلِك وَمَا مسني السوء مَا أصابني الْغم والحزن لقبلكم وَيُقَال وَلَو كنت أعلم الْغَيْب مَتى أَمُوت {لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْر} من الْعَمَل الصَّالح {وَمَا مسني السوء} مَا اصابني الشدَّة وَيُقَال لَو كنت أعلم الْغَيْب مَتى الْقَحْط والجدوبة وَغَلَاء السّعر لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْر النَّعيم وَمَا مَسَّنِيَ السوء مَا أصابني الشدَّة {إِنْ أَنَاْ} مَا أَنا {إِلاَّ نَذِيرٌ} من النَّار {وَبَشِيرٌ} بِالْجنَّةِ {لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} بِالْجنَّةِ وَالنَّار

189

{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ} من نفس آدم وَحدهَا {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} خلق من نفس آدم زَوجته حَوَّاء {لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} مَعهَا فَلَماَّ {تَغَشَّاهَا} أَتَاهَا {حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً} هيناً {فَمَرَّتْ بِهِ} قَامَت وَقَعَدت تألماً {فَلَمَّآ أَثْقَلَتْ} ثقل الْوَلَد فِي بَطنهَا ظنا بوسوسة إِبْلِيس أَنه بَهِيمَة من الْبَهَائِم {دَّعَوَا الله ربهما لَئِن آتيتنا صَالحا} آدَمِيًّا سويا {لَّنَكُونَنَّ} لنصيرن {مِنَ الشَّاكِرِينَ} لذَلِك

190

{فَلَمَّآ آتَاهُمَا صَالِحاً} آدَمِيًّا سوياً {جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ} جعلا لَهُ إِبْلِيس شَرِيكا {فِيمَآ آتَاهُمَا} فِي تَسْمِيَة مَا آتاهما من الْوَلَد سمياه عبد الله وَعبد الْحَارِث {فَتَعَالَى الله} تَبرأ الله {عَمَّا يُشْرِكُونَ} بِهِ من الْأَصْنَام

191

{أَيُشْرِكُونَ} بِاللَّه {مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً} وَلَا يحيي {وَهُمْ} يَعْنِي الْآلهَة {يُخْلَقُونَ} ينحتون أَي مخلوقة منحوتة

192

{وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً} نفعا وَلَا منعا {وَلاَ أَنْفُسَهُمْ} يَعْنِي الْآلهَة {يَنصُرُونَ} لَا يمْنَعُونَ مِمَّا يُرَاد بهم

193

{وَإِن تَدْعُوهُمْ} يَا مُحَمَّد يَعْنِي الْكفَّار {إِلَى الْهدى} إِلَى التَّوْحِيد {لاَ يَتَّبِعُوكُمْ} لَا يجيبوكم {سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ} إِلَى التَّوْحِيد {أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ} ساكتون فَإِنَّهُم لَا يجيبونكم بِالتَّوْحِيدِ يَعْنِي الْكفَّار وَيُقَال وَإِن تدعوهم يَا معشر الْكفَّار الْأَصْنَام إِلَى الْهدى إِلَى الْحق لاَ يَتَّبِعُوكُمْ لَا يجيبوكم سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ يَعْنِي الْأَصْنَام أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ ساكتون لَا يجيبونكم وَلَا يسمعُونَ دعاءكم لأَنهم أموات غير أَحيَاء

194

{إِنَّ الَّذين تَدْعُونَ} تَعْبدُونَ {مِن دُونِ الله} من الْأَصْنَام {عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ} مخلوقون أمثالكم {فادعوهم} يَعْنِي الْآلهَة {فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ} فليسمعوا دعاءكم وليجيبوكم {إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} أَنهم ينفعوكم

195

{أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ} إِلَى الْخَيْر {أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَآ} يَأْخُذُونَ بهَا ويعطون {أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَآ} عبادتكم {أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} دعوتكم

{قُلِ} يَا مُحَمَّد لمشركي أهل مَكَّة {ادعوا شُرَكَآءَكُمْ} اسْتَعِينُوا بآلهتكم {ثُمَّ كِيدُونِ} اعْمَلُوا أَنْتُم وهم فِي هلاكي {فَلاَ تُنظِرُونِ} فَلَا تؤجلون

196

{إِنَّ وَلِيِّيَ الله} حافظي وناصري الله {الَّذِي نَزَّلَ الْكتاب} نزل جِبْرَائِيل عَليّ بِالْكتاب {وَهُوَ يَتَوَلَّى} يحفظ {الصَّالِحين}

197

{وَالَّذين تَدْعُونَ} تَعْبدُونَ {مِن دُونِهِ} من دون الله من الْأَوْثَان {لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ} نفعكم وَلَا منعكم {وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ} يمْنَعُونَ مِمَّا يُرَاد بهم

198

{وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهدى} إِلَى الْحق {لاَ يَسْمَعُواْ} وَلَا يجيبوا لأَنهم أموات غير أَحيَاء {وَتَرَاهُمْ} يَا مُحَمَّد يَعْنِي الْأَصْنَام {يَنظُرُونَ إِلَيْكَ} كَأَنَّهُمْ ينظرُونَ إِلَيْك مفتحة أَعينهم {وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ} لأَنهم أموات غير أَحيَاء

199

{خُذِ الْعَفو} خُذ مَا فضل من الْكل والعيال وَهَذَا مَنْسُوخ وَيُقَال خُذ الْعَفو اعْفُ عَمَّن ظلمك وَأعْطِ من حَرمك وصل من قَطعك {وَأْمُرْ بِالْعرْفِ} بِالْمَعْرُوفِ وَالْإِحْسَان {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلين} عَن أبي جهل وَأَصْحَابه الْمُسْتَهْزِئِينَ ثمَّ نسخ الْأَعْرَاض

200

{وَإِماَّ يَنَزَغَنَّكَ} يصيبنك {مِنَ الشَّيْطَان نَزْغٌ} وَسْوَسَة وريب {فاستعذ بِاللَّه} فَامْتنعَ بِاللَّه من وسوسته {إِنَّهُ سَمِيعٌ} باستعاذتك {عَلِيمٌ} بوسوسته

201

{إِنَّ الَّذين اتَّقوا} وَسْوَسَة الشَّيْطَان {إِذَا مَسَّهُمْ} إِذا أَصَابَهُم {طَائِفٌ} ريب ووسوسة {مِّنَ الشَّيْطَان تَذَكَّرُواْ} عرفُوا {فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} مُنْتَهُونَ عَن الْمعْصِيَة

202

{وَإِخْوَانُهُمْ} إخْوَان الْمُشْركين يَعْنِي الشَّيَاطِين {يَمُدُّونَهُمْ} يجرونهم ويوسوسونهم {فِي الغي} فِي الْكفْر والضلالة وَالْمَعْصِيَة {ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ} لَا ينتهون عَن ذَلِك

203

{وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ} يَعْنِي أهل مَكَّة {بِآيَةٍ} كَمَا طلبُوا {قَالُواْ لَوْلاَ اجتبيتها} هلا تكلفتها من الله وَيُقَال تخلقتها من تِلْقَاء نَفسك {قُلْ} يَا مُحَمَّد لَهُم {إِنَّمَآ أَتَّبِعُ مَا يُوحى إِلَيَّ مِن رَّبِّي} أعمل وَأَقُول بِمَا ينزل عَليّ من رَبِّي {هَذَا} يَعْنِي الْقُرْآن {بَصَآئِرُ} بَيَان {مِن رَّبِّكُمْ} بِالْأَمر وَالنَّهْي {وَهُدًى} من الضَّلَالَة {وَرَحْمَةً} من الْعَذَاب {لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} بِالْقُرْآنِ

204

{وَإِذا قرئَ الْقُرْآن} فِي الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة {فَاسْتَمعُوا لَهُ} إِلَى قِرَاءَته {وَأَنصِتُواْ} لقرَاءَته {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} لكَي ترحموا فَلَا تعذبوا

205

{وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ} اقْرَأ أَنْت يَا مُحَمَّد وَحدك إِن كنت إِمَامًا {تَضَرُّعاً} مستكيناً {وَخِيفَةً} خوفًا {وَدُونَ الْجَهْر مِنَ القَوْل} دون الرّفْع من الْقِرَاءَة والصمت {بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال} بكرَة وَعَشِيَّة فِي الصَّلَاة أَي صَلَاة الْغَدَاة وَصَلَاة الْمغرب وَالْعشَاء {وَلاَ تَكُنْ مِّنَ الغافلين} عَن الْقِرَاءَة فِي الصَّلَاة إِذا كنت إِمَامًا أَو وَحدك

206

{إِنَّ الَّذين عِندَ رَبِّكَ} يَعْنِي الْمَلَائِكَة {لاَ يَسْتَكْبِرُونَ} لايتعظمون {عَنْ عِبَادَتِهِ} عَن طَاعَته وَالْإِقْرَار لَهُ بالعبودية {وَيُسَبِّحُونَهُ} يطيعونه {وَلَهُ يَسْجُدُونَ} يصلونَ وَالله أعلم بِالصَّوَابِ

وَمن السُّورَة الَّتِي يذكر فِيهَا الْأَنْفَال وَهِي كلهَا مَدَنِيَّة غير قَوْله {يَا أَيهَا النَّبِي حَسبك الله وَمن اتبعك من الْمُؤمنِينَ} فَأَنَّهَا نزلت بِالْبَيْدَاءِ فِي غَزْوَة بدر قبل الْقِتَال آياتها سِتّ وَتسْعُونَ وكلماتها ألف وَمِائَة وَثَلَاثُونَ وحروفها خَمْسَة آلَاف ومائتان وَأَرْبع وَتسْعُونَ حرفا {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم {

الأنفال

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {يَسْأَلُونَك عَن الْأَنْفَال} يَقُول يَسْأَلك أَصْحَابك الْغَنَائِم يَوْم بدر وَعَن صلَة {قُلِ} يَا مُحَمَّد لَهُم {الْأَنْفَال لِلَّهِ وَالرَّسُول} الْغَنَائِم يَوْم بدر لله وَلِلرَّسُولِ لَيْسَ لكم فِيهِ شَيْء وَيُقَال لله وَأمر الرَّسُول فِيهِ جَائِز {فَاتَّقُوا الله} فِي أَخذ الْغَنَائِم {وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ} مَا بَيْنكُم من الْمُخَالفَة فليؤد الْغَنِيّ إِلَى الْفَقِير وَالْقَوِي إِلَى الضَّعِيف والشاب إِلَى الشَّيْخ {وَأَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ} فِي أَمر الصُّلْح {إِن كُنتُم} إِذْ كُنْتُم {مُّؤْمِنِينَ} بِاللَّه وَالرَّسُول

2

{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذين إِذَا ذُكِرَ الله} إِذا أمروا بِأَمْر من قبل الله مثل أَمر الصُّلْح وَغَيره {وَجِلَتْ} خَافت {قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ} قُرِئت {عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ} فِي الصُّلْح {زَادَتْهُمْ إِيمَاناً} يَقِينا بقول الله وَيُقَال صدقا وَيُقَال تكريراً {وعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} لَا على الْغَنَائِم

3

{الَّذين يُقِيمُونَ الصَّلَاة} يتمون الصَّلَوَات الْخمس بوضوئها وركوعها وسجودها وَمَا يجب فِيهَا فِي مواقيتها {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} أعطيناهم من الْأَمْوَال {يُنفِقُونَ} يتصدقون فِي طَاعَة الله وَيُقَال يؤدون زَكَاة أَمْوَالهم

4

{أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً} صدقا يَقِينا {لَّهُمْ دَرَجَاتٌ} فَضَائِل {عِندَ رَبِّهِمْ} فِي الْآخِرَة {وَمَغْفِرَةٌ} للذنوب فِي الدُّنْيَا {وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} ثَوَاب حسن فِي الْجنَّة

5

{كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ} امْضِ يَا مُحَمَّد على مَا أخرجك رَبك {مِن بَيْتِكَ} من الْمَدِينَة (بِالْحَقِّ) بِالْقُرْآنِ وَيُقَال بِالْحَرْبِ {وَإِنَّ فَرِيقاً} طَائِفَة {مِّنَ الْمُؤمنِينَ لَكَارِهُونَ} لِلْقِتَالِ

6

{يجادلونك} يخاصمونك {فِي الْحق} فِي الْحَرْب {بعد مَا تَبَيَّنَ} لَهُم أَنَّك لَا تصنع وَلَا تَأمر إِلَّا مَا أَمرك رَبك {كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْت وَهُمْ يَنظُرُونَ} إِلَيْهِ

7

{وَإِذْ يَعِدُكُمُ الله إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ} الفئتين العير أَو الْعَسْكَر {أَنَّهَا لَكُمْ} غنيمَة {وَتَوَدُّونَ} تتمنون {أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَة} الشدَّة وَالْحَرب {تَكُونُ لَكُمْ} غنيمَة يَعْنِي غنيمَة العير {وَيُرِيدُ الله أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ} أَن يظْهر دينه الْإِسْلَام بنصرته وتحقيقه {وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافرين} أصل الْكَافرين وأثرهم

8

{لِيُحِقَّ الْحق} ليظْهر دينه الْإِسْلَام بِمَكَّة {وَيُبْطِلَ الْبَاطِل} يهْلك الشّرك وَأَهله {وَلَوْ كَرِهَ المجرمون} وَإِن كره الْمُشْركُونَ أَن يكون ذَلِك

9

{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ} تدعون {رَبَّكُمْ} يَوْم بدر بالنصرة {فَاسْتَجَاب لَكُمْ} الدُّعَاء {أَنِّي مُمِدُّكُمْ} معينكم {بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَة مُرْدِفِينَ} مُتَتَابعين بالنصرة لكم

10

{وَمَا جَعَلَهُ الله} يَعْنِي المدد {إِلاَّ بشرى} لكم بالنصرة {وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ} بالمدد {قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْر} بِالْمَلَائِكَةِ {إِلاَّ مِنْ عِندِ الله إِنَّ الله عَزِيزٌ} بالنقمة من أعدائه {حَكِيمٌ} حكم عَلَيْهِم بِالْقَتْلِ والهزيمة وَحكم لكم بالنصرة وَالْغنيمَة

11

{إِذْ يُغَشِّيكُمُ النعاس} ألْقى عَلَيْكُم النّوم {أَمَنَةً} لكم {مِّنْهُ} من الله من الْعَدو وَهِي منَّة من الله لكم {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء}

مَطَرا {لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} بالمطر من الْأَحْدَاث والجنابة {وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَان} وَسْوَسَة الشَّيْطَان {وَلِيَرْبِطَ على قُلُوبِكُمْ} وليحفظ قُلُوبكُمْ بِالصبرِ {وَيُثَبِّتَ بِهِ} بالمطر {الْأَقْدَام} على الرمل أَي يشد الرمل حَتَّى يثبت عَلَيْهِ الْأَقْدَام

12

{إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَة} ألهم رَبك وَيُقَال أَمر رَبك {أَنِّي مَعَكُمْ} معينكم {فَثَبِّتُواْ الَّذين آمَنُواْ} فِي الْحَرْب وَيُقَال فبشروا الَّذين آمنُوا بالنصر {سَأُلْقِي} سأقذف {فِي قُلُوبِ الَّذين كفرُوا الرعب} المخافة من مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه {فاضربوا فَوق الْأَعْنَاق} رُءُوسهم {واضربوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} مفصل

13

{ذَلِك} الْقِتَال لَهُم {بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ الله} خالفوا الله {وَرَسُولَهُ} فِي الدّين {وَمَن يُشَاقِقِ الله} يُخَالف الله {وَرَسُولَهُ} فِي الدّين {فَإِنَّ الله شَدِيدُ الْعقَاب} إِذا عاقب

14

{ذَلِكُم} الْعَذَاب لكم {فَذُوقُوهُ} فِي الدُّنْيَا {وَأَنَّ للْكَافِرِينَ} فِي الْآخِرَة {عَذَاب النَّار}

15

{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذين كَفَرُواْ} يَوْم بدر {زَحْفاً} مزاحفة {فَلاَ تُوَلُّوهُمُ} أَي فَلَا توَلّوا مِنْهُم {الأدبار} منهزمين

16

{وَمَن يُوَلِّهِمْ} يتول عَنْهُم {يَوْمَئِذٍ} يَوْم بدر {دُبُرَهُ} ظَهره مُنْهَزِمًا {إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ} مستطرداً لِلْقِتَالِ وَيُقَال للكرة {أَوْ مُتَحَيِّزاً} أَو ينحاز {إِلَى فِئَةٍ} ينصرونه ويمنعونه {فَقَدْ بَآءَ بِغَضَبٍ مِّنَ الله} فقد رَجَعَ واستوجب بسخط من الله {وَمَأْوَاهُ} مصيره {جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمصير} صَار إِلَيْهِ

17

{فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ} يَوْم بدر {وَلَكِن الله قَتَلَهُمْ} بجبرائيل وَالْمَلَائِكَة {وَمَا رَمَيْتَ} مَا بلغت التُّرَاب إِلَى وُجُوه الْمُشْركين {إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِن الله رمى} بلغ {وَلِيُبْلِيَ الْمُؤمنِينَ} ليصنع بِالْمُؤْمِنِينَ {مِنْهُ} من رمي التُّرَاب {بلَاء} صنيعاً {حَسَناً} بالنصرة وَالْغنيمَة {إِنَّ الله سَمِيعٌ} لدعائكم {عَلِيمٌ} بنصرتكم

18

{ذَلِكُم} النُّصْرَة وَالْغنيمَة لكم {وَأَنَّ الله} بِأَن الله {مُوهِنُ} مضعف {كَيْدِ الْكَافرين} صَنِيع الْكَافرين

19

{إِن تَسْتَفْتِحُواْ} تستنصروا {فَقَدْ جَآءَكُمُ الْفَتْح} النُّصْرَة لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه عَلَيْكُم حَيْثُ دَعَا أَبُو جهل قبل الْقِتَال والهزيمة فَقَالَ اللَّهُمَّ انصر أفضل الدينَيْنِ وَأكْرم الدينَيْنِ وأحبهما إِلَيْك فَاسْتَجَاب الله دعاءه وَنصر مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه عَلَيْهِم {وَإِن تَنتَهُواْ} عَن الْكفْر والقتال {فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} من الْكفْر والقتال {وَإِن تعودوا} إِلَى قتال مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام {نَعُدْ} إِلَى قتلكم وهزيمتكم مثل يَوْم بدر {وَلَن تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ} جماعتكم {شَيْئاً} من عَذَاب الله {وَلَوْ كَثُرَتْ} فِي الْعدَد {وَأَنَّ الله مَعَ الْمُؤمنِينَ} معِين الْمُؤمنِينَ بالنصرة

20

{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ} فِي أَمر الصُّلْح {وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ} عَن أَمر الله وَرَسُوله {وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ} مواعظ الْقُرْآن وَأمر الصُّلْح

21

{وَلاَ تَكُونُواْ} فِي الْمعْصِيَة وَيُقَال فِي الطَّاعَة {كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا} أَطعْنَا وهم بَنو عبد الدَّار وَالنضْر بن الْحَارِث وَأَصْحَابه

{وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ} لَا يطيعون وَنزل فيهم أَيْضا

22

{إِنَّ شَرَّ الدَّوَابّ} الْخلق والخليقة {عِندَ الله الصم} عَن الْحق {الْبكم} عَن الْحق {الَّذين لاَ يَعْقِلُونَ} لَا يفقهُونَ أَمر الله وتوحيده

23

{وَلَوْ عَلِمَ الله فِيهِمْ} فِي بني عبد الدَّار {خَيْراً} سَعَادَة {لأَسْمَعَهُمْ} لأكرمهم بِالْإِيمَان {وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ} أكْرمهم بِالْإِيمَان {لَتَوَلَّواْ} عَنهُ عَن الْإِيمَان لعلم الله فيهم {وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ} مكذبون بِهِ

24

{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} يَعْنِي أَصْحَاب مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام {اسْتجِيبُوا لِلَّهِ} أجِيبُوا لله {وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ} إِلَى مَا يكرمكم ويعزكم ويصلحكم من الْقِتَال وَغَيره {وَاعْلَمُواْ} يَا معشر الْمُؤمنِينَ {أَنَّ الله يَحُولُ} يحفظ {بَيْنَ الْمَرْء وَقَلْبِهِ} بَين الْمُؤمن بِأَن يحفظ قلب الْمُؤمن على الْإِيمَان حَتَّى لَا يكفر ويحفظ قلب الْكَافِر على الْكفْر حَتَّى لَا يُؤمن {وَأَنَّهُ إِلَيْهِ} إِلَى الله فِي الْآخِرَة {تُحْشَرُونَ} فيجزيكم بأعمالكم

25

{وَاتَّقوا فِتْنَةً} كل فتْنَة تكون {لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذين ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً} وَلَكِن تصيب الظَّالِم والمظلوم {وَاعْلَمُوا أَن الله شَدِيد الْعقَاب} إِذْ عاقب

26

{واذْكُرُوا} يَا معشر الْمُهَاجِرين {إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ} فِي الْعدَد {مُّسْتَضْعَفُونَ} مقهورون {فِي الأَرْض} أَرض مَكَّة {تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاس} أَن يطردكم أهل مَكَّة أَو يأسروكم {فَآوَاكُمْ} بِالْمَدِينَةِ {وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ} يَعْنِي أعانكم وقواكم بنصرته يَوْم بدر {وَرَزَقَكُمْ مِّنَ الطَّيِّبَات} من الْغَنَائِم {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} لكَي تشكروا نعْمَته بالنصرة وَالْغنيمَة يَوْم بدر

27

{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ} يَعْنِي مَرْوَان وَأَبا لبَابَة بن عبد الْمُنْذر {لاَ تَخُونُواْ الله} فِي الدّين {وَالرَّسُول} فِي الْإِشَارَة إِلَى بني قُرَيْظَة أَن لَا تنزلوا على حكم سعد بن معَاذ {وتخونوا أَمَانَاتِكُمْ} وَلَا تخونوا فِي فَرَائض الله وَهِي أَمَانَة عَلَيْكُم {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} تِلْكَ الْخِيَانَة

28

{وَاعْلَمُوا} يَعْنِي بِهِ أَبَا لبَابَة {أَنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ} الَّتِي فِي بني قُرَيْظَة {فِتْنَةٌ} بلية لكم {وَأَنَّ الله عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} ثَوَاب وافر فِي الْجنَّة بِالْجِهَادِ

29

{يِا أَيُّهَا الَّذين آمنُوا إَن تَتَّقُواْ الله} فِيمَا أَمركُم ونهاكم {يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً} نصْرَة وَنَجَاة {وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} دون الْكَبَائِر {وَيَغْفِرْ لَكُمْ} سَائِر الذُّنُوب {وَالله ذُو الْفضل} ذُو الْمَنّ {الْعَظِيم} على عباده بالمغفرة وَالْجنَّة

30

{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ} فِي دَار الندوة {الَّذين كَفَرُواْ} أَبُو جهل وَأَصْحَابه {لِيُثْبِتُوكَ} ليحبسوك سجناً وَهُوَ مَا قَالَ عَمْرو بن هِشَام {أَوْ يَقْتُلُوكَ} جَمِيعًا وَهُوَ مَا قَالَ أَبُو جهل بن هِشَام {أَوْ يُخْرِجُوكَ} طرداً وَهُوَ مَا قَالَ أَبُو البحتري بن هِشَام {وَيَمْكُرُونَ} يُرِيدُونَ قَتلك وهلاكك يَا مُحَمَّد {وَيَمْكُرُ الله} يُرِيد الله قَتلهمْ وهلاكهم يَوْم بدر {وَالله خَيْرُ الماكرين} أقوى المهلكين

31

{وَإِذَا تتلى} تقْرَأ {عَلَيْهِمْ} على النَّضر بن الْحَارِث وَأَصْحَابه {آيَاتُنَا} بِالْأَمر وَالنَّهْي {قَالُواْ قَدْ سمعنَا} مَا قَالَ مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام {لَوْ نَشَآءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا} مثل مَا يَقُول مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِنْ هَذَا} مَا هَذَا الَّذِي يَقُول مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِلاَّ أَسَاطِيرُ} أَحَادِيث {الْأَوَّلين} وأخبارهم

32

{وَإِذْ قَالُواْ} قَالَ ذَلِك النَّضر {اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا}

الَّذِي يَقُول مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام {هُوَ الْحق مِنْ عِندِكَ} أَن لَيْسَ لَك ولد وَلَا شريك {فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا} على النَّضر {حِجَارَةً مِّنَ السمآء أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} وجيع فَقتل يَوْم بدر صبرا

33

{وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ} ليهلكهم أَبَا جهل وَأَصْحَابه {وَأَنتَ فِيهِمْ} مُقيم {وَمَا كَانَ الله مُعَذِّبَهُمْ} مهلكهم {وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} يُرِيدُونَ أَن يُؤمنُوا

34

{وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ الله} أَن لَا يُهْلِكهُمْ الله بعد مَا خرجت من بَين أظهرهم {وهم يصدون} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه {عَنِ الْمَسْجِد الْحَرَام} ويطوفون حوله عَام الْحُدَيْبِيَة {وَمَا كَانُوا أَوْلِيَآءَهُ} أَوْلِيَاء الْمَسْجِد {إِنْ أولياؤه} مَا أولياؤه {إِلَّا المتقون} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأَصْحَابه {وَلَكِن أَكْثَرَهُمْ} كلهم {لاَ يَعْلَمُونَ} ذَلِك وَلَا يصدقون بِهِ

35

{وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ} لم تكن عِبَادَتهم {عِندَ الْبَيْت إِلاَّ مُكَآءً} صفيراً كصفير المكاء {وَتَصْدِيَةً} تصفيقاً {فَذُوقُواْ الْعَذَاب} يَوْم بدر {بِمَا كُنتُمْ تكفرون} بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن

36

{إِنَّ الَّذين كَفَرُواْ} وهم المطعمون يَوْم بدر أَبُو جهل وَأَصْحَابه وَكَانُوا ثَلَاثَة عشر رجلا {يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ} ليصرفوا النَّاس {عَن سَبِيلِ الله} عَن دين الله وطاعته {فَسَيُنفِقُونَهَا} فِي الدُّنْيَا {ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً} ندامة فِي الْآخِرَة {ثُمَّ يُغْلَبُونَ} يقتلُون ويهزمون يَوْم بدر {وَالَّذين كفرُوا} أَبُو جهل وَأَصْحَابه {إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} يَوْم الْقِيَامَة

37

{لِيَمِيزَ الله الْخَبيث مِنَ الطّيب} الْكَافِر من الْمُؤمن وَالْمُنَافِق من المخلص والطالح من الصَّالح {وَيَجْعَلَ الْخَبيث بَعْضَهُ على بَعْضٍ} إِلَى بعض (فَيَرْكُمَهُ) فيجمعه {جَمِيعاً} الْخَبيث {فَيَجْعَلَهُ} فيطرحه {فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الخاسرون} المغبونون بالعقوبة

38

{قُل} يَا مُحَمَّد {لِلَّذِينَ كفرُوا} أبي سُفْيَان وَأَصْحَابه {إِن يَنتَهُواْ} عَن الْكفْر والشرك وَعبادَة الْأَوْثَان وقتال مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ} من الْكفْر والشرك وَعبادَة الْأَوْثَان وقتال مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَإِن يعودوا} إِلَى قتال مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ} خلت سيرة الْأَوَّلين بالنصرة لأوليائه على أعدائه مثل يَوْم بدر

39

{وَقَاتِلُوهُمْ} يَعْنِي كفار أهل مَكَّة {حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} الْكفْر والشرك وَعبادَة الْأَوْثَان وقتال مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي الْحرم {وَيَكُونَ الدِّينُ} فِي الْحرم وَالْعِبَادَة {كُلُّهُ لله} حَتَّى لَا يبْقى إِلَّا دين الْإِسْلَام {فَإِنِ انْتَهَوْاْ} عَن الْكفْر والشرك وَعبادَة الْأَوْثَان وقتال مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر {بَصِير}

40

{وَإِن تَوَلَّوْاْ} عَن الْإِيمَان {فاعلموا} يَا معشر الْمُؤمنِينَ {أَنَّ الله مَوْلاَكُمْ} حافظكم وناصركم عَلَيْهِم {نِعْمَ الْمولى} الْوَلِيّ بِالْحِفْظِ والنصرة {وَنِعْمَ النصير} الْمَانِع

41

{وَاعْلَمُوا} يَا معشر الْمُؤمنِينَ {أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ} من الْأَمْوَال {فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ} يخرج خمس الْغَنِيمَة لقبل الله {وَلِلرَّسُولِ} لقبل الرَّسُول {وَلِذِي الْقُرْبَى} ولقبل قرَابَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {واليتامى} ولقبل الْيَتَامَى غير يتامى بني عبد الْمطلب {وَالْمَسَاكِين} ولقبل الْمَسَاكِين غير مَسَاكِين بني عبد الْمطلب

{وَابْن السَّبِيل} ولقبل الضَّيْف والمحتاج كَائِنا من كَانَ وَكَانَ يقسم الْخمس فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على خَمْسَة أسْهم سهم للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ سهم الله وَسَهْم لِلْقَرَابَةِ لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُعْطي قرَابَته لقبل الله وَسَهْم لِلْيَتَامَى وَسَهْم للْمَسَاكِين وَسَهْم لِابْنِ السَّبِيل فَلَمَّا مَاتَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سقط سهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالَّذِي كَانَ يعْطى لِلْقَرَابَةِ لقَوْل أبي بكر سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لكل نَبِي طعمة فِي حَيَاته فَإِذا مَاتَ سَقَطت فَلم يكن بعده لأحد وَكَانَ يقسم أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي فِي خلافتهم الْخمس على ثَلَاثَة أسْهم سهم لِلْيَتَامَى غير يتامى بني عبد الْمطلب وَسَهْم للْمَسَاكِين غير مَسَاكِين بني عبد الْمطلب وَسَهْم لِابْنِ السَّبِيل للضيف والمحتاج {إِن كُنتُمْ} إِذْ كُنْتُم {آمَنْتُمْ بِاللَّه وَمَآ أَنزَلْنَا} وَبِمَا أنزلنَا {على عَبدنَا} مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام {يَوْمَ الْفرْقَان} يَوْم الدولة والنصرة لمُحَمد وَأَصْحَابه وَيُقَال يَوْمَ الْفرْقَان يَوْم فرق بَين الْحق وَالْبَاطِل وَهُوَ يَوْم بدر حكم بالنصرة وَالْغنيمَة للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه وَالْقَتْل والهزيمة لأبي جهل وَأَصْحَابه {يَوْمَ التقى الْجَمْعَانِ} جمع مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَجمع أبي سُفْيَان {وَالله على كُلِّ شَيْءٍ} من النُّصْرَة وَالْغنيمَة للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه وَالْقَتْل والهزيمة لأبي جهل وَأَصْحَابه {قَدِيرٌ}

42

{إِذْ أَنتُمْ} يَا معشر الْمُؤمنِينَ {بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا} الْقُرْبَى إِلَى الْمَدِينَة دون الْوَادي {وَهُم} يَعْنِي أَبَا جهل وَأَصْحَابه {بالعدوة القصوى} البعدى من الْمَدِينَة من خلف الْوَادي {والركب} العير أَبُو سُفْيَان وَأَصْحَابه {أَسْفَلَ مِنكُمْ} على شط الْبَحْر بِثَلَاثَة أَمْيَال {وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ} فِي الْمَدِينَة لِلْقِتَالِ {لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الميعاد} فِي الْمَدِينَة بذلك {وَلَكِن لِّيَقْضِيَ الله} ليمضي الله {أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً} كَائِنا بالنصرة وَالْغنيمَة للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه وَالْقَتْل والهزيمة لأبي جهل وَأَصْحَابه {لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ} يَقُول ليهلك على الْكفْر من أَرَادَ الله أَن يهْلك {عَن بَيِّنَةٍ} بعد الْبَيَان بالنصرة لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَيحيى} وَيثبت على الْإِيمَان {مَنْ حَيَّ} من أَرَادَ الله أَن يثبت {عَن بَيِّنَةٍ} بعد الْبَيَان بالنصرة لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيُقَال ليهلك ليكفر من هلك من أَرَادَ الله أَن يكفر عَن بَيِّنَة بعد الْبَيَان بالنصرة لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويؤمن من أَرَادَ الله أَن يُؤمن من بعد الْبَيَان {وَإِنَّ الله لَسَمِيعٌ} لدعائكم {عَلِيمٌ} بإجابتكم ونصرتكم

43

{إِذْ يُرِيكَهُمُ الله فِي مَنَامِكَ} يَا مُحَمَّد قبل بدر {قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَّفَشِلْتُمْ} لجبنتم {وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمر} لاختلفتم فِي أَمر الْحَرْب {وَلَكِن الله سَلَّمَ} قضى {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور} بِمَا فِي الْقُلُوب

44

{وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ} يَوْم بدر {إِذِ التقيتم} لَقِيتُم {فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً} حَتَّى أجرأكم عَلَيْهِم {وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعينهم} حَتَّى اجترءوا عَلَيْكُم {لِيَقْضِيَ الله أَمْراً} ليمضي الله أمرا بالنصرة وَالْغنيمَة لمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأَصْحَابه وَالْقَتْل والهزيمة لأبي جهل وَأَصْحَابه {كَانَ مَفْعُولاً} كَائِنا {وَإِلَى الله تُرْجَعُ الْأُمُور} عواقب الْأُمُور فِي الْآخِرَة

45

{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} يَعْنِي أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً} جمَاعَة من الْكفَّار يَوْم بدر {فاثبتوا} مَعَ نَبِيكُم فِي الْحَرْب {واذْكُرُوا الله كَثِيراً} بِالْقَلْبِ وَاللِّسَان بالتهليل وَالتَّكْبِير {لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ} لكَي تنجوا من السخطة وَالْعَذَاب وَتنصرُوا

46

{وَأَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ} فِي أَمر الْحَرْب {وَلاَ تَنَازَعُواْ} لَا تختلفوا فِي أَمر الْحَرْب {فَتَفْشَلُواْ} فتجبنوا {وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} شدتكم وَالرِّيح النُّصْرَة {واصبروا} فِي الْقِتَال مَعَ نَبِيكُم {إِنَّ الله مَعَ الصابرين} معِين الصابرين فِي الْحَرْب

47

{وَلاَ تَكُونُواْ} فِي الْمعْصِيَة {كَالَّذِين خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم} مَكَّة {بَطَراً} أشراً {وَرِئَآءَ النَّاس} سمعة النَّاس {وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله} عَن دين الله وطاعته {وَالله بِمَا يَعْمَلُونَ} فِي الْخُرُوج على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْحَرب {مُحِيطٌ} عَالم

48

{وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَان أَعْمَالَهُمْ} إِبْلِيس خُرُوجهمْ {وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ} عَلَيْكُم {الْيَوْم مِنَ النَّاس} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه {وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ} معِين لكم {فَلَمَّا تَرَآءَتِ الفئتان} الْجَمْعَانِ جمع الْمُؤمنِينَ وَجمع الْكَافرين وَرَأى إِبْلِيس جِبْرِيل مَعَ الْمَلَائِكَة {نَكَصَ على عَقِبَيْهِ} رَجَعَ إِلَى خَلفه

{وَقَالَ} لَهُم {إِنِّي بَرِيء مِّنْكُمْ} وَمن قتالكم {إِنِّي أرى مَا لاَ تَرَوْنَ} أرى جِبْرِيل وَلم تروه {إِنِّي أَخَافُ الله وَالله شَدِيدُ الْعقَاب} إِذا عاقب خَافَ أَن يَأْخُذهُ جِبْرِيل فيعرفه إِلَيْهِم فَلَا يطيعوه بعد ذَلِك

49

{إِذْ يَقُولُ المُنَافِقُونَ} الَّذين ارْتَدُّوا ببدر {وَالَّذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} شكّ وَخلاف وَسَائِر الْكفَّار {غر هَؤُلَاءِ} مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأَصْحَابه {دِينُهُمْ} توحيدهم {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى الله} فِي النُّصْرَة {فَإِنَّ الله عَزِيزٌ} بالنقمة من أعدائه {حَكِيمٌ} بالنصرة لمن توكل عَلَيْهِ كَمَا نصر نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم بدر

50

{وَلَوْ ترى} لَو رَأَيْت يَا مُحَمَّد {إِذْ يَتَوَفَّى الَّذين كَفَرُواْ} يقبض أَرْوَاحهم {الْمَلَائِكَة} يَوْم بدر {يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ} على وُجُوههم {وَأَدْبَارَهُمْ} على ظُهُورهمْ {وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيق} الشَّديد

51

{ذَلِك} الْعَذَاب {بِمَا قَدَّمَتْ} عملت {أَيْدِيكُمْ} فِي الشّرك {وَأَنَّ الله لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ} أَن يَأْخُذهُمْ بِلَا جرم

52

{كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ} كصنيع آل فِرْعَوْن {وَالَّذين مِن قَبْلِهِمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِ الله} بِكِتَاب الله وَرَسُوله يُقَال كفار مَكَّة كفرُوا بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن كَمَا كفر فِرْعَوْن وَقَومه وَالَّذين من قبلهم بالكتب وَالرسل {فَأَخَذَهُمُ الله بِذُنُوبِهِمْ} بتكذيبهم {إِنَّ الله قَوِيٌّ} بِالْأَخْذِ {شَدِيدُ الْعقَاب} إِذا عاقب

53

{ذَلِك} الْعقُوبَة {بِأَنَّ الله لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا على قَوْمٍ} بِالْكتاب وَالرَّسُول والأمن {حَتَّى يُغيرُوا مَا بِأَنْفسِهِم} بترك الشّرك {وَأَنَّ الله سَمِيعٌ} لدعائكم {عَلِيمٌ} بإجابتكم

54

{كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ} كصنيع آل فِرْعَوْن {وَالَّذين مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بآيَاتِ رَبِّهِمْ} بالكتب وَالرسل كَمَا كذب أهل مَكَّة {فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ} بتكذيبهم {وَأَغْرَقْنَآ آلَ فِرْعَونَ} وَقَومه {وَكُلٌّ} كل هَؤُلَاءِ {كَانُواْ ظَالِمِينَ} كَافِرين

55

{إِنَّ شَرَّ الدَّوَابّ} الْخلق والخليقة {عِندَ الله الَّذين كَفَرُواْ} بَنو قُرَيْظَة وَغَيرهم {فَهُمْ لاَ يُؤمنُونَ} بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن

56

ثمَّ بيَّنهم فَقَالَ {الَّذين عَاهَدْتَّ مِنْهُمْ} مَعَهم مَعَ بني قُرَيْظَة {ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ} حِين {وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ} عَن نقض الْعَهْد

57

{فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ} تأسرنهم {فِي الْحَرْب فَشَرِّدْ بِهِم} فنكل بهم {مَّنْ خَلْفَهُمْ} لكَي يَكُونُوا عِبْرَة لمن خَلفهم {لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} يتعظون فيجتنبون نقض الْعَهْد

58

{وَإِمَّا تَخَافَنَّ} تعلمن {مِن قَوْمٍ} من بني قُرَيْظَة {خِيَانَةً} بِنَقْض الْعَهْد {فانبذ إِلَيْهِمْ على سَوَآءٍ} فنابذهم على بَيَان {إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الخائنين} بِنَقْض الْعَهْد وَغَيره من بني قُرَيْظَة وَغَيرهم

59

{وَلَا تحسبن} لَا تَظنن يَا مُحَمَّد

{الَّذين كَفَرُوا} بني قُرَيْظَة وَغَيرهم {سبقوا} فاتوا من عذابنا بِمَا قَالُوا وصنعوا {إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ} لَا يفوتون من عذابنا

60

{وَأَعِدُّواْ لَهُمْ} لبني قُرَيْظَة وَغَيرهم {مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} من سلَاح {وَمِن رِّبَاطِ الْخَيل} من الْخَيل الروابط الْإِنَاث {تُرْهِبُونَ بِهِ} تخوفون بِالْخَيْلِ {عَدْوَّ الله} فِي الدّين {وَعَدُوَّكُمْ} بِالْقَتْلِ {وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ} من دون بني قُرَيْظَة وَسَائِر الْعَرَب وَيُقَال كفار الْجِنّ {لاَ تَعْلَمُونَهُمُ} لَا تعلمُونَ عدتهمْ {الله يَعْلَمُهُمْ} يعلم عدتهمْ {وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ} من مَال {فِي سَبِيلِ الله} فِي طَاعَة الله على السِّلَاح وَالْخَيْل {يُوَفَّ إِلَيْكُمْ} يوف لكم ثَوَابه لَا ينقص {وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ} لَا تنقصون من ثوابكم

61

{وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ} إِن مَال بَنو قُرَيْظَة إِلَى الصُّلْح فأرادوا الصُّلْح {فاجنح لَهَا} مل إِلَيْهَا أَو ردهَا {وَتَوَكَّلْ عَلَى الله} فِي نقضهم ووفائهم {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيع} لمقالتهم {الْعَلِيم} بنقضهم ووفائهم

62

{وَإِن يُرِيدُوا} بَنو قُرَيْظَة {أَن يَخْدَعُوكَ} بِالصُّلْحِ {فَإِنَّ حَسْبَكَ الله} الله حَسبك وكافيك {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ} قواك وأعانك {بِنَصْرِهِ} يَوْم بدر {وَبِالْمُؤْمِنِينَ} بالأوس والخزرج

63

{وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} جمع بَين قُلُوبهم وكلمتهم بِالْإِسْلَامِ {لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْض جَمِيعاً} من الذَّهَب وَالْفِضَّة {مَّآ أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} وكلمتهم {وَلَكِن الله أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} بَين قُلُوبهم بِالْإِيمَان {إِنَّهُ عَزِيزٌ} فِي ملكه وسلطانه {حَكِيمٌ} فِي أمره وقضائه

64

{يَا أَيهَا النَّبِي حَسْبُكَ الله} الله حَسبك {وَمَنِ اتبعك من الْمُؤمنِينَ} الْأَوْس والخزرج

65

{يَا أَيهَا النَّبِي حَرِّضِ الْمُؤمنِينَ} حض وحث الْمُؤمنِينَ {عَلَى الْقِتَال} يَوْم بدر {إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ} فِي الْحَرْب محتسبون {يَغْلِبُواْ مِاْئَتَيْنِ} يقاتلوا مِائَتَيْنِ من الْمُشْركين {وَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّاْئَةٌ يغلبوا} يقاتلوا {أَلْفاً مِّنَ الَّذين كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ} أَمر الله وتوحيده

66

{الْآن} بعد يَوْم بدر {خَفَّفَ الله عَنكُمْ} هون الله عَلَيْكُم {وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً} بِالْقِتَالِ {فَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّاْئَةٌ صَابِرَةٌ} محتسبة {يَغْلِبُواْ} يقاتلوا {مِاْئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يغلبوا} يقاتلوا {أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ الله وَالله مَعَ الصابرين} معِين الصابرين فِي الْحَرْب بالنصرة

67

{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ} مَا يَنْبَغِي لنَبِيّ {أَن يَكُونَ لَهُ أسرى} أُسَارَى من الْكفَّار {حَتَّى يُثْخِنَ} يغلب {فِي الأَرْض} بِالْقِتَالِ {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا} بِفِدَاء أُسَارَى يَوْم بدر {وَالله يُرِيدُ الْآخِرَة وَالله عَزِيزٌ}

بالنقمة من أعدائه {حَكِيمٌ} بالنصرة لأوليائه

68

{لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ الله سَبَقَ} لَوْلَا حكم من الله بتحليل الْغَنَائِم لأمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيُقَال بالسعادة لأهل بدر {لَمَسَّكُمْ} لأصابكم {فِيمَآ أَخَذْتُمْ} من الْفِدَاء {عَذَابٌ عَظِيمٌ} شَدِيد

69

{فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ} من الْغَنَائِم غَنَائِم بدر {حَلاَلاً طَيِّباً وَاتَّقوا الله} اخشوا الله فِي الْغلُول {إِنَّ الله غَفُورٌ} متجاوز {رَّحِيمٌ} بِمَا كَانَ بَيْنكُم يَوْم بدر من الْفِدَاء

70

{يَا أَيهَا النَّبِي قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُمْ مِّنَ الأسرى} يَعْنِي عباساً {إِن يَعْلَمِ الله فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً} تَصْدِيقًا وإخلاصاً {يُؤْتِكُمْ} يعطكم {خَيْراً} أفضل {مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمْ} من الْفِدَاء {وَيَغْفِرْ لَكُمْ} ذنوبكم فِي الْجَاهِلِيَّة {وَالله غَفُورٌ} متجاوز {رَّحِيمٌ} لمن آمن بِهِ

71

{وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ} بِالْإِيمَان يَا مُحَمَّد {فَقَدْ خَانُواْ الله مِن قَبْلُ} أَي من قبل هَذَا بترك الْإِيمَان وَالْمَعْصِيَة (فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ) أظهرك عَلَيْهِم يَوْم بدر {وَالله عَلِيمٌ} بِمَا فِي قُلُوبهم من الْخِيَانَة وَغَيرهَا {حَكِيمٌ} فِيمَا حكم عَلَيْهِم

72

{إِن الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن {وَهَاجَرُواْ} من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة {وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وأنفسهم فِي سَبِيل الله} فِي طَاعَة الله {وَالَّذين آووا} وطنوا مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه بِالْمَدِينَةِ {ونصروا} مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَوْم بدر {أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ} فِي الْمِيرَاث {وَالَّذين آمنُوا} بِمُحَمد عيه الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن {وَلَمْ يُهَاجِرُواْ} من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة {مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم} من ميراثهم {مِّن شَيْءٍ} وَمَا من ميراثكم لَهُم من شَيْء {حَتَّى يُهَاجِرُواْ} من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة {وَإِنِ استنصروكم فِي الدّين} استعانوكم على عدوهم فِي الدّين {فَعَلَيْكُمُ النَّصْر} على عدوهم {إِلاَّ على قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ} فَلَا تعينوهم عَلَيْهِم وَلَكِن أصلحوا بَينهم {وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ} من الصُّلْح وَغَيره {بَصِيرٌ}

73

{وَالَّذين كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ} فِي الْمِيرَاث {إِلاَّ تَفْعَلُوهُ} قسْمَة الْمَوَارِيث كَمَا بيَّن لكم لِذَوي الْقَرَابَة {تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْض} بالشرك والارتداد {وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} بِالْقَتْلِ وَالْمَعْصِيَة

74

{وَالَّذين آمنُوا} بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن {وَهَاجَرُواْ} من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة {وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ الله} فِي طَاعَة الله {وَالَّذين آووا} وطنوا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه بِالْمَدِينَةِ {ونصروا} مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَوْم بدر {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً} صدقا يَقِينا {لَّهُمْ مَّغْفِرَةٌ} لذنوبهم فِي الدُّنْيَا {وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} ثَوَاب حسن فِي الْجنَّة

75

{وَالَّذين آمنُوا} بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن {مِن بَعْدُ} من بعد الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين {وَهَاجَرُواْ} من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة {وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ} الْعَدو {فَأُولَئِك مِنكُمْ} مَعكُمْ فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة {وأولو الْأَرْحَام} ذَوُو الْقَرَابَة فِي النّسَب الأول فَالْأول

{بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ} فِي الْمِيرَاث {فِي كِتَابِ الله} فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ نسخ بِهَذِهِ الْآيَة الْآيَة الأولى {إِنَّ الله بِكُلِّ شَيْءٍ} من قسْمَة الْمَوَارِيث وصلاحكم وَغَيرهَا {عَلِيمٌ} يعلم نقض عهود الْمُشْركين وَالله أعلم بأسرار كِتَابه وَمن السُّورَة الَّتِي يذكر فِيهَا التوبه وَهِي كلهَا مَدَنِيَّة وَقد قيل إِلَّا الْآيَتَيْنِ آخرهَا فَإِنَّهُمَا مكيتان وكلماتها أَلفَانِ وَأَرْبَعمِائَة وَسبع وَسِتُّونَ وحروفها عشرَة آلَاف

التوبة

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {بَرَآءَةٌ} هَذِه بَرَاءَة {مِّنَ الله وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذين عَاهَدْتُمْ مِّنَ الْمُشْركين} ثمَّ نقضوا والبراءة هِيَ نقض الْعَهْد يَقُول من كَانَ بَينه وَبَين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عهد فقد نقضه مِنْهُم فَمنهمْ من كَانَ عَهده أَرْبَعَة أشهر وَمِنْهُم من كَانَ عَهده فَوق أَرْبَعَة أشهر وَمِنْهُم من كَانَ عَهده دون أَرْبَعَة أشهر وَمِنْهُم من كَانَ عَهده تِسْعَة أشهر وَمِنْهُم من لم يكن بَينه وَبَين رَسُول الله عهد فنقضوا كلهم إِلَّا من كَانَ عَهده تِسْعَة أشهر وهم بَنو كنَانَة فَمن كَانَ عَهده فَوق أَرْبَعَة أشهر وَدون أَرْبَعَة أشهر جعل عَهده أَرْبَعَة أشهر بعد النَّقْض من يَوْم النَّحْر وَمن كَانَ عَهده أَرْبَعَة أشهر جعل عَهده بعد النَّقْض أَرْبَعَة أشهر من يَوْم النَّحْر وَمن كَانَ عَهده تِسْعَة أشهر ترك على ذَلِك وَمن لم يكن لَهُ عهد جعل عَهده خمسين يَوْمًا من يَوْم النَّحْر إِلَى خُرُوج الْمحرم

2

فَقَالَ لَهُم {فَسِيحُواْ فِي الأَرْض} فامضوا فِي الأَرْض من يَوْم النَّحْر {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} آمِنين من الْقَتْل بالعهد {وَاعْلَمُوا} يَا معشر الْكفَّار {أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي الله} غير فائتين من عَذَاب الله بِالْقَتْلِ بعد أَرْبَعَة أشهر {وَأَنَّ الله مُخْزِي الْكَافرين} معذب الْكَافرين بعد أَرْبَعَة أشهر بِالْقَتْلِ

3

{وَأَذَانٌ مِّنَ الله} وَهَذَا إِعْلَام من الله {وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاس} للنَّاس {يَوْمَ الْحَج الْأَكْبَر} يَوْم النَّحْر {أَن الله بَرِيء مِّنَ الْمُشْركين} وَدينهمْ وَعَهْدهمْ الَّذِي نقضوا {وَرَسُولُهُ} أَيْضا بَرِيء من ذَلِك {فَإِن تُبْتُمْ} من الشّرك وآمنتم بِاللَّه وَبِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن {فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} من الشّرك {وَإِن تَوَلَّيْتُمْ} عَن الْإِيمَان وَالتَّوْبَة {فاعلموا} يَا معشر الْمُشْركين {أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي الله} غير فائتين من عَذَاب الله {وَبَشِّرِ الَّذين كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} يَعْنِي الْقَتْل بعد أَرْبَعَة أشهر

4

{إِلاَّ الَّذين عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْركين} يَعْنِي بني كنَانَة بعد عَام الْحُدَيْبِيَة {ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً} لم ينقضوا عَهدهم مِمَّن كَانَ لَهُم تِسْعَة أشهر {وَلَمْ يُظَاهِرُواْ} وَلم يعاونوا {عَلَيْكُمْ أَحَداً} من عَدوكُمْ {فَأتمُّوا إِلَيْهِمْ} لَهُم {عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ} إِلَى وَقت أَجلهم تِسْعَة أشهر {إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} عَن نقض الْعَهْد

5

{فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهر الْحرم} فَإِذا خرج شهر الْمحرم من بعد يَوْم النَّحْر {فَاقْتُلُوا الْمُشْركين} من كَانَ عَهدهم خمسين يَوْمًا {حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} فِي الْحل وَالْحرم وَالْأَشْهر الْحرم {وَخُذُوهُمْ} اؤسروهم {واحصروهم} احبسوهم عَن الْمبيت {واقعدوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} على كل طَرِيق يذهبون ويجيئون فِيهِ للتِّجَارَة {فَإِن تَابُواْ} من الشّرك وآمنوا بِاللَّه {وَأَقَامُواْ الصَّلَاة} أقرُّوا بالصلوات الْخمس {وَآتَوُاْ الزَّكَاة} أقرُّوا بأَدَاء الزَّكَاة {فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ} إِلَى الْبَيْت {إِنَّ الله غَفُورٌ} متجاوز لمن تَابَ مِنْهُم {رَّحِيمٌ} لمن مَاتَ على التَّوْبَة

6

{وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْركين استجارك} استأمنك {فَأَجِرْهُ} فَأَمنهُ {حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ الله} قراءتك لكَلَام الله {ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} وَطنه حَيْثُمَا جَاءَ إِن لم يُؤمن {ذَلِك} الَّذِي ذكرت {بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ} أَمر الله وتوحيده {كَيْفَ} على وَجه التَّعَجُّب

7

{يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ الله وَعِندَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذين عَاهَدْتُمْ عِندَ الْمَسْجِد الْحَرَام}

بعد عَام الْحُدَيْبِيَة وهم بَنو كنَانَة {فَمَا استقاموا لَكُمْ} بِالْوَفَاءِ {فاستقيموا لَهُمْ} بالتمام {إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} عَن نقض الْعَهْد

8

{كَيْفَ} على وَجه التَّعَجُّب كَيفَ يكون بَيْنكُم وَبينهمْ عهد {وَإِن يَظْهَرُوا} يغلبوا {عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ} لَا يحفظوكم {إِلاًّ} لقبل الْقَرَابَة وَيُقَال لقبل الله {وَلاَ ذِمَّةً} لَا لقبل الْعَهْد {يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ} بألسنتهم {وتأبى} تنكر {قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ} كلهم {فَاسِقُونَ} ناقضون الْعَهْد

9

{اشْتَروا بآيَات الله} بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن {ثَمَناً قَلِيلاً} عوضا يَسِيرا {فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ} عَن دينه وطاعته {إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} بئس مَا كَانُوا يصنعون من الكتمان وَغَيره وَيُقَال نزلت هَذِه الْآيَة فِي شَأْن الْيَهُود

10

{لاَ يَرْقُبُونَ} لَا يحفظون {فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ} قرَابَة وَيُقَال إلاًّ هُوَ الله {وَلاَ ذِمَّةً} لَا لقبل الْعَهْد {وَأُولَئِكَ هُمُ المعتدون} من الْحَلَال إِلَى الْحَرَام بِنَقْض الْعَهْد وَغَيره

11

{فَإِن تَابُواْ} من الشّرك وآمنوا بِاللَّه {وَأَقَامُواْ الصَّلَاة} أقرُّوا بالصلوات {وَآتَوُاْ الزَّكَاة} أقرُّوا بِالزَّكَاةِ {فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدّين} فِي الْإِسْلَام {وَنُفَصِّلُ الْآيَات} نبين الْقُرْآن بِالْأَمر وَالنَّهْي {لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} ويصدقون

12

{وَإِن نكثوا} أهل مَكَّة {أَيْمَانَهُم} عهودهم الَّتِي بَيْنكُم وَبينهمْ (مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ) عابوكم فِي دين الْإِسْلَام {فَقَاتلُوا أَئِمَّةَ الْكفْر} قادة الْكفْر أَبَا سُفْيَان وَأَصْحَابه {إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ} لَا عهد لَهُم {لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ} لكَي ينْتَهوا عَن نقض الْعَهْد

13

{أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً} مَا لكم لَا تقاتلون قوما يَعْنِي أهل مَكَّة {نكثوا أَيْمَانَهُمْ} نقضوا عهودهم الَّتِي بَيْنكُم وَبينهمْ {وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُول} أَرَادوا قتل الرَّسُول حَيْثُ دخلُوا دَار الندوة {وهم بدؤوكم أَوَّلَ مَرَّةٍ} بِنَقْض الْعَهْد مِنْهُم حَيْثُ أعانوا بني بكر حلفاءهم على بني خُزَاعَة حلفاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {أَتَخْشَوْنَهُمْ} يَا معشر الْمُؤمنِينَ أتخشون قِتَالهمْ {فَالله أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ} فِي ترك أمره {إِن كُنتُمْ} إِذْ كُنْتُم {مُّؤُمِنِينَ}

14

{قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ الله بِأَيْدِيكُمْ} بسيوفكم بِالْقَتْلِ {وَيُخْزِهِمْ} يذلهم بالهزيمة {وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ} بالغلبة {وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ} يفرح قُلُوب بني خُزَاعَة عَلَيْهِم بِمَا أحل لَهُم الْقَتْل يَوْم فتح مَكَّة سَاعَة فِي الْحرم

15

{وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ} حنق قُلُوبهم {وَيَتُوبُ الله على مَن يَشَآءُ} على من تَابَ مِنْهُم {وَالله عَلِيمٌ} بِمن تَابَ وبمن لم يتب مِنْهُم {حَكِيمٌ} فِيمَا حكم عَلَيْهِم وَيُقَال حكم بِقَتْلِهِم وهزيمتهم

16

{أَمْ حَسِبْتُمْ} أظننتم يَا معشر الْمُؤمنِينَ {أَن تُتْرَكُواْ} أَن تهملوا وَأَن لَا تؤمروا بِالْجِهَادِ {وَلَمَّا يَعْلَمِ الله} وَلم ير الله {الَّذين جَاهَدُواْ مِنكُمْ} فِي سَبِيل الله {وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ الله وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤمنِينَ} المخلصين {وَلِيجَةً} بطانة من الْكفَّار {وَالله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر فِي الْجِهَاد وَغَيره

17

{مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ} مَا يَنْبَغِي للْمُشْرِكين {أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ على أَنفُسِهِمْ} بتلبيتهم {بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} بطلت حسناتهم فِي الْكفْر {وَفِي النَّار هُمْ خَالِدُونَ} لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا

18

{إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ الله} الْمَسْجِد الْحَرَام {مَنْ آمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت {وَأَقَامَ الصَّلَاة} أتم الصَّلَوَات الْخمس {وَآتى الزَّكَاة} أدّى الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة {وَلَمْ يَخْشَ} وَلم يعبد {إِلاَّ الله فَعَسَى أُولَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ المهتدين} بدين الله وحجته وَعَسَى من الله وَاجِب

19

ثمَّ نزلت فِي رجل من الْمُشْركين أسر يَوْم بدر فافتخر على عَليّ أَو على رجل من أهل بدر فَقَالَ نَحن نسقي الْحَاج ونعمر الْمَسْجِد الْحَرَام ونفعل كَذَا فَقَالَ الله {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاج} أقلتم إِن سقِِي الْحَاج {وَعِمَارَةَ الْمَسْجِد الْحَرَام كَمَنْ آمَنَ بِاللَّه} كَإِيمَانِ من آمن بِاللَّه يَعْنِي البدري {وَالْيَوْم الآخر} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت {وَجَاهَدَ فِي سَبِيل الله} فِي طَاعَة الله يَوْم بدر {لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ الله} فِي الطَّاعَة وَالثَّوَاب {وَالله لاَ يَهْدِي} لَا يرشد إِلَى دينه {الْقَوْم الظَّالِمين} الْمُشْركين من لم يكن أَهلا لذَلِك

20

{الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن {وَهَاجَرُواْ} من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة {وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ الله} فِي طَاعَة الله {بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} بِنَفَقَة أَمْوَالهم وبخروج أنفسهم {أَعْظَمُ دَرَجَةً} فَضِيلَة {عِندَ الله} من غَيرهم {وَأُولَئِكَ هُمُ الفائزون} فازوا بِالْجنَّةِ ونجوا من النَّار

21

{يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ} بنجاة {مِّنْهُ} من الله من الْعَذَاب {وَرِضْوَانٍ} بِرِضا رَبهم عَنْهُم {وَجَنَّاتٍ} بجنات {لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ} دَائِم لَا يَنْقَطِع

22

{خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً} لَا يموتون وَلَا يخرجُون {إِنَّ الله عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} ثَوَاب وافر لمن آمن بِهِ

23

{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُوا آبَآءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ} الَّذين بِمَكَّة من الْكفَّار {أَوْلِيَآءَ} فِي الدّين {إِنِ استحبوا الْكفْر عَلَى الْإِيمَان} اخْتَارُوا الْكفْر على الْإِيمَان {وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ} فِي الدّين {فَأُولَئِك هم الظَّالِمُونَ} الْكَافِرُونَ مثلهم وَيُقَال يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُوا آبَآءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ من الْمُؤمنِينَ الَّذين بِمَكَّة الَّذين منعوكم عَن الْهِجْرَة أَوْلِيَآءَ فِي العون والنصرة إِنِ استحبوا الْكفْر اخْتَارُوا دَار الْكفْر يَعْنِي مَكَّة عَلَى الْإِيمَان على دَار الْإِسْلَام يَعْنِي الْمَدِينَة وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فِي العون والنصرة فَأُولَئِك هُمُ الظَّالِمُونَ الضارون بِأَنْفسِهِم

24

{قُلْ} يَا مُحَمَّد {إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ} قومكم الَّذين هم بِمَكَّة {وَأَمْوَالٌ اقترفتموها} اكتسبتموها {وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا} أَن لَا تنْفق بِالْمَدِينَةِ {وَمَسَاكِنُ} منَازِل {تَرْضَوْنَهَآ} تشتهون الْجُلُوس فِيهَا {أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِّنَ الله} من طَاعَة الله {وَرَسُولِهِ} وَمن الْهِجْرَة إِلَى رَسُوله {وَجِهَادٍ} وَمن جِهَاد {فِي سَبِيلِهِ} فِي طَاعَته {فَتَرَبَّصُواْ} فانتظروا {حَتَّى يَأْتِيَ الله بِأَمْرِهِ} بعذابه يَعْنِي الْقَتْل يَوْم فتح مَكَّة ثمَّ هَاجرُوا بعد ذَلِك {وَالله لَا يهدي} يرشد إِلَى دينه

{الْقَوْم الْفَاسِقين} الْكَافرين من لم يكن أَهلا لدينِهِ

25

{لَقَدْ نَصَرَكُمُ الله فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ} فِي مشَاهد كَثِيرَة عِنْد الْقِتَال {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ} خَاصَّة وَهُوَ وَاد بَين مَكَّة والطائف (إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ) كَثْرَة جموعكم وَكَانُوا عشرَة آلَاف رجل {فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ} كثرتكم من الْهَزِيمَة {شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْض} من الْخَوْف {بِمَا رَحُبَتْ} بسعتها {ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ} منهزمين من الْعَدو وَكَانَ عَددهمْ أَرْبَعَة آلَاف رجل

26

{ثُمَّ أَنَزلَ الله سَكِينَتَهُ} طمأنينته {على رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤمنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً} من السَّمَاء {لَّمْ تَرَوْهَا} يَعْنِي الْمَلَائِكَة بالنصرة لكم {وَعذَّبَ الَّذين كَفَرُواْ} بِالْقَتْلِ والهزيمة يَعْنِي قوم مَالك بن عَوْف الدهماني وَقوم كنَانَة ابْن عبد يَا ليل الثَّقَفِيّ {وَذَلِكَ جَزَآءُ الْكَافرين} فِي الدُّنْيَا

27

{ثُمَّ يَتُوبُ الله مِن بَعْدِ ذَلِك} الْقِتَال والهزيمة {على مَن يَشَآءُ} على من تَابَ مِنْهُم {وَالله غَفُورٌ} متجاوز {رَّحِيمٌ} لمن تَابَ

28

{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِنَّمَا الْمُشْركُونَ نَجَسٌ} قذر {فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِد الْحَرَام} بِالْحَجِّ وَالطّواف {بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} عَام الْبَرَاءَة يَوْم النَّحْر {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} الْفقر وَالْحَاجة {فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ الله مِن فَضْلِهِ} من رزقه من وَجه آخر {إِن شَآءَ} حَيْثُ شَاءَ ويغنيكم عَن تِجَارَة بكر بن وَائِل {إِنَّ الله عَلِيمٌ} بأرزاقكم {حَكِيمٌ} فِيمَا حكم عَلَيْكُم

29

{قَاتِلُواْ الَّذين لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّه وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخر} وَلَا بنعيم الْجنَّة {وَلاَ يُحَرِّمُونَ} فِي التَّوْرَاة {مَا حَرَّمَ الله وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحق} لَا يخضعون لله بِالتَّوْحِيدِ ثمَّ بيَّن من هم فَقَالَ {مِنَ الَّذين أُوتُواْ الْكتاب} أعْطوا الْكتاب يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى {حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَة عَن يَدٍ} عَن قيام من يَد فِي يَد {وَهُمْ صَاغِرُونَ} ذليلون

30

{وَقَالَتِ الْيَهُود} يهود أهل الْمَدِينَة {عُزَيْرٌ ابْن الله وَقَالَتْ النَّصَارَى} نَصَارَى أهل نَجْرَان {الْمَسِيح ابْن الله ذَلِك قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ} بألسنتهم {يُضَاهِئُونَ} يشابهون {قَوْلَ الَّذين كَفَرُواْ مِن قَبْلُ} من قبلهم يَعْنِي أهل مَكَّة لِأَن أهل مَكَّة قَالُوا اللات والعزى وَمَنَاة بَنَات الله وَكَذَلِكَ قَالَت الْيَهُود عَزِيز ابْن الله وَقَالَت النَّصَارَى قَالَ بَعضهم الْمَسِيح ابْن الله وَقَالَ بَعضهم شَرِيكه وَقَالَ بَعضهم هُوَ الله وَقَالَ بَعضهم ثَالِث ثَلَاثَة {قَاتَلَهُمُ الله} لعنهم الله {أَنى يُؤْفَكُونَ} من أَيْن يكذبُون

31

{اتَّخذُوا أَحْبَارَهُمْ} علماءهم يَعْنِي الْيَهُود {وَرُهْبَانَهُمْ} واتخذت النَّصَارَى أَصْحَاب الصوامع {أَرْبَاباً} أطاعوهم بالمعصية {مِّن دُونِ الله والمسيح ابْن مَرْيَمَ} وَاتَّخذُوا الْمَسِيح بن مَرْيَم إِلَهًا {وَمَآ أمروا} فِي جملَة الْكتب {إِلاَّ ليعبدوا} ليوحدوا {إِلَهًا وَاحِداً لاَّ إِلَه إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ} نزه نَفسه {عَمَّا يُشْرِكُونَ}

32

{يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ} يبطلوا {نُورَ الله} دين الله

{بِأَفْوَاهِهِمْ} بتكذيبهم وَيُقَال بألسنتهم {ويأبى الله} لَا يتْرك الله {إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ} إِلَّا أَن يظْهر دينه الْإِسْلَام {وَلَوْ كَرِهَ} وَإِن كره {الْكَافِرُونَ} أَن يكون ذَلِك

33

{هُوَ الَّذِي أرسل رَسُوله} مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام {بِالْهدى} بِالْقُرْآنِ وَالْإِيمَان {وَدِينِ الْحق} دين الْإِسْلَام شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّين كُلِّهِ} ليظْهر دين الْإِسْلَام على الْأَدْيَان كلهَا من قبل أَن تقوم السَّاعَة {وَلَوْ كَرِهَ} وَإِن كره (الْمُشْركُونَ) أَن يكون ذَلِك

34

{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن {إِنَّ كَثِيراً مِّنَ الْأَحْبَار} عُلَمَاء الْيَهُود {والرهبان} أَصْحَاب الصوامع {لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاس بِالْبَاطِلِ} بالرشوة وَالْحرَام {وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله} عَن دين الله وطاعته {وَالَّذين يَكْنِزُونَ} يجمعُونَ {الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلاَ يُنفِقُونَهَا} يَعْنِي الْكُنُوز {فِي سَبِيلِ الله} فِي طَاعَة الله وَيُقَال وَلَا يؤدون زَكَاتهَا {فَبَشِّرْهُمْ} يَا مُحَمَّد {بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} وجيع

35

{يَوْمَ يحمى عَلَيْهَا} على الْكُنُوز وَيُقَال على النَّار {فِي نَارِ جَهَنَّمَ فتكوى بِهَا} فَتضْرب بالكنوز {جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا} يُقَال لَهُم عُقُوبَة هَذَا {مَا كَنَزْتُمْ} بِمَا جمعتم من الْأَمْوَال {لأَنْفُسِكُمْ} فِي الدُّنْيَا {فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ} بِمَا كُنْتُم {تَكْنِزُونَ} تجمعون

36

{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُور عِندَ الله} يَقُول السّنة بالشهور عِنْد الله يَعْنِي شهور السّنة الَّتِي تُؤَدّى فِيهَا الزَّكَاة {اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ الله} فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ {يَوْمَ} من يَوْم {خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض مِنْهَآ} من الشُّهُور {أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} رَجَب وَذُو الْقعدَة وَذُو الْحجَّة وَالْمحرم {ذَلِك الدّين الْقيم} الْحساب الْقَائِم لَا يزِيد وَلَا ينقص {فَلاَ تَظْلِمُواْ} فَلَا تضروا {فِيهِنَّ} فِي الشُّهُور {أَنْفُسَكُمْ} بالمعصية وَيُقَال فِي الْأَشْهر الْحرم {وَقَاتِلُواْ الْمُشْركين كَآفَّةً} جَمِيعًا فِي الْحل وَالْحرم {كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً} جَمِيعًا {وَاعْلَمُوا} يَا معشر الْمُؤمنِينَ {أَنَّ الله مَعَ الْمُتَّقِينَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش وَنقض الْعَهْد والقتال فِي أشهر الْحرم

37

{إِنَّمَا النسيء زِيَادَةٌ فِي الْكفْر} يَقُول تَأْخِير الْمحرم إِلَى صفر مَعْصِيّة زِيَادَة مَعَ الْكفْر {يُضَلُّ بِهِ} يغلط بِتَأْخِير الْمحرم إِلَى صفر مَعْصِيّة زِيَادَة مَعَ الْكفْر {الَّذين كَفَرُواْ يُحِلُّونَهُ} يَعْنِي الْمحرم {عَاماً} فيقاتلون فِيهِ {وَيُحَرِّمُونَهُ} يَعْنِي الْمحرم {عَاماً} فَلَا يُقَاتلُون فِيهِ فَإِذا أحلُّوا الْمحرم حرمُوا صفر بدله {لِّيُوَاطِئُواْ} ليوافقوا {عِدَّةَ مَا حَرَّمَ الله} أَرْبعا بِالْعدَدِ {فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ الله} يَعْنِي الْمحرم {زين لَهُم} حسن لَهُم {سوء أَعْمَالِهِمْ} قبح أَعْمَالهم {وَالله لاَ يَهْدِي} لَا يرشد إِلَى دينه {الْقَوْم الْكَافرين} من لم يكن أَهلا لذَلِك وَكَانَ الَّذِي يفعل هَذَا رجلا يُقَال لَهُ نعيم بن ثَعْلَبَة

38

{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفروا} اخْرُجُوا مَعَ نَبِيكُم {فِي سَبِيلِ الله} فِي طَاعَة الله فِي غَزْوَة تَبُوك {اثاقلتم إِلَى الأَرْض} اشتهيتم الْجُلُوس على الأَرْض {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا} مَا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا {مِنَ الْآخِرَة فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاة الدُّنْيَا فِي الْآخِرَة إِلاَّ قَلِيلٌ}

يسير لَا يبْقى

39

{إِلاَّ تَنفِرُواْ} إِن لم تخْرجُوا مَعَ نَبِيكُم إِلَى غَزْوَة تَبُوك {يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً} وجيعاً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة {وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ} خيرا مِنْكُم وأطوع {وَلاَ تَضُرُّوهُ} أَي لَا يضر الله جلوسكم {شَيْئاً وَالله على كُلِّ شَيْءٍ} من الْعَذَاب وَالْبدل {قَدِيرٌ}

40

{إِلَّا تنصروه} إِن لم تنصرُوا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْخرُوجِ مَعَه إِلَى غَزْوَة تَبُوك {فَقَدْ نَصَرَهُ الله إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذين كَفَرُواْ} كفار مَكَّة {ثَانِيَ اثْنَيْنِ} يَعْنِي رَسُول الله وَأَبا بكر {إِذْ هما} رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ {فِي الْغَار إِذْ يَقُول} رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {لِصَاحِبِهِ} أبي بكر {لاَ تَحْزَنْ} يَا أَبَا بكر {إِنَّ الله مَعَنَا} معيننا {فَأَنزَلَ الله سَكِينَتَهُ} طمأنينته {عَلَيْهِ} على نبيه {وَأَيَّدَهُ} أَعَانَهُ يَوْم بدر وَيَوْم الْأَحْزَاب وَيَوْم حنين {بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا} يَعْنِي الْمَلَائِكَة {وَجَعَلَ كَلِمَةَ} دين {الَّذين كَفَرُواْ السُّفْلى} المغلوبة المذمومة {وَكَلِمَةُ الله هِيَ الْعليا} الْغَالِبَة الممدوحة {وَالله عَزِيزٌ} بالنقمة من أعدائه {حَكِيمٌ} بالنصرة لأوليائه

41

{انفروا} اخْرُجُوا مَعَ نَبِيكُم إِلَى غَزْوَة تَبُوك {خِفَافاً وَثِقَالاً} شباناً وشيوخاً وَيُقَال نشاطاً وَغير نشاط وَيُقَال خفافاً من المَال والعيال وثقالاً بِالْمَالِ والعيال {وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ الله} فِي طَاعَة الله {ذَلِكُم} الْجِهَاد {خَيْرٌ لَّكُمْ} من الْجُلُوس {إِن كُنتُمْ} إِذْ كُنْتُم {تَعْلَمُونَ} وتصدقون ذَلِك

42

{لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً} غنيمَة قريبَة {وَسَفَراً قَاصِداً} هيناً {لاَّتَّبَعُوكَ} إِلَى غَزْوَة تَبُوك بِطيبَة الْأَنْفس {وَلَكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشقة} السّفر إِلَى الشَّام {وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّه} لكم إِذا رجعتم من غَزْوَة تَبُوك عبد الله بن أبي وجد بن قيس ومعتب بن قُشَيْر وأصحابهم الَّذين تخلفوا عَن غَزْوَة تَبُوك {لَوِ استطعنا} بالزاد وَالرَّاحِلَة {لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ} إِلَى غَزْوَة تَبُوك {يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ} بِالْحلف الكاذبة {وَالله يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} لأَنهم كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوج مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

43

{عَفَا الله عَنكَ} يَا مُحَمَّد {لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ} لِلْمُنَافِقين بِالْجُلُوسِ {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذين صَدَقُواْ} فِي إِيمَانهم بِالْخرُوجِ مَعَك {وَتَعْلَمَ الْكَاذِبين} فِي إِيمَانهم بالتخلف عَن الْخُرُوج بِلَا إِذن

44

{لاَ يَسْتَأْذِنُكَ} بعد غَزْوَة تَبُوك {الَّذين يُؤْمِنُونَ بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر} فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة {أَن يُجَاهِدُواْ} أَن لَا يجاهدوا {بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَالله عَلِيمٌ بالمتقين} الْكفْر والشرك

45

{إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ} بِالْجُلُوسِ عَن الْخُرُوج {الَّذين لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر} فِي السِّرّ {وارتابت} شكت {قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ} فِي شكهم {يَتَرَدَّدُونَ} يتحيرون

46

{وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوج} مَعَك إِلَى غَزْوَة تَبُوك {لأَعَدُّواْ لَهُ} لِلْخُرُوجِ

{عُدَّةً} قُوَّة من السِّلَاح والزاد {وَلَكِن كَرِهَ الله انبعاثهم} خُرُوجهمْ مَعَك إِلَى غَزْوَة تَبُوك {فَثَبَّطَهُمْ} فحبسهم عَن الْخُرُوج {وَقِيلَ اقعدوا} تخلفوا {مَعَ القاعدين} مَعَ المتخلفين بِغَيْر عذر وَقع ذَلِك فِي قُلُوبهم

47

{لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم} مَعكُمْ {مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً} شرا وَفَسَادًا {ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ} لساروا على الْإِبِل وسطكم {يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَة} يطْلبُونَ فِيكُم الشَّرّ وَالْفساد والذلة وَالْعَيْب {وَفِيكُمْ} مَعكُمْ {سَمَّاعُونَ لَهُمْ} جواسيس للْكفَّار {وَالله عَلِيمٌ بالظالمين} بالمنافقين عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه

48

{لَقَدِ ابْتَغوا الْفِتْنَة} بغوا لَك الغوائل يَعْنِي طلبُوا لَك الشَّرّ {من قبل} غَزْوَة تَبُوك {وَقَلَّبُواْ لَكَ الْأُمُور} ظهرا لبطن وبطناً لظهر {حَتَّى جَآءَ الْحق} كثر الْمُؤْمِنُونَ {وَظَهَرَ أَمْرُ الله} دين الله الْإِسْلَام {وَهُمْ كَارِهُونَ} ذَلِك

49

{وَمِنْهُمْ} من الْمُنَافِقين {مَّن يَقُولُ} وَهُوَ جد بن قيس {ائْذَنْ لِّي} بِالْجُلُوسِ {وَلاَ تَفْتِنِّي} فِي بَنَات الْأَصْفَر {أَلا فِي الْفِتْنَة} فِي الشّرك والنفاق {سَقَطُواْ} وَقَعُوا {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ} ستحيط {بالكافرين} يَوْم الْقِيَامَة

50

{إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ} الْفَتْح وَالْغنيمَة مثل يَوْم بدر {تَسُؤْهُمْ} ساءهم ذَلِك يَعْنِي الْمُنَافِقين {وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ} الْقَتْل والهزيمة مثل يَوْم أحد {يَقُولُواْ} أَي يَقُول المُنَافِقُونَ عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه {قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا} حذرنا بالتخلف عَنْهُم {مِن قَبْلُ} من قبل الْمُصِيبَة {وَيَتَوَلَّواْ} عَن الْجِهَاد {وَّهُمْ فَرِحُونَ} معجبون بِمَا أصَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه يَوْم أحد

51

{قُل} يَا مُحَمَّد لِلْمُنَافِقين {لَّن يُصِيبَنَآ إِلاَّ مَا كَتَبَ الله لَنَا} قضى الله لنا {هُوَ مَوْلاَنَا} أولى بِنَا {وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} وعَلى الْمُؤمنِينَ أَن يتوكلوا على الله

52

{قُلْ} يَا مُحَمَّد لِلْمُنَافِقين {هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَآ} تنتظرون بِنَا {إِلاَّ إِحْدَى الحسنيين} الْفَتْح وَالْغنيمَة أَو الْقَتْل وَالشَّهَادَة {وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ الله بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ} لهلاككم {أَوْ بِأَيْدِينَا} بسيوفنا لقتلكم {فتربصوا} فانتظروا بِنَا {إِنَّا مَعَكُمْ مُّتَرَبِّصُونَ} منتظرون لهلاككم

53

{قُلْ} يَا مُحَمَّد لِلْمُنَافِقين {أَنفِقُواْ} أَمْوَالكُم {طَوْعاً} من قبل أَنفسكُم {أَوْ كَرْهاً} جبرا مَخَافَة الْقَتْل {لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ} ذَلِك {إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ} منافقين

54

{وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللَّه وَبِرَسُولِهِ} فِي السِّرّ {وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلَاة} إِلَى الصَّلَاة {إِلاَّ وَهُمْ كسَالَى} متثاقلون {وَلاَ يُنفِقُونَ} شَيْئا فِي سَبِيل الله {إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ} ذَلِك

55

{فَلاَ تُعْجِبْكَ} يَا مُحَمَّد {أَمْوَالُهُمْ} كَثْرَة أَمْوَالهم {وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ} كَثْرَة أَوْلَادهم {إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ}

تخرج أنفسهم {فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وتزهق أنفسهم وهم} مقدم ومؤخر

56

{وَيَحْلِفُونَ بِاللَّه} عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه {إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ} مَعكُمْ فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة {وَمَا هُم مِّنكُمْ} مَعكُمْ فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة {وَلَكنهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ} يخَافُونَ من سُيُوفكُمْ

57

{لَو يَجدونَ ملْجأ} حرْزا يلجئون إِلَيْهِ {أَوْ مَغَارَاتٍ} فِي الْجَبَل {أَوْ مُدَّخَلاً} سرباً فِي الأَرْض {لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ} لذهبوا إِلَيْهِ {وَهُمْ يَجْمَحُونَ} يهرولون هرولة والجموح مشي بَين مشيين

58

{وَمِنْهُمْ} من الْمُنَافِقين أَبُو الْأَحْوَص وَأَصْحَابه {مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدقَات} يطعن عَلَيْك فِي قسْمَة الصَّدقَات يَقُولُونَ لم يقسم بَيْننَا بِالسَّوِيَّةِ {فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا} من الصَّدقَات حظاً وافراً {رَضُواْ} بِالْقِسْمَةِ {وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا} من الصَّدقَات حظاً وافراً {إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} بِالْقِسْمَةِ

59

{وَلَوْ أَنَّهُمْ} يَعْنِي الْمُنَافِقين {رَضُوْاْ مَآ آتَاهُمُ الله} بِمَا أَعْطَاهُم الله من فَضله {وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا الله} ثقتنا بِاللَّه {سَيُؤْتِينَا الله مِن فَضْلِهِ} سيغنينا الله من فَضله برزقه {وَرَسُولُهُ} بِالْعَطِيَّةِ {إِنَّآ إِلَى الله رَاغِبُونَ} رغبتنا إِلَى الله لَو قَالُوا هَكَذَا لَكَانَ خيرا لَهُم

60

ثمَّ بيَّن لمن الصَّدقَات فَقَالَ {إِنَّمَا الصَّدقَات لِلْفُقَرَآءِ} لأَصْحَاب الصّفة {وَالْمَسَاكِين} للطوافين {والعاملين عَلَيْهَا} لجابي الصَّدقَات {والمؤلفة قُلُوبُهُمْ} بِالْعَطِيَّةِ أبي سُفْيَان وَأَصْحَابه نَحْو خَمْسَة عشر رجلا {وَفِي الرّقاب} المكاتبين {والغارمين} لأَصْحَاب الدُّيُون فِي طَاعَة الله {وَفِي سَبِيلِ الله} وللمجاهدين فِي سَبِيل الله {وَابْن السَّبِيل} الضَّيْف النَّازِل الْمَار بِالطَّرِيقِ {فَرِيضَةً} قسْمَة {مِّنَ الله} لهَؤُلَاء {وَالله عَلِيمٌ} بهؤلاء {حَكِيمٌ} فِيمَا حكم لهَؤُلَاء

61

{وَمِنْهُمُ} من الْمُنَافِقين جذام بن خَالِد وَإيَاس بن قيس وَسماك بن يزِيد وَعبيد بن مَالك {الَّذين يُؤْذُونَ النَّبِي} بالطعن والشتم {وَيِقُولُونَ} بَعضهم لبَعض {هُوَ أُذُنٌ} يسمع منا ويصدقنا إِذا قُلْنَا لَهُ مَا قُلْنَا فِيك شَيْئا {قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ} لَا الشَّرّ أَي يسع مِنْكُم ويصدقكم بِالْخَيرِ لَا بِالْكَذِبِ وَيُقَال أذن خير إِن كَانَ أذنا فَهُوَ خير لكم {يُؤْمِنُ بِاللَّه} يصدق قَول الله {وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} يصدق قَول الْمُؤمنِينَ المخلصين {وَرَحْمَةٌ} من الْعَذَاب {لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ} فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة {وَالَّذين يُؤْذُونَ رَسُولَ الله} بالتخلف عَنهُ فِي غَزْوَة تَبُوك جلاس بن سُوَيْد وَسماك بن عَمْرو ومخشي بن حمير وأصحابهم {لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وجيع فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة

62

{يَحْلِفُونَ بِاللَّه لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ} بالتخلف عَن الْغَزْو {وَالله وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ} لَو كَانُوا مُصدقين فِي إِيمَانهم

63

{أَلَمْ يعلمُوا} يَعْنِي جلاساً وَأَصْحَابه {أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ الله} يُخَالف الله {وَرَسُولَهُ} فِي السِّرّ {فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا ذَلِك الخزي الْعَظِيم} الْعَذَاب الشَّديد

64

{يَحْذَرُ المُنَافِقُونَ} عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه {أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ} على نَبِيّهم {سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ} تخبرهم {بِمَا فِي قُلُوبِهِم} من النِّفَاق {قُلِ} يَا مُحَمَّد لوديعة بن جزام وجد بن قيس وجهير بن حمير {استهزؤوا} بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن {إِنَّ الله مُخْرِجٌ}

مظهر {مَّا تَحْذَرُونَ} مَا تكتمون من مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه

65

{وَلَئِن سَأَلتهمْ} يَا مُحَمَّد عَمَّا ذَا ضحكتم {ليَقُولن إِنَّمَا كُنَّا نَخُوض} فَتحدث عَن الركب {وَنَلْعَبُ} نضحك فِيمَا بَيْننَا {قُلْ} يَا مُحَمَّد لَهُم {أبالله وَآيَاتِهِ} الْقُرْآن {وَرَسُولِهِ كُنْتُم تستهزؤون}

66

{لاَ تَعْتَذِرُواْ} بقولكم {قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنْكُمْ} جهير بن حمير لِأَنَّهُ لم يستهزىء مَعَهم وَلَكِن ضحك مَعَهم {نُعَذِّبْ طَآئِفَةً} وَدِيعَة بن جذام وجد بن قيس {بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ} مُشْرِكين فِي السِّرّ

67

{المُنَافِقُونَ} من الرِّجَال {والمنافقات} من النِّسَاء {بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ} على دين بعض فِي السِّرّ {يَأْمُرُونَ بالمنكر} بالْكفْر وَمُخَالفَة الرَّسُول {وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوف} عَن الْإِيمَان وموافقة الرَّسُول {وَيَقْبِضُونَ} يمسكون {أَيْدِيَهُمْ} عَن النَّفَقَة فِي الْخَيْر {نَسُواْ الله} تركُوا طَاعَة الله فِي السِّرّ {فَنَسِيَهُمْ} خذلهم فِي الدُّنْيَا وتركهم فِي الْآخِرَة فِي النَّار {إِنَّ الْمُنَافِقين هُمُ الْفَاسِقُونَ} الْكَافِرُونَ فِي السِّرّ

68

{وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ} من الرِّجَال {والمنافقات} من النِّسَاء {وَالْكفَّار نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا} مقيمين فِي النَّار {هِيَ حَسْبُهُمْ} مصيرهم {وَلَعَنَهُمُ الله} عذبهم الله {وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ} دَائِم

69

{كَالَّذِين} كعذاب الَّذين {مِن قَبْلِكُمْ} من الْمُنَافِقين {كَانُواْ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً} بِالْبدنِ {وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً فاستمتعوا بِخَلاقِهِمْ} فَأَكَلُوا بنصيبهم من الْآخِرَة فِي الدُّنْيَا {فاستمتعتم بِخَلاَقِكُمْ} فأكلتم بنصيبكم من الْآخِرَة فِي الدُّنْيَا {كَمَا استمتع} كَمَا أكل {الَّذين مِن قَبْلِكُمْ} من الْمُنَافِقين {بِخَلاَقِهِمْ} بنصيبهم من الْآخِرَة فِي الدُّنْيَا {وَخُضْتُمْ} فِي الْبَاطِل {كَالَّذي خَاضُوا} وكذبتم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي السِّرّ كَالَّذِين خَاضُوا وكذبوا أنبياءه يَعْنِي أَنْبيَاء الله {أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} بطلت حسناتهم {فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَأُولَئِكَ هُمُ الخاسرون} المغبونون بالعقوبة

70

{ألم يَأْتهمْ نبأ} خير {الَّذين مِن قَبْلِهِمْ} كَيفَ أهلكناهم {قَوْمِ نُوحٍ} أهلكناهم بِالْغَرَقِ {وَعَادٍ} قوم هود أهلكناهم بِالرِّيحِ {وَثَمُودَ} قوم صَالح أهلكناهم بالرجفة {وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ} أهلكناهم بالهدم {وِأَصْحَابِ مَدْيَنَ} قوم شُعَيْب أهلكناهم بالرجفة {والمؤتفكات} المكذبات المنخسفات يَعْنِي قوم لوط أهلكناهم بالخسف وَالْحِجَارَة {أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} بِالْأَمر وَالنَّهْي والعلامات فَلم يُؤمنُوا بهم فأهلكهم الله {فَمَا كَانَ الله لِيَظْلِمَهُمْ} بهلاكهم {وَلَكِن كَانُوا أنفسهم يظْلمُونَ} بالْكفْر وَتَكْذيب الْأَنْبِيَاء

71

{والمؤمنون} المصدقون من الرِّجَال {وَالْمُؤْمِنَات} المصدقات من النِّسَاء {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ} على دين بعض فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة {يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ} بِالتَّوْحِيدِ وَاتِّبَاع مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكر} عَن الْكفْر والشرك وَترك اتِّبَاع مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

{وَيُقِيمُونَ الصَّلَاة} يتمون الصَّلَوَات الْخمس {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاة} يُعْطون زَكَاة أَمْوَالهم {وَيُطِيعُونَ الله وَرَسُولَهُ} فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة {أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ الله} لَا يعذبهم الله {إِنَّ الله عَزِيزٌ} فِي ملكه وسلطانه {حَكِيمٌ} فِي أمره وقضائه

72

{وَعَدَ الله الْمُؤمنِينَ} المصدقين من الرِّجَال {وَالْمُؤْمِنَات} المصدقات من النِّسَاء {جَنَّاتٍ} بساتين {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا} من تَحت شَجَرهَا ومساكنها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {خَالِدين فِيهَا} مقيمين فِي الْجنَّة {وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً} منَازِل حَسَنَة قد طيبها الله بالمسك وَالريحَان وَيُقَال جميلَة وَيُقَال طَاهِرَة وَيُقَال عامرة {فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ} دَرَجَة الْعليا {وَرِضْوَانٌ مِّنَ الله أَكْبَرُ} رضَا رَبهم أعظم مِمَّا هم فِيهِ {ذَلِك} الَّذِي ذكرت {هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم} النجَاة الوافرة

73

{يَا أَيهَا النَّبِي جَاهِدِ الْكفَّار} بِالسَّيْفِ {وَالْمُنَافِقِينَ} بِاللِّسَانِ {وَاغْلُظْ} اشْدُد {عَلَيْهِمْ} على كلا الْفَرِيقَيْنِ بالْقَوْل وَالْفِعْل {وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ} مصيرهم جَهَنَّم {وَبِئْسَ الْمصير} صَارُوا إِلَيْهِ

74

{يَحْلِفُونَ بِاللَّه مَا قَالُواْ} حلف بِاللَّه جلاس بن سُوَيْد مَا قلت الَّذِي قَالَ على عَامر بن قيس {وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكفْر} كلمة الْكفَّار لقَوْله حَيْثُ ذكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عيب الْمُنَافِقين وَمَا فيهم قَالَ وَالله لَئِن كَانَ مُحَمَّد صَادِقا فِيمَا يَقُول فِي إِخْوَاننَا لنَحْنُ أشر من الْحمير فَأخْبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَامر بن قيس عَن قَوْله فَحلف بِاللَّه مَا قلت فكذبه الله وَقَالَ وَلَقَد قَالُوا كلمة الْكفْر {وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ} أَرَادوا قتل الرَّسُول وَإِخْرَاج الرَّسُول وَلم يقدروا على ذَلِك {وَمَا نقموا} وَمَا طعنوا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه {إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ الله وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ} بِالْغَنِيمَةِ {فَإِن يَتُوبُواْ} من الْكفْر والنفاق {يَكُ خَيْراً لَّهُمْ} من الْكفْر والنفاق {وَإِن يَتَوَلَّوْا} عَن التَّوْبَة {يُعَذِّبْهُمُ الله عَذَاباً أَلِيماً} وجيعاً {فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْض مِن وَلِيٍّ} حَافظ يحفظهم {وَلاَ نَصِيرٍ} مَانع يمنعهُم مِمَّا يُرَاد بهم

75

{وَمِنْهُمْ} من الْمُنَافِقين {مَّنْ عَاهَدَ الله} حلف بِاللَّه يَعْنِي ثَعْلَبَة بن حَاطِب بن أبي بلتعة {لَئِنْ آتَانَا} أَعْطَانَا {مِن فَضْلِهِ} المَال الَّذِي لَهُ بِالشَّام {لَنَصَّدَّقَنَّ} فِي سَبِيل الله لنؤدين مِنْهُ حق الله ولنصلن بِهِ الرَّحِم {وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحين} من الحامدين

76

{فَلَمَّآ آتَاهُمْ} الله أَعْطَاهُم {مِّن فَضْلِهِ} المَال الَّذِي لَهُ بِالشَّام {بَخِلُواْ بِهِ} بِمَا وعدوا من حق الله {وَتَوَلَّواْ} عَن ذَلِك {وَّهُمْ معرضون} مكذبون

77

{فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ} فَجعل عاقبته على النِّفَاق {إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ} إِلَى يَوْم الْقِيَامَة {بِمَآ أَخْلَفُواْ الله مَا وَعَدُوهُ} بِمَا أخلف وعده {وَبِمَا كَانُوا يكذبُون} ويكذبه بِمَا قَالَ

78

{أَلَمْ يَعْلَمُواْ} يَعْنِي الْمُنَافِقين {أَنَّ الله يَعْلَمُ سِرَّهُمْ} فِيمَا بَينهم {وَنَجْوَاهُمْ} خلوتهم {وَأَنَّ الله عَلاَّمُ الغيوب} مَا غَابَ عَن الْعباد

79

{الَّذين يَلْمِزُونَ الْمُطوِّعين مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ} يطعنون على عبد الرَّحْمَن وَأَصْحَابه فِي الصَّدقَات يَقُولُونَ مَا جَاءَ هَؤُلَاءِ بالصدقات إِلَّا رِيَاء وَسُمْعَة {وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ}

ويطعنون على الَّذين لَا يَجدونَ إِلَّا طاقتهم وَكَانَ هَذَا أَبَا عقيل عبد الرَّحْمَن بن تيجان لم يجد إِلَّا صَاعا من تمر {فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ} بقلة الصَّدَقَة يَقُولُونَ مَا جَاءَ بِهِ إِلَّا ليذكر بِهِ وَيُعْطى من الصَّدَقَة أَكثر مِمَّا جَاءَ بِهِ {سَخِرَ الله مِنْهُمْ} عَلَيْهِم يَوْم الْقِيَامَة فِي الْآخِرَة يفتح الله لَهُم بَابا إِلَى النَّار {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وجيع فِي الْآخِرَة

80

{اسْتغْفر لَهُمْ} يَقُول إِن تستغفر لعبد الله بن أبي وجد بن قيس ومعتب بن قُشَيْر وأصحابهم نَحْو سبعين رجلا {أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} سَوَاء عَلَيْهِم {إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ الله لَهُمْ ذَلِك} الْعَذَاب {بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللَّه وَرَسُولِهِ} فِي السِّرّ {وَالله لاَ يَهْدِي} لَا يغْفر {الْقَوْم الْفَاسِقين} الْمُنَافِقين عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه

81

{فَرِحَ الْمُخَلفُونَ} رَضِي المُنَافِقُونَ {بِمَقْعَدِهِمْ} بتخلفهم عَن غَزْوَة تَبُوك {خِلاَفَ رَسُولِ الله} خلف رَسُول الله {وكرهوا أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ الله} فِي طَاعَة الله {وَقَالُواْ} وَقَالَ بَعضهم لبَعض {لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحر} لَا تخْرجُوا مَعَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى غَزْوَة تَبُوك فِي الْحر الشَّديد {قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً} جمراً {لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} يفهمون ويصدقون

82

{فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً} فِي الدُّنْيَا {وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً} فِي الْآخِرَة {جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} يَقُولُونَ ويعملون من الْمعاصِي

83

{فَإِن رَّجَعَكَ الله} من غَزْوَة تَبُوك {إِلَى طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ} من الْمُنَافِقين بِالْمَدِينَةِ {فاستأذنوك لِلْخُرُوجِ} إِلَى غَزْوَة أُخْرَى {فَقُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً} بعد غَزْوَة تَبُوك {وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوّاً إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بالقعود} بِالْجُلُوسِ {أَوَّلَ مَرَّةٍ} فِي أول مرّة من غَزْوَة تَبُوك {فاقعدوا} عَن الْجِهَاد {مَعَ الخالفين} مَعَ النِّسَاء وَالصبيان

84

{وَلاَ تُصَلِّ على أَحَدٍ مِّنْهُم} من الْمُنَافِقين بعد عبد الله بن أبي {مَّاتَ أَبَداً} وَيُقَال على عبد الله بن أبي {وَلاَ تَقُمْ على قَبْرِهِ} وَلَا تقف على قَبره {إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللَّه وَرَسُولِهِ} فِي السِّرّ {وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ} مُنَافِقُونَ

85

{وَلاَ تُعْجِبْكَ} يَا مُحَمَّد {أَمْوَالُهُمْ} كَثْرَة أَمْوَالهم {وَأَوْلاَدُهُمْ} وَلَا كَثْرَة أَوْلَادهم {إِنَّمَا يُرِيدُ الله أَن يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا} وَفِي الْآخِرَة {وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ} تخرج أَرْوَاحهم {وَهُمْ كَافِرُونَ} مقدم ومؤخر

86

{وَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ} من الْقُرْآن وَأمرُوا فِيهَا {أَنْ آمِنُواْ بِاللَّه} صدقُوا بإيمانكم بِاللَّه {وَجَاهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ استأذنك} يَا مُحَمَّد {أُوْلُواْ الطول} ذُو الْغنى {مِنْهُمْ} من الْمُنَافِقين عبد الله بن أبي وجد بن قيس ومعتب بن قُشَيْر {وَقَالُواْ ذَرْنَا} يَا مُحَمَّد {نَكُنْ مَّعَ القاعدين} بِغَيْر عذر

87

{رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِف} مَعَ النِّسَاء وَالصبيان

{وَطُبِعَ} ختم {على قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ} لَا يصدقون أَمر الله

88

{لَكِن الرَّسُول} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَالَّذين آمَنُواْ} فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة {مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} فِي سَبِيل الله {وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخيرَات} الْحَسَنَات المقبولات فِي الدُّنْيَا وَيُقَال الْجَوَارِي الحسان فِي الْآخِرَة {وَأُولَئِكَ هُمُ المفلحون} الناجون من السخط وَالْعَذَاب

89

{أَعَدَّ الله لَهُمْ جَنَّاتٍ} بساتين {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا} من تَحت شَجَرهَا ومساكنها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {خَالِدين فِيهَا} مقيمين فِي الْجنَّة لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا {ذَلِك} الَّذِي ذكرت {الْفَوْز الْعَظِيم} النجَاة الوافرة فازوا بِالْجنَّةِ وَمَا فِيهَا ونجوا من النَّار وَمَا فِيهَا

90

{وَجَآءَ} إِلَيْك يَا مُحَمَّد {المعذرون} مُخَفّفَة من كَانَ لَهُ عذر {مِنَ الْأَعْرَاب} من بني غفار وَإِن قَرَأت المعذرون مُشَدّدَة يَعْنِي من لم يكن لَهُ عذر {لِيُؤْذَنَ لَهُمْ} لكَي يَأْذَن لَهُم رَسُول الله بالتخلف عَن غَزْوَة تَبُوك {وَقَعَدَ الَّذين كَذَبُواْ الله وَرَسُولَهُ} فِي السِّرّ وَيُقَال خالفوا الله وَرَسُوله فِي السِّرّ فِي الْجِهَاد بِغَيْر إِذن {سَيُصِيبُ الَّذين كَفَرُواْ مِنْهُمْ} من الْمُنَافِقين عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه {عَذَابٌ أَلِيمٌ} وجيع

91

{لَّيْسَ عَلَى الضعفآء} من الشُّيُوخ والزمنى {وَلاَ على المرضى} من الشَّبَاب {وَلاَ عَلَى الَّذين لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ} فِي الْجِهَاد {حَرَجٌ} مأثم بالتخلف {إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ} فِي الدّين {وَرَسُولِهِ} فِي السّنة {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} بالْقَوْل وَالْفِعْل {مِن سَبِيلٍ} من حرج {وَالله غَفُورٌ} متجاوز لمن تَابَ {رَّحِيمٌ} لمن مَاتَ على التَّوْبَة

92

{وَلاَ عَلَى الَّذين إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ} إِلَى الْجِهَاد بِالنَّفَقَةِ عبد الله ابْن مُغفل بن يسَار الْمُزنِيّ وَسَالم بن عُمَيْر الْأنْصَارِيّ وأصحابهما {قُلْتَ} لَهُم {لاَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} إِلَى الْجِهَاد من النَّفَقَة {تَوَلَّوْا} خَرجُوا من عنْدك {وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ} تسيل {مِنَ الدمع حَزَناً أَلاَّ يَجِدُواْ} بِأَن لم يَجدوا {مَا يُنْفِقُونَ} فِي الْجِهَاد

93

{إِنَّمَا السَّبِيل} الْحَرج {عَلَى الَّذين يَسْتَأْذِنُونَكَ} بالتخلف {وَهُمْ أَغْنِيَآءُ} بِالْمَالِ عبد الله بن أبي وجد بن قيس ومعتب بن قُشَيْر وأصحابهم نَحْو سبعين رجلا {رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِف} مَعَ النِّسَاء وَالصبيان {وَطَبَعَ الله} ختم الله {على قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} أَمر الله وَلَا يصدقون

94

{يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ} من غَزْوَة تَبُوك {إِلَيْهِمْ} إِلَى الْمَدِينَة بِأَنا لم نقدر أَن نخرج مَعَك {قُل} يَا مُحَمَّد لَهُم {لاَّ تَعْتَذِرُواْ} بالتخلف {لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ} لن نصدقكم بِمَا تَقولُونَ من الْعِلَل {قَدْ نَبَّأَنَا الله} أخبرنَا الله {مِنْ أَخْبَارِكُمْ} من أسراركم ونفاقكم {وَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ} بعد ذَلِك إِن تبتم {ثُمَّ تُرَدُّونَ} فِي الْآخِرَة {إِلَى عَالِمِ الْغَيْب} مَا غَابَ عَن الْعباد وَيُقَال الْغَيْب مَا لم يُعلمهُ الْعباد وَيُقَال مَا يكون {وَالشَّهَادَة} مَا علمه الْعباد وَيُقَال مَا كَانَ {فينبئكم} بخبركم {بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} وتقولون من الْخَيْر وَالشَّر

95

{سَيَحْلِفُونَ بِاللَّه} عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه {لَكُمْ إِذَا انقلبتم} إِذا رجعتم من غَزْوَة تَبُوك {إِلَيْهِم} بِالْمَدِينَةِ {لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ} لتصفحوا عَنْهُم وَلَا تعاقبوهم

{فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ} وَلَا تعاقبوهم {إِنَّهُمْ رِجْسٌ} نجس قذر {وَمَأْوَاهُمْ} مصيرهم {جَهَنَّمُ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} يَقُولُونَ ويعملون من الشَّرّ

96

{يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْ} بِالْحلف {فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ} بِالْحلف الْكَاذِب {فَإِنَّ الله لاَ يرضى عَنِ الْقَوْم الْفَاسِقين} الْمُنَافِقين

97

{الْأَعْرَاب} أَسد وغَطَفَان {أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً} هم أَشد على الْكفْر والنفاق من غَيرهم {وَأَجْدَرُ} أَحْرَى أَيْضا {أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَآ أَنزَلَ الله} فَرَائض مَا أنزل الله {على رَسُولِهِ} فِي الْكتاب {وَالله عَلِيمٌ} بالمنافقين {حَكِيمٌ} فِيمَا حكم عَلَيْهِم بالعقوبة وَيُقَال عليم بِجَهْل من ترك التَّعَلُّم حَكِيم حكم أَن من لَا يتَعَلَّم الْعلم يكون جَاهِلا

98

{وَمِنَ الْأَعْرَاب} يَعْنِي أَسد وغَطَفَان {مَن يَتَّخِذُ} يحْتَسب {مَا يُنفِقُ} فِي الْجِهَاد {مَغْرَماً} غرماً {وَيَتَرَبَّصُ} ينْتَظر {بِكُمُ الدَّوَائِر} الْمَوْت والهلاك {عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السوء} منقلبة السوء وعاقبة السوء {وَالله سَمِيعٌ} لمقالتهم {عَلِيمٌ} بعقوبتهم

99

{وَمِنَ الْأَعْرَاب} مزينة وجهينة وَأسلم {مَن يُؤْمِنُ بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر} فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة {وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ} فِي الْجِهَاد {قُرُبَاتٍ عِندَ الله} قربَة إِلَى الله فِي الدَّرَجَات {وَصَلَوَاتِ الرَّسُول} دُعَاء الرَّسُول {أَلا إِنَّهَا} يَعْنِي النَّفَقَة {قُرْبَةٌ لَّهُمْ} إِلَى الله فِي الدَّرَجَات {سَيُدْخِلُهُمُ الله فِي رَحْمَتِهِ} فِي جنته {إِنَّ الله غَفُورٌ} متجاوز {رَّحِيمٌ} لمن تَابَ

100

{وَالسَّابِقُونَ الْأَولونَ مِنَ الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار} بِالْإِيمَان الَّذين صلوا إِلَى قبلتين وشهدوا بَدْرًا {وَالَّذين اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ} بأَدَاء الْفَرَائِض وَاجْتنَاب الْمعاصِي إِلَى يَوْم الْقِيَامَة {رَّضِيَ الله عَنْهُمْ} بإحسانهم {وَرَضُواْ عَنْهُ} بالثواب والكرامة {وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ} بساتين {تَجْرِي تحتهَا} من تَحت أشجارها ومساكنها {الْأَنْهَار} أَنهَار المَاء وَالْخمر وَالْعَسَل وَاللَّبن {خَالِدِينَ فِيهَآ} مقيمين فِي الْجنَّة لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا {أَبَداً ذَلِك} الرضْوَان والجنان {الْفَوْز الْعَظِيم} النجَاة الوافرة

101

{وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِّنَ الْأَعْرَاب} أَسد وغَطَفَان {مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَة} عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه {مَرَدُواْ} ثبتوا وجمعوا {عَلَى النِّفَاق لاَ تَعْلَمُهُمْ} لَا تعلم نفاقهم {نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} نعلم نفاقهم {سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ} مرّة عِنْد قبض أَرْوَاحهم وَمرَّة فِي الْقُبُور {ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} عَذَاب جَهَنَّم

102

{وَآخَرُونَ} وَمن أهل الْمَدِينَة قوم آخَرُونَ وَدِيعَة بن جذام الْأنْصَارِيّ وَأَبُو لبَابَة ابْن عبد الْمُنْذر الْأنْصَارِيّ وَأَبُو ثَعْلَبَة {اعْتَرَفُوا} أقرُّوا {بِذُنُوبِهِمْ} بتخلفهم عَن غَزْوَة تَبُوك {خَلَطُواْ عَمَلاً صَالحا} خَرجُوا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مرّة {وَآخَرَ سَيِّئاً} تخلفوا مرّة {عَسَى الله} وَعَسَى من الله وَاجِب {أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} أَن يتَجَاوَز عَنْهُم {إِنَّ الله غَفُورٌ} لمن تَابَ مِنْهُم {رَّحِيمٌ} لمن مَاتَ على التَّوْبَة

103

ثمَّ بَين للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا يَأْخُذهُ من أَمْوَالهم لقَولهم خُذ منا أَمْوَالنَا لأَنا تخلفنا عَن غَزْوَة تَبُوك لقبل الْأَمْوَال فَلم يَأْخُذ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى بَين الله لَهُ فَقَالَ {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} أَمْوَال المتخلفين {صَدَقَةً} ثلثا

{تُطَهِّرُهُمْ} من الذُّنُوب {وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} تصلحهم بهَا {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} اسْتغْفر لَهُم وادع لَهُم {إِنَّ صَلاَتَكَ} استغفارك ودعاءك {سَكَنٌ لَّهُمْ} طمأنينة لقُلُوبِهِمْ بِأَن تقبل تَوْبَتهمْ {وَالله سَمِيعٌ} لمقالتهم خُذ منا أَمْوَالنَا {عَلِيمٌ} بتوبتهم ونيتهم

104

{أَلَمْ يعلمُوا أَنَّ الله هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَة عَنْ عِبَادِهِ} من عباده {وَيَأْخُذُ الصَّدقَات} وَيقبل الصَّدقَات {وَأَنَّ الله هُوَ التواب} المتجاوز {الرَّحِيم} لمن تَابَ

105

{وَقُلِ} لَهُم يَا مُحَمَّد {اعْمَلُوا} خيرا بعد التَّوْبَة {فَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ} وَيرى الله وَرَسُوله {والمؤمنون} وَيرى الْمُؤْمِنُونَ {وَسَتُرَدُّونَ} بعد الْمَوْت {إِلَى عَالِمِ الْغَيْب} مَا غَابَ عَن الْعباد وَيُقَال مَا يكون {وَالشَّهَادَة} مَا علمه الْعباد وَيُقَال مَا كَانَ {فينبئكم} يُخْبِركُمْ {بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} وتقولون من الْخَيْر وَالشَّر

106

{وَآخَرُونَ} وَقوم آخَرُونَ من أهل الْمَدِينَة كَعْب بن مَالك ومرارة بن الرّبيع وهلال بن أُميَّة {مرجون لأمر الله} موقوفون محبوسون أنفسهم لأمر الله {إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ} بتخلفهم عَن غَزْوَة تَبُوك {وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ} يتَجَاوَز عَنْهُم بتخلفهم {وَالله عَلِيمٌ} بتوبتهم وتخلفهم {حَكِيمٌ} فِيمَا حكم عَلَيْهِم

107

{وَالَّذين اتَّخذُوا} بنوا {مَسْجِداً} عبد الله بن أبي وجد بن قيس ومعتب بن قُشَيْر وأصحابهم نَحْو سَبْعَة عشر رجلا {ضِرَاراً} مضرَّة للْمُؤْمِنين {وَكُفْراً} فِي قُلُوبهم ثباتاً على كفرهم يَعْنِي النِّفَاق {وَتَفْرِيقًا بَين الْمُؤمنِينَ} لكَي يصل طَائِفَة فِي مَسْجِدهمْ وَطَائِفَة فِي مَسْجِد الرَّسُول {وَإِرْصَاداً} انتظاراً {لِّمَنْ حَارَبَ الله وَرَسُولَهُ} لمن كفر بِاللَّه وَرَسُوله {مِن قَبْلُ} من قبلهم أَبُو عَامر الراهب الَّذِي سَمَّاهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاسِقًا {وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا} مَا أردنَا بِبِنَاء الْمَسْجِد {إِلاَّ الْحسنى} إِلَّا الْإِحْسَان إِلَى الْمُؤمنِينَ لكَي يُصَلِّي فِيهِ من فَاتَتْهُ صلَاته فِي مَسْجِد قبَاء {وَالله يَشْهَدُ} يعلم {إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} فِي حلفهم

108

{لاَ تَقُمْ فِيهِ} لَا تصل فِي مَسْجِد الشقاق {أَبَداً لَّمَسْجِدٌ} وَهُوَ مَسْجِد قبَاء {أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى} بني على طَاعَة الله وَذكره {من أول يَوْم} دخل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة وَيُقَال أول مَسْجِد بني بِالْمَدِينَةِ {أَحَقُّ} أصوب {أَن تَقُومَ} تصلي {فِيهِ} فِي مَسْجِد قبَاء {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ} أَن يغسلوا أدبارهم بِالْمَاءِ {وَالله يُحِبُّ المطهرين} بِالْمَاءِ من الأدناس

109

{أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ} بني أساسه {على تقوى مِنَ اللَّهِ} على طَاعَة الله وَذكره {وَرِضْوَانٍ} بنوا إِرَادَة رضوَان رَبهم وَهُوَ مَسْجِد قبَاء {خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ} بني أساسه وَهُوَ مَسْجِد الشقاق {على شَفَا جُرُفٍ} على طرف هوي وَلَيْسَ لَهُ أصل {هَارٍ} غَار {فانهار بِهِ} فغاربه يَعْنِي بانيه {فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَالله لاَ يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمين} لَا يغْفر لِلْمُنَافِقين وَلَا ينجيهم

110

{لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ} بَعْدَمَا هدمت {الَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً} حسرة وندامة {فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ} إِلَّا أَن يموتوا {وَالله عَلِيمٌ} ببنيانهم مَسْجِد الضرار وبنياتهم {حَكِيمٌ} فِيمَا حكم من هدم مَسْجِدهمْ وَحَرقه بعث إِلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد رُجُوعه من غَزْوَة تَبُوك عَامر بن قيس ووحشيا مولى مطعم ابْن عدي حَتَّى أحرقاه وَهَدَمَاهُ

111

{إِنَّ الله اشْترى مِنَ الْمُؤمنِينَ} المخلصين {أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجنَّة} بِالْجنَّةِ {يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيل الله}

فِي طَاعَة الله {فَيَقْتُلُونَ} الْعَدو {وَيُقْتَلُونَ} ويقتلهم الْعَدو {وَعْداً عَلَيْهِ} على الله {حَقّاً} وَاجِبا أَن يوفيهم {فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالْقُرْآن وَمَنْ أوفى بِعَهْدِهِ مِنَ الله} وَمن أوفر بوفاء عَهده من الله {فاستبشروا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ} الله يَعْنِي الْجنَّة {وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم} النَّجَاء الوافر

112

ثمَّ بيَّن من هم فَقَالَ {التائبون} أَي هم التائبون من الذُّنُوب {العابدون} المطيعون {الحامدون} الشاكرون {السائحون} الصائمون {الراكعون الساجدون} فِي الصَّلَوَات الْخمس {الآمرون بِالْمَعْرُوفِ} بِالتَّوْحِيدِ وَالْإِحْسَان {والناهون عَنِ الْمُنكر} عَن الْكفْر وَمَا لَا يعرف فِي شَرِيعَة وَلَا سنة {والحافظون لحدود الله} الْفَرَائِض الله {وَبَشِّرِ الْمُؤمنِينَ} بِالْجنَّةِ

113

{مَا كَانَ للنَّبِي} مَا جَازَ لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَالَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {أَن يَسْتَغْفِرُواْ} أَن يدعوا {لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قربى} فِي الرَّحِم {مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيم} أهل النَّار أَي مَاتُوا على الْكفْر

114

{وَمَا كَانَ اسْتِغْفَار إِبْرَاهِيمَ} أَي دُعَاء إِبْرَاهِيم {لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ} أَن يسلم {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ} أَي حِين مَاتَ على الْكفْر {تَبَرَّأَ مِنْهُ} وَمن دينه {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ} دعّاء وَيُقَال رَحِيم وَيُقَال سيد وَيُقَال كَانَ يتأوه على نَفسه فَيَقُول أوه من النَّار قبل دُخُول النَّار {حَلِيمٌ} عَن الْجَهْل

115

{وَمَا كَانَ الله لِيُضِلَّ قَوْماً} ليترك قوما بِمَنْزِلَة الضلال وَيُقَال ليبطل عمل قوم {بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ} للْإيمَان {حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ} الْمَنْسُوخ بالناسخ {إِنَّ الله بِكُلِّ شَيْءٍ} من الْمَنْسُوخ والناسخ {عَلِيمٌ}

116

{إِنَّ الله لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَات} خَزَائِن السَّمَوَات الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم وَغير ذَلِك {وَالْأَرْض} وخزائن الأَرْض مثل الشّجر وَالدَّوَاب وَالْجِبَال والبحار وَغير ذَلِك {يُحْيِي} للبعث {وَيُمِيتُ} فِي الدُّنْيَا {وَمَا لكم من دون الله} من عَذَاب الله {مِن وَلِيٍّ} قريب ينفعكم {وَلاَ نَصِيرٍ} مَانع

117

{لَقَدْ تَابَ الله على النَّبِي} تجَاوز الله عَن النَّبِي {والمهاجرين وَالْأَنْصَار} الَّذين صلوا إِلَى الْقبْلَتَيْنِ وشهدوا بَدْرًا ثمَّ بيَّنهم فَقَالَ {الَّذين اتَّبعُوهُ} اتبعُوا النَّبِي فِي غَزْوَة تَبُوك {فِي سَاعَةِ الْعسرَة} فِي حِين الْعسرَة والشدة وَكَانَت لَهُم عسرة من الزَّاد وعسرة من الظّهْر وعسرة من الْحر وعسرة من الْعَدو وعسرة من بعد الطَّرِيق {مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ} يمِيل {قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ} من الْمُؤمنِينَ المخلصين عَن الْخُرُوج مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ} تجَاوز عَنْهُم وَثَبت قُلُوبهم حَتَّى خَرجُوا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِنَّه بهم رؤوف رَحِيم}

118

{وَعَلَى الثَّلَاثَة الَّذين خُلِّفُواْ} وَتجَاوز عَن الثَّلَاثَة الَّذين خلف تَوْبَتهمْ كَعْب بن مَالك وَأَصْحَابه {حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْض بِمَا رَحُبَتْ} بسعتها {وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ}

قُلُوبهم بِتَأْخِير التَّوْبَة {وظنوا} علمُوا وأيقنوا {أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ الله} أَن لَا نجاة لَهُم من الله {إِلاَّ إِلَيْهِ} إِلَّا بِالتَّوْبَةِ إِلَيْهِ من تخلفهم عَن غَزْوَة تَبُوك {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ} تجَاوز عَنْهُم وَعَفا عَنْهُم {ليتوبوا} لكَي يتوبوا من تخلفهم {إِنَّ الله هُوَ التواب} المتجاوز {الرَّحِيم} لمن تَابَ

119

{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ} عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه وَغَيرهم من الْمُؤمنِينَ {اتَّقوا الله} أطِيعُوا الله فِيمَا أَمركُم {وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقين} مَعَ أبي بكر وَعمر وأصحابهما فِي الْجُلُوس وَالْخُرُوج بِالْجِهَادِ

120

{مَا كَانَ} مَا جَازَ {لأَهْلِ الْمَدِينَة وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِّنَ الْأَعْرَاب} من مزينة وجهينة وَأسلم {أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ الله} فِي الْغَزْوَة {وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنْفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ} لَا يَكُونُوا على أنفسهم أشق من نفس النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيُقَال وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفسِهِم بِصُحْبَة أنفسهم عَن صُحْبَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْجِهَاد {ذَلِك} الْخُرُوج {بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ} عَطش فِي الذّهاب والمجيء {وَلاَ نَصَبٌ} وَلَا تَعب {وَلاَ مَخْمَصَةٌ} وَلَا مجاعَة {فِي سَبِيل الله} فِي الْجِهَاد {وَلَا يطؤون مَوْطِئاً} لَا يجوزون مَكَانا يظهرون عَلَيْهِم {يَغِيظُ الْكفَّار} بذلك {وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً} قتلا وهزيمة {إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} ثَوَاب عمل صَالح فِي الْجِهَاد {إِنَّ الله لاَ يُضِيعُ} لَا يبطل {أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} ثَوَاب الْمُؤمنِينَ فِي الْجِهَاد

121

{وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً} قَليلَة وَلَا كَثِيرَة فِي الذّهاب والمجيء {وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِياً} فِي طلب الْعَدو {إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ} ثَوَاب عمل صَالح {لِيَجْزِيَهُمُ الله أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} فِي الْجِهَاد

122

{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ} مَا جَازَ للْمُؤْمِنين {لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً} يخرجُوا جَمِيعًا فِي السّريَّة ويتركوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَدِينَة وَحده {فَلَوْلاَ نَفَرَ} فَهَلا خرج {مِن كُلِّ فِرْقَةٍ} جمَاعَة {مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ} وَبَقِي طَائِفَة بِالْمَدِينَةِ {لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدّين} لكَي يتعلموا أَمر الدّين من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {ولينذروا} ليخبروا وليعلموا {قَوْمَهُمْ إِذَا رجعُوا إِلَيْهِمْ} من غزوتهم {لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} لكَي يعلمُوا مَا أمروا بِهِ وَمَا نهوا عَنهُ وَيُقَال نزلت هَذِه الْآيَة فِي بني آسد أَصَابَتْهُم سنة فَجَاءُوا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَدِينَةِ فأغلوا أسعار الْمَدِينَة وأفسدوا طرقها بالعذرات فنهاهم الله عَن ذَلِك

123

{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {قَاتِلُواْ الَّذين يَلُونَكُمْ مِّنَ الْكفَّار} من بني قُرَيْظَة وَالنضير وفدك وخيبر {وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ} مِنْكُم {غِلْظَةً} شدَّة {وَاعْلَمُوا} يَا معشر الْمُؤمنِينَ {أَنَّ الله مَعَ الْمُتَّقِينَ} معِين الْمُؤمنِينَ مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأَصْحَابه بالنصرة على أعدائهم

124

{وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ} آيَة فَيقْرَأ عَلَيْهِم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فَمِنْهُمْ} من الْمُنَافِقين {مَّن يَقُولُ} أَي يَقُول بَعضهم لبَعض {أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِه} السُّورَة وَالْآيَة {إِيمَاناً} خوفًا ورجاء ويقيناً بِمَا قَالَ مُحَمَّد {فَأَما الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأَصْحَابه {فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً} خوفًا ورجاء ويقيناً {وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} بِمَا أنزل الله من الْقُرْآن

125

{وَأَمَّا الَّذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} شكّ ونفاق {فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ}

شكا إِلَى شكهم بِمَا أنزل من الْقُرْآن {وماتوا وهم كافرون} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن فِي السِّرّ

126

{أَو لَا يَرَوْنَ} يَعْنِي الْمُنَافِقين {أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ} يبتلون بِإِظْهَار مَكْرهمْ وخيانتهم وَيُقَال بِنَقْض عَهدهم {فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ} من صنيعهم وَنقض عَهدهم {وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ} يتعظون

127

{وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ} نزل جِبْرِيل بِسُورَة فِيهَا عيب الْمُنَافِقين وَكَانَ يقْرَأ عَلَيْهِم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {نَّظَرَ} المُنَافِقُونَ {بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِّنْ أَحَدٍ} من المخلصين {ثُمَّ انصرفوا} عَن الصَّلَاة وَالْخطْبَة وَالْحق وَالْهدى {صَرَفَ الله قُلُوبَهُم} عَن الْحق وَالْهدى وَيُقَال مالوا عَن الْحق وَالْهدى فأمال الله قُلُوبهم عَن ذَلِك الِانْصِرَاف {بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ} أَمر الله وَلَا يصدقونه

128

{لَقَدْ جَآءَكُمْ} يَا أهل مَكَّة {رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ} عَرَبِيّ هاشمي مثلكُمْ {عَزِيزٌ عَلَيْهِ} شَدِيد عَلَيْهِ {مَا عنتم} مَا أتممتم {حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} على إيمَانكُمْ {بِالْمُؤْمِنِينَ} بِجَمِيعِ الْمُؤمنِينَ {رؤوف رَحِيم}

129

{فَإِن تَوَلَّوْاْ} عَن الْإِيمَان وَالتَّوْبَة وَمَا قلت لَهُم {فَقُلْ حَسْبِيَ الله} ثقتي بِاللَّه {لَا إِلَه إِلاَّ هُوَ} لَا حَافظ وَلَا نَاصِر إِلَّا هُوَ {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} اتكلت ووثقت {وَهُوَ رب الْعَرْش} السرير {الْعَظِيم} الْكَبِير وَمن السُّورَة الَّتِي يذكر فِيهَا يُونُس وَهِي كلهَا مَكِّيَّة إِلَّا آيَة وَاحِدَة عِنْد رَأس لأربعين فَإِنَّهَا نزلت فِي الْيَهُود فَهِيَ مَدَنِيَّة وَهِي قَول الله عز وَجل {وَمِنْهُم من يُؤمن بِهِ وَمِنْهُم من لَا يُؤمن بِهِ} الْآيَة وآياتها مائَة وتسع آيَات وكلماتها ألف وَثَمَانمِائَة وَاثْنَانِ وحروفها سِتَّة آلَاف وَخَمْسمِائة وَسَبْعَة وَسِتُّونَ {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم} tit/2 /tit

يونس

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {الر} يَقُول أَنا الله أرى وَيُقَال قسم أقسم بِهِ {تِلْكَ آيَات الْكتاب الْحَكِيم} إِن هَذِه السُّورَة آيَات الْقُرْآن الْمُحكم بالحلال وَالْحرَام

2

{أَكَانَ لِلنَّاسِ} لأهل مَكَّة {عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَآ} بِأَن أَوْحَينَا {إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ} آدَمِيّ مثلهم {أَنْ أَنذِرِ النَّاس} أَن خوف أهل مَكَّة بِالْقُرْآنِ {وَبَشِّرِ الَّذين آمنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ} ثَوَاب خير وَيُقَال إِيمَانهم فِي الدُّنْيَا قدمهم فِي الْآخِرَة عِنْد رَبهم وَيُقَال إِن لَهُم نَبِي صدق وَيُقَال شَفِيع صدق {عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ} كفار مَكَّة {إِنَّ هَذَا} الْقُرْآن {لَسَاحِرٌ} كذب {مُّبِينٌ}

3

{إِنَّ رَبَّكُمُ الله الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} من أَيَّام أول الدُّنْيَا أول يَوْم يَوْم الْأَحَد وَآخر يَوْم يَوْم الْجُمُعَة طول كل يَوْم ألف سنة {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش} اسْتَقر وَيُقَال امْتَلَأَ بِهِ الْعَرْش {يُدَبِّرُ الْأَمر} أَمر الْعباد وَيُقَال ينظر فِي أَمر الْعباد وَيُقَال يبْعَث الْمَلَائِكَة بِالْوَحْي والتنزيل والمصيبة {مَا مِن شَفِيعٍ} مَا من ملك مقرب وَلَا نَبِي مُرْسل يشفع لأحد {إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ} إِلَّا بِإِذن الله {ذَلِكُم الله رَبُّكُمْ} الَّذِي يفعل ذَلِك هُوَ ربكُم

{فاعبدوه} فوحدوه {أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} أَفلا تتعظون

4

{إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ} بعد الْمَوْت {جَمِيعاً وَعْدَ الله حَقّاً} صدقا كَائِنا {إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخلق} من النُّطْفَة {ثُمَّ يُعِيدُهُ} بعد الْمَوْت {لِيَجْزِيَ الَّذين آمَنُواْ} بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {بِالْقِسْطِ} بِالْعَدْلِ الْجنَّة {وَالَّذين كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ} من مَاء حَار قد انْتهى حره {وَعَذَابٌ أَلِيمٌ} وجيع يخلص وَجَعه إِلَى قُلُوبهم (بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ) بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن

5

{هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْس ضِيَآءً} للْعَالمين بِالنَّهَارِ {وَالْقَمَر نُوراً} لَهُم بِاللَّيْلِ {وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ} جعل لَهُ منَازِل {لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السنين والحساب} حِسَاب الشُّهُور وَالْأَيَّام {مَا خَلَقَ الله ذَلِك إِلاَّ بِالْحَقِّ} لبَيَان الْحق وَالْبَاطِل {يُفَصِّلُ الْآيَات} يبين الْآيَات من الْقُرْآن لعلامات الوحدانية {لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} يصدقون

6

{إِنَّ فِي اخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار} فِي تقلب اللَّيْل وَالنَّهَار وزيادتهما ونقصانهما وذهابهما ومجيئهما {وَمَا خَلَقَ الله فِي السَّمَاوَات} وَفِيمَا خلق الله من الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم وَغير ذَلِك {وَالْأَرْض} من الشّجر وَالدَّوَاب وَالْجِبَال والبحار وَغير ذَلِك {لآيَاتٍ} لعلامات لوحدانية الرب {لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ} يطيعون

7

{إِنَّ الَّذين لاَ يَرْجُونَ} لَا يخَافُونَ {لِقَآءَنَا} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت وَيُقَال لَا يقرونَ بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت {وَرَضُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا} اخْتَارُوا مَا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا على الْآخِرَة {واطمأنوا بِهَا} رَضوا بهَا {وَالَّذين هُمْ عَنْ آيَاتِنَا} عَن مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن {غَافِلُونَ} جاحدون تاركون لَهَا

8

{أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ} مصيرهم {النَّار بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} يَقُولُونَ ويعملون فِي الشّرك

9

{إِن الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {يَهْدِيهِمْ} يدخلهم {رَبُّهُمْ} الْجنَّة {بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ} من تَحت شجرهم ومساكنهم {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {فِي جَنَّاتِ النَّعيم}

10

{دَعْوَاهُمْ} قَوْلهم {فِيهَا} فِي الْجنَّة إِن اشتهوا شَيْئا {سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ} فتأتي لَهُم الخدام بِمَا يشتهون {وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ} يحيي بَعضهم بَعْضًا بِالسَّلَامِ {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ} قَوْلهم بعد الْأكل وَالشرب {أَنِ الْحَمد للَّهِ رَبِّ الْعَالمين}

11

{وَلَوْ يُعَجِّلُ الله لِلنَّاسِ الشَّرّ} دعاءهم بِالشَّرِّ {استعجالهم بِالْخَيرِ} كاستعجال دُعَائِهِمْ بِالْخَيرِ {لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} لهلكوا {فَنَذَرُ الَّذين لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا} لَا يخَافُونَ الْبَعْث بعد الْمَوْت {فِي طُغْيَانِهِمْ} فِي كفرهم وضلالتهم {يعمهون} يمضون عمهة لَا يبصرون

12

{وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَان الضّر} إِذا أصَاب الْكَافِر الشدَّة أَو الْمَرَض وَهُوَ هِشَام بن الْمُغيرَة المَخْزُومِي {دَعَانَا لِجَنبِهِ} مُضْطَجعا {أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ}

رفعنَا مَا كَانَ بِهِ من الشدَّة وَالْبَلَاء {مَرَّ} اسْتمرّ على ترك الدُّعَاء {كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إِلَى ضُرٍّ} إِلَى شدَّة {مَّسَّهُ} أَصَابَهُ {كَذَلِك} هَكَذَا {زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ} للْمُشْرِكين {مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} فِي الشّرك من الدُّعَاء فِي الشدَّة وَترك الدُّعَاء فِي الرخَاء

13

{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُون مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ} حِين كفرُوا {وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ} بِالْأَمر وَالنَّهْي والعلامات {وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ} يَقُول لم يُؤمنُوا بِمَا كذبُوا بِهِ يَوْم الْمِيثَاق {كَذَلِك} هَكَذَا {نَجْزِي الْقَوْم الْمُجْرمين} الْمُشْركين بِالْهَلَاكِ

14

{ثمَّ جَعَلْنَاكُمْ} يَا أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {خَلاَئِفَ} استخلفناكم {فِي الأَرْض مِن بَعْدِهِم} من بعد هلاكهم {لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} مَاذَا تَعْمَلُونَ من الْخَيْر

15

{وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ} تقْرَأ على الْمُسْتَهْزِئِينَ الْوَلِيد بن الْمُغيرَة وَأَصْحَابه {آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ} مبينات بِالْأَمر وَالنَّهْي {قَالَ الَّذين لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا} لَا يخَافُونَ الْبَعْث بعد الْمَوْت وهم مستهزئون {ائْتِ} يَا مُحَمَّد {بقرآن غير هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ} غَيره فَاجْعَلْ آيَة الرَّحْمَة آيَة الْعَذَاب وَآيَة الْعَذَاب آيَة الرَّحْمَة {قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {مَا يَكُونُ لي} مَا يجوز لي {أَنْ أُبَدِّلَهُ} أَن أغيره {مِن تِلْقَآءِ نَفسِي} من قبل نَفسِي {إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحى إِلَيَّ} مَا أَقُول وَمَا أعمل إِلَّا بِمَا يُوحى إِلَيّ فِي الْقُرْآن {إِنِّي أَخَافُ} أعلم {إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي} فبدلته أَن يكون على {عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} شَدِيد

16

{قُل} يَا مُحَمَّد {لَّوْ شَآءَ الله} أَن لَا أكون رَسُولا {مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ} مَا قَرَأت الْقُرْآن عَلَيْكُم {وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ} يَقُول وَلَا أعلمكُم بِهِ بِالْقُرْآنِ {فَقَدْ لَبِثْتُ} مكثت {فِيكُمْ عُمُراً} أَرْبَعِينَ سنة {مِّن قَبْلِهِ} من قبل الْقُرْآن وَلم أقل من هَذَا شَيْئا {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} أفليس لكم ذهن الإنسانية أَنه لَيْسَ من تِلْقَاء نَفسِي

17

{فَمن أظلم} أَعْتَى وَأَجرا على الله {مِمَّن افترى} اختلق {عَلَى الله كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بآياته} بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن {إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ} لَا ينجو وَلَا يَأْمَن {المجرمون} الْمُشْركُونَ من عَذَاب الله

18

{وَيَعْبُدُونَ} كفار مَكَّة {مِن دُونِ الله مَا لاَ يَضُرُّهُمْ} إِن لم يعبدوا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة {وَلاَ يَنفَعُهُمْ} إِن عبدُوا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة {وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ} يعنون الْأَوْثَان {شُفَعَاؤُنَا} يشفعون لنا {عِندَ الله قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {أَتُنَبِّئُونَ الله} أتخبرون الله {بِمَا لاَ يَعْلَمُ} أَن لَيْسَ {فِي السَّمَاوَات وَلاَ فِي الأَرْض} إِلَه ينفع أَو يضر غَيره {سُبْحَانَهُ} نزه نَفسه عَن الْوَلَد وَالشَّرِيك {وَتَعَالَى} ارْتَفع وتبرأ {عَمَّا يُشْرِكُونَ} بِهِ من الْأَوْثَان

19

{وَمَا كَانَ النَّاس} فِي زمَان إِبْرَاهِيم وَيُقَال فِي زمن نوح {إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً} على مِلَّة وَاحِدَة مِلَّة الْكفْر فَبعث الله النَّبِيين مبشرين ومنذرين {فَاخْتَلَفُوا} فصاروا مُؤمنين وكافرين {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ} بِتَأْخِير الْعَذَاب عَن هَذِه الْأمة {سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ} وَجَبت من رَبك {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} لهلكوا {فِيمَا فِيهِ} فِي الدّين {يَخْتَلِفُونَ} يخالفون

20

{وَيَقُولُونَ} يَعْنِي كفار مَكَّة {لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ} هلا أنزل على مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام {آيَة} عَلامَة

{مِّن رَّبِّهِ} على مَا يَقُول {فَقُلْ} يَا مُحَمَّد {إِنَّمَا الْغَيْب} بنزول الْآيَة {لِلَّهِ فانتظروا} هلاكي {إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ المنتظرين} لهلاككم

21

{وَإِذَآ أَذَقْنَا النَّاس} أعطينا الْكفَّار {رَحْمَةً} نعْمَة {مِّن بَعْدِ ضَرَّآءَ} شدَّة {مَسَّتْهُمْ} أَصَابَتْهُم {إِذَا لَهُم مكر} تَكْذِيب {فِي آيَاتنَا} بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن {قُلِ الله أَسْرَعُ مَكْراً} أَشد عُقُوبَة أهلكهم الله يَوْم بدر {إِنَّ رُسُلَنَا} الْحفظَة {يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ} مَا تَقولُونَ من الْكَذِب وتعملون من الْمعاصِي

22

{هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ} يحفظكم إِذا سافرتم {فِي الْبر} على الدَّوَابّ {وَالْبَحْر} وَفِي الْبَحْر فِي السفن {حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفلك} ركبتم فِي السفن {وَجَرَيْنَ بِهِم} جرت السفن بِأَهْلِهَا {بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ} لينَة سَاكِنة {وَفَرِحُواْ بِهَا} أعجب الملاحون بِالرِّيحِ الساكنة {جَآءَتْهَا} أَي السفن {رِيحٌ عَاصِفٌ} قاصف شَدِيد {وَجَآءَهُمُ الموج} ركبهمْ الموج {مِن كُلِّ مَكَانٍ} نَاحيَة {وظنوا} علمُوا وأيقنوا {أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ} أهلكوا {دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدّين} مفردين لَهُ بِالدُّعَاءِ {لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِه} الرّيح والشدة {لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} من الْمُؤمنِينَ المطيعين

23

{فَلَمَّآ أَنجَاهُمْ} من الرّيح وَالْغَرق {إِذَا هُمْ يَبْغُونَ} يتطاولون {فِي الأَرْض بِغَيْرِ الْحق} بِلَا حق {يَا أَيهَا النَّاس} يَا أهل مَكَّة {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ} ظلمكم وتطاولكم فِيمَا بَيْنكُم {على أَنفُسِكُمْ} جِنَايَته {مَّتَاعَ الْحَيَاة الدُّنْيَا} مَنَافِع الدُّنْيَا تفنى وَلَا تبقى {ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ} بعد الْمَوْت {فَنُنَبِّئُكُمْ} نخبركم {بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} وتقولون من الْخَيْر وَالشَّر

24

{إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاة الدُّنْيَا} فِي بَقَائِهَا وفنائها {كَمَآءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السمآء} يَعْنِي الْمَطَر {فاختلط بِهِ نَبَاتُ الأَرْض} اخْتَلَط بنبات الأَرْض {مِمَّا يَأْكُلُ النَّاس} الْحُبُوب وَالثِّمَار {والأنعام} العكوش من النَّبَات والحشيش {حَتَّى إِذَآ أَخَذَتِ الأَرْض زُخْرُفَهَا} زينتها {وازينت} بالأحمر والأصفر والأخضر {وَظَنَّ أَهْلُهَآ} الحراثون {أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ} على غلاتها {أَتَاهَآ أَمْرُنَا} عذابنا {لَيْلاً أَوْ نَهَاراً} كَأَنَّمَا داست الْغنم فِي خفافها فأفسد زروع الزارعين {فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً} كحصيد الصَّيف {كَأَن لَّمْ تَغْنَ بالْأَمْس} لم تكن بالْأَمْس {كَذَلِك} هَكَذَا {نُفَصِّلُ الْآيَات} نبين الْقُرْآن فِي فنَاء الدُّنْيَا {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} فِي أَمر الدُّنْيَا والاخرة

25

{وَالله يَدْعُو} الْخلق بِالتَّوْحِيدِ {إِلَى دَارِ السَّلَام} وَالسَّلَام هُوَ الله وَالْجنَّة دَاره {وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم} دين قَائِم يرضاه وَهُوَ الْإِسْلَام

26

{لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحسنى} وحدوا الْحسنى الْجنَّة {وَزِيَادَةٌ} يَعْنِي النّظر إِلَى وَجه الله وَيُقَال الزِّيَادَة فِي الثَّوَاب

{وَلاَ يَرْهَقُ} لَا يَعْلُو {وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ} سَواد وَلَا كسوف {وَلاَ ذِلَّةٌ} وَلَا كآبة {أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجنَّة} أهل الْجنَّة {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}

27

{وَالَّذين كَسَبُواْ السَّيِّئَات} الشّرك بِاللَّه {جَزَآءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا} يَقُول جَزَاء قصاص الشّرك بِاللَّه النَّار {وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} تعلوهم كآبة وكسوف {مَّا لَهُمْ مِّنَ الله} من عَذَاب الله {مِنْ عَاصِمٍ} من مَانع {كَأَنَّمَا} من الْحزن {أُغْشِيَتْ} ألبست {وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِّنَ اللَّيْل} من السوَاد {مُظْلِماً أُولَئِكَ أَصْحَاب النَّار} أهل النَّار {هم فِيهَا خَالدُونَ} دائمون

28

{وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ} الْكفَّار وآلهتهم {جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ للَّذين أشركوا} بِاللَّه الْأَوْثَان {مَكَانكُمْ} قفوا {أَنْتُم وشركاؤكم} آلهكم {فَزَيَّلْنَا} فرقنا {بَيْنَهُمْ} وَبَين آلِهَتهم فَقَالَ الْكَافِرُونَ أمرنَا هَؤُلَاءِ أَن نعبدهم من دُونك {وَقَالَ شُرَكَآؤُهُمْ} آلِهَتهم ردا عَلَيْهِم {مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ} بأمرنا فَقَالُوا بلَى أمرتمونا بعبادتكم

29

فَقَالَت الْآلهَة {فَكفى بِاللَّه شَهِيداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا} قد كُنَّا {عَنْ عِبَادَتِكُمْ} إيّانا {لَغَافِلِينَ} لجاهلين لم نعلم من ذَلِك شَيْئا

30

{هُنَالك} عِنْد ذَلِك {تبلو} تعلم وَإِن قَرَأت بِالتَّاءِ تَقول تقْرَأ {كُلُّ نَفْسٍ مَّآ أَسْلَفَتْ} مَا عملت من خير أَو شَرّ {وردوا إِلَى الله مَوْلاَهُمُ الْحق} إلههم الْحق {وَضَلَّ عَنْهُمْ} بَطل عَنْهُم واشتغل عَنْهُم {مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} يعْبدُونَ بِالْكَذِبِ

31

{قُلْ} يَا مُحَمَّد لكفار أهل مَكَّة {مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السمآء} بالمطر {وَالْأَرْض} بالنبات وَالثِّمَار {أم من يَمْلِكُ السّمع والأبصار} يَقُول من يقدر أَن يخلق السّمع والأبصار {وَمَن يُخْرِجُ الْحَيّ مِنَ الْمَيِّت} من يقدر أَن يخرج الْحَيّ من الْمَيِّت يَعْنِي النَّسمَة وَالدَّوَاب من النُّطْفَة وَيُقَال الطير من الْبَيْضَة وَيُقَال السنبلة من الْحبّ {وَيُخْرِجُ الْمَيِّت مِنَ الْحَيّ} النُّطْفَة من النَّسمَة وَالدَّوَاب وَيُقَال الْبَيْضَة من الطير وَيُقَال الْحبَّة من السنبلة {وَمَن يُدَبِّرُ الْأَمر} من يقدر أَن يدبر أَمر الْعباد وَينظر فِي أَمر الْعباد وَيبْعَث الْمَلَائِكَة بِالْوَحْي والتنزيل والمصيبة {فَسَيَقُولُونَ الله فَقُلْ} يَا مُحَمَّد {أَفَلاَ تَتَّقُونَ} تطيعون الله

32

{فَذَلِكُمُ الله رَبُّكُمُ} فَالَّذِي يفعل ذَلِك هُوَ ربكُم {الْحق} هُوَ الْحق وعبادته الْحق {فَمَاذَا بَعْدَ الْحق إِلاَّ الضلال} فَمَاذَا عبادتكم بعد عبَادَة الله إِلَّا عبَادَة الشَّيْطَان {فَأنى تُصْرَفُونَ} من أَيْن تكذبون على الله

33

{كَذَلِكَ} هَكَذَا {حَقَّتْ} وَجَبت {كَلِمَةُ رَبِّكَ} بِالْعَذَابِ {عَلَى الَّذين فسقوا} كفرُوا {أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} فِي علم الله

34

{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ} من آلِهَتكُم {مَّن يَبْدَأُ الْخلق} من النُّطْفَة وَيجْعَل فِيهِ الرّوح {ثُمَّ يُعِيدُهُ} بعد الْمَوْت يَوْم الْقِيَامَة فَإِن أجابوك وَإِلَّا ف {قُلِ الله يَبْدَأُ الْخلق} من النُّطْفَة {ثُمَّ يُعِيدُهُ} ثمَّ يحييه يَوْم الْقِيَامَة {فَأنى تُؤْفَكُونَ} فَمن أَيْن تكذبون وَيُقَال انْظُر يَا مُحَمَّد كَيفَ يصرفون بِالْكَذِبِ

35

{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ} من آلِهَتكُم {مَّن يهدي إِلَى الْحق} وَالْهدى فَإِن أجابوك وَإِلَّا

{قُلِ الله يَهْدِي لِلْحَقِّ} وَالْهدى {أَفَمَن يهدي إِلَى الْحق} وَالْهدى {أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ} أَن يعبد ويطاع {أم من لاَّ يهدي} إِلَى الْحق وَالْهدى {إِلاَّ أَن يهدى} يحمل فَيذْهب بِهِ حَيْثُ يَشَاء {فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} بئس مَا تقضون بِهِ لأنفسكم

36

{وَمَا يَتَّبِعُ} يعبد {أَكْثَرُهُمْ} آلِهَة {إِلاَّ ظَنّاً} إِلَّا بِالظَّنِّ {إِنَّ الظَّن} عِبَادَتهم بِالظَّنِّ {لاَ يُغْنِي مِنَ الْحق} من عَذَاب الله {شَيْئاً إِنَّ الله عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} فِي الشّرك من عبَادَة الْأَوْثَان وَغير ذَلِك

37

{وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآن} الَّذِي يقْرَأ عَلَيْكُم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {أَن يفترى} أَن يختلق {مِن دُونِ الله وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} مُوَافق للتوراة وَالْإِنْجِيل وَالزَّبُور وَسَائِر الْكتب بِالتَّوْحِيدِ وَصفَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته {وَتَفْصِيلَ الْكتاب} تبيان الْقُرْآن بالحلال وَالْحرَام وَالْأَمر وَالنَّهْي {لاَ رَيْبَ فِيهِ} لَا شكّ فِيهِ {مِن رَّبِّ الْعَالمين} من سيد الْعَالمين

38

{أَمْ يَقُولُونَ} بل يَقُولُونَ كفار مَكَّة {افتراه} اختلق مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقُرْآن من تِلْقَاء نَفسه {قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ} مثل سُورَة الْقُرْآن {وَادعوا مَنِ اسْتَطَعْتُم} اسْتَعِينُوا على ذَلِك من عَبدْتُمْ {مِّن دُونِ الله إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} أَن مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يختلقه من تِلْقَاء نَفسه

39

{بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ} بِمَا لم يدْرك علمهمْ {وَلَمَّا يَأْتِهِمْ} لم يَأْتهمْ {تَأْوِيلُهُ} عَاقِبَة مَا وعدهم فِي الْقُرْآن {كَذَلِكَ} كَمَا كَذبك قَوْمك بالكتب وَالرسل {كَذَّبَ الَّذين مِن قَبْلِهِمْ} بالكتب وَالرسل {فَانْظُر} يَا مُحَمَّد {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمين} كَيفَ صَار آخر أَمر الْمُشْركين المكذبين بالكتب وَالرسل من عبَادَة الله شَيْئا وَيُقَال وَهَذَا تَعْزِيَة من الله عز وَجل لنَبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كي يصبر على أذاهم

40

{وَمِنهُمْ} من الْيَهُود {مَّن يُؤْمِنُ بِهِ} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن قبل مَوته {وَمِنْهُمْ} من الْيَهُود {مَّن لَا يُؤمن بِهِ} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وَيَمُوت على الْكفْر {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بالمفسدين} باليهود بِمن يُؤمن وبمن لَا يُؤمن وَيُقَال نزلت هَذِه الْآيَة فِي الْمُشْركين

41

{وَإِن كَذَّبُوكَ} يَا مُحَمَّد قَوْمك بِمَا تَقول لَهُم {فَقُل لِّي عَمَلِي} وديني {وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ} ودينكم {أَنْتُم بريئون مِمَّا أعمل} وأدين {وَأَنا بَرِيء مِّمَّا تَعْمَلُونَ} وتدينون

42

{وَمِنْهُمْ} من الْيَهُود {مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} إِلَى كلامك وحديثك وَيُقَال من مُشْركي الْعَرَب من يستمع إِلَى كلامك وحديثك {أَفَأَنتَ تُسْمِعُ} يَا مُحَمَّد {الصم} من كَأَنَّهُ أَصمّ {وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ} وَمَعَ ذَلِك لَا يُرِيدُونَ أَن يعقلوا

43

{وَمِنهُمْ} من الْيَهُود وَيُقَال من الْمُشْركين {مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي} ترشد إِلَى الْهدى {الْعمي} من كَأَنَّهُ أعمى {وَلَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ} وَمَعَ ذَلِك لَا يُرِيدُونَ أَن يبصروا الْحق وَالْهدى

44

{إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ النَّاس شَيْئاً} لَا ينقص من حسناتهم وَلَا يزِيد على سيئاتهم {وَلَكِن النَّاس أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} بالْكفْر والشرك والمعاصي

45

{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ} يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكين {كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوا} فِي الْقُبُور {إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَار يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ} يعرف بَعضهم بَعْضًا فِي بعض المواطن وَلَا يعرف بَعضهم بَعْضًا فِي بعض المواطن {قَدْ خَسِرَ} غبن {الَّذين كَذَّبُواْ بلقاء الله}

بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت بذهاب الدُّنْيَا وَالْآخِرَة {وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ} من الْكفْر والضلالة

46

{وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ} يَا مُحَمَّد {بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ} من الْعَذَاب {أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ} قبل أَن نرينك يَا مُحَمَّد مَا نعدهم من الْعَذَاب {فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ} بعد الْمَوْت {ثُمَّ الله شَهِيدٌ على مَا يَفْعَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر

47

{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ} لكل أهل دين {رَّسُولٌ} يَدعُوهُم إِلَى الله وَإِلَى دينه {فَإِذَا جَآءَ} هم {رَسُولُهُمْ} فكذبوا {قُضِيَ بَيْنَهُمْ} وَبَين الرَّسُول {بِالْقِسْطِ} بِالْعَدْلِ بِهَلَاك الْقَوْم وَنَجَاة الرَّسُول {وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} لَا ينقص من حسناتهم وَلَا يُزَاد على سيئاتهم

48

{وَيَقُولُونَ} وَقَالَ كل أهل دين لرسولهم {مَتى هَذَا الْوَعْد} الَّذِي تعدنا {إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} إِن كنت من الصَّادِقين

49

{قُل} لَهُم يَا مُحَمَّد {لاَّ أَمْلِكُ} لَا أقدر {لِنَفْسِي ضَرّاً} دفع الضّر {وَلاَ نَفْعاً} وَلَا جر النَّفْع {إِلاَّ مَا شَآءَ الله} من الضّر والنفع {لِكُلِّ أُمَّةٍ} لكل أهل دين {أَجَلٌ} مهلة وَوقت {إِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ} وَقت هلاكهم {فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً} قدر سَاعَة بعد الْأَجَل {وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} قبل الْأَجَل

50

{قُلْ} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ} عَذَاب الله {بَيَاتاً} لَيْلًا {أَوْ نَهَاراً} كَيفَ تَصْنَعُونَ {مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ} بِمَاذَا يستعجل {مِنْهُ} من عَذَاب الله {المجرمون} الْمُشْركُونَ

51

قَالُوا نؤمن قُلْ لَهُم يَا مُحَمَّد {أَثُمَّ إِذا مَا وَقع} يَقُول إِذا مَا أنزل عَلَيْكُم الْعَذَاب {آمَنْتُمْ بِهِ} قَالُوا نعم قُلْ لَهُم يَا مُحَمَّد يُقَال لكم {الآنَ} تؤمنون بِالْعَذَابِ {وَقَدْ كُنتُم بِهِ} بِالْعَذَابِ {تَسْتَعْجِلُونَ} قبل هَذَا استهزاء بِهِ

52

{ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ} أشركوا {ذُوقُواْ عَذَابَ الْخلد هَلْ تُجْزَوْنَ} فِي الْآخِرَة {إِلاَّ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ} تَقولُونَ وتعملون فِي الدُّنْيَا

53

{وَيَسْتَنْبِئُونَكَ} يستخبرونك يَا مُحَمَّد {أَحَقٌّ هُوَ} يَعْنِي الْعَذَاب وَالْقُرْآن {قُلْ إِي وربي} نعم وربي {إِنَّهُ لَحَقٌّ} صدق كَائِن يَعْنِي الْعَذَاب {وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ} بفائتين من عَذَاب الله

54

{وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ} أشركت بِاللَّه {مَا فِي الأَرْض} لاَفْتَدَتْ بِهِ لفادت بِهِ نَفسهَا من عَذَاب الله {وَأَسَرُّواْ الندامة} أخفوا الندامة الرؤساء من السفلة {لَمَّا رَأَوُاْ الْعَذَاب} حِين رَأَوْا الْعَذَاب {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} وَبَين السفلة {بِالْقِسْطِ} وَالْعدْل {وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} لَا ينقص من حسناتهم شَيْء وَلَا يُزَاد على سيئاتهم

55

{أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} من الْخلق والعجائب {أَلاَ إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ} كَائِن الْبَعْث بعد الْمَوْت {وَلَكِن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} لَا يصدقون

56

{هُوَ يُحْيِي} للبعث {وَيُمِيتُ} فِي الدُّنْيَا {وَإِلَيْهِ ترجعون} بعد الْمَوْت

57

{يَا أَيُّهَا النَّاس} يَا أهل مَكَّة {قَدْ جَآءَتْكُمْ مَّوْعِظَةٌ} نهي {مِّن رَّبِّكُمْ} مِمَّا أَنْتُم فِيهِ {وَشِفَآءٌ} بَيَان {لِّمَا فِي الصُّدُور} من الْعَمى {وَهُدًى} من الضَّلَالَة {وَرَحْمَةٌ} من الْعَذَاب {للْمُؤْمِنين}

58

{قُلْ} يَا مُحَمَّد لأصحابك {بِفَضْلِ الله} الْقُرْآن الَّذِي أكْرمكُم بِهِ {وَبِرَحْمَتِهِ} الْإِسْلَام الَّذِي وفقكم بِهِ {فَبِذَلِكَ} بِالْقُرْآنِ وَالْإِسْلَام {فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ} يَعْنِي الْقُرْآن وَالْإِسْلَام {مِّمَّا يَجْمَعُونَ} مِمَّا يجمع الْيَهُود وَالْمُشْرِكُونَ من الْأَمْوَال

59

{قل} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {أَرَأَيْتُم مآ أَنزَلَ الله لَكُمْ} مَا خلق الله لكم {مِّن رِّزْقٍ} من حرث وأنعام {فَجَعَلْتُمْ مِّنْهُ} فقلتم وفعلتم {حَرَاماً} على النِّسَاء مَنْفَعَتهَا يَعْنِي مَنْفَعَة الْبحيرَة والسائبة والحام {وَحَلاَلاً} للرِّجَال {قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ} أَمر ربكُم بذلك {أَمْ عَلَى الله} بل على الله {تَفْتَرُونَ} تختلقون الْكَذِب

60

{وَمَا ظَنُّ الَّذين يَفْتَرُونَ} يختلقون {عَلَى الله الْكَذِب} مَاذَا يفعل بهم {يَوْمَ الْقِيَامَة إِنَّ الله لَذُو فَضْلٍ} منٍّ {عَلَى النَّاس} بِتَأْخِير الْعَذَاب {وَلَكِن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ} بذلك وَلَا يُؤمنُونَ

61

{وَمَا تكون} {فِي شَأْن} فِي أَمر {وَمَا تتلو} عَلَيْهِم {مِنْهُ مِن قُرْآنٍ} سُورَة أَو آيَة {وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ} خير أَو شَرّ {إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ} وعَلى أَمركُم وتلاوتكم وعملكم {شُهُوداً} عَالما {إِذْ تُفِيضُونَ} تخوضون {فِيهِ} فِي الْقُرْآن بالتكذيب {وَمَا يَعْزُبُ} مَا يغيب {عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ} وزن نملة حَمْرَاء من أَعمال الْعباد {فِي الأَرْض وَلاَ فِي السمآء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِك} وَلَا أخف من ذَلِك {وَلَا أَكْبَرَ} وَلَا أثقل {إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} مَكْتُوب فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ

62

{أَلا إِنَّ أَوْلِيَآءَ الله} الْمُؤمنِينَ {لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِم} فِيمَا يستقبلهم من الْعَذَاب {وَلَا هم يَحْزَنُونَ} على مَا خلفوا من خَلفهم

63

ثمَّ بَين من هم فَقَالَ {الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش

64

{لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} بالرؤيا الصَّالِحَة يرونها أَو ترى لَهُم {وَفِي الْآخِرَة} بِالْجنَّةِ {لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ الله} بِالْجنَّةِ {ذَلِك} الْبُشْرَى {هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم} النجَاة الوافرة فازوا بِالْجنَّةِ وَمَا فِيهَا ونجوا من النَّار وَمَا فِيهَا

65

{وَلاَ يَحْزُنكَ} يَا مُحَمَّد {قَوْلُهُمْ} تكذيبهم إياك {إِنَّ الْعِزَّة} وَالْقُدْرَة والمنعة {لِلَّهِ جَمِيعاً} بهلاكهم {هُوَ السَّمِيع} لمقالتهم {الْعَلِيم} بفعلهم وعقوبتهم

66

{أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَن فِي السَّمَاوَات وَمَنْ فِي الأَرْض} من لخلق يحولهم كَيفَ يَشَاء {وَمَا يَتَّبِعُ} يعبد {الَّذين يَدْعُونَ} يعْبدُونَ {مِن دُونِ الله شُرَكَآءَ} آلِهَة من الْأَوْثَان {إِن يَتَّبِعُونَ} مَا يعْبدُونَ {إِلاَّ الظَّن} إِلَّا بِالظَّنِّ بِغَيْر يَقِين {وَإِنْ هُمْ} مَا هم يَعْنِي الرؤساء {إِلاَّ يَخْرُصُونَ} يكذبُون للسفلة

67

{هُوَ الَّذِي} أَي إِلَهكُم هُوَ الَّذِي {جَعَلَ لَكُمُ} خلق لكم {اللَّيْل لِتَسْكُنُواْ فِيهِ} لتستقروا فِيهِ {وَالنَّهَار مُبْصِراً} مضيئاً للذهاب والمجيء {إِنَّ فِي ذَلِك} فِيمَا ذكرت {لآيَاتٍ} لعبرات {لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} مواعظ الْقُرْآن ويطيعون

68

{قَالُواْ} كفار مَكَّة {اتخذ الله وَلَداً} من الْمَلَائِكَة الْإِنَاث {سُبْحَانَهُ} نزه نَفسه عَن الْوَلَد وَالشَّرِيك {هُوَ الْغَنِيّ} عَن الْوَلَد وَالشَّرِيك {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض} من الْخلق والعجائب {إِن عنْدكُمْ} ماعندكم {من سُلْطَان} من كتاب وَلَا حجَّة {بِهَذَا} بِمَا تَقولُونَ على الله من الْكَذِب {أَتقُولُونَ عَلَى الله} بل تَقولُونَ على الله {مَا لاَ تَعْلَمُونَ} ذَلِك من الْكَذِب

69

{قُلْ} يَا مُحَمَّد {إِنَّ الَّذين يَفْتَرُونَ} يَخْتَلِفُونَ {على الله الْكَذِب لَا يفلحون} لَا ينجون من عَذَاب الله وَلَا يأمنون

70

{مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا} يعيشون فِي الدُّنْيَا قَلِيلا {ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ} بعد الْمَوْت {ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَاب الشَّديد} الغليظ {بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ويكذبون على الله

71

{واتل عَلَيْهِمْ} اقْرَأ عَلَيْهِم {نَبَأَ} خبر {نُوحٍ} بِالْقُرْآنِ {إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قوم إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ} عظم عَلَيْكُم {مَّقَامِي} طول مقَامي ومكاني {وَتَذْكِيرِي} وتحذيري إيَّاكُمْ {بِآيَاتِ الله} من عَذَاب الله {فَعَلَى الله تَوَكَّلْتُ} وثقت وفوضت أَمْرِي إِلَى الله {فَأَجْمعُوا أَمْرَكُمْ} فَاجْتمعُوا على قَول وَأمر وَاحِد {وَشُرَكَآءَكُمْ} اسْتَعِينُوا بآلهتكم {ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً} لَا تلبسوا أَمركُم وقولكم على أَنفسكُم {ثُمَّ اقضوا إِلَيَّ} امضوا إِلَيّ {وَلاَ تُنظِرُونَ} وَلَا ترقبون

72

{فَإِن تَوَلَّيْتُمْ} عَن الْإِيمَان بِمَا جِئتُكُمْ بِهِ {فَمَا سَأَلْتُكُمْ} عَن الْإِيمَان {مِّنْ أَجْرٍ} من جعل {إِنْ أَجْرِيَ} مَا ثوابي بِمَا دعوتكم إِلَى الْإِيمَان {إِلاَّ عَلَى الله وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسلمين} مَعَ الْمُسلمين على دينهم

73

{فَكَذَّبُوهُ} يَعْنِي نوحًا بِمَا أَتَاهُم {فَنَجَّيْنَاهُ} من الْغَرق {وَمَن مَّعَهُ} من الْمُؤمنِينَ {فِي الْفلك} فِي السَّفِينَة {وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ} خلفاء وسكان الأَرْض {وأغرقنا الَّذين كذبُوا بآياتنآ} بكتابنا ورسولنا نوح {فَانْظُر} يَا مُحَمَّد {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذرين} كَيفَ صَار آخر أَمر الَّذين أنذرتهم الرُّسُل فَلم يُؤمنُوا

74

{ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ} من بعد هَلَاك قوم نوح {رسلًا إِلَى قَومهمْ فجاؤوهم بِالْبَيِّنَاتِ} بِالْأَمر وَالنَّهْي والعلامات {فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ} ليصدقوا {بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ} من قبل يَوْم الْمِيثَاق {كَذَلِكَ} هَكَذَا {نَطْبَعُ} نختم {على قُلوبِ الْمُعْتَدِينَ} من الْحَلَال وَالْحرَام

75

{ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِمْ} من بعد هَؤُلَاءِ الرُّسُل {مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ} رؤسائه {بِآيَاتِنَا} بكتابنا وَيُقَال بِآيَاتِنَا التسع الْيَد والعصا والطوفان وَالْجَرَاد وَالْقمل والضفادع وَالدَّم والسنين وَنقص من الثمرات وَيُقَال الطمس {فاستكبروا} عَن الْإِيمَان بِالْكتاب وَالرَّسُول والآيات {وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ} مُشْرِكين

76

{فَلَمَّا جَآءَهُمُ الْحق مِنْ عِندِنَا} الْكتاب وَالرَّسُول والآيات {قَالُوا إِنَّ هَذَا}

الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى {لَسِحْرٌ مُّبِينٌ} كذب بيِّن وَإِن قَرَأت بِالْألف أَرَادوا بِهِ مُوسَى ساحرا كذابا

77

{قَالَ} لَهُم {مُوسَى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ} الْكتاب وَالرَّسُول والآيات {لَمَّا جَآءَكُمْ} حِين جَاءَكُم {أَسِحْرٌ هَذَا وَلاَ يُفْلِحُ} لَا ينجو وَلَا يَأْمَن {الساحرون} من عَذَاب الله

78

{قَالُوا} لمُوسَى {أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا} لتصرفنا {عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} من عبَادَة الْأَوْثَان {وَتَكُونَ لَكُمَا الكبريآء} الْملك وَالسُّلْطَان {فِي الأَرْض} فِي أَرض مصر {وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ} بمصدقين

79

{وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ} حاذق

80

{فَلَمَّا جَآءَ السَّحَرَة قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُواْ مَآ أَنتُمْ مُّلْقُونَ} من العصي والحبال

81

{فَلَمَّآ أَلْقُواْ} عصيهم وحبالهم {قَالَ} لَهُم {مُوسَى مَا جئْتُمْ بِهِ} مَا طرحتم {أَسحر} هُوَ السحر {إِنَّ الله سَيُبْطِلُهُ} سيهلكه {إِنَّ الله لاَ يُصْلِحُ} لَا يرضى {عَمَلَ المفسدين} الساحرين

82

{وَيُحِقُّ الله} يظْهر الله لدينِهِ {الْحق بِكَلِمَاتِهِ} بتحقيقه {وَلَوْ كَرِهَ المجرمون} وَإِن كره الْمُشْركُونَ أَن يكون ذَلِك

83

{فَمَآ آمَنَ} فَمَا صدق {لمُوسَى} بِمَا جَاءَ بِهِ {إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ} من قوم فِرْعَوْن كَانَ آباؤهم من القبط وأمهاتهم من بني إِسْرَائِيل فآمنوا بمُوسَى {على خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ} رُؤَسَائِهِمْ {أَن يَفْتِنَهُمْ} أَن يقتلهُمْ {وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ} لمخالف {فِي الأَرْض} لدين مُوسَى {وَإِنَّهُ لَمِنَ المسرفين} الْمُشْركين

84

{وَقَالَ مُوسَى يَا قوم إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللَّه فَعَلَيْهِ توكلوا إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ} إِذْ كُنْتُم مُسلمين

85

{فَقَالُواْ على الله تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمين} الْمُشْركين أَي لَا تسلطهم علينا فيظنون أَنهم على الْحق وَنحن على الْبَاطِل

86

{وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْم الْكَافرين} من فِرْعَوْن وَقَومه

87

{وأوحينا إِلَى مُوسَى وأخيه} هَارُون {أَن تبوآ} أَن اتخذا {لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً} مَسَاجِد فِي جَوف فِي الْبَيْت {وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ} مَسَاجِدكُمْ {قِبْلَةً} نَحْو الْقبْلَة {وَأَقِيمُواْ الصَّلَاة} أَتموا الصَّلَوَات الْخمس {وَبَشِّرِ الْمُؤمنِينَ} بالنصرة والنجاة وَالْجنَّة

88

{وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَآ} يَا رَبنَا {إِنَّكَ آتَيْتَ} أَعْطَيْت {فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ} رؤساءه {زِينَةً} زهرَة {وَأَمْوَالاً} كَثِيرَة {فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا رَبَّنَا} يَا رَبنَا {لِيُضِلُّواْ} بذلك عِبَادك {عَن سَبِيلِكَ} عَن دينك وطاعتك {رَبَّنَا اطْمِسْ على أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ على قُلُوبهم}

واحفظ قُلُوبهم {فَلاَ يُؤْمِنُواْ} فَلَنْ يُؤمنُوا {حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَاب الْأَلِيم} الْغَرق

89

{قَالَ} الله لمُوسَى وهرون {قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا فاستقيما} على الْإِيمَان وَالطَّاعَة لله وتبليغ الرسَالَة {وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ} دين {الَّذين لاَ يَعْلَمُونَ} تَوْحِيد الله لَا يصدقونه يَعْنِي فِرْعَوْن وَقَومه

90

{وَجَاوَزْنَا ببني إِسْرَائِيلَ} عبرنا {الْبَحْر فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ} فَذهب خَلفهم فِرْعَوْن وجموعه {بَغْياً} فِي الْمقَالة {وَعَدْواً} أَرَادوا قَتلهمْ {حَتَّى إِذَآ أَدْرَكَهُ} ألْجمهُ {الْغَرق قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا الَّذِي آمَنت بِهِ بَنو إِسْرَائِيلَ} مُوسَى وَأَصْحَابه {وَأَنَاْ مِنَ الْمُسلمين} مَعَ الْمُسلمين على دينهم

91

فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل {آلآنَ} أَن تؤمن بعد الْغَرق {وَقَدْ عَصَيْتَ} كفرت بِاللَّه {قَبْلُ} أَي من قبل الْغَرق {وَكُنتَ مِنَ المفسدين} فِي أَرض مصر بِالْقَتْلِ والشرك وَالدُّعَاء إِلَى غير عبَادَة الله

92

{فاليوم نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ} نلقيك على النجَاة بدرعك {لِتَكُونَ} لكَي تكون {لِمَنْ خَلْفَكَ} من الْكفَّار {آيَةً} عِبْرَة لكَي لَا يقتدوا بمقالتك ويعلموا أَنَّك لست بإله {وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاس} يَعْنِي الْكفَّار {عَنْ آيَاتِنَا} عَن كتَابنَا ورسولنا {لغافلون} لجاحدون

93

{وَلَقَدْ بَوَّأْنَا} أنزلنَا {بني إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ} أَرضًا كَرِيمَة أردن وفلسطين {وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ الطَّيِّبَات} الْمَنّ والسلوى والغنائم {فَمَا اخْتلفُوا} الْيَهُود وَالنَّصَارَى فِي مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {حَتَّى جَآءَهُمُ الْعلم} الْبَيَان مَا فِي كِتَابهمْ فِي مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بنعته وَصفته {إِنَّ رَبَّكَ} يَا مُحَمَّد {يَقْضِي بَيْنَهُمْ} بَين الْيَهُود وَالنَّصَارَى {يَوْمَ الْقِيَامَة فِيمَا كَانُواْ فِيهِ} فِي الدّين {يَخْتَلِفُونَ} يخالفون

94

{فَإِن كُنتَ} يَا مُحَمَّد {فِي شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ} مِمَّا أنزلنَا جِبْرِيل بِهِ يَعْنِي الْقُرْآن {فاسأل الَّذين يقرؤون الْكتاب} يَعْنِي التَّوْرَاة {مِن قَبْلِكَ} عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه فَلم يسْأَل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يكن بذلك شاكاً إِنَّمَا أَرَادَ الله بِمَا قَالَ لِقَوْمِهِ {لَقَدْ جَآءَكَ} يَا مُحَمَّد {الْحق مِن رَّبِّكَ} يَعْنِي جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ من رَبك فِيهِ خبر الْأَوَّلين {فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الممترين} الشاكين

95

{وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الَّذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِ الله} كتاب الله وَرَسُوله {فَتَكُونَ مِنَ الخاسرين} من المغبونين بِنَفْسِك

96

{إِنَّ الَّذين حَقَّتْ} وَجَبت {عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ} بِالْعَذَابِ {لاَ يُؤْمِنُونَ} فِي علم الله

97

{وَلَوْ جَآءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ} طلبُوا مِنْك فَلَا يُؤمنُوا {حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَاب الْأَلِيم} يَوْم بدر وَيَوْم أحد وَيَوْم الْأَحْزَاب

98

{فَلَوْلاَ كَانَتْ} هلا كَانَت {قَرْيَةٌ آمَنَتْ} أهل قَرْيَة آمَنت عِنْد نزُول الْعَذَاب {فَنَفَعَهَآ إِيمَانُهَا} يَقُول لم ينفع إِيمَانهم عِنْد نزُول الْعَذَاب {إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ} نفع إِيمَانهم {لَمَّآ آمَنُواْ} حِين آمنُوا {كَشَفْنَا} صرفنَا {عَنْهُمْ عَذَابَ الخزي}

الشَّديد {فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} تركناهم بِلَا عَذَاب إِلَى حِين الْمَوْت

99

{وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ} يَا مُحَمَّد {لآمَنَ مَن فِي الأَرْض كُلُّهُمْ جَمِيعاً} جَمِيع الْكفَّار {أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاس} تجبر النَّاس {حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ}

100

{وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ} كَافِرَة {أَن تُؤْمِنَ} بِاللَّه {إِلاَّ بِإِذْنِ الله} بِإِرَادَة الله وتوفيقه {وَيَجْعَلُ الرجس} يتْرك التَّكْذِيب {عَلَى الَّذين} فِي قُلُوب الَّذين {لاَ يَعْقِلُونَ} تَوْحِيد الله نزلت هَذِه الْآيَة فِي شَأْن أبي طَالب حرص النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على إيمَانه وَلم يرد الله أَن يُؤمن

101

{قُلِ} لَهُم يَا مُحَمَّد {انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَات} من الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم {وَالْأَرْض} وماذا فِي الأَرْض من الشّجر وَالدَّوَاب وَالْجِبَال والبحار كلهَا آيَة لكم ثمَّ قَالَ {وَمَا تُغْنِي الْآيَات وَالنّذر} الرُّسُل {عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ} فِي علم الله

102

{فَهَلْ يَنتَظِرُونَ} فَهَل بَقِي لَهُم آيَة {إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذين خَلَوْاْ} عَذَاب الَّذين مضوا {مِن قَبْلِهِمْ} من الْكفَّار {قُلْ} يَا مُحَمَّد {فانتظروا} بنزول الْعَذَاب وبهلاكي {إِنَّي مَعَكُمْ مِّنَ المنتظرين} بنزول الْعَذَاب عَلَيْكُم وبهلاككم

103

{ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذين آمَنُواْ} بالرسل بعد هَلَاك قَومهمْ {كَذَلِكَ} هَكَذَا {حَقّاً} وَاجِبا {عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤمنِينَ} مَعَ الرُّسُل

104

{قل} يَا مُحَمَّد {يَا أَيهَا النَّاس} يَا أهل مَكَّة {إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي} الْإِسْلَام {فَلاَ أَعْبُدُ الَّذين تَعْبُدُونَ} تدعون {مِن دُونِ الله} من الْأَوْثَان {وَلَكِن أَعْبُدُ الله الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ} يقبض أرواحكم ثمَّ يُحْيِيكُمْ بعد أَن يميتكم {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤمنِينَ} مَعَ الْمُؤمنِينَ على دينهم

105

{وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ} أخْلص دينك وعملك لله {حَنِيفاً} مُسلما {وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْركين} مَعَ الْمُشْركين على دينهم

106

{وَلاَ تَدْعُ} لَا تعبد {مِن دُونِ الله مَا لاَ يَنفَعُكَ} فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة إِن عبدت {وَلاَ يَضُرُّكَ} إِن لم تعبده {فَإِن فَعَلْتَ} عبدت {فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمين} من الضارين لنَفسك

107

{وَإِن يَمْسَسْكَ} يصبك {الله بِضُرٍّ} بِشدَّة وَأمر تكرههُ {فَلاَ كَاشِفَ لَهُ} فَلَا رَافع للضر {إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ} يصبك {بِخَيْرٍ} بِنِعْمَة وَأمر تسر بِهِ {فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ} لَا مَانع لعطيته {يُصَيبُ بِهِ} يخص بِالْفَضْلِ {مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ} من كَانَ أَهلا لذَلِك {وَهُوَ الغفور} المتجاوز لمن تَابَ {الرَّحِيم} لمن مَاتَ على التَّوْبَة

108

{قل يَا أَيُّهَا النَّاس} يَا أهل مَكَّة {قَدْ جَآءَكُمُ الْحق} الْكتاب وَالرَّسُول {مِن رَّبِّكُمْ فَمَنُ اهْتَدَى} بِالْكتاب وَالرَّسُول {فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ}

يَعْنِي ثَوَابه {وَمَن ضَلَّ} كفر بِالْكتاب وَالرَّسُول {فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} يَعْنِي عَلَيْهَا جِنَايَة ذَلِك {وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} بكفيل نسختها آيَة الْقِتَال

109

{وَاتبع} يَا مُحَمَّد {مَا يُوحى إِلَيْكَ} مَا يُؤمر لَك فِي الْقُرْآن من تَبْلِيغ الرسَالَة {واصبر} على ذَلِك {حَتَّى يَحْكُمَ الله} بَيْنكُم وَبينهمْ بِقَتْلِهِم وهلاكهم يَوْم بدر {وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمين} بهلاكهم ونصرهم وَمن السُّورَة الَّتِي يذكر فِيهَا هود وَهِي كلهَا مَكِّيَّة آياتها مائَة وَعِشْرُونَ وكلماتها ألف وسِتمِائَة وَخَمْسَة وَعِشْرُونَ وحروفها سِتَّة آلَاف وَتِسْعمِائَة وَخَمْسَة {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

هود

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {الر} يَقُول أَنا لله أرى وَيُقَال قسم أقسم بِهِ {كِتَابٌ} أَن هَذَا كتاب يَعْنِي الْقُرْآن {أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ} بالحلال وَالْحرَام وَالْأَمر وَالنَّهْي فَلم تنسخ {ثُمَّ فُصِّلَتْ} بيَّنت {مِن لَّدُنْ} من عِنْد {حَكِيمٍ} حَاكم أَمر أَن لَا يعبد غَيره {خَبِيرٍ} بِمن يعبد وبمن لَا يعبد

2

{أَلاَّ تعبدوا} بِأَن لَا توحدوا {إِلاَّ الله إِنَّنِي لَكُمْ مِّنْهُ} من الله {نَذِيرٌ} من النَّار {وَبَشِيرٌ} بِالْجنَّةِ

3

{وَأَنِ اسْتَغْفرُوا رَبَّكُمْ} وحدوا ربكُم {ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} أَقبلُوا إِلَيْهِ بِالتَّوْبَةِ وَالْإِخْلَاص {يُمَتِّعْكُمْ مَّتَاعاً} يعشكم عَيْشًا {حَسَناً} بِلَا عَذَاب {إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى} إِلَى وَقت مَعْلُوم يَعْنِي الْمَوْت {وَيُؤْتِ} ويعط {كُلَّ ذِي فَضْلٍ} فِي الْإِسْلَام {فَضْلَهُ} ثَوَابه فِي الْآخِرَة {وَإِن تَوَلَّوْاْ} عَن الْإِيمَان وَالتَّوْبَة {فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ} أعلم أَن يكون عَلَيْكُم {عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ} عَظِيم

4

{إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ} بعد الْمَوْت {وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ} من الثَّوَاب وَالْعِقَاب {قَدِيرٌ}

5

{أَلا إِنَّهُمْ} يَعْنِي أخنس بن شريق وَأَصْحَابه {يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} يضمرون فِي قُلُوبهم بغض مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعداوته {ليستخفوا مِنْهُ} ليستروا من مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بغضه وعداوته بِإِظْهَار الْمحبَّة لَهُ والمجالسة مَعَه {أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ} يغطون رؤوسهم بثيابهم {يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ} فِيمَا بَينهم وَمَا يضمرون فِي قُلُوبهم {وَمَا يُعْلِنُونَ} من الْقِتَال والجفاء وَيُقَال من الْمحبَّة والمجالسة {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور} بِمَا فِي الْقُلُوب من الْخَيْر وَالشَّر

6

{وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْض إِلاَّ عَلَى الله رِزْقُهَا} إِلَّا الله قَائِم برزقها {وَيَعْلَمُ مستقرها} حَيْثُ تأوى بِاللَّيْلِ {ومستودعها} حَيْثُ تَمُوت فتدفن {كُلٌّ} أَي رزق كل دَابَّة وأجلها وأثرها {فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} مَكْتُوب فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ مبيّن مَعْلُوم مُقَدّر ذَلِك عَلَيْهَا

7

{وَهُوَ الَّذِي} وإلهكم هُوَ الَّذِي {خَلَق السَّمَاوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} من أَيَّام أول الدُّنْيَا طول كل يَوْم ألف سنة أول يَوْم مِنْهَا يَوْم الْأَحَد وَآخر يَوْم مِنْهَا يَوْم الْجُمُعَة {وَكَانَ عَرْشُهُ} قبل أَن خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض {عَلَى المآء} وَكَانَ الله قبل الْعَرْش وَالْمَاء {لِيَبْلُوَكُمْ} ليختبركم بَين الْحَيَاة وَالْمَوْت {أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} أخْلص عملا {وَلَئِن قُلْتَ} لأهل مَكَّة

{إِنَّكُمْ مَّبْعُوثُونَ} محيون {مِن بَعْدِ الْمَوْت لَيَقُولَنَّ الَّذين كفرُوا} كفار مَكَّة {إِنْ هَذَا} مَا هَذَا الَّذِي يَقُول مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام {إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ} كذب بيّن لَا يكون

8

{وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَاب إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ} إِلَى وَقت مَعْلُوم يَوْم بدر {لَّيَقُولُنَّ} يَعْنِي أهل مَكَّة {مَا يَحْبِسُهُ} عَنَّا غَدا استهزاء بِهِ {أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ} الْعَذَاب {لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ} لَا يصرف عَنْهُم الْعَذَاب {وَحَاقَ} دَار وَوَجَب وَنزل {بهم مَا كَانُوا بِهِ يستهزؤون} عَذَاب مَا كَانُوا بِهِ يستهزئون بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن

9

{وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَان} يَعْنِي الْكَافِر {مِنَّا رَحْمَةً} نعْمَة {ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ} أخذناها مِنْهُ {إِنَّهُ ليؤوس} يصير آيس شَيْء وأقنط شَيْء من رَحْمَة الله {كَفُورٌ} كَافِر بِنِعْمَة الله لَا يشْكر

10

{وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ} أصبناه يَعْنِي الْكَافِر {نَعْمَآءَ بَعْدَ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ} شدَّة أَصَابَته {لَيَقُولَنَّ} يَعْنِي الْكَافِر {ذَهَبَ السَّيِّئَات} الشدَّة {عني إِنَّهُ لَفَرِحٌ} بطر {فَخُورٌ} بِنِعْمَة الله غير شَاكر

11

{إِلَّا} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه {الَّذين صَبَرُواْ} على الْإِيمَان {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم فَإِنَّهُم لَا يَفْعَلُونَ ذَلِك وَلَكِن يصبرون بالشدة ويشكرون بِالنعْمَةِ {أُولَئِكَ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ} لذنوبهم فِي الدُّنْيَا {وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} ثَوَاب عَظِيم فِي الْجنَّة

12

{فَلَعَلَّكَ} يَا مُحَمَّد {تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحى إِلَيْكَ} أَمر لَك فِي الْقُرْآن من تَبْلِيغ الرسَالَة وَسَب آلِهَتهم وعيبها {وضائق بِهِ} بِمَا أمرت {صَدْرُكَ} قَلْبك {أَن يَقُولُواْ} بِمَا يَقُول كفار مَكَّة {لَوْلاَ أُنزِلَ} هلا أنزل {عَلَيْهِ} على مُحَمَّد {كَنزٌ} مَال من السَّمَاء فيعيش بِهِ {أَوْ جَآءَ مَعَهُ مَلَكٌ} يشْهد لَهُ {إِنَّمَآ أَنتَ} يَا مُحَمَّد {نَذِيرٌ} رَسُول مخوف {وَالله على كُلِّ شَيْءٍ} من مقالتهم وعذابهم {وَكِيلٌ} كَفِيل وَيُقَال شَهِيد

13

{أَمْ يَقُولُونَ} بل يَقُول كفار مَكَّة {افتراه} اختلق مُحَمَّد الْقُرْآن من تِلْقَاء نَفسه فأتا بِهِ {قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ} مثل سور الْقُرْآن مثل سُورَة الْبَقَرَة وَآل عمرَان وَالنِّسَاء والمائدة والأنعام والأعراف والأنفال وَالتَّوْبَة وَيُونُس وَهود {مفتريات} مختلفات من تِلْقَاء أَنفسكُم {وَادعوا مَنِ اسْتَطَعْتُم} اسْتَعِينُوا بِمن عَبدْتُمْ {مِّن دُونِ الله إِن كُنتُمْ صَادِقين} أَن مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يختلقه من تِلْقَاء نَفسه فَسَكَتُوا عَن ذَلِك

14

فَقَالَ الله {فَإِن لم يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ} لم يجبك الظلمَة {فاعلموا} يَا معشر الْكفَّار {أَنَّمَآ أُنزِلِ} جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ {بِعِلْمِ الله} وَأمره {وَأَن لاَّ إِلَه إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ} مقرون بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن

15

{مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاة الدُّنْيَا} بِعِلْمِهِ الَّذِي افْترض الله عَلَيْهِ {وَزِينَتَهَا} زهرتها {نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ} نوفر لَهُم ثَوَاب أَعْمَالهم {فِيهَا} فِي الدُّنْيَا {وَهُمْ فِيهَا} فِي الدُّنْيَا {لاَ يُبْخَسُونَ} لَا ينقص من ثَوَاب أَعْمَالهم

16

{أُولَئِكَ الَّذين} عمِلُوا لغير الله {لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَة إِلاَّ النَّار وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا} رد عَلَيْهِم مَا عمِلُوا فِي الدُّنْيَا من الْخيرَات {وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} وَلَا يثابون فِي الْآخِرَة بِمَا كَانُوا يعْملُونَ فِي الدُّنْيَا من الْخيرَات لأَنهم عمِلُوا لغير الله

17

{أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ} على بَيَان نزل من ربه يَعْنِي الْقُرْآن {وَيَتْلُوهُ} يقْرَأ عَلَيْهِ الْقُرْآن {شَاهِدٌ مِّنْهُ} من الله يَعْنِي جِبْرِيل {وَمِن قَبْلِهِ} من قبل الْقُرْآن {كِتَابُ مُوسَى} توراة مُوسَى قَرَأَ عَلَيْهِ جِبْرِيل {إَمَاماً} يقْتَدى بِهِ {وَرَحْمَةً} لمن آمن بِهِ {أُولَئِكَ} من آمن بِكِتَاب مُوسَى {يُؤْمِنُونَ بِهِ} بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن وَهُوَ عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه {وَمن يكفر بِهِ} بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن {مِنَ الْأَحْزَاب} من جَمِيع الْكفَّار {فَالنَّار مَوْعِدُهُ} مصيره {فَلاَ تَكُ} يَا مُحَمَّد {فِي مِرْيَةٍ} فِي شكّ {مِّنْهُ} من مصير من كفر بِالْقُرْآنِ {إِنَّهُ الْحق مِن رَّبِّكَ} إِن مصير من كفر بِالْقُرْآنِ النَّار وَيُقَال فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ فِي شكّ مِنْهُ من الْقُرْآن إِنَّهُ الْحق مِن رَّبِّكَ نزل بِهِ جِبْرِيل {وَلَكِن أَكْثَرَ النَّاس} أهل مَكَّة {لاَ يُؤمنُونَ}

18

{وَمَنْ أَظْلَمُ} أَعْتَى وأجرأ {مِمَّنِ افترى} اختلق {عَلَى الله كَذِباً أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ على رَبِّهِمْ} يساقون إِلَى رَبهم {وَيَقُولُ الأشهاد} الْمَلَائِكَة والأنبياء {هَؤُلَاءِ} الْكفَّار {الَّذين كَذَبُواْ على رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ الله} عَذَاب الله {عَلَى الظَّالِمين} الْمُشْركين

19

{الَّذين يَصُدُّونَ} يصرفون {عَن سَبِيلِ الله} عَن دين الله وطاعته {وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً} يطلبونها زيغاً وَيُقَال غيراً {وَهُمْ بِالآخِرَة} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت {هُمْ كَافِرُونَ} جاحدون

20

{أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي الأَرْض} بفائتين من عَذَاب الله {وَمَا كَانَ لَهُمْ مِّن دُونِ الله} من عَذَاب الله {مِنْ أَوْلِيَآءَ} تحفظهم {يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَاب} يَعْنِي الرؤساء {مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السّمع} الِاسْتِمَاع إِلَى كَلَام مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من بغضه وَيُقَال بِمَا كَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ السّمع الِاسْتِمَاع إِلَى كَلَام مُحَمَّد عَليّ الصَّلَاة وَالسَّلَام {وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ} إِلَى مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من بغضه وَيُقَال وَمَا كَانُوا يبصرون مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من بغضه

21

{أُولَئِكَ} الرؤساء هم {الَّذين خسروا أَنْفُسَهُمْ} غبنوا أنفسهم وأهاليهم ومنازلهم وخدمهم فِي الْجنَّة وَورثه غَيرهم من الْمُؤمنِينَ {وَضَلَّ عَنْهُمْ} بَطل واشتغل عَنْهُم بِأَنْفسِهِم {مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} يعْبدُونَ من دون الله بِالْكَذِبِ

22

{لاَ جَرَمَ} حَقًا {أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَة هُمُ الأخسرون} المغبونون بذهاب الْجنَّة وَمَا فِيهَا

23

{إِن الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {وأخبتوا إِلَى رَبهم} أخصلوا لرَبهم وخضعوا لرَبهم وخشعوا من رَبهم {أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجنَّة هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} مقيمون

24

{مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ} الْكَافِر وَالْمُؤمن {كالأعمى والأصم} يَقُول مثل الْكَافِر كالأعمى لَا يبصر الْحق وَالْهدى وكالأصم لَا يسمع الْحق وَالْهدى {والبصير والسميع} يَقُول وَمثل الْمُؤمن كَمثل الْبَصِير يبصر الْحق وَالْهدى وكالسميع يسمع الْحق وَالْهدى {هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً} فِي الْمثل يَقُول هَل يَسْتَوِي الْكَافِر مَعَ الْمُؤمن فِي الطَّاعَة وَالثَّوَاب {أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} أَفلا تتعظون بأمثال الْقُرْآن فتؤمنوا

25

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ} فَلَمَّا جَاءَهُم قَالَ لَهُم {إِنَّي لَكُمْ} من الله {نَذِيرٌ} رَسُول مخوف {مُّبِينٌ} بلغَة تعلمونها

26

{أَن لاَّ تعبدوا} أَن لَا توحدوا {إِلاَّ الله إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ} أعلم بِأَن يكون عَلَيْكُم إِن لم تؤمنوا

{عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ} وجيع وَهُوَ الْغَرق

27

{فَقَالَ الْمَلأ} الرؤساء {الَّذين كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ} من قوم نوح {مَا نَرَاكَ} يَا نوح {إِلاَّ بَشَراً} آدَمِيًّا {مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتبعك} آمن بك {إِلاَّ الَّذين هُمْ أَرَاذِلُنَا} سفلتنا وضعفاؤنا {بَادِيَ الرَّأْي} ظَاهر الرَّأْي الضَّعِيف وَيُقَال سَوء رَأْيهمْ حملهمْ على ذَلِك {وَمَا نرى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ} بِمَا تَقولُونَ تَأْكُلُونَ وتشربون كَمَا نَأْكُل وَنَشْرَب {بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ} بِمَا تَقولُونَ

28

{قَالَ} نوح {يَا قوم أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ} يَقُول إِنِّي {على بَيِّنَةٍ من رَبِّي} على بَيَان نزل من رَبِّي {وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ} أكرمني بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام (فَعُمِّيَتْ) التبست وَإِن قَرَأت فعميت يَقُول ألبست {عَلَيْكُمْ} نبوتي وديني {أَنُلْزِمُكُمُوهَا} أنلهكموها ونعرفكموها {وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُون} جاحدون

29

{وَيَا قوم لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ} على التَّوْحِيد {مَالاً} جعلا {إِنْ أَجْرِيَ} مَا ثوابي {إِلاَّ عَلَى الله وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ الَّذين آمنُوا} بقولكم {إِنَّهُمْ ملاقو} معاينوا {رَبِّهِمْ} فيخاصمونني عِنْده {وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ} أَمر الله

30

{وَيَا قوم مَن يَنصُرُنِي} من يَمْنعنِي {مِنَ الله} من عَذَاب الله {إِن طَرَدتُّهُمْ} بقولكم {أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} أَفلا تتعظون بِمَا أَقُول لكم فتؤمنوا

31

{وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ الله} مَفَاتِيح خَزَائِن الله فِي الرزق {وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْب} مَتى نزُول الْعَذَاب وَمَا غَابَ عني {وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ} من السَّمَاء {وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تزدري أَعْيُنُكُمْ} لَا تأخذهم أعينكُم يَقُول يحتقرون فِي أعينكُم {لَن يُؤْتِيَهُمُ الله خَيْراً} لن يكرمهم الله بِتَصْدِيق الْإِيمَان {الله أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ} بِمَا فِي قُلُوبهم من التَّصْدِيق {إِنِّي إِذاً} إِن طردتهم {لَّمِنَ الظَّالِمين} الضارين بنفسي

32

{قَالُوا يَا نوح قَدْ جَادَلْتَنَا} خاصمتنا ودعوتنا إِلَى دين غير دين آبَائِنَا {فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا} خُصُومَتنَا ودعاءنا {فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَآ} من الْعَذَاب {إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقين} أَنه يأتينا

33

{قَالَ} نوح {إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ الله} يَقُول يأتيكم الله بعذابكم {إِن شَآءَ} فيعذبكم {وَمَآ أَنْتُم بمعجزين} بقائتين من عَذَاب الله

34

{وَلاَ يَنفَعُكُمْ نصحي} دعائي وتحذيري إيَّاكُمْ من عَذَاب الله {إِنْ أَرَدْتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ} أحذركم من عَذَاب الله وأدعوكم إِلَى التَّوْحِيد {إِن كَانَ الله} قد كَانَ الله {يُرِيدُ أَن يغويكم} أَن تضلكم عَن الْهدى {هُوَ رَبُّكُمْ} أولى بكم مني {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} بعد الْمَوْت فيجزيكم بأعمالكم

35

{أَمْ يَقُولُونَ} بل يَقُولُونَ قوم نوح {افتراه} اختلق نوح بِمَا آتَانَا بِهِ من تِلْقَاء نَفسه {قُلْ} لَهُم يَا نوح {إِنِ افتريته} اختلقته من تِلْقَاء نَفسِي {فَعَلَيَّ إِجْرَامِي} آثامي {وَأَنَاْ بَرِيء مِّمَّا تُجْرَمُونَ} تأثمون وَيُقَال نزلت هَذِه الْآيَة فِي مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

36

{وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن} سوى من {قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ} فَلَا تحزن بهلاكهم {بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} فِي كفرهم

37

{واصنع الْفلك} خُذ فِي علاج السَّفِينَة {بِأَعْيُنِنَا} بِنَظَر منا {وَوَحْيِنَا} بأمرنا {وَلاَ تُخَاطِبْنِي} لَا تراجعني {فِي الَّذين ظلمُوا} فِي نجاة الَّذين كفرُوا {إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ} بالطوفان

38

{وَيَصْنَعُ الْفلك} أَخذ فِي علاج السَّفِينَة {وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ} رُؤَسَاء {مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ} هزئوا بمعالجته السَّفِينَة {قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا} الْيَوْم {فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ} بعد الْيَوْم {كَمَا تَسْخَرُونَ} الْيَوْم منا

39

{فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ} يذله ويهلكه {وَيَحِلُّ عَلَيْهِ} يجب عَلَيْهِ {عَذَابٌ مُّقِيمٌ} دَائِم فِي الْآخِرَة

40

{حَتَّى إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا} وَقت عذابنا {وَفَارَ التَّنور} نبع المَاء من التَّنور وَيُقَال طلع الْفجْر {قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا} فِي السَّفِينَة {مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ} من كل صنفين {اثْنَيْنِ} ذكر وَأُنْثَى {وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ} وَجب عَلَيْهِ {القَوْل} بِالْعَذَابِ {وَمَنْ آمَنَ} مَعَك أَيْضا احْمِلْ مَعَك فِي السَّفِينَة {وَمَآ آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ} ثَمَانُون إنْسَانا

41

{وَقَالَ} لَهُم {اركبوا فِيهَا} فِي السَّفِينَة {بِسْمِ الله مجْراهَا} حَيْثُ تجْرِي {وَمُرْسَاهَا} حَيْثُ تحبس وَإِن قَرَأت مجريها ومرسيها يَقُول الله مجريها حَيْثُ شَاءَ ومرسيها حَيْثُ شَاءَ {إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ} متجاوز {رَّحِيمٌ} لمن تَابَ

42

{وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ} بِأَهْلِهَا {فِي مَوْجٍ} فِي غمر المَاء {كالجبال} كجبل عَظِيم فِي الِارْتفَاع {ونادى نُوحٌ} دَعَا نوح {ابْنه} كنعان {وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ} فِي نَاحيَة من السَّفِينَة وَيُقَال فِي نَاحيَة الْجَبَل {يَا بني اركب مَّعَنَا} انج مَعنا بِلَا إِلَه إِلَّا الله {وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافرين} على دينهم فتغرق بالطوفان

43

{قَالَ سآوي} سأذهب {إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي} يَمْنعنِي {مِنَ المآء} من الْغَرق {قَالَ} نوح {لاَ عَاصِمَ الْيَوْم} لَا مَانع الْيَوْم {مِنْ أَمْرِ الله} من عَذَاب الله الْغَرق {إِلاَّ مَن رَّحِمَ} الله من الْمُؤمنِينَ {وَحَالَ بَيْنَهُمَا} بَين كنعان ونوح وَيُقَال بَين كنعان والجبل وَيُقَال بَين كنعان والسفينة {الموج} فكبه {فَكَانَ} فَصَارَ {مِنَ المغرقين} بالطوفان

44

{وَقيل يَا أَرض ابلعي ماءك} أنشفى ماءك {وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي} احبسي ماءك {وَغِيضَ} نقص {المآء وَقُضِيَ الْأَمر} وَفرغ من هَلَاك الْقَوْم أَي هلك من هلك وَنَجَا من نجا {واستوت} السَّفِينَة {عَلَى الجودي} وَهُوَ جبل بنصيبين فِي الْموصل {وَقِيلَ بُعْداً} سحقاً من رَحْمَة الله {لِّلْقَوْمِ الظَّالِمين} الْمُشْركين قوم نوح

45

{وَنَادَى نُوحٌ} دَعَا نوح {رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ} يَا رب {إِنَّ ابْني} كنعان {مِنْ أَهْلِي} الَّذِي وعدت أَن تنجيه

{وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحق} الصدْق {وَأَنتَ أَحْكَمُ} أعدل {الْحَاكِمين} وَعَدتنِي نجاتي وَنَجَاة أَهلِي

46

{قَالَ} الله {يَا نوح إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} الَّذِي وعدتك أَن أنجيه {إِنَّهُ عَمَلٌ} فِي الشّرك {غَيْرُ صَالِحٍ} غير مرضِي وَإِن قَرَأت أَنه عمل غير صَالح يَقُول دعاؤك إيَّايَ بنجاته غير مرضِي {فَلاَ تَسْأَلْنِ} نجاة {مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} أَنه أهل للنجاة {إِنِّي أعظك} أياك {أَن تَكُونَ} أَن لَا تكون {مِنَ الْجَاهِلين} بسؤالك إيَّايَ مَا لم تعلم

47

{قَالَ} نوح {رَبِّ} يَا رب {إِنِّي أَعُوذُ بِكَ} أمتنع بك {أَنْ أَسْأَلَكَ} نجاة {مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ} أَنه أهل للنجاة {وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي} يَقُول إِن لم تغْفر لي يَعْنِي إِن لم تجَاوز عني {وترحمني} وَلَا ترحمني فتعذبني {أَكُن مِّنَ الخاسرين} بالعقوبة

48

{قيل يَا نوح اهبط} انْزِلْ من السَّفِينَة {بِسَلاَمٍ مِّنَّا} بسلامة منا {وَبَرَكَاتٍ} سعادات {عَلَيْكَ وعَلى أُمَمٍ} جمَاعَة {مِّمَّن مَّعَكَ} فِي السَّفِينَة من أهل السَّعَادَة {وَأُمَمٌ} جمَاعَة فِي أصلابهم {سَنُمَتِّعُهُمْ} سنعيشهم بعد خُرُوجهمْ من أصلاب آبَائِهِم {ثُمَّ يَمَسُّهُمْ} يصيبهم {مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} وجيع بَعْدَمَا كفرُوا وهم أهل الشقاوة قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ أوحى الله إِلَى نوح عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ ابْن أَرْبَعمِائَة وَثَمَانِينَ سنة ودعا قومه مائَة وَعشْرين سنة وَركب فِي السَّفِينَة وَهُوَ ابْن سِتّمائَة سنة وعاش بعد مَا ركب فِي السَّفِينَة ثلثمِائة وَخمسين سنة وَبَقِي فِي السَّفِينَة خَمْسَة أشهر وَكَانَ طول السَّفِينَة ثلثمِائة ذِرَاع بذراعه وعرضها خَمْسُونَ ذِرَاعا وطولها فِي السَّمَاء ثَلَاثُونَ ذِرَاعا وَكَانَ لَهَا ثَلَاثَة أَبْوَاب بَعْضهَا أَسْفَل من بعض حمل فِي الْبَاب الْأَسْفَل السبَاع والهوام وَحمل فِي الْبَاب الْأَوْسَط الوحوش والبهائم وَحمل فِي الْبَاب الْأَعْلَى بني آدم وَكَانُوا ثَمَانِينَ إنْسَانا أَرْبَعُونَ رجلا وَأَرْبَعُونَ امْرَأَة وَكَانَ بَين الرِّجَال وَالنِّسَاء جَسَد آدم صلوَات الله عَلَيْهِ وَكَانَ مَعَه ثَلَاثَة بَنِينَ سَام وَحَام وَيَافث

49

{تِلْكَ} هَذِه {مِنْ أَنْبَآءِ الْغَيْب} من أَخْبَار الْغَائِب عَنْك {نُوحِيهَآ إِلَيْكَ} نرسل جِبْرِيل إِلَيْك يَا مُحَمَّد بأخبار الْأُمَم الْمَاضِيَة {مَا كُنتَ تَعْلَمُهَآ} يَعْنِي أَخْبَار الْأُمَم {أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا} الْقُرْآن {فاصبر} يَا مُحَمَّد على أذاهم وتكذيبهم إياك {إِنَّ الْعَاقِبَة} آخر الْأَمر بالنصرة وَالْجنَّة {لِلْمُتَّقِينَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش

50

{وَإِلَى عَادٍ} وَأَرْسَلْنَا إِلَى عَاد {أَخَاهُمْ} نَبِيّهم {هودا قَالَ يَا قوم اعبدوا الله} وحدوا الله {مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَه غَيره} غير الَّذين آمركُم أَن تؤمنوا بِهِ {إِنْ أَنتُمْ} مَا أَنْتُم بِعبَادة الْأَوْثَان {إِلاَّ مُفْتَرُونَ} كاذبون على الله لم يَأْمُركُمْ بعبادتها

51

{يَا قوم لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ} على التَّوْحِيد {أَجْراً} جعلا {إِنْ أَجْرِيَ} مَا ثوابي {إِلاَّ عَلَى الَّذِي فطرني} خلقني {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} أَفلا تصدقُونَ أفليس لكم ذهن الإنسانية

52

{وَيَا قوم اسْتَغْفرُوا رَبَّكُمْ} وحدوا ربكُم {ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} أَقبلُوا إِلَيْهِ بِالتَّوْبَةِ وَالْإِخْلَاص {يُرْسِلِ السمآء عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً} مَطَرا دَائِما دريراً كلما تحتاجون إِلَيْهِ {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} شدَّة إِلَى شدتكم بِالْمَالِ والبنين {وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ} عَن الْإِيمَان وَالتَّوْبَة {مجرمين} مُشْرِكين بِاللَّه

53

{قَالُوا يَا هود مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ} بِبَيَان مَا تَقول {وَمَا نَحْنُ بتاركي آلِهَتِنَا} عبَادَة آلِهَتنَا {عَن قَوْلِكَ} بِقَوْلِك {وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} بمصدقين بالرسالة

54

{إِن تَقول} مَا تَقول فِيمَا ننهاك عَنهُ {إِلاَّ اعتراك} يصيبك {بَعْضُ آلِهَتنَا بِسوء} بخبل لِأَنَّك تشتمها {قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ الله واشهدوا أَنِّي بَرِيء مِّمَّا تُشْرِكُونَ} بِاللَّه من الْأَوْثَان وَمَا تعبدونها

55

{مِن دُونِهِ} من دون الله {فَكِيدُونِي} فاعملوا فِي هلاكي أَنْتُم وآلهتكم {جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تنْظرُون} لَا تؤجلون وَلَا تَشكوا فِي أحدا

56

{إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى الله} فوضت أَمْرِي إِلَيْهِ {رَبِّي} خالقي ورازقي {وَرَبِّكُمْ} خالقكم ورازقكم {مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ} يميتها ويحييها وَيُقَال فِي قَبضته يفعل مَا يَشَاء {إِنَّ رَبِّي على صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} عَلَيْهِ ممر الْخلق وَيُقَال يَدْعُو الْخلق إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم دين قَائِم يرضاه وَهُوَ الْإِسْلَام

57

{فَإِن تَوَلَّوْاْ} أَعرضُوا عَن الْإِيمَان وَالتَّوْبَة {فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ} من الرسَالَة ويهلككم {وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ} خيرا مِنْكُم وأطوع {وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئاً} وَلَا يضر الله هلاككم شَيْئا {إِنَّ رَبِّي على كُلِّ شَيْءٍ} من أَعمالكُم {حَفِيظٌ} حَافظ شَهِيد

58

{وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا} عذابنا {نَجَّيْنَا هُوداً وَالَّذين آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ} بِنِعْمَة {مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} شَدِيد

59

{وَتِلْكَ عَادٌ} وَهَذِه عَاد {جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ} الَّتِي آتَاهُم بهَا هود {وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ} بِالتَّوْحِيدِ {وَاتبعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ} قَول كل قتال على الْغَضَب {عَنِيدٍ} معرض عَن الله

60

{وَأُتْبِعُواْ فِي هَذِه الدُّنْيَا لَعْنَةً} أهلكوا فِي الدُّنْيَا بِالرِّيحِ {وَيَوْمَ الْقِيَامَة} لَهُم لعنة أُخْرَى وَهِي النَّار {أَلا إِنَّ عَاداً كَفَرُواْ رَبَّهُمْ} جَحَدُوا رَبهم {أَلاَ بُعْداً لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ} من رَحْمَة الله

61

{وَإِلَى ثَمُودَ} وَأَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُود {أَخَاهُمْ} نَبِيّهم {صَالحا قَالَ يَا قوم اعبدوا الله} وحدوا الله {مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَه غَيره} غير الَّذين آمركُم أَن تؤمنوا بِهِ {هُوَ أَنشَأَكُمْ مِّنَ الأَرْض} خَلقكُم من آدم وآدَم من الأَرْض {واستعمركم فِيهَا} عمركم فِي الأَرْض وجعلكم سكانها {فاستغفروه} فوحدوه {ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} أَقبلُوا إِلَيْهِ بِالتَّوْحِيدِ وَالتَّوْبَة وَالْإِخْلَاص {إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ} بالإجابة {مُجيب} لمن وَحده

62

{قَالُوا يَا صَالح قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً} نرجوك {قَبْلَ هَذَا} قبل أَن تَأْمُرنَا بدين غير دين آبَائِنَا {أَتَنْهَانَآ أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} من الْأَوْثَان {وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَآ إِلَيْهِ} من دينك {مُرِيبٍ} ظَاهر الشَّك بِهِ

63

{قَالَ يَا قوم أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ على بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي} على بَيَان نزل من رَبِّي {وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً} أكرمني بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام {فَمَن يَنصُرُنِي} يَمْنعنِي {مِنَ} عَذَاب {الله إِنْ عَصَيْتُهُ} وَتركت أمره {فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ} فَمَا ازْدَادَ إِلَّا بَصِيرَة فِي خسارتكم

64

{وَيَا قوم هَذِه نَاقَةُ الله لَكُمْ آيَةً} عَلامَة {فَذَرُوهَا} فاتركوها {تَأْكُلْ فِي أَرْضِ الله} فِي أَرض الْحجر لَيْسَ عَلَيْكُم مؤنتها {وَلَا تمسوها بِسوء} بعقر {فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ} بعد ثَلَاثَة أَيَّام

65

{فَعَقَرُوهَا} قتلوها قَتلهَا قدار بن سالف ومصدع بن زهر وقسموا لَحمهَا على ألف وَخَمْسمِائة دَار {فَقَالَ} لَهُم صَالح بعد قَتلهمْ لَهَا {تَمَتَّعُواْ} عيشوا {فِي دَارِكُمْ} فِي مدينتكم {ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ} ثمَّ يأتيكم الْعَذَاب الْيَوْم الرَّابِع قَالُوا يَا صَالح مَا عَلامَة الْعَذَاب قَالَ أَن تصبحوا الْيَوْم الأول وُجُوهكُم مصفرة وتصبحوا الْيَوْم الثَّانِي وُجُوهكُم محمرة وتصبحوا الْيَوْم الثَّالِث وُجُوهكُم مسودة ثمَّ يأتيكم الْعَذَاب الْيَوْم الرَّابِع {ذَلِك} الْعَذَاب {وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} غير مَرْدُود

66

{فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا} عذابنا {نَجَّيْنَا صَالِحاً وَالَّذين آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ} بِنِعْمَة {مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ} من عَذَاب يَوْمئِذٍ {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقوي} بنجاة أوليائه {الْعَزِيز} بنقمة أعدائه

67

{وَأَخَذَ الَّذين ظَلَمُواْ} أشركوا {الصَّيْحَة} الْعَذَاب {فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ} مساكنهم {جَاثِمِينَ} ميتين لَا يتحركون أَي صَارُوا رَمَادا

68

{كَأَن لم يغنوا فِيهَا} كَأَن لم يَكُونُوا فِي الأَرْض قطّ {أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ} قوم صَالح {كَفرُواْ رَبَّهُمْ} كفرُوا برَبهمْ {أَلاَ بُعْداً لِّثَمُودَ} لقوم صَالح من رَحْمَة الله

69

{وَلَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَآ} جِبْرِيل وَمن مَعَه من الْمَلَائِكَة اثْنَا عشر ملكا {إِبْرَاهِيمَ} إِلَى إِبْرَاهِيم {بالبشرى} بالبشارة لَهُ بِالْوَلَدِ {قَالُواْ سَلاَماً} سلمُوا على إِبْرَاهِيم حِين دخلُوا عَلَيْهِ {قَالَ سَلاَمٌ} رد عَلَيْهِم السَّلَام وَإِن قَرَأت سلم يَقُول أَمْرِي سلم من السَّلامَة {فَمَا لَبِثَ} مكث إِبْرَاهِيم {أَن جَآءَ بِعِجْلٍ} سمين {حَنِيذٍ} مشوي فَوَضعه بَين أَيْديهم

70

{فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ} إِلَى طَعَامه لأَنهم لم يحتاجوا إِلَى طَعَام {نَكِرَهُمْ} أنكر مِنْهُم ذَلِك {وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً} وَقع فِي نَفسه خوفًا مِنْهُم وَظن أَنهم لصوص حَيْثُ لم يَأْكُلُوا من طَعَامه فَلَمَّا علمُوا خَوفه {قَالُواْ لاَ تَخَفْ} منا يَا إِبْرَاهِيم {إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ} لنهلكهم

71

{وَامْرَأَته} سارة {قَائِمَة} بِالْخدمَةِ {فَضَحكت} تعجبت من خوف إِبْرَاهِيم من أضيافه {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمن وَرَاء إِسْحَاق يَعْقُوب} ولدا الْوَلَد فَضَحكت فَحَاضَت مقدم ومؤخر

72

{قَالَت يَا ويلتى أألد وَأَنَاْ عَجُوزٌ} بنت ثَمَان وَتِسْعين سنة للعجوز الْكَبِير ولد كَيفَ هَذَا {وَهَذَا بَعْلِي} زَوجي إِبْرَاهِيم {شَيْخاً} ابْن تسع وَتِسْعين سنة {إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ} عجب

73

{قَالُوا} لَهَا {أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ الله} من قدرَة الله {رَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ} سعاداته {عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْت} يَا أهل بَيت إِبْرَاهِيم {إِنَّهُ حَمِيدٌ} بأعمالكم {مَّجِيدٌ} كريم يكرمكم بِولد صَالح

74

{فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الروع} الْخَوْف {وَجَآءَتْهُ الْبُشْرَى} الْبشَارَة بِالْوَلَدِ {يُجَادِلُنَا} يخاصمنا {فِي قَوْمِ لُوطٍ} فِي هَلَاك قوم لوط

75

{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ} عَن الْجَهْل (أَوَّاهٌ) رَحِيم {منيب} مقبل إِلَى الله

76

{يَا إِبْرَاهِيم أعرض عَن هَذَا} عَن جدالك هَذَا {إِنَّهُ قَدْ جَآءَ أَمْرُ رَبَّكَ} عَذَاب رَبك بِهَلَاك قوم لوط {وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ} يَأْتِيهم {عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ} غير مَصْرُوف عَنْهُم

77

{وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا} جِبْرِيل وَمن مَعَه من الْمَلَائِكَة {لُوطاً} إِلَى لوط {سِيءَ بِهِمْ} سَاءَهُ مجيئهم {وَضَاقَ بِهِمْ} اغتم بمجيئهم {ذَرْعاً} اغتماماً شَدِيدا خَافَ عَلَيْهِم من صَنِيع قومه {وَقَالَ} فِي نَفسه

{هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ} شَدِيد عَليّ

78

{وَجَآءَهُ قَوْمُهُ} قوم لوط {يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ} يسرعون إِلَى دَاره ويهرولون هرولة {وَمِن قَبْلُ} أَي وَمن قبل مَجِيء جِبْرِيل {كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَات} عَمَلهم الْخَبيث {قَالَ} لَهُم لوط {يَا قوم هَؤُلَاءِ بَنَاتِي} وَيُقَال بَنَات قومِي {هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} أَنا أزوجكم {فَاتَّقُواْ اللًّهَ} فاخشوا الله فِي الْحَرَام {وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي} لَا تفضحوني فِي أضيافي {أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ} يدلهم على الصَّوَاب وَيَأْمُرهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وينهاهم عَن الْمُنكر

79

{قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ} يَا لوط {مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ} من حَاجَة {وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ} يعنون عَمَلهم الْخَبيث

80

{قَالَ} لوط فِي نَفسه {لَوْ أَنَّ لِي بكم قُوَّة} بِالْبدنِ وَالْولد {أَو آوي} أقدر أَن أرجع {إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} إِلَى عشيرة كَثِيرَة لمنعت نَفسِي مِنْكُم فَلَمَّا علم جِبْرِيل وَالْمَلَائِكَة خوف لوط من تهدد قومه

81

{قَالُوا يَا لوط إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يصلوا إِلَيْكَ} بِالْهَلَاكِ نَحن نهلكهم {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ} فسر بأهلك وَيُقَال أدْلج بهم {بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْل} فِي بعض من اللَّيْل آخر اللَّيْل عِنْد السحر {وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ} لَا يتَخَلَّف مِنْكُم {أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتك} واعلة المنافقة {إِنَّهُ مُصِيبُهَا} سيصيبها {مَآ أَصَابَهُمْ} مَا يصيبهم من الْعَذَاب {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ} بِالْهَلَاكِ {الصُّبْح} عِنْد الصَّباح قَالَ لوط الْآن يَا جِبْرِيل قَالَ جِبْرِيل يَا لوط {أَلَيْسَ الصُّبْح بِقَرِيبٍ} لِأَنَّهُ رَآهُ وَلم ير لوط

82

{فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا} عذابنا لهلاكهم {جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا} قلبناها وَجَعَلنَا أَسْفَلهَا أَعْلَاهَا وأعلاها أَسْفَلهَا {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا} على شذاذها ومسافريها {حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ} من سبخ ووحل مثل الْآجر وَيُقَال من سَمَاء الدُّنْيَا {مَّنْضُودٍ} متتابع بَعْضهَا على أثر بعض

83

{مُّسَوَّمَةً} مخططة بِالسَّوَادِ والحمرة وَالْبَيَاض وَيُقَال مَكْتُوب عَلَيْهَا اسْم من هلك بهَا {عِندَ رَبِّكَ} من عِنْد رَبك يَا مُحَمَّد تَأتي تِلْكَ الْحِجَارَة {وَمَا هِيَ} يَعْنِي الْحِجَارَة {مِنَ الظَّالِمين بِبَعِيدٍ} لم تخطهم بل أَصَابَتْهُم وَيُقَال مَا هِيَ من ظالمي أمتك بِبَعِيد من يَقْتَدِي بهم أَي يفعلهم

84

{وَإِلَى مَدْيَنَ} وَأَرْسَلْنَا إِلَى مَدين {أَخَاهُمْ} نَبِيّهم {شعيبا قَالَ يَا قوم اعبدوا الله} وحدوا الله {مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَه غَيره} غير الَّذِي أَمركُم أَن تؤمنوا بِهِ {وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَال وَالْمِيزَان} أَي حُقُوق النَّاس بِالْكَيْلِ وَالْوَزْن {إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ} بسعة وَمَال وَرخّص السّعر {وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ} إِن لم تؤمنوا بِهِ وَلم توفوا بِالْكَيْلِ وَالْوَزْن {عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ} يُحِيط بكم وَلَا ينفلت مِنْكُم أحد من الْقَحْط والجدوبة وَغير ذَلِك

85

{وَيَا قوم أَوْفُواْ الْمِكْيَال وَالْمِيزَان} أَي أَتموا الْكَيْل وَالْوَزْن {بِالْقِسْطِ} بِالْعَدْلِ {وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاس أَشْيَآءَهُمْ} لَا تنقصوا حُقُوق النَّاس بِالْكَيْلِ وَالْوَزْن {وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْض مُفْسِدِينَ} لَا تعملوا فِي الأَرْض بِالْفَسَادِ وبعبادة الْأَوْثَان وَدُعَاء النَّاس إِلَيْهَا وبخس الْكَيْل وَالْوَزْن

86

{بَقِيَّة الله} ثَوَاب الله على وَفَاء الْكَيْل وَالْوَزْن {خَيْرٌ لَّكُمْ} وَيُقَال مَا يبقي الله لكم من الْحَلَال خير لكم مِمَّا تبخسون بِالْكَيْلِ وَالْوَزْن {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} مُصدقين بِمَا أَقُول لكم {وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} بكفيل أحفظكم لِأَنَّهُ لم يكن مَأْمُورا بقتالهم

87

{قَالُوا يَا شُعَيْب أصلاتك} كَثْرَة صلواتك {تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا}

من الْأَوْثَان {أَوْ أَن نَّفْعَلَ} لَا نَفْعل {فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ} من البخس فِي الْكَيْل وَالْوَزْن {إِنَّكَ لأَنتَ الْحَلِيم الرشيد} السَّفِيه الضال استهزاء بِهِ

88

{قَالَ يَا قوم أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ} يَقُول إِنِّي {على بَيِّنَةٍ من رَبِّي} على بَيَان نزل من رَبِّي {وَرَزَقَنِي مِنْهُ رزقا حسنا} أكرمني بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام وَأَعْطَانِي مَالا حَلَالا {وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَآ أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} يَقُول مَا أُرِيد أَن أفعل مَا أنهاكم عَنهُ من البخس فِي الْكَيْل وَالْوَزْن {إِنْ أُرِيدُ} مَا أُرِيد {إِلاَّ الْإِصْلَاح} الْعدْل بِالْكَيْلِ وَالْوَزْن {مَا اسْتَطَعْت وَمَا توفيقي} بوفاء الْكَيْل وَالْوَزْن {إِلاَّ بِاللَّه} من الله {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} فوضت أَمْرِي إِلَيْهِ {وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} أقبل

89

{وَيَا قوم لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ} لَا يحملنكم {شقاقي} بغضي وعداوتي حَتَّى لَا تؤمنوا وَلَا تؤفوا بِالْكَيْلِ وَالْوَزْن {أَن يُصِيبَكُم} فيصيبكم {مِّثْلُ مَآ أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ} يَعْنِي عَذَاب قوم نوح من الْغَرق والطوفان {أَوْ قَوْمَ هُودٍ} الْهَلَاك بِالرِّيحِ {أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ} الصَّيْحَة {وَمَا قَوْمُ لُوطٍ} مَا خبر قوم لوط {مِّنكُم بِبَعِيدٍ} قد بَلغَكُمْ مَا أَصَابَهُم

90

{وَاسْتَغْفرُوا رَبَّكُمْ} وحدوا ربكُم {ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} أَقبلُوا إِلَيْهِ بِالتَّوْبَةِ وَالْإِخْلَاص {إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ} بِعبَادة الْمُؤمنِينَ {وَدُودٌ} متودد إِلَيْهِم بالمغفرة وَالثَّوَاب وَيُقَال محب لَهُم ويحببهم إِلَى الْخلق وَيُقَال يحبب إِلَيْهِم طَاعَته

91

{قَالُوا يَا شُعَيْب مَا نَفْقَهُ} مَا نعقل {كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ} مِمَّا تَأْمُرنَا {وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً} ضَرِير الْبَصَر {وَلَوْلاَ رَهْطُكَ} قَوْمك {لَرَجَمْنَاكَ} لقتلناك {وَمَآ أَنْت علينا بعزيز} كريم

92

{قَالَ يَا قوم أرهطي} قومِي {أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ الله} من كِتَابه وَدينه وَيُقَال عُقُوبَة رهطي أَشد عَلَيْكُم من عُقُوبَة الله {واتخذتموه} نبذتموه {وَرَآءَكُمْ ظِهْرِيّاً} خلف ظهركم مَا جِئْت بِهِ من الْكتاب {إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ} بعقوبة مَا تَعْمَلُونَ {مُحِيطٌ} عَالم

93

{وَيَا قوم اعْمَلُوا على مَكَانَتِكُمْ} على دينكُمْ فِي مَنَازِلكُمْ بهلاكي {إِنِّي عَامِلٌ} بِهَلَاكِكُمْ {سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ} إِلَى من يَأْتِيهِ {عَذَابٌ يُخْزِيهِ} يذله ويهلكه {وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ} على الله {وارتقبوا} انتظروا لهلاكي {إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ} منتظر لهلاككم

94

{وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا} عذابنا {نَجَّيْنَا شُعَيْباً وَالَّذين آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا} بِنِعْمَة منا {وَأَخَذَتِ الَّذين ظَلَمُواْ} أشركوا يَعْنِي قوم شُعَيْب {الصَّيْحَة} بِالْعَذَابِ {فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ} فصاروا فِي مساكنهم {جَاثِمِينَ} ميتين رَمَادا

95

{كَأَن لم يغنوا فِيهَا} كَأَن لم يَكُونُوا فِي الأَرْض قطّ {أَلاَ بُعْداً لِّمَدْيَنَ} لقوم شُعَيْب من رَحْمَة الله {كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ} قوم صَالح من رَحْمَة الله وَكَانَ عَذَاب قوم صَالح وَقوم شُعَيْب سَوَاء كِلَاهُمَا كَانَ الصَّيْحَة بِالْعَذَابِ أَصَابَهُم حر شَدِيد وَقوم صَالح أَتَاهُم من تَحت أَرجُلهم الْعَذَاب وَقوم شُعَيْب أَتَاهُم من فَوق رؤوسهم الْعَذَاب

96

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا} التسع {وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} حجَّة بَيِّنَة والآيات هِيَ حجَّة بَيِّنَة

97

{إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ} رؤسائه {فاتبعوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ} وَتركُوا قَول مُوسَى {وَمَآ أَمْرُ فِرْعَوْنَ} قَول فِرْعَوْن {بِرَشِيدٍ} بصواب

98

{يَقْدُمُ قَوْمَهُ} يتَقَدَّم ويقود قومه {يَوْمَ الْقِيَامَة فَأَوْرَدَهُمُ النَّار} فأدخلهم النَّار {وَبِئْسَ الْورْد المورود} بئس الْمدْخل فِرْعَوْن وَبئسَ الْمدْخل قومه وَيُقَال بئس الدَّاخِل فِرْعَوْن وَبئسَ الْمدْخل قومه وَيُقَال بئس الدَّاخِل فِرْعَوْن وَقَومه وَبئسَ الْمدْخل النَّار

99

{وَأُتْبِعُواْ فِي هَذِه لَعْنَةً} أهلكوا فِي هَذِه الدُّنْيَا بِالْغَرَقِ {وَيَوْمَ الْقِيَامَة} لَهُم لعنة أُخْرَى وَهِي النَّار {بِئْسَ الرفد المرفود} يَقُول بئس الْغَرق ورفده النَّار وَيُقَال بئس العون وَبئسَ المعان

100

{ذَلِكَ} الَّذِي ذكرت {مِنْ أَنْبَآءِ الْقرى} فِي الدُّنْيَا من أَخْبَار الْقرى الْمَاضِيَة {نَقُصُّهُ عَلَيْكَ} ننزل عَلَيْك جِبْرِيل بأخبارها {مِنْهَا قَآئِمٌ} ينظر إِلَيْهَا قد باد أَهلهَا {وَحَصِيدٌ} مِنْهَا مَا قد خرب وَهلك أَهلهَا

101

{وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ} بإهلاكهم {وَلَكِن ظلمُوا أَنفُسَهُمْ} بالْكفْر والشرك وَعبادَة الْأَوْثَان {فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ} يعْبدُونَ {مِن دُونِ الله} من عَذَاب الله {مِن شَيْءٍ لَّمَّا جَآءَ أَمْرُ رَبِّكَ} حِين جَاءَ عَذَاب رَبك {وَمَا زَادُوهُمْ} عبَادَة الْأَوْثَان {غَيْرَ تَتْبِيبٍ} غير تخسير

102

{وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ} عَذَاب رَبك {إِذَا أَخَذَ الْقرى} عذب أهل الْقرى {وَهِيَ ظَالِمَةٌ} مُشركَة كَافِرَة {إِنَّ أَخْذَهُ} عَذَابه {أَلِيمٌ} وجيع {شَدِيدٌ}

103

{إِنَّ فِي ذَلِك} فِيمَا ذكرت لَك {لآيَةً} لعبرة {لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَة} فَلَا يَقْتَدِي بهم {ذَلِك} يَوْم الْقِيَامَة {يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاس} يجمع فِيهِ الْأَولونَ وَالْآخرُونَ {وَذَلِكَ يَوْمٌ مشهود} شهده أهل السَّمَاء وَأهل الأَرْض

104

{وَمَا نُؤَخِّرُهُ} يَعْنِي ذَلِك الْيَوْم {إِلاَّ لأَجَلٍ مَّعْدُودٍ} لوقت مَعْلُوم

105

{يَوْمَ يَأْتِ} ذَلِك الْيَوْم {لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ} لَا تشفع نفس صَالِحَة لأحد {إِلاَّ بِإِذْنِهِ} بأَمْره {فَمنهمْ} من النَّاس يؤمئذ {شَقِيٌّ} قد كتب عَلَيْهِ الشقاوة {وَسَعِيدٌ} قد كتب لَهُ السَّعَادَة

106

{فَأَمَّا الَّذين شَقُواْ} كتب عَلَيْهِم الشقاوة {فَفِي النَّار لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ} صَوت كزفير الْحمار فِي صَدره وَهُوَ أول مَا ينهق {وَشَهِيقٌ} كشهيق الْحمار فِي حلقه وَهُوَ آخر مَا يفرغ من نهيقه

107

{خَالِدِينَ فِيهَا} دائمين فِي النَّار {مَا دَامَتِ السَّمَاوَات وَالْأَرْض} إِلَّا مَا شَاءَ رَبك السَّمَوَات وَالْأَرْض مُنْذُ خلقت كدوام رَبك وَقد يَشَاء رَبك أَن يخلدوا فِي النَّار وَيُقَال يخلد من كتب عَلَيْهِ الشقاوة مَا دَامَت السَّمَوَات وَالْأَرْض وَبَنُو آدم إِلَّا مَا شَاءَ رَبك أَن يحوله من الشقاوة إِلَى السَّعَادَة بقوله يمحوا الله مَا يَشَاء وَيثبت وَيُقَال يكونُونَ دائمين فِي النَّار مَا دَامَت السَّمَوَات وَالْأَرْض سَمَاء النَّار وَأَرْض النَّار إِلَّا مَا شَاءَ رَبك أَن يخرجهم من أهل التَّوْحِيد من كَانَت شقاوته بذنب دون الْكفْر فيدخله الْجنَّة بإيمانه خَالِصا {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} كَمَا يُرِيد

108

{وَأَمَّا الَّذين سُعِدُواْ} كتب لَهُم السَّعَادَة {فَفِي الْجنَّة خَالِدِينَ فِيهَا} دائمين فِي الْجنَّة {مَا دَامَتِ السَّمَاوَات وَالْأَرْض} كدوام السَّمَوَات وَالْأَرْض مُنْذُ خلقنَا {إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ} وَقد شَاءَ رَبك أَن يحوله من السَّعَادَة إِلَى الشقاوة لقَوْله يمحو الله مَا يَشَاء من السَّعَادَة إِلَى الشقاوة وَيثبت وَيتْرك وَيُقَال يكونُونَ فِي الْجنَّة دائمين مَا دَامَت السَّمَوَات وَالْأَرْض سَمَاء الْجنَّة وَأَرْض الْجنَّة إِلَّا مَا شَاءَ رَبك أَن يعذبه فِي النَّار قبل أَن يدْخلهُ الْجنَّة ثمَّ يُخرجهُ من النَّار ويدخله الْجنَّة فَيكون بعد ذَلِك دَائِما فِي الْجنَّة {عَطَآءً} ثَوابًا لَهُم {غَيْرَ مَجْذُوذٍ} غير مَنْقُوص وَغير مَقْطُوع

109

{فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ} فِي شكّ {مِّمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ} أهل مَكَّة

{مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم مِّن قَبْلُ} من قبلهم وهلكوا على ذَلِك {وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ} عقوبتهم {غَيْرَ مَنقُوصٍ} وَيُقَال نزلت هَذِه الْآيَة وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ فِي الْقَدَرِيَّة

110

{وَلَقَد آتَيْنَا} أعطينا {مُوسَى الْكتاب} يَعْنِي التَّوْرَاة {فَاخْتلف فِيهِ} فِي كتاب مُوسَى آمن بِهِ بعض وَكفر بِهِ بعض {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ} وَجَبت {مِن رَّبِّكَ} بِتَأْخِير الْعَذَاب عَن أمتك {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} لفرغ من هلاكهم ولجاءهم الْعَذَاب {وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ} ظَاهر الشَّك

111

{وَإِنَّ كُلاًّ} كلا الْفَرِيقَيْنِ {لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ} يَقُول يوفرهم {رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ} ثَوَاب أَعْمَالهم بالْحسنِ حسنا وبالسيء سَيِّئًا {إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب {خَبِيرٌ}

112

{فاستقم} على طَاعَة الله {كَمَآ أُمِرْتَ} فِي الْقُرْآن {وَمَن تَابَ مَعَكَ} من الْكفْر والشرك أَيْضا فليستقم مَعَك {وَلاَ تَطْغَوْاْ} لَا تكفرُوا وَلَا تعصوا بِمَا فِي الْقُرْآن من الْحَلَال وَالْحرَام {إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر {بَصِير}

113

{وَلاَ تركنوا} لَا تميلوا {إِلَى الَّذين ظَلَمُواْ} أنفسهم بالْكفْر والشرك والمعاصي {فَتَمَسَّكُمُ} فتصيبكم {النَّار} كَمَا تصيبهم {وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ الله} من عَذَاب الله {مِنْ أَوْلِيَآءَ} من أقرباء تحفظكم من عَذَاب الله {ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ} لَا تمْنَعُونَ مِمَّا يُرَاد بكم

114

{وَأَقِمِ الصَّلَاة} أتم الصَّلَاة {طَرَفَيِ النَّهَار} صَلَاة الغذاة وَالظّهْر وَيُقَال صَلَاة الْغَدَاة وَالظّهْر وَالْعصر {وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْل} دُخُول اللَّيْل صَلَاة الْمغرب وَالْعشَاء {إِنَّ الْحَسَنَات} الصَّلَوَات الْخمس {يُذْهِبْنَ السَّيِّئَات} يكفرن السَّيِّئَات دون الْكَبَائِر وَيُقَال سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر {ذَلِك ذكرى لِلذَّاكِرِينَ} تَوْبَة للتائبين وَيُقَال كَفَّارَات لذنوب التائبين نزلت فِي شَأْن رجل تمار يُقَال لَهُ أَبُو الْيُسْر بن عَمْرو

115

{واصبر} يَا مُحَمَّد على مَا أمرت وعَلى أذاهم {فَإِنَّ الله لاَ يُضِيعُ} لَا يبطل {أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} ثَوَاب الْمُؤمنِينَ الْمُحْسِنِينَ بالْقَوْل وَالْفِعْل

116

{فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُون} يَقُول لم يكن من الْقُرُون الْمَاضِيَة {مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ} من الْمُؤمنِينَ {يَنْهَوْنَ عَنِ الْفساد فِي الأَرْض} عَن الْكفْر والشرك وَعبادَة الْأَوْثَان وَسَائِر الْمعاصِي {إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ} من الْمُؤمنِينَ {وَاتبع الَّذين ظَلَمُواْ} اشْتغل الَّذين أشركوا ب {مَآ أُتْرِفُواْ فِيهِ} بِمَا نعموا فِيهِ فِي الدُّنْيَا من المَال {وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ} مُشْرِكين

117

{وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ} أهل {الْقرى بِظُلْمٍ} مِنْهُم {وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} فِيهَا من يَأْمر بِالْمَعْرُوفِ وَينْهى عَن الْمُنكر وَيُقَال وَمَا كَانَ رَبك ليهلك الْقرى بظُلْم مِنْهُ وَأَهْلهَا مصلحون مقيمون على الطَّاعَة مستمسكون بهَا

118

{وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاس أُمَّةً وَاحِدَةً} لجمعهم على مِلَّة وَاحِدَة مِلَّة الْإِسْلَام {وَلاَ يَزَالُونَ} وَلَكِن لَا يزالون {مُخْتَلِفِينَ} فِي الدّين وَالْبَاطِل

119

{إِلاَّ مَن رَّحِمَ} عصم {رَبُّكَ} من الْبَاطِل والأديان الْمُخْتَلفَة وهم الْمُؤْمِنُونَ {وَلذَلِك خَلَقَهُمْ} للرحمة خلق أهل الرَّحْمَة وللاختلاف خلق أهل الِاخْتِلَاف {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ} وَجب قَول رَبك {لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجنَّة وَالنَّاس} من كفار الْجِنّ وَالْإِنْس {أجْمَعِينَ}

120

{وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ} كَمَا بيّنت لَك

{مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُل} أَخْبَار الرُّسُل {مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} لكَي نطيب بِهِ قَلْبك أَنه قد فعل بغيرك من الْأَنْبِيَاء مَا فعل بك {وَجَآءَكَ فِي هَذِه} السُّورَة {الْحق} خبر الْحق {وَمَوْعِظَةٌ} من الْمعاصِي {وذكرى} عظة {لِلْمُؤْمِنِينَ}

121

{وَقُل لِّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ} بِاللَّه وباليوم الآخر وبالملائكة وبالكتب وبالنبيين {اعْمَلُوا على مَكَانَتِكُمْ} على دينكُمْ فِي مَنَازِلكُمْ بهلاكي {إِنَّا عَامِلُونَ} فِي هلاككم

122

{وَانْتَظرُوا} هلاكي {إِنَّا مُنتَظِرُونَ} هلاككم

123

{وَللَّه غيب السَّمَاوَات وَالْأَرْض} مَا غَابَ عَن الْعباد {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمر} وَإِلَى الله يرجع أَمر الْعباد {كُلُّهُ} فِي الْآخِرَة {فاعبده} فأطعه {وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} ثق بِهِ {وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} من الْمعاصِي وَيُقَال بتارك عُقُوبَة مَا تَعْمَلُونَ كَمَا لم يغْفل وَمن السُّورَة الَّتِي يذكر فِيهَا يُوسُف وَهِي كلهَا مَكِّيَّة آياتها مائَة وَإِحْدَى عشرَة وكلماتها ألف وَسَبْعمائة وست وَسَبْعُونَ وحروفها سَبْعَة آلَاف وَمِائَة وست وَتسْعُونَ tit/2 { بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم {/ tit

يوسف

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {الر} يَقُول أَنا الله أرى مَا تَقولُونَ وَمَا تَعْمَلُونَ وَأَن مَا يقْرَأ عَلَيْكُم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ كَلَامي وَيُقَال قسم أقسم بِهِ {تِلْكَ آيَاتُ الْكتاب الْمُبين} إِن هَذِه السُّورَة آيَات الْقُرْآن الْمُبين الْحَلَال وَالْحرَام وَالْأَمر وَالنَّهْي

2

{إِنَّآ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً} يَقُول إِنَّا أنزلنَا جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ على مُحَمَّد على مجْرى اللُّغَة الْعَرَبيَّة {لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} لكَي تعقلوا مَا أمرْتُم بِهِ وَمَا نهيتم عَنهُ

3

{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ} نبين لَك {أَحْسَنَ الْقَصَص} أحسن الْخَبَر من أَخْبَار يُوسُف وَإِخْوَته {بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ} بِالَّذِي أَوْحَينَا إِلَيْك جِبْرِيل بِهِ {هَذَا الْقُرْآن} فِي هَذَا الْقُرْآن {وَإِن كُنتَ} وَقد كنت {مِن قَبْلِهِ} من قبل نزُول جِبْرِيل عَلَيْك بِالْقُرْآنِ {لَمِنَ الغافلين} عَن خبر يُوسُف وَإِخْوَته

4

{إِذْ قَالَ} قد قَالَ {يُوسُف لِأَبِيهِ يَا أَبَت إِنِّي رَأَيْتُ} فِي مَنَام النَّهَار {أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً} نَزَلْنَ من أماكنهن وسجدن لي سَجْدَة التَّحِيَّة وهم إخْوَته أحد عشر أَخا {وَالشَّمْس وَالْقَمَر رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} يَقُول رَأَيْت الشَّمْس وَالْقَمَر نزلا من أمكنتهما وَسجدا لي سَجْدَة التَّحِيَّة وهما أَبَوَاهُ راحيل وَيَعْقُوب

5

{قَالَ} يَعْقُوب ليوسف فِي السِّرّ {يَا بني} إِذا رَأَيْت رُؤْيا بعد هَذَا {لاَ تَقْصُصْ} لَا تخبر {رُؤْيَاكَ على إِخْوَتِكَ} لإخوتك {فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً} فيحتالوا لَك حِيلَة يكون فِيهَا هلاكك {إِنَّ الشَّيْطَان لِلإِنْسَانِ} لبني آدم {عَدُوٌّ مُّبِينٌ} ظَاهر الْعَدَاوَة يحملهم على الْحَسَد

6

{وَكَذَلِكَ} هَكَذَا {يَجْتَبِيكَ} يصطفيك {رَبُّكَ} بِالنُّبُوَّةِ {وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيث} من تَعْبِير الرُّؤْيَا {وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ} بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام أَي يُمِيتك على ذَلِك

{وعَلى آلِ يَعْقُوبَ} بك وَيتم نعْمَته على أَوْلَاد يَعْقُوب بك {كَمَآ أَتَمَّهَآ} نعْمَته بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام {على أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ} من قبلك {إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ} بنعمته {حَكِيمٌ} بإتمامها وَيُقَال عليم برؤياك حَكِيم بِمَا يصيبك

7

{لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ} فِي خبر يُوسُف {وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ} عبرات {لِّلسَّائِلِينَ} عَن خبرهم نزلت هَذِه الْآيَة فِي حبر من الْيَهُود

8

{إِذْ قَالُواْ} إخْوَة يُوسُف بَعضهم لبَعض {لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ} بنيامين {أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا} آثر عِنْده {مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} عشرَة {إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} فِي خطأ بَين فِي حب يُوسُف واختياره علينا

9

ثمَّ قَالَ بَعضهم لبَعض {اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطرحوه أَرْضاً} فِي جب {يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ} يَقُول يقبل عَلَيْكُم أبوكم بِوَجْهِهِ {وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ} من بعد قَتله {قَوْماً صَالِحِينَ} تَائِبين من قَتله وَيُقَال صلحت حالكم مَعَ أبيكم

10

{قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ} من إخْوَة يُوسُف وَهُوَ يهوذا لإخوته {لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ} وَلَكِن اطرحوه {فِي غَيَابَةِ الْجب} فِي أَسْفَل الْجب وَيُقَال فِي ظلمته {يَلْتَقِطْهُ} يرفعهُ {بَعْضُ السيارة} مارى الطَّرِيق من الْمُسَافِرين {إِن كُنْتُم فاعلين} بِهِ أمرا ثمَّ جَاءُوا إِلَى أَبِيهِم

11

{قَالُوا} لأبيهم {يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا على يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ} حافظون

12

{أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ} يذهب وَيَجِيء وينشط {وَيَلْعَبْ} يَله {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} مشفقون

13

{قَالَ} أبوهم {إِنِّي ليحزنني أَن تَذْهَبُواْ بِهِ} فَلَا أرَاهُ {وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْب} لِأَنَّهُ رأى فِي مَنَامه أَن ذئباً يشْتَد عَلَيْهِ فَمن ذَلِك قَالَ وأخاف أَن يَأْكُلهُ الذِّئْب {وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ} باللعب وَيُقَال مشغولون بعملكم

14

{قَالُواْ} لأبيهم {لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْب وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} عشرَة {إِنَّآ إِذَاً لَّخَاسِرُونَ} لعاجزون وَيُقَال مغبونون بترك حُرْمَة الْوَالِد وَالْأَخ

15

{فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ} بعد مَا أذن لَهُم بذهابه {وَأَجْمعُوا أَن يَجْعَلُوهُ} يَقُول اجْتَمعُوا على أَن يطرحوه {فِي غَيَابَةِ الْجب} فِي أَسْفَل الْجب {وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ} إِلَى يُوسُف أرسلنَا إِلَيْهِ جِبْرِيل وَيُقَال ألهمه {لَتُنَبِّئَنَّهُمْ} لتخبرنهم يَا يُوسُف {بِأَمْرِهِمْ} بصنيعهم {هَذَا} بك {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} وهم لَا يعلمُونَ أَنَّك يُوسُف حَتَّى تخبرهم وَيُقَال لَا يعلمُونَ بوحينا إِلَى يُوسُف

16

{وجاؤوا أَبَاهُمْ} إِلَى أَبِيهِم {عِشَآءً} بعد الظّهْر {يَبْكُونَ} على يُوسُف

17

{قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ} ننتضل ونصطاد {وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْد متاعنا} ليحفظ {فَأَكَلَهُ الذِّئْب} كَمَا قلت {وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ} بمصدق {لنا وَلَو كُنَّا} وَإِن كُنَّا {صَادِقين} فِي قَوْلنَا

18

{وجاؤوا على قَمِيصِهِ} لطخوا على قَمِيصه

{بِدَمٍ كَذِبٍ} دم جدي وَيُقَال طري إِن قَرَأت بِالدَّال {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ} زينت {لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً} فِي هَلَاك يُوسُف ففعلتم {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} فعلى صَبر جميل بِلَا جزع {وَالله الْمُسْتَعَان} مِنْهُ أستعين {على مَا تَصِفُونَ} على صبري على مَا تَقولُونَ من هَلَاكه وَلم يُصدقهُمْ فِي قَوْلهم لأَنهم قَالُوا مرّة أُخْرَى قبل هَذَا قَتله اللُّصُوص

19

{وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ} قافلة من الْمُسَافِرين من قبل مَدين يُرِيدُونَ مصر فتحيروا فِي الطَّرِيق فأخطئوا الطَّرِيق فَجعلُوا يهيمون فِي الأَرْض حَتَّى وَقَعُوا فِي الْأَرَاضِي الَّتِي فِيهَا الْجب وَهِي أَرض دوثن بَين مَدين ومصر فنزلوا عَلَيْهِ {فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ} فَأرْسل كل قوم طَالب المَاء وَهُوَ ساقيهم فَوَافَقَ جب يُوسُف مَالك بن دعر رجل من الْعَرَب من أهل مَدين ابْن أخي شُعَيْب النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام {فأدلى دَلْوَهُ} فَأرْخى دلوه فِي جب يُوسُف فَتعلق يُوسُف بِهِ فَلم يقدر على نَزعه من الْبِئْر فَنظر فِيهِ فَرَأى غُلَاما قد تعلق بالدلو فَنَادَى أَصْحَابه {قَالَ يَا بشرى} هَذَا بشراي يَا أَصْحَابِي قَالُوا مَا ذَلِك يَا مَالك قَالَ {هَذَا غُلاَمٌ} أحسن مَا يكون من الغلمان فَاجْتمعُوا عَلَيْهِ فأخرجوه من الْجب {وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً} وكتموه من الْقَوْم وَقَالُوا لقومهم هَذِه بضَاعَة استبضعها أهل المَاء لنبيعه لَهُم بِمصْر {وَالله عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} بِيُوسُف يَعْنِي إخْوَة يُوسُف وَيُقَال أهل الْقَافِلَة

20

{وَشَرَوْهُ} باعوه إخْوَته من مَالك بن دعر {بِثَمَنٍ بَخْسٍ} نُقْصَان بِالْوَزْنِ وَيُقَال زيوف وَيُقَال حرَام {دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} عشْرين درهما وَيُقَال اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ درهما {وَكَانُواْ فِيهِ} فِي ثمن يُوسُف {مِنَ الزاهدين} لم يحتاجوا إِلَيْهِ وَيُقَال كَانَ إخْوَة يُوسُف فِي يُوسُف من الزاهدين لم يعرفوا قدره ومنزلته عِنْد الله تَعَالَى وَيُقَال كَانَ أهل الْقَافِلَة فِي يُوسُف من الزاهدين

21

{وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ} اشْترى يُوسُف {مِن مِّصْرَ} فِي مصر وَهُوَ الْعَزِيز خَازِن الْملك وَهُوَ صَاحب جُنُوده وَكَانَ يُسمى قطفير {لاِمْرَأَتِهِ} زليخا {أَكْرِمِي مَثْوَاهُ} قدره ومنزلته {عَسى أَن يَنفَعَنَآ} فِي ضيعتنا {أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً} أَو نتبناه وَكَانَ اشْتَرَاهُ من مَالك بن دعر بِعشْرين درهما وحلة ونعلين {وَكَذَلِكَ} هَكَذَا {مَكَّنَّا لِيُوسُفَ} ملكنا يُوسُف {فِي الأَرْض} أَرض مصر {وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيث} تَعْبِير الرُّؤْيَا {وَالله غَالِبٌ على أَمْرِهِ} على مقدوره وَلَا يرد مقدوره أحد {وَلَكِن أَكْثَرَ النَّاس} أهل مصر {لاَ يَعْلَمُونَ} ذَلِك وَلَا يصدقون وَيُقَال لَا يعلمُونَ أَن الله غَالب على أمره

22

{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ} والأشد من ثَمَان عشرَة سنة إِلَى ثَلَاثِينَ سنة {آتَيْنَاهُ} أعطيناه {حُكْماً وَعِلْماً} فهما ونبوة {وَكَذَلِكَ} هَكَذَا {نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} بالْقَوْل وَالْفِعْل بِالْعلمِ وَالْحكمَة

23

{وَرَاوَدَتْهُ} طلبته {الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ} أَن تستمكن من نَفسه {وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَاب} عَلَيْهَا وعَلى يُوسُف {وَقَالَتْ} ليوسف {هَيْتَ لَكَ} هَلُمَّ أَنا لَك وَيُقَال تَعَالَى أَنا لَك وَيُقَال تهيأت لَك مَعْنَاهُ إِن قَرَأت بِنصب الْهَاء وَالتَّاء هَلُمَّ لَك وَإِن قَرَأت بِكَسْر الْهَاء وَضم التَّاء والهمزة تهيأت لَك وَإِن قَرَأت بِنصب الْهَاء وَرفع التَّاء تَعَالَى أَنا لَك {قَالَ} يُوسُف {مَعَاذَ الله} أعوذ بِاللَّه من هَذَا الْأَمر {إِنَّهُ رَبِّي} سَيِّدي الْعَزِيز {أَحْسَنَ مَثْوَايَ} قدري ومنزلتي لَا أخونه فِي أَهله {إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ} لَا يَأْمَن وَلَا ينجو {الظَّالِمُونَ} الزانون من عَذَاب الله

24

{وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ} الْمَرْأَة {وَهَمَّ بِهَا} يُوسُف {لَوْلَا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} عَذَاب ربه لَازِما على نَفسه وَيُقَال رأى صُورَة أَبِيه وَيُقَال لَوْلَا أَن رأى برهَان ربه لَهُم مقدم ومؤخر {كَذَلِك} هَكَذَا {لنصرف عَنهُ السوء} الْقَبِيح {والفحشآء} يَعْنِي الزِّنَا {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المخلصين} المعصومين من الزِّنَا

25

{واستبقا الْبَاب} تبادرا إِلَى الْبَاب أَرَادَ يُوسُف ليخرج وأرادت الْمَرْأَة لتغلق الْبَاب على يُوسُف فسبقته الْمَرْأَة {وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ} شقَّتْ قَمِيص يُوسُف نِصْفَيْنِ {مِن دُبُرٍ} من الْخلف من وَسطه إِلَى قَدَمَيْهِ {وَأَلْفَيَا} ووجدا {سَيِّدَهَا} زوج الْمَرْأَة وَيُقَال ابْن عَمها {لَدَى الْبَاب} عِنْد الْبَاب {قَالَتْ} الْمَرْأَة لزَوجهَا {مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بأهلك سوءا} زنا {إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أَو يضْرب ضربا وجيعاً

26

{قَالَ} يُوسُف {هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي} هِيَ دعتني وَطلبت أَن تستمكن من نَفسِي {وَشَهِدَ شَاهِدٌ} حكم حَاكم {مِّنْ أَهْلِهَآ} وَهُوَ أَخُوهَا وَيُقَال ابْن عَمها

{إِن كَانَ قَمِيصُهُ} قَمِيص يُوسُف {قُدَّ} شقّ {مِن قُبُلٍ} من قُدَّام {فَصَدَقَتْ} الْمَرْأَة {وَهُوَ من الْكَاذِبين}

27

{وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ} شقّ {مِن دُبُرٍ} من خلف {فَكَذَبَتْ} الْمَرْأَة {وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ} فِي قَوْله إِنَّهَا راودتني

28

{فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ} شقّ {مِن دُبُرٍ} من خلف {قَالَ} أَخُوهَا {إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ} من مكركن وصنيعكن {إِنَّ كَيْدَكُنَّ} مكركن وصنيعكن {عَظِيمٌ} يخلص إِلَى البريء والسقيم

29

ثمَّ قَالَ أَخُوهَا ليوسف {يُوسُفُ} يَعْنِي يَا يُوسُف {أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} الْأَمر وَلَا تخبر أحدا ثمَّ أعرض إِلَى الْمَرْأَة وَقَالَ {واستغفري لِذَنبِكِ} استحلي واعتذري إِلَى زَوجك من سوء صنيعك أيتها الْمَرْأَة {إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الخاطئين} من الخائنين لزوجك فَفَشَا أَمرهمَا بعد ذَلِك فِي الْمَدِينَة

30

{وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَة} وَهن أَربع نسْوَة امْرَأَة ساقي الْملك وَامْرَأَة صَاحب سجنه وَامْرَأَة صَاحب مطبخه وَامْرَأَة صَاحب دوابه {امْرَأَة الْعَزِيز} زليخا {تُرَاوِدُ فَتَاهَا} تَدْعُو عَبدهَا أَن يستمكنها {عَن نَّفْسِهِ} من نَفسه {قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً} قد شقّ شغَاف قَلبهَا حب يُوسُف وَيُقَال بَطنهَا حب يُوسُف إِن قَرَأت بالشين وَالْعين {إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} فِي خطأ بَين فِي حب عَبدهَا يُوسُف

31

{فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ} بقولهن {أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ} ودعتهن إِلَى الضِّيَافَة {وأعتدت لَهُنَّ متكأ} وسائد يتكئن عَلَيْهَا إِن قُرِئت مُشَدّدَة وَإِن قُرِئت مُخَفّفَة يَقُول أترنجة وَجَاءَت بِاللَّحْمِ وَالْخبْز فَوَضَعته بَين أَيْديهم {وَآتَتْ} أَعْطَتْ {كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً} تقطع بهَا اللَّحْم لأَنهم كَانُوا لَا يَأْكُلُون من اللَّحْم إِلَّا مَا يقطعون بسكاكينهم {وَقَالَتِ} زليخا ليوسف {اخْرُج عَلَيْهِنَّ} يايوسف {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} أعظمنه {وَقَطَّعْنَ} خدشن وخمشن {أَيْدِيَهُنَّ} بالسكين من الدهشة والتحير مِمَّا رأين من حسن يُوسُف {وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ} معَاذ الله {مَا هَذَا بشرا} آدَمِيًّا {إِن هَذَا} مَا هَذَا {إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ} على ربه

32

{قَالَتْ} زليخا لَهُنَّ {فذلكن الَّذِي لُمْتُنَّنِي} عذلتنني وعيبتنني {فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ} دَعوته إِلَى نَفسِي وطلبته لأستمكن من نَفسه {فاستعصم} فَامْتنعَ عني بالعفة {وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَآ آمره ليسجنن} فِي السجْن {وليكونن مِّن الصاغرين} من الذليلين فِيهِ وقلن هَؤُلَاءِ النسْوَة ليوسف أطع مولاتك

33

{قَالَ} يُوسُف {رَبِّ} يَا رب {السجْن أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يدعونني إِلَيْهِ} من الزِّنَا {وَإِلاَّ تَصْرِفْ} إِن لم تصرف {عَنِّي كَيْدَهُنَّ} مكرهن {أَصْبُ إِلَيْهِنَّ} أمل إلَيْهِنَّ {وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلين} بنعمتك وَيُقَال من الزانين

34

{فَاسْتَجَاب لَهُ رَبُّهُ} دَعوته {فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ} مكرهن {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيع} للدُّعَاء {الْعَلِيم} بالإجابة وَيُقَال السَّمِيع لمقالتهن الْعَلِيم بمكرهن

35

{ثُمَّ بَدَا لَهُمْ} ظهر لَهُم يَعْنِي للعزيز {مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الْآيَات} شقّ الْقَمِيص وَقَضَاء أَخِيهَا {لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ} إِلَى سِنِين وَيُقَال إِلَى حِين يقطع مقَالَة النَّاس

36

{وَدَخَلَ مَعَهُ السجْن} بعد دُخُوله إِلَى خمس سِنِين {فَتَيَانَ} عَبْدَانِ للْملك صَاحب شرابه وَصَاحب مطبخه غضب عَلَيْهِمَا وأدخلهما السجْن {قَالَ أَحَدُهُمَآ} وَهُوَ الساقي {إِنِّي أَرَانِي} رَأَيْت نَفسِي {أَعْصِرُ خَمْراً} عنباً وأسقي الْملك وَكَانَ رُؤْيَاهُ أَنه رأى فِي مَنَامه كَأَنَّهُ يدْخل كرماً فَرَأى فِي الْكَرم حبلة حَسَنَة فِيهَا ثَلَاث قضبان وعَلى القضبان عناقيد الْعِنَب فاجتنى الْعِنَب فعصره وناوله الْملك فَقَالَ لَهُ يُوسُف أحسن مَا رَأَيْت أما الْكَرم فَهُوَ الْعَمَل الَّذِي كنت فِيهِ وَأما الحبلة فَهِيَ سلطانك على ذَلِك وَأما حسنها فَهُوَ عزك وكرامتك فِي ذَلِك الْعَمَل وَأما ثَلَاثَة قضبان على الحبلة فَهِيَ ثَلَاثَة أَيَّام تكون فِي السجْن فَتخرج فتعود إِلَى عَمَلك وَأما الْعِنَب الَّذِي عصرت وناولت الْملك فَهُوَ أَن يردك إِلَى عَمَلك ويكرمك وَيحسن إِلَيْك

{وَقَالَ الآخر} وَهُوَ الخباز {إِنِّي أَرَانِي} رَأَيْت نَفسِي {أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطير مِنْهُ} وَكَانَ رُؤْيَاهُ أَنه رأى فِي مَنَامه كَأَنَّهُ يخرج من مطبخ الْملك وعَلى رَأسه ثَلَاث سلال من الْخبز فَوَقع طير على أَعْلَاهَا وَأكل مِنْهَا فَقَالَ لَهُ يُوسُف بئس مَا رَأَيْت أما خُرُوجك من المطبخ فَهُوَ أَن تخرج من عَمَلك وَأما ثَلَاث سلال فَهِيَ ثَلَاثَة أَيَّام تكون فِي السجْن وَأما أكل الطير من رَأسك فَهُوَ أَن يخْرجك الْملك بعد ثَلَاثَة أَيَّام ويصلبك وتأكل الطير من رَأسك وَقَالَ قبل تَعْبِيره {نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ} أخبرنَا بِتَأْوِيل رؤيانا {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} إِلَى أهل السجْن وَيُقَال من الصَّادِقين فِيمَا تَقول

37

{قَالَ} لَهما يُوسُف وَأَرَادَ أَن يعلمهما علمه بتعبير الرُّؤْيَا {لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ} تطعمانه {إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ} بلونه وجنسه {قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا} كَيفَ لَا أعلم تَعْبِير رؤياكما {ذلكما} التَّعْبِير {مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ} لم أتبع دين قوم {لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللَّه وَهُمْ بِالآخِرَة} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت {هُمْ كافرون} جاحدون

38

{وَاتَّبَعت مِلَّةَ آبآئي} اسْتَقَمْت على دين آبَائِي {إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَآ} مَا جَازَ لنا {أَن نُّشْرِكَ بِاللَّه مِن شَيْءٍ} شيأ من الْأَصْنَام {ذَلِك} الدّين الْقيم النُّبُوَّة وَالْإِسْلَام اللَّذَان أكرمنا الله بهما {مِن فَضْلِ الله عَلَيْنَا} منّ من الله علينا {وَعَلَى النَّاس} بإرسالنا إِلَيْهِم وَيُقَال على الْمُؤمنِينَ بِالْإِيمَان {وَلَكِن أَكْثَرَ النَّاس} أهل مصر {لاَ يَشْكُرُونَ} لَا يُؤمنُونَ بذلك

39

{يَا صَاحِبي السجْن} قَالَ هَذَا للسجان وَلأَهل السجْن {أأرباب مُّتَّفَرِّقُونَ خَيْرٌ} يَقُول أعبادة آلِهَة شَتَّى خير {أَمِ الله الْوَاحِد القهار} أم عبَادَة الله الْوَاحِد بِلَا ولد وَلَا شريك القهار الْغَالِب على خلقه

40

{مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ} من دون الله {إِلاَّ أَسْمَآءً} أصناماً أَمْوَاتًا {سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ} الْآلهَة {مَّآ أَنزَلَ الله بِهَا} بعبادتكم لَهَا {مِن سُلْطَانٍ} من كتاب وَلَا حجَّة {إِنِ الحكم} مَا الحكم بِالْأَمر وَالنَّهْي وَيُقَال مَا الْقَضَاء فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة {إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ} فِي الْكتب كلهَا {أَلاَّ تعبدوا} أَن لَا توحدوا {إِلاَّ إِيَّاهُ} إِلَّا الله {ذَلِك} التَّوْحِيد {الدّين الْقيم} وَهُوَ الدّين الْقَائِم الَّذِي يرضاه وَهُوَ الْإِسْلَام {وَلَكِن أَكْثَرَ النَّاس} أهل مصر {لاَ يَعْلَمُونَ} ذَلِك وَلَا يصدقون

41

ثمَّ بَين تَعْبِير رُؤْيا الفتيين فَقَالَ {يَا صَاحِبي السجْن أَمَّآ أَحَدُكُمَا} وَهُوَ الساقي فَيرجع إِلَى مَكَانَهُ وسلطانه الَّذِي كَانَ فِيهِ {فَيَسْقِي رَبَّهُ} سَيّده الْملك {خَمْراً وَأَمَّا الآخر} وَهُوَ الخباز يخرج من السجْن {فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطير مِن رَّأْسِهِ} ففزعا لتعبير رُؤْيا الخباز وَقَالا جَمِيعًا مَا رَأينَا شَيْئا قَالَ لَهما يُوسُف {قُضِيَ الْأَمر الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} تَسْأَلَانِ فَكَمَا قلتما وَقلت لَكمَا كَذَلِك يكون رَأَيْتُمَا أَو لم تريا

42

{وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ} علم {أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا} من السجْن وَالْقَتْل وَهُوَ الساقي {اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ} عِنْد سيدك الْملك أَنِّي مظلوم عدا عليَّ إخوتي فباعوني وَأَنا حر وحبست فِي السجْن وَأَنا مظلوم {فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَان ذِكْرَ رَبِّهِ} فأشغله الشَّيْطَان حَتَّى نسي ذكر يُوسُف عِنْد سَيّده الْملك وَيُقَال وسوس لَهُ الشَّيْطَان إِن ذكرت السجْن للْملك يرجعك إِلَى السجْن فَلذَلِك لم يذكرهُ وَيُقَال فأنساه الشَّيْطَان أنسى الشَّيْطَان يُوسُف ذكر ربه حَتَّى ترك ذكر ربه وَذكر مخلوقاً دونه {فَلَبِثَ} فَمَكثَ {فِي السجْن بِضْعَ سِنِينَ} عُقُوبَة بترك ذكر الله وَكَانَ قبل هَذَا فِي السجْن خمس سِنِين

43

{وَقَالَ الْملك إِنِّي أرى} رَأَيْت فِي الْمَنَام {سبع بقرات سمان} خرجن من نهر {يأكلهن} يبتلعهن {سَبْعٌ عِجَافٌ} بقرات هالكات من الهزال خرجن من بعد السمان وَلم يستبن عَلَيْهِنَّ شَيْء {وَسَبْعَ سُنْبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ}

التوين على الْخضر وغلبن خضرتهن وَلم يستبن عَلَيْهِنَّ شَيْء {يَا أَيهَا الْمَلأ} يَعْنِي العرافين والسحرة والكهنة {أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ} فِي تَعْبِير رُؤْيَايَ {إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تعبرون} تعلمُونَ

44

{قَالُوا} يَعْنِي العارفين والكهنة والسحرة {أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ} هَذِه أباطيل أَحْلَام كَاذِبَة مُخْتَلفَة {وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأحلام} يَقُول بتعبير رُؤْيا الأحلام {بِعَالِمِينَ}

45

{وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا} من السجْن وَالْقَتْل وَهُوَ الساقي {وادكر} تذكر يُوسُف {بَعْدَ أُمَّةٍ} سبع سِنِين وَيُقَال بعد النسْيَان إِن قَرَأت بِالْهَاءِ {أَنَاْ أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ} قَالَ للْملك أَنا أخْبرك بتعبير الرُّؤْيَا يَا أَيهَا الْمَلأ {فَأَرْسِلُونِ} إِلَى السجْن فَإِن فِيهِ رجلا وَوصف علمه وحلمه وإحسانه إِلَى أهل السجْن وَصدقه بِتَأْوِيل الرُّؤْيَا

46

فَأرْسلهُ فَجَاءَهُ فَقَالَ ليوسف يَا {يُوسُفُ أَيُّهَا الصّديق} الصَّادِق فِي تَعْبِير الرُّؤْيَا الأولى {أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ} خرجن من نهر {يَأْكُلُهُنَّ} يبتلعهن {سَبْعٌ عِجَافٌ} هزال هالكات {وَسَبْعِ سنبلات خضر وَأخر يابسات} التوين على الْخضر وغلبن خضرتهن {لعَلي أَرْجِعُ إِلَى النَّاس} إِلَى الْملك {لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ} لكَي يعلمُوا رُؤْيا الْملك فَقَالَ يُوسُف نعم أما السَّبع بقرات السمان فهن سبع سِنِين مخصبة وَأما السَّبع سنبلات الْخضر فَهُوَ الخصب والرخص فِي السنين المخصبة وَأما السَّبع بقرات الهزال الهالكات فَهِيَ سبع سِنِين مُجْدِبَة وَأما السَّبع سنبلات اليابسات فَهُوَ الْقَحْط والغلاء فِي السنين المجدبة

47

ثمَّ علمهمْ يُوسُف كَيفَ يصنعون {قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعُ سِنِينَ} المخصبة {دَأَباً} دَائِما كل عَام {فَمَا حَصَدتُّمْ} من الزَّرْع {فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ} فِي كوافره وَلَا تدوسوه لِأَنَّهُ أبقى لَهُ {إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ} يَقُول بِقدر مَا تَأْكُلُونَ

48

{ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِك} من بعد السنين المخصبة {سَبْعٌ شِدَادٌ} سبع سِنِين قحطة {يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ} مَا رفعتم لَهُنَّ للسنين المجدبة فِي السنين المخصبة {إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ} تحرزون

49

{ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِك} من بعد السنين المجدبة {عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاس} أهل مصر بِالطَّعَامِ والمطر {وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} الكروم والأدهان وَالزَّيْت فَرجع الرَّسُول وَأخْبر الْملك بذلك

50

{وَقَالَ الْملك ائْتُونِي بِهِ} بِيُوسُف {فَلَمَّا جَآءَهُ الرَّسُول} وَهُوَ الساقي إِلَى يُوسُف فَقَالَ إِن الْملك يَدْعُوك {قَالَ} لَهُ يُوسُف {ارْجع إِلَى رَبِّكَ} إِلَى سيدك الْملك {فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النسْوَة} يَقُول قل للْملك حَتَّى يسْأَل عَن خبر النسْوَة {اللَّاتِي قَطَّعْنَ} خدشن وخمشن {أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي} سَيِّدي {بِكَيْدِهِنَّ} بمكرهن وصنيعهن {عَلِيمٌ} فَرجع الرَّسُول وَأخْبر الْملك فَجمع الْملك هَؤُلَاءِ النسْوَة كُلهنَّ وَكن أَربع نسْوَة امْرَأَة سَاقيه وَامْرَأَة صَاحب مطبخه وَامْرَأَة صَاحب دوابه وَامْرَأَة صَاحب سجنه وَامْرَأَة الْعَزِيز أَيْضا وَلم يكن فِي مصر أعظم مِنْهُنَّ دون الْملك

51

{قَالَ} لَهُنَّ الْملك {مَا خَطْبُكُنَّ} مَا شأنكن وَمَا حالكن {إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ} معَاذ الله {مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ} مَا رَأينَا مِنْهُ {من سوء} من قَبِيح {قَالَت امْرَأَة الْعَزِيز الْآن حَصْحَصَ الْحق} الْآن تبين الْحق ليوسف وَيُقَال الْآن خبر الصدْق {أَنَاْ رَاوَدْتُّهُ عَن نَّفْسِهِ} أَنا دَعوته إِلَى نَفسِي {وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقين} فِي قَوْله إِنَّه لم يراودني

52

قَالَ يُوسُف {ذَلِك لِيَعْلَمَ} الْعَزِيز {أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ} فِي امْرَأَته {بِالْغَيْبِ} إِذا غَابَ عني

{وَأَنَّ الله لاَ يَهْدِي} لَا يصوب وَلَا يرضى {كَيْدَ الخائنين} عمل الزانين

53

فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَلَا حِين هَمَمْت بهَا يَا يُوسُف فَقَالَ يُوسُف {وَمَآ أبرئ نَفسِي} قلبِي من الْهم {إِنَّ النَّفس} يَعْنِي الْقلب {لأمارة} للجسد {بالسوء} بالقبيح من الْعَمَل {إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي} عصم رَبِّي {إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ} متجاوز {رَّحِيمٌ} لما هَمَمْت

54

{وَقَالَ الْملك ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي} أخصه لنَفْسي دون الْعَزِيز {فَلَمَّا كَلَّمَهُ} بعد مَا جَاءَ إِلَيْهِ وَفسّر رُؤْيَاهُ {قَالَ} لَهُ الْملك {إِنَّكَ الْيَوْم لَدَيْنَا} عندنَا {مِكِينٌ} لَك قدر ومنزلة {أَمِينٌ} بالأمانة وَيُقَال بِمَا وليتك

55

{قَالَ اجْعَلنِي على خَزَآئِنِ الأَرْض} على خراج مصر {إِنِّي حَفِيظٌ} بتقديرها {عَلِيمٌ} بساعة الْجُوع حِين يَقع وَيُقَال حفيظ لما وليتني عليم بِجَمِيعِ ألسن الغرباء الَّذين يأتونك

56

{وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ} هَكَذَا مكنا يُوسُف {فِي الأَرْض} أَرض مصر {يَتَبَوَّأُ} ينزل {مِنْهَا} فِيهَا {حَيْثُ يَشَآءُ} يُرِيد {نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا} نخص برحمتنا النُّبُوَّة وَالْإِسْلَام {مَن نَشَآءُ} من كَانَ أَهلا لذَلِك {وَلاَ نُضِيعُ} لَا نبطل {أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} ثَوَاب الْمُؤمنِينَ الْمُحْسِنِينَ بالْقَوْل وَالْفِعْل

57

{وَلأَجْرُ الْآخِرَة} ثَوَاب الْآخِرَة {خَيْرٌ} من ثَوَاب الدُّنْيَا {لِّلَّذِينَ آمَنُواْ} بِاللَّه وَجُمْلَة الْكتب وَالرسل {وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش

58

{وَجَآءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ} إِلَى مصر وهم عشرَة {فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ} على يُوسُف {فَعَرَفَهُمْ} يُوسُف أَنهم إخْوَته {وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ} لَا يعْرفُونَ أَنه أخوهم يُوسُف

59

{وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ} كال لَهُم كيلهم {قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُمْ مِّنْ أَبِيكُمْ} كَمَا قُلْتُمْ إِن لنا أَخا من أَبينَا عِنْد أَبينَا {أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْل} أوفر الْكَيْل وَيُقَال بيَدي كيل الطَّعَام {وَأَنَاْ خَيْرُ المنزلين} أفضل المضيفين

60

{فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ} بأخيكم من أبيكم {فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي} فِيمَا تستقبلون {وَلاَ تَقْرَبُونِ} مرّة أُخْرَى

61

{قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ} سنطلبه من أَبِيه ونغري أَبَاهُ {وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ} لضامنون أَنا سنجيء بِهِ

62

{وَقَالَ} يُوسُف {لِفِتْيَانِهِ} لخدامه {اجعلوا بِضَاعَتَهُمْ} دسوا دراهمهم {فِي رِحَالِهِمْ} فِي جواليقهم كي لَا يعلمُونَ {لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَآ} لكَي يعرفوا هَذِه الْكَرَامَة مني وَيُقَال لكَي يعرفوا أَنَّهَا دراهمهم فيردوها لي {إِذَا انقلبوا إِلَى أَهْلِهِمْ} إِذا رجعُوا إِلَى أَبِيهِم {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} مرّة أُخْرَى

63

{فَلَمَّا رجعُوا إِلَى أَبِيهِم} بكنعان {قَالُوا يَا أَبَانَا منع منا الْكَيْل} فِيمَا يسْتَقْبل إِن كم ترسل مَعنا بنيامين {فَأَرْسِلْ مَعَنَآ أَخَانَا} بنيامين {نَكْتَلْ} يشتر لنَفسِهِ حملا وَيُقَال نشتر لَهُ حملا إِن قَرَأت بالنُّون {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} ضامنون برده إِلَيْك

64

{قَالَ} لَهُم يَعْقُوب {هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ} على بنيامين {إِلاَّ كَمَآ أَمِنتُكُمْ على أَخِيهِ مِن قبل}

من قبل يُوسُف يَقُول هَل أقدر أَن آخذ عَلَيْكُم الْعَهْد والميثاق أَكثر مِمَّا أخذت عَلَيْكُم فِي يُوسُف {فَالله خَيْرٌ حَافِظاً} مِنْكُم {وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} وَهُوَ أرْحم بِهِ من وَالِديهِ وَمن إخْوَته

65

{وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ} جواليقهم {وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ} دراهمهم ثمن طعامهم {رُدَّتْ إِلَيْهِمْ} مَعَ طعامهم {قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي} مَا نكذب بِمَا قُلْنَا من إِحْسَان الرجل ولطفه بِنَا وَيُقَال مَا طلبنا هَذَا مِنْهُ {هَذِه بِضَاعَتُنَا} دراهمنا الَّتِي أعطيناه ثمن الطَّعَام {رُدَّتْ إِلَيْنَا} مَعَ الطَّعَام وَهَذَا من إحسانه إِلَيْنَا قَالَ لَهُم أبوهم بل جربكم الرجل بِهَذَا ردوا هَذِه الدَّرَاهِم إِلَيْهِ {وَنَمِيرُ أَهْلَنَا} نمتار أهلنا {وَنَحْفَظُ أَخَانَا} فِي الذّهاب والمجيء بنيامين {وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ} وقر بعير إِذْ كَانَ هُوَ مَعنا {ذَلِك كَيْلٌ يَسِيرٌ} حمل يسير نعطي بِسَبَبِهِ وَيُقَال هَذَا أَمر يسير وحاجة هينة نطلب مِنْك

66

{قَالَ} لَهُم أبوهم {لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ} بِهَذِهِ الْمقَالة {حَتَّى تُؤْتُونِ} تعطوني {مَوْثِقاً} عهدا {مِّنَ الله لَتَأْتُنَّنِي بِهِ} لتردنه عليَّ {إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ} إِلَّا أَن ينزل عَلَيْكُم أَمر من السَّمَاء وَيُقَال إِلَّا أَن يُصِيبكُم أَمر من السَّمَاء أَو من الأَرْض {فَلَمَّآ آتَوْهُ} أعْطوا أباهم {مَوْثِقَهُمْ} عهودهم من الله على رده إِلَى أَبِيهِم {قَالَ} يَعْقُوب {الله على مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} شَهِيد وَيُقَال كَفِيل

67

{وَقَالَ} لَهُم {يَا بني لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ} من سكَّة وَاحِدَة {وادخلوا مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ} من سِكَك مُخْتَلفَة {وَمَآ أُغْنِي عَنكُمْ مِّنَ الله} من قَضَاء الله فِيكُم {مِن شَيْءٍ إِنِ الحكم} مَا الحكم بِالْقضَاءِ فِيكُم {إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} اتكلت وفوضت أَمْرِي وأمركم إِلَيْهِ {وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المتوكلون} فليثق الواثقون وَيُقَال على الْمُؤمنِينَ أَن يتوكلوا على الله وَكَانَ خَافَ عَلَيْهِم يعقوبَ من الْعين لأَنهم كَانُوا صباح الْوُجُوه جمالا فَمن ذَلِك خَافَ عَلَيْهِم

68

{وَلَمَّا دَخَلُواْ} مصر {مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ} كَمَا أَمرهم {أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِّنَ الله} من قَضَاء الله فيهم {مِن شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً} حزازة {فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ} فِي قلب يَعْقُوب {قَضَاهَا} أبداها {وَإِنَّهُ} يَعْنِي يَعْقُوب {لَذُو عِلْمٍ} حفظ {لِّمَا عَلَّمْنَاهُ} من الَّذِي علمناه من الْأَحْكَام وَالْحُدُود وَالْقَضَاء وَالْقدر علم أَنه لَا يكون إِلَّا مَا قضى الله {وَلَكِن أَكْثَرَ النَّاس} أهل مصر {لاَ يَعْلَمُونَ} ذَلِك وَلَا يصدقون

69

{وَلَمَّا دَخَلُواْ على يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ} ضم إِلَيْهِ {أَخَاهُ} من أَبِيه وَأمه وَحبس سَائِر إخْوَته على الْبَاب {قَالَ إِنِّي أَنَاْ أَخُوكَ} بِمَنْزِلَة أَخِيك الْهَالِك {فَلاَ تَبْتَئِسْ} فَلَا تحزن {بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} بك إخْوَتك من الْجفَاء وَيَقُولُونَ لَك من السب وَالتَّعْبِير

70

{فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ} كال لَهُم كيلهم {جَعَلَ السِّقَايَة فِي رَحْلِ أَخِيهِ} دس سقايته الَّتِي كَانَ يشرب فِيهَا ويكيل بهَا فِي رَحل أَخِيه من أَبِيه وَأمه ثمَّ أَمرهم بالرحيل ثمَّ أرسل خَلفهم فَتى {ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ} نَادَى مُنَاد وَهُوَ فَتى يُوسُف {أَيَّتُهَا العير} أهل الْقَافِلَة {إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ}

71

{قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِمْ} يَقُول وَأَقْبلُوا عَلَيْهِم وَقَالُوا {مَّاذَا تَفْقِدُونَ} مَا تطلبون

72

{قَالُواْ نَفْقِدُ} نطلب {صُوَاعَ الْملك} إِنَاء الْملك الَّذِي كَانَ يشرب فِيهِ ويكيل بِهِ وَكَانَ إِنَاء من الذَّهَب وَقد اتهمني الْملك {وَلِمَن جَآءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ} كَفِيل قَالَ لَهُم هَذَا القَوْل فَتى يُوسُف

73

{قَالُواْ تالله} وَالله {لَقَدْ عَلِمْتُمْ} يَا أهل مصر {مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْض} أَرض مصر بِالسَّرقَةِ ومضرة النَّاس {وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ} مَا تطلبون

74

{قَالُواْ} يَعْنِي فَتى يُوسُف {فَمَا جَزَآؤُهُ} يَعْنِي مَا جَزَاء السَّارِق {إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ}

75

{قَالُواْ جَزَآؤُهُ} السَّارِق {مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ} السّرقَة {فَهُوَ جَزَاؤُهُ} يَقُول الاستعباد جَزَاء سَرقته {كَذَلِك نَجْزِي الظَّالِمين} السارقين بأرضنا

76

{فَبَدَأَ} فَتى يُوسُف {بِأَوْعِيَتِهِمْ} ففتشها {قَبْلَ وِعَآءِ أَخِيهِ} فَلم يجدهَا فِيهَا {ثُمَّ استخرجها مِن وِعَآءِ أَخِيهِ} من أَبِيه وَأمه فَقَالَ لَهُ فَتى يُوسُف فرجك الله كَمَا فرجتني (كَذَلِك) هَكَذَا {كِدْنَا} صنعنَا {لِيُوسُفَ} أكرمناه بِالْعلمِ وَالْحكمَة والفهم والنبوة وَالْملك {مَا كَانَ لِيَأْخُذَ} يَقُول لم يَأْخُذ {أَخَاهُ فِي دِينِ الْملك} فِي قَضَاء الْملك {إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله} وَقد شَاءَ الله أَن لَا يَأْخُذ أَخَاهُ فِي دين الْملك وَكَانَ قَضَاء الْملك للسارق أَنه يضْرب وَيغرم وَيُقَال يقطع وَيغرم وَيُقَال إِلَّا أَن يَشَاء الله إِلَّا مَا علم يُوسُف أَنه يُرْضِي الله من قَضَاء الْملك فَكَأَن يَأْخُذ بذلك {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ} فَضَائِل {مَّن نَّشَآءُ} كَمَا نرفع فِي الدُّنْيَا {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} وَفَوق كل ذِي علم عَالم حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى الله فَلَيْسَ فَوْقه أحد وَيُقَال الله عَالم وَفَوق كل عَالم فَلَيْسَ فَوْقه أحد

77

{قَالُوا} إخْوَة يُوسُف {إِن يَسْرِقْ} إِن سرق بنيامين سِقَايَة الْملك {فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ} من قبله أَخُوهُ لِأَبِيهِ وَأمه صنماً {فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ} جَوَاب هَذِه الْكَلِمَة {فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ} جوابها {قَالَ} فِي نَفسه {أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً} صنيعاً من يُوسُف {وَالله أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ} تَقولُونَ من أَمر يُوسُف

78

{قَالُوا يَا أَيهَا الْعَزِيز إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً} يفرح بِهِ إِن رددناه {فَخُذْ أَحَدَنَا} رهنا {مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ} إِن فعلت ذَلِك {مِنَ الْمُحْسِنِينَ} إِلَيْنَا

79

{قَالَ} لَهُم يُوسُف {مَعَاذَ الله} أعوذ بِاللَّه {أَن نَّأْخُذَ} بِالسَّرقَةِ {إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ إِنَّآ إِذاً لَّظَالِمُونَ} بِحَبْس من لم نجد متاعنا عِنْده

80

{فَلَمَّا استيأسوا مِنْهُ} أيسوا مِنْهُ {خَلَصُواْ نَجِيّاً} خلوا نجياً للمناجاة فِيمَا بَينهم {قَالَ كَبِيرُهُمْ} أفضلهم فِي الْعقل وَهُوَ يهوذا {أَلَمْ تعلمُوا} يَا إخوتاه {أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَّوْثِقاً مِّنَ الله} لتردنه عليَّ {وَمِن قَبْلُ} من قبل هَذَا الْغُلَام {مَا فَرَّطتُمْ} مَا تركْتُم عَهده وميثاقه {فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْض} أَرض مصر {حَتَّى يَأْذَن لي أبي} بِالرُّجُوعِ وَيُقَال يَأْذَن لي أبي حَتَّى أناجزهم الْقِتَال {أَوْ يَحْكُمَ الله لِي} فِي رد أخي {وَهُوَ خَيْرُ} أفضل {الْحَاكِمين} فِي رده إِلَى

81

ثمَّ قَالَ لَهُم يهوذا {ارْجعُوا} يَا إخوتي {إِلَى أبيكم فَقولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنك سَرَقَ} صواع الْملك إِنَاء من ذهب وَيُقَال أَخذ بِالسَّرقَةِ إِن قَرَأت بِضَم السِّين وخفض الرَّاء بِالتَّشْدِيدِ {وَمَا شَهِدْنَآ إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا} رَأينَا أَن السّرقَة أخرجت من رَحْله {وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ} يَقُول لَو علمنَا الْغَيْب مَا ذَهَبْنَا بِهِ وَيُقَال مَا كُنَّا لَهُ بِاللَّيْلِ حافظين

82

{واسأل الْقرْيَة} أهل الْقرْيَة {الَّتِي كُنَّا فِيهَا} وَهِي قَرْيَة من قرى مصر {وَالْعير} أهل العير {الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا} جِئْنَا مَعَهم وَكَانَ صحبهم قوم من كنعان {وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} فِيمَا قُلْنَا لَك فَقَالُوا ليعقوب هَذَا القَوْل

83

{قَالَ} يَعْقُوب لَهُم {بَلْ سَوَّلَتْ} زينت {لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً} ففعلتموه {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} فعلي صَبر جميل بِلَا جزع {عَسَى الله} لَعَلَّ الله {أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً} بِيُوسُف وأخيه من أَبِيه وَأمه بنيامين ويهوذا {إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيم} بمكانهم {الْحَكِيم} بردهمْ عَليّ

84

{وَتَوَلَّى عَنْهُم} خرج من بَينهم {وَقَالَ يَا أسفى} يَا حزنا {عَلَى يُوسُفَ وابيضت عَيْنَاهُ مِنَ الْحزن} من الْبكاء {فَهُوَ كَظِيمٌ} مغموم يتَرَدَّد حزنه فِي جَوْفه

85

{قَالُوا} وَلَده وَولد وَلَده {تالله} وَالله {تفتأ} لَا تزَال {تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً} حَتَّى تكون دنفاً {أَوْ تَكُونَ مِنَ الهالكين} بِالْمَوْتِ

86

{قَالَ} يَعْقُوب {إِنَّمَآ أَشْكُو بَثِّي} أدفَع غمي {وَحُزْنِي إِلَى الله وَأَعْلَمُ مِنَ الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} يَقُول أعلم أَن رُؤْيا يُوسُف صَادِقَة وَأَنا لنسجد لَهُ وَيُقَال أعلم من رَحْمَة الله وَجَمِيل نظره وصنعه مَا لَا تعلمُونَ وَيُقَال أعلم أَن يُوسُف حَيّ لم يمت لِأَنَّهُ دخل عَلَيْهِ ملك الْمَوْت فَقَالَ لَهُ هَل قبضت روح ابْني يُوسُف فِيمَن قبضت قَالَ لَا فَمن ذَلِك

87

قَالَ {يَا بني اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ} فاستخبروا واطلبوا خبر يُوسُف وأخيه بنيامين {وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ الله} من رَحْمَة الله {إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ الله} من رَحْمَة الله {إِلاَّ الْقَوْم الْكَافِرُونَ} بِاللَّه وبرحمته

88

{فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ} على يُوسُف فِي الْمرة الثَّالِثَة {قَالُوا يَا أَيهَا الْعَزِيز مَسَّنَا} أَصَابَنَا {وَأَهْلَنَا الضّر} الْجُوع {وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ} بِدَرَاهِم لَا تنْفق فِي الطَّعَام وتنفق فِيمَا بَين النَّاس وَيُقَال بمتاع الْجَبَل كالصنوبر والحبة الخضراء وَيُقَال بمتاع الْعَرَب مثل الأقط وَالصُّوف والجبن وَالسمن {فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْل} يَقُول وفر لنا الْكَيْل كَمَا توفر بالدارهم الْجِيَاد {وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ} مَا بَين الثمنين وَيُقَال بَين الكيلين {إِنَّ الله يَجْزِي المتصدقين} فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة

89

{قَالَ} لَهُم يُوسُف {هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ} شُبَّان غافلون

90

{قَالُوا أئنك لأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي} من أبي وَأمي {قَدْ مَنَّ الله عَلَيْنَآ} بِالصبرِ {إِنَّهُ مَن يَتَّقِ} فِي النِّعْمَة {وَيِصْبِرْ} فِي الشدَّة {فَإِنَّ الله لاَ يُضِيعُ} لَا يبطل {أَجْرَ} ثَوَاب {الْمُحْسِنِينَ} بالتقوى وَالصَّبْر

91

{قَالُواْ} إخْوَة يُوسُف ليوسف {تالله} وَالله {لَقَدْ آثَرَكَ الله عَلَيْنَا} فضلك الله علينا {وَإِن كُنَّا} وَقد كُنَّا {لَخَاطِئِينَ} مسيئين بك عاصين لله

92

{قَالَ} لَهُم يُوسُف {لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْم} يَقُول لَا أعيركم بعد الْيَوْم {يَغْفِرُ الله لَكُمْ} مَا كَانَ مِنْكُم {وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} من الْوَالِدين

93

{اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا} وَكَانَ قَمِيصه كسْوَة من الْجنَّة {فَأَلْقُوهُ على وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً} يرجع بَصيرًا {وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} وَكَانُوا نَحْو سبعين إنْسَانا

94

{وَلَمَّا فَصَلَتِ العير} خرجت العير من الْعَريش وَهِي قَرْيَة بَين مصر وكنعان {قَالَ أَبُوهُمْ} يَعْقُوب {إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ} تسفهونني وتخزونني وتكذبونني فِيمَا أَقُول

95

{قَالُواْ} وَلَده وَولد وَلَده الَّذين كَانُوا عِنْده {تالله} وَالله {إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيم} فِي خطئك الأول فِي ذكر يُوسُف

96

{فَلَمَّآ أَن جَآءَ البشير} وَهُوَ يهوذا بالقميص {أَلْقَاهُ على وَجْهِهِ فَارْتَد بَصِيراً} صَار بَصيرًا {قَالَ} لِبَنِيهِ وَبني بنيه {أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} يَقُول إِن يُوسُف حَيّ لم يمت

97

{قَالُوا} وَلَده وَولد وَلَده {يَا أَبَانَا اسْتغْفر لَنَا ذُنُوبَنَآ} ادْع الله أَن يغْفر لنا ذنوبنا {إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ} مسيئين عاصين لله

98

{قَالَ} لَهُم {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي} أَدْعُو لكم رَبِّي لَيْلَة الْجُمُعَة آخر السحر {إِنَّهُ هُوَ الغفور} المتجاوز {الرَّحِيم} لمن تَابَ

99

{فَلَمَّا دَخَلُواْ على يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ} ضم إِلَيْهِ أَبَاهُ وخالته لِأَن أمه كَانَت مَاتَت قبل ذَلِك {وَقَالَ ادخُلُوا} انزلوا {مِصْرَ إِن شَآءَ الله} وَقد شَاءَ الله {آمِنِينَ} من الْعَدو وَالسوء وَيُقَال ادخُلُوا مصر آمِنين من الْعَدو وَالسوء إِن شَاءَ الله مقدم ومؤخر

100

{وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْش} على السرير {وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَاً} خضعوا لَهُ بِالسُّجُود أَبَوَاهُ وَإِخْوَته وَكَانَ سجودهم تحيتهم فِيمَا بَينهم كَانَ يسْجد الوضيع للشريف والشاب للشَّيْخ وَالصَّغِير للكبير كَهَيئَةِ الرُّكُوع نَحْو فعل الْأَعَاجِم {وَقَالَ يَا أَبَت هَذَا} السُّجُود {تَأْوِيلُ} تَعْبِير {رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ} من قبل هَذَا {قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً} صدقا {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي} إليّ {إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السجْن} ونجاني من الْعُبُودِيَّة {وَجَآءَ بِكُمْ مِّنَ البدو} من الْبَادِيَة {مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ} أفسد {الشَّيْطَان بَيْنِي وَبَيْنَ إخوتي} بِالْحَسَدِ {إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَآءُ} لما جمع بَيْننَا {إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيم} بِمَا أَصَابَنَا {الْحَكِيم} بِالْجمعِ والفرقة

101

{رَبِّ} يَا رب {قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْملك} أَعْطَيْتنِي ملك مصر أَرْبَعِينَ فرسخاً فِي أَرْبَعِينَ فرسخاً {وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيث} تَعْبِير الرُّؤْيَا {فَاطِرَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض} يَا خَالق السَّمَوَات وَالْأَرْض {أَنتَ وَلِيِّي} رَبِّي وخالقي ورازقي وحافظي وناصري {فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة تَوَفَّنِي مُسْلِماً} مخلصاً بِالْعبَادَة والتوحيد {وَأَلْحِقْنِي بالصالحين} بآبائي الْمُرْسلين فِي الْجنَّة

102

{ذَلِكَ} الَّذِي ذكرت لَك يَا مُحَمَّد من خبر يُوسُف وَإِخْوَته {مِنْ أَنْبَآءِ الْغَيْب} من أَخْبَار الْغَائِب عَنْك {نُوحِيهِ إِلَيْكَ} نرسل إِلَيْك جِبْرِيل بِهِ {وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ} عِنْدهم {إِذْ أَجمعُوا أَمْرَهُمْ} اجْتَمعُوا على أَن يطْرَحُوا يُوسُف فِي الْجب {وَهُمْ يَمْكُرُونَ} يُرِيدُونَ بذلك هَلَاك يُوسُف

103

{وَمَآ أَكْثَرُ النَّاس} أهل مَكَّة {وَلَوْ حَرَصْتَ} لَو جهدت كل الْجهد مقدم ومؤخر {بِمُؤْمِنِينَ} بالكتب وَالرسل

104

{وَمَا تَسْأَلهُمْ} يَا مُحَمَّد {عَلَيْهِ} على التَّوْحِيد {مِنْ أَجْرٍ} من جعل {إِنْ هُوَ} مَا هُوَ يَعْنِي الْقُرْآن {إِلاَّ ذِكْرٌ} عظة {لِّلْعَالَمِينَ} الْجِنّ وَالْإِنْس

105

{وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ} من عَلامَة {فِي السَّمَاوَات} من الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم وَغير ذَلِك {وَالْأَرْض} وَمَا فِي الأَرْض من الْجبَال والبحار وَالشَّجر وَالدَّوَاب وَغير ذَلِك {يَمُرُّونَ عَلَيْهَا} أهل مَكَّة {وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} مكذبون بهَا لَا يتفكرون فِيهَا

106

{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ} أهل مَكَّة {بِاللَّه} فِي السِّرّ وَيُقَال بعبودية الله {إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ} بوحدانية الله فِي الْعَلَانِيَة

107

{أفأمنوا} أهل مَكَّة {أَن تَأْتِيَهُمْ} أَن لَا تأتيهم {غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ الله} عَذَاب من عَذَاب الله مثل يَوْم بدر {أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَة} عَذَاب السَّاعَة {بَغْتَةً} فَجْأَة {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} بنزول الْعَذَاب

108

{قُلْ} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {هَذِه} يَعْنِي مِلَّة إِبْرَاهِيم {سبيلي} ديني {أَدْعُو إِلَى الله على بَصِيرَةٍ} على دين وَبَيَان {أَنَاْ} أَدْعُو {وَمَنِ اتبعني} آمن بِي يدعونَ إِلَى الله أَيْضا على بَصِيرَة على دين وَبَيَان {وَسُبْحَانَ الله} نزه نَفسه عَن الْوَلَد وَالشَّرِيك {وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُشْركين} مَعَ الْمُشْركين على دينهم

109

{وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ} يَا مُحَمَّد {إِلاَّ رِجَالاً نوحي إِلَيْهِمْ} نرسل إِلَيْهِم جِبْرِيل كَمَا أرسل إِلَيْك {مِّنْ أَهْلِ الْقرى} مَنْسُوب إِلَى الْقرى مثلك {أَفَلَمْ يَسِيرُواْ} أهل مَكَّة {فِي الأَرْض فَيَنظُرُواْ} فيتفكروا {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ} كَيفَ صَار آخر أَمر {الَّذين مِن قَبْلِهِمْ} من الْكفَّار {وَلَدَارُ الْآخِرَة} الْجنَّة {خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقوا} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش وآمنوا بِاللَّه بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} أفليس لكم ذهن الإنسانية أَن الْآخِرَة خير من الدُّنْيَا وَيُقَال إِن الدُّنْيَا تفنى وَالْآخِرَة تبقى وَيُقَال أَفلا تصدقُونَ بِمَا أصَاب الْأَوَّلين حَيْثُ كذبُوا الرُّسُل

110

{حَتَّى إِذا استيأس الرُّسُل} فَلَمَّا أيس الرُّسُل من إِجَابَة الْقَوْم {وظنوا} علمُوا وأيقنوا يَعْنِي الرُّسُل {أَنَّهُمْ} يَعْنِي قَومهمْ {قد كذبُوا} كذبوهم بِمَا جَاءُوا بِهِ من الله إِن قُرِئت مُشَدّدَة وَيُقَال وظنوا يَعْنِي الْقَوْم يَعْنِي الرُّسُل قد كذبُوا أخلف وعد الرُّسُل إِن قُرِئت مُخَفّفَة {جَآءَهُمْ نَصْرُنَا} يَعْنِي عذابنا بِهَلَاك قَومهمْ {فَنُجِّيَ مَن نَّشَآءُ} يَعْنِي الرُّسُل وَمن آمن بالرسل {وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا} عذابنا {عَنِ الْقَوْم الْمُجْرمين} الْمُشْركين

111

{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ} فِي خبرهم خبر يُوسُف وَإِخْوَته {عِبْرَةٌ} آيَة {لأُوْلِي الْأَلْبَاب} لِذَوي الْعُقُول من النَّاس {مَا كَانَ حَدِيثاً يفترى} يَعْنِي الْقُرْآن لَيْسَ بِحَدِيث يختلق {وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} مُوَافق للتوراة وَالْإِنْجِيل وَسَائِر الْكتب بِالتَّوْحِيدِ وَبَعض الشَّرَائِع وَخبر يُوسُف {وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ} تبيان كل شَيْء من الْحَلَال وَالْحرَام {وَهُدًى} من الضَّلَالَة {وَرَحْمَةً} من الْعَذَاب {لقوم يُؤمنُونَ} بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن الَّذِي أنزل إِلَيْك من رَبك وَالله أعلم بأسرار كِتَابه

وَمن السُّورَة الَّتِي يذكر فِيهَا الرَّعْد وَهِي مَكِّيَّة غير آيَتَيْنِ قَوْله {وَلَا يزَال الَّذين كفرُوا تصيبهم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَة} إِلَى آخرهَا وَقَوله {وَيَقُول الَّذين كفرُوا} إِلَى {وَمن عِنْده علم الْكتاب} فَإِنَّهُمَا مدنيتان آياتها خمس وَأَرْبَعُونَ وكلماتها ثَمَانمِائَة وَخمْس وَخَمْسُونَ وحروفها ثَلَاثَة آلَاف وَخَمْسمِائة وَسِتَّة أحرف {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم {

الرعد

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {المر} أَنا الله أعلم وَأرى مَا تَعْمَلُونَ وتقولون وَيُقَال قسم أقسم بِهِ {تِلْكَ آيَاتُ الْكتاب} إِن هَذِه السُّورَة آيَات لقرآن {وَالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحق} يَقُول الْقُرْآن هُوَ الْحق من رَبك {وَلَكِن أَكْثَرَ النَّاس} أهل مَكَّة {لَا يُؤمنُونَ} بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن

2

{الله الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَات} خلق السَّمَوَات ورفعها على الأَرْض {بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} يَقُول ترونها بِغَيْر عمد وَيُقَال بعمد لَا ترونها {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش} كَانَ الله على الْعَرْش قبل أَن رفع السَّمَوَات وَيُقَال اسْتَقر وَيُقَال امْتَلَأَ بِهِ وَيُقَال اسْتَوَى عِنْده الْقَرِيب والبعيد على معنى الْعلم وَالْقُدْرَة {وَسَخَّرَ الشَّمْس وَالْقَمَر} ذلل ضوء الشَّمْس وَالْقَمَر لبني آدم {كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى} إِلَى وَقت مَعْلُوم {يُدَبِّرُ الْأَمر} ينظر فِي أَمر الْعباد وَيبْعَث الْمَلَائِكَة بِالْوَحْي والتنزيل والمصيبة {يُفَصِّلُ الْآيَات} يبين الْقُرْآن بِالْأَمر وَالنَّهْي {لَعَلَّكُمْ بِلِقَآءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ} لكَي تصدقوا بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت

3

{وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْض} بسط الأَرْض على المَاء {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ} خلق فِي الأَرْض الْجبَال الثوابت أوتاداً لَهَا {وَأَنْهَاراً} أجْرى فِيهَا أَنهَارًا {وَمِن كُلِّ الثمرات} من ألوان كل الثمرات {جَعَلَ فِيهَا} خلق فِيهَا {زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} الحامض والحلو زوج والأبيض والأحمر زوج {يُغْشِي اللَّيْل النَّهَار} يُغطي اللَّيْل بِالنَّهَارِ وَالنَّهَار بِاللَّيْلِ يَقُول يذهب بِاللَّيْلِ وَيَجِيء بِالنَّهَارِ وَيذْهب بِالنَّهَارِ وَيَجِيء بِاللَّيْلِ {إِنَّ فِي ذَلِك} فِي اخْتِلَاف مَا ذكرت {لآيَاتٍ} لعلامات {لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} لكَي يتفكروا فِيهِ

4

{وَفِي الأَرْض قِطَعٌ} أمكنة {مُّتَجَاوِرَاتٌ} ملتزقات أَرض سبخَة رَدِيئَة وبجنبها أَرض طيبَة عذبة جَيِّدَة {وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ} من كروم {وزروع} حرث {وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ} مُجْتَمع أُصُولهَا فِي أصل وَاحِد عشرَة أَو أقل أَو أَكثر {وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} مفترق أُصُولهَا وَاحِدَة وَاحِدَة {يسقى بِمَآءٍ وَاحِدٍ} بِمَاء الْمَطَر أَو بِمَاء النَّهر {وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا على بَعْضٍ فِي الْأكل} فِي الْحمل والطعم {إِنَّ فِي ذَلِك} فِي اختلافها وألوانها {لآيَاتٍ} لعلامات {لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} يصدقون أَنَّهَا من الله

5

{وَإِن تَعْجَبْ} من تكذيبهم إياك {فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ} فَقَوْلهم أعجب حَيْثُ قَالُوا {أئذا كُنَّا} صرنا {تُرَابا} رميما {أئنا لفي خلق جَدِيد} يجدد بعد الْمَوْت وفنا الرّوح {أُولَئِكَ} أهل إِنْكَار الْبَعْث {الَّذين كَفَرُواْ} هم الَّذين كفرُوا {بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ} أهل الْكفْر {الأغلال فِي أَعْنَاقِهِمْ} والسلاسل فِي أَيْمَانهم مشدودة إِلَى أَعْنَاقهم {وَأُولَئِكَ} أهل الأغلال والسلاسل {أَصْحَابُ النَّار} أهل النَّار {هم فِيهَا خَالدُونَ} مقيمون لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا أبدا

6

{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ} يَا مُحَمَّد {بِالسَّيِّئَةِ} بِالْعَذَابِ استهزاء {قَبْلَ الْحَسَنَة} قبل الْعَافِيَة لَا يَسْأَلُونَك الْعَافِيَة {وَقَدْ خَلَتْ} مَضَت {مِن قَبْلِهِمُ المثلات} الْعُقُوبَات فِيمَن هلك {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ} تجَاوز {لِّلنَّاسِ} لأهل مَكَّة {على ظُلْمِهِمْ} على شركهم إِن تَابُوا وآمنوا {وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعقَاب} لمن مَاتَ على الشّرك

7

{وَيَقُول الَّذين كفرُوا} بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن {لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ} هلا أنزل عَلَيْهِ {آيَةٌ} عَلامَة {مِّن رَّبِّهِ} لنبوته كَمَا أنزل على رسله الْأَوَّلين {إِنَّمَآ أَنتَ} يَا مُحَمَّد {مُنذِرٌ} رَسُول مخوف {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} نَبِي وَيُقَال دَاع يَدعُوهُم من الضَّلَالَة إِلَى الْهدى

8

{الله يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى} كل حَامِل ذكر هُوَ أَو أُنْثَى {وَمَا تَغِيضُ} وَمَا تنقص {الْأَرْحَام} فِي الْحمل من التِّسْعَة {وَمَا تَزْدَادُ} على التِّسْعَة فِي الْحمل {وَكُلُّ شَيْءٍ} من الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان وَخُرُوج الْوَلَد والمكث {عِنْده بِمِقْدَار}

9

{عَالم الْغَيْب} مَا غَابَ عَن الْعباد {وَالشَّهَادَة} مَا علمه الْعباد وَيُقَال الْغَيْب مَا يكون وَالشَّهَادَة مَا كَانَ وَيُقَال الْغَيْب هُوَ الْوَلَد فِي الْأَرْحَام وَالشَّهَادَة هُوَ الَّذِي خرج من الْأَرْحَام {الْكَبِير} لَيْسَ شَيْء أكبر مِنْهُ {المتعال} لَيْسَ شَيْء أَعلَى مِنْهُ

10

{سَوَآءٌ مِّنْكُمْ} عِنْد الله بِالْعلمِ {مَّنْ أَسَرَّ القَوْل} وَالْفِعْل {وَمَنْ جَهَرَ بِهِ} من أعلن بالْقَوْل وَالْفِعْل يعلم الله ذَلِك مِنْهُ {وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ} مستتر {وَسَارِبٌ} ظَاهر {بِالنَّهَارِ} بقول أَو عمل يعلم الله ذَلِك مِنْهُ

11

{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ} أَيْضا مَلَائِكَة يعقب بَعضهم بَعْضًا يعقب مَلَائِكَة اللَّيْل مَلَائِكَة النَّهَار وملائكة النَّهَار مَلَائِكَة اللَّيْل {مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ} مقدم ومؤخر {مِنْ أَمْرِ الله} بِأَمْر الله ويدفعونه إِلَى الْمَقَادِير {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ} من أَمن ونعمة {حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} بترك الشُّكْر {وَإِذَا أَرَادَ الله بِقوم سوءا} عذَابا وهلاكاً {فَلاَ مَرَدَّ لَهُ} لقَضَاء الله فيهم {وَمَا لَهُمْ} لمن أَرَادَ الله هلاكهم {مِّن دُونِهِ} من دون الله {مِن وَالٍ} من مَانع من عَذَاب الله وَيُقَال من ملْجأ يلجئون إِلَيْهِ

12

{هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْق} الْمَطَر {خَوْفاً} للْمُسَافِر بالمطر أَن تبتل ثِيَابه {وَطَمَعاً} للمقيم أَن يسْقِي حرثه {وَيُنْشِئُ} يخلق وَيرْفَع {السَّحَاب الثقال} بالمطر

13

{وَيُسَبِّحُ الرَّعْد بِحَمْدِهِ} بأَمْره وَهُوَ ملك وَيُقَال صَوت السَّمَاء {وَالْمَلَائِكَة} وتسبح الْمَلَائِكَة {مِنْ خِيفَتِهِ} وهم خائفون من الله {وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِق} يَعْنِي النَّار {فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ} فَيهْلك بالنَّار من يَشَاء يَعْنِي زيد بن قيس أهلكه الله بالنَّار وَأهْلك صَاحبه عَامر ابْن الطُّفَيْل بطعنة فِي خاصرته {وَهُمْ يُجَادِلُونَ} يُخَاصِمُونَ {فِي الله} فِي دين الله مَعَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَهُوَ شَدِيدُ الْمحَال} شَدِيد الْعقَاب

14

{لَهُ دَعْوَةُ الْحق} دين الْحق شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَهِي كلمة الْإِخْلَاص {وَالَّذين يَدْعُونَ} يعْبدُونَ {مِن دُونِهِ} من دون الله {لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ} ينفع إِن دعوهم {إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ} إِلَّا كماد يَدَيْهِ {إِلَى المآء} من بعد {لِيَبْلُغَ فَاهُ} لكَي يبلغ المَاء إِلَى فِيهِ {وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ} بِتِلْكَ الْحَال المَاء إِلَى فِيهِ أبدا يَقُول كَمَا لَا يبلغ المَاء فَاه هَذَا الرجل كَذَلِك لَا تَنْفَع الْأَصْنَام من عَبدهَا {وَمَا دُعَآءُ الْكَافرين} عبَادَة الْكَافرين {إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ} فِي بَاطِل يضل عَنْهُم

15

{وَلِلَّهِ يَسْجُدُ} يُصَلِّي ويعبد {مَن فِي السَّمَاوَات} من الْمَلَائِكَة {وَالْأَرْض} من الْمُؤمنِينَ {طَوْعاً} أهل السَّمَاء لِأَن عِبَادَتهم بِغَيْر مشقة {وَكَرْهاً} أهل الأَرْض لِأَن عِبَادَتهم بالمشقة وَيُقَال طَوْعًا لأهل الْإِخْلَاص وَكرها لأهل النِّفَاق وَيُقَال طَوْعًا لمن ولد فِي الْإِسْلَام وَكرها لمن أَدخل فِي الْإِسْلَام جبرا {وَظِلالُهُم} ظلال من يسْجد لله أَيْضا تسْجد {بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال} غدْوَة وَعَشِيَّة غدْوَة عَن أَيْمَانهم وَعَشِيَّة عَن شمائلهم

16

{قُلْ} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {مَن رَّبُّ} من خَالق {السَّمَاوَات وَالْأَرْض} فَإِن أجابوك وَقَالُوا الله وَإِلَّا {قُلِ الله} خالقهما {قُلْ} يَا مُحَمَّد {أفاتخذتم} عَبدْتُمْ {مِّن دُونِهِ} من دون الله {أَوْلِيَآءَ} أَرْبَابًا من الْآلهَة {لاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نفعا}

جر النَّفْع {وَلَا ضرا} دَافع الضّر {قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى والبصير} الْكَافِر وَالْمُؤمن {أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَات والنور} يَعْنِي الْكفْر وَالْإِيمَان {أَمْ جَعَلُواْ لِلَّهِ} وصفوا لله {شُرَكَآءَ} من الْآلهَة {خَلَقُواْ} خلقا {كَخَلْقِهِ} كخلق الله {فَتَشَابَهَ الْخلق} فتشابه كل الْخلق {عَلَيْهِمْ} فَلَا يَدْرُونَ خلق الله من خلق آلِهَتهم {قُلِ} يَا مُحَمَّد {الله خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} بَائِن مِنْهُ لَا الْآلهَة لَا إِلَه إِلَّا هُوَ {وَهُوَ الْوَاحِد القهار} الْغَالِب على خلقه

17

ثمَّ ضرب مثل الْحق وَالْبَاطِل فَقَالَ {أَنَزَلَ مِنَ السمآء مَآءً} يَقُول أنزل جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ وَبَين فِيهِ الْحق وَالْبَاطِل {فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} فاحتملت الْقُلُوب المنورة الْحق بِقدر سعتها ونورها {فَاحْتمل السَّيْل} الْقُلُوب الْمظْلمَة {زَبَداً رَّابِياً} بَاطِلا كثيرا بهواها {وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّار} وَهَذَا مثل آخر يَقُول وَمِمَّا تطرحون فِي النَّار من الذَّهَب وَالْفِضَّة فِيهِ حَيْثُ مثل زبد الْبَحْر الْملح {ابتغآء} طلب {حِلْيَةٍ} تلبسونها يَقُول مثل الْحق مثل الذَّهَب وَالْفِضَّة ينْتَفع بهما كَذَلِك الْحق ينْتَفع بِهِ صَاحبه وَمثل الْبَاطِل مثل خبث الذَّهَب وَالْفِضَّة لَا ينْتَفع بِهِ كَذَلِك لَا ينْتَفع بِالْبَاطِلِ صَاحبه {أَوْ مَتَاعٍ} أَو حَدِيد أَو نُحَاس {زَبَدٌ مِّثْلُهُ} يَقُول يكون لَهُ خبث مثله مثل زبد المَاء وَهَذَا مثل آخر يَقُول مثل الْحق كَمثل الْحَدِيد والنحاس ينْتَفع بهما فَكَذَلِك الْحق ينْتَفع بِهِ صَاحبه وَمثل الْبَاطِل كَمثل خبث الْحَدِيد والنحاس لَا ينْتَفع بِهِ كَمَا لَا ينْتَفع بخبث الْحَدِيد والنحاس {كَذَلِك يَضْرِبُ الله} يبين الله الْحق وَالْبَاطِل {فَأَمَّا الزّبد فَيَذْهَبُ جُفَآءً} يَقُول يذهب كَمَا جَاءَ لَا ينْتَفع بِهِ فَكَذَلِك الْبَاطِل لَا ينْتَفع بِهِ {وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاس} وَهُوَ المَاء الصافي وَالذَّهَب وَالْفِضَّة وَالْحَدِيد والنحاس {فَيَمْكُثُ فِي الأَرْض} ينْتَفع بِهِ فَكَذَلِك الْحق ينْتَفع بِهِ {كَذَلِك يَضْرِبُ الله الْأَمْثَال} يبين الله أَمْثَال الْحق وَالْبَاطِل

18

{لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ} بِالتَّوْحِيدِ فِي الدُّنْيَا {الْحسنى} لَهُم الْجنَّة فِي الْآخِرَة {وَالَّذين لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ} لرَبهم بِالتَّوْحِيدِ {لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي الأَرْض} من الذَّهَب وَالْفِضَّة {جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ} ضعفه مَعَه {لاَفْتَدَوْاْ بِهِ} لفادوا بِهِ أنفسهم {أُولَئِكَ لَهُم سوء الْحساب} شدَّة الْعَذَاب {وَمَأْوَاهُمْ} مصيرهم {جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المهاد} الْفراش والمصير

19

{أَفَمَن يَعْلَمُ} يصدق {أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ} يَعْنِي الْقُرْآن {الْحق} هُوَ الْحق {كَمَنْ هُوَ أعمى} كَافِر {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ} يتعظ بِمَا أنزل إِلَيْك من الْقُرْآن {أُوْلُواْ الْأَلْبَاب} ذَوُو الْعُقُول من النَّاس

20

{الَّذين يُوفُونَ بِعَهْدِ الله} يتمون فَرَائض الله {وَلاَ يَنقُضُونَ الْمِيثَاق} لَا يتركون فَرَائض الله

21

{وَالَّذين يَصِلُونَ مَآ أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ} من الْأَرْحَام وَيُقَال من الْإِيمَان بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} يعْملُونَ لرَبهم {وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ} شدَّة الْعَذَاب

22

{وَالَّذِينَ صَبَرُواْ} على أَمر الله والمرازي {ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ} طلب رضَا رَبهم {وَأَقَامُواْ الصَّلَاة} أَتموا الصَّلَوَات الْخمس {وأنفقوا من مَا رَزَقْنَاهُمْ} تصدقوا مِمَّا أعطيناهم {سِرّاً} فِيمَا بَينهم وَبَين الله {وَعَلاَنِيَةً} فِيمَا بَينهم وَبَين النَّاس {ويدرؤون بِالْحَسَنَة السَّيئَة} يدْفَعُونَ بالْكلَام الْحسن الْكَلَام السيء إِذا أورد عَلَيْهِم {أُولَئِكَ} أهل هَذِه الصّفة من قَوْله إِنَّمَا يتَذَكَّر إِلَى هَهُنَا {لَهُمْ عُقبى الدَّار} يَعْنِي الْجنَّة

23

ثمَّ بَين أَي الجنات لَهُم فَقَالَ {جَنَّاتُ عَدْنٍ} وَهِي مَقْصُورَة الرَّحْمَن وَهِي مَعْدن الْأَنْبِيَاء وَالصديقين وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ

{يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ} من وحد {مِنْ آبَائِهِمْ} يدْخلُونَهَا أَيْضا {وَأَزْوَاجِهِمْ} من وحد من أَزوَاجهم يدْخلُونَهَا أَيْضا {وَذُرِّيَّاتِهِمْ} من وحد من ذرياتهم يدْخلُونَ أَيْضا جنَّات عدن {وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ} يُقَال لكل وَاحِد مِنْهُم خيمة من در مجوفة لَهَا أَرْبَعَة آلَاف بَاب لكل بَاب مصراع يدْخل عَلَيْهِم من كل بَاب ملك

24

يَقُولُونَ {سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ} هَذِه الْجنَّة بِمَا صَبَرْتُمْ على أَمر الله والمرازي {فَنِعْمَ عُقبى الدَّار} نعم الْجنَّة لكم

25

{وَالَّذين يَنقُضُونَ عَهْدَ الله} يتركون فَرَائض الله {مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ} تغليظه وتشديده وتأكيده {وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ} من الْأَرْحَام وَالْإِيمَان بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْض} بالْكفْر والشرك وَالدُّعَاء إِلَى غير عبَادَة الله {أُولَئِكَ} أهل هَذِه الصّفة {لَهُمُ اللَّعْنَة} السخطة فِي الدُّنْيَا {وَلَهُمْ سوء الدَّار} يَعْنِي النَّار فِي الْآخِرَة

26

{الله يَبْسُطُ الرزق لِمَنْ يَشَآءُ} قَالَ ابْن عَبَّاس وَإِن من عباده عباداً لَا يصلح لَهُم إِلَّا الْبسط وَلَو صرفُوا إِلَى غَيره لَكَانَ شرا لَهُم وَإِن من عباده عباداً لَا يصلح لَهُم إِلَّا التقتير وَلَو صرفُوا إِلَى غَيره لَكَانَ شرا لَهُم أَي يُوسع المَال على من يَشَاء فِي الدُّنْيَا وَهُوَ مكرمته {وَيَقَدِرُ} يقتر على من يَشَاء وَهُوَ نظر مِنْهُ {وفرحوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا} رَضوا بِمَا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا من النَّعيم وَالسُّرُور {وَمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا} مَا فِي الْحَيَاة من النَّعيم وَالسُّرُور {فِي الْآخِرَة} عِنْد نعيم الْآخِرَة فِي الْبَقَاء {إِلاَّ مَتَاعٌ} إِلَّا شَيْء قَلِيل كمتاع الْبَيْت مثل السكرجة والقدح وَالْقدر وَغير ذَلِك

27

{وَيَقُول الَّذين كفرُوا} بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن {لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ} هلا أنزل على مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام {آيَةٌ} عَلامَة {مِّن رَّبِّهِ} لنبوته كَمَا كَانَت للرسل الْأَوَّلين بِزَعْمِهِ {قُلْ} يَا مُحَمَّد {إِنَّ الله يُضِلُّ مَن يَشَآءُ} عَن دينه من كَانَ أَهلا لذَلِك {وَيهْدِي} يرشد {إِلَيْهِ} إِلَى دينه {مَنْ أَنَابَ} من أقبل إِلَى الله

28

{الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ} وترضى وتسكن قُلُوبهم {بِذِكْرِ الله} الْقُرْآن وَيُقَال بِالْحلف بِاللَّه {تطمئِن الْقُلُوب} أَي تسكن وتوضى الْقُلُوب

29

{الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {طُوبَى لَهُمْ} غِبْطَة لَهُم وَيُقَال طُوبَى شَجَرَة فِي الْجنَّة سَاقهَا من ذهب وورقها الْحلَل وَثَمَرهَا من كل لون وَأَغْصَانهَا مُتَوَالِيَات فِي الْجنَّة وتحتها كُثْبَان الْمسك والعنبر والزعفران {وَحُسْنُ مَآبٍ} الْمرجع فِي الْجنَّة

30

{كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ} يَقُول هَكَذَا أَرْسَلْنَاك إِلَى أمة {قَدْ خَلَتْ} مَضَت {مِن قَبْلِهَآ أُمَم لتتلو عَلَيْهِمُ} لتقرأ عَلَيْهِم {الَّذِي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ} أنزلنَا إِلَيْك جِبْرَائِيل بِهِ يَعْنِي الْقُرْآن {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بالرحمن} يَقُولُونَ مَا نَعْرِف الرَّحْمَن إِلَّا مُسَيْلمَة الْكذَّاب {قُلْ} الرَّحْمَن {هُوَ رَبِّي لَا إِلَه إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} اتكلت ووثقت {وَإِلَيْهِ مَتَابِ} الْمرجع فِي الْآخِرَة

31

ثمَّ نزل فِي شَأْن عبد الله بن أُميَّة المَخْزُومِي وَأَصْحَابه لقَولهم أذهب عَنَّا جبال مَكَّة بقرآنك وأنبع فِيهَا الْعُيُون كَمَا كَانَ لداود عين الْقطر بزعمك وائتنا برِيح نركب عَلَيْهَا إِلَى الشَّام ونجى عَلَيْهَا كَمَا كَانَت لِسُلَيْمَان بزعمك وأحي مَوتَانا كَمَا أحيى عِيسَى بن مَرْيَم بزعمك فَقَالَ الله {وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً} غير قُرْآن مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {سُيِّرَتْ بِهِ الْجبَال} أذهبت بِهِ الْجبَال عَن وَجه الأَرْض {أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْض} أَي قصد بِهِ الْبعد {أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى} أَو أحيى بِهِ الْمَوْتَى لَكَانَ بقرآن مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {بَل لِلَّهِ الْأَمر جَمِيعاً} بل الله يفعل ذَلِك جَمِيعًا إِن شَاءَ {أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذين آمنُوا} أفلم يعلم الَّذين آمنُوا بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن {أَن لَّوْ يَشَآءُ الله لَهَدَى النَّاس جَمِيعاً} لأكرم النَّاس كلهم بِدِينِهِ {وَلاَ يَزَالُ الَّذين كَفَرُواْ} بالكتب وَالرسل يَعْنِي كفار مَكَّة {تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ} فِي كفرهم {قَارِعَةٌ} سَرِيَّة وَيُقَال صَاعِقَة {أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً}

أَو تنزل مَعَ أَصْحَابك قَرِيبا {مِّن دَارِهِمْ} من مدينتهم مَكَّة بعسفان {حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ الله} فتح مَكَّة {إِنَّ الله لاَ يُخْلِفُ الميعاد} فتح مَكَّة وَيُقَال الْبَعْث بعد الْمَوْت

32

{وَلَقَدِ استهزئ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ} اسْتَهْزَأَ بهم قَومهمْ كَمَا اسْتَهْزَأَ بك قَوْمك قُرَيْش {فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ} فأمهلت للَّذين كفرُوا بعد الِاسْتِهْزَاء {ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ} بِالْعَذَابِ {فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} انْظُر كَيفَ كَانَ تعييري عَلَيْهِم بِالْعَذَابِ

33

{أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ على كُلِّ نَفْسٍ} يَقُول الله قَائِم على حفظ كل نفس {بِمَا كسبت} من الْخَيْر وَالشَّر والرزق وَالدَّفْع {وَجَعَلُواْ لِلَّهِ} وصفوا لله {شُرَكَآءَ} من الْآلهَة يعبدونها {قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {سَمُّوهُمْ} سموا منفعتهم وتدبيرهم إِن كَانَ لَهُم شركَة مَعَ الله {أَمْ تُنَبِّئُونَهُ} أتخبرونه {بِمَا لاَ يَعْلَمُ} بِمَا يعلم أَن لَيْسَ {فِي الأَرْض} أحد ينفع ويضر من دون الله {أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ القَوْل} بل بباطل من القَوْل والزور وَالْكذب عبدوهم {بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {مَكْرُهُمْ} قَوْلهم وفعلهم {وَصُدُّواْ عَنِ السَّبِيل} صرفُوا عَن الدّين {وَمَن يُضْلِلِ الله} عَن دينه {فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} من موفق

34

{لَّهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} بِالْقَتْلِ يَوْم بدر {وَلَعَذَابُ الْآخِرَة أَشَقُّ} أَشد من عَذَاب الدُّنْيَا {وَمَا لَهُم مِّنَ الله} من عَذَاب الله {من واق} من مَانع وملجأ يلجئون إِلَيْهِ

35

{مَّثَلُ الْجنَّة} صفة الْجنَّة {الَّتِي وُعِدَ المتقون} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا} من تَحت شَجَرهَا ومساكنها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {أُكُلُهَا دَآئِمٌ} ثَمَرهَا دَائِم لَا يفنى {وِظِلُّهَا} دَائِم لَا خلل فِيهِ {تِلْكَ} الْجنَّة {عُقبى} مأوى {الَّذين اتَّقوا} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش {وَّعُقْبَى} مأوى {الْكَافرين النَّار}

36

{وَالَّذين آتَيْنَاهُمُ} أعطيناهم {الْكتاب} علم التَّوْرَاة عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه {يَفْرَحُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ} من ذكر الرَّحْمَن {وَمِنَ الْأَحْزَاب} يَعْنِي الْيَهُود {من يُنكر بعضه} بعض الْقُرْآن مَا فِيهِ ذكر الرَّحْمَن {قُلْ} يَا مُحَمَّد {إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ الله} مخلصاً {وَلَا أُشْرِكَ بِهِ} شَيْئا {إِلَيْهِ أَدْعُو} خلقه {وَإِلَيْهِ مَآبِ} مرجعي فِي الْآخِرَة

37

{وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ} هَكَذَا أنزلنَا جِبْرَائِيل بِالْقُرْآنِ {حُكْماً} الْقُرْآن كُله حكم الله {عَرَبِيّاً} على مجْرى لُغَة الْعَرَبيَّة {وَلَئِنِ اتبعت أَهْوَاءَهُم} دينهم وقبلتهم {بَعْدَ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعلم} الْبَيَان بدين إِبْرَاهِيم وقبلته {مَا لَكَ مِنَ الله} من عَذَاب الله {مِن وَلِيٍّ} قريب ينفعك {وَلاَ وَاقٍ} لَا مَانع يمنعك

38

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ} كَمَا أَرْسَلْنَاك {وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً} أَكثر من أَزوَاجك مثل دَاوُد وَسليمَان {وَذُرِّيَّةً} أَكثر من ذريتك مثل إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب نزلت هَذِه الْآيَة فِي شَأْن الْيَهُود لقَولهم لَو كَانَ مُحَمَّد نَبيا لشغلته النُّبُوَّة عَن التَّزَوُّج {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ} بعلامة {إِلاَّ بِإِذْنِ الله} بِأَمْر الله {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} لكل كتاب أجل مهلة مقدم ومؤخر

39

{يمحو الله مَا يَشَاء}

من ديوَان الْحفظَة مَالا ثَوَاب وَلَا عِقَاب لَهُ {وَيثبت} يتْرك مَاله الثَّوَاب وَالْعِقَاب {وَعِندَهُ أُمُّ الْكتاب} أصل الْكتاب يَعْنِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ لَا يُزَاد فِيهِ وَلَا ينقص مِنْهُ

40

{وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ} من الْعَذَاب فِي حياتك {أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ} نقبضنك قبل أَن نريك {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغ} التَّبْلِيغ عَن الله {وَعَلَيْنَا الْحساب} الثَّوَاب وَالْعِقَاب

41

(أَو لم يَرَوْاْ) ينْظرُوا أهل مَكَّة {أَنَّا نَأْتِي الأَرْض} نَأْخُذ الأَرْض {ننقصها} نفتحها لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {مِنْ أَطْرَافِهَا} من نَوَاحِيهَا وَيُقَال هُوَ موت الْعلمَاء {وَالله يَحْكُمُ} بِفَتْح الْبلدَانِ وَمَوْت الْعلمَاء {لاَ مُعَقِّبَ} لَا مغير {لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحساب} شَدِيد الْعقَاب وَيُقَال إِذا حاسب فحسابه سريع

42

{وَقَدْ مَكَرَ} صنع {الَّذين مِن قَبْلِهِمْ} من قبل أهل مَكَّة مثل نمْرُود بن كنعان بن سنجاريب بن كوش وَأَصْحَابه {فَلِلَّهِ الْمَكْر جَمِيعاً} عِنْد الله عُقُوبَة مَكْرهمْ جَمِيعًا {يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ} يعلم الله مَا تكسب {كُلُّ نَفْسٍ} برة أَو فاجرة من خير أَو شَرّ {وَسَيَعْلَمُ الْكفَّار} يَعْنِي الْيَهُود وَسَائِر الْكفَّار {لِمَنْ عُقْبَى الدَّار} يَعْنِي الْجنَّة وَيُقَال الدولة يَوْم بدر وَلمن تكون مَكَّة

43

{وَيَقُول الَّذين كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن الْيَهُود وَغَيرهم {لَسْتَ مُرْسَلاً} من الله يَا مُحَمَّد وَإِلَّا فائتنا بِشَهِيد يشْهد لَك فَقَالَ الله {قُلْ كفى بِاللَّه شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} بِأَنِّي رَسُوله وَهَذَا الْقُرْآن كَلَامه {وَمَنْ عِنْده علم الْكتاب} يَعْنِي عبد الله ابْن سَلام وَأَصْحَابه إِن قَرَأت بِالنّصب وَيُقَال هُوَ آصف ابْن برخيا لقَوْله تَعَالَى {قَالَ الَّذِي عِنْده علم من الْكتاب} وَمن عِنْده من عِنْد الله علم الْكتاب تبيان الْقُرْآن إِن قَرَأت بالخفض وَهُوَ الْكتاب الَّذِي أَنزَلْنَاهُ إِلَيْك وَمن السُّورَة الَّتِي يذكر فِيهَا إِبْرَاهِيم وَهِي كلهَا مَكِّيَّة وآياتها خَمْسُونَ وكلماتها ثَمَانمِائَة وَإِحْدَى وَثَلَاثُونَ وحروفها ثَلَاث آلَاف وَأَرْبَعمِائَة وَأَرْبع وَثَلَاثُونَ {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

إبراهيم

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {الر} يَقُول أَنا الله أرى مَا تَقولُونَ وَمَا تَعْمَلُونَ وَيُقَال قسم أقسم بِهِ {كِتَابٌ} أَي هَذَا كتاب {أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ} أنزلنَا إِلَيْك جِبْرِيل بِهِ {لِتُخْرِجَ النَّاس} لتدعو أهل مَكَّة {من الظُّلُمَات إِلَى النُّور} من الْكفْر إِلَى الْإِيمَان {بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} بِأَمْر رَبهم تدعوهم {إِلَى صِرَاطِ} إِلَى دين {الْعَزِيز} بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ {الحميد} لمن وَحده وَيُقَال الْمَحْمُود فِي فعاله

2

{الله الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض} من الْخلق والعجائب {وَوَيْلٌ} وَاد فِي جَهَنَّم من أَشدّهَا حرا وأضيقها مَكَانا وأبعدها قعراً فَتَقول يَا رب قد اشْتَدَّ حرى وضاق مَكَاني وَبعد قعري فَأذن لي حَتَّى أنتقم مِمَّن عصاك وَلَا تجْعَل شَيْئا ينْتَقم مني {لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} غليظ

3

{الَّذين يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاة الدُّنْيَا} يختارون الدُّنْيَا {عَلَى الْآخِرَة وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله} يصرفون النَّاس عَن دين الله وطاعته {وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً} يطلبونها غيراً {أُولَئِكَ} الْكفَّار {فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ} عَن الْحق وَالْهدى وَيُقَال فِي خطأ بيّن

4

{وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ}

بلغَة قومه {لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} بلغتهم مَا أمروا بِهِ وَمَا نهوا عَنهُ وَيُقَال بِلِسَان يقدرُونَ أَن يتعلموا مِنْهُ {فَيُضِلُّ الله} عَن دينه {مَن يَشَآءُ} من كَانَ أَهلا لذَلِك {وَيَهْدِي} لدينِهِ {مَن يَشَآءُ} من كَانَ أَهلا لذَلِك {وَهُوَ الْعَزِيز} فِي ملكه وسلطانه وَيُقَال الْعَزِيز بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ {الْحَكِيم} فِي أمره وقضائه وَيُقَال الْحَكِيم بالإضلال وَالْهدى

5

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَآ} التسع الْيَد والعصا والطوفان وَالْجَرَاد وَالْقمل والضفادع وَالدَّم والسنين وَنقص من الثمرات {أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ} أَن ادْع قَوْمك {مِنَ الظُّلُمَات إِلَى النُّور} من الْكفْر إِلَى الْإِيمَان {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله} بأيام عَذَاب الله وَيُقَال بأيام رَحْمَة الله {إِنَّ فِي ذَلِك} فبمَا ذكرت {لآيَاتٍ} لعلامات {لِّكُلِّ صَبَّارٍ} على الطَّاعَة {شَكُورٍ} على النِّعْمَة

6

{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ} وَقد قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ بني إِسْرَائِيل {اذْكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ} منَّة الله عَلَيْكُم {إِذْ أَنجَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَوْن} من فِرْعَوْن وَقَومه القبط {يسومونكم سوء الْعَذَاب} يعذبونكم بأشد الْعَذَاب {وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ} صغَارًا {وَيَسْتَحْيُونَ} يستخدمون {نِسَآءَكُمْ} كبارًا {وَفِي ذَلِكُم} فِي ذبح الْأَبْنَاء واستخدام النِّسَاء {بلَاء مِّن رَّبَّكُمْ عَظِيمٌ} بلية من ربكُم عَظِيمَة ابتلاكم بهَا وَيُقَال وَفِي ذَلِكُم فِي إنجاء الله لكم بلَاء مِّن رَّبَّكُمْ عَظِيمٌ نعْمَة من ربكُم عَظِيمَة أنعمكم بهَا

7

{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ} قَالَ ربكُم وَاعْلَم ربكُم فِي الْكتاب {لَئِن شَكَرْتُمْ} بالتوفيق والعصمة والكرامة وَالنعْمَة {لأَزِيدَنَّكُمْ} تَوْفِيقًا وعصمة وكرامة ونعمة {وَلَئِن كَفَرْتُمْ} بِي أَو بنعمتي {إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} لمن كفر

8

{وَقَالَ مُوسَى إِن تكفرُوا} بِاللَّه {أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْض جَمِيعاً فَإِنَّ الله لَغَنِيٌّ} عَن إيمَانكُمْ {حَمِيدٌ} لمن وَحده

9

{أَلَمْ يَأْتِكُمْ} يَا أهل مَكَّة {نَبَأُ} خبر {الَّذين مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ} يَعْنِي قوم هود {وَثَمُود} يَعْنِي قوم صَالح {وَالَّذين مِن بَعْدِهِمْ} من بعد قوم صَالح قوم شُعَيْب وَغَيرهم كَيفَ أهلكهم الله عِنْد التَّكْذِيب {لاَ يَعْلَمُهُمْ} لَا يعلم عَددهمْ وعذابهم أحد {إِلاَّ الله جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} بِالْأَمر وَالنَّهْي والعلامات {فَردُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} على أَفْوَاههم يَقُول ردوا على الرُّسُل مَا جَاءُوا بِهِ وَيُقَال وضعُوا أَيْديهم على أفواهههم وَقَالُوا للرسل اسْكُتُوا وَإِلَّا سكتم {وَقَالُوا} للرسل {إِنَّا كَفَرْنَا} جحدنا {بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ} من الْكتاب والتوحيد {وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَآ إِلَيْهِ} من الْكتاب والتوحيد {مُرِيبٍ} ظَاهر الشَّك فِيمَا تَقولُونَ

10

{قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي الله شَكٌّ} أَفِي وحدانية الله شكّ {فَاطِرِ السَّمَاوَات} خَالق السَّمَوَات {وَالْأَرْض يَدْعُوكُمْ} إِلَى التَّوْبَة والتوحيد {لِيَغْفِرَ لَكُمْ} بِالتَّوْبَةِ والتوحيد {مِّن ذُنُوبِكُمْ} فِي الْجَاهِلِيَّة {وَيُؤَخِّرَكُمْ} يؤجلكم بِلَا عَذَاب {إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى} إِلَى وَقت مَعْلُوم يَعْنِي الْمَوْت {قَالُوا} للرسل {إِنْ أَنتُمْ} مَا أَنْتُم {إِلاَّ بَشَرٌ} آدَمِيّ {مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا} تصرفون {عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا} من الْأَصْنَام

{فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} بِكِتَاب وَحجَّة

11

{قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ} مَا نَحن {إِلاَّ بَشَرٌ} آدَمِيّ {مِّثْلُكُمْ} يَقُول خلق مثلكُمْ {وَلَكِن الله يَمُنُّ على مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ} بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام {وَمَا كَانَ لَنَآ} مَا يَنْبَغِي لنا {أَن نَّأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ} بِكِتَاب وَحجَّة {إِلاَّ بِإِذْنِ الله} بِأَمْر الله {وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ} يَقُول وعَلى الْمُؤمنِينَ أَن يتوكلوا على الله فَقَالُوا للرسل توكلوا أَنْتُم على الله حَتَّى تروا مَا يفعل بكم

12

فَقَالَت الرُّسُل {وَمَا لَنَآ أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى الله وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا} أكرمنا بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام {وَلَنَصْبِرَنَّ على مَآ آذَيْتُمُونَا} فِي أبداننا بِطَاعَة الله {وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المتوكلون} فليثق الواثقون

13

{وَقَالَ الَّذين كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِّنْ أَرْضِنَآ} من مدينتنا {أَوْ لَتَعُودُنَّ} تدخلن {فِي مِلَّتِنَا} فِي ديننَا {فَأوحى إِلَيْهِمْ} إِلَى الرُّسُل {رَبُّهُمْ} أَن اصْبِرُوا {لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمين} الْكَافرين

14

{وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ} لننزلنكم {الأَرْض} أَرضهم وديارهم {مِن بَعْدِهِمْ} من بعد هلاكهم {ذَلِك} التسكين {لِمَنْ خَافَ مَقَامِي} الْقيام بَين يَدي {وَخَافَ وَعِيدِ} عَذَابي

15

{واستفتحوا} استنصر كل قوم على نَبِيّهم {وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ} خسر عِنْد الدُّعَاء من النُّصْرَة كل متكبر ختال {عَنِيدٍ} معرض عَن الْحق وَالْهدى

16

{مِّن وَرَآئِهِ} من قُدَّام هَذَا الْجَبَّار بعد الْمَوْت {جَهَنَّمُ ويسقى مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ} مِمَّا يخرج من جُلُودهمْ من الْقَيْح وَالدَّم

17

{يَتَجَرَّعُهُ} يسْتَمْسك الصديد فِي حلقه {وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ} يُجِيزهُ {وَيَأْتِيهِ الْمَوْت} غم الْمَوْت {مِن كُلِّ مَكَانٍ} من تَحت كل شَعْرَة وَيُقَال تَأْخُذهُ النَّار من كل مَكَان من كل نَاحيَة {وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ} من ذَلِك الْعَذَاب {وَمِن وَرَآئِهِ} من بعد الصديد {عَذَابٌ غَلِيظٌ} شَدِيد أَشد من الصديد

18

{مَّثَلُ الَّذين كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ} يَقُول مثل أَعمال الَّذين كفرُوا برَبهمْ {كَرَمَادٍ اشتدت} ذرت {بِهِ الرّيح فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} قاصف شَدِيد من الرّيح {لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ على شَيْءٍ} يَقُول لَا يَجدونَ ثَوَاب شَيْء مِمَّا عمِلُوا من الْخَيْر فِي الْكفْر كَمَا لَا يُوجد من الرماد شَيْء إِذا ذرته الرّيح {ذَلِك} الْكفْر وَالْعَمَل لغير الله {هُوَ الضلال الْبعيد} الْخَطَأ الْبعيد عَن الْحق وَالْهدى

19

{أَلَمْ تَرَ} ألم تخبر يَا مُحَمَّد خَاطب بذلك نبيه وَأَرَادَ بِهِ قومه {أَنَّ الله خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِالْحَقِّ} لبَيَان الْحق وَالْبَاطِل وَيُقَال للزوال والفناء {إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ} يهلككم أَو يمتكم يَا أهل مَكَّة {وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} يخلق خلقا آخر خيرا مِنْكُم وأطوع لله

20

{وَمَا ذَلِك عَلَى الله بِعَزِيزٍ} بشديد يَقُول لَيْسَ على الله بشديد أَن يهلككم ويخلق خلقا آخر

21

{وَبَرَزُواْ لِلَّهِ} خَرجُوا من الْقُبُور بِأَمْر الله {جَمِيعاً} القادة والسفلة {فَقَالَ الضُّعَفَاء} السفلة {لِلَّذِينَ استكبروا} عَن الْإِيمَان وهم القادة {إِنَّا كُنَّا لكم تبعا}

مُطِيعِينَ فِيمَا أمرتمونا {فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ} حاملون {عَنَّا مِنْ عَذَابِ الله مِن شَيْءٍ} شَيْئا من عَذَاب الله {قَالُواْ} يَعْنِي القادة {لَوْ هَدَانَا الله} لدينِهِ {لَهَدَيْنَاكُمْ} لدعوناكم إِلَى دينه {سَوَآءٌ عَلَيْنَآ} الْعَذَاب {أَجَزِعْنَآ} أصحنا وتضرعنا {أَمْ صَبَرْنَا} سكتنا {مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ} من مغيث وملجأ

22

{وَقَالَ الشَّيْطَان} يَقُول الشَّيْطَان وَهُوَ إِبْلِيس {لَمَّا قضي الْأَمر} أَدخل أهل الْجنَّة وَأهل النَّار النَّار فَيَقُول لأهل النَّار فِي النَّار {إِنَّ الله وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحق} أَن الْجنَّة وَالنَّار والبعث والحساب وَالْمِيزَان والصراط حق {وَوَعَدتُّكُمْ} أَن لَا جنَّة وَلَا نَار وَلَا بعث وَلَا حِسَاب وَلَا ميزَان وَلَا صِرَاط {فَأَخْلَفْتُكُمْ} كذبت لكم {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ} من حجَّة وَعذر ومقدرة {إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ} إِلَى طَاعَتي {فاستجبتم لِي} طَاعَتي {فَلاَ تَلُومُونِي} فِي دَعْوَتِي لكم {ولوموا أَنفُسَكُمْ} بإجابتكم إيَّايَ {مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ} بمغيثكم ومنجيكم من النَّار {وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ} بمغيثي ومنجي من النَّار {إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ} بِالَّذِي أشركتموني بِهِ {مِن قَبْلُ} من قبل أَن أشركتموني بِهِ وَيُقَال إِنِّي كفرت الْيَوْم بِمَا أشركتموني يَقُول تبرأت مِنْكُم وَمن دينكُمْ وإجابتكم من قبل هَذَا من قبل فِي الدُّنْيَا {إِنَّ الظَّالِمين} الْكَافرين {لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وجيع يخلص وَجَعه إِلَى قُلُوبهم

23

{وَأدْخل الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {جنَّات} بساتين {تجْرِي من تحتهَا} من تَحت شَجَرهَا ومساكنها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {خَالِدِينَ فِيهَا} مقيمين فِيهَا {بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} بِأَمْر رَبهم {تَحِيَّتُهُمْ} كرامتهم {فِيهَا} فِي الْجنَّة {سَلاَمٌ} يسلم بَعضهم على بعض إِذا تلاقوا

24

{أَلَمْ تَرَ} ألم تخبر يَا مُحَمَّد {كَيْفَ ضَرَبَ الله مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً} يَقُول كَيفَ بَين الله صفة كلمة طيبَة وَهِي لَا إِلَه إِلَّا الله {كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ} وَهِي الْمُؤمن {أَصْلُهَا ثَابِتٌ} يَقُول قلب الْمُؤمن المخلص ثَابت بِلَا إِلَه إِلَّا الله {وَفَرْعُهَا فِي السمآء} يَقُول بهَا يقبل عمل الْمُؤمن المخلص

25

{تؤتي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} يَقُول يعْمل الْمُؤمن المخلص كل حِين طَاعَة لله وَخيرا {بِإِذْنِ رَبِّهَا} يَقُول بِأَمْر رَبهَا وَيُقَال صفة كلمة طيبَة فِي النَّفْع والمدحة كشجرة طيبَة وَهِي النَّخْلَة شَجَرَة طيبَة ثَمَرهَا كَذَلِك الْمُؤمن أَصْلهَا ثَابت يَقُول أصل الشَّجَرَة ثَابت فِي الأَرْض بعروقها فَكَذَلِك الْمُؤمن ثَابت بِالْحجَّةِ والبرهان وفرعها فِي السَّمَاء يَقُول أَغْصَان النَّخْلَة ترفع نَحْو السَّمَاء وَكَذَلِكَ عمل الْمُؤمن المخلص يُوقع إِلَى السَّمَاء تؤتي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ يَقُول تخرج ثَمَرهَا كل سِتَّة أشهر بِإِذن رَبهَا بِإِرَادَة رَبهَا فَكَذَلِك الْمُؤمن المخلص يعْمل كل حِين طَاعَة وَخير بِأَمْر ربه {وَيَضْرِبُ الله الْأَمْثَال} هَكَذَا يبيّن الله الْأَمْثَال صفة توحيده {لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} لكَي يتعظوا وَيرغبُوا فِي توحيده فِي قَول الله جلّ ذكره

26

{وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ} وَهُوَ الشّرك بِاللَّه {كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ} وَهُوَ الْمُشرك يَقُول الشّرك مَذْمُوم لَيْسَ لَهُ مِدْحَة كَمَا أَن الْمُشرك مَذْمُوم لَيْسَ لَهُ مِدْحَة وَيُقَال كشجرة خبيثة وَهِي الحنظلة لَيْسَ لَهَا مَنْفَعَة وَلَا حلاوة فَكَذَلِك الشّرك لَيْسَ فِيهِ مَنْفَعَة وَلَا مِدْحَة {اجتثت} اقتلعت {مِن فَوْقِ الأَرْض مَا لَهَا مِن قَرَارٍ} من ثبات على وَجه الأَرْض كَذَلِك الْمُشرك لَيْسَ لَهُ حجَّة يَأْخُذ بهَا كَمَا أَن لَيْسَ لشَجَرَة الحنظلة أصل تثبت عَلَيْهِ وَلَا يقبل مَعَ الشّرك عمل

27

{يثبت الله الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وَيُقَال آمنُوا يَوْم الْمِيثَاق بِطيبَة الْأَنْفس وهم أهل السَّعَادَة {بالْقَوْل الثَّابِت} شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله {فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} لكَي لَا يرجِعوا عَنْهَا {وَفِي الْآخِرَة} يَعْنِي فِي الْقَبْر إِذا سُئِلَ عَنْهَا {وَيُضِلُّ الله} يصرف الله {الظَّالِمين} الْمُشْركين عَن قَول لَا إِلَه إِلَّا الله فِي الدُّنْيَا لكَي لَا يَقُولُوا بِطيبَة النَّفس وَلَا فِي الْقَبْر وَلَا إِذا أخرجُوا من الْقُبُور وهم أهل الشقاوة {وَيَفْعَلُ الله مَا يَشَآءُ}

من الإضلال والتثبت وَيُقَال من صرف مُنكر وَنَكِير

28

{أَلَمْ تَرَ} ألم تخبر يَا مُحَمَّد {إِلَى الَّذين} عَن الَّذين {بَدَّلُواْ نِعْمَةَ الله} غيروا منَّة الله بِالْكتاب وَالرسل {كُفْراً} بالْكفْر أَي كفرُوا بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن وهم بَنو أُميَّة وَبَنُو الْمُغيرَة المطعمون يَوْم بدر {وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ} أنزلوا أهل مَكَّة {دَارَ الْبَوَار} دَار الْهَلَاك يَعْنِي دَار بدر وَيُقَال جَهَنَّم

29

ثمَّ قَالَ {جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا} يدْخلُونَهَا يَوْم الْقِيَامَة {وَبِئْسَ الْقَرار} الْمنزل والمصير جَهَنَّم

30

{وَجَعَلُواْ لِلَّهِ} قَالُوا ووصفوا لله {أَندَاداً} أعدالاً من الْأَوْثَان فعبدوها {لِّيُضِلُّواْ} بذلك {عَن سَبِيلِهِ} عَن دينه وطاعته {قُلْ} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {تَمَتَّعُواْ} عيشوا فِي كفركم {فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّار} يَوْم الْقِيَامَة

31

{قُل} يَا مُحَمَّد {لِّعِبَادِيَ الَّذين آمَنُواْ} بِي وبالكتب وَالرسل {يُقِيمُواْ الصَّلَاة} الصَّلَوَات الْخمس بوضوئها وركوعها وسجودها وَمَا يجب فِيهَا فِي مواقيتها {وَيُنْفِقُواْ} يتصدقوا {مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} مَا أعطيناهم من الْأَمْوَال {سِرّاً} خفِيا {وَعَلانِيَةً} جَهرا وهم أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {من قبل أَن يَأْتِي يَوْم} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {لاَّ بَيْعٌ فِيهِ} لَا فدَاء فِيهِ {وَلاَ خِلاَلٌ} لَا مخالة للْكَافِرِ والصالح تَنْفَعهُ خلته

32

ثمَّ وحد نَفسه فَقَالَ {الله الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَأَنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً} مَطَرا {فَأَخْرَجَ بِهِ} فأنبت بالمطر {مِنَ الثمرات} من ألوان الثمرات {رِزْقاً لَّكُمْ} طَعَاما لكم ولسائر الْخلق {وَسَخَّرَ} ذلل {لَكُمُ الْفلك} يَعْنِي السفن {لِتَجْرِيَ} الْفلك {فِي الْبَحْر بِأَمْرِهِ} بِإِذْنِهِ وإرادته {وسخر} ذلل {لكم الْأَنْهَار} تجْرِي حَيْثُ تشاءون

33

{وَسَخَّر لَكُمُ} ذلل لكم {الشَّمْس وَالْقَمَر دَآئِبَينَ} دائمين إِلَى يَوْم الْقِيَامَة {وَسَخَّرَ} ذلل {لَكُمُ اللَّيْل وَالنَّهَار} يَجِيء وَيذْهب

34

{وَآتَاكُم} أَعْطَاكُم {مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ} وَمَا لم تحسنوا أَن تسألوا {وَإِن تعدوا نعْمَة الله} منَّة الله {لاَ تُحْصُوهَا} لَا تحفظوها وَلَا تشكروها {إِنَّ الْإِنْسَان} يَعْنِي الْكَافِر {لَظَلُومٌ} مُشْرك {كَفَّارٌ} كَافِر بِاللَّه وبنعمته

35

{وَإِذْ قَالَ} وَقد قَالَ {إِبْرَاهِيمُ} بعد مَا بني الْبَيْت {رَبِّ} يَا رب {اجْعَل هَذَا الْبَلَد} مَكَّة {آمِناً} من أَن يهاج فِيهِ ويأمن فِيهِ الْخَائِف {واجنبني} احفظني {وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَام} من عبَادَة الْأَصْنَام والنيران وَيُقَال اعصمني

36

{رَبِّ} يَا رب {إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ النَّاس} أَي أضلّ بِهن كثير من النَّاس وَيُقَال ضل بِهن كثير من النَّاس {فَمَن تَبِعَنِي} تبع ديني وأطاعني {فَإِنَّهُ مِنِّي} على ديني {وَمَنْ عَصَانِي} فَخَالف ديني {فَإِنَّكَ غَفُورٌ} متجاوز لمن تَابَ مِنْهُم أَي يَتُوب عَلَيْهِم {رَّحِيمٌ} لمن مَاتَ على التَّوْبَة

37

{رَّبَّنَآ} يَا رَبنَا {إِنِّي أَسْكَنتُ} أنزلت {مِن ذُرِّيَّتِي} إِسْمَاعِيل وَأمه هَاجر {بِوَادٍ} فِي وَاد {غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} لَيْسَ بِهِ زرع وَلَا نَبَات {عِندَ بَيْتِكَ الْمحرم} يَعْنِي مَكَّة {رَبَّنَا} يَا رَبنَا {لِيُقِيمُواْ الصَّلَاة} لكَي يتموا الصَّلَاة نَحْو الْكَعْبَة {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاس} قُلُوب بعض النَّاس {تهوي إِلَيْهِمْ} تشتاق وتنزع إِلَيْهِم كل سنة {وارزقهم مِّنَ الثمرات} من ألوان الثمرات {لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} لكَي يشكروا نِعْمَتك {رَبَّنَآ} يَا رَبنَا

38

{إِنَّك تعلم مَا نخفي} من حب إِسْمَعِيل {وَمَا نُعْلِنُ} من حب إِسْحَاق وَيُقَال مَا نخفي من وجد إِسْمَاعِيل وَمَا نعلن من الْجفَاء لَهُ {وَمَا يخفى عَلَى الله مِن شَيْءٍ} من عمل خير أَو شَرّ {فَي الأَرْض وَلاَ فِي السمآء}

39

{الْحَمد لله}

الشُّكْر لله {الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكبر} بعد الْكبر {إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} وَكَانَ ابْن مائَة سنة وَامْرَأَته سارة بنت تسع وَتِسْعين سنة حَيْثُ ولدهما {إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدعآء} مُجيب الدُّعَاء

40

{رَبِّ} يَا رب {اجْعَلنِي مُقِيمَ الصَّلَاة} متم الصَّلَاة {وَمِن ذُرِّيَتِي} أَيْضا يَقُول أكرمني وَأكْرم ذريتي بإتمام الصَّلَاة {رَبَّنَا} يَا رَبنَا {وَتَقَبَّلْ دُعَاء} عبادتي

41

{رَبَّنَا} يَا رَبنَا {اغْفِر لِي} ذُنُوبِي {وَلِوَالِدَيَّ} لآبائي الْمُؤمنِينَ {وَلِلْمُؤْمِنِينَ} ولسائر الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات {يَوْمَ يَقُومُ الْحساب} يَوْم يكون الْحساب وَتقوم الْحَسَنَة والسيئة فَمن زَادَت لَهُ الْحَسَنَة وَجَبت لَهُ الْجنَّة وَمن زَادَت لَهُ السَّيئَة وَجَبت لَهُ النَّار وَمن اسْتَوَت لَهُ حَسَنَة وسيئة فَهُوَ من أَصْحَاب الْأَعْرَاف

42

{وَلاَ تَحْسَبَنَّ الله غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} يَقُول تَارِك عُقُوبَة مَا يعْمل الْمُشْركُونَ {إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ} يؤجلهم {لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَار} أبصار الْكفَّار وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة

43

{مُهْطِعِينَ} مُسْرِعين قَاصِدين ناظرين إِلَى الدَّاعِي {مُقْنِعِي رؤوسهم} مطأطىء رؤوسهم وَيُقَال رافعي رؤوسهم وَيُقَال مادي أَعْنَاقهم {لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ} لَا يرجع إِلَيْهِم أَبْصَارهم من الهول والفزع {وَأَفْئِدَتُهُمْ} قُلُوبهم {هَوَآءٌ} خَالِيَة من كل خير وَيُقَال لَا عَائِدَة وَلَا خَارِجَة

44

{وَأَنذِرِ النَّاس} خوف أهل مَكَّة بِالْقُرْآنِ {يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَاب} من يَوْم يَأْتِيهم الْعَذَاب وَهُوَ يَوْم بدر وَيُقَال يَوْم الْقِيَامَة {فَيَقُولُ الَّذين ظلمُوا} أشركوا {رَبَّنَآ} يَا رَبنَا {أَخِّرْنَآ إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} مثل أجل الدُّنْيَا {نُّجِبْ دَعْوَتَكَ} إِلَى التَّوْحِيد {وَنَتَّبِعِ الرُّسُل} نطع الرُّسُل بالإجابة فَيَقُول الله لَهُم {أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ} حلفتم {مِّن قَبْلُ} من قبل هَذَا فِي الدُّنْيَا {مَا لَكُمْ مِّن زَوَالٍ} من الدُّنْيَا وَلَا بعث

45

{وَسَكَنتُمْ} نزلتم {فِي مسَاكِن} فِي منَازِل {الَّذين ظلمُوا أَنفُسَهُمْ} بالشرك والتكذيب فَلم يتعظوا بهلاكهم {وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ} فِي الدُّنْيَا {وَضَرَبْنَا} بَينا {لَكُمُ الْأَمْثَال} فِي الْقُرْآن من كل وَجه من الْوَعْد والوعيد وَالرَّحْمَة وَالْعَذَاب

46

{وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ} صَنَعُوا صنيعهم بالتكذيب بالرسل {وَعِندَ الله مَكْرُهُمْ} عُقُوبَة صنيعهم {وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجبَال} لكَي تَخِر مِنْهُ الْجبَال إِن قَرَأت بخفض اللَّام الأولى وَنصب اللَّام الْأُخْرَى وَيُقَال وَإِن كَانَ مَكْرهمْ وَقد كَانَ مَكْرهمْ مكر نمروذ الْجَبَّار لتزول مِنْهُ الْجبَال لتخر مِنْهُ الْجبَال حَيْثُ سمع دوِي التابوت والنسور إِن قَرَأت بِنصب اللَّام الأولى وَرفع اللَّام الْأُخْرَى

47

{فَلاَ تَحْسَبَنَّ الله مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ} لرسله بنجاتهم وهلاك أعدائهم {إِنَّ الله عَزِيزٌ} فِي ملكه وسلطانه {ذُو انتقام} ذُو نقمة من أعدائه فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة

48

{يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْض} أَي فِي يَوْم تغير الأَرْض {غَيْرَ الأَرْض} على حَال سوى هَذِه الْحَال وتبديلها أَن يُزَاد فِيهَا وَينْقص مِنْهَا ويسوى جبالها وأوديتها وَيُقَال تبدل الأَرْض غير هَذِه الأَرْض {وَالسَّمَاوَات} مَطْوِيَّات بِيَمِينِهِ {وَبَرَزُواْ لِلَّهِ} خَرجُوا وظهروا لله {الْوَاحِد الْقَهَّارِ} لخلقه بِالْمَوْتِ

49

{وَتَرَى الْمُجْرمين} الْمُشْركين {يَوْمَئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {مُّقَرَّنِينَ} مسلسلين وَيُقَال مقيدين {فِي الأصفاد} فِي الْقُيُود مَعَ الشَّيَاطِين

50

{سَرَابِيلُهُم} قمصهم {مِّن قَطِرَانٍ} من نَار سَوْدَاء كالقطران وَيُقَال من قطران من صفر حَار قد انْتهى حره {وتغشى} تعلو {وُجُوهَهُمْ النَّار}

51

{لِيَجْزِيَ الله} وَهَذَا مقدم ومؤخر يَقُول وبرزوا لله الْوَاحِد القهار ليجزي الله {كُلَّ نَفْسٍ} برة أَو فاجرة {مَّا كَسَبَتْ} من الْخَيْر وَالشَّر

{إِنَّ الله سَرِيعُ الْحساب} شَدِيد الْعقَاب وَيُقَال إِذا حاسب فحسابه سريع

52

{هَذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ} أبلغهم عَن الله وَيُقَال بَيَان لَهُم بِالْأَمر وَالنَّهْي والوعد والوعيد والحلال وَالْحرَام {وَلِيُنذَرُواْ بِهِ} لكَي يخوفوا بِالْقُرْآنِ {وليعلموا} لكَي يعلمُوا ويقروا {أَنَّمَا هُوَ إِلَه وَاحِدٌ} بِلَا ولد وَلَا شريك {وَلِيَذَّكَّرَ} ولكي يتعظ بِالْقُرْآنِ {أُوْلُواْ الْأَلْبَاب} ذَوُو الْعُقُول من النَّاس وَمن السُّورَة الَّتِي يذكر فِيهَا الْحجر وَهِي كلهَا مَكِّيَّة وكلماتها سِتّمائَة وَخَمْسُونَ وَأَرْبع وحروفها أَلفَانِ وَسَبْعمائة وَسَبْعُونَ {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

الحجر

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {الر} يَقُول انا الله ارى قسم أقسم بِالْألف وَاللَّام وَالرَّاء {تِلْكَ آيَاتُ الْكتاب} إِن هَذِه السُّورَة آيَات الْكتاب {وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ} يَقُول وَأقسم بِالْقُرْآنِ الْمُبين بالحلال وَالْحرَام وَالْأَمر وَالنَّهْي

2

{رُبمَا يود} يتَمَنَّى {الَّذين كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ} فِي الدُّنْيَا يَقُول رُبمَا يَأْتِي على الْكَافرين يَوْم يتَمَنَّى أَنه كَانَ مُسلما وَلِهَذَا كَانَ الْقسم وَذَلِكَ إِذا أخرج الله من النَّار من كَانَ مُؤمنا مخلصاً بإيمانه وَأدْخلهُ الْجنَّة فَعِنْدَ ذَلِك يتَمَنَّى الْكَافِر أَنه كَانَ مُسلما فِي الدُّنْيَا

3

{ذَرْهُمْ} اتركهم يَا مُحَمَّد {يَأْكُلُواْ} بِلَا حجَّة وَلَا همة مَا فِي الْغَد {وَيَتَمَتَّعُواْ} يعيشوا فِي الْكفْر وَالْحرَام {وَيُلْهِهِمُ الأمل} ويشغلهم الأمل الطَّوِيل عَن طَاعَة الله {فَسَوْفَ} وَهَذَا وَعِيد لَهُم {يَعْلَمُونَ} عِنْد الْمَوْت وَفِي الْقَبْر وَيَوْم الْقِيَامَة مَاذَا يفعل بهم

4

{وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ} من أهل قَرْيَة {إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ} فِيهِ أجل مَعْلُوم مُؤَقّت لهلاكهم

5

{مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا} يَقُول لَا تَمُوت وَلَا تهْلك أمة قبل أجلهَا {وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ} وَلَا تَأَخّر أمة عَن أجلهَا

6

{وَقَالُواْ} عبد الله بن أُميَّة المَخْزُومِي وَأَصْحَابه لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {يَا أَيهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذّكر} جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ بزعمك {إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} تختلق

7

{لَّوْ مَا تَأْتِينَا} هلا تَأْتِينَا {بِالْمَلَائِكَةِ} من السَّمَاء فيشهدوا لَك أَنَّك رَسُول الله {إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقين} فِي مَقَالَتك

8

قَالَ الله {مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَة} من السَّمَاء {إِلاَّ بِالْحَقِّ} بِالْهَلَاكِ وَقبض أَرْوَاحهم {وَمَا كَانُواْ إِذاً مُّنظَرِينَ} مؤجلين إِذا نزلت عَلَيْهِم الْمَلَائِكَة

9

{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذّكر} جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ {وَإِنَّا لَهُ} لِلْقُرْآنِ {لَحَافِظُونَ} من الشَّيَاطِين حَتَّى لَا يزِيدُوا فِيهِ وَلَا ينقصوا مِنْهُ وَلَا يُغيرُوا حكمه وَيُقَال إِنَّا لَهُ لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لحافظون من الْكفَّار وَالشَّيَاطِين

10

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ} يَا مُحَمَّد الرُّسُل {فِي شِيَعِ الْأَوَّلين} فِي فرق الْأَوَّلين

11

{وَمَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ} مُرْسل إِلَيْهِم {إِلاَّ كَانُوا بِهِ} بالرسول {يستهزؤون} يستسخرون

12

{كَذَلِكَ} هَكَذَا {نَسْلُكُهُ} نَتْرُك التَّكْذِيب {فِي قُلُوبِ الْمُجْرمين} الْمُشْركين

13

{لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} لكَي لَا يُؤمنُوا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ونزول الْعَذَاب عَلَيْهِم {وَقَدْ خَلَتْ} مَضَت {سُنَّةُ الْأَوَّلين} سيرة الْأَوَّلين بتكذيب الرُّسُل كَمَا كَذبك قَوْمك وَمَضَت سيرة الله فيهم بِالْعَذَابِ والهلاك من الله لَهُم عِنْد التَّكْذِيب

14

{وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم} على أهل مَكَّة {بَاباً من السَّمَاء} يدْخلُونَ فِيهِ

{فظلوا فِيهِ} فصاروا فِيهِ {يَعْرُجُونَ} يصعدون وينزلون يَعْنِي كالملائكة

15

{لَقَالُواْ} كفار مَكَّة {إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا} أخذت أَعيننَا {بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ} مغلوبو الْعقل قد سحرنَا

16

{وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجاً} قصوراً وَيُقَال نجوماً وَهِي النُّجُوم الَّتِي يهتدى بهَا فِي ظلمات الْبر وَالْبَحْر {وَزَيَّنَّاهَا} يَعْنِي السَّمَاء بالكواكب {لِلنَّاظِرِينَ} إِلَيْهَا وَهِي النُّجُوم الَّتِي زينت بهَا السَّمَاء

17

{وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ} مَلْعُون مطرود بالنجوم الَّتِي يزجرون بهَا عَن اسْتِمَاع الْمَلَائِكَة يَعْنِي الشَّيَاطِين

18

{إِلاَّ مَنِ اسْترق السّمع} إِلَّا من اختلس خلسة {فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ} يلْحقهُ نجم مضيء حَار متوقد

19

{وَالْأَرْض مَدَدْنَاهَا} بسطناها على المَاء {وَأَلْقَيْنَا فِيهَا} على الأَرْض {رَوَاسِيَ} جبالاً ثوابت أوتاداً لَهَا {وَأَنْبَتْنَا فِيهَا} فِي الْجبَال وَيُقَال فِي الأَرْض {مِن كُلِّ شَيْءٍ} من النَّبَات وَالثِّمَار {مَّوْزُونٍ} مَقْدُور مقسوم مَعْلُوم وَيُقَال من كل شَيْء مَوْزُون يُوزن مثل الذَّهَب وَالْفِضَّة وَالْحَدِيد والصفر والرصاص وَغير ذَلِك

20

{وَجَعَلْنَا} خلقنَا {لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ} فِي الأَرْض من النَّبَات وَالثِّمَار وَمَا تَأْكُلُونَ وتشربون وتلبسون {وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ} يَقُول ويرزق من لَسْتُم لَهُ برازقين يَعْنِي الطير والوحش وَيُقَال الأجنة فِي الْبُطُون

21

{وَإِن مِّن شَيْءٍ} وَمَا من شَيْء من النَّبَات وَالثِّمَار والأمطار {إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ} مفاتيحه يَقُول بيدنا مفاتيحه لَا بِأَيْدِيكُمْ {وَمَا نُنَزِّلُهُ} يَعْنِي الْمَطَر {إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ} بكيل وَوزن مَعْلُوم بِعلم الْخزَّان

22

{وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاح لَوَاقِحَ} تلقح الشّجر والسحاب {فَأَنزَلْنَا مِنَ السمآء مَاءً} مَطَرا {فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ} فِي الأَرْض {وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ} للمطر {بِخَازِنِينَ} بفاتحين

23

{وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي} للبعث {وَنُمِيتُ} فِي الدُّنْيَا {وَنَحْنُ الوارثون} المالكون على مَا فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض بعد موت أَهلهَا وَقبل موت أَهلهَا

24

{وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ} يَعْنِي الْأَمْوَات من الْآبَاء والأمهات وَيُقَال الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُم فِي الصَّفّ الأول {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ} يَعْنِي الْأَحْيَاء من الْبَنِينَ وَالْبَنَات وَيُقَال الْمُسْتَأْخِرِينَ فِي الصَّفّ الآخر

25

{وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ} الْأَوَّلين والآخرين {إِنَّهُ حَكِيمٌ} حكم عَلَيْهِم بالحشر {عَلِيمٌ} بحشرهم وبثوابهم وعقابهم

26

{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَان} يَعْنِي آدم {مِن صَلْصَالٍ} من طين يتصلصل {مِّنْ حَمَإٍ} من طين {مَّسْنُونٍ} منتن وَيُقَال مُصَور

27

{والجآن} أَبَا الْجِنّ {خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ} من قبل آدم عَلَيْهِ السَّلَام {مِن نَّارِ السمُوم} من نَار لَا دُخان لَهَا

28

{وَإِذ قَالَ} وَقد قَالَ {رَبك للْمَلَائكَة} الَّذين كَانُوا فِي الأَرْض وهم كَانُوا عشرَة آلَاف {إِنِّي خَالِقٌ} أخلق {بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ} من طين يتصلصل {مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ} من طين منتن

29

{فَإِذَا سَوَّيْتُهُ} سويت خلقه باليدين وَالرّجلَيْنِ والعينين وَغير ذَلِك {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي} جعلت الرّوح فِيهِ {فَقَعُواْ لَهُ} فَخَروا لَهُ {سَاجِدِينَ} بالتحية

30

{فَسَجَدَ الْمَلَائِكَة} لآدَم صلوَات الله عَلَيْهِ {كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ}

31

{إِلاَّ إِبْلِيسَ} رئيسهم {أَبى} تعظم {أَن يَكُونَ مَعَ الساجدين} بِالسُّجُود لآدَم عَلَيْهِ السَّلَام

32

{قَالَ} الله تَعَالَى {يَا إِبْلِيس} يَا آيس من رَحْمَتي {مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ الساجدين} بِالسُّجُود لآدَم

33

{قَالَ لَمْ أَكُن لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ} من طين يتصلصل {مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ} من طين منتن يَقُول لَا يَنْبَغِي لي أَن أَسجد للطين

34

{قَالَ} الله لَهُ {فَاخْرُج مِنْهَا} من صُورَة الْمَلَائِكَة وَيُقَال من كَرَامَتِي ورحمتي وَيُقَال من الأَرْض {فَإِنَّكَ رَجِيمٌ} مَلْعُون مطرود من رَحْمَتي

35

{وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَة} لَعْنَتِي ولعنة الْمَلَائِكَة وَالْخَلَائِق {إِلَى يَوْمِ الدّين} يَوْم الْحساب

36

{قَالَ} إِبْلِيس {رَبِّ} يَا رب {فَأَنظِرْنِي} فأمهلني {إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} من الْقُبُور وَأَرَادَ الملعون أَن لَا يَذُوق الْمَوْت

37

{قَالَ} الله {فَإِنَّكَ مِنَ المنظرين} من المؤجلين

38

{إِلَى يَوْمِ الْوَقْت الْمَعْلُوم} النفخة الأولى

39

{قَالَ رَبِّ} يَا رب {بِمَآ أَغْوَيْتَنِي} كَمَا أضللتني عَن الْهدى {لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ} لبني آدم {فِي الأَرْض} الشَّهَوَات وَاللَّذَّات {وَلأُغْوِيَنَّهُمْ} لأضلنهم {أَجْمَعِينَ} عَن الْهدى

40

{إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين} المعصومين مني وَيُقَال الْمُوَحِّدين إِن قَرَأت بِكَسْر اللَّام

41

ثمَّ {قَالَ} الله تَعَالَى {هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ} كريم شرِيف وَيُقَال على ممر من أطاعك وممر من دخل مَعَك وَيُقَال هَذَا صِرَاط طَرِيق مُسْتَقِيم قَائِم بِرِضَاهُ وَهُوَ الْإِسْلَام وَيُقَال هَذَا صِرَاط عَليّ رفيع إِن قَرَأت بِكَسْر اللَّام وَرفع الْبَاء

42

{إِنَّ عِبَادِي} الْمُؤمنِينَ {لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} ملك وَلَا مقدرَة {إِلاَّ مَنِ اتبعك} إِلَّا على من أطاعك {مِنَ الغاوين} من الْكَافرين

43

{وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ} مصيرهم مِمَّن أطاعك {أَجْمَعِينَ}

44

{لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ} بَعْضهَا أَسْفَل من بعض أَعْلَاهَا جَهَنَّم وأسفلها الهاوية {لِكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ} من الْكفَّار {جُزْءٌ مَّقْسُومٌ} حَظّ مَعْلُوم

45

{إِنَّ الْمُتَّقِينَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش يَعْنِي أَبَا بكر وَعمر وأصحابهما {فِي جَنَّاتٍ} فِي بساتين {وَعُيُونٍ} مَاء طَاهِر

46

{ادخلوها} يَقُول الله تَعَالَى لَهُم يَوْم الْقِيَامَة ادخُلُوا الْجنَّة {بِسَلامٍ} مَعَ سَلام وتحية وَيُقَال بسلامة وَنَجَاة منا {آمِنِينَ} من الْمَوْت والزوال

47

{وَنَزَعْنَا} أخرجنَا {مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ} وغش وعداوة كَانَت بَينهم فِي الدُّنْيَا {إِخْوَاناً} فِي الْآخِرَة {على سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ} فِي الزِّيَارَة

48

{لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا} لَا يصيبهم فِي الْجنَّة {نَصَبٌ} تَعب وَلَا مشقة {وَمَا هُمْ مِّنْهَا} من الْجنَّة {بِمُخْرَجِينَ}

49

{نَبِّئْ عِبَادِي} خبر عبَادي {أَنِّي أَنَا الغفور} المتجاوز {الرَّحِيم} لمن مَاتَ على التَّوْبَة

50

{وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَاب الْأَلِيم} الوجيع لمن لم يتب وَمَات على الْكفْر

51

{وَنَبِّئْهُمْ} أخْبرهُم {عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ} عَن أضياف إِبْرَاهِيم جِبْرِيل واثني عشر ملكا مَعَه

52

{إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ} على إِبْرَاهِيم {فَقَالُواْ سَلاماً} سلمُوا عَلَيْهِ {قَالَ} لَهُم إِبْرَاهِيم حِين لم يطعموا من طَعَامه {إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ} خائفون

53

{قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ} لَا تفرق يَا إِبْرَاهِيم منا {إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ} بِولد {عَلِيمٍ} فِي صغره حَلِيم فِي كبره

54

{قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي} بِالْوَلَدِ {على أَن مَّسَّنِيَ الْكبر} بعد مَا أصابني الْكبر {فَبِمَ تُبَشِّرُونَ} فَبِأَي شَيْء تبشرون الْآن

55

{قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ} بِالْوَلَدِ {فَلاَ تَكُن مِّنَ القانطين} من الآيسين من الْوَلَد

56

{قَالَ} إِبْرَاهِيم {وَمَن يَقْنَطُ} ييأس {مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضآلون} الْكَافِرُونَ بِاللَّه أَو بنعمته

57

{قَالَ} إِبْرَاهِيم لجبريل وأعوانه {فَمَا خَطْبُكُمْ} فَمَا شَأْنكُمْ وبماذا جئْتُمْ {أَيُّهَا المُرْسَلُونَ}

58

{قَالُوا إنآ أرسلنآ إِلَى قوم مجرمين} مُشْرِكين اجترموا الْهَلَاك على أنفسهم بعملهم الْخَبيث يعنون قوم لوط

59

{إِلاَّ آلَ لُوطٍ} ابْنَتَيْهِ زاعورا وريثا وَامْرَأَته الصَّالِحَة {إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ} من الْهَلَاك {أَجْمَعِينَ}

60

{إِلاَّ امْرَأَته} واعلة المنافقة {قَدَّرْنَآ} عَلَيْهَا {إِنَّهَا لَمِنَ الغابرين} لمن البَاقِينَ المتخلفين بِالْهَلَاكِ

61

{فَلَمَّا جَآءَ آلَ لُوطٍ} إِلَى لوط {المُرْسَلُونَ} جِبْرِيل وأعوانه

62

{قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ} فِي بلدنا هَذَا لم نعرفكم وَلم نَعْرِف سلامكم فَمن أجل ذَلِك قَالَ إِنَّكُم قوم منكرون يَعْنِي جِبْرِيل وأعوانه

63

{قَالُواْ بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُواْ فِيهِ يَمْتَرُونَ} يَشكونَ من الْعَذَاب

64

{وَآتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ} أَي جئْنَاك بِخَبَر الْعَذَاب {وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} فِي مقالتنا أَن الْعَذَاب نَازل عَلَيْهِم

65

{فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ} فأدلج بأهلك {بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْل} بِبَعْض من آخر اللَّيْل عِنْد السحر {وَاتبع أَدْبَارَهُمْ} امش وَرَاءَهُمْ نَحْو صعر {وَلاَ يَلْتَفِتْ} لَا يتَخَلَّف {مِنكُمْ أَحَدٌ وامضوا} سِيرُوا {حَيْثُ تُؤْمَرُونَ} نَحْو صعر

66

{وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمر} أمرناه الْإِتْيَان إِلَى صعر وَيُقَال أخبرناه {أَنَّ دَابِرَ} غابر {هَؤُلآءِ} قوم لوط {مَقْطُوعٌ} مستأصل {مُّصْبِحِينَ} عِنْد الصَّباح

67

{وَجَآءَ أَهْلُ الْمَدِينَة} إِلَى دَار لوط {يَسْتَبْشِرُونَ} بعملهم الْخَبيث

68

{قَالَ} لَهُم لوط {إِنَّ هَؤُلآءِ ضَيْفِي} أَي أضيافي {فَلاَ تَفْضَحُونِ} فيهم

69

{وَاتَّقوا الله} اخشوا الله فِي الْحَرَام {وَلاَ تخزون} لَا تذلوني فِي أضيافي

70

{قَالُوا أَو لم نَنْهَكَ} يَا لوط {عَنِ الْعَالمين} عَن ضِيَافَة الغرباء

71

{قَالَ هَؤُلآءِ بَنَاتِي} وَيُقَال بَنَات قومِي أَنا أزوجكم {إِن كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} متزوجين

72

{لعمرك} أقسم بعمر مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيُقَال بِدِينِهِ {إِنَّهُمْ} يَعْنِي قوم لوط {لَفِي سَكْرَتِهِمْ} لفي جهلهم {يَعْمَهُونَ} لَا يبصرون

73

{فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَة} بِالْعَذَابِ {مُشْرِقِينَ} عِنْد طُلُوع الشَّمْس

74

{فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا} أَعْلَاهَا أَسْفَلهَا وأسفلها أَعْلَاهَا {وأمطرنا عَلَيْهِم} على شذاذهم ومساهيرهم {حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ} من سَمَاء الدُّنْيَا وَيُقَال من سبخ ووحل مطبوخ كالآجر

75

{إِن فِي ذَلِك} فِيمَا فعلنَا بهم {لآيَات} لعلامات وعبرات {لِلْمُتَوَسِّمِينَ} للمتفرسين وَيُقَال للمتفكرين وَيُقَال للناظرين وَيُقَال للمعتبرين

76

{إِنَّهَا} يَعْنِي قريات لوط {لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ} طَرِيق دَائِم يَمرونَ عَلَيْهَا

77

{إِنَّ فِي ذَلِكَ} فِي هلاكهم {لآيَةً} لعبرة {للْمُؤْمِنين}

78

{وَإِن كَانَ} يَعْنِي وَقد كَانَ {أَصْحَابُ الأيكة} يَعْنِي أَصْحَاب الغيضة والأيكة الشّجر وهم قوم شُعَيْب {لَظَالِمِينَ} لمشركين

79

{فانتقمنا مِنْهُمْ} فِي الدُّنْيَا بِالْعَذَابِ {وَإِنَّهُمَا} يَعْنِي قريات لوط وَشُعَيْب {لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ} لبطريق وَاضح يَمرونَ عَلَيْهَا

80

{وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحجر} قوم صَالح {الْمُرْسلين} صَالحا وَجُمْلَة الْمُرْسلين

81

{وَآتَيْنَاهُمْ} أعطيناهم {آيَاتِنَا} النَّاقة وَغَيرهَا {فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ} مكذبين بهَا

82

{وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الْجبَال} فِي الْجبَال {بُيُوتاً آمِنِينَ} من أَن تقع عَلَيْهِم وَيُقَال آمِنين من الْعَذَاب

83

{فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَة} بِالْعَذَابِ {مُصْبِحِينَ} عِنْد الصَّباح

84

{فَمَآ أغْنى عَنْهُم} من عَذَاب الله {مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} يَقُولُونَ ويعملون ويعبدون من دون الله

85

{وَمَا خلقنَا السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بينهمآ} من الْخلق والعجائب {إِلاَّ بِالْحَقِّ} لبَيَان الْحق وَالْبَاطِل وَالْحجّة عَلَيْهِم {وَإِنَّ السَّاعَة لآتِيَةٌ} لكائنة {فاصفح الصفح الْجَمِيل} أعرض عَنْهُم إعْرَاضًا جميلاً بِلَا فحش وَلَا جزع وَهِي مَنْسُوخَة بِآيَة الْقِتَال

86

{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الخلاق} الْبَاعِث لمن آمن بِهِ وَلمن لم يُؤمن بِهِ {الْعَلِيم} بثوابهم وعقابهم

87

{وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ المثاني} يَقُول أكرمناك بِسبع آيَات من الْقُرْآن تثني فِي كل رَكْعَة وسجدتين وَهِي فَاتِحَة الْكتاب وَيُقَال أكرمناك بأسباع الْقُرْآن لِأَن الْقُرْآن كُله مثان أَمر وَنهي ووعد ووعيد وحلال وَحرَام وناسخ ومنسوخ وَحَقِيقَة ومجاز ومحكم ومتشابه وَخبر مَا كَانَ وَمَا يكون ومدحة لقوم ومذمة لقوم {وَالْقُرْآن الْعَظِيم} يَقُول وأكرمناك بِالْقُرْآنِ الْعَظِيم الْكَرِيم الشريف كَمَا أنزلنَا التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل على المقتسمين الْيَهُود وَالنَّصَارَى

88

{لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ} لَا تنظرن بالرغبة {إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ} أعطينا من الْأَمْوَال {أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ} رجَالًا من بني قُرَيْظَة وَالنضير وَيُقَال من قُرَيْش لِأَن مَا أكرمناك بِهِ من النُّبُوَّة وَالْإِسْلَام وَالْقُرْآن أعظم مِمَّا أعطيناهم من الْأَمْوَال {وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} على هلاكهم إِن لم يُؤمنُوا {واخفض جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} لين جَانِبك للْمُؤْمِنين يَقُول كن رحِيما عَلَيْهِم

89

{وَقُلْ إِنِّي أَنَا النذير الْمُبين} الرَّسُول الْمخوف بلغَة تعرفونها من عَذَاب الله

90

{كَمَآ أَنْزَلْنَا} يَوْم بدر {عَلَى المقتسمين} أَصْحَاب الْعقبَة وَهُوَ أَبُو جهل ابْن هِشَام والوليد ابْن الْمُغيرَة المَخْزُومِي وحَنْظَلَة بن أبي سُفْيَان وَعتبَة وَشَيْبَة ابْنا ربيعَة وَسَائِر أَصْحَابهم الَّذين قتلوا يَوْم بدر

91

{الَّذين جَعَلُواْ الْقُرْآن عِضِينَ} قَالُوا فِي الْقُرْآن أقاويل مُخْتَلفَة قَالَ بَعضهم سحر وَقَالَ بَعضهم شعر وَقَالَ بَعضهم كهَانَة وَقَالَ بَعضهم أساطير الْأَوَّلين وَقَالَ بَعضهم كذب يختلقه من تِلْقَاء نَفسه

92

{فوربك} يَا مُحَمَّد أقسم بِنَفسِهِ {لنسألنهم} يَوْم الْقِيَامَة {أَجْمَعِينَ}

93

{عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} يَقُولُونَ فِي الدُّنْيَا وَيُقَال عَن تَركهم لَا إِلَه إِلَّا الله

94

{فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} يَقُول أظهر أَمرك بِمَكَّة {وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْركين}

95

{إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} رفعنَا عَنْك مُؤنَة الْمُسْتَهْزِئِينَ

96

{الَّذين يَجْعَلُونَ مَعَ الله إِلَهًا آخَرَ} يَقُولُونَ مَعَ الله آلِهَة شَتَّى {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} مَاذَا يفعل بهم فأهلكهم الله فِي يَوْم وَلَيْلَة كل وَاحِد مِنْهُم بِعَذَاب غير عَذَاب صَاحبه وَكَانُوا خَمْسَة مِنْهُم الْعَاصِ بن وَائِل السَّهْمِي لدغه شَيْء فَمَاتَ مَكَانَهُ أبعده الله وَمِنْهُم الْحَارِث بن قيس السَّهْمِي أكل حوتاً مالحاً وَيُقَال طرياً فَأَصَابَهُ الْعَطش فَشرب عَلَيْهِ المَاء حَتَّى انْشَقَّ بَطْنه فَمَاتَ مَكَانَهُ أتعسه الله وَمِنْهُم الْأسود بن الْمطلب ضرب جِبْرِيل رَأسه على شَجَرَة وَضرب وَجهه بالشوك حَتَّى مَاتَ نكسه الله وَمِنْهُم الْأسود بن عبد يَغُوث خرج فِي يَوْم شَدِيد الْحر فَأَصَابَهُ السمُوم فاسود حَتَّى عَاد حَبَشِيًّا فَرجع إِلَى بَيته فَلم يفتحوا لَهُ الْبَاب فنطح رَأسه بِبَابِهِ حَتَّى مَاتَ خذله الله وَمِنْهُم الْوَلِيد بن الْمُغيرَة المَخْزُومِي أصَاب أكحله نبل فَمَاتَ من ذَلِك طرده الله وَكلهمْ كَانُوا يَقُولُونَ قتلني رب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

97

{وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ} يَا مُحَمَّد {بِمَا يَقُولُونَ} من التَّكْذِيب وبأنك شَاعِر وساحر وَكَذَّاب وكاهن

98

{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} فصل بِأَمْر رَبك {وَكُنْ مِّنَ الساجدين} مَعَ الساجدين وَيُقَال مَعَ المطيعين

99

{واعبد رَبَّكَ} اسْتَقِم على طَاعَة رَبك {حَتَّى يَأْتِيك الْيَقِين} يَعْنِي الْمَوْت وَهُوَ الموقن

وَمن السُّورَة الَّتِي يذكر فِيهَا النَّحْل وَهِي كلهَا مَكِّيَّة غير أَربع آيَات نزلت بِالْمَدِينَةِ قَوْله {وَإِن عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا} إِلَى آخِره {واصبر وَمَا صبرك إِلَّا بِاللَّه} إِلَى آخر وَقَوله {ثمَّ إِن رَبك للَّذين هَاجرُوا من بعد مَا فتنُوا} إِلَى آخر الْآيَة وَقَوله {وَالَّذين هَاجرُوا فِي الله من بعد مَا ظلمُوا} إِلَى آخر الْآيَة فَهَؤُلَاءِ الْآيَات ألأربع مدنيات آياتها مائَة وَعِشْرُونَ وثمان آيَات وكلماتها ألف وَثَمَانمِائَة وَإِحْدَى وَأَرْبَعين وحروفها سِتَّة آلَاف وَسَبْعمائة وَسَبْعَة أحرف بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

النحل

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما نزل قَوْله اقْتَرَبَ للنَّاس حِسَابهمْ إِلَى آخر الْآيَة وَقَوله اقْتَرَبَتْ السَّاعَة إِلَى آخر الْآيَة فَمَكَثُوا على ذَلِك مَا شَاءَ الله أَن يمكثوا وَلم يتَبَيَّن لَهُم شَيْء فَقَالُوا يَا مُحَمَّد مَتى يأتينا مَا تعدنا من عَذَاب فَأنْزل الله {أَتَى أَمْرُ الله} أَتَى عَذَاب الله وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالِسا فَقَامَ لَا يشك أَن الْعَذَاب قد أَتَى فَقَالَ الله {فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ} بِالْعَذَابِ فَجَلَسَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {سُبْحَانَهُ} نزه نَفسه عَن الْوَلَد وَالشَّرِيك {وَتَعَالَى} ارْتَفع وتبرأ {عَمَّا يُشْرِكُونَ} بِهِ من الْأَوْثَان

2

{يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَة} يَعْنِي جِبْرِيل وَمن مَعَه من الْمَلَائِكَة {بِالروحِ مِنْ أَمْرِهِ} بِالنُّبُوَّةِ وَالْكتاب بأَمْره {على مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ} يَعْنِي مُحَمَّدًا وَغَيره من الْأَنْبِيَاء {أَنْ أنذروا} خوفوا بِالْقُرْآنِ واقرءوا حَتَّى يَقُولُوا {أَنَّهُ لاَ إِلَه إِلاَّ أَنَاْ فاتقون} فأطيعوني ووحدوني

3

{خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِالْحَقِّ} للحق وَيُقَال للزوال والفناء {تَعَالَى} تَبرأ {عَمَّا يُشْرِكُونَ} من الْأَوْثَان

4

{خَلَقَ الْإِنْسَان} أبيّ بن خلف الجُمَحِي {مِن نُّطْفَةٍ} مُنْتِنَة {فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ} جدل بِالْبَاطِلِ {مُّبِينٌ} ظَاهر الْجِدَال لقَوْله {من يحيي الْعِظَام وَهِي رَمِيم}

5

{والأنعام} يَعْنِي الْإِبِل {خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ} الإدفاء من الأكسية وَغَيرهَا {وَمَنَافِعُ} فِي ظُهُورهَا وَأَلْبَانهَا {وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} من لحومها تَأْكُلُونَ

6

{وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ} منظر حسن {حِينَ تُرِيحُونَ} من الرَّعْي {وَحِينَ تَسْرَحُونَ} إِلَى الرَّعْي

7

{وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ} أمتعتكم وزادكم {إِلَى بَلَدٍ} يَعْنِي مَكَّة {لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الْأَنْفس} إِلَّا بتعب النَّفس {إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ} بِمن آمن {رَّحِيمٌ} بِتَأْخِير الْعَذَاب عَنْكُم

8

{وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحمير} يَقُول خلق الْخَيل وَالْبِغَال وَالْحمير {لِتَرْكَبُوهَا} فِي سَبِيل الله {وَزِينَةً} لكم فِيهَا منظر حسن {وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} يَقُول خلق من الْأَشْيَاء مَالا تعلمُونَ مِمَّا لم يسمه لكم

9

{وعَلى الله قَصْدُ السَّبِيل} هِدَايَة الطَّرِيق فِي الْبر وَالْبَحْر {وَمِنْهَا} من الطَّرِيق {جَآئِرٌ} مائل لَا يهتدى بِهِ {وَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} إِلَى الطَّرِيق فِي الْبَحْر وَالْبر وَيُقَال {وعَلى الله قَصْدُ السَّبِيل} الْهدى إِلَى التَّوْحِيد {وَمِنْهَا} من الْأَدْيَان {جَآئِرٌ} مائل لَيْسَ بعادل مثل الْيَهُودِيَّة والنصرانية والمجوسية {وَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} لدينِهِ

10

{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاء مَآءً} مَطَرا {لَّكُم مَّنْهُ شَرَابٌ} مَا يسْتَقرّ فِي الأَرْض فِي الركايا والغدران {وَمِنْهُ شَجَرٌ} بِهِ ينْبت الشّجر والنبات {فِيهِ تُسِيمُونَ} ترعون أنعامكم

11

{يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ} بالمطر {الزَّرْع وَالزَّيْتُون والنخيل وَالْأَعْنَاب} يَعْنِي الكروم {وَمِن كُلِّ الثمرات} من ألوان كل الثمرات {إِنَّ فِي ذَلِكَ} فِي ألوان مَا ذكرت وَفِي طعمه {لآيَةً} لعلامة وعبرة {لِّقَوْمٍ يتفكرون}

12

{وَسَخَّرَ لَكُمُ} ذلل لكم {اللَّيْل وَالنَّهَار وَالشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم مُسَخَّرَاتٌ} مذللات {بِأَمْرِهِ} بِإِذْنِهِ {إِنَّ فِي ذَلِكَ} فِي تسخير مَا ذكرت {لآيَاتٍ} لعلامات {لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} يعلمُونَ ويصدقون أَن تسخيرها من الله

13

{وَمَا ذَرَأَ} يَقُول وَمَا خلق {لَكُمْ فِي الأَرْض مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ} أجناسه من النَّبَات وَالثِّمَار وَغير ذَلِك {إِنَّ فِي ذَلِكَ} فِي ألوان مَا خلقت {لآيَةً} لعلامة وعبرة {لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ} يتعظون بِمَا فِي الْقُرْآن

14

{وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ} ذلل {الْبَحْر لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً} يَعْنِي سمكًا {طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ} من الْبَحْر {حِلْيَةً} زهرَة من اللُّؤْلُؤ وَغَيره {تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفلك} يَعْنِي السفن {مَوَاخِرَ} مقبلة ومدبرة {فِيهِ} فِي الْبَحْر تَجِيء وَتذهب برِيح وَاحِدَة {وَلِتَبْتَغُواْ} لكَي تَطْلُبُوا {مِن فَضْلِهِ} من عمله وَيُقَال من رزقه {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} لكَي تشكروا {فِيهِ} فِي الْبَحْر تَجِيء وَتذهب برِيح وَاحِدَة {وَلِتَبْتَغُواْ} لكَي تَطْلُبُوا {مِن فَضْلِهِ} من عمله وَيُقَال من رزقه {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} لكَي تشكروا نعْمَته

15

{وَألقى فِي الأَرْض رَوَاسِيَ} الْجبَال الثوابت {أَن تَمِيدَ} لكَي لَا تميد {بِكُمْ} الأَرْض {وَأَنْهَاراً} وأجرى فِيهَا أَنهَار لمنافعكم {وَسُبُلاً} جعل فِيهَا طرقاً {لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} لكَي تعرفوا الطَّرِيق

16

{وَعَلامَاتٍ} من الْجبَال وَغير ذَلِك للمسافرين {وبالنجم} وبالفرقدين والجدي {هُمْ} يَعْنِي الْمُسَافِرين {يَهْتَدُونَ} بهما فِي الْبر وَالْبَحْر

17

{أَفَمَن يَخْلُقُ} وَهُوَ الله {كَمَن لاَّ يَخْلُقُ} لَا يقدر أَن يخلق يَعْنِي الْأَصْنَام {أَفَلا تَذَكَّرُونَ} أَفلا تتعظون فِيمَا خلق الله لكم

18

{وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ الله لاَ تُحْصُوهَآ} لَا تحفظوها وَيُقَال لَا تشكروها {إِنَّ الله لَغَفُورٌ} متجاوز {رَّحِيمٌ} لمن تَابَ

19

{وَالله يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ} من الْخَيْر وَالشَّر {وَمَا تُعْلِنُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر

20

{وَالَّذين يَدْعُونَ} يعْبدُونَ {مِن دُونِ الله لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً} لَا يقدرُونَ أَن يخلقوا شَيْئا كخلقنا {وَهُمْ يُخْلَقُونَ} ينحتون مخلوقة منحوتة

21

{أَمْواتٌ} أصنام أموات {غَيْرُ أَحْيَآءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ} يَعْنِي الْآلهَة {أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} من الْقُبُور فيحاسبون وَيُقَال مَا يعلم الْكفَّار مَتى يحاسبون وَيُقَال مَا تعلم الْمَلَائِكَة مَتى يحاسبون

22

{إِلَهكُم إِلَه وَاحِدٌ} يعلم ذَلِك لَا الْآلهَة {فَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَة} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت {قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ} بِالتَّوْحِيدِ {وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ} عَن الْإِيمَان

23

{لاَ جَرَمَ} لَا جرم حقّاً {أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ} مَا يخفون من البغض والحسد وَالْمَكْر والخيانة {وَمَا يُعْلِنُونَ} مَا يظهرون من الشتم والطعن والقتال {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المستكبرين} عَن الْإِيمَان

24

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ} للمقتسمين {مَّاذَآ أَنْزَلَ رَبُّكُمْ} مَاذَا يَقُول لكم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ربكُم {قَالُواْ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلين} كذب الْأَوَّلين وأحاديثهم

25

{لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ} آثامهم {كَامِلَةً} وافرة {يَوْمَ الْقِيَامَة وَمِنْ أَوْزَارِ} مثل آثام {الَّذين يُضِلُّونَهُمْ}

يصرفونهم عَن مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وَالْإِيمَان {بِغَيْرِ عِلْمٍ} بِلَا علم وَلَا حجَّة {أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ} بئس مَا يحملون من الذُّنُوب يَعْنِي المقتسمين

26

{قَدْ مَكَرَ الَّذين مِنْ قَبْلِهِمْ} بِأَنْبِيَائِهِمْ كَمَا مكر المقتسمون بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَهُوَ نمروذ الْجَبَّار الَّذِي بنى الصرح {فَأَتَى الله بُنْيَانَهُمْ} قلع بنيانهم الصرح {مِّنَ الْقَوَاعِد} من الأساس {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السّقف} فَوَقع عَلَيْهِم الصرح {مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَاب} بالهدم {مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ} لَا يعلمُونَ

27

{ثُمَّ} هُوَ {يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ} يعذبهم ويذلهم {وَيَقُول} لله يَوْم الْقِيَامَة {أَيْنَ شُرَكَآئِيَ} يَعْنِي الْآلهَة الَّتِي زعمتم أَنهم شركائي (الَّذين كُنتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ) تخالفون لقبلهم وتعادون أنبيائي لقبلهم {قَالَ الَّذين أُوتُواْ الْعلم} يَعْنِي الْمَلَائِكَة {إِنَّ الخزي الْيَوْم} الْعَذَاب يَوْم الْقِيَامَة {وَالسوء} النَّار والشدة {عَلَى الْكَافرين}

28

{الَّذين تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَة} قبضتهم الْمَلَائِكَة يَوْم بدر {ظالمي أنفسهم} بالْكفْر {فَألْقوا السّلم} ردو الْجَواب وَيُقَال خضعوا لله {مَا كُنَّا نَعْمَلُ من سوء} نعْبد من شَيْء من دون الله وَمَا كُنَّا مُشْرِكين بِاللَّه {بلَى} يَقُول الله بلَى {إِنَّ الله عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} وتقولون وتعبدون من دون الله

29

{فادخلوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا} مقيمين فِيهَا لَا تموتون وَلَا تخرجُونَ مِنْهَا {فَلَبِئْسَ مَثْوَى المتكبرين} منزل الْكَافرين جَهَنَّم

30

{وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقوا} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش عبد الله بن مَسْعُود وَأَصْحَابه {مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ} مَاذَا يَقُول لكم مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من ربكُم {قَالُواْ خَيْراً} توحيداً وصلَة {لِّلَّذِينَ أَحْسنُوا} وحدوا {فِي هَذِه الدُّنْيَا حَسَنَةٌ} الْجنَّة يَوْم الْقِيَامَة {وَلَدَارُ الْآخِرَة} يَعْنِي الْجنَّة {خَيْرٌ} من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا {وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش الْجنَّة

31

{جَنَّاتُ عَدْنٍ} وَهِي مَقْصُورَة الرَّحْمَن {يَدْخُلُونَهَا} يَوْم الْقِيَامَة {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا} من تَحت شَجَرهَا ومساكنها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {لَهُمْ فِيهَا} فِي الْجنَّة {مَا يَشَآؤونَ} مَا يشتهون ويتمنون {كَذَلِكَ} هَكَذَا {يَجْزِي الله الْمُتَّقِينَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش

32

{الَّذين تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَة} قبضتهم الْمَلَائِكَة {طَيِّبِينَ} طاهرين من الشّرك {يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ} من الله {ادخُلُوا الْجنَّة} بإيمانكم واقتسموها {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} وتقولون من الْخيرَات فِي الدُّنْيَا

33

{هَل ينظرُونَ} مَا ينتظرون أهل مَكَّة إِذْ لَا يُؤمنُونَ {إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَة} لقبض أَرْوَاحهم {أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ} عَذَاب رَبك بهلاكهم {كَذَلِكَ} كَمَا فعل بك قَوْمك كَذبُوك وشتموك {فَعَلَ الَّذين مِن قَبْلِهِمْ} من قبل قَوْمك بِأَنْبِيَائِهِمْ كذبوهم وشتموهم {وَمَا ظَلَمَهُمُ الله} بهلاكهم {وَلَكِن كَانُواْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} بالشرك وَتَكْذيب الرُّسُل

34

{فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ} عُقُوبَة مَا عمِلُوا وَقَالُوا من الْمعاصِي

{وَحَاقَ بِهِم} دَار وَنزل بهم وَوَجَب عَلَيْهِم {مَا كَانُوا بِهِ يستهزؤون} عُقُوبَة استهزائهم بالأنبياء وَيُقَال الْعَذَاب الَّذِي كَانُوا بِهِ يستهزءون

35

{وَقَالَ الَّذين أَشْرَكُواْ} بِاللَّه الْأَوْثَان يَعْنِي أهل مَكَّة {لَوْ شَآءَ الله مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ} من الْأَصْنَام {نَّحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا} قبلنَا {وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ} من دون الله {مِن شَيْءٍ} من الْبحيرَة والسائبة والوصيلة والحام وَلَكِن حرم الله وأمرنا بذلك {كَذَلِك} كَمَا فعل كذب قَوْمك على الله بِتَحْرِيم الْحَرْث والأنعام {فَعَلَ} كذب {الَّذين مِن قَبْلِهِمْ} على الله {فَهَلْ عَلَى الرُّسُل} مَا على الرُّسُل {إِلاَّ الْبَلَاغ} عَن الله رِسَالَة الله {الْمُبين} بلغَة تعلمونها ظَاهِرَة

36

{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ} إِلَى كل قوم {رَّسُولاً} كَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَى قَوْمك {أَنِ اعبدوا الله} وحدوا الله {وَاجْتَنبُوا الطاغوت} اتْرُكُوا عبَادَة الْأَصْنَام وَيُقَال الشَّيْطَان وَيُقَال الكاهن {فَمِنْهُم} من أرسلنَا إِلَيْهِم الرُّسُل {مَّنْ هَدَى الله} لدينِهِ فَأجَاب الرُّسُل إِلَى الْإِيمَان {وَمِنْهُمْ مَّنْ حَقَّتْ} وَجَبت {عَلَيْهِ الضَّلَالَة} فَلم يجب الرُّسُل إِلَى الْإِيمَان {فَسِيرُواْ} سافروا {فِي الأَرْض فانظروا} فاعتبرا {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المكذبين} آخر أَمر المكذبين بالرسل

37

{إِن تَحْرِصْ على هُدَاهُمْ} على توحيدهم {فَإِنَّ الله لاَ يَهْدِي} لدينِهِ {مَن يُضِلُّ} خلقه عَن دينه وَلَا يكون أَهلا لدينِهِ {وَمَا لَهُمْ} لكفار مَكَّة {مِّن نَّاصِرِينَ} من مانعين من عَذَاب الله

38

{وَأَقْسَمُواْ بِاللَّه جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} حلفوا بِاللَّه جهد أَيْمَانهم وَإِذا حلف الرجل بِاللَّه فقد حلف جهد يَمِينه {لاَ يَبْعَثُ الله مَن يَمُوتُ} بعد الْمَوْت {بلَى وَعْداً عَلَيْهِ} على الله {حَقّاً} كَائِنا وَاجِبا أَن يبْعَث من يَمُوت {وَلَكِن أَكْثَرَ النَّاس} أهل مَكَّة {لاَ يَعْلَمُونَ} ذَلِك وَلَا يصدقون

39

{لِيُبَيِّنَ لَهُمُ} لأهل مَكَّة {الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ} يخالفون فِي الدّين {وَلِيَعْلَمَ} لكَي يعلم {الَّذين كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن يَوْم الْقِيَامَة {أَنَّهُمْ كَانُواْ كَاذِبِينَ} فِي الدُّنْيَا بِأَن لَا جنَّة وَلَا نَار وَلَا بعث وَلَا حِسَاب

40

{إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ} أمرنَا لقِيَام السَّاعَة {إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}

41

{وَالَّذين هَاجَرُواْ فِي الله} فِي طَاعَة الله من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة {من بعد مَا ظُلِمُواْ} من بعد مَا عذبهم أهل مَكَّة يَعْنِي عمار ابْن يَاسر وبلالاً وصهيباً وأصحابهم {لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا} لننزلنهم فِي الْمَدِينَة {حَسَنَةً} أَرضًا كَرِيمَة آمِنَة ذَات غنيمَة حَلَال {وَلأَجْرُ الْآخِرَة} ثَوَاب الْآخِرَة {أَكْبَرُ} أعظم من ثَوَاب الدُّنْيَا {لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} وَقد كَانُوا يعلمُونَ

42

{الَّذين صَبَرُواْ} على أَذَى الْكفَّار {وعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} لَا على غَيره يَعْنِي عماراً وَأَصْحَابه

43

{وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ} يَا مُحَمَّد الرُّسُل {إِلاَّ رِجَالاً} آدَمِيًّا مثلك {نوحي إِلَيْهِمْ} بِالْأَمر وَالنَّهْي والعلامات {فاسألوا أَهْلَ الذّكر} أهل التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل {إِن كُنْتُم لَا تعلمُونَ} أَن لله لم يُرْسل الرُّسُل إِلَّا إنسياً

44

{بِالْبَيِّنَاتِ} بِالْأَمر وَالنَّهْي والعلامات {الزبر} خبر كتب الْأَوَّلين {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذّكر} جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}

مَا أَمر لَهُم فِي الْقُرْآن {وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} لكَي يتفكروا مَا أَمر لَهُم فِي الْقُرْآن

45

{أَفَأَمِنَ الَّذين مَكَرُواْ السَّيِّئَات} الشّرك بِاللَّه {أَن يَخْسِفَ الله} أَن لَا يغور الله {بِهِمُ الأَرْض أَوْ يَأْتِيَهُمُ} أَو لَا يَأْتِيهم {الْعَذَاب مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ} بنزوله

46

{أَوْ يَأْخُذَهُمْ} أَو لَا يَأْخُذهُمْ {فِي تَقَلُّبِهِمْ} فِي ذهابهم ومجيئهم فِي التِّجَارَة {فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ} بفائتين من عَذَاب الله

47

{أَوْ يَأْخُذَهُمْ} أَو لَا يَأْخُذهُمْ {على تَخَوُّفٍ} على تنقص رُؤَسَائِهِمْ وأصحابهم {فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} لمن تَابَ وَيُقَال بِتَأْخِير الْعَذَاب

48

{أَوَ لَمْ يَرَوْاْ} أهل مَكَّة {إِلَى مَا خَلَقَ الله مِن شَيْءٍ} من الشّجر وَالدَّوَاب {يَتَفَيَّأُ ظِلاَلُهُ} يتقلب ظلاله {عَنِ الْيَمين} غدْوَة {والشمآئل} وَعَن الشَّمَائِل عَشِيَّة {سُجَّداً لِلَّهِ} يَسْجُدُونَ لله وظلالهم غدْوَة وَعَشِيَّة أَيْضا تسْجد لله {وَهُمْ دَاخِرُونَ} مطيعون

49

{وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَات} من الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم {وَمَا فِي الأَرْض مِن دَآبَّةٍ} من الدَّوَابّ والطيور {وَالْمَلَائِكَة} فِي السَّمَاء يَسْجُدُونَ لله {وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ} عَن السُّجُود لله

50

{يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ} الَّذِي فَوْقهم على الْعَرْش {وَيَفْعَلُونَ} يَعْنِي وَيَقُولُونَ {مَا يُؤْمَرُونَ} يَعْنِي الْمَلَائِكَة

51

{وَقَالَ الله لاَ تَتَّخِذُواْ} لَا تعبدوا {إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ} نَفسه والأصنام {إِنَّمَا هُوَ إِلَه وَاحِدٌ} بِلَا ولد وَلَا شريك {فَإيَّايَ فارهبون} فخافون فِي عبَادَة الْأَصْنَام

52

{وَله مَا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} من الْخلق والعجائب {وَلَهُ الدّين وَاصِباً} دَائِما وَيُقَال خَالِصا {أَفَغَيْرَ الله تَتَّقُونَ} تَعْبدُونَ

53

{وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ الله} فَمن قبل الله لَا من قبل الْأَصْنَام {ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضّر} أَصَابَتْكُم الشدَّة {فَإِلَيْهِ} إِلَى الله {تَجْأَرُونَ} تتضرعون وتدعون

54

{ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضّر} رفع الشدَّة {عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ} طَائِفَة {مِّنْكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ} الْأَصْنَام

55

{لِيَكْفُرُواْ} حَتَّى يكفروا {بِمَآ آتَيْنَاهُمْ} أعطيناهم من النَّعيم فيقولوا بشفاعة آلِهَتنَا هَذَا {فَتَمَتَّعُواْ} فعيشوا فِي الْكفْر وَالْحرَام {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} مَاذَا يفعل بكم

56

{وَيَجْعَلُونَ} يَقُولُونَ {لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ نَصِيباً} حظاً للرِّجَال دون النِّسَاء وَيُقَال لما لَا يَقُولُونَ وَلَا يعلمُونَ يَعْنِي الْأَصْنَام {مِّمّا رَزَقْنَاهُمْ} من الْحَرْث والأنعام وَيَقُولُونَ الله أمرنَا بِهَذَا {تالله} وَالله {لتسألن} يَوْم الْقِيَامَة {عَمَّا كُنتُمْ تَفْتَرُونَ} تكذبون على الله

57

{وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَات} يَقُولُونَ الْمَلَائِكَة بَنَات الله {سُبْحَانَهُ} نزه نَفسه عَن الْوَلَد وَالشَّرِيك {وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ} مَا يختارون من الذُّكُور

58

{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى} بالجارية {ظَلَّ وَجْهُهُ مسودا}

صَار وَجهه مسوداً من الْغم {وَهُوَ كَظِيمٌ} مكروب يتَرَدَّد الْغم فِي جَوْفه

59

{يتَوَارَى مِنَ الْقَوْم} يكتم من قومه {مِن سوء} من كره {مَا بُشِّرَ بِهِ} بِالْأُنْثَى كَرَاهِيَة الْإِظْهَار {أَيُمْسِكُهُ} أيحفظه {على هُونٍ} على هوان ومشقة {أَمْ يَدُسُّهُ} يدفنه {فِي التُّرَاب} حَيا {أَلاَ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ} بئس مَا يقضون لأَنْفُسِهِمْ الذُّكُور وَللَّه الْبَنَات

60

{لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَة} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت {مَثَلُ السوء} يَعْنِي النَّار {وَلِلَّهِ الْمثل الْأَعْلَى} الصّفة الْعليا الألولهية والربوبية بِلَا ولد وَلَا شريك {وَهُوَ الْعَزِيز} بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ {الْحَكِيم} أَمر أَن لَا يعبد غَيره

61

{وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله النَّاس بِظُلْمِهِمْ} بشركهم {مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا} على ظهر الأَرْض {مِن دَآبَّةٍ} من الْجِنّ وَالْإِنْس أحدا {وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ} يؤجلهم {إِلَى أَجَلٍ مُسَمّى} إِلَى وَقت هلاكهم {فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ} وَقت هلاكهم {لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً} لَا يتركون عَن الْأَجَل قدر سَاعَة {وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} لَا يهْلكُونَ قبل الْأَجَل

62

{وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ} يَقُولُونَ لله الْبَنَات مَالا يرضون لأَنْفُسِهِمْ {وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِب} يَقُولُونَ بألسنتهم الْكَذِب {أَنَّ لَهُمُ الْحسنى} يَعْنِي الذُّكُور وَيُقَال أَن لَهُم الْحسنى يَعْنِي الْجنَّة وَيُقَال أَن لَهُم الْحسنى من أَيْن لَهُم الْجنَّة {لاَ جَرَمَ} حَقًا {أَنَّ لَهُمُ النَّار وَأَنَّهُمْ مُّفْرَطُونَ} متروكون وَيُقَال منسيون وَيُقَال مفرطون بالْقَوْل وَالْفِعْل وَإِن قَرَأت بِكَسْر الرَّاء

63

{تالله} وَالله {لَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَان أَعْمَالَهُمْ} دينهم فَلم يُؤمنُوا {فَهُوَ وليهم الْيَوْم} فيالدنيا وقرينهم فِي النَّار {وَلَهُمْ} فِي الْآخِرَة {عَذَابٌ أَلِيم} وجيع

64

{وَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكتاب} جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ {إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتلفُوا} خالفوا {فِيهِ} فِي الدّين {وَهُدًى} من الضَّلَالَة {وَرَحْمَةً} من الْعَذَاب {لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} بِهِ

65

{وَالله أَنْزَلَ مِنَ السمآء مَآءً} مَطَرا {فَأَحْيَا بِهِ} بالمطر {الأَرْض بعد موتهآ} قحطها ويبوستها {إِنَّ فِي ذَلِك} فِي إحْيَاء مَا ذكرت {لآيَةً} لعلامة {لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} يطيعون ويصدقون

66

{وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَام لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ} نخرج {لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً} شهياً {لِلشَّارِبِينَ}

67

{وَمِن ثَمَرَاتِ النخيل وَالْأَعْنَاب} يَعْنِي الكروم {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً} مُسكرا وَهَذَا مَنْسُوخ وَيُقَال طَعَاما {وَرِزْقاً حَسَناً} حَلَالا من الْخلّ والدبس وَالزَّبِيب وَغير ذَلِك {إِنَّ فِي ذَلِك} فِيمَا ذكرت لكم {لآيَةً} لعلامة {لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} يصدقون

68

{وَأوحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْل} ألهم رَبك النَّحْل

{أَنِ اتخذي مِنَ الْجبَال بُيُوتاً} فِي الْجبَال مسكنا {وَمِنَ الشّجر} وَفِي الشّجر أَيْضا {وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} يبنون

69

{ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثمرات} من ألوان كل الثمرات {فاسلكي سُبُلَ رَبِّكِ} فادخلي طرق رَبك {ذُلُلاً} مذللاً مسخراً لَك {يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا} من بطُون النَّحْل {شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ} الْأَحْمَر والأصفر والأبيض {فِيهِ} فِي الْعَسَل {شِفَآءٌ لِلنَّاسِ} من الدَّاء وَيُقَال فِيهِ فِي الْقُرْآن شِفَاء بَيَان للنَّاس {إِنَّ فِي ذَلِك} فِيمَا ذكرت {لآيَةً} لعلامة وعبرة {لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} فِيمَا خلقت

70

{وَالله خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ} يقبض أرواحكم عِنْد انْقِضَاء آجالكم {وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمر} أَسْفَل الْعُمر {لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ} حَتَّى لَا يفقه {بَعْدَ عِلْمٍ} الْعلم الأول {شَيْئاً إِنَّ الله عَلِيمٌ} بتحويل الْخلق {قَدِيرٌ} على تحويلهم من حَال إِلَى حَال

71

{وَالله فضل بَعْضكُم على بعض فِي الرزق} نزلت هَذِه الْآيَة فِي أهل نَجْرَان حِين قَالُوا الْمَسِيح ابْن الله فَنزل قَوْله {وَالله فضل بَعْضكُم على بعض فِي الرزق} فِي المَال والخدم {فَمَا الَّذين فُضِّلُواْ} بِالْمَالِ والخدم {بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ} هَل يُعْطون مَالهم {على مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} لعبيدهم وإمائهم {فَهُمْ} يَعْنِي الْمَالِك والمملوك {فِيهِ} فِي المَال {سَوَآءٌ} شرع قَالُوا لَا نَفْعل ذَلِك وَلَا نرضى فَقَالَ الله {أفبنعمة الله يجحدون} أفترضون لي مَالا ترْضونَ لأنفسكم وتكفرون بوحدانية الله

72

{وَالله جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنفُسِكُمْ} آدَمِيًّا مثلكُمْ {أَزْوَاجاً} نسَاء {وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُم} من نِسَائِكُم {بَنِينَ وَحَفَدَةً} يَعْنِي ولد الْوَلَد وَيُقَال خدما وعبيدا وَيُقَال أختاناً {وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَات} جعل أرزاقكم أَلين وَأطيب من رزق الدَّوَابّ {أفبالباطل يُؤْمِنُونَ} أفبالشيطان والأصنام يُؤمنُونَ ويصدقون {وبنعمة الله} بوحدانية الله وَدينه {هُمْ يَكْفُرُونَ}

73

{وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَمْلِكُ} مَا لَا يقدر {لَهُمْ} يَعْنِي الْأَصْنَام {رِزْقاً مِّنَ السَّمَاوَات} بالمطر {وَالْأَرْض} بالنبات {شَيْئاً وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ} لَا يقدرُونَ على ذَلِك

74

{فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ الْأَمْثَال} فَلَا تصفوا لله ولدا وَلَا شَرِيكا وَلَا شَبِيها {إِنَّ الله يَعْلَمُ} أَن لَا ولد وَلَا شريك لَهُ {وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} ذَلِك يَا معشر الْكفَّار

75

ثمَّ ضرب مثل الْمُؤمن وَالْكَافِر فَقَالَ {ضَرَبَ الله مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً} بَين الله صفة عبد مَمْلُوك {لاَّ يَقْدِرُ على شَيْءٍ} من النَّفَقَة وَالْإِحْسَان وَهُوَ مثل الْكَافِر لَا يَجِيء مِنْهُ خير {وَمَن رَّزَقْنَاهُ} أعطيناه {مِنَّا رِزْقاً حَسَناً} مَالا كثيرا {فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرّاً} فِيمَا بَينه وَبَين الله {وَجَهْراً} فِيمَا بَينه وَبَين النَّاس فِي سَبِيل الله وَهَذَا مثل الْمُؤمن المخلص {هَلْ يَسْتَوُونَ} فِي الثَّوَاب وَالطَّاعَة {الْحَمد لِلَّهِ} الشُّكْر لله والوحدانية لله {بَلْ أَكْثَرُهُمْ} كلهم {لاَ يَعْلَمُونَ} أَمْثَال الْقُرْآن وَيُقَال نزلت هَذِه الْآيَة فِي عُثْمَان بن عَفَّان وَرجل من الْعَرَب يُقَال لَهُ أَبُو الْعيص بن أُميَّة

76

ثمَّ ضرب مثله وَمثل الْأَصْنَام فَقَالَ {وَضَرَبَ الله مَثَلاً} بَين الله صفة {رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَآ أَبْكَمُ} أخرس {لاَ يَقْدِرُ على شَيْءٍ} من الْكَلَام وَهُوَ الصَّنَم {وَهُوَ كَلٌّ} ثقل {على مَوْلاهُ} على وليه وقرابته عِيَال على عائله

{أَيْنَمَا يوجهه} ويدعوه من شَرق أَو عرب {لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ} لَا يُجيب من يَدعُوهُ بِخَير وَهَذَا مثل الصَّنَم {هَلْ يَسْتَوِي} فِي النَّفْع وَدفع الضّر {هُوَ} يَعْنِي الصَّنَم {وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} بِالتَّوْحِيدِ {وَهُوَ على صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} يَدْعُو إِلَى طَرِيق مُسْتَقِيم وَهُوَ الله

77

{وَللَّه غيب السَّمَاوَات وَالْأَرْض} مَا غَابَ عَن الْعباد {وَمَآ أَمْرُ السَّاعَة} أَمر قيام السَّاعَة فِي السرعة {إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَر} كطرف الْبَصَر {أَوْ هُوَ أَقْرَبُ} بل هُوَ أقرب {إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ} من الْبَعْث وَغَيره {قدير}

78

{وَالله أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً} من الْأَشْيَاء وَيُقَال كل شَيْء {وَجَعَلَ لَكُمُ السّمع} تَسْمَعُونَ بهَا الْخَيْر {والأبصار} تبصرون بهَا الْخَيْر {والأفئدة} يَعْنِي الْقُلُوب تعقلون بهَا الْخَيْر {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} لكَي تشكروا نعْمَته وتؤمنوا بِهِ

79

{أَلَمْ يَرَوْاْ} ألم تنظروا يَا أهل مَكَّة حَتَّى تعلمُوا قدرَة الله ووحدانيته {إِلَى الطير مُسَخَّرَاتٍ} مذللات {فِي جَوِّ السمآء} فِي وسط السَّمَاء أَي بَين السَّمَاء وَالْأَرْض يطرن {مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الله} بعد الطيران {إِنَّ فِي ذَلِك} فِي إمساكهن من الْهَوَاء {لآيَاتٍ} لعلامات لوحدانية الله {لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} يصدقون أَن إمساكهن من الله

80

ثمَّ ذكر نعْمَته لكَي يشكروا بذلك ويؤمنوا بِهِ فَقَالَ {وَالله جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ} بيُوت الْمدر {سَكَناً} مسكنا وقراراً {وَجَعَلَ لَكُمْ مِّن جُلُودِ الْأَنْعَام} من أصوافها وأوبارها وَأَشْعَارهَا {بُيُوتاً} يَعْنِي الْخيام والفساطيط {تَسْتَخِفُّونَهَا} تستخفون حملهَا {يَوْمَ ظَعْنِكُمْ} يَوْم سفركم {وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ} يَوْم نزولكم {وَمِنْ أَصْوَافِهَا} أصواف الْغنم {وَأَوْبَارِهَا} أوبار الْإِبِل {وَأَشْعَارِهَآ} أشعار الْمعز {أَثَاثاً} مَالا {وَمَتَاعاً} مَنْفَعَة {إِلَى حِينٍ} إِلَى حِين الفناء والإبلاء

81

{وَالله جَعَلَ لَكُمْ مِّمَّا خَلَقَ} من الْأَشْجَار والحيطان وَالْجِبَال أكنانا {ظِلاَلاً} كُنَّا لكم من الْحر {وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ الْجبَال} فِي الْجبَال {أَكْنَاناً} يَعْنِي الغيران والأسراب {وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ} يَعْنِي القمص {تَقِيكُمُ الْحر} فِي الصَّيف وَالْبرد فِي الشتَاء {وَسَرَابِيلَ} يَعْنِي الدروع {تَقِيكُم بَأْسَكُمْ} سلَاح عَدوكُمْ {كَذَلِكَ} هَكَذَا {يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ} لكَي تقروا وَيُقَال تسلموا من الْجراحَة إِن قَرَأت بِنصب التَّاء وَاللَّام

82

{فَإِن تَوَلَّوْاْ} عَن الْإِيمَان {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغ الْمُبين} التَّبْلِيغ عَن الله بلغَة تعلمونها فَلَمَّا ذكر لَهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه النعم قَالُوا نعم يَا مُحَمَّد هَذِه كلهَا من الله

83

ثمَّ أَنْكَرُوا بعد ذَلِك وَقَالُوا بشفاعة آلِهَتنَا فَقَالَ الله {يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ الله} يقرونَ أَن هَذِه النعم كلهَا من الله {ثُمَّ يُنكِرُونَهَا} فَيَقُولُونَ بشفاعة آلِهَتنَا {وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ} كلهم كافرون بِاللَّه

84

{وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ} نخرج من كل قوم {شَهِيداً} نَبيا عَلَيْهِم شَهِيدا بالبلاغ {ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ} فِي الْكَلَام {وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} يرجعُونَ إِلَى الدُّنْيَا

85

{وَإِذا رأى الَّذين ظلمُوا} كفرا {الْعَذَاب فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ}

لَا يرفع عَنْهُم {وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ} يؤجلون من عَذَاب الله

86

{وَإِذَا رَأى الَّذين أَشْرَكُواْ شُرَكَآءَهُمْ} آلِهَتهم {قَالُواْ رَبنَا} يَا رَبنَا {هَؤُلَاءِ شركاؤنا} آلِهَتنَا {الَّذين كُنَّا نَدْعُو} نعْبد {مِن دُونِكَ} أمرونا بعبادتهم {فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ القَوْل} ردوا إِلَيْهِم الْجَواب يَعْنِي الْأَصْنَام {إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ} فِي مَقَالَتَكُمْ مَا أمرناكم وَمَا كُنَّا نعلم بعبادتكم

87

{وَأَلْقَوْاْ إِلَى الله يَوْمَئِذٍ السّلم} استسلم العابد والمعبود لله تَعَالَى {وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} بَطل افتراؤهم على الله وَيُقَال اشْتغل بِأَنْفسِهِم آلِهَتهم الَّتِي كَانُوا يعْبدُونَ بِالْكَذِبِ

88

{الَّذين كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله} عَن دين الله وطاعته {زِدْنَاهُمْ عَذَاباً} عَذَاب الْحَيَّات والعقارب والجوع والعطش والزمهرير وَغير ذَلِك {فَوْقَ الْعَذَاب} فَوق عَذَاب النَّار {بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ} يَقُولُونَ ويعملون من الْمعاصِي والشرك

89

{وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ} نخرج من كل جمَاعَة {شَهِيداً} نَبيا {عَلَيْهِمْ} شَهِيدا بالبلاغ {مِّنْ أَنْفُسِهِمْ} آدَمِيًّا مثلهم {وَجِئْنَا بِكَ} يَا مُحَمَّد {شَهِيدا على هَؤُلَاءِ} على أمتك وَيُقَال مزكياً لَهُم {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكتاب} جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ {تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ} من الْحَلَال وَالْحرَام وَالْأَمر وَالنَّهْي {وَهُدًى} من الضَّلَالَة {وَرَحْمَةً} من الْعَذَاب {وبشرى لِلْمُسْلِمِينَ} الْجنَّة

90

{إِنَّ الله يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} بِالتَّوْحِيدِ {وَالْإِحْسَان} بأَدَاء الْفَرَائِض وَيُقَال بِالْإِحْسَانِ إِلَى النَّاس {وَإِيتَآءِ ذِي الْقُرْبَى} يَعْنِي صلَة الرَّحِم {وَينْهى عَنِ الْفَحْشَاء} عَن الْمعاصِي كلهَا {وَالْمُنكر} مَالا يعرف فِي شَرِيعَة وَلَا سنة {وَالْبَغي} الاستطالة وَالظُّلم {يَعِظُكُمْ} يَنْهَاكُم عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر وَالْبَغي {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} لكَي تتعظوا بأمثال الْقُرْآن

91

{وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ الله إِذَا عَاهَدتُّمْ} نزلت هَذِه الْآيَة فِي كِنْدَة وَمُرَاد وَيُقَال أَتموا العهود بِاللَّه إِذا حلفتم بِاللَّه بِالْوَفَاءِ {وَلاَ تَنقُضُواْ الْأَيْمَان} يَعْنِي العهود فِيمَا بَيْنكُم {بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} تغليظها وتشديدها {وَقَدْ جَعَلْتُمُ الله عَلَيْكُمْ كَفِيلاً} يَعْنِي شَهِيدا وَيُقَال حفيظاً مَعْنَاهُ وَقد قُلْتُمْ الله شَهِيد علينا بِالْوَفَاءِ على كلا الْفَرِيقَيْنِ {إِنَّ الله يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} من النَّقْض وَالْوَفَاء

92

{وَلاَ تَكُونُواْ} فِي نقض الْعَهْد {كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا} يَعْنِي رابطة الحمقاء {مِن بَعْدِ قُوَّةٍ} إبرام وإحكام {أَنكَاثاً} أنقاضاً {تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ} عهودكم {دَخَلاً} مكراً وخديعة {بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ} بِأَن تكون جمَاعَة {هِيَ أَرْبَى} أَكثر {مِنْ أُمَّةٍ} من جمَاعَة {إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ الله بِهِ} يختبركم بِالْكَثْرَةِ وَيُقَال بِنَقْض الْعَهْد {وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَة مَا كُنتُمْ فِيهِ} فِي الدّين {تختلفون} تخالفون

93

{وَلَوْ شَآءَ الله لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} لجمعكم على مِلَّة وَاحِدَة مِلَّة الْإِسْلَام {وَلَكِن يُضِلُّ مَن يَشَآءُ} عَن دينه من لم يكن أَهلا لدينِهِ {وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ}

لدينِهِ من كَانَ أَهلا لذَلِك {ولتسألن} يَوْم الْقِيَامَة {عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر فِي الْكفْر وَالْإِيمَان وَيُقَال من النَّقْض وَالْوَفَاء

94

{وَلاَ تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ} عهودكم {دَخَلاً} دغلاً ومكراً وخديعة {بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ} فتزلوا عَن طَاعَة الله كَمَا تزل قدم الرجل {بَعْدَ ثُبُوتِهَا} قِيَامهَا {وتذوقوا السوء} النَّار {بِمَا صَدَدتُّمْ} بِمَا صرفتم النَّاس {عَن سَبِيلِ الله} عَن دين الله وطاعته {وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} شَدِيد فِي الْآخِرَة

95

{وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ الله ثَمَناً قَلِيلاً} بِالْحلف بِاللَّه كَاذِبًا عرضا يَسِيرا من الدُّنْيَا {إِنَّمَا عِنْدَ الله} من الثَّوَاب {هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} مِمَّا عنْدكُمْ من المَال {إِن كُنتُمْ} إِذْ كُنْتُم {تَعْلَمُونَ} ثَوَاب الله وَيُقَال إِن كُنْتُم تصدقُونَ بِثَوَاب الله

96

{مَا عِندَكُمْ} من الْأَمْوَال {يَنفَدُ} يفنى {وَمَا عِندَ الله} من الثَّوَاب {بَاقٍ} يبْقى {وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذين صَبَرُوا} عَن الْيَمين وأقروا بِالْحَقِّ {أجرهم} ثوابهم فِي الْآخِرَة {بِأَحْسَن مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} بأحسنهم فِي الدُّنْيَا

97

{من عمل صَالحا} خَالِصا فِيمَا بَينه وَبَين ربه وَأقر بِالْحَقِّ {مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ} وَمَعَ ذَلِك مُؤمن مخلص {فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} فِي الطَّاعَة وَيُقَال فِي القناعة وَيُقَال فِي الْجنَّة {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم} ثوابهم فِي الْآخِرَة {بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} بإحسانهم فِي الدُّنْيَا نزلت هَذِه الْآيَة فِي عَبْدَانِ بن الأشوع وامرىء الْقَيْس الْكِنْدِيّ فِي خُصُومَة كَانَت بَينهمَا فِي أَرض

98

{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآن} فَإِذا أردْت يَا مُحَمَّد أَن تقْرَأ الْقُرْآن فِي أول افْتِتَاح الصَّلَاة أَو غير الصَّلَاة {فاستعذ بِاللَّه} فَقل أعوذ بِاللَّه {مِنَ الشَّيْطَان الرَّجِيم} اللعين المرجوم بِالنَّجْمِ المطرود من رَحْمَة الله

99

{إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ} سَبِيل وَغَلَبَة {على الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وعَلى رَبهم يَتَوَكَّلُونَ} لاعلى غَيره ويفوضون أُمُورهم إِلَيْهِ

100

{إِنَّمَا سُلْطَانُهُ} سَبيله وغلبته {على الَّذين يَتَوَلَّوْنَهُ} يطيعونه {وَالَّذين هُم بِهِ} بِاللَّه {مُشْرِكُونَ}

101

{وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً} نزلنَا جِبْرِيل بِآيَة ناسخة {مَّكَانَ آيَةٍ} مَنْسُوخَة {وَالله أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ} بصلاح مَا يَأْمر الْعباد {قَالُوا} كفار مَكَّة {إِنَّمَآ أَنتَ} يَا مُحَمَّد {مُفْتَرٍ} مختلق من تِلْقَاء نَفسك {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} أَن الله لَا يَأْمر عباده إِلَّا بِمَا يصلح لَهُم

102

{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {نَزَّلَهُ} يَعْنِي نزل الْقُرْآن وَإِنَّمَا شدده لِكَثْرَة نُزُوله {رُوحُ الْقُدس} جِبْرِيل الْمَطَر {مِن رَّبِّكَ} يَا مُحَمَّد {بِالْحَقِّ} بالناسخ والمنسوخ {لِيُثَبِّتَ} ليطيب ويطمئن إِلَيْهِ قُلُوب {الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَهُدًى} من الضَّلَالَة {وبشرى لِلْمُسْلِمِينَ} بِالْجنَّةِ

103

{وَلَقَدْ نَعْلَمُ} يَا مُحَمَّد {أَنَّهُمْ} يَعْنِي كفار مَكَّة {يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ} يَعْنِي الْقُرْآن {بَشَرٌ} جبر ويسار {لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ} يميلون ويشبهون وينسبون إِلَيْهِ {أَعْجَمِيٌّ} عبراني {وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ} يَقُول الْقُرْآن على مجْرى لُغَة الْعَرَبيَّة {مُّبِينٌ} بلغَة يعلمونها

104

{إِنَّ الَّذين لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ الله} بِمُحَمد عَلَيْهِ السَّلَام وَالْقُرْآن {لاَ يَهْدِيهِمُ الله} لدينِهِ من لم يكن أَهلا لدينِهِ وَيُقَال لَا يهْدِيهم إِلَى الْحجَّة وَلَا ينجيهم من النَّار {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}

وجيع

105

{إِنَّمَا يَفْتَرِي} يختلق {الْكَذِب} على الله {الَّذين لَا يُؤمنُونَ بآيَات الله} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ} على الله

106

{مَن كَفَرَ بِاللَّه مِن بَعْدِ إيمَانِهِ} بِاللَّه فَعَلَيهِ غضب من الله {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ} إِلَّا من أجبر على الْكفْر {وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَان} مُعْتَقد على الْإِيمَان نزلت هَذِه الْآيَة فِي عمار بن يَاسر {وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً} تكلم بالْكفْر طَائِعا {فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ الله} سخط من الله {وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيم} شَدِيد مِمَّا يكون فِي الدُّنْيَا نزلت هَذِه الْآيَة فِي عبد الله بن سعد بن أبي سرح {ذَلِك} الْعَذَاب

107

{بِأَنَّهُمُ استحبوا الْحَيَاة} اخْتَارُوا {الدُّنْيَا على الْآخِرَة} وَالْكفْر على الْإِيمَان {وَأَنَّ الله لاَ يَهْدِي} لدينِهِ وَلَا يُنجي من عَذَابه {الْقَوْم الْكَافرين} من لم يكن أَهلا لذَلِك

108

{أُولَئِكَ الَّذين طَبَعَ الله} ختم الله {على قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الغافلون} عَن أَمر الْآخِرَة تاركون لَهَا وَيُقَال غافلون عَن التَّوْحِيد جاحدون بِهِ

109

{لاَ جَرَمَ} حَقًا يَا مُحَمَّد {أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَة هُمُ الخاسرون} المغبونون نزلت فِي الْمُسْتَهْزِئِينَ

110

{ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ} يَا مُحَمَّد {لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ} من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة {من بعد مَا فُتِنُواْ} عذبُوا عذبهم أهل مَكَّة عمار بن يَاسر وَأَصْحَابه {ثُمَّ جَاهَدُواْ} الْعَدو فِي سَبِيل الله {وصبروا} مَعَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على المرازي {إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا} من بعد الْهِجْرَة {لَغَفُورٌ} متجاوز {رَّحِيمٌ} بهم

111

{يَوْمَ تَأْتِي} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {كُلُّ نَفْسٍ} برة أَو فاجرة {تُجَادِلُ} تخاصم {عَن نَّفْسِهَا} لقبل نَفسهَا وَيُقَال مَعَ شيطانها وَيُقَال مَعَ روحها {وَتوفى} توفر {كُلُّ نَفْسٍ} برة أَو فاجرة {مَا عملت} بِمَا عملت من خير أَو شَرّ {وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} لَا ينقص من حسناتهم وَلَا يُزَاد على سيئاتهم

112

{وَضَرَبَ الله مَثَلاً قَرْيَةً} بَين الله تَعَالَى صفة أهل مَكَّة أبي جهل والوليد وأصحابهما {كَانَتْ آمِنَةً} كَانَ أَهلهَا آمِنين من الْعَدو والقتال والجوع والسبي {مُّطْمَئِنَّةً} مُقيما أَهلهَا {يَأْتِيهَا رِزْقُهَا} يحمل إِلَيْهَا من الثمرات {رَغَداً} موسعاً {من كل مَكَان} نَاحيَة أَرض يحمل إِلَيْهَا {فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ الله} فَكفر أَهلهَا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {فَأَذَاقَهَا الله لِبَاسَ الْجُوع وَالْخَوْف} فعاقب الله أَهلهَا بِالْجُوعِ سبع سِنِين وَالْخَوْف من خوف حَرْب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه {بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} يَقُولُونَ ويعملون بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْجفَاء

113

{وَلَقَد جَاءَهُم رَسُول} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {مِّنْهُمْ} من نسبهم عَرَبِيّ قرشي مثلهم {فَكَذَّبُوهُ} مِمَّا جَاءَهُم بِهِ {فَأَخَذَهُمُ الْعَذَاب} عَذَاب الله بِالْجُوعِ وَالْقَتْل والسبي {وَهُمْ ظَالِمُونَ} كافرون

114

{فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله} من الْحَرْث والأنعام وَالنَّعِيم {حَلالاً طَيِّباً واشكروا} واذْكُرُوا {نِعْمَةَ الله إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} إِن كُنْتُم إِيَّاه تُرِيدُونَ عبَادَة الله بِتَحْرِيم الْحَرْث والأنعام فاستحلوا فَإِن عبَادَة الله فِي تَحْلِيله

115

{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْميتَة} الَّتِي أَمر بذبحها {وَالدَّم} دم المسفوح {وَلَحْمَ الْخِنْزِير وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ} وَمَا ذبح بِغَيْر اسْم الله عمدا أَو الْأَصْنَام {فَمَنِ اضْطر} أجهد إِلَى مَا حرم الله عَلَيْهِ {غَيْرَ بَاغٍ} على الْمُسلمين وَيُقَال غير مستحل لأكل الْميتَة {وَلاَ عَادٍ} قَاطع الطَّرِيق وَيُقَال متعمد للْأَكْل بِغَيْر الضَّرُورَة {فَإِنَّ الله غَفُورٌ} بِأَكْل الْميتَة عِنْد الضَّرُورَة {رَّحِيمٌ} إِذْ رخص لَهُ الْأكل عِنْد الضَّرُورَة

116

{وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِب} لَا تَقولُوا بألسنتكم الْكَذِب {هَذَا} يَعْنِي الْحَرْث والأنعام {حَلاَلٌ} على الرِّجَال {وَهَذَا حَرَامٌ} على النِّسَاء {لِّتَفْتَرُواْ} لتختلقوا {على الله الْكَذِب} بذلك {إِنَّ الَّذين يَفْتَرُونَ} يختلقون {على الله الْكَذِب لاَ يُفْلِحُونَ} لَا ينجون وَلَا يأمنون من عَذَاب الله

117

{مَتَاعٌ قَلِيلٌ} عيشهم فِي الدُّنْيَا قَلِيل {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وجيع فِي الْآخِرَة

118

{وعَلى الَّذين هَادُواْ} مالوا عَن الْإِسْلَام يَعْنِي الْيَهُود {حَرَّمْنَا} عَلَيْهِم {مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ} مَا سمينا لَك {مِن قَبْلُ} من قبل هَذِه السُّورَة فِي سُورَة الْأَنْعَام {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ} بِمَا حرمنا عَلَيْهِم من الشحوم واللحوم {وَلَكِن كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} يضرون أَي بِذُنُوبِهِمْ حرم الله عَلَيْهِم

119

{ثمَّ إِن رَبك} يَا حمد {للَّذين عمِلُوا السوء بِجَهَالَةٍ} بتعمد وَإِن كَانَ جَاهِلا بركوبها {ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ} السوء {وَأَصْلحُوا} الْعَمَل فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {إِنَّ رَبَّكَ} يَا مُحَمَّد {مِن بَعْدِهَا} من بعد التَّوْبَة {لَغَفُورٌ} متجاوز {رَّحِيمٌ} بهم

120

{إِن إِبْرَاهِيم كَانَ أمة} إِمَّا مَا يقْتَدى بِهِ {قَانِتاً} مُطيعًا {لِلَّهِ حَنِيفاً} مُسلما مخلصاً {وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْركين} مَعَ الْمُشْركين على دينهم

121

{شَاكِراً لأَنْعُمِهِ} شاكراً لما أنعم الله عَلَيْهِ {اجتباه} اصطفاه بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام {وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} ثبته على طَرِيق قَائِم يرضيه وَهُوَ الْإِسْلَام

122

{وَآتَيْنَاهُ} أعطيناه {فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} ولدا صَالحا وَيُقَال ثَنَاء حسنا وَيُقَال الذّكر وَالثنَاء الْحسن فِي النَّاس كلهم {وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَة لَمِنَ الصَّالِحين} مَعَ آبَائِهِ الْمُرْسلين فِي الْجنَّة

123

{ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ} أمرناك يَا مُحَمَّد {أَنِ اتبع مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} أَن اسْتَقِم على دين إِبْرَاهِيم {حَنِيفاً} مُسلما {وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْركين} مَعَ الْمُشْركين على دينهم

124

{إِنَّمَا جُعِلَ السبت} حرم السبت {على الَّذين اخْتلفُوا فِيهِ} فِي الْجُمُعَة {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} بَين الْيَهُود وَالنَّصَارَى {يَوْمَ الْقِيَامَة فِيمَا كَانُواْ فِيهِ} فِي الدّين {يَخْتَلِفُونَ} يخالفون

125

{ادْع إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ} إِلَى دين رَبك {بالحكمة} بِالْقُرْآنِ {وَالْمَوْعِظَة الْحَسَنَة} عظهم بمواعظ الْقُرْآن {وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} بِالْقُرْآنِ وَيُقَال بِلَا إِلَه إِلَّا الله {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمن ضل عَن سَبيله} عَن دينه {وَهُوَ أَعْلَمُ بالمهتدين} لدينِهِ

126

{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ} مثلتم {فَعَاقِبُواْ} فمثلوا {بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ} مثلتم {بِهِ} بالأموات {وَلَئِن صَبَرْتُمْ} عَن الْمثلَة {لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ} فِي الْآخِرَة

127

{واصبر} يَا مُحَمَّد على أذاهم {وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّه} بِتَوْفِيق الله {وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} على الْمُسْتَهْزِئِينَ بِالْهَلَاكِ {وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ} وَلَا يضيق صدرك {مِمَّا يمكرون} بِمَا يَقُولُونَ ويصنعون بك

128

{إِنَّ الله مَعَ الَّذين اتَّقوا} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش {وَالَّذين هُم مُّحْسِنُونَ} بالْقَوْل وَالْفِعْل موحدون وَمن السُّورَة الَّتِي يذكر فِيهَا بَنو إِسْرَائِيل وَهِي كلهَا مَكِّيَّة غير آيَات مِنْهَا خبر وَفد ثَقِيف وَخبر مَا قَالَت لَهُ الْيَهُود لَيست هَذِه بِأَرْض الْأَنْبِيَاء فَنزل {وَإِن كَادُوا ليستفزونك من الأَرْض} إِلَى قَوْله {أدخلني مدْخل صدق} إِلَى آخر الْآيَة فَهَؤُلَاءِ الْآيَات مدنيات آياتها مائَة وَعشر آيَات وكلماتها ألف وَخَمْسمِائة وَثَلَاث وَثَلَاثُونَ وحروفها سِتَّة آلَاف واربعمائة {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

الإسراء

وباسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تعال {سُبْحَانَ} يَقُول تعظم وتبرأ عَن الْوَلَد وَالشَّرِيك {الَّذِي أسرى بِعَبْدِهِ} سير عَبده وَيُقَال أدْلج عَبده مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام {لَيْلاً} أول اللَّيْل {مِّنَ الْمَسْجِد الْحَرَام} من الْحرم من بَيت أم هانى بنت أبي طَالب {إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى} أبعد من الأَرْض وَأقرب إِلَى السَّمَاء يَعْنِي مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس {الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} بِالْمَاءِ وَالْأَشْجَار وَالثِّمَار {لنريه} لكَي نرى مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {مِنْ آيَاتِنَآ} من عجائبنا فَكل مَا رأى تِلْكَ اللَّيْلَة كَانَ من عجائب الله {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيع} لمقالة قُرَيْش {الْبَصِير} بهم ويسير عَبده مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

2

{وَآتَيْنَآ مُوسَى الْكتاب} أعطينا مُوسَى التَّوْرَاة جملَة وَاحِدَة {وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ} من الضَّلَالَة {أَلاَّ تَتَّخِذُواْ} أَن لَا تعبدوا {مِن دُونِي وَكيلا} رَبًّا

3

{ذُرِّيَّةَ} يَا ذُرِّيَّة {مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ} فِي السَّفِينَة فِي أصلاب الرِّجَال وأرحام النِّسَاء {إِنَّهُ} يَعْنِي نوحًا {كَانَ عَبْداً شَكُوراً} شاكراً كَانَ إِذا أكل أَو شرب أَو اكتسى قَالَ الْحَمد لله

4

{وَقَضَيْنَآ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} بَينا لبني إِسْرَائِيل {فِي الْكتاب} فِي التَّوْرَاة {لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْض} لتعصن فِي الأَرْض {مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً} لتعتن عتواً كَبِيرا وَيُقَال لتقهرن قهرا شَدِيدا

5

{فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا} أول العذابين وَيُقَال أول الفسادين {بَعَثْنَا} سلطنا {عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَآ} بخْتنصر وَأَصْحَاب ملك بابل {أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} ذَوي قتال شَدِيد {فَجَاسُواْ خِلاَلَ الديار} فقتلوكم وسط الديار فِي الْأَزِقَّة {وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً} مَقْدُورًا كَائِنا لَئِن فَعلْتُمْ لَأَفْعَلَنَّ بكم فَكَانُوا تسعين سنة فِي الْعَذَاب أسرى فِي يَد بخْتنصر قبل أَن ينصرهم الله بكورش الْهَمدَانِي

6

{ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الكرة} الدولة {عَلَيْهِمْ} بِظُهُور كورش الْهَمدَانِي على بخْتنصر وَيُقَال ثمَّ عطفنا عَلَيْكُم العطفة بالدولة {وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ} أعطيناكم أَمْوَالًا وبنين {وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً} رجَالًا وعدداً

7

{إِنْ أَحْسَنْتُمْ} وحدتم بِاللَّه {أَحْسَنْتُمْ} وحدتم {لأَنْفُسِكُمْ} ثَوَاب ذَلِك الْجنَّة

{وَإِنْ أَسَأْتُمْ} أشركتم بِاللَّه {فَلَهَا} فعلَيْهَا عُقُوبَة ذَلِك فَكَانُوا فِي النَّعيم وَالسُّرُور وَكَثْرَة الرِّجَال وَالْعدَد وَالْغَلَبَة على الْعَدو مِائَتَيْنِ وَعشْرين سنة قبل أَن يُسَلط عَلَيْهِم قطوس {فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الْآخِرَة} آخر الفسادين وَآخر العذابين {ليسوؤوا} ليقبحوا {وُجُوهكُم} بِالْقَتْلِ والسبي يَعْنِي قطوس بن أسبيانوس الرُّومِي {وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِد} بَيت الْمُقَدّس {كَمَا دَخَلُوهُ أول مرّة} بخْتنصر وَأَصْحَابه {وَلِيُتَبِّرُواْ} يخربوا {مَا عَلَوْاْ} مَا ظَهَرُوا عَلَيْهِ {تَتْبِيراً} تخريباً

8

{عَسى رَبُّكُمْ} لَعَلَّ ربكُم {أَن يَرْحَمَكُمْ} بعد ذَلِك {وَإِنْ عُدتُّمْ} إِلَى الْفساد {عُدْنَا} إِلَى الْعَذَاب وَيُقَال إِن عدتم إِلَى الْإِحْسَان عدنا إِلَى الرَّحْمَة {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً} سجناً ومحبسا

9

{إِنَّ هَذَا الْقُرْآن يِهْدِي} يدل {لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} أصوب شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَيُقَال أبين {وَيُبَشِّرُ الْمُؤمنِينَ} المخلصين بإيمَانهمْ {الَّذين يَعْمَلُونَ الصَّالِحَات} فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً} ثَوابًا عَظِيما وافراً فِي الْجنَّة

10

{وَأَن الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِالآخِرَة} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت {أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} وجيعاً فِي الْآخِرَة

11

{ويدع الْإِنْسَان} يَعْنِي النَّضر ابْن الْحَارِث {بِالشَّرِّ} باللعن وَالْعَذَاب على نَفسه وَأَهله {دُعَآءَهُ بِالْخَيرِ} كدعائه بالعافية وَالرَّحْمَة {وَكَانَ الْإِنْسَان} يَعْنِي النَّضر {عَجُولاً} مستعجلاً بِالْعَذَابِ

12

{وَجَعَلْنَا اللَّيْل وَالنَّهَار آيَتَيْنِ} علامتين يَعْنِي الشَّمْس وَالْقَمَر {فَمَحَوْنَآ آيَةَ اللَّيْل} ضوء آيَة اللَّيْل يَعْنِي الْقَمَر {وَجَعَلْنَآ} تركنَا {آيَةَ النَّهَار مُبْصِرَةً} يَعْنِي الشَّمْس مبصرة مضيئة {لِتَبْتَغُواْ} لكَي تَطْلُبُوا {فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ} بِطَلَب الدُّنْيَا وَالْآخِرَة {وَلِتَعْلَمُواْ} لكَي تعلمُوا بِزِيَادَة الْقَمَر ونقصانه {عَدَدَ السنين والحساب} حِسَاب الْأَيَّام والشهور {وَكُلَّ شَيْءٍ} من الْحَلَال وَالْحرَام وَالْأَمر وَالنَّهْي {فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً} بَيناهُ فِي الْقُرْآن تبييناً

13

{وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ} ألزقناه {طَآئِرَهُ} كتاب إجَابَته فِي الْقَبْر لمنكر وَنَكِير {فِي عُنُقِهِ} وَيُقَال خَيره وشره لَهُ أَو عَلَيْهِ وَيُقَال سعادته وشقاوته لَهُ أَو عَلَيْهِ {وَنُخْرِجُ لَهُ} نظهر لَهُ {يَوْمَ الْقِيَامَة كِتَاباً يَلْقَاهُ} يعطاه {مَنْشُوراً} مَفْتُوحًا فِيهِ حَسَنَاته وسيئاته

14

وَيُقَال لَهُ {اقْرَأ كَتَابَكَ كفى بِنَفْسِكَ الْيَوْم عَلَيْكَ حَسِيباً} شَهِيدا بِمَا عملت

15

{مَّنِ اهْتَدَى} آمن {فَإِنَّمَا يَهْتَدي} يُؤمن {لِنَفْسِهِ} ثَوَاب ذَلِك {وَمَن ضَلَّ} كفر {فَإِنَّمَا يَضِلُّ} يجب {عَلَيْهَا} على نَفسه عُقُوبَة ذَلِك {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} لَا تحمل حاملة ذَنْب أُخْرَى بِطيبَة النَّفس وَلَكِن يحمل عَلَيْهَا بِالْقصاصِ وَيُقَال لَا تُؤْخَذ نفس بذنب نفس أُخْرَى وَيُقَال لَا تعذب نفس بِغَيْر ذَنْب {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ} قوما بِالْهَلَاكِ {حَتَّى نَبْعَثَ} إِلَيْهِم {رَسُولا} لَا تخاذ الْحجَّة عَلَيْهِم

16

{وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} جبابرتها ورؤساءها بِالطَّاعَةِ إِن قَرَأت بِنصب الْألف مخففاً وَيَقُول كَثرْنَا رؤساءها وجبابرتها وأغنياءها إِن قَرَأت بِفَتْح الْألف ممدوداً وَيُقَال سلطنا جبابرتها ورؤساءها إِن قَرَأت بِفَتْح الْألف وَتَشْديد الْمِيم {فَفَسَقُواْ فِيهَا} فعملوا فِيهَا بِالْمَعَاصِي {فَحَقَّ عَلَيْهَا القَوْل} وَجب القَوْل عَلَيْهَا بِالْعَذَابِ {فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} فأهلكناها إهلاكا

17

{وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُون} الْمَاضِيَة

{مِن بَعْدِ نُوحٍ} من بعد قوم نوح {وَكفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَاً بَصِيراً} بهلاكهم وَإِن لم نبين لَك وَتعلم ذنوبهم وعذابهم

18

{مَّن كَانَ يُرِيدُ العاجلة} يَعْنِي الدُّنْيَا بأَدَاء مَا افْترض الله عَلَيْهِ {عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا} أعطيناه فِي الدُّنْيَا {مَا نَشَآءُ} أَن نُعْطِيه {لِمَن نُّرِيدُ} أَن نهلكه فِي الْآخِرَة {ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ} أَوجَبْنَا لَهُ {يَصْلاهَا} يدخلهَا {مَذْمُوماً مَّدْحُوراً} مقصياً من ثَوَاب كل خير نزلت هَذِه الْآيَة فِي مرْثَد بن ثُمَامَة

19

{وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَة} يَعْنِي الْجنَّة بأَدَاء مَا افْترض الله عَلَيْهِ {وسعى لَهَا سَعْيَهَا} عمل للجنة عَملهَا {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} مَعَ ذَلِك مُؤمن مخلص بإيمانه {فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم} عَمَلهم {مَّشْكُوراً} مَقْبُولًا نزلت هَذِه الْآيَة فِي بِلَال الْمُؤَذّن

20

{كُلاًّ نُّمِدُّ} نعطي بالرزق {هَؤُلَاءِ} أهل الطَّاعَة {وَهَؤُلَاء} أهل الْمعْصِيَة يمدون {مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ} رزق رَبك {وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ} رزق رَبك {محذورا} مَحْبُوسًا عَن الْبر والفاجر

21

{انْظُر} يَا مُحَمَّد {كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ} فِي الدُّنْيَا بِالْمَالِ والخدم {وَلَلآخِرَةُ} وَفِي الْآخِرَة {أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ} فَضَائِل للْمُؤْمِنين {وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً} فَضَائِل للْمُؤْمِنين ثَوابًا فِي الدَّرَجَات

22

{لاَّ تَجْعَل} لَا تقل {مَعَ الله إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً} ملوماً تلوم نَفسك {مَّخْذُولاً} يخذلك معبودك

23

{وَقضى رَبُّكَ} أَمر رَبك {أَلاَّ تعبدوا إِلاَّ إِيَّاهُ} أَن لَا توحدوا إِلَّا بِاللَّه تَعَالَى {وبالوالدين إِحْسَاناً} برا بهما {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكبر أَحَدُهُمَا} أحد الْأَبَوَيْنِ {أَوْ كِلاَهُمَا} كلا الْأَبَوَيْنِ {فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ} كلَاما رديئاً وَلَا تقذرهما {وَلاَ تَنْهَرْهُمَا} وَلَا تغلظ لَهما فِي الْكَلَام {وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً} لينًا حسنا

24

{واخفض لَهُمَا جَنَاحَ الذل} لين جَانِبك لَهما {مِنَ الرَّحْمَة} كن رحِيما عَلَيْهِمَا {وَقُل رَّبِّ ارحمهما} إِن كَانَا مُسلمين {كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} عالجاني فِي الصغر

25

{رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ} بِمَا فِي قُلُوبكُمْ من الْبر والكرامة بالوالدين {إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ} بارين بالوالدين {فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ} للراجعين من الذُّنُوب {غَفُوراً} متجاوزاً نزلت هَذِه الْآيَة فِي سعد بن أبي وَقاص

26

{وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} أعْط ذَا الْقَرَابَة حَقه يَقُول أَمر بصلَة الْقَرَابَة (والمسكين) أَمر بِالْإِحْسَانِ إِلَى الْمِسْكِين {وَابْن السَّبِيل} أَمر بإكرام الضَّيْف النَّازِل بِهِ حَقه ثَلَاثَة أَيَّام {وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً} لَا تنْفق مَالك فِي غير حق الله وَإِن كَانَ دافقا وَيُقَال فِي غير طَاعَة الله

27

{إِنَّ المبذرين} المنفقين أَمْوَالهم فِي غير حق الله وَإِن كَانَ دافقا {كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِين} أعوان الشَّيَاطِين {وَكَانَ الشَّيْطَان لِرَبِّهِ كَفُوراً} لرَبه كَافِرًا

28

{وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ} عَن الْقَرَابَة وَالْمَسَاكِين حَيَاء وَرَحْمَة {ابتغآء رَحْمَةٍ} انْتِظَار رَحْمَة {مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا} أَن تَأْتِيك وَيُقَال قدوم مَال غَائِب عَنْك

{فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُوراً} فعدهم عدَّة حَسَنَة أَي سأعطيكم

29

{وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ} يَقُول لَا تمسك يدك عَن النَّفَقَة والعطية بِمَنْزِلَة المغلولة يَده إِلَى عُنُقه {وَلاَ تَبْسُطْهَا} فِي الْعَطِيَّة النَّفَقَة {كُلَّ الْبسط} فِي السَّرف يَقُول لَا تعط جَمِيع ماهو لَك مِسْكينا وَاحِدًا أَو قرَابَة وَاحِدَة وتترك الآخرين {فَتَقْعُدَ} فَتبقى {مَلُوماً} يلومك النَّاس يَعْنِي الْفُقَرَاء والقرابة {مَّحْسُوراً} مُنْقَطِعًا عَنْك الْقَرَابَة وَالْمَسَاكِين ذَاهِبًا الَّذِي لَك من المَال وَيُقَال نزلت هَذِه الْآيَة فِي امْرَأَة استكست قَمِيص رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَعْطَاهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَمِيصه وَجلسَ عَارِيا فَنَهَاهُ الله عَن ذَلِك وَقَالَ لَهُ وَلَا تبسطها كل الْبسط فِي السَّرف حَتَّى تنْزع ثَوْبك فَتَقْعُدَ مَلُوماً يلومك النَّاس مَّحْسُوراً عَارِيا لَا تقدر أَن تخرج من العري

30

{إِنَّ رَبَّكَ} يَا مُحَمَّد {يَبْسُطُ الرزق} يُوسع المَال {لمن يشآء} على من يَشَاء من عباده وَهُوَ نظر مِنْهُ {وَيَقْدِرُ} يقتر على من يَشَاء من عباده وَهُوَ نظر مِنْهُ {إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ} بصلاح عباده {خَبِيراً بَصِيراً} بالبسط والتقتير

31

{وَلاَ تقتلُوا أَوْلادَكُمْ} نزلت هَذِه الْآيَة فِي خُزَاعَة كَانُوا يدفنون بناتهم أَحيَاء فنهاهم الله عَن ذَلِك وَقَالَ وَلَا تقتلُوا أَوْلَادكُم لَا تدفنوا بناتكم أَحيَاء {خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} مَخَافَة الذل والفقر {نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ} يَعْنِي بناتكم {وَإِيَّاكُم إنَّ قَتلهمْ} دفنهم أَحيَاء {كَانَ خطأ كَبِيراً} ذَنبا عَظِيما فِي الْعقُوبَة

32

{وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى} سرا وَعَلَانِيَة {إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} مَعْصِيّة ذَنبا {وَسَآءَ سَبِيلاً} بئس مسلكاً

33

{وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفس} المؤمنة {الَّتِي حَرَّمَ الله} قَتلهَا {إِلاَّ بِالْحَقِّ} بِالرَّجمِ أَو الْقود أَو الارتداد {وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً} بالتعمد {فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ} لوَلِيّ الْمَقْتُول {سُلْطَاناً} عذرا وَحجَّة على الْقَاتِل إِن شَاءَ قَتله وَإِن شَاءَ عَفا عَنهُ وَإِن شَاءَ آخذه بِالدِّيَةِ {فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْل} إِن قتلت قَاتل وليك وَيُقَال لَا تقتل غير الْقَاتِل حمية إِن قَرَأت بِالْجَزْمِ وَيُقَال لَا تقتل لقتل نفس وَاحِدَة عشرَة {إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً} يقتل وَلَا يعفي

34

{وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيم إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} بالأرباح وَالْحِفْظ {حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} خمس عشرَة سنة أَو ثَمَان عشرَة سنة

35

{وأوفوا بالعهد} أَتموا الْعَهْد بِاللَّه فِيمَا بَيْنكُم وَبَين النَّاس {إِنَّ الْعَهْد} نَاقض الْعَهْد {كَانَ مَسْؤُولاً} من نقضه يَوْم الْقِيَامَة {وَأَوْفُوا} أَتموا {الْكَيْل إِذا كِلْتُمْ} لغيركم {وَزِنُواْ بالقسطاس الْمُسْتَقيم} بميزان الْعدْل {ذَلِك} الْوَفَاء بِالْكَيْلِ وَالْوَزْن والعهد {خَيْرٌ} من النَّقْض والبخس {وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} عَاقِبَة

36

{وَلاَ تَقْفُ} وَلَا تقل {مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} فَتَقول علمت وَلم تعلم وَرَأَيْت وَلم تَرَ وَسمعت وَلم تسمع {إِنَّ السّمع} ماتسمعون {وَالْبَصَر} مَا تبصرون {والفؤاد} مَا تتمنون {كُلُّ أُولَئِكَ} عَن كل ذَلِك {كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} يَوْم الْقِيَامَة

37

{وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْض مَرَحاً} بالتكبر وَالْخُيَلَاء {إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْض} تجَاوز الأَرْض بخيلائك {وَلَن تَبْلُغَ الْجبَال طُولاً} وَلنْ تحازي الْجبَال

38

{كُلُّ ذَلِك} كل مَا نهيتك عَنهُ {كَانَ سَيِّئُهُ} سَيِّئًا {عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً} عِنْد رَبك مقدم ومؤخر

39

{ذَلِكَ} الَّذِي أَمرتك {مِمَّآ أوحى إِلَيْكَ} أَمرك {رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَة} فِي الْقُرْآن {وَلاَ تَجْعَلْ} لَا تقل {مَعَ الله إِلَهًا آخَرَ فَتلقى} فتطرح {فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً} تلومك نَفسك {مَّدْحُوراً} مقصياً من كل خير

40

{أَفَأَصْفَاكُمْ} اختاركم {رَبُّكُم بالبنين} بالذكور

{وَاتخذ} لنَفسِهِ {مِنَ الْمَلَائِكَة إِنَاثاً} الْبَنَات {إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ} على الله {قَوْلاً عَظِيماً} فِي الْعقُوبَة وَيُقَال فِي الْفِرْيَة على الله

41

{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا} بَينا {فِي هَذَا الْقُرْآن} الْوَعْد والوعيد {لِيذكرُوا} لكَي يتعظوا {وَمَا يزيدهم} وَعبد الْقُرْآن {إِلاَّ نُفُوراً} تباعداً عَن الْإِيمَان

42

{قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ} طلبُوا {إِلَى ذِي الْعَرْش سَبِيلاً} قدرا ومنزلة وَيُقَال صعُودًا

43

{سُبْحَانَهُ} نزه نَفسه عَن الْوَلَد وَالشَّرِيك {وَتَعَالَى} تَبرأ وارتفع {عَمَّا يَقُولُونَ} من الشّرك {عُلُوّاً} على كل شَيْء {كَبِيراً} كَبِير كل شَيْء

44

{تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَات السَّبع وَالْأَرْض وَمَن فِيهِنَّ} من الْخلق {وَإِن مِّن شَيْءٍ} مَا من شَيْء من النَّبَات {إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ} بأَمْره {وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} بِأَيّ لُغَة هُوَ {إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً} بعباده إِذْ لَا يعجلهم بالعقوبة {غَفُوراً} متجاوزاً لمن تَابَ

45

{وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآن} بِمَكَّة {جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذين لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَة} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت يَعْنِي أَبَا جهل وَأَصْحَابه {حِجَاباً مَّسْتُوراً} محجوباً

46

{وَجَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً} أغطية {أَن يَفْقَهُوهُ} لكَي لَا يفقهوا الْحق {وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً} صمماً {وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآن وَحْدَهُ} بِلَا إِلَه إِلَّا الله {وَلَّوْاْ على أَدْبَارِهِمْ} رجعُوا إِلَى أصنامهم وعطفوا إِلَى عبَادَة آلِهَتهم {نُفُوراً} تباعداً عَن قَوْلك

47

{نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ} إِلَى قِرَاءَة الْقُرْآن {إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} إِلَى قراءتك يَعْنِي أَبَا جهل وَأَصْحَابه {وَإِذْ هُمْ نجوى} فِي أَمرك يَقُول بَعضهم سَاحر وَيَقُول بَعضهم كَاهِن وَيَقُول بَعضهم مَجْنُون وَيَقُول بَعضهم شَاعِر {إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ} الْمُشْركُونَ بَعضهم لبَعض {إِن تَتَّبِعُونَ} مُحَمَّدًا مَا تتبعون {إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً} مغلوب الْعقل

48

{انْظُر} يَا مُحَمَّد {كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الْأَمْثَال} كَيفَ شبهوك بالمسحور {فضلوا} فأخطئوا فِي الْمقَالة {فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً} مخرجا عَن مقالتهم وَيُقَال حجَّة على مَا قَالُوا

49

{وَقَالُوا} يَعْنِي النَّضر وَأَصْحَابه {أئذا كُنَّا} صرنا {عِظَاماً} بالية {وَرُفَاتاً} تُرَابا رميماً {أئنا لَمَبْعُوثُونَ} لمحيون {خَلْقاً جَدِيداً} تجدّد بعد الْمَوْت فِينَا الرّوح

50

{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {كُونُواْ حِجَارَةً} لَو كُنْتُم حِجَارَة أَو أَشد من الْحِجَارَة {أَوْ حَدِيداً} أَو أقوى من الْحَدِيد

51

{أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ} يَعْنِي الْمَوْت لبعثتم {فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا} يحيينا {قُلِ} لَهُم يَا مُحَمَّد {الَّذِي فَطَرَكُمْ} خَلقكُم {أَوَّلَ مَرَّةٍ} فِي بطُون أُمَّهَاتكُم {فَسَيُنْغِضُونَ} يهزون {إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ} تَعَجبا لِقَوْلِك {وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ} مَتى هَذَا الَّذِي تعدنا {قُلْ عَسى} وَعَسَى من الله وَاجِب {أَن يَكُونَ قَرِيباً}

52

ثمَّ بَين لَهُم فَقَالَ

{يَوْمَ} فِي يَوْم {يَدْعُوكُمْ} إسْرَافيل فِي الصُّور {فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ} فتستجيبون دَاعِي الله بأَمْره {وَتَظُنُّونَ} تحسبون {إِن لَّبِثْتُمْ} فِي الْقُبُور {إِلاَّ قَلِيلاً}

53

{وَقُل لِّعِبَادِي} عمر وَأَصْحَابه {يَقُولُواْ} للْكفَّار بِالْكَلِمَةِ {الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} بِالسَّلَامِ واللطف {إِنَّ الشَّيْطَان يَنزَغُ بَيْنَهُمْ} يفْسد بَينهم إِن جئْتُمْ بالجفاء {إِنَّ الشَّيْطَان كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً} ظَاهر الْعَدَاوَة وَهَذَا قبل أَن أمروا بِالْقِتَالِ

54

{رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ} بصلاحكم {إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ} فينجيكم من أهل مَكَّة {أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ} فيسلطهم عَلَيْكُم {وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً} كَفِيلا تُؤْخَذ بهم

55

{وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} من الْمُؤمنِينَ بصلاحهم {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيين على بعض} بالخلة وَالْكَلَام {وآتينا} وأعطينا {دَاوُد زَبُوراً} كتابا ومُوسَى التَّوْرَاة وَعِيسَى الْإِنْجِيل ومحمداً صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْفرْقَان

56

{قُلِ} يَا مُحَمَّد لخزاعة الَّذين كَانُوا يعْبدُونَ الْجِنّ وظنوا أَنهم الْمَلَائِكَة {ادعوا الَّذين زَعَمْتُم} عَبدْتُمْ {مِّن دُونِهِ} من دون الله عِنْد الشدَّة {فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضّر عَنْكُمْ} رفع الشدَّة عَنْكُم {وَلاَ تَحْوِيلاً} إِلَى غَيْركُمْ

57

{أُولَئِكَ} يَعْنِي الْمَلَائِكَة {الَّذين} هم الَّذين {يَدْعُونَ} يعْبدُونَ رَبهم {يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَة} يطْلبُونَ بذلك إِلَى رَبهم الْقرْبَة والفضيلة {أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} إِلَى الله {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ} جنته {وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً} لم يَأْتهمْ الْأمان

58

{وَإِن مِّن قَرْيَةٍ} مَا من قَرْيَة {إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا} نميت أَهلهَا {قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَة أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً} بِالسَّيْفِ والأمراض {كَانَ ذَلِك} الْهَلَاك وَالْعَذَاب {فِي الْكتاب مَسْطُوراً} فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ مَكْتُوبًا أَن يكون

59

{وَمَا مَنَعَنَآ} لم يمنعنا {أَن نُّرْسِلَ بِالْآيَاتِ} بالعلامات الَّتِي طلبوها {إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الْأَولونَ} إِلَّا تَكْذِيب الْأَوَّلين عِنْد التَّكْذِيب أَي نهلكهم إِن كذبُوا بهَا كَمَا أهلكنا الْأَوَّلين عِنْد التَّكْذِيب {وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقة} أعطينا قوم صَالح نَاقَة عشراء {مُبْصِرَةً} مبينَة عَلامَة لنبوة صَالح {فَظَلَمُواْ بِهَا} جَحَدُوا بهَا فَعَقَرُوهَا {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ} بالعلامات {إِلاَّ تَخْوِيفاً} بِالْعَذَابِ لنهلكهم إِن لم يُؤمنُوا بهَا

60

{وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ} عَالم بِأَهْل مَكَّة بِمن يُؤمن وبمن لَا يُؤمن {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا} مَا أريناك الرُّؤْيَا {الَّتِي أَرَيْنَاكَ} فِي الْمِعْرَاج {إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ} بلية لأهل مَكَّة مقدم ومؤخر {والشجرة الملعونة فِي الْقُرْآن} مَا ذكرنَا شَجَرَة الزقوم فِي الْقُرْآن {وَنُخَوِّفُهُمْ} بشجرة الزقوم {فَمَا يَزِيدُهُمْ} الْوَعيد {إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً} تمادياً فِي الْمعْصِيَة

61

{وَإِذ قُلْنَا للْمَلَائكَة} الَّذين كَانُوا فِي الأَرْض

{اسجدوا لآدَم} سَجْدَة التَّحِيَّة {فسجدوا إِلَّا إِبْلِيس قَالَ أأسجد لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً} لطيني

62

{قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ} فضلت عَليّ بِالسُّجُود {لَئِنْ أَخَّرْتَنِ} أجلتني {إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة لأَحْتَنِكَنَّ} لأستزلن ولأستملكن ولأستولين {ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً} المعصومين مني

63

{قَالَ اذْهَبْ} قَالَ الله أعلم {فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ} فِي دينك {فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُوراً} نَصِيبا وافراً

64

{واستفزز} استنزل {مَنِ اسْتَطَعْت مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} بدعوتك وَيُقَال بِصَوْت المزامير والغناء وَسَائِر الْمَنَاكِير {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم} اجْمَعْ عَلَيْهِم وَيُقَال اسْتَعِنْ عَلَيْهِم {بِخَيْلِكَ} بخيل الْمُشْركين {ورجلك} رجفلة الْمُشْركين {وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَال} أَمْوَال الْحَرَام {وَالْأَوْلَاد} أَوْلَاد الْحَرَام {وَعِدْهُمْ} أَن لَا جنَّة وَلَا نَار {وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَان إِلاَّ غُرُوراً} بَاطِلا

65

{إِنَّ عِبَادِي} المعصومين مِنْك {لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} سَبِيل وَغَلَبَة {وَكفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً} كَفِيلا بِمَا وعد وَيُقَال حفيظاً

66

{رَّبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ} يسير لكم {الْفلك} السفن {فِي الْبَحْر لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ} لكَي تَطْلُبُوا من رزقه وَيُقَال من علمه {إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} بِتَأْخِير الْعَذَاب وَيُقَال بِمن تَابَ مِنْكُم

67

{وَإِذَا مَسَّكُمُ الضّر} الشدَّة والهول {فِي الْبَحْر ضَلَّ مَن تَدْعُونَ} تتركون من تَعْبدُونَ من الْأَوْثَان فَلَا تسْأَلُون مِنْهُ النجَاة {إِلاَّ إِيَّاهُ} يَقُول تسْأَلُون من الله النجَاة {فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبر أَعْرَضْتُمْ} عَن الشُّكْر والتوحيد {وَكَانَ الْإِنْسَان} يَعْنِي الْكَافِر {كَفُوراً} كَافِرًا بنعم الله

68

{أَفَأَمِنْتُمْ} يَا أهل مَكَّة {أَن يَخْسِفَ بِكُمْ} أَن لَا يغور بكم {جَانِبَ الْبر} كَمَا خسف بقارون {أَوْ يُرْسِلَ} أَن لَا يُرْسل {عَلَيْكُمْ حَاصِباً} حِجَارَة كَمَا أرسل على قوم لوط {ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً} مَانِعا

69

{أَمْ أَمِنْتُمْ} يَا أهل مَكَّة {أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ} فِي الْبَحْر {تَارَةً أُخْرَى} مرّة أُخْرَى يخرجكم إِلَيْهِ {فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفاً مِّنَ الرّيح} ريحًا شَدِيدا {فَيُغْرِقَكُم} فِي الْبَحْر {بِمَا كَفَرْتُمْ} بِاللَّه وبنعمته {ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ} بغرقكم {تَبِيعاً} ثائراً أَو طَالبا

70

{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} بِالْأَيْدِي والأرجل {وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبر} على الدَّوَابّ {وَالْبَحْر} فِي الْبَحْر على السفن {وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ الطَّيِّبَات} جعلنَا أَرْزَاقهم أَلين وَأطيب من رزق الدَّوَابّ {وَفَضَّلْنَاهُمْ على كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا} من الْبَهَائِم {تَفْضِيلاً} بالصورة وَالْأَيْدِي والأرجل

71

{يَوْمَ نَدْعُواْ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {كُلَّ أُنَاسٍ بإمامهم}

نَبِيّهم وَيُقَال بِكِتَابِهِمْ وَيُقَال بداعيهم إِلَى الْهدى وَإِلَى الضَّلَالَة {فَمَنْ أُوتِيَ} أعطي {كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِك يَقْرَؤونَ كِتَابَهُمْ} حسناتهم {وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً} لَا ينقص من حسناتهم وَلَا يُزَاد على سيئاتهم قدر فتيل وَهُوَ الشَّيْء الَّذِي يكون فِي شقّ النواة وَيُقَال هُوَ الْوَسخ الَّذِي فتلت بَين أصبعيك

72

{وَمَن كَانَ فِي هَذِه} النعم {أعمى} عَن الشُّكْر {فَهُوَ فِي الْآخِرَة} فِي نعيم الْجنَّة {أعمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً} طَرِيقا وَيُقَال من كَانَ فِي هَذِه الدُّنْيَا أعمى عَن الْحجَّة وَالْبَيَان فَهُوَ فِي الْآخِرَة أعمى أَشد عمى وأضل سَبِيلا عَن الْحجَّة

73

{وَإِن كَادُوا} وَقد كَادُوا {لَيَفْتِنُونَك} ليصرفونك وليستزلونك {عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ} من كسر آلِهَتهم {لِتفْتَرِيَ} لتقول {عَلَيْنَا غَيْرَهُ} غير الَّذِي أَمرتك من كسر آلِهَتهم {وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً} صفياً بمتابعتك إيَّاهُم نزلت هَذِه الْآيَة فِي ثَقِيف

74

{وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ} عصمناك وحفظناك {لَقَدْ كِدتَّ} هَمَمْت {تَرْكَنُ} تميل {إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً} فِيمَا طلبوك

75

{إِذاً} أَو أَعْطَيْت مَا طلبوك {لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاة} عَذَاب الدُّنْيَا {وَضِعْفَ الْمَمَات} عَذَاب الْآخِرَة {ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً} مَانِعا

76

{وَإِن كَادُواْ} وَقد كَادُوا يَعْنِي الْيَهُود {لَيَسْتَفِزُّونَكَ} ليستزلونك {مِنَ الأَرْض} أَرض الْمَدِينَة {لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا} إِلَى الشأم {وَإِذاً} لَو أخرجوك من الْمَدِينَة {لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً} يَسِيرا حَتَّى نهلكهم

77

{سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا} أهلكنا قَومهمْ إِذا خرج الرُّسُل من بَين أظهرهم {وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا} لعذابنا {تَحْوِيلاً} تغييراً

78

{أَقِمِ الصَّلَاة} أتم الصَّلَاة يَا مُحَمَّد {لِدُلُوكِ الشَّمْس} بعد زَوَال الشَّمْس صَلَاة الظّهْر وَالْعصر {إِلَى غَسَقِ اللَّيْل} وَبعد دُخُول اللَّيْل صَلَاة الْمغرب وَالْعشَاء {وَقُرْآنَ الْفجْر} صَلَاة الْغَدَاة {إِنَّ قُرْآنَ الْفجْر} صَلَاة الْغَدَاة {كَانَ مَشْهُوداً} تشهدها مَلَائِكَة اللَّيْل وملائكة النَّهَار

79

{وَمِنَ اللَّيْل فَتَهَجَّدْ بِهِ} بِقِرَاءَة الْقُرْآن والتهجد بعد النّوم {نَافِلَةً} فَضِيلَة {لَّكَ} وَيُقَال خَاصَّة لَك {عَسى} وَعَسَى من الله وَاجِب {أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً} أَن يقيمك رَبك مقَاما مَحْمُودًا مقَام الشَّفَاعَة مَحْمُودًا يحمدك الْأَولونَ وَالْآخرُونَ

80

{وَقُل رَّبِّ} يَا رب {أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ} يَقُول أدخلني فِي الْمَدِينَة إِدْخَال صدق وَكَانَ خَارِجا من الْمَدِينَة {وَأَخْرِجْنِي} من الْمَدِينَة {مُخْرَجَ صِدْقٍ} إِخْرَاج صدق بعد مَا كنت فِيهَا فَأَدْخلنِي مَكَّة وَيُقَال أدخلني فِي الْقَبْر مدْخل صدق إِدْخَال صدق وأخرجني من الْقَبْر يَوْم الْقِيَامَة مخرج صدق إِخْرَاج صدق {وَاجعَل لِّي مِن لَّدُنْكَ} من عنْدك {سُلْطَاناً نَّصِيراً} مَانِعا بِلَا ذل وَلَا رد قَول

81

{وَقل جَاءَ الْحق} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْقُرْآنِ وَيُقَال ظهر الْإِسْلَام وَكثر الْمُسلمُونَ {وَزَهَقَ الْبَاطِل} هلك الشَّيْطَان والشرك وَأَهله {إِنَّ الْبَاطِل} الشَّيْطَان والشرك وَأَهله {كَانَ زَهُوقاً} هَالكا

82

{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآن} نبين فِي الْقُرْآن {مَا هُوَ شِفَآءٌ} بَيَان من الْعَمى وَيُقَال بَيَان من الْكفْر والشرك والنفاق {وَرَحْمَةٌ} من الْعَذَاب {للْمُؤْمِنين} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمين} الْمُشْركين بِمَا نزل من الْقُرْآن {إَلاَّ خَسَاراً} غبناً

83

{وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَان} يَعْنِي الْكَافِر من كَثْرَة مَاله ومعيشته {أَعْرَضَ} عَن الدُّعَاء وَالشُّكْر {وَنَأَى بِجَانِبِهِ} تبَاعد عَن الْإِيمَان {وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرّ} أَصَابَته الشدَّة والفقر

{كَانَ يؤوسا} أيساً من رَحْمَة الله نزلت فِي عتبَة بن ربيعَة

84

{قُلْ} يَا مُحَمَّد {كُلٌّ} كل وَاحِد مِنْكُم {يَعْمَلُ على شَاكِلَتِهِ} على نِيَّته وَأمره الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ وَيُقَال على ناحيته وجبلته {فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أهْدى سَبِيلاً} أصوب دينا

85

{ويسألونك} يَا مُحَمَّد {عَنِ الرّوح} سَأَلَ أهل مَكَّة أَبُو جهل وَأَصْحَابه {قُلِ الرّوح مِنْ أَمْرِ رَبِّي} من عجائب رَبِّي وَقَالَ من علم رَبِّي {وَمَآ أُوتِيتُم} أعطيتم {مِّنَ الْعلم} فِيمَا عِنْد الله {إِلاَّ قَلِيلاً}

86

{وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} بِحِفْظ الَّذِي أَوْحَينَا إِلَيْك جِبْرِيل بِهِ {ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً} كَفِيلا وَيُقَال مَانِعا

87

{إِلاَّ رَحْمَةً} نعْمَة (مِّن رَّبِّكَ) حفظ الْقُرْآن فِي قَلْبك {إِنَّ فَضْلَهُ} بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام {كَانَ عَلَيْكَ كَبِيراً} عَظِيما

88

{قُل} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {لَّئِنِ اجْتمعت الْإِنْس وَالْجِنّ على أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآن لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ} بِمثل هَذَا الْقُرْآن بَالغا فِيهِ الْأَمر وَالنَّهْي والوعد والوعيد والناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه وَخبر مَا كَانَ وَمَا يكون {وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} معينا

89

{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ} بَينا لأهل مَكَّة {فِي هَذَا الْقُرْآن مِن كُلِّ مَثَلٍ} من كل وَجه من الْوَعْد والوعيد {فَأبى أَكْثَرُ النَّاس إِلاَّ كُفُوراً} لم يقبلُوا وثبتوا على الْكفْر

90

{وَقَالُواْ} يَعْنِي عبد الله بن أُميَّة المَخْزُومِي وَأَصْحَابه {لَن نُّؤْمِنَ لَكَ} لن نصدقك {حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا} تشقق لنا {مِنَ الأَرْض} أَرض مَكَّة {يَنْبُوعاً} عيُونا وأنهاراً

91

{أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ} بُسْتَان {مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ} كرم {فَتُفَجِّرَ} فتشقق {الْأَنْهَار خِلالَهَا} وَسطهَا {تفجيرا} تشقيقا

92

{أَوْ تُسْقِطَ السمآء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً} قطعا بِالْعَذَابِ {أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّه وَالْمَلَائِكَة قَبِيلاً} شَهِيدا على مَا تَقول

93

{أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ} من ذهب وَفِضة {أَوْ ترقى فِي السمآء} أَو تصعد إِلَى السَّمَاء فَتَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ يشْهدُونَ أَنَّك رَسُول من الله إِلَيْنَا {وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ} لصعودك إِلَى السَّمَاء {حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً} من الله إِلَيْنَا {نَّقْرَؤُهُ} فِيهِ أَنَّك رَسُول الله إِلَيْنَا {قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {سُبْحَانَ رَبِّي} أنزه رَبِّي عَن الْوَلَد وَالشَّرِيك {هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً} يَقُول مَا أَنا إِلَّا بشر رَسُول كَسَائِر الرُّسُل

94

{وَمَا مَنَعَ النَّاس} أهل مَكَّة {أَن يُؤمنُوا} بِاللَّه {إِذْ جَاءَهُم الْهدى} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْقُرْآنِ {إِلاَّ أَن قَالُوا} إِلَّا قَوْلهم {أَبَعَثَ الله بَشَراً رَّسُولاً} إِلَيْنَا

95

{قُل} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {لَوْ كَانَ فِي الأَرْض مَلَائِكَة يَمْشُونَ} فِي الأَرْض يمضون {مُطْمَئِنِّينَ} مقيمين {لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السمآء مَلَكاً رَّسُولاً} لأَنا لَا نرسل إِلَى الْمَلَائِكَة الرُّسُل إِلَّا الْمَلَائِكَة وَإِلَى الْبشر إِلَّا الْبشر

96

{قُلْ} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {كفى بِاللَّه شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ}

بِأَنِّي رَسُوله إِلَيْكُم {إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ} بإرسال الرَّسُول إِلَى عباده {خَبِيراً بَصِيراً} بِمن يُؤمن وبمن لَا يُؤمن

97

{وَمَن يَهْدِ الله} لدينِهِ {فَهُوَ المهتد} لدينِهِ {وَمَن يُضْلِلْ} عَن دينه {فَلَن تَجِدَ لَهُمْ} لأهل مَكَّة {أَوْلِيَآءَ مِن دُونِهِ} من دون الله يوفقونهم للهدى {وَنَحْشُرُهُمْ} نسحبهم {يَوْمَ الْقِيَامَة على وُجُوهِهِمْ} إِلَى النَّار {عُمْياً} لَا يبصرون شَيْئا {وَبُكْماً} خرصاً لَا يَتَكَلَّمُونَ بِشَيْء {وَصُمّاً} لَا يسمعُونَ شَيْئا {مَّأْوَاهُمْ} مصيرهم {جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ} سكنت النَّار وَسكن لهبها {زِدْنَاهُمْ سَعِيراً} وقودا

98

{ذَلِكَ} الْعَذَاب {جَزَآؤُهُم} نصِيبهم {بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَقَالُوا} كفار مَكَّة {أئذا كُنَّا} صرنا {عِظَاماً} بالية {وَرُفَاتاً} تُرَابا رميماً {أئنا لَمَبْعُوثُونَ} لمحيون {خَلْقاً جَدِيداً} يجدد فِينَا الرّوح هَذَا مَا لَا يكون أبدا

99

{أَو لم يَرَوْاْ} أهل مَكَّة {أَنَّ الله الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض قَادِرٌ على أَن يَخْلُقَ} يحيي {مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً} وقتا {لاَّ رَيْبَ فِيهِ} لَا شكّ فِيهِ عِنْد الْمُؤمنِينَ {فَأبى الظَّالِمُونَ} الْمُشْركُونَ {إَلاَّ كُفُوراً} لم يقبلُوا واستقاموا على الْكفْر

100

{قُل} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {لَّوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي} مَفَاتِيح رزق رَبِّي {إِذاً لأمْسَكْتُمْ} عَن النَّفَقَة {خَشْيَةَ الْإِنْفَاق} مَخَافَة الْفقر {وَكَانَ الْإِنْسَان} الْكَافِر {قَتُوراً} ممسكاً بَخِيلًا مقترا

101

{وَلَقَدْ آتَيْنَا} أعطينا {مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} مبينات الْيَد والعصا والطوفان وَالْجَرَاد وَالْقمل والضفادع وَالدَّم والسنين وطمس الْأَمْوَال {فاسأل بَنِي إِسْرَائِيلَ} عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه {إِذْ جَآءَهُمْ} مُوسَى {فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنِّي لأظنك يَا مُوسَى مَسْحُوراً} مغلوب الْعقل

102

{قَالَ} لَهُ مُوسَى {لَقَدْ عَلِمْتَ} يَا فِرْعَوْن {مَآ أَنزَلَ} على مُوسَى {هَؤُلَاءِ} الْآيَات {إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَات وَالْأَرْض بَصَآئِرَ} بَيَانا وعلامة لنبوتي {وَإِنِّي لأظنك} أعلم واستيقن {يَا فِرْعَوْن مَثْبُوراً} ملعوناً كَافِرًا

103

{فَأَرَادَ أَن يَسْتَفِزَّهُم} يستزلهم {مِّنَ الأَرْض} أَرض الْأُرْدُن وفلسطين {فَأَغْرَقْنَاهُ} فِي الْبَحْر {وَمَن مَّعَهُ جَمِيعًا}

104

{وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ} من بعد هَلَاكه {لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسكنوا} انزلوا {الأَرْض} أَرض الْأُرْدُن وفلسطين {فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الْآخِرَة} الْبَعْث بعد الْمَوْت وَيُقَال نزُول عِيسَى بن مَرْيَم {جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً} جَمِيعًا

105

{وبالحق أَنْزَلْنَاهُ} بِالْقُرْآنِ أنزلنَا جِبْرِيل على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وبالحق نَزَلَ} بِالْقُرْآنِ نزل {وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ} يَا مُحَمَّد {إِلاَّ مُبَشِّراً} بِالْجنَّةِ {وَنَذِيراً} من النَّار

106

{وَقُرْآناً} أنزلنَا جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ {فَرَقْنَاهُ} بَيناهُ بالحلال وَالْحرَام وَالْأَمر وَالنَّهْي {لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاس على مكث}

مهل وهينة وَترسل {وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً} بَيناهُ تبياناً وَيُقَال نزلنَا جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ تَنْزِيلا مُتَفَرقًا آيَة وآيتين وَثَلَاثًا وَكَذَا وَكَذَا

107

{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {آمِنُواْ بِهِ} بِالْقُرْآنِ {أَوْ لاَ تؤمنوا} وَهَذَا وَعِيد لَهُم {إِنَّ الَّذين أُوتُواْ الْعلم} أعْطوا الْعلم بِالتَّوْرَاةِ بِصفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته {مِن قَبْلِهِ} من قبل الْقُرْآن {إِذَا يُتْلَى} يقْرَأ {عَلَيْهِمْ} الْقُرْآن {يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ} على الْوُجُوه {سُجَّداً} يَسْجُدُونَ لله

108

{وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَآ} نزهوا الله عَن الْوَلَد وَالشَّرِيك {إِن كَانَ} قد كَانَ {وَعْدُ رَبِّنَا} فِي مبعث مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {لمفعولا} كَائِنا صدقا

109

{ويخرون للأذقان} للسُّجُود و {يَبْكُونَ} فِي السُّجُود {وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً} تواضعاً نزلت فِي عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه

110

{قُلِ} لَهُم يَا مُحَمَّد {ادعوا الله أَوِ ادعوا الرَّحْمَن أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأسمآء الْحسنى} الصِّفَات الْعليا مثل الْعلم وَالْقُدْرَة والسمع وَالْبَصَر فَادعوهُ بهَا {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ} يَقُول لَا تجْهر بصوتك بِقِرَاءَة الْقُرْآن فِي صَلَاتك لكَي لَا يُؤْذِيك الْمُشْركُونَ {وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا} وَلَا تسر بِقِرَاءَة الْقُرْآن فَلَا تسمع أَصْحَابك {وابتغ} اطلب {بَيْنَ ذَلِك} بَين الرّفْع والخفض {سَبِيلاً} طَرِيقا وسطا

111

{وَقُلِ الْحَمد لِلَّهِ} الشُّكْر والألوهية لله {الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً} من الْمَلَائِكَة والآدميين فيرث ملكه {وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْملك} فيعاديه {وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِيٌّ} معِين {مَّنَ الذل} من أهل الذل يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى وهم أذلّ النَّاس وَيُقَال لم يذل حَتَّى يحْتَاج إِلَى ولي من الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكين {وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً} يَعْنِي عظمه تَعْظِيمًا عَن مقَالَة الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكين وَالله أعلم بأسرار كِتَابه وَمن السُّورَة الَّتِي يذكر فِيهَا الْكَهْف وَهِي كلهَا مَكِّيَّة غير آيَتَيْنِ مدنيتين ذكر فيهمَا عُيَيْنَة بن حصن الْفَزارِيّ وآياتها مائَة واحدى عشرَة وكلماتها ألف وَخَمْسمِائة وَسبع وَسِتُّونَ وحروفها سِتَّة آلَاف وَأَرْبَعمِائَة وَسِتُّونَ حرفا {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

الكهف

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {الْحَمد لِلَّهِ} يَقُول الشُّكْر لله والإلهية لله {الَّذِي أنزل على عَبده} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {الْكتاب} جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ {وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا} لم ينزله مُخَالفا للتوراة وَالْإِنْجِيل وَسَائِر الْكتب بِالتَّوْحِيدِ وَصفَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته نزلت فِي شَأْن الْيَهُود حِين قَالُوا الْقُرْآن مُخَالف لسَائِر الْكتب

2

{قَيِّماً} على الْكتب وَيُقَال مُسْتَقِيمًا {لِّيُنْذِرَ} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْقُرْآنِ {بَأْساً} عذَابا {شَدِيداً مِّن لَّدُنْهُ} من عِنْده {وَيُبَشِّرَ} مُحَمَّد بِالْقُرْآنِ {الْمُؤمنِينَ} المخلصين {الَّذين يَعْمَلُونَ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً} ثَوابًا كَرِيمًا فِي الْجنَّة

3

{مَّاكِثِينَ فِيهِ} مقيمين فِي الثَّوَاب لَا يموتون وَلَا يخرجُون {أبدا}

4

{وينذر} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْقُرْآنِ {الَّذين قَالُواْ اتخذ الله وَلَداً} يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَبَعض الْمُشْركين

5

{مَّا لَهُمْ بِهِ} من مقالتهم {مِنْ عِلْمٍ} من حجَّة وَلَا بَيَان {وَلاَ لآبَائِهِمْ} كَانَ علم ذَلِك {كَبُرَتْ كَلِمَةً} عظمت كلمة الشّرك {تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} تظهر على أَفْوَاههم {إِن يَقُولُونَ} مَا يَقُولُونَ {إِلاَّ كَذِباً} على الله

6

{فَلَعَلَّكَ} يَا مُحَمَّد {بَاخِعٌ نَّفْسَكَ} قَاتل نَفسك

{على آثَارِهِمْ} لأجلهم {إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَذَا الحَدِيث} بِأَن لم يُؤمنُوا بِهَذَا الْقُرْآن {أَسَفاً} حزنا

7

{إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْض} من الرِّجَال وَالنِّسَاء {زِينَةً لَّهَا} زهرَة للْأَرْض {لِنَبْلُوَهُمْ} لنختبرهم {أَيُّهُم} من هم {أَحْسَنُ} أخْلص {عَمَلاً} وَيُقَال إِنَّا جعلنَا مَا على الأَرْض من النَّبَات وَالشَّجر وَالدَّوَاب وَالنَّعِيم زِينَة لَهَا زهرَة للْأَرْض لنختبر أَيهمْ أزهد فِي الدُّنْيَا وأترك لَهَا

8

{وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ} مغيرون {مَا عَلَيْهَا} من الزهرة {صَعِيداً} تُرَابا {جُرُزاً} أملس لَا نَبَات فِيهَا

9

{أَمْ حَسِبْتَ} أظننت يَا مُحَمَّد {أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْف والرقيم} والكهف هُوَ الْجَبَل الَّذِي فِيهِ الْغَار والرقيم هُوَ اللَّوْح من رصاص فِيهِ أَسمَاء الْفتية وقصتهم وَيُقَال الرقيم هُوَ الْوَادي الَّذِي فِيهِ الْكَهْف وَيُقَال الرقيم هُوَ مَدِينَة {كَانُواْ مِنْ آيَاتِنَا} من عجائبنا {عَجَباً} الشَّمْس وَالْقَمَر وَالسَّمَاء وَالْأَرْض والنجوم وَالْجِبَال والبحار أعجب من ذَلِك

10

{إِذْ أَوَى الْفتية إِلَى الْكَهْف} دخل غلمة فِي غَار الْكَهْف {فَقَالُواْ} حِين دخلُوا {رَبَّنَآ} يَا رَبنَا {آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً} أَي ثبتنا على دينك {وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رشدا} مخرجا

11

{فَضَرَبْنَا على آذَانِهِمْ} ألقينا عَلَيْهِم النّوم وأنمناهم {فِي الْكَهْف سِنِين عددا} ثلثمِائة سنة وتسع سِنِين

12

{ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ} أيقظناهم كَمَا نَامُوا {لِنَعْلَمَ} لكَي نرى {أَيُّ الحِزْبَيْنِ} أَي الْفَرِيقَيْنِ الْمُؤْمِنُونَ والكافرون {أحصى لِمَا لَبِثُواْ} أحفظ لما مَكَثُوا فِي الْكَهْف {أَمَداً} أَََجَلًا

13

{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ} نبين لَك {نبَأَهُم} خبرهم {بِالْحَقِّ} بِالْقُرْآنِ {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ} غلمة {آمَنُواْ بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} بَصِيرَة فِي أَمر دينهم وَيُقَال ثبتناهم فِي أَمر دينهم وَيُقَال ثبتناهم على الْإِيمَان

14

{وَرَبَطْنَا على قُلُوبِهِمْ} حفظنا قُلُوبهم بِالْإِيمَان وَيُقَال ألهمناهم الصَّبْر {إِذْ قَامُواْ} إِذْ خَرجُوا من عِنْد الْملك دقيانوس الْكَافِر {فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَات وَالْأَرْض لَن نَّدْعُوَاْ مِن دُونِهِ} لن نعْبد من دون الله {إِلَهًا} ربّاً {لَّقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً} كذبا وزوراً على الله

15

{هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخذُوا مِن دُونِهِ} عبدُوا من دون الله {آلِهَةً} من الْأَوْثَان {لَّوْلاَ يَأْتُونَ عَلَيْهِم} هلا يأْتونَ على عِبَادَتهم {بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ} بِحجَّة بَيِّنَة أَن الله أمرَهم بذلك {فَمَنْ أَظْلَمُ} فَلَيْسَ أحد أظلم {مِمَّنِ افترى} اختلق {عَلَى الله كَذِباً} بِأَن لَهُ شَرِيكا

16

{وَإِذِ اعتزلتموهم} تركتموهم وتركتم دينهم {وَمَا يَعْبُدُونَ} من دون الله من الْأَوْثَان فَلَا تعبدوا {إِلاَّ الله فَأْوُوا إِلَى الْكَهْف} فادخلوا هَذَا الْغَار {يَنْشُرْ لَكُمْ} يهب لكم {رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ} من نعْمَته {وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِّنْ أَمْرِكُمْ مِّرْفَقاً} مَا يرفق بكم غَدا وَهَذَا كُله قَول الفتيه

17

{وَتَرَى الشَّمْس إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ} تميل {عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمين} يَمِين الْغَار {وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ} تتركهم {ذَاتَ الشمَال} شمال الْغَار {وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ} فِي نَاحيَة من الْكَهْف وَيُقَال فِي فضاء مِنْهُ من الضَّوْء {ذَلِك} الَّذِي ذكرت من قصتهم {مِنْ آيَاتِ الله} من عجائب الله {مَن يَهْدِ الله} لدينِهِ {فَهُوَ المهتد} لدينِهِ {وَمَن يُضْلِلْ} عَن دينه {فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً}

موفقاً يوفقه للهدى

18

{وتحسبهم} يَا مُحَمَّد {أيقاظا} عير نيام {وَهُمْ رُقُودٌ} نيام {وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمين وَذَاتَ الشمَال} فِي كل عَام مرّة لكَي لَا تَأْكُل الأَرْض لحومهم {وَكَلْبُهُمْ} قطمير {بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بالوصيد} بِفنَاء الْبَاب {لَوِ اطَّلَعت} هجمت {عَلَيْهِمْ} فِي تِلْكَ الْحَال {لَوْلَّيْتَ مِنْهُمْ} لأدبرت عَنْهُم {فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً} لأخذت مِنْهُم خوفًا {وَكَذَلِكَ} هَكَذَا

19

{بعثناهم} أيقظناهم بعد مَا مضى ثلثمِائة سنة وتسع سِنِين {لِيَتَسَآءَلُوا بَيْنَهُمْ} ليتحدثوا فِيمَا بَينهم {قَالَ قَائِل مِنْهُم} سيدهم وَكَبِيرهمْ وهم مكسلميا {كَم لَبِثْتُمْ} مكثتم فِي هَذَا الْغَار بعد النّوم {قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً} فَلَمَّا خَرجُوا فنظروا إِلَى الشَّمْس وَقد بَقِي مِنْهَا شَيْء قَالُوا {أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُواْ} يَعْنِي مكسلمينا {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ} بعد النّوم {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ} تمليخا {بِوَرِقِكُمْ هَذِه} بدراهمكم هَذِه {إِلَى الْمَدِينَة} مَدِينَة أفسوس {فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَآ أزكى طَعَاماً} أَكثر طَعَاما وَيُقَال أطيب خبْزًا وَأحل ذَبِيحَة {فَلْيَأْتِكُمْ برزق مِنْهُ} بِطَعَام مِنْهُ {وليتلطف} يرفق فِي الشِّرَاء {وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ} لَا يعلمن بكم {أَحَداً} من الْمَجُوس

20

{إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ} يطلعوا {عَلَيْكُمْ} الْمَجُوس {يَرْجُمُوكُمْ} يقتلوكم {أَوْ يُعِيدُوكُمْ} يرجعوكم {فِي مِلَّتِهِمْ} فِي دينهم الْمَجُوسِيَّة {وَلَن تُفْلِحُوا} لن تنجوا من عَذَاب الله {إِذاً أَبَداً} إِذا رجعتم إِلَى دينهم

21

{وَكَذَلِكَ} هَكَذَا {أَعْثَرْنَا} أطْلعنَا {عَلَيْهِمْ} أهل مَدِينَة أفسوس الْمُؤمنِينَ الْكَافرين وَكَانَ ملكهم يؤمئذ مُسلما يُسمى يُسْتَفَاد وَمَات ملكهم الْمَجُوسِيّ دقيانوس قبل ذَلِك {ليعلموا} يَعْنِي الْمُؤمنِينَ والكافرين {أَنَّ وَعْدَ الله} الْبَعْث بعد الْمَوْت {حَقٌّ} كَائِن {وَأَنَّ السَّاعَة لاَ رَيْبَ فِيهَا} لَا شكّ فِيهَا {إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ} إِذْ يَخْتَلِفُونَ فِي قَوْلهم فِيمَا بَينهم {فَقَالُواْ} يَعْنِي الْكَافرين {ابْنُوا عَلَيْهِم بنيانا} كَنِيسَة لأَنهم على ديننَا {رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذين غَلَبُواْ على أَمْرِهِمْ} على قَوْلهم وهم الْمُؤْمِنُونَ {لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً} لأَنهم على ديننَا وَكَانَ اخْتلَافهمْ فِي هَذَا

22

{سَيَقُولُونَ} نَصَارَى أهل نَجْرَان السَّيِّد وَأَصْحَابه وهم النسطورية {ثَلاثَةٌ} هم ثَلَاثَة {رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ} قطمير {وَيَقُولُونَ} العاقب وَأَصْحَابه وهم الْمَار يعقوبية {خَمْسَةٌ} هم خَمْسَة {سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ} ظنا بِالْغَيْبِ بِغَيْر علم {وَيَقُولُونَ} أَصْحَاب الْملك وهم الملكانية {سَبْعَةٌ} هم سَبْعَة {وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} قطمير {قُل} لَهُم يَا مُحَمَّد {رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم} بعددهم {مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ} من الْمُؤمنِينَ قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنا من ذَلِك الْقَلِيل هم ثَمَانِيَة سوى الْكَلْب {فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ} فَلَا تجَادل مَعَهم فِي عَددهمْ {إِلاَّ مِرَآءً ظَاهِراً} إِلَّا أَن تقْرَأ الْقُرْآن عَلَيْهِم ظَاهرا {وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِّنْهُمْ أَحَداً} لَا تسْأَل أحدا مِنْهُم عَن عَددهمْ يَكْفِيك مَا بَين الله لَك

23

{وَلاَ تَقْولَنَّ} يَا مُحَمَّد {لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِك غَداً} أَو قَائِل

24

{إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله} إِلَّا أَن تَقول إِن شَاءَ الله

{وَاذْكُر رَبك} بالاستنثاء {إِذَا نَسِيتَ} وَلَو بعد حِين {وَقُلْ عَسى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي} يدلني ويرشدني {لأَقْرَبَ} لأصوب {مِنْ هَذَا رَشَداً} صَوَابا ويقيناً نزلت هَذِه الْآيَة فِي شَأْن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ قَالَ لمشركي أهل مَكَّة غَدا أَقُول لكم فَلم يقل إِن شَاءَ الله فِيمَا سَأَلُوهُ عَن خبر الرّوح

25

{وَلَبِثُوا} مَكَثُوا {فِي كهفهم ثَلَاث مائَة سِنِينَ وازدادوا تِسْعاً} تسع سِنِين وَهَذَا قبل أَن أيقظهم الله

26

{قُلِ} يَا مُحَمَّد {الله أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ} بِمَا مَكَثُوا بعد ذَلِك {لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَات وَالْأَرْض} مَا غَابَ عَن الْعباد {أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ} مَا أبصره وأعلمه بهم وشأنهم {مَا لَهُم مِّن دُونِهِ} من دون الله {مِن ولي} يحفظهم وَيُقَال مَالهم لأهل مَكَّة من دونه من عَذَاب الله من ولي قريب يَنْفَعهُمْ {وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ} فِي حكم الْغَيْب {أَحَداً}

27

{واتل مَآ أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ} يَقُول اقْرَأ عَلَيْهِم الْقُرْآن وَلَا تزد فِيهِ وَلَا تنقص مِنْهُ {لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} لَا مغير لكلماته {وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ} من دون الله {مُلْتَحَداً} ملْجأ

28

{واصبر نَفْسَكَ} احْبِسْ نَفسك {مَعَ الَّذين يَدْعُونَ رَبَّهُم} يعْبدُونَ رَبهم {بِالْغَدَاةِ والعشي} غدْوَة وَعَشِيَّة يَعْنِي سلمَان وَأَصْحَابه {يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} يُرِيدُونَ بذلك وَجه الله وَرضَاهُ {وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} لَا تجَاوز عَيْنَاك عَنْهُم {تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاة الدُّنْيَا} يُرِيدُونَ الزِّينَة {وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا} عَن توحيدنا {وَاتبع هَوَاهُ} فِي عبَادَة الْأَصْنَام {وَكَانَ أَمْرُهُ} قَوْله {فُرُطاً} ضائعاً نزلت هَذِه الْآيَة فِي عُيَيْنَة بن حصن الْفَزارِيّ

29

{وَقُلِ} لعيينة {الْحق} لَا إِلَه إِلَّا الله {مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ} هَذَا وَعِيد من الله وَيُقَال فَمن شَاءَ فليؤمن يَقُول من شَاءَ الله لَهُ الْإِيمَان آمن وَمن شَاءَ فليكفر من شَاءَ الله لَهُ الْكفْر كفر {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ} لعيينة وَأَصْحَابه {نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} سرادق النَّار يُحِيط بهم {وَإِن يَسْتَغِيثُواْ} للغصة بِالْمَاءِ {يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كَالْمهْلِ} كدردي الزَّيْت وَيُقَال كالفضة المذابة {يَشْوِي الْوُجُوه} ينضج الْوُجُوه {بِئْسَ الشَّرَاب وَسَآءَتْ مُرْتَفَقاً} منزلا يَقُول بئس الدَّار دَار رفقائهم الشَّيَاطِين وَالْكفَّار

30

{إِن الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {إِنَّا لاَ نُضِيعُ} لَا نبطل {أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً} ثَوَاب من أخْلص عملا

31

{أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ} مَقْصُورَة الرَّحْمَن {تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ} أَي من تَحت شجرهم ومساكنهم {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {يُحَلَّوْنَ فِيهَا} يلبسُونَ فِي الْجنَّة {مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ} أقلبة ذهب {وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِّن سندس} مالطف من الديباج {وإستبرق} مَا ثخن من الديباج {متكئين فِيهَا} جالسين فِيهَا فِي الْجنَّة {عَلَى الأرآئك} فِي الحجال {نِعْمَ الثَّوَاب} الْجَزَاء الْجنَّة {وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً} منزلا يَقُول حسنت الدَّار دَار رفقائهم الْأَنْبِيَاء والصالحون

32

{وَاضْرِبْ لهُمْ مَّثَلاً} بيّن لأهل مَكَّة صفة {رَّجُلَيْنِ} أَخَوَيْنِ فِي بني إِسْرَائِيل أَحدهمَا مُؤمن وَهُوَ يهوذا وَالْآخر كَافِر وَهُوَ أَبُو فطروس {جعلنَا لأَحَدهمَا} الْكَافِر {جَنَّتَيْنِ} بساتين {مِنْ أَعْنَابٍ} من كروم {وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ} أحطناهما بِنَخْل {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا} بَين الْبَسَاتِين {زرعا} مزرعا

33

{كِلْتَا الجنتين} الْبَسَاتِين {آتَتْ أُكُلَهَا} أخرجت ثَمَرهَا كل عَام {وَلَمْ تَظْلِمِ} لم تنقص {مِّنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا} وسطهما {نَهَراً}

34

{وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ} يَعْنِي ثَمَرَة الْبُسْتَان إِن قَرَأت بِالنّصب وَيُقَال مَال إِن قَرَأت بِالضَّمِّ {فَقَالَ لَصَاحِبِهِ} الْمُؤمن يهوذا {وَهُوَ يُحَاوِرُهُ} يفاخر بِالْمَالِ {أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً} أَكثر خدما

35

{وَدَخَلَ جَنَّتَهُ} بستانه {وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ} بالْكفْر {قَالَ مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ} أَن تهْلك {هَذِه أبدا}

36

{وَمَآ أَظُنُّ السَّاعَة قَائِمَةً} كائنة {وَلَئِن رُّدِدتُّ} رجعت {إِلَى رَبِّي} كَمَا تَقول {لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا} من هَذِه الْجنَّة {مُنْقَلَباً} مرجعاً

37

{قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ} الْمُؤمن {وَهُوَ يُحَاوِرُهُ} يُرَاجِعهُ عَن كفره {أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ} من آدم وآدَم من تُرَاب {ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ} من نُطْفَة أَبِيك {ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً} معتدل الْقَامَة

38

{لَّكِنَّا} لَكِن أَنا أَقُول {هُوَ الله رَبِّي} خالقي ورازقي {وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً} من الْأَوْثَان

39

{وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ} فَهَلا دخلت {جَنَّتَكَ} بستانك {قُلْتَ مَا شَآءَ الله} هَذَا من الله لَيْسَ مني {لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّه} هَذَا بِقُوَّة الله لَا بقوتي {إِن تَرَنِ أَنَاْ أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً} وخدماً فِي الدُّنْيَا

40

{فَعَسَى رَبِّي} وَعَسَى من الله وَاجِب {أَن يُؤْتِيَنِ} أَن يعطيني فِي الْآخِرَة {خَيْراً مِّن جَنَّتِكَ} من بستانك فِي الدُّنْيَا {وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا} على جنتك {حُسْبَاناً} نَارا {مِّنَ السمآء فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً} تصير تُرَابا أملس

41

{أَوْ يُصْبِحَ} أَو يصير {مَآؤُهَا غَوْراً} غائراً لَا تناله الدلاء {فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً} حِيلَة

42

{وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ} أهلكت ثَمَرَته إِن قَرَأت بِالنّصب وَيُقَال أهلك مَاله إِن قَرَأت بِالضَّمِّ {فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ} يضْرب يَدَيْهِ بَعْضهَا على بعض ندامة {عَلَى مَآ أَنْفَقَ فِيهَا} فِي الْجنَّة وَيُقَال على مَا كَانَ فيهمَا من غلتهما {وَهِيَ خَاوِيَةٌ} سَاقِطَة {على عُرُوشِهَا} على سقوفها {وَيَقُول} يَوْم الْقِيَامَة {يَا لَيْتَني لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً} من الْأَوْثَان

43

{وَلم تكن لَهُ فِئَة} مِنْهُ {يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ الله} من عَذَاب الله {وَمَا كَانَ مُنْتَصِراً} مُمْتَنعا بِنَفسِهِ من عَذَاب الله

44

{هُنَالِكَ الْولَايَة لِلَّهِ}

أَي يَوْم الْقِيَامَة الْملك وَالسُّلْطَان لله {الْحق} الْعدْل {هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً} خير من أثاب {وَخَيْرٌ عُقْباً} من أعقب

45

{وَاضْرِبْ لَهُم} بَين لأهل مَكَّة {مَّثَلَ الْحَيَاة الدُّنْيَا} فِي بَقَائِهَا وفنائها {كَمَآءٍ} كمطر {أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فاختلط بِهِ نَبَاتُ الأَرْض} فاختلط المَاء بنبات الأَرْض {فَأَصْبَحَ هَشِيماً} فَصَارَ يَابسا {تَذْرُوهُ الرِّيَاح} ذرته الرّيح وَلم يبْق مِنْهُ شَيْء كَذَلِك الدُّنْيَا تذْهب وَلَا يبْقى مِنْهَا شَيْء كَمَا لَا يبْقى من الهشيم شَيْء {وَكَانَ الله على كُلِّ شَيْءٍ} من فنَاء الدُّنْيَا وَبَقَاء الْآخِرَة {مُّقْتَدِراً} قَادِرًا

46

ثمَّ ذكر مَا فِيهَا من الزهرة فَقَالَ {المَال والبنون زِينَةُ الْحَيَاة الدُّنْيَا} زهرَة الْحَيَاة الدُّنْيَا لَا تبقى كَمَا لَا يبْقى الهشيم {والباقيات الصَّالِحَات} الصَّلَوَات الْخمس وَيُقَال الْبَاقِيَات مَا يبْقى ثَوَابه والصالحات سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر {خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً} جَزَاء {وَخَيْرٌ أَمَلاً} خير مَا يَرْجُو بِهِ الْعباد من أَعْمَالهم الصَّلَاة

47

{وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجبَال} عَن وَجه الأَرْض {وَتَرَى الأَرْض بَارِزَةً} خَارِجَة من تَحت الْجبَال وَيُقَال ظَاهِرَة {وَحَشَرْنَاهُمْ} للبعث {فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً} فَلَا نَتْرُك مِنْهُم أحدا

48

{وَعُرِضُواْ على رَبِّكَ} سبقوا إِلَى رَبك {صَفَّاً} جَمِيعًا فَيَقُول الله لَهُم {لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} بِلَا مَال وَلَا ولد {بَلْ زَعَمْتُمْ} قُلْتُمْ فِي الدُّنْيَا {أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُمْ مَّوْعِداً} أَََجَلًا للبعث

49

{وَوُضِعَ الْكتاب} فِي الْأَيْمَان وَالشَّمَائِل وتطايرت الْكتب إِلَى أَيدي الْخلق مثل الثَّلج {فَتَرَى الْمُجْرمين} الْمُشْركين وَالْمُنَافِقِينَ {مُشْفِقِينَ} خَائِفين {مِمَّا فِيهِ} فِي الْكتاب {وَيَقُولُونَ يَا ويلتنا مَا لهَذَا الْكتاب لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً} من أَعمالنَا {وَلاَ كَبِيرَة} وَيُقَال الصَّغِير التبسم والكبيرة القهقهة {إِلاَّ أَحْصَاهَا} حفظهَا وكتبها {وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ} من خير وَشر {حَاضِراً} مَكْتُوبًا {وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} لَا ينقص من حَسَنَات أحد وَلَا يُزَاد على سيئات أحد وَيُقَال لَا ينقص من حَسَنَة مُؤمن وَلَا يتْرك من سَيِّئَة كَافِر

50

{وَإِذ قُلْنَا للْمَلَائكَة} الَّذين كَانُوا فِي الأَرْض {اسجدوا لآدَم} سَجْدَة التَّحِيَّة {فسجدوا إِلَّا إِبْلِيس} رئيسهم {كَانَ مِنَ الْجِنّ} من قَبيلَة الْجِنّ {فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} فتعظم وتمرد عَن طَاعَة ربه وأبى عَن السُّجُود لآدَم {أَفَتَتَّخِذُونَهُ} تعبدونه {وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَآءَ} أَرْبَابًا {مِن دُونِي} من دون الله {وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ} ظَاهر الْعَدَاوَة {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ} الْمُشْركين مني {بَدَلاً} فِي الطَّاعَة وَيُقَال بئس مَا استبدلوا عبَادَة الله بِعبَادة الشَّيْطَان وَيُقَال ولَايَة الله بِولَايَة الشَّيْطَان

51

{مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ} يَعْنِي الْمَلَائِكَة وَالشَّيَاطِين {خَلْقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض} حِين خلقهما {وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ} حِين خلقتهمْ وَيُقَال مَا استعنت من الْمَلَائِكَة وَالشَّيَاطِين فِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَلَا فِي خلق أنفسهم {وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ المضلين} الْكَافرين الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَعَبدَة الْأَوْثَان {عضدا} عونا

52

{وَيَوْمَ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {يَقُولُ} لعبدة الْأَوْثَان {نَادُواْ شُرَكَآئِيَ الَّذين} يَعْنِي آلِهَتكُم {زَعَمْتُمْ} عَبدْتُمْ وقلتم إِنَّهُم شركائي حَتَّى يمنعوكم من عَذَابي {فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ} فَلم يجيبوا لَهُم {وَجَعَلنَا بَينهم} بَين العابد والمعبود {مَّوْبِقاً} وَاديا فِي النَّار وَجَعَلنَا مَا بَينهم من الْوَصْل والود فِي الدُّنْيَا موبقاً مهْلكا فِي الْآخِرَة

53

{وَرَأَى المجرمون} الْمُشْركُونَ {النَّار فظنوا} فَعَلمُوا وأيقنوا {أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا} دَاخِلُوهَا يَعْنِي النَّار {وَلَمْ يَجِدُواْ عَنْهَا مَصْرِفاً} مهرباً

54

{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا} بيّنا {فِي هَذَا الْقُرْآن لِلنَّاسِ} لأهل مَكَّة {مِن كُلِّ مَثَلٍ} من كل وَجه من الْوَعْد والوعيد لكَي يتعظوا فيؤمنوا {وَكَانَ الْإِنْسَان} أبي بن خلف الجُمَحِي {أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} فِي الْبَاطِل وَيُقَال لَيْسَ شَيْء أجدل من الْإِنْسَان

55

{وَمَا مَنَعَ النَّاس} أهل مَكَّة المطعمين يَوْم بدر {أَن يُؤمنُوا} بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن {إِذْ جَاءَهُم الْهدى} مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِالْقُرْآنِ {وَيَسْتَغْفِرُواْ رَبَّهُمْ} يتوبوا من الْكفْر إِلَى الْإِيمَان {إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلين} عَذَاب الْأَوَّلين بهلاكهم {أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَاب} بِالسَّيْفِ {قُبُلاً} مُعَاينَة يَوْم بدر

56

{وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسلين إِلاَّ مُبَشِّرِينَ} بِالْجنَّةِ للْمُؤْمِنين {وَمُنذِرِينَ} عَن النَّار للْكَافِرِينَ {وَيُجَادِلُ} يُخَاصم {الَّذين كَفَرُواْ} بالكتب وَالرسل {بِالْبَاطِلِ} بالشرك {لِيُدْحِضُواْ} ليبطلوا {بِهِ} بِالْبَاطِلِ {الْحق} وَالْهدى {وَاتَّخذُوا آيَاتِي} كتابي ورسلي {وَمَا أُنْذِرُواْ} خوفوا من الْعَذَاب {هُزُواً} سخرية واستهزاء

57

{وَمَنْ أَظْلَمُ} لَيْسَ أحد أظلم {مِمَّن ذُكِّرَ} وعظ {بِآيِاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا} فصرف عَنْهَا جاحداً بهَا {وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} ترك ذكر مَا عملت يَدَاهُ من الذُّنُوب {إِنَّا جَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً} أغطية {أَن يَفْقَهُوهُ} لكَي لَا يفقهوا الْحق وَالْهدى {وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً} صمماً لكَي لَا يسمعوا الْحق وَالْهدى {وَإِن تَدْعُهُمْ} يَا مُحَمَّد {إِلَى الْهدى} إِلَى التَّوْحِيد {فَلَنْ يهتدوا} فَلَنْ يُؤمنُوا {إِذاً أَبَداً}

58

{وَرَبُّكَ الغفور} المتجاوز {ذُو الرَّحْمَة} بِتَأْخِير الْعَذَاب {لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُواْ} بشركهم {لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَاب} فِي الدُّنْيَا {بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ} أجل لهلاكهم {لَّن يَجِدُواْ مِن دُونِهِ} من عَذَاب الله {مَوْئِلاٍ} ملْجأ

59

{وَتِلْكَ الْقرى} أهل الْقرى الْمَاضِيَة {أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ} حِين كفرُوا {وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم} لهلاكهم {مَّوْعِداً} أَََجَلًا

60

ثمَّ ذكر قصَّة مُوسَى مَعَ الْخضر وَكَانَ مُوسَى وَقع فِي قلبه أَن لَيْسَ فِي الأَرْض أحد أعلم مني فَقَالَ الله يَا مُوسَى إِن لي فِي الأَرْض عبدا أعبد لي مِنْك وَأعلم وَهُوَ الْخضر فَقَالَ مُوسَى يَا رب دلَّنِي عَلَيْهِ فَقَالَ الله لَهُ خُذ سمكًا مالحا وامض على شاطى الْبَحْر حَتَّى تلقى صَخْرَة عِنْدهَا عين الْحَيَاة فانضح على السَّمَكَة مِنْهَا حَتَّى تحيا السَّمَكَة فثم تلقى الْخضر فَقَالَ الله {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ} لشاجرده يُوشَع بن نون وَكَانَ من أَشْرَاف بني إِسْرَائِيل وَإِنَّمَا سمي فتاه لِأَنَّهُ كَانَ يتبعهُ ويخدمه {لَا أَبْرَح} لاأزال أمضي {حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرين} العذب والمالح بَحر فَارس وَالروم {أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً} سِنِين وَيُقَال دهرا

61

{فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا} بَين الْبَحْرين {نَسِيَا حُوتَهُمَا} خبر حوتهما {فَاتخذ سَبِيلَهُ} طَرِيقه {فِي الْبَحْر سَرَباً} يَابسا

62

{فَلَمَّا جَاوَزَا} من الصَّخْرَة {قَالَ لِفَتَاهُ} لشاجرده {آتِنَا غَدَآءَنَا} أعطنا غداءنا {لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً}

تعبا ومشقة

63

{قَالَ} يُوشَع {أَرَأَيْتَ} يَا مُوسَى {إِذْ أَوَيْنَآ} انتهينا {إِلَى الصَّخْرَة فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوت} خبر الْحُوت {وَمَآ أَنْسَانِيهُ} وَمَا شغلنيه {إِلاَّ الشَّيْطَان أَنْ أَذْكُرَهُ} لَك {وَاتخذ سَبِيلَهُ} طَرِيقه {فِي الْبَحْر عَجَباً} يَابسا

64

{قَالَ} مُوسَى {ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ} نطلب دلَالَة لنا من الله على الْخضر {فارتدا} رجعا {على آثَارِهِمَا} خلفهمَا {قَصَصاً} يقصان أثرهما

65

{فَوَجَدَا} هُنَاكَ عِنْد الصَّخْرَة {عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَآ} يَعْنِي خضرًا {آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا} يَقُول أكرمناه بِالنُّبُوَّةِ {وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً} علم الكوائن

66

{قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ} أصحبك يَا خضر {على أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً} صَوَابا وَهدى

67

{قَالَ} يَا مُوسَى {إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} أَن ترى مني شَيْئا لَا تصبر عَلَيْهِ

68

قَالَ مُوسَى أَصْبِر قَالَ خضر {وَكَيْفَ تَصْبِرُ} يَا مُوسَى {على مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ} على مَا لم تعلم بِهِ {خُبْراً} بَيَانا

69

{قَالَ ستجدني} يَا خضر {إِن شَآءَ الله صَابِراً} على مَا أرى مِنْك {وَلاَ أَعْصِي لَكَ أمْراً} لَا أترك أَمرك

70

{قَالَ} خضر {فَإِنِ اتبعتني} صحبتني يَا مُوسَى {فَلاَ تَسْأَلْني عَن شَيءٍ} فعلته {حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ} حَتَّى أبين لَك {مِنْهُ ذِكْراً} بَيَانا

71

{فَانْطَلقَا} فمضيا مُوسَى وخضر عَلَيْهِمَا السَّلَام {حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَة} عِنْد العبر {خَرَقَهَا} ثقبها الْخضر {قَالَ} لَهُ مُوسَى {أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ} يَعْنِي لكَي يغرق {أَهْلَهَا} إِن قَرَأت بِنصب الْيَاء وَيُقَال لتغرق لتهلك إِن قَرَأت بِضَم التَّاء {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً} لقد فعلت شَيْئا مُنْكرا شَدِيدا على الْقَوْم

72

{قَالَ} لَهُ الْخضر {أَلَمْ أَقُلْ} يَا مُوسَى {إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً}

73

{قَالَ} مُوسَى {لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ} تركت من وصيتك {وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً} يَعْنِي لَا تكلفني من أَمْرِي شدَّة

74

{فَانْطَلقَا} فمضيا {حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاَماً} بَين قريتين {فَقَتَلَهُ} الْخضر {قَالَ} مُوسَى (أَقَتَلْتَ) يَا خضر {نَفْساً زَكِيَّةً} بَريَّة {بِغَيْرِ نَفْسٍ} بِغَيْر قتل نفس {لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً} فعلت فعلا مُنْكرا عَظِيما

75

{قَالَ} الْخضر {أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ} يَا مُوسَى {إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} إِنَّك ترى مني شَيْئا لَا تصبر على ذَلِك

76

{قَالَ} مُوسَى {إِن سَأَلْتُكَ} يَا خضر {عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا} بعد قتل هَذِه النَّفس {فَلاَ تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً} قد أعذرت مني بترك الصُّحْبَة

77

{فَانْطَلقَا} فمضيا {حَتَّى إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ} يُقَال لَهَا أنطاكية {استطعمآ أَهْلَهَا} طلبا من أَهلهَا الْخبز

{فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا} يعطوهما الطَّعَام {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً} حَائِطا مائلاً {يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ} أَن يسْقط {فَأَقَامَهُ} فسواه الْخضر {قَالَ} مُوسَى {لَوْ شِئْتَ} يَا خضر {لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً} جعلا خبْزًا نأكله

78

{قَالَ} الْخضر {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} يَا مُوسَى {سَأُنَبِّئُكَ} أخْبرك {بِتَأْوِيلِ} بتفسير {مَا لَمْ تستطع عَلَيْهِ صبرا} مالم تصبر عَلَيْهِ

79

{أَمَّا السَّفِينَة} الَّتِي ثقبتها {فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْر} فيعبرون بِالنَّاسِ {فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا} أشينها {وَكَانَ وَرَآءَهُم} قدامهم {مَّلِكٌ} يُقَال لَهُ جلندى {يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً} فَلذَلِك ثقبتها

80

{وَأَمَّا الْغُلَام} الَّذِي قتلته {فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ} من عُظَمَاء تِلْكَ الْقرْيَة {فَخَشِينَآ أَن يُرْهِقَهُمَا} فَعلم رَبك أَن يكلفهما {طُغْيَاناً وَكُفْراً} بطغيانه وكفره ومعصيته بِالْحلف الْكَاذِب فَقتلته

81

{فَأَرَدْنَآ أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا} ولدا {خَيْراً مِّنْهُ زَكَاةً} صَالحا {وَأَقْرَبَ رُحْماً} أوصل رحما فرزق الله لَهما جَارِيَة فَتزَوج بهَا نَبِي من الْأَنْبِيَاء فَولدت نَبيا من الْأَنْبِيَاء فهدى الله على يَدَيْهِ أمة من النَّاس وَكَانَ الْغُلَام رجلا كَافِرًا لصاً قتالاً فَمن ذَلِك قَتله الْخضر وَكَانَ اسْمه جيسور

82

{وَأَمَّا الْجِدَار} الَّذِي سويته {فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ} وَكَانَ اسمهما أَصْرَم وصريم {فِي الْمَدِينَة} فِي مَدِينَة أنطاكية {وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا} لوح من الذَّهَب فِيهِ علم وَحِكْمَة مَكْتُوب فِيهِ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم عجبت لمن يُوقن بِالْمَوْتِ كَيفَ يفرح وَعَجِبت لمن يُوقن بِالْقدرِ كَيفَ يحزن وَعَجِبت لمن يُوقن بِزَوَال الدُّنْيَا وَتَقَلُّبهَا بِأَهْلِهَا كَيفَ يطمئن إِلَيْهَا لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً} ذُو أَمَانَة يُقَال لَهُ كاشح {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا} أَن يحتلما {وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا} يَعْنِي اللَّوْح {رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ} نعْمَة لَهما من رَبك وَيُقَال وَحيا من رَبك فعلته {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} من قبل نَفسِي {ذَلِك تَأْوِيلُ} تَفْسِير {مَا لم تسطع عَلَيْهِ صبرا} مالم تصبر عَلَيْهِ

83

{وَيَسْأَلُونَكَ} يَا مُحَمَّد أهل مَكَّة {عَن ذِي القرنين} عَن خبر ذِي القرنين {قُلْ} يَا مُحَمَّد لَهُم {سأتلو عَلَيْكُم} سأقرأ عَلَيْكُم مِّنْهُ من خَبره {ذِكْراً} بَيَانا

84

{إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ} مكناه {فِي الأَرْض وَآتَيْنَاهُ} أعطيناه {مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً} معرفَة الطَّرِيق والمنازل

85

{فَأَتْبَعَ سَبَباً} فَأخذ طَرِيقا

86

{حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْس} حَيْثُ تغرب {وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} حارة وَيُقَال طِينَة سَوْدَاء مُنْتِنَة إِن قَرَأت بِغَيْر الْألف {وَوجد عِنْدهَا قوما} كفَّارًا {قُلْنَا يَا ذَا القرنين} ألهمناه {إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ} تقتل حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله {وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً} مَعْرُوفا تَعْفُو عَنْهُم وتتركهم

87

{قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ} كفر بِاللَّه {فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ} فِي الدُّنْيَا بِالْقَتْلِ {ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ} فِي الْآخِرَة {فَيُعَذِّبُهُ} بالنَّار {عَذَاباً نُّكْراً} شَدِيدا

88

{وَأَمَّا مَنْ آمَنَ} بِاللَّه {وَعَمِلَ صَالِحاً} خَالِصا {فَلَهُ جَزَآءً الْحسنى} الْجنَّة فِي الْآخِرَة {وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً} مَعْرُوفا

89

{ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً} أَخذ طَرِيقا نَحْو الْمشرق

90

{حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْس وَجَدَهَا تَطْلُعُ على قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مِّن دُونِهَا} بَينهم وَبَين الشَّمْس {سِتْراً} جبلا وَلَا شَجرا وَلَا ثوبا قوم عماة عُرَاة عَن الْحق يُقَال لَهُم تارج وتاويل ومنسك

91

{كَذَلِك} كَمَا بلغ إِلَى الْمغرب بلغ إِلَى الْمشرق {وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً} قد علمنَا بِمَا كَانَ عِنْده من الْخَبَر وَالْبَيَان

92

{ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً} أَخذ طَرِيقا إِلَى الْمشرق نَحْو الرّوم

93

{حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ} بَين الجبلين {وَجَدَ مِن دُونِهِمَا} من دون الجبلين {قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً} قَول غَيرهم

94

{قَالُوا} للترجمان {يَا ذَا القرنين إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْض} يفسدون أَرْضنَا يَأْكُلُون رطبنا ويحملون يابسنا وَيقْتلُونَ أَوْلَادنَا وَيُقَال يفسدون فِي الأَرْض أَي يَأْكُلُون النَّاس ويأجوج كَانَ رجلا وَمَأْجُوج كَانَ رجلا وَكَانَا من بني يافث وَيُقَال سمي يَأْجُوج وَمَأْجُوج لكثرتهم {فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً} جعلا وَيُقَال أجرا إِن قَرَأت بِغَيْر الْألف {على أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً} حاجزاً

95

{قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ} مَا ملكني عَلَيْهِ {رَبِّي} وَأَعْطَانِي {خَيْرٌ} مِمَّا تعرضون عَليّ من الْجعل {فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ} قَالُوا أَي الْقُوَّة تُرِيدُ منا قَالَ آلَة الحدادين {أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ ردما} سدا

96

{آتُونِي} أعطوني {زُبَرَ الْحَدِيد} فلق الْحَدِيد {حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصدفين} طرفِي الْجَبَل {قَالَ} لَهُم {انفخوا} فنفخوا فِيهِ النَّار {حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً} يَقُول صَار الْحَدِيد كنار فَذهب بعضه فِي بعض {قَالَ آتوني} أعطوني {أُفْرِغْ عَلَيْهِ} أصب على الْحَائِط {قِطْراً} صفراً

97

{فَمَا اسطاعوا} فَلم يقدروا {أَن يَظْهَرُوهُ} من أَعْلَاهُ {وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً} من أَسْفَله

98

{قَالَ هَذَا} الْحَائِط {رَحْمَةٌ} نعْمَة {مِّن رَّبِّي} عَلَيْكُم {فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّي} بِخُرُوج يَأْجُوج وَمَأْجُوج {جعله دكا} كسراً {وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي} بخروجهم {حَقّاً} صدقا كَائِنا

99

{وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ} يَوْم الْخُرُوج وَيُقَال يَوْم الرُّجُوع من الرّوم حَيْثُ لم يقدروا على الْخُرُوج مِنْهُ {يَمُوجُ} يجول {فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّور فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً} جَمِيعًا

100

{وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ} كشفنا جَهَنَّم {يَوْمَئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {لِّلْكَافِرِينَ} قبل دُخُولهمْ {عَرْضاً} كشفاً

101

{الَّذين كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَآءٍ} فِي عمى {عَن ذِكْرِي} عَن توحيدي وكتابي {وَكَانُواْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً} الِاسْتِمَاع إِلَى قِرَاءَة الْقُرْآن من بغض مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

102

{أفحسب} أفيظن {الَّذين كفرُوا} بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن {أَن يَتَّخِذُواْ عِبَادِي} أَن يعبدوا عبَادي {مِن دوني أَوْلِيَآءَ} أَرْبَابًا بِأَن ينفعوهم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَيُقَال أفحسب أفيكفي إِن قَرَأت بِضَم الْبَاء وَجزم السِّين الَّذين كفرُوا أَن يتخذوا عبَادي أَن يعبدوا عبَادي من دوني من دون طَاعَتي أَوْلِيَاء أَرْبَابًا

{إِنَّآ أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً} منزلا

103

{قُلْ} يَا مُحَمَّد {هَلْ نُنَبِّئُكُم} نخبركم {بالأخسرين أَعْمَالاً} فى الْآخِرَة

104

{الَّذين ضَلَّ سَعْيُهُمْ} بَطل عَمَلهم {فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} وهم الْخَوَارِج وَيُقَال أَصْحَاب الصوامع {وَهُمْ يَحْسَبُونَ} يظنون {أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} يعْملُونَ عملا صَالحا

105

{أُولَئِكَ الَّذين كفرُوا بآيَات رَبهم} بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن {وَلِقَائِهِ} الْبَعْث بعد الْمَوْت {فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} حسناتهم {فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ} لأعمالهم {يَوْمَ الْقِيَامَة وَزْناً} ميزاناً وَيُقَال لَا يُوزن يَوْم الْقِيَامَة من أَعْمَالهم قدر ذرة

106

{ذَلِك جزاؤهم جَهَنَّم بِمَا كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَاتَّخذُوا آيَاتِي} كتابي {وَرُسُلِي} مُحَمَّدًا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَغَيره {هُزُواً} سخرية واستهزاء

107

{إِن الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الفردوس} أَعْلَاهَا دَرَجَة {نزلا} منزلا

108

{خَالِدِينَ فِيهَا} مقيمين فِيهَا {لاَ يَبْغُونَ} لَا يطْلبُونَ {عَنْهَا حِوَلاً} تحويلاً

109

{قُل} يَا مُحَمَّد للْيَهُود {لَّوْ كَانَ الْبَحْر مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي} لعلم رَبِّي {لَنَفِدَ الْبَحْر قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي} وَيُقَال تَدْبِير رَبِّي {وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً} زِيَادَة

110

{قُلْ} يَا مُحَمَّد {إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ} آدَمِيّ مثلكُمْ {يُوحى إِلَيَّ} جِبْرِيل {أَنَّمَآ إِلَهكُم إِلَه وَاحِدٌ} بِلَا ولد وَلَا شريك {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ رَبِّهِ} يخَاف الْبَعْث بعد الْمَوْت {فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً} خَالِصا فِيمَا بَينه وَبَين ربه {وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَاً} لَا يرائي وَلَا يخالط بِعبَادة ربه أحدا وَيُقَال بِطَاعَة ربه أحدا نزلت هَذِه الْآيَة فِي جُنْدُب بن زُهَيْر العامرى tit/2 وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا مَرْيَم وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها ثَمَان وَتسْعُونَ وكلماتها تِسْعمائَة وَاثْنَانِ وَسِتُّونَ وحروفها ثَلَاثَة آلَاف وثلثمائة وحرفان / tit بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

مريم

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {كهيعص} قَالَ هُوَ ثَنَاء أثنى بِهِ على نَفسه يَقُول كَاف هاد عَالم صَادِق وَيُقَال كَاف كَاف لخلقه هاهادى لخلقه يَا يدالله على خلقه وَعين عَالم بأمرهم صَاد صَادِق بوعده وَيُقَال الْكَاف من كريم وَالْهَاء من هاد وَالْيَاء من حَلِيم وَالْعين من عليم وَالصَّاد من صَادِق وَيُقَال من صَدُوق وَيُقَال هُوَ قسم أقسم بِهِ

2

{ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ} يَقُول هَذَا ذكر رَبك {عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ} رَحمته بِولد مقدم ومؤخر

3

{إِذْ نَادَى رَبَّهُ} دَعَا زَكَرِيَّا ربه فِي الْمِحْرَاب {نِدَاء خفِيا} أشره وأخفاه من قومه

4

{قَالَ رَبِّ} يَا رب {إِنَّي وَهَنَ الْعظم مِنِّي} ضعف بدني {واشتعل الرَّأْس شَيْباً} أَخذ الرَّأْس شُمْطًا {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّاً}

يَقُول لم أكن عنْدك بدعائي يَا رب خائبا

5

{وَإِنِّي خِفْتُ الموَالِي} يَعْنِي الْوَرَثَة {مِن وَرَآئِي} أَن لَا يكون من بعدِي وَارِث يَرث حبورتي ومكاني وَيُقَال قلت ورثتي إِن قَرَأت بِنصب الْخَاء وَكسر الْفَاء {وَكَانَتِ امْرَأَتي} صَارَت امْرَأَتي حنة أُخْت أم مَرْيَم بنت عمرَان بن ماثان {عَاقِراً} عقيماً من الْوَلَد {فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ} من عنْدك {وَلِيّاً} ولدا

6

{يَرِثُنِي} يَرث حبورتي ومكاني {وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} إِن كَانَ لَهُم حبورة وَملك وَكَانَ آل يَعْقُوب أخوال يحيى {واجعله رَبِّ رَضِيّاً} مرضيا صَالحا

7

فناداه جِبْرِيل فَقَالَ {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ} بِولد {اسْمه يحيى} يُسمى يحيى باحيائه رحم أمه {لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً} أَي لم نجْعَل لزكريا من قبل يحيى سمياً ولدا يُسمى يحيى وَيُقَال لم يكن قبل يحيى أحد يُسمى يحيى

8

{قَالَ} زَكَرِيَّا لجبريل {رَبِّ} يَا رب وسيدي {أَنى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ} من أَيْن يكون لي ولد {وَكَانَتِ امْرَأَتي} صَارَت امْرَأَتي {عَاقِراً} عقيماً من الْوَلَد {وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكبر عِتِيّاً} يبوساً وَيُقَال سني اثْنَان وَسَبْعُونَ سنة إِن قَرَأت بِكَسْر الْعين

9

{قَالَ} لَهُ جِبْرِيل {كَذَلِك} هَكَذَا كَمَا قلت لَك {قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ} أَي خلقه هُوَ عَليّ هَين {وَقَدْ خَلَقْتُكَ} وَقد جعلتك يَا زَكَرِيَّا {مِن قَبْلُ} من قبل يحيى {وَلَمْ تَكُ شَيْئاً}

10

{قَالَ رَبِّ} يَا رب {اجْعَل لي آيَةً} عَلامَة إِذا حبلت امْرَأَتي {قَالَ آيَتُكَ} علامتك {أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاس} لَا تقدر أَن تكلم النَّاس {ثَلاَثَ لَيَالٍ سَوِيّاً} صَحِيحا بِلَا خرس وَلَا مرض

11

{فَخَرَجَ على قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَاب} من الْمَسْجِد {فَأوحى إِلَيْهِمْ} فَأَشَارَ إِلَيْهِم وَيُقَال كتب لَهُم على الأَرْض {أَن سَبِّحُواْ بُكْرَةً وَعَشِيّاً} صلوا لَهُ غدْوَة وَعَشِيَّة

12

{يَا يحيى} قَالَ الله ليحيى بعد مَا بلغ وَأدْركَ {خُذِ الْكتاب} اعْمَلْ بِمَا فِي الْكتاب التَّوْرَاة {بِقُوَّةٍ} بجد ومواظبة النَّفس {وَآتَيْنَاهُ} أعطيناه يَعْنِي يحيى {الحكم} الْفَهم وَالْعلم {صَبِيّاً} فِي صغره

13

{وَحَنَاناً مِّن لَّدُنَّا} أعطيناه رَحْمَة من عندنَا لِأَبَوَيْهِ {وَزَكَاةً} صَدَقَة لَهما وَيُقَال صلاحا فِي دينه {وَكَانَ تَقِيّاً} مُطيعًا لرَبه

14

{وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ} لطيفاً بِوَالِديهِ {وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً} فِي دينه قتالاً فِي الْغَضَب {عَصِيّاً} عَاصِيا لرَبه

15

{وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ} سَلامَة ومغفرة وسعادة منا على يحيى {يَوْمَ وُلِدَ} حِين ولد {وَيَوْمَ يَمُوتُ} حِين يَمُوت {وَيَوْمَ يُبْعَثُ} حِين يبْعَث من الْقَبْر {حَيا}

16

{وَاذْكُر} يَا مُحَمَّد {فِي الْكتاب} فِي الْقُرْآن {مَرْيَمَ} خبر مَرْيَم {إِذِ انتبذت} انْفَرَدت وتنحت {من أَهلهَا مَكَانا شرقيا} مشرقة دَرَاهِم

17

{فاتخذت مِن دُونِهِم} فَأَرختْ من دون أَهلهَا {حِجَاباً} سترا لكَي تَغْتَسِل فِيهِ من الْحيض {فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَآ} بعد مَا فرغت {رُوحَنَا} رَسُولنَا جِبْرِيل {فَتَمَثَّلَ لَهَا} فتشبه لَهَا {بَشَراً سَوِيّاً} فِي صُورَة شَاب لم ينقص

18

{قَالَتْ} مَرْيَم {إِنِّي أَعُوذُ} أمتنع {بالرحمن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً} مُطيعًا للرحمن وَيُقَال التقي كَانَ اسْم رجل سوء فظنت أَنه هُوَ ذَلِك الرجل فَمن ذَلِك تعوذت مِنْهُ

19

{قَالَ} لَهَا جِبْرِيل {إنمآ أَنا رَسُول رَبك لأَهَبَ لَكِ} لكَي يهب الله لَك {غُلاَماً زَكِيّاً} ولدا صَالحا

20

{قَالَتْ} مَرْيَم لجبريل عَلَيْهِ السَّلَام {أَنى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ} من أَيْن يكون لي ولد

{وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ} لم يقربنِي زوج {وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً} فاجرة

21

{قَالَ} لَهَا جِبْرِيل {كَذَلِك} هَكَذَا كَمَا قلت لَك {قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ} خلقه عَليّ هَين بِلَا أَب {وَلِنَجْعَلَهُ} لكَي نجعله {آيَةً} عَلامَة وعبرة {لِّلْنَّاسِ} لبني إِسْرَائِيل ولدا بِلَا أَب {وَرَحْمَةً مِّنَّا} لمن آمن بِهِ {وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً} قَضَاء كَائِنا أَن يكون ولدا بِلَا أَب

22

{فَحَمَلَتْهُ} مَرْيَم وَكَانَ حمله تِسْعَة أشهر وَيُقَال يَوْم وَاحِد {فانتبذت} فانفردت {بِهِ} بولادتها إِيَّاه {مَكَاناً قَصِيّاً} بَعيدا من النَّاس

23

{فَأَجَآءَهَا الْمَخَاض} فألجأها الطلق {إِلَى جِذْعِ النَّخْلَة} إِلَى أصل نَخْلَة يابسة {قَالَت يَا لَيْتَني مِتُّ قَبْلَ هَذَا} الْوَلَد وَيُقَال قبل هَذَا الْيَوْم {وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً} شَيْئا متروكاً لم يذكر وَيُقَال حَيْضَة ملقاة وَيُقَال سقطة

24

{فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَآ} من تَحت أَسْفَلهَا يَعْنِي جِبْرِيل {أَلاَّ تَحْزَنِي} يَا مَرْيَم على ولادَة عِيسَى {قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً} نَبيا وَيُقَال فناداها من تحتهَا إِن قَرَأت بِنصب الْمِيم يَعْنِي عِيسَى أَن لَا تحزني قد جعل رَبك تَحْتك سرياً نَهرا صَغِيرا

25

{وهزى إِلَيْكِ} خذي إِلَيْك {بِجِذْعِ النَّخْلَة} بِأَصْل النَّخْلَة فحركيها {تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً} غضاً طريا

26

{فَكُلِي} من الرطب {واشربي} من النَّهر {وَقَرِّي عَيْناً} طيبي نفسا بِوِلَادَة عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبشر} من الْآدَمِيّين {أَحَداً} بعد هَذَا الْيَوْم {فَقولِي إِنِّي نَذَرْتُ للرحمن صَوْماً} صمتا {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْم إِنسِيّاً} آدَمِيًّا ثمَّ اسكتي بعد ذَلِك حَتَّى يتَكَلَّم بعذرك عِيسَى

27

{فَأَتَتْ بِهِ} بِعِيسَى {قَوْمَهَا} إِلَى قَومهَا {تَحْمِلُهُ} وَهُوَ ابْن أَرْبَعِينَ يَوْمًا {قَالُوا يَا مَرْيَم لقد جِئْت شَيْئا فريا} مُنْكرا عَظِيما

28

{يَا أُخْت هَارُون} يَا شَبيهَة هرون فى الْعِبَادَة وَكَانَ هرون رجلا صَالحا من أمثل النَّاس وَيُقَال كَانَ هرون رجل سوء فضربوها بِهِ وَيُقَال كَانَ هرون أخاها من أَبِيهَا {مَا كَانَ أَبُوكِ امْرأ سَوْءٍ} رجلا زَانيا {وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً} فاجرة

29

{فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ} إِلَى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام أَن كَلمُوهُ {قَالُواْ} لَهَا {كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي المهد} فِي الْحجر وَيُقَال فِي السرير {صَبِيّاً} صَغِيرا ابْن أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَتكلم عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام

30

{قَالَ إِنِّي عَبْدُ الله آتَانِيَ الْكتاب} عَلمنِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل فِي بطن أُمِّي {وَجَعَلَنِي نَبِيّاً} بعد الْخُرُوج من بطن أُمِّي

31

{وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً} معلما للخير {أَيْنَ مَا كُنتُ} حَيْثُمَا كنت وأقمت {وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ} بإتمام الصَّلَاة {وَالزَّكَاة} الصَّدَقَة {مَا دُمْتُ حَيّاً} مَا حييت

32

{وَبَرّاً بِوَالِدَتِي} لطيفاً بوالدتي {وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً} فِي ديني قتالاً فِي الْغَضَب {شَقِيّاً} عَاصِيا لربى

33

{وَالسَّلَام عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ} السَّلامَة عَليّ حِين ولدت من لُمزَة الشَّيْطَان {وَيَوْمَ أَمُوتُ} حِين أَمُوت من ضغطة الْقَبْر {وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً} حِين أبْعث من الْقَبْر حَيا

34

{ذَلِك عِيسَى ابْن مَرْيَمَ} خبر عِيسَى ابْن مَرْيَم {قَوْلَ الْحق} خبر الْحق {الَّذِي فِيهِ} فِي عِيسَى {يَمْتُرُونَ} يَشكونَ يَعْنِي النَّصَارَى وَقَالَ بَعضهم هُوَ الله وَقَالَ بَعضهم هُوَ ابْن الله وَقَالَ بَعضهم هُوَ شَرِيكه

35

{مَا كَانَ لِلَّهِ} مَا يَنْبَغِي لله {أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ} نزه نَفسه عَن الْوَلَد وَالشَّرِيك {إِذَا قضى أَمْراً}

إِذا أَرَادَ أَن يخلق ولدا بِلَا أَب {فَإِنَّمَا يَقُول لَهُ كن فَيكون} ولدا بِلَا أَب مثل عِيسَى فَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بالرسالة إِلَى قومه قَالَ إِنِّي عبد الله ومسيحه

36

{وَإِنَّ الله} هُوَ {رَبِّي} خالقي ورازقي {وَرَبُّكُمْ} خالقكم ورازقكم {فاعبدوه} وحدوه {هَذَا} التَّوْحِيد الَّذِي آمركُم بِهِ {صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} دين قَائِم يرضاه وَهُوَ الْإِسْلَام

37

{فَاخْتلف الْأَحْزَاب} الْكفَّار {مِن بَيْنِهِمْ} فِيمَا بَينهم فَقَالَ بَعضهم هُوَ الله وَقَالَ بَعضهم هُوَ ابْن الله وَقَالَ بَعضهم هُوَ شَرِيكه {فَوْيْلٌ} الويل وَاد فِي جَهَنَّم من قيح وَدم وَيُقَال جب فِي النَّار وَيُقَال فويل فشدة الْعَذَاب {لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ} تحزبوا فِي عِيسَى {مِن مَّشْهِدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ} من عَذَاب يَوْم الْقِيَامَة

38

{أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} مَا أسمعهم وَمَا أبصرهم {يَوْمَ يَأْتُونَنَا} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة أَن عِيسَى لم يكن الله وَلَا وَلَده وَلَا شَرِيكه {لَكِن الظَّالِمُونَ} الْمُشْركُونَ {الْيَوْم} فِي الدُّنْيَا {فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} فِي كفر بيّن بقَوْلهمْ إِن عِيسَى هُوَ الله أَو وَلَده أَو شَرِيكه

39

{وَأَنْذِرْهُمْ} يَا مُحَمَّد خوفهم {يَوْمَ الْحَسْرَة} الندامة {إِذْ قُضِيَ الْأَمر} فرغ من الْحساب وَأدْخل أهل الْجنَّة الْجنَّة وَأهل النَّار النَّار وَذبح الْمَوْت {وهم فِي غَفلَة} فى جهلة وسمى عَن ذَلِك {وهم لَا يُؤمنُونَ} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآله وَالْقُرْآن والبعث بعد الْمَوْت

40

{إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْض} نملك الأَرْض {وَمَنْ عَلَيْهَا} نملك من عَلَيْهَا وَيُقَال نميت من فِيهَا ونرث من عَلَيْهَا نميتهم ونحييهم {وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} يَوْم الْقِيَامَة فأجزيهم بأعمالهم الْحَسَنَة بِالْحَسَنَة والسيئة بِالسَّيِّئَةِ

41

{وَاذْكُر فِي الْكتاب إِبْرَاهِيمَ} خبر إِبْرَاهِيم {إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً} مُصدقا بإيمانه {نَّبِيّاً} مُرْسلا يخبر عَن الله

42

{إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ} آزر {يَا أَبَت لِمَ تَعْبُدُ} من دون الله {مَا لاَ يَسْمَعُ} إِن دَعوته {وَلاَ يَبْصِرُ} إِن عبدته {وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً} من عَذَاب الله

43

{يَا أَبَت إِنِّي قَدْ جَآءَنِي} من الله {مِنَ الْعلم} الْبَيَان {مَا لم يأتك} مالم يجىء إِلَيْك أَن من عبد غير الله يعذبه الله تَعَالَى بالنَّار {فاتبعني} فِي دين الله {أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً} أدلك إِلَى طَرِيق عدل قَائِم يرضاه وَهُوَ الْإِسْلَام

44

{يَا أَبَت لاَ تَعْبُدِ الشَّيْطَان} لَا تُطِع الشَّيْطَان فِي عبَادَة الْأَصْنَام {إِنَّ الشَّيْطَان كَانَ للرحمن عَصِيّاً} كَافِرًا

45

{يَا أَبَت إِنِّي أَخَافُ} أعلم {أَن يَمَسَّكَ} يصيبك {عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن} إِن لم تؤمن بِهِ {فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً} قريناً فِي النَّار

46

{قَالَ} آزر {أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي} عَن عبَادَة آلهتى {يَا إِبْرَاهِيم لَئِن لَّمْ تَنتَهِ} عَن مَقَالَتك {لأَرْجُمَنَّكَ} لأسبنك وَيُقَال لأَقْتُلَنك {واهجرني مَلِيّاً} واعتزلني مَا دمت حَيا وَيُقَال اتركني وَلَا تكلمني طَويلا وَيُقَال دهرا

47

{قَالَ} إِبْرَاهِيم {سَلاَمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي} أَدْعُو لَك رَبِّي {إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً} عَالما إِن أَرَادَ أَن يستجيب دَعْوَتِي

48

{وَأَعْتَزِلُكُمْ} أترككم {وَمَا تَدْعُونَ} تَعْبدُونَ {مِن دُونِ الله} من الْأَوْثَان {وَأَدْعُو رَبِّي} أعبد رَبِّي {عَسى} وَعَسَى من الله وَاجِب {أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَآءِ رَبِّي} بِعبَادة رَبِّي {شَقِيّاً} خائباً

49

{فَلَمَّا اعتزلهم} تَركهم {وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} من الْأَوْثَان {وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ}

الضاحك {وَيَعْقُوبَ} ولد الْوَلَد {وَكُلاًّ} إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب {جَعَلْنَا نَبِيّاً} أكرمناهم بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام

50

{وَوَهَبْنَا لَهْمْ مِّن رَّحْمَتِنَا} من نعمتنا ولدا صَالحا ومالاً حَلَالا {وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً} أكرمناهم بالثناء الْحسن

51

{وَاذْكُر فِي الْكتاب مُوسَى} خبر مُوسَى {إِنَّهُ كَانَ مُخْلِصاً} مَعْصُوما من الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش وَيُقَال مخلصاً بِالْعبَادَة والتوحيد إِن قَرَأت بِكَسْر اللَّام {وَكَانَ رَسُولاً} إِلَى بني إِسْرَائِيل {نَّبِيّاً} يخبر عَن الله تَعَالَى

52

{وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطّور} الْجَبَل {الْأَيْمن} عَن يَمِين مُوسَى {وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً} أَي قربناه حَتَّى سمع صرير الْقَلَم وَيُقَال كلمناه من قريب

53

{وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَآ} من نعمتنا {أَخَاهُ هَارُون نَبيا} وزيرا معينا

54

{وَاذْكُر فِي الْكتاب إِسْمَاعِيل} خبر إِسْمَعِيل {إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْد} إِذا وعد أنْجز {وَكَانَ رَسُولاً} مُرْسلا إِلَى قومه {نَّبِيّاً} يخبر عَن الله

55

{وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ} قومه {بِالصَّلَاةِ} بإتمام الصَّلَاة {وَالزَّكَاة} بِإِعْطَاء الزَّكَاة الصَّدَقَة {وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مرضيا} صَالحا

56

{وَاذْكُر فِي الْكتاب إِدْرِيسَ} خبر إِدْرِيس {إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً} مُصدقا بإيمانه {نَّبِيَّاً} يخبر عَن الله

57

{وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً} فِي الْجنَّة

58

{أُولَئِكَ الَّذين} ذكرتهم إِبْرَاهِيم وإسمعيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب ومُوسَى وَهَارُون وَعِيسَى وَإِدْرِيس وَسَائِر الْأَنْبِيَاء {أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيين} أكْرمهم الله بِالنُّبُوَّةِ والرسالة وَالْإِسْلَام {من ذُرِّيَّة آدم وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ} من ذُرِّيَّة نوح أَوْلَاده {وَمن ذُرِّيَّة إِبْرَاهِيم} إِسْمَعِيل وَإِسْحَاق {وَإِسْرَائِيلَ} وَمن ذُرِّيَّة يَعْقُوب يُوسُف وَإِخْوَته {وَمِمَّنْ هَدَيْنَا} أكرمنا بِالْإِيمَان {واجتبينآ} اصْطَفَيْنَا بِالْإِسْلَامِ ومتابعة النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَعْنِي عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه {إِذَا تتلى عَلَيْهِمْ} إِذا تقْرَأ عَلَيْهِم {آيَاتُ الرَّحْمَن} بِالْأَمر وَالنَّهْي {خَرُّواْ سُجَّداً وَبُكِيّاً} يَسْجُدُونَ ويبكون من مَخَافَة الله

59

{فَخَلَفَ} فَبَقيَ {مِن بَعْدِهِمْ} من بعد الْأَنْبِيَاء وَالصَّالِحِينَ {خَلْفٌ} سوء {أَضَاعُواْ الصَّلَاة} تركُوا الصَّلَاة وَكَفرُوا بِاللَّه {وَاتبعُوا الشَّهَوَات} اشتغلوا باللذات فِي الدُّنْيَا وَتزَوج الْأَخَوَات من الْأَب وهم الْيَهُود {فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيّاً} وَاديا فِي جَهَنَّم

60

{إِلاَّ مَن تَابَ} من الْيَهُود {وَآمَنَ} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلَ صَالِحاً} خَالِصا فِيمَا بَينه وَبَين ربه {فَأُولَئِك يَدْخُلُونَ الْجنَّة وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً} لَا ينقص من حسناتهم وَلَا يُزَاد على سيئاتهم

61

ثمَّ بَين أَي الْجنَّة لَهُم فَقَالَ {جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَن عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ} بالغائب عَنْهُم {إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً} كَائِنا

62

{لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا} فِي الْجنَّة {لَغْواً} حلفا بَاطِلا {إِلَّا سَلاما} لَكِن يسلم بَعضهم على بعض للإكرام {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا} طعامهم فِي الْجنَّة {بُكْرَةً وَعَشِيّاً} على مِقْدَار بكرَة وَعَشِيَّة فِي الدُّنْيَا

63

{تِلْكَ الْجنَّة} هَذِه الْجنَّة {الَّتِي نُورِثُ}

ننزل {مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً} من الْكفْر والشرك وَيُقَال مُطيعًا لرَبه

64

{وَمَا نَتَنَزَّلُ} من السَّمَاء {إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ} يَا مُحَمَّد فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل ذَلِك حِين حبس الله عَنهُ الْوَحْي فِيمَا سَأَلته قُرَيْش عَن الرّوح وَذي القرنين وَأَصْحَاب الْكَهْف {لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا} من أَمر الْآخِرَة {وَمَا خَلْفَنَا} من أَمر الدُّنْيَا {وَمَا بَيْنَ ذَلِك} مَا بَين النفختين {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً} لم ينْسك رَبك مُنْذُ أُوحِي إِلَيْك

65

{رب} خَالق {السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا} من الْخلق والعجائب هُوَ الله {فاعبده} فأطعه {واصطبر لِعِبَادَتِهِ} اصبر على عِبَادَته {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} أحدا يُسمى الله

66

{وَيَقُولُ الْإِنْسَان} أبي بن خلف الجُمَحِي بانكار الْبَعْث {أئذا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً} من الْقَبْر بعد الْمَوْت هَذَا مَالا يكون

67

{أَوَلاَ يَذْكُرُ الإِنْسَانُ} أَو لَا يتعظ أبي بن خلف الجُمَحِي {أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ} من قبل هَذَا من نُطْفَة مُنْتِنَة {وَلَمْ يَكُ شَيْئاً} فَإِنِّي قَادر على أَن أحييه

68

{فَوَرَبِّكَ} أقسم بِنَفسِهِ {لَنَحْشُرَنَّهُمْ} يَوْم الْقِيَامَة يَعْنِي أَبَيَا وَأَصْحَابه {وَالشَّيَاطِين ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ} لنجمعنهم {حَوْلَ جَهَنَّمَ} وسط جَهَنَّم {جِثِيّاً} جَمِيعًا

69

{ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ} لَنخْرجَنَّ {مِن كُلِّ شِيعَةٍ} من كل أهل دين {أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَن عِتِيّاً} جرْأَة بِالْقُرْآنِ

70

{ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بالذين هُمْ أولى بِهَا} أَحَق بهَا {صِلِيّاً} دُخُولا

71

{وَإِن مِّنكُمْ} وَمَا مِنْكُم من أحد {إِلاَّ وَارِدُهَا} داخلها يَعْنِي النَّار غير النَّبِيين وَالْمُرْسلِينَ {كَانَ على رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً} قَضَاء كَائِنا وَاجِبا أَن يكون

72

{ثُمَّ نُنَجِّي الَّذين اتَّقوا} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش {وَّنَذَرُ} نَتْرُك {الظَّالِمين} الْمُشْركين {فِيهَا} فِي جَهَنَّم {جِثِيّاً} جَمِيعًا دَائِما

73

{وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ} تقْرَأ عَلَيْهِم على النَّضر وَأَصْحَابه {آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ} بِالْأَمر وَالنَّهْي {قَالَ الَّذين كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن والبعث يَعْنِي النَّضر وَأَصْحَابه {لِلَّذِينَ آمنُوا} بِمُحَمد وَالْقُرْآن يَعْنِي أَبَا بكر وَأَصْحَابه {أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ} أهل دينين منا ومنكم {خَيْرٌ مَّقَاماً} منزلا {وَأَحْسَنُ نَدِيّاً} مَجْلِسا

74

{وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ} قبل قُرَيْش {مِّن قَرْنٍ} من أُمَم خَالِيَة {هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً} أَكثر أَمْوَالًا وأولادا {ورئيا} أحسن منْظرًا

75

{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {مَن كَانَ فِي الضَّلَالَة} فِي الْكفْر والشرك {فَلْيَمْدُدْ} فليزدد {لَهُ الرَّحْمَن مَدّاً} زِيَادَة فِي المَال وَالْولد فانظرهم يَا مُحَمَّد {حَتَّى إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ} من الْعَذَاب {إِمَّا الْعَذَاب} يَوْم بدر بِالسَّيْفِ {وَإِمَّا السَّاعَة} وَإِمَّا عَذَاب يَوْم الْقِيَامَة بالنَّار {فَسَيَعْلَمُونَ} وَهَذَا وَعِيد لَهُم {مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَاناً} منزلا فِي الْآخِرَة وضيقاً فِي الدُّنْيَا {وَأَضْعَفُ جُنداً} أَهْون ناضراً

76

{وَيَزِيدُ الله الَّذين اهتدوا} بِالْإِيمَان {هُدًى} بالشرائع وَيُقَال وَيزِيد الله الَّذين اهتدوا بالناسخ هدى بالمنسوخ {والباقيات الصَّالِحَات} والصلوات الْخمس {خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً} خير مَا يثيب الله بِهِ الْعباد الصَّلَوَات

{وَخَيْرٌ مَّرَدّاً} أفضل مرجعاً فِي الْآخِرَة

77

{أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كفر بِآيَاتِنَا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن يَعْنِي الْعَاصِ بن وَائِل السَّهْمِي {وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً} لَئِن كَانَ مَا يَقُول مُحَمَّد فِي الْآخِرَة حَقًا لَأُعْطيَن مَالا وَولدا فى الْآخِرَة

78

فَرد الله عَلَيْهِ وَقَالَ {أَطَّلَعَ الْغَيْب} أنظر فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ أَن لَهُ مَا يَقُول {أَمِ اتخذ} اعْتقد {عِندَ الرَّحْمَن عَهْداً} بِلَا إِلَه إِلَّا الله فَيكون لَهُ مَا يَقُول

79

{كَلاَّ} رد عَلَيْهِ لَا يكون لَهُ مَا يَقُول {سَنَكْتُبُ} سنحفظ {مَا يَقُولُ} من الْكَذِب {ونمد لَهُ} نزيل لَهُ {مِنَ الْعَذَاب مَدّاً} زِيَادَة

80

{وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ} فِي الْجنَّة ونعطي غَيره من الْمُؤمنِينَ {وَيَأْتِينَا} يَوْم الْقِيَامَة {فَرْداً} وحيداً خَالِيا من المَال وَالْولد وَالْخَيْر نزلت هَذِه الْآيَة فِي خباب بن الْأَرَت وَصَاحبه فِي خُصُومَة كَانَت بَينهمَا

81

{وَاتَّخذُوا} عبدُوا أهل مَكَّة {مِن دُونِ الله آلِهَةً} يَعْنِي الْأَصْنَام {لِّيَكُونُواْ لَهُمْ} يَعْنِي الْأَصْنَام {عِزّاً} مَنْفَعَة من عَذَاب الله

82

{كَلاَّ} رد عَلَيْهِم لَا يكون لَهُم مَنْفَعَة من عَذَاب الله {سيكفرون بعبادتهم} سيتبرءون يَعْنِي الْأَصْنَام من عبَادَة الْكفَّار {وَيَكُونُونَ} يَعْنِي الْأَصْنَام {عَلَيْهِمْ} على الْكفَّار {ضِدّاً} عوناً بِالْعَذَابِ

83

{أَلَمْ تَرَ} ألم تخبر يَا مُحَمَّد {أَنَّآ أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِين} سلطنا الشَّيَاطِين {عَلَى الْكَافرين تَؤُزُّهُمْ أَزّاً} تزعجهم إِلَى مَعْصِيّة الله إزعاجاً وتغريهم إغراء

84

{فَلاَ تَعْجَلْ} فَلَا تستعجل {عَلَيْهِمْ} بِالْعَذَابِ {إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً} يَعْنِي النَّفس بعد النَّفس

85

{يَوْمَ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش {إِلَى الرَّحْمَن} إِلَى جنَّة الرَّحْمَن {وَفْداً} ركباناً على النوق

86

{وَنَسُوقُ الْمُجْرمين} الْمُشْركين {إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً} عطاشاً

87

{لاَّ يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَة} لَا تشفع الْمَلَائِكَة لأحد {إِلاَّ مَنِ اتخذ} من اعْتقد {عِندَ الرَّحْمَن عَهْداً} بِلَا إِلَه إِلَّا الله

88

{وَقَالُواْ} يَعْنِي الْيَهُود {اتخذ الرَّحْمَن وَلَداً} عُزَيْرًا ابْنا

89

{لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً} قُلْتُمْ قولا مُنْكرا عَظِيما

90

{تَكَادُ السَّمَاوَات يَتَفَطَّرْنَ} يتشققن {مِنْهُ} من قَوْلهم {وَتَنشَقُّ الأَرْض} تتصدع الأَرْض {وَتَخِرُّ الْجبَال} تسير الْجبَال {هَدّاً} كسراً

91

{أَن دَعَوْا} بِأَن دعوا {للرحمن وَلَداً} عُزَيْرًا ابْنا

92

{وَمَا يَنبَغِي للرحمن أَن يَتَّخِذَ وَلَداً} عُزَيْرًا ابْنا

93

{إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} يَقُول مَا من أحد فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض {إِلاَّ آتِي الرَّحْمَن عَبْداً} إِلَّا مقرا للرحمن بالعبودية مُطيعًا لَهُ غير الْكَافِر

94

{لقد أحصاهم} حفظهم {وعدهم عدا} عَالم بعددهم

95

{وَكُلُّهُمْ آتِيهِ} يَجِيء إِلَى الله {يَوْمَ الْقِيَامَة فَرْداً} وحيداً بِلَا مَال وَلَا ولد

96

{إِن الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَن وُدّاً} يُحِبهُمْ ويحببهم إِلَى الْمُؤمنِينَ

97

{فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ} هونا عَلَيْك قِرَاءَة الْقُرْآن {لِتُبَشِّرَ بِهِ} بِالْقُرْآنِ {الْمُتَّقِينَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش {وَتُنْذِرَ} تخوف {بِهِ} بِالْقُرْآنِ {قَوْماً لُّدّاً} جدلاً بِالْبَاطِلِ

98

{وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ} قبل قَوْمك يَا مُحَمَّد

{مِّن قَرْنٍ} من الْقُرُون الْمَاضِيَة {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِّنْ أَحَدٍ} هَل ترى مِنْهُم أحدا بعد الْهَلَاك {أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً} صَوتا بعد مَا هَلَكُوا ودرسوا وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا طه وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها مائَة وَاثْنَانِ وَثَلَاثُونَ وكلماتها ألف وثلثمائة وَوَاحِد وحروفها خَمْسَة آلَاف ومائتان وَاثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ حرفا بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

طه

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {طه مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآن لتشقى} لتتعب بِالْقُرْآنِ نزلت هَذِه الْآيَة والنبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ قبل ذَلِك يجْتَهد بِصَلَاة اللَّيْل حَتَّى تورمت قدماه فَخفف الله عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْآيَة فَقَالَ طه يَا رجل هَذِه بِلِسَان مَكَّة أَي يَا مُحَمَّد مَا أنزلنَا عَلَيْك الْقُرْآن جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ

3

{إِلاَّ تَذْكِرَةً} عظة {لِّمَن يخْشَى} لمن يسلم وَلم أنزلهُ لتشقى لتتعب نَفسك مقدم ومؤخر

4

{تَنزِيلاً} يَقُول الْقُرْآن تكليماً {مِّمَّنْ خَلَق الأَرْض وَالسَّمَاوَات العلى} رفع بَعْضهَا فَوق بعض

5

{الرَّحْمَن عَلَى الْعَرْش اسْتَوَى} اسْتَقر وَيُقَال امْتَلَأَ بِهِ وَيُقَال هُوَ من المكتوم الَّذِي لَا يُفَسر

6

{لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض وَمَا بَيْنَهُمَا} من الْخلق والعجائب {وَمَا تَحْتَ الثرى} الَّذِي تَحت الْأَرْضين السَّابِعَة السُّفْلى لِأَن الْأَرْضين على المَاء وَالْمَاء على الْحُوت والحوت على الصَّخْرَة والصخرة على قَرْني الثور والثور على الثرى هُوَ التُّرَاب الندي يعلم الله مَا تَحْتَهُ

7

{وَإِن تَجْهَرْ بالْقَوْل} تعلن بالْقَوْل الْفِعْل {فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرّ} من القَوْل وَالْفِعْل {وَأَخْفَى} من السِّرّ مَا هُوَ كَائِن مِنْك لم يَك بعد أَو يكون يعلم الله ذَلِك كُله

8

{الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ} وَحده لَا شريك لَهُ {لَهُ الأسمآء الْحسنى} الصِّفَات الْعليا فَادعوهُ بهَا

9

{وَهَلْ أَتَاكَ} مَا أَتَاك يَا مُحَمَّد ثمَّ أَتَاك {حَدِيثُ مُوسَى} خبر مُوسَى

10

{إِذْ رَأَى نَاراً} عَن يسَاره {فَقَالَ لأَهْلِهِ امكثوا} انزلوا مَكَانكُمْ {إِنِّي آنَسْتُ نَاراً} إِنِّي رَأَيْت نَارا {لعَلي آتِيكُمْ مِّنْهَا} من النَّار {بِقَبَسٍ} بشعلة مقتبسة وَكَانَ فِي برد شَدِيد من الشتَاء {أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّار} عِنْد النَّار {هُدًى} من يدلني على الطَّرِيق

11

{فَلَمَّآ أَتَاهَا} فَإِذا هِيَ شَجَرَة خضراء تتوقد مِنْهَا نَار بَيْضَاء {نُودي يَا مُوسَى}

12

{إِنِّي أَنَاْ رَبُّكَ فاخلع نَعْلَيْكَ} وَكَانَت نعلاه من جلد حمَار ميت {إِنَّكَ بالواد الْمُقَدّس} المطهر {طُوىً} اسْم الْوَادي وَيُقَال قد طوته الْأَنْبِيَاء قبلك وَيُقَال طوى بِئْر قد طويت بالصخر فِي ذَلِك الْوَادي للَّذي كَانَت فِيهِ الشَّجَرَة

13

{وَأَنَا اخْتَرْتُك} بالرسالة إِلَى فِرْعَوْن {فاستمع لِمَا يُوحى} فاعمل بِمَا تُؤمر

14

{إِنَّنِي أَنَا الله لَا إِلَه إِلَّا أَنَاْ فاعبدني} فأطعنى {وأقم الصَّلَاة لذكري} لَو نسيت صَلَاة فصلها حِين ذكرتها

15

{إِنَّ السَّاعَة آتِيَةٌ} كائنة {أَكَادُ أُخْفِيهَا} أظهرها وَيُقَال أسترها عَن نَفسِي فَكيف أظهرها لغيري {لتجزى كُلُّ نَفْسٍ} برة أَو فاجرة {بِمَا تسْعَى} بِمَا تعْمل من الْخَيْر وَالشَّر

16

{فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا} فَلَا يصرفنك عَن الْإِقْرَار بهَا {مَن لاَّ يُؤْمِنُ بِهَا وَاتبع هَوَاهُ} بالإنكار وَعبادَة الْأَصْنَام {فتردى} فتهلك

17

{وَمَا تِلْكَ بيمينك يَا مُوسَى قَالَ هِيَ عصاي أتوكأ عَلَيْهَا} أعْتَمد عَلَيْهَا إِذا عييت {وَأَهُشُّ بِهَا على غَنَمِي} أخبط بهَا الشَّجَرَة لغنمي {وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} حوائج شتَّى

19

{قَالَ ألقها} من يدك {يَا مُوسَى}

20

{فَأَلْقَاهَا} من يَده {فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تسْعَى} تشتد رَافِعَة رَأسهَا فولى مُوسَى هَارِبا مِنْهَا

21

{قَالَ} الله لَهُ {خُذْهَا} يَا مُوسَى {وَلاَ تَخَفْ سَنُعِيدُهَا} سنجعلها {سِيَرتَهَا الأولى} عَصا كَمَا كَانَت

22

{واضمم يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ} أَدخل يدك فِي إبطك {تَخْرُجْ بَيْضَآءَ} لَهَا شُعَاع {مِنْ غَيْرِ سوء} من غير برص {آيَةً أُخْرَى} عَلامَة أُخْرَى مَعَ الْعَصَا

23

{لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا} من علاماتنا {الْكُبْرَى} الْعُظْمَى

24

{اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى} علا وتكبر وَكفر

25

{قَالَ رَبِّ اشرح لِي صَدْرِي} لين لي قلبِي لكَي لَا أخافه

26

{وَيَسِّرْ لي أَمْرِي} هون عَليّ تَبْلِيغ الرسَالَة إِلَى فِرْعَوْن

27

{واحلل عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي} ابْسُطْ رتة من لسانى

28

{يَفْقَهُواْ قَوْلِي} لكَي يفقهوا كَلَامي

29

{وَاجعَل لِّي وَزِيراً} معينا {مِّنْ أَهْلِي}

30

{هَارُونَ أَخِي اشْدُد بِهِ أَزْرِي} قو بِهِ ظَهْري

32

{وَأَشْرِكْهُ} يَا رب {فِي أَمْرِي} فِي تَبْلِيغ رسالتي إِلَى فِرْعَوْن

33

{كَيْ نُسَبِّحَكَ} نصلي لَك {كَثِيراً}

34

{وَنَذْكُرَكَ} بِالْقَلْبِ وَاللِّسَان {كَثِيراً}

35

{إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً} عَالما

36

{قَالَ} الله مَا {قد أُوتيت} أَعْطَيْت {سؤلك} مَا سَأَلت {يَا مُوسَى} فشرح الله لَهُ صَدره وَيسر أمره وَبسط لِسَانه وَجعل هَارُون لَهُ معينا

37

{وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى} غير هَذَا

38

{إِذْ أَوْحَيْنَآ إِلَى أُمِّكَ} ألهمنا أمك {مَا يُوحى} الَّذِي يلهم

39

{أَنِ اقذفيه فِي التابوت} أَن اطرحي الصَّبِي فِي التابوت البردي {فاقذفيه فِي اليم} فاطرحي التابوت فِي الْبَحْر {فَلْيُلْقِهِ اليم} الْبَحْر {بالسَّاحل} على الشط {يَأْخُذْهُ} يرفعهُ {عَدُوٌّ لِّي} بِالدينِ يَعْنِي فِرْعَوْن {وَعَدُوٌّ لَّهُ} بِالْقَتْلِ {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي} يَا مُوسَى كل من رآك أحبك {وَلِتُصْنَعَ على عَيْني} وَمَا صنع بك كَانَ فِي منظري

40

{إِذْ تمشي أُخْتُكَ} فَدخلت قصر فِرْعَوْن {فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ على مَن يَكْفُلُهُ} يرضعه {فَرَجَعْنَاكَ} فرددناك {إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها} تطيب نَفسهَا {وَلاَ تَحْزَنَ} على ابْنهَا بِالْهَلَاكِ {وَقَتَلْتَ نَفْساً} قبطياً {فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغم} من غم الْقود {وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً} ابتليناك ببلاء مرّة بعد مرّة {فَلَبِثْتَ} مكثت {سِنِينَ} عشر سِنِين

{فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ على قَدَرٍ} على مقدورى بالْكلَام والرسالة إِلَى فِرْعَوْن {يَا مُوسَى}

41

{واصطنعتك لِنَفْسِي} اصطفيتك لنَفْسي بالرسالة

42

{اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ} هَارُون {بِآيَاتِي} بِالْيَدِ والعصا {وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِي} لَا تضعفا وَلَا تعجزا وَلَا تفترا فِي تَبْلِيغ رسالتي إِلَى فِرْعَوْن

43

{اذهبآ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى} علا وتكبر وَكفر

44

{فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً} لطيفاً لَا إِلَه إِلَّا الله وَيُقَال كنياه {لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ} يتعظ {أَوْ يخْشَى} أَو يسلم

45

{قَالاَ رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ} أَن يعجل {عَلَيْنَآ} بِالضَّرْبِ {أَوْ أَن يطغى} بِالْقَتْلِ

46

{قَالَ} الله لَهما {لاَ تَخَافَآ} من الضَّرْب وَالْقَتْل {إِنَّنِي مَعَكُمَآ} معينكما {أَسْمَعُ} مَا يرد عَلَيْكُمَا {وَأرى} صنعه بكما

47

{فَأْتِيَاهُ} يَعْنِي فِرْعَوْن {فقولا إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ} إِلَيْك {فَأَرْسِلْ مَعَنَا بني إِسْرَائِيلَ} نَذْهَب بهم إِلَى أَرضهم {وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ} لَا تتبعهم بِالْعَمَلِ وَذبح الْأَبْنَاء واستخدام النِّسَاء لأَنهم أَحْرَار {قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ} بعلامة {مِّن رَّبِّكَ} يَعْنِي بِالْيَدِ وَهُوَ أول آيَة أَرَاهَا الله فِرْعَوْن {وَالسَّلَام على مَنِ اتبع الْهدى} التَّوْحِيد

48

{إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَآ أَنَّ الْعَذَاب} الدَّائِم {على مَن كَذَّبَ} بِالتَّوْحِيدِ {وَتَوَلَّى} عَن الْإِيمَان

49

{قَالَ} فِرْعَوْن {فَمن رَبكُمَا يَا مُوسَى}

50

{قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أعْطى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ} شكله للْإنْسَان إنْسَانا وللبعير نَاقَة وَالْحمار أَتَانَا وللشاة النعجة {ثُمَّ هدى} ثمَّ ألهم الْأكل وَالشرب وَالْجِمَاع

51

{قَالَ} فِرْعَوْن لمُوسَى {فَمَا بَالُ الْقُرُون الأولى} فَمَا خبر الْقُرُون الْمَاضِيَة عنْدك كَيفَ هَلَكُوا

52

{قَالَ} مُوسَى {عِلْمُهَا} علم هلاكها {عِندَ رَبِّي} مَكْتُوب {فِي كِتَابٍ} يَعْنِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ {لاَّ يضل رَبِّي} لَا يخطىء وَلَا يذهب عَلَيْهِ أَمرهم {وَلاَ يَنسَى} أَمرهم وَلَا يتْرك عقوبتهم

53

{الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْض مَهْداً} فرشاً {وَسَلَكَ} جعل {لَكُمْ فِيهَا} فِي الأَرْض {سُبُلاً} طرقاً تذهبون وتجيئون فِيهَا {وَأَنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً} مَطَرا {فَأَخْرَجْنَا بِهِ} فَأَنْبَتْنَا بالمطر {أَزْوَاجاً} أصنافاً {مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى} مُخْتَلفا ألوانه

54

{كُلُواْ} يَعْنِي مَا تَأْكُلُونَ {وارعوا} مَا ترعون {أَنْعَامَكُمْ} من عشبها {إِنَّ فِي ذَلِك} فِي اختلافها وألوانها {لآيَاتٍ} لعلامات {لأُوْلِي النهى} لِذَوي الْعُقُول من النَّاس

55

{مِنْهَا} من الأَرْض {خَلَقْنَاكُمْ} يَقُول خَلَقْنَاكُمْ من آدم وآدَم من تُرَاب وَالتُّرَاب من الأَرْض {وَفِيهَا} وَفِي الأَرْض {نُعِيدُكُمْ} يَقُول نقبركم {وَمِنْهَا} من الأَرْض {نُخْرِجُكُمْ} يَقُول من الْقُبُور نخرجكم {تَارَةً أُخْرَى} مرّة أُخْرَى بعد الْمَوْت للبعث

56

{وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ} يَعْنِي فِرْعَوْن {آيَاتِنَا كُلَّهَا} الْيَد والعصا والطوفان وَالْجَرَاد وَالْقمل والضفادع وَالدَّم والسنين وَنقص من الثمرات {فَكَذَّبَ} بِالْآيَاتِ وَقَالَ لَيْسَ هَذَا من الله {وأبى} أَن يسلم وَلم يقبل الْآيَات

57

{قَالَ} لمُوسَى {أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا} مصر {بسحرك يَا مُوسَى}

58

{فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ}

مثل مَا جئتنا بِهِ {فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ} يَا مُوسَى {مَوْعِداً} أَََجَلًا {لاَّ نُخْلِفُهُ} لَا نجاوزه {نَحْنُ وَلاَ أَنتَ مَكَاناً سُوىً} غير هَذِه وَيُقَال سوى أَي عدلا وَنصفا بَيْننَا وَبَيْنك إِن قُرِئت بِضَم السِّين

59

{قَالَ} مُوسَى {مَوْعِدُكُمْ} أجلكم {يَوْمُ الزِّينَة} وَهُوَ يَوْم السُّوق وَيُقَال يَوْم الْعِيد وَيُقَال يَوْم النيروز {وَأَن يُحْشَرَ} يجمع {النَّاس} من الْمَدَائِن {ضحى} ضحوة

60

{فَتَوَلّى فِرْعَوْنُ} فَرجع فِرْعَوْن إِلَى أَهله {فَجَمَعَ كَيْدَهُ} حيلته وسحرته اثْنَيْنِ وَسبعين ساحراً {ثُمَّ أَتَى} الموعدة

61

{قَالَ لَهُمْ مُوسَى} للسحرة {وَيْلَكُمْ} ضيق الله عَلَيْكُم الدُّنْيَا {لاَ تَفْتَرُواْ} لَا تختلقوا {عَلَى الله كَذِباً فَيُسْحِتَكُم} فيهلككم {بِعَذَابٍ} من عِنْده {وَقَدْ خَابَ} خسر {مَنِ افترى} اختلق على الله الْكَذِب

62

{فتنازعوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} فتشاوروا فِيمَا بَينهم إِن غلب علينا مُوسَى آمنا بِهِ {وَأَسَرُّواْ} هَذَا {النَّجْوَى} من فِرْعَوْن

63

ثمَّ {قَالُوا} بالعلانية {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} بلغَة بنى الْحَارِث بن كَعْب وَإِنَّمَا قَالَ إِن هَذَانِ على اللُّغَة لَا على الْإِعْرَاب وَيُقَال قَالَ لَهُم فِرْعَوْن إِن هَذَانِ مُوسَى وَهَارُون لساحران {يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ} يَعْنِي مُوسَى وَهَارُون {مِّنْ أَرْضِكُمْ} مصر {بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ} بدينكم ورجالكم {المثلى} الأمثل فالأمثل أهل الرأى والشرف

64

{فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ} مكركم وسحرتكم وعلمكم {ثُمَّ ائْتُوا صَفّاً} جَمِيعًا {وَقَدْ أَفْلَحَ} فَازَ {الْيَوْم مَنِ استعلى}

65

{قَالُوا} يعْنى السَّحَرَة لمُوسَى {يَا مُوسَى إِمَّآ أَن تُلْقِيَ} عصاك إِلَى الأَرْض أَولا {وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ ألْقى}

66

{قَالَ} لَهُم مُوسَى {بَلْ أَلْقُواْ} أَنْتُم أَولا فَألْقوا اثْنَيْنِ وَسبعين عَصا واثنين وَسبعين حبلاً {فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ} أرى مُوسَى {مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تسْعَى} تمْضِي

67

{فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى} يَقُول أضمر مُوسَى فِي قلبه الْخَوْف خَافَ أَن لَا يظفر بهم فيقتلون من آمن بِهِ

68

{قُلْنَا} لمُوسَى {لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى} الْغَالِب عَلَيْهِم

69

{وَأَلْقِ} على الأَرْض {مَا فِي يَمِينِكَ} يَا مُوسَى {تَلْقَفْ} تلقم {مَا صَنَعُوا} مَا طرحوا من العصي والحبال {إِنَّمَا صَنَعُواْ} طرحوا {كَيْدُ سَاحِرٍ} عمل سحر {وَلاَ يُفْلِحُ} لَا يَأْمَن وَلَا ينجو من عَذَاب الله وَلَا يفوز {السَّاحر حَيْثُ أَتَى} أَيْنَمَا كَانَ

70

{فَأُلْقِيَ السَّحَرَة سُجَّداً} فسجدوا من سرعَة سجودهم كَأَنَّهُمْ ألقوا {قَالُوا} يَعْنِي السَّحَرَة {آمَنَّا بِرَبِّ هَارُون ومُوسَى}

71

{قَالَ} لَهُم فِرْعَوْن {آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذن لَكُمْ} قبل أَن آمركُم بِهِ {إِنَّهُ} يَعْنِي مُوسَى {لَكَبِيرُكُمُ} عالمكم {الَّذِي عَلَّمَكُمُ السحر فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ} الْيَد الْيُمْنَى وَالرجل الْيُسْرَى {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النّخل} على جُذُوع النّخل {وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَاباً وَأبقى} أدوم أَنا أَو رب مُوسَى وَهَارُون

72

{قَالُواْ} يَعْنِي السَّحَرَة لفرعون {لَن نُّؤْثِرَكَ} لن نَخْتَار عبادتك وطاعتك {على مَا جَآءَنَا مِنَ الْبَينَات}

من الْأَمر وَالنَّهْي وَالْكتاب وَالرَّسُول والعلامات {وَالَّذِي فَطَرَنَا} وعَلى عبَادَة الَّذِي خلقنَا {فَاقْض مَآ أَنتَ قَاضٍ} فَاصْنَعْ مَا أَنْت صانع واحكم علينا مَا أَنْت حَاكم {إِنَّمَا تَقْضِي هَذِه الْحَيَاة الدنيآ} تحكم علينا فِي الدُّنْيَا وَلَيْسَ لَك علينا سُلْطَان فِي الْآخِرَة

73

{إِنَّآ آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا} شركنا {وَمَآ أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ} مَا أجبرتنا عَلَيْهِ {مِنَ السحر} من تعلم السحر {وَالله خَيْرٌ وَأبقى} مَا عِنْد الله من الثَّوَاب والكرامة أفضل وأدوم مِمَّا تُعْطِينَا من المَال

74

{إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ} يَوْم الْقِيَامَة {مُجْرِماً} مُشْركًا {فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا} فيستريح {وَلاَ يحيى} حَيَاة تَنْفَعهُ

75

{وَمَن يَأْتِهِ} يَوْم الْقِيَامَة {مُؤْمِناً} مُصدقا فِي إيمَانه {قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَات} فِيمَا بَينه وَبَين ربه {فَأُولَئِك لَهُمُ الدَّرَجَات العلى} الرفيعة فِي الْجنان

76

ثمَّ بَين أَن الْجنان لَهُم فَقَالَ {جَنَّاتُ عَدْنٍ} وَهِي دَار الرَّحْمَن الَّتِي خلقهَا بِيَدِهِ وبقوته فِي وسط الْجنان والجنان حولهَا {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا} من تَحت شَجَرهَا ومساكنها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {خَالِدين فِيهَا} مقيمين فِي الْجنَّة لَا يموتون وَلَا يخرجُون {وَذَلِكَ} الْجنان والخلد {جَزَآءُ مَن تزكّى} ثَوَاب من وحد وَأصْلح

77

{وَلَقَدْ أَوْحَيْنَآ إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ} أَي سر {بِعِبَادِي} أول اللَّيْل {فَاضْرب لَهُمْ} بَين لَهُم {طَرِيقاً فِي الْبَحْر يَبَساً} طَرِيقا يَابسا جدا {لاَّ تَخَافُ دَرَكاً} إِدْرَاك فِرْعَوْن {وَلاَ تخشى} من الْغَرق

78

{فأتبعهم فِرْعَوْن} فلحقهم فِرْعَوْن {بجُنُوده} بجموعه {فَغَشِيَهُمْ مِّنَ اليم} فَغشيَ عَلَيْهِم الْبَحْر {مَا غشيهم}

79

{وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ} أهلك فِرْعَوْن {قَوْمَهُ} فِي الْبَحْر {وَمَا هدى} مَا نجاهم من الْغَرق وَيُقَال أضلهم عَن دين الله وَمَا دلهم إِلَى الصَّوَاب

80

{يَا بني إِسْرَائِيلَ} يَا أَوْلَاد يَعْقُوب {قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ مِّنْ عَدُوِّكُمْ} من فِرْعَوْن {وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطّور} الْجَبَل {الْأَيْمن} يَمِين مُوسَى بِإِعْطَاء الْكتاب {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنّ والسلوى} فِي التيه

81

{كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ} من حلالات {مَا رَزَقْنَاكُمْ} من الْمَنّ والسلوى {وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ} لَا تكفرُوا بِهِ وَيُقَال لَا تَرفعُوا للغد {فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ} فَيجب عَلَيْكُم {غَضَبِي} سخطي وعذابي وَيُقَال ينزل إِن قَرَأت بِضَم الْحَاء {وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي} يجب عَلَيْهِ غَضَبي سخطي وعذابي {فَقَدْ هوى} فقد هلك

82

{وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ} من الشّرك {وَآمَنَ} بِاللَّه {وَعَمِلَ صَالِحَاً} خَالِصا {ثُمَّ اهْتَدَى} ثمَّ رأى ثَوَاب عمله حَقًا وَيُقَال ثمَّ اهْتَدَى إِلَى السّنة وَالْجَمَاعَة وَمَات على ذَلِك

83

فَلَمَّا ذهب مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام مَعَ السّبْعين إِلَى الْمِيقَات تعجل فِي الميعاد قبل السّبْعين قَالَ الله لَهُ {وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ يَا مُوسَى}

84

{قَالَ هُمْ أولاء} يجيئون {على أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لترضى} لِيَزْدَادَ رضاك عني

85

{قَالَ} يَا مُوسَى {فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا} ابتلينا {قَوْمَكَ} بِعبَادة الْعجل {مِن بَعْدِكَ} من بعد انطلاقك إِلَى الْجَبَل {وَأَضَلَّهُمُ السامري} وَأمرهمْ بذلك السامرى

86

{فَرَجَعَ} فَلَمَّا رَجَعَ {مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ} مَعَ السّبْعين سمع صَوت الْفِتْنَة فَصَارَ {غَضْبَانَ أَسِفاً} حَزينًا {قَالَ يَا قوم أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً} صدقا {أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْد} أفتجاوزت عَنْكُم الْمدَّة {أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ} يجب عَلَيْكُم {غَضَبٌ} سخط وَعَذَاب {مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَّوْعِدِي} فخالفتم

87

{قَالُواْ} يَا مُوسَى {مَآ أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ} مَا خَالَفنَا وَعدك {بِمَلْكِنَا} بعلمنا متعمدين {وَلَكنَّا حُمِّلْنَآ أَوْزَاراً} إجراماً {مِّن زِينَةِ الْقَوْم} من حلي آل فِرْعَوْن فشؤم ذَلِك حملنَا على عبَادَة الْعجل {فَقَذَفْنَاهَا} فطرحنا الْحلِيّ فِي النَّار {فَكَذَلِكَ أَلْقَى السامري} كَمَا ألقينا

88

{فَأَخْرَجَ لَهُمْ} فصاغ لَهُم السامري من الذَّهَب الَّذِي ألقوا فِي النَّار {عِجْلاً جَسَداً} مجسداً صَغِيرا بِلَا روح {لَّهُ خُوَارٌ} صَوت {فَقَالُواْ} أى شىء هَذَا قَالَ لَهُم االسامرى {هَذَا إِلَهكُم وإله مُوسَى فَنَسِيَ} فَترك السامري طَاعَة الله وَأمره وَيُقَال قَالَ السامري ترك مُوسَى الطَّرِيق وَأَخْطَأ فَقَالَ الله

89

{أَفَلاَ يَرَوْنَ} يَعْنِي السامري وَأَصْحَابه {أَلاَّ يَرْجِعُ} أَن لَا يرد {إِلَيْهِمْ قَوْلاً} جَوَابا يَعْنِي الْعجل {وَلاَ يَمْلِكُ لَهُمْ} لَا يقدر لَهُم {ضَرّاً} دفع الضَّرَر {وَلاَ نَفْعاً} وَلَا جر النَّفْع

90

{وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ} من قبل مجىء مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام {يَا قوم إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ} ابتليتم بالخوار وَعبادَة الْعجل وَيُقَال أضللتم أَنفسكُم بِعبَادة الْعجل {وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَن فَاتبعُوني} فِي دينه {وَأَطيعُوا أَمْرِي} قولي ووصيتى

91

{قَالُواْ لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ} لن نزال على عبَادَة الْعجل {عَاكِفِينَ} مقيمين {حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} فَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى

92

{قَالَ} لهارون {يَا هَارُون مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضلوا} الطَّرِيق

93

{أَلاَّ تَتَّبِعَنِ} لم لَا تتبع وصيتي وَلم تناجزهم الْقِتَال {أَفَعَصَيْتَ} أفتركت {أَمْرِي} وصيتي

94

{قَالَ} هَارُون لمُوسَى {يَا ابْن أم} ذكر أمه لكَي يرفق بِهِ ويترحم عَلَيْهِ {لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي} وَلَا بِشعر رَأْسِي {إِنِّي خَشِيتُ} خفت {أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بني إِسْرَآئِيلَ} بِالْقَتْلِ {وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي} لم تنْتَظر قدومي فَمن ذَلِك تركت الْقِتَال مَعَهم ثمَّ رَجَعَ مُوسَى إِلَى السامري

95

{قَالَ فَمَا خَطْبُكَ} فَمَا الَّذِي حملك على عبَادَة الْعجل {يَا سامري}

96

{قَالَ} السامري {بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ} أى رَأَيْت مالم ير بَنو إِسْرَائِيل قَالَ لَهُ مُوسَى وَمَا رَأَيْت دونهم قَالَ رَأَيْت جِبْرِيل على فرس بلقاء أُنْثَى وَهِي دَابَّة الْحَيَاة {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُول} من تُرَاب حافر فرس جِبْرِيل {فَنَبَذْتُهَا} فطرحتها فِي فَم الْعجل وَدبره فخار {وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ} زينت {لِي نَفْسِي}

97

{قَالَ} لَهُ مُوسَى {فَاذْهَبْ} يَا سامري {فَإِنَّ لَك فِي الْحَيَاة} مَا حيييت {أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ} لَا تخالط أحدا وَلَا يخالطك {وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً} أَََجَلًا يَوْم الْقِيَامَة {لَّن تُخْلَفَهُ} لن تجاوزه {وَانْظُر إِلَى إلهك الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً}

أَقمت عَلَيْهِ عابداً {لَّنُحَرِّقَنَّهُ} بالنَّار وَيُقَال لنبردنه بالمبرد {ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي اليم نَسْفاً} لنذرينه فِي الْبَحْر ذَروا

98

{إِنَّمَآ إِلَهكُم الله الَّذِي لَا إِلَه إِلاَّ هُوَ} بِلَا ولد وَلَا شريك {وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً} علم رَبنَا بِكُل شَيْء

99

{كَذَلِك} هَكَذَا {نَقُصُّ عَلَيْكَ} يَا مُحَمَّد ننزل عَلَيْك جِبْرِيل {مِنْ أَنْبَآءِ مَا قَدْ سَبَقَ} بأخبار الْأُمَم الْمَاضِيَة {وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْراً} قد أكرمناك بِالْقُرْآنِ فِيهِ خبر الْأَوَّلين والآخرين

100

{مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ} من كفر بِهِ {فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَة وِزْراً} شركا

101

{خَالِدِينَ فِيهِ} مقيمين فِي عُقُوبَة الْوزر {وَسَآءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَة حِمْلاً} من الذُّنُوب

102

{يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّور} النفخة الْأُخْرَى {وَنَحْشُرُ الْمُجْرمين} الْمُشْركين {يَوْمِئِذٍ زُرْقاً} عميا

103

{يتخافتون بَينهم} يتسارون فِيمَا بَينهم فِي هَذَا القَوْل وَيَقُول بَعضهم لبَعض {إِن لَّبِثْتُمْ} مَا مكثتم فِي الْقُبُور {إِلاَّ عَشْراً} عشرَة أَيَّام

104

{نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ} فِي الْبَعْث {إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً} أفضلهم عقلا وأصوبهم رَأيا وأصدقهم قولا {إِن لَّبِثْتُمْ} مَا مكثتم فِي الْقُبُور {إِلَّا يَوْمًا}

105

{ويسألونك} يَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَأَلته بَنو ثَقِيف {عَن الْجبَال} عَن حَال الْجبَال يَوْم الْقِيَامَة {فَقُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً} يقلعها رَبِّي قلعاً

106

{فَيَذَرُهَا} فَيتْرك الأَرْض {قَاعاً} مستوية {صَفْصَفاً} أملس لَا نَبَات فِيهَا

107

{لاَّ ترى فِيهَا عِوَجاً} وَاديا وَلَا شقوقاً {وَلَا أَمْتاً} وَلَا شَيْئا شاخصاً من الأَرْض وَلَا نباتا

108

{يَوْمَئِذٍ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {يَتَّبِعُونَ الدَّاعِي} يسرعون ويقصدون إِلَى الدَّاعِي {لاَ عِوَجَ لَهُ} لَا يميلون يَمِينا وَلَا شمالا (وخشعت الْأَصْوَات) ذللت الْأَصْوَات {للرحمن} لهيبة الرَّحْمَن {فَلاَ تَسْمَعُ} يَا مُحَمَّد {إِلاَّ هَمْساً} إِلَّا وطأ خفِيا كَوَطْء الْإِبِل

109

{يَوْمَئِذٍ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {لاَّ تَنفَعُ الشَّفَاعَة} لَا تشفع الْمَلَائِكَة لأحد {إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَن} فِي الشَّفَاعَة {وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً} قبل مِنْهُ لَا إِلَه إِلَّا الله

110

{يَعْلَمُ} الله {مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} بَين أَيدي الْمَلَائِكَة من أَمر الْآخِرَة {وَمَا خَلْفَهُمْ} من أَمر الدُّنْيَا {وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً} لَا يعلمُونَ مَا بَين أَيْديهم وَمَا خَلفهم شَيْئا إِلَّا مَا علمهمْ الله يَعْنِي الْمَلَائِكَة

111

{وَعَنَتِ الْوُجُوه} نصبت الْوُجُوه فِي الدُّنْيَا بِالسُّجُود وَيُقَال خضعت الْوُجُوه وذلت الْوُجُوه يَوْم الْقِيَامَة {لِلْحَيِّ} الَّذِي لَا يَمُوت {القيوم} الْقَائِم الَّذِي لَا بَدْء لَهُ {وَقَدْ خَابَ} خسر {مَنْ حَمَلَ ظُلْماً} شركا

112

{وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَات} من الْخيرَات فِيمَا بَينه وَبَين ربه {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} مُصدق فِي إيمَانه {فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً} ذهَاب عمله كُله {وَلاَ هَضْماً} وَلَا نُقْصَان عمله

113

{وَكَذَلِكَ} هَكَذَا {أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً} أنزلنَا جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على مجْرى لُغَة الْعَرَبيَّة {وَصَرَّفْنَا فِيهِ} بيّنا فِي الْقُرْآن {مِنَ الْوَعيد} أَي من الْوَعْد والوعيد {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} لكَي يتقوا الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش {أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً} ثَوابًا إِن آمنُوا وَيُقَال شرفاً إِن وحدوا وَيُقَال عذَابا إِن لم يُؤمنُوا

114

{فتعالى الله الْملك الْحق}

تَبرأ عَن الْوَلَد وَالشَّرِيك {وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ} وَلَا تستعجل يَا مُحَمَّد بِقِرَاءَة الْقُرْآن {مِن قَبْلِ إَن يقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} من قبل أَن يفرغ جِبْرِيل من قِرَاءَة الْقُرْآن عَلَيْك وَكَانَ إِذا نزل عَلَيْهِ جِبْرِيل بِآيَة لم يفرغ جِبْرِيل من آخرهَا حَتَّى يتَكَلَّم رَسُول الله بأولها مَخَافَة أَن ينساها فَنَهَاهُ الله عَن ذَلِك وَقَالَ لَهُ {وَقُل} يَا مُحَمَّد {رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً} وحفظاً وفهماً وَحكما بِالْقُرْآنِ

115

{وَلَقَد عهدنا إِلَى آدم} أمرنَا آدم أَن لَا يَأْكُل من هَذِه الشَّجَرَة {مِن قَبْلُ} من قبل أكله من الشَّجَرَة وَيُقَال من قبل مجىء مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فَنَسِيَ} فَترك مَا أَمر بِهِ {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عزما} جزما وعزيمة الرِّجَال

116

{وَإِذ قُلْنَا للْمَلَائكَة} الَّذين كَانُوا فِي الأَرْض {اسجدوا لآدَم} سَجْدَة التَّحِيَّة {فسجدوا إِلَّا إِبْلِيس} رئيسهم {أَبى} تعظم عَن السُّجُود لآدَم

117

{فَقُلْنَا يَا آدم إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ} حَوَّاء {فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجنَّة} بطاعتكما لَهُ {فتشقى} فتتعب

118

{إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا} فِي الْجنَّة من الطَّعَام {وَلاَ تعرى} من الثِّيَاب

119

{وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا} لَا تعطش فِيهَا {وَلاَ تضحى} وَلَا يصيبك حر الشَّمْس وَيُقَال لَا نعرق

120

{فوسوس إِلَيْهِ الشَّيْطَان} بِأَكْل الشَّجَرَة {قَالَ يَا آدم هَلْ أَدُلُّكَ على شَجَرَةِ الْخلد} من أكل مِنْهَا خلد وَلَا يَمُوت {وَمُلْكٍ لاَّ يبْلى} يبْقى فِي ملك لَا يفنى

121

{فأكلا مِنْهَا} من الشَّجَرَة {فبدت لَهما سوآتهما} فظهرت لَهما عوراتهما {وَطَفِقَا} عمدا {يَخْصِفَانِ} يلزقان {عَلَيْهِمَا} على عوراتهما {مِن وَرَقِ الْجنَّة} من ورق التِّين كلما ألزقا بَعْضهَا إِلَى بعض تساقطت {وَعصى آدم رَبَّهُ} بِأَكْلِهِ من الشَّجَرَة {فغوى} ترك طَرِيق الْهدى فَلم يصب بِأَكْلِهِ من الشَّجَرَة مَا أَرَادَهُ

122

{ثُمَّ اجتباه} ثمَّ اصطفاه {رَبُّهُ} بِالتَّوْبَةِ {فَتَابَ عَلَيْهِ} فَتَجَاوز عَنهُ {وَهدى} هداه إِلَى التَّوْبَة

123

{قَالَ اهبطا مِنْهَا} من الْجنَّة {جَمِيعاً} لآدَم وحواء والحية والطاوس {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} الْحَيَّة لبني آدم وَبَنُو آدم للحية {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدىً} فحين يَأْتينكُمْ يَا ذُرِّيَّة آدم مني هدى كتاب وَرَسُول {فَمَنِ اتبع هُدَايَ} كتابي ورسولي {فَلاَ يَضِلُّ} باتباعه إيَّاهُمَا فِي الدُّنْيَا {وَلاَ يشقى} فى الْآخِرَة

124

{وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي} عَن توحيدي وَيُقَال كفر بكتابي ورسولي {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً} عذَابا شَدِيدا فِي الْقَبْر وَيُقَال فِي النَّار {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَة أعمى}

125

{قَالَ} يَقُول {رَبِّ} يَا رَبِّي {لِمَ حشرتني أعمى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً} فِي الدُّنْيَا

126

{قَالَ كَذَلِك} هَكَذَا لِأَنَّك {أَتَتْكَ آيَاتُنَا} كتَابنَا ورسولنا {فَنَسِيتَهَا} فَتركت الْعَمَل وَالْإِقْرَار بهَا {وَكَذَلِكَ الْيَوْم تنسى} تتْرك فِي النَّار

127

{وَكَذَلِكَ} هَكَذَا {نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ} من أشرك {وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ} يَعْنِي الْكتاب وَالرَّسُول {وَلَعَذَابُ الْآخِرَة أَشَدُّ وَأبقى} أدوم من عَذَاب الدُّنْيَا

128

{أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ} يبين لأهل مَكَّة {كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ الْقُرُون} الْمَاضِيَة {يَمْشُونَ فِي مساكنهم} مَنَازِلهمْ

{إِن فِي ذَلِك} فِيمَا فعلنَا بهم {لآيَات} لعلامات {لأُوْلِي النهى} لِذَوي الْعُقُول من النَّاس

129

{وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ} وَجَبت {مِن رَّبِّكَ} بِتَأْخِير الْعَذَاب عَنْهُم {لَكَانَ لِزَاماً} عذَابا لهلاكهم {وَأَجَلٌ مُّسَمًّى} وَقت مَعْلُوم لهَذِهِ الْأمة

130

{فاصبر على مَا يَقُولُونَ} يَا مُحَمَّد عَمَّا يَقُولُونَ من الشتم والتكذيب نسخهَا آيَة الْقِتَال {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} صل بِأَمْر رَبك يَا مُحَمَّد {قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْس} صَلَاة الْغَدَاة {وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} صَلَاة الظّهْر وَالْعصر {وَمِنْ آنَآءِ اللَّيْل} بعد دُخُول اللَّيْل {فَسَبِّحْ} فصل صَلَاة الْمغرب وَالْعشَاء {وَأَطْرَافَ النَّهَار} صَلَاة الظّهْر وَالْعصر {لَعَلَّكَ ترْضى} لكَي تُعْطى الشَّفَاعَة حَتَّى ترْضى

131

{وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ} وَلَا تنظرن رَغْبَة {إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ} إِلَى مَا أعطينا من المَال {أَزْوَاجاً} رجَالًا {مِّنْهُمْ} من بني قُرَيْظَة وَالنضير {زَهْرَةَ الْحَيَاة الدُّنْيَا} زِينَة الدُّنْيَا {لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} لنختبرهم فِيمَا أعطيناهم من الزِّينَة {وَرِزْقُ رَبِّكَ} الْجنَّة {خَيْرٌ} أفضل {وَأبقى} أدوم مِمَّا لَهُم فِي الدُّنْيَا

132

{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ} عِنْد الشدَّة {واصطبر عَلَيْهَا} اصبر عَلَيْهَا {لَا نَسْأَلك رزقا} أَن ترزق نَفسك وَأهْلك {نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقبَة للتقوى} الْجنَّة لمتّقي الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش

133

{وَقَالُواْ} يَعْنِي أهل مَكَّة {لَوْلاَ يَأْتِينَا} هلا يأتينا مُحَمَّد {بِآيَة} بعلامة {من ربه أَو لم تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ} بَيَان {مَا فِي الصُّحُف الأولى} فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل أَن فيهمَا صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته

134

{وَلَوْ أَنَّآ أَهْلَكْنَاهُمْ} يَعْنِي أهل مَكَّة {بِعَذَابٍ من قبله} من قبل مجىء مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِلَيْهِم بِالْقُرْآنِ {لَقَالُواْ} يَوْم الْقِيَامَة {رَبَّنَا} يَا رَبنَا {لَوْلَا} هلا {أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ} فنطيع رَسُولك ونؤمن بِكِتَاب {مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ} نقْتل يَوْم بدر {ونخزى} نعذب بِعَذَاب يَوْم الْقِيَامَة

135

{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {كُلٌّ} كل وَاحِد منا أَو مِنْكُم {مُّتَرَبِّصٌ} منتظر لهلاك صَاحبه {فَتَرَبَّصُواْ} فانتظروا {فَسَتَعْلَمُونَ} عِنْد نزُول الْعَذَاب يَوْم الْقِيَامَة {مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاط السوي} الْعدْل {وَمَنِ اهْتَدَى} إِلَى الْإِيمَان منا أَو مِنْكُم وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْأَنْبِيَاء وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها مائَة وَإِحْدَى عشرَة وكلماتها ألف وَمِائَة وثمان وَثَلَاثُونَ وحروفها اربعة آلَاف وثمان وَمِائَة وَسِتُّونَ حرفا بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

الأنبياء

وبإسناد عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {اقْترب لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ} يَقُول دنا لأهل مَكَّة مَا وعد لَهُم فِي الْكتاب من الْعَذَاب {وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ} عَن ذَلِك {مُّعْرِضُونَ} مكذبون بِهِ تاركون لَهُ

2

{مَا يَأْتِيهِمْ} مَا يَأْتِي إِلَى نَبِيّهم جِبْرِيل

{مِّن ذِكْرٍ} بِذكر يَعْنِي الْقُرْآن {مِّن رَّبِّهِمْ مُّحْدَثٍ} بِآيَة بعد آيَة وَسورَة بعد سُورَة لَكَانَ إتْيَان جِبْرِيل وَقِرَاءَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واستماعهم مُحدثا لَا الْقُرْآن {إِلاَّ استمعوه} إِلَّا اسْتمع أهل مَكَّة إِلَى قِرَاءَة مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن {وهم يَلْعَبُونَ} يهزءون بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن

3

{لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ} غافلة قُلُوبهم من أَمر الْآخِرَة {وأسروا النَّجْوَى} أخفوا التَّكْذِيب بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن فِيمَا بَينهم {الَّذين ظَلَمُواْ} هم الَّذين ظلمُوا أشركوا أَبُو جهل وَأَصْحَابه يَقُول بَعضهم لبَعض {هَل هَذَا} مَا هَذَا يعنون مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِلاَّ بَشَرٌ} آدَمِيّ {مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السحر} أفتصدقون بِالسحرِ وَالْكذب {وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ} وَأَنْتُم تعلمُونَ بِأَنَّهُ سحر وَكذب

4

{قَالَ} لَهُم يَا مُحَمَّد {رَبِّي يَعْلَمُ القَوْل فِي السمآء وَالْأَرْض} أَي يعلم السِّرّ من القَوْل وَالْفِعْل من أهل السَّمَاء وَالْأَرْض {وَهُوَ السَّمِيع} لمقالة أبي جهل وَأَصْحَابه {الْعَلِيم} بهم وبعقوبتهم

5

{بَلْ قَالُوا} قَالَ بَعضهم {أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ} أباطيل أَحْلَام كَاذِبَة مَا أَتَانَا بِهِ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {بَلِ افتراه} وَقَالَ بَعضهم بل اختلق مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الْقُرْآن من تِلْقَاء نَفسه {بَلْ هُوَ شَاعِرٌ} وَقَالَ بَعضهم بل هُوَ شَاعِر بروايته {فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ} بعلامة {كَمَآ أُرْسِلَ الْأَولونَ} من الرُّسُل بِالْآيَاتِ إِلَى قَومهمْ بِزَعْمِهِ

6

فَيَقُول الله {مَآ آمَنَتْ قَبْلَهُمْ} قبل قَوْمك يَا مُحَمَّد بِالْآيَاتِ {مِّن قَرْيَةٍ} من أهل قَرْيَة {أَهْلَكْنَاهَآ} عِنْد التَّكْذِيب بِالْآيَاتِ {أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ} أفقومك يُؤمنُونَ بِالْآيَاتِ بل لَا يُؤمنُونَ

7

{وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ} من الرُّسُل {إِلاَّ رِجَالاً} من الْبشر مثلك {نوحي إِلَيْهِمْ} نرسل إِلَيْهِم الْمَلَائِكَة كَمَا أرسلنَا إِلَيْك {فاسألوا أَهْلَ الذّكر} أهل التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل {إِن كُنْتُم لَا تعلمُونَ} أَن الله لم يُرْسل الرَّسُول إِلَّا من الْبشر

8

{وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً} الْأَنْبِيَاء {لاَّ يَأْكُلُونَ الطَّعَام} وَلَا يشربون الشَّرَاب {وَمَا كَانُواْ خَالِدِينَ} فِي الدُّنْيَا وَلَكِن كَانُوا يَأْكُلُون الطَّعَام وَيَشْرَبُونَ الشَّرَاب ويموتون نزلت فيهم حِين قَالُوا مَا لهَذَا الرَّسُول يَأْكُل الطَّعَام وَيَمْشي فِي الْأَسْوَاق

9

{ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْد} أنجزنا وعد الْأَنْبِيَاء بالنجاة {فَأَنجَيْنَاهُمْ} يَعْنِي الْأَنْبِيَاء {وَمَن نَّشَآءُ} من آمن بالرسل {وَأَهْلَكْنَا المسرفين} الْمُشْركين

10

{لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ} إِلَى نَبِيكُم {كِتَاباً} جِبْرِيل بِكِتَاب {فِيهِ ذِكْرُكُمْ} شرفكم وعزكم إِن آمنتم بِهِ {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} أَفلا تصدقُونَ بشرفكم وعزكم

11

{وَكَمْ قَصَمْنَا} أهلكنا {مِن قَرْيَةٍ} أهل قَرْيَة {كَانَتْ ظَالِمَةً} كَافِرَة مُشركَة أَهلهَا {وَأَنشَأْنَا} خلقنَا {بَعْدَهَا} بعد هلاكها {قَوْماً آخَرِينَ} فسكنوا دِيَارهمْ

12

{فَلَمَّآ أَحَسُّواْ بَأْسَنَآ} رَأَوْا عذابنا لهلاكهم {إِذَا هُمْ مِّنْهَا} من بأسنا {يَرْكُضُونَ} يهزون وَيُقَال يهربون أَيْضا

13

قَالَت لَهُم الْمَلَائِكَة {لاَ تَرْكُضُواْ} لَا تهزوا وَلَا تهربوا {وَارْجِعُوا إِلَى مَآ أُتْرِفْتُمْ} أنعمتم {فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ} مَنَازِلكُمْ {لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ} لكَي تسألوا عَن الْإِيمَان وَيُقَال عَن قتل النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام

14

{قَالُوا} عِنْد الْقَتْل وَالْعَذَاب {يَا ويلنا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} بقتل نَبينَا

15

{فَمَا زَالَت تِلْكَ} الويل {دَعْوَاهُمْ} قَوْلهم {حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً} كحصيد السَّيْف {خَامِدِينَ} ميتين لَا يتحركون هَذِه قصَّة أهل قَرْيَة نَحْو الْيمن يُقَال لَهَا حُضُور بعث الله إِلَيْهِم نَبيا فَقتلُوا ذَلِك النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فَسلط الله عَلَيْهِم بخْتنصر فَقَتلهُمْ وَلم يتْرك فيهم عينا تطرف

16

{وَمَا خَلَقْنَا السمآء وَالْأَرْض وَمَا بَيْنَهُمَا} من الْخلق {لاعبين} لَا هَين بِلَا أَمر وَلَا نهي ثمَّ نزل فِي قَوْلهم الْمَلَائِكَة بَنَات الله

17

{لَو أردنَا أَن نتَّخذ لهوا} بَنَات وَيُقَال زَوْجَة وَيُقَال ولدا {لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ}

من عندنَا من الْحور الْعين {إِن كُنَّا} سَاكِنا {فاعلين} ذَلِك

18

{بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ} نرمي الْحق {عَلَى الْبَاطِل} وَيُقَال نبين الْحق وَالْبَاطِل {فَيَدْمَغُهُ} فيهلكه {فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} هَالك يَعْنِي الْبَاطِل {وَلَكُمُ} يَا معشر الْكفَّار {الويل} الشدَّة من الْعَذَاب {بِمَا تَصِفُونَ} مِمَّا تَقولُونَ الْمَلَائِكَة بَنَات الله

19

{وَلَهُ} عبيد {مَن فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} من الْخلق {وَمَنْ عِنْدَهُ} من الْمَلَائِكَة {لاَ يَسْتَكْبِرُونَ} لَا يتعاظمون {عَنْ عِبَادَتِهِ} عَن طَاعَته وَالْإِقْرَار بعبوديته {وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ} لَا يعيون من عبَادَة الله

20

{يُسَبِّحُونَ اللَّيْل وَالنَّهَار} يصلونَ لله بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار {لاَ يَفْتُرُونَ} لَا يملون من عبَادَة الله وَالْإِقْرَار بِاللَّه

21

{أَمِ اتَّخذُوا} أم عبدُوا يَعْنِي أهل مَكَّة (آلِهَةً مِّنَ الأَرْض) فِي الأَرْض {هُمْ يُنشِرُونَ} يحيون وَيُقَال يخلفون

22

{لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ} يَعْنِي فِي السَّمَاء وَالْأَرْض إِلَه {إِلاَّ الله} غير الله {لَفَسَدَتَا} لفسد أهلوهما {فَسُبْحَانَ الله رَبِّ الْعَرْش} السرير {عَمَّا يَصِفُونَ} يَقُولُونَ على الله من الْوَلَد وَالشَّرِيك

23

{لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} لَا يسْأَل الله عَمَّا يَقُول وَيَأْمُر وَيفْعل {وَهُمْ يُسْأَلُونَ} والعباد يسْأَلُون عَمَّا يَقُولُونَ ويعملون

24

{أَمِ اتَّخذُوا} عبدُوا {مِن دُونِهِ} من دون الله {آلِهَةً} أصناماً {قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ} حجتكم بعبادتها {هَذَا} يَعْنِي الْقُرْآن {ذِكْرُ مَن مَّعِيَ} خبر من هُوَ معي {وَذِكْرُ مَن قَبْلِي} خبر من كَانَ قبلي من الْمُؤمنِينَ والكافرين لَيْسَ فِيهِ أَن الله ولدا وشريكاً {بَلْ أَكْثَرُهُمْ} كلهم {لاَ يَعْلَمُونَ الْحق} وَلَا يصدقون بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {فهم معرضون} مكذبون بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن

25

{وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ} يَا مُحَمَّد {مِن رَّسُولٍ} مُرْسل {إِلاَّ نوحي إِلَيْهِ أَنَّهُ} أَي قل لقَوْمك حَتَّى يَقُولُوا {لَا إِلَه إِلاَّ أَنا فاعبدون} فوحدون

26

{وَقَالُواْ} يَعْنِي أهل مَكَّة {اتخذ الرَّحْمَن وَلَداً} بَنَات من الْمَلَائِكَة {سُبْحَانَهُ} نزه نَفسه عَن الْوَلَد وَالشَّرِيك {بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ} بل هم عبيد أكْرمهم الله بِالطَّاعَةِ يَعْنِي الْمَلَائِكَة

27

{لاَ يَسْبِقُونَهُ} لَا يسْبق جِبْرِيل عَن مِيكَائِيل قبل أَن يَأْمُرهُ {بالْقَوْل} وَلَا بِالْفِعْلِ {وَهُمْ} يَعْنِي الْمَلَائِكَة {بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} وَيَقُولُونَ يَعْنِي الْمَلَائِكَة

28

{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} من أَمر الْآخِرَة {وَمَا خَلْفَهُمْ} من أَمر الدُّنْيَا {وَلاَ يَشْفَعُونَ} يَعْنِي الْمَلَائِكَة يَوْم الْقِيَامَة {إِلاَّ لِمَنِ ارتضى} إِلَّا لمن رضى الله عَنهُ من أهل التَّوْحِيد بتوحيده {وَهُمْ} يَعْنِي الْمَلَائِكَة {مِّنْ خَشْيَتِهِ} من هيبته {مُشْفِقُونَ} خائفون

29

{وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ} يَعْنِي من الْمَلَائِكَة وَيُقَال من الْخلق {إِنِّي إِلَه مِّن دُونِهِ} من دون الله {فَذَلِك نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ} فبذلك نجزيه جَهَنَّم {كَذَلِكَ} هَكَذَا {نَجْزِي الظَّالِمين} الْكَافرين

30

{أَوَلَمْ يَرَ} يعلم {الَّذين كفرُوا} جَحَدُوا بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن {أَنَّ السَّمَاوَات وَالْأَرْض كَانَتَا رَتْقاً} لم تنزل مِنْهَا قَطْرَة من مطر وَلم ينْبت على الأَرْض شَيْء من النَّبَات ملتزقاً بَعْضهَا على بعض {فَفَتَقْنَاهُمَا} ففرقناهما وأبنا بعضهما عَن بعض بالمطر والنبات {وَجَعَلْنَا مِنَ المآء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} خلقنَا من مَاء الذّكر وَالْأُنْثَى كل شىء يحْتَاج إِلَى الماه {أَفلا يُؤمنُونَ} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن يَعْنِي أهل مَكَّة

31

{وَجَعَلْنَا فِي الأَرْض رَوَاسِيَ} الْجبَال الثوابت أوتاداً لَهَا

{أَن تَمِيدَ بِهِمْ} كي لَا تميد بهم الأَرْض

32

{وَجَعَلْنَا فِيهَا} فِي الأَرْض {فِجَاجاً} أَوديَة {سُبُلاً} طرقاً وَاسِعَة {لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} لكَي يهتدوا إِلَى الطّرق فِي الذّهاب والمجيء {وَجَعَلْنَا السمآء سَقْفاً} على الأَرْض {مَّحْفُوظاً} من السُّقُوط وَيُقَال مَحْفُوظًا بالنجوم من الشَّيَاطِين {وَهُمْ} يَعْنِي أهل مَكَّة {عَنْ آيَاتِهَا} عَن شمسها وقمرها ونجومها {مُعْرِضُونَ} مكذبون لَا يتفكرون فِيهَا

33

{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْل وَالنَّهَار وَالشَّمْس وَالْقَمَر} سخر الشَّمْس وَالْقَمَر {كُلٌّ} كل وَاحِد مِنْهُمَا {فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} فِي دوران يدوران فِي مجْرَاه يذهبون

34

{وَمَا جَعَلْنَا} مَا خلقنَا {لِبَشَرٍ} من الْأَنْبِيَاء {مِّن قَبْلِكَ الْخلد} فِي الدُّنْيَا {أَفَإِنْ مِّتَّ} يَا مُحَمَّد {فَهُمُ الخالدون} فِي الدُّنْيَا نزلت هَذِه الْآيَة فى قَوْلهم نَنْتَظِر مُحَمَّدًا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام حَتَّى يَمُوت فنستريح

35

{كُلُّ نَفْسٍ} منفوسة {ذَآئِقَةُ الْمَوْت} تذوق الْمَوْت {وَنَبْلُوكُم} نختبركم {بِالشَّرِّ وَالْخَيْر} بالشدة والرخاء {فِتْنَةً} كِلَاهُمَا ابتلاء من الله {وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} بعد الْمَوْت فيجزيكم بأعمالكم

36

{وَإِذَا رَآكَ} يَا مُحَمَّد {الَّذين كفرُوا} أَبُو جهل وَأَصْحَابه {إِن يَتَّخِذُونَكَ} يَا مُحَمَّد مَا يَقُولُونَ لَك {إِلاَّ هُزُواً} سخرية يَقُول بَعضهم لبَعض {أَهَذا الَّذِي يَذْكُرُ} يعيب {آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَن هُمْ كَافِرُونَ} جاحدون يَقُولُونَ مَا نَعْرِف الرَّحْمَن إِلَّا مُسَيْلمَة الْكذَّاب

37

{خُلِقَ الْإِنْسَان} يَعْنِي آدم {مِنْ عَجَلٍ} مستعجلاً وَيُقَال خلق الْإِنْسَان يَعْنِي النَّضر بن الْحَارِث من عجل مستعجلا بِالْعَذَابِ {سأريكم آيَاتِي} عَلَامَات وحدانيتي فِي الْآفَاق وَيُقَال سَأُوْرِيكُمْ آيَاتِي عَذَابي بِالسَّيْفِ يَوْم بدر {فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ} بِالْعَذَابِ قبل الْأَجَل

38

{وَيَقُولُونَ} يَعْنِي كفار مَكَّة {مَتى هَذَا الْوَعْد} الَّذِي تعدنا يَا مُحَمَّد {إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}

39

{لَو يعلم الَّذين كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن مَالهم فِي الْعَذَاب لم يستعجلوا بِهِ {حِينَ لاَ يَكُفُّونَ} يَقُول حِين الْعَذَاب لَا يقدرُونَ أَن يمنعوا {عَن وُجُوهِهِمُ النَّار وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ} الْعَذَاب {وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} يمْنَعُونَ مِمَّا يُرَاد بهم من الْعَذَاب

40

{بَلْ تَأْتِيهِم} السَّاعَة {بَغْتَةً} فَجْأَة {فَتَبْهَتُهُمْ} فتفجؤهم {فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا} دَفعهَا عَن أنفسهم {وَلاَ هم ينظرُونَ} يؤجلون من الْعَذَاب

41

{وَلَقَد استهزئ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ} يَقُول اسْتَهْزَأَ بهم قَومهمْ كَمَا اسْتَهْزَأَ بك قَوْمك يَا مُحَمَّد {فَحَاقَ} فَوَجَبَ وَدَار وَنزل {بالذين سَخِرُواْ مِنْهُمْ} على الْأَنْبِيَاء {مَا كَانُوا بِهِ يستهزؤون} من الْعَذَاب وَيُقَال نزل بهم الْعَذَاب باستهزائهم

42

{قُلْ} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {مَن يَكْلَؤُكُم} من يحفظكم {بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار مِنَ الرَّحْمَن} من عَذَاب الرَّحْمَن وَيُقَال غير الرَّحْمَن من عَذَابه {بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِمْ} عَن تَوْحِيد رَبهم وَكتاب رَبهم {معرضون} مكذبون بِهِ وتاركون لَهُ

43

{أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ} ألهم آلِهَة {تَمْنَعُهُمْ مِّن دُونِنَا} من عذابنا {لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ} صرف الْعَذَاب عَن أنفسهم يَعْنِي الْآلهَة فَكيف عَن غَيرهم {وَلاَ هُمْ مِّنَّا يُصْحَبُونَ} من عذابنا يجارون فَكيف يجيرون غَيرهم

44

{بَلْ مَتَّعْنَا} أجلنا {هَؤُلَاءِ} يَعْنِي أهل مَكَّة

{وَآبَآءَهُمْ} قبلهم {حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمر} الْأَجَل {أَفَلاَ يَرَوْنَ} أهل مَكَّة {أَنَّا نَأْتِي الأَرْض} نَأْخُذ الأَرْض {ننقصها} نفتحها لمُحَمد {من أطرافها} من نَوَاحِيهَا {أَفَهُمُ الغالبون} أفهم الْآن غالبون على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

45

{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {إِنَّمَآ أُنذِرُكُم بِالْوَحْي} بِمَا نزل من الْقُرْآن {وَلاَ يَسْمَعُ الصم الدعآء} من يتصامم عَن الدُّعَاء إِلَى الله وَيُقَال لَا تقدر أَن تسمع الدُّعَاء من يتصامم إِن قَرَأت بِضَم التَّاء {إِذَا مَا ينذرون} يخوفون

46

{وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ} أَصَابَتْهُم {نَفْحَةٌ} طرف {مِّنْ عَذَابِ رَبك ليَقُولن يَا ويلنا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} على أَنْفُسنَا كَافِرين بِاللَّه

47

{وَنَضَعُ الموازين الْقسْط} الْعدْل {لِيَوْمِ الْقِيَامَة} فِي يَوْم الْقِيَامَة ميزَان لَهَا كفتان ولسان لَا يُوزن فِيهَا غير الْحَسَنَات والسيئات {فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً} لَا ينقص من حَسَنَات أحد وَلَا يُزَاد على سيئات أحد {وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ} وزن حَبَّة من خَرْدَل {أَتَيْنَا بِهَا} جِئْنَا بهَا وَيُقَال جزينا بهَا {وَكفى بِنَا حَاسِبِينَ} حافظين وعالمين وَيُقَال مجازين

48

{وَلَقَدْ آتَيْنَا} أعطينا {مُوسَى وَهَارُونَ الْفرْقَان} الْمخْرج من الشُّبُهَات وَيُقَال النَّصْر والدولة على فِرْعَوْن {وَضِيَآءً} بَيَانا من الضَّلَالَة {وَذِكْراً} عظة {لَّلْمُتَّقِينَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش

49

{الَّذين يَخْشونَ رَبهم} يعْملُونَ لرَبهم {بِالْغَيْبِ} وَإِن كَانَ غَائِبا عَنْهُم {وَهُمْ مِّنَ السَّاعَة} من عَذَاب السَّاعَة {مُشْفِقُونَ} خائفون

50

{وَهَذَا} الْقُرْآن {ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ} فِيهِ الرَّحْمَة وَالْمَغْفِرَة لمن آمن بِهِ {أَنزَلْنَاهُ} أنزلنَا جِبْرِيل بِهِ {أَفَأَنْتُمْ} يَا أهل مَكَّة {لَهُ مُنكِرُونَ} جاحدون

51

{وَلَقَدْ آتَيْنَآ} أعطينا {إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ} يَعْنِي الْعلم والفهم {مِن قَبْلُ} من قبل بُلُوغه وَيُقَال أكرمناه بِالنُّبُوَّةِ من قبل مُوسَى وَهَارُون وَيُقَال من قبل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ} بِأَنَّهُ أهل لذَلِك

52

{إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ} آزر {وَقَومه} نمروذ بن كنعان وَأَصْحَابه {مَا هَذِه التماثيل} التصاوير {الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} عَابِدُونَ لَهَا

53

{قَالُواْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا لَهَا عَابِدِينَ} فَنحْن نعبدها

54

{قَالَ} لَهُم إِبْرَاهِيم {لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ} قبلكُمْ {فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} فِي كفر وَخطأ بَين

55

{قَالُوا} لابراهيم {أجئتنا بِالْحَقِّ} يجد تَقول يَا إِبْرَاهِيم {أَمْ أَنتَ مِنَ اللاعبين} من الْمُسْتَهْزِئِينَ بِنَا

56

{قَالَ} إِبْرَاهِيم {بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَات وَالْأَرْض الَّذِي فطَرَهُنَّ} خَلقهنَّ {وَأَنَاْ على ذَلِكُم} على مَا قلت لكم {مِّنَ الشَّاهِدِينَ}

57

{وتالله} وَالله قَالَ فِي نَفسه {لأَكِيدَنَّ} لأكسرن {أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ} تنطلقوا {مُدْبِرِينَ} ذَاهِبين إِلَى الْعِيد فَلَمَّا ذَهَبُوا إِلَى عيدهم وَتركُوا إِبْرَاهِيم فِي مدينتهم دخل بَيت وثنهم

58

{فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً} كسراً {إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ} لم يكسرهُ {لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ} من عيدهم فيعتل بِهِ فَلَمَّا رجعُوا إِلَى بَيت وثنهم ودخلوا بَيت وثنهم

59

{قَالُواْ مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَآ إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمين}

على آلِهَتنَا

60

{قَالُواْ سَمِعْنَا} قَالَ رجل مِنْهُم سَمِعت {فَتىً يَذْكُرُهُمْ} بِالْكَسْرِ ويعيبهم {يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ}

61

{قَالُواْ} قَالَ لَهُم نمروذ {فَأْتُواْ بِهِ على أَعْيُنِ النَّاس} بمنظر النَّاس {لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ} على فعله وَيُقَال على قَوْله وَيُقَال على عُقُوبَته

62

{قَالُوا} قَالَ لَهُ نمروذ {أَأَنْت فعلت هَذَا} الْكسر {بآلهتنا يَا إِبْرَاهِيم}

63

{قَالَ} إِبْرَاهِيم {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} الَّذِي الفأس على عُنُقه {فاسألوهم إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ} يَتَكَلَّمُونَ حَتَّى يُخْبِرُوكُمْ من كسرهم

64

{فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ} بالملامة {فَقَالُوا} فَقَالَ لَهُم ملكهم نمروذ {إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ} لإِبْرَاهِيم

65

{ثمَّ نكسوا على رؤوسهم} رجعُوا إِلَى قَوْلهم الأول وَقَالَ نمروذ {لَقَدْ عَلِمْتَ} يَا إِبْرَاهِيم {مَا هَؤُلَاءِ يَنطِقُونَ} يَعْنِي الْأَصْنَام فَمن ذَلِك كسرتهم

66

{قَالَ} ابراهيم {أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً} إِن عبدتموه {وَلاَ يَضُرُّكُمْ} إِن تَرَكْتُمُوهُ

67

{أُفٍّ لكم} قذرا لكم وَيُقَال تبالكم {وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} أفليس لكم ذهن الإنسانية أَنه لَا يَنْبَغِي أَن يعبد مَالا يضر وَلَا ينفع

68

{قَالُواْ} قَالَ لَهُم ملكهم نمروذ {حَرِّقُوهُ} بالنَّار {وانصروا آلِهَتَكُمْ} انتقموا لآلهتكم {إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ} بِهِ شَيْئا فطرحوه فِي النَّار

69

{قُلْنَا يَا نَار كُونِي بَرْداً} بَارِدَة من حرك {وَسلَامًا} سليمَة من الْبرد {على إِبْرَاهِيمَ} وَلَو لم يقل سَلاما لأحرقه الْبرد

70

{وَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً} حرقاً {فَجَعَلْنَاهُمُ الأخسرين} الأسفلين

71

{وَنَجَّيْنَاهُ} من النَّار {وَلُوطاً} نجينا لوطا من الْخَسْف وبلغناهما {إِلَى الأَرْض الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} بِالْمَاءِ وَالشَّجر {لِلْعَالَمِينَ} وَهِي الْمُقَدّس وفلسطين والأردن

72

{وَوَهَبْنَا لَهُ} لإِبْرَاهِيم {إِسْحَاق} ولدا {وَيَعْقُوب} ولد الْوَلَد {نَافِلَةً} فَضِيلَة على الْوَلَد {وَكُلاًّ} يَعْنِي إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب وَأَوْلَادهمْ {جَعَلْنَا صَالِحِينَ} فِي دينهم مرسلين

73

{وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً} قادة فِي الْخَيْر {يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} يدعونَ الْخلق إِلَى أمرنَا {وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخيرَات} الْعَمَل بالطاعات وَيُقَال الدُّعَاء إِلَى لَا إِلَه إِلَّا الله {وَإِقَامَ الصَّلَاة} إتْمَام الصَّلَاة {وَإِيتَآءَ الزَّكَاة} إِعْطَاء الزَّكَاة {وَكَانُواْ لَنَا عَابِدِينَ} مُطِيعِينَ

74

{وَلُوطاً} أَيْضا {آتَيْنَاهُ حُكْماً} أعطيناه فهما {وَعِلْماً} نبوة {وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقرْيَة} من أهل قَرْيَة سدوم {الَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ} أَهلهَا {الْخَبَائِث} يَعْنِي اللواطة {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ} سوء فِي كفرهم {فَاسِقِينَ} باللواطة

75

{وَأَدْخَلْنَاهُ} ندخله فِي الْآخِرَة {فِي رَحْمَتِنَآ} فِي جنتنا وَيُقَال أكرمناه فِي الدُّنْيَا بِالنُّبُوَّةِ

{إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحين} فِي دينهم الْمُرْسلين

76

{وَنُوحاً} أَيْضا أكرمناه بِالنُّبُوَّةِ {إِذْ نَادَى} دَعَا ربه على قومه بِالْهَلَاكِ {مِن قَبْلُ} من قبل لوط {فاستجبنا لَهُ} الدُّعَاء {فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ} وَمن آمن بِهِ {مِنَ الكرب الْعَظِيم} يَعْنِي الْغَرق

77

{وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْم} على الْقَوْم وَيُقَال نجيناه إِن قَرَأت نصرناه بتَشْديد الصَّاد من الْقَوْم {الَّذين كذبُوا بآياتنآ} بكتابنا ورسولنا نوح {إِنَّهُم كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ} فِي كفرهم {فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ} بالطوفان

78

{وَدَاوُد وَسُلَيْمَانَ} أَيْضا أكرمناهما بِالنُّبُوَّةِ وَالْحكمَة {إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْث} فِي كرم قوم {إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ} دخلت فِيهِ وَوَقعت فِيهِ بِاللَّيْلِ {غَنَمُ الْقَوْم} قوم آخَرين {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ} لحكم دَاوُد وَسليمَان {شَاهِدِينَ} عَالمين

79

{فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} الرِّفْق فِي الْقَضَاء وَالْحكم {وَكُلاًّ} دَاوُد وَسليمَان {آتَيْنَا} أعطينا {حُكْماً} فهما {وَعِلْماً} نبوة {وسخرنا مَعَ دَاوُد الْجبَال يُسَبِّحْنَ} مَعَ دَاوُد إِذا سبح {وَالطير} أَيْضا {وَكُنَّا فَاعِلِينَ} إِنَّا فعلنَا ذَلِك بهم

80

{وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ} يَعْنِي الدروع {لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ} لتمنعكم {مِّن بَأْسِكُمْ} من سلَاح عَدوكُمْ {فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ} نعْمَته بالدروع

81

{وَلِسُلَيْمَانَ} وسخرنا لِسُلَيْمَان {الرّيح عَاصِفَةً} قاصفة شَدِيدَة {تَجْرِي بِأَمْرِهِ} بِأَمْر الله وَيُقَال بِأَمْر سُلَيْمَان من إصطخر {إِلَى الأَرْض الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} بِالْمَاءِ وَالشَّجر وَهِي الأَرْض المقدسة والأردن وفلسطين {وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ} سخرنا لَهُ {عَالِمِينَ}

82

{وَمِنَ الشَّيَاطِين} سخرنا من الشَّيَاطِين {مَن يَغُوصُونَ لَهُ} لِسُلَيْمَان الْبَحْر فَيخْرجُونَ من الْبَحْر الْجَوْهَر {وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً} من الْبُنيان {دُونَ ذَلِك} دون الغواصة {وَكُنَّا لَهُمْ} للشياطين {حَافِظِينَ} من أَن يعدو أحد على أحد فِي زَمَانه

83

{وَأَيُّوبَ} وَاذْكُر أَيُّوب {إِذْ نَادَى رَبَّهُ} دَعَا ربه {أَنِّي مَسَّنِيَ الضّر} أَنِّي أصابتني الشدَّة فِي جَسَدِي فارحمني ونجني {وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}

84

{فاستجبنا لَهُ} الدُّعَاء {فَكَشَفْنَا} فرفعنا {مَا بِهِ مِن ضُرٍّ} من شدَّة {وَآتَيْنَاهُ} أعطيناه {أَهْلَهُ} فِي الْجنَّة الَّذين هَلَكُوا فِي الدُّنْيَا {وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ} ولدا فِي الدُّنْيَا مثل مَا هَلَكُوا فِي الدُّنْيَا {رَحْمَةً} نعْمَة {مِّنْ عِندِنَا وذكرى لِلْعَابِدِينَ} عظة للْمُؤْمِنين

85

{وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ} وَاذْكُر إِسْمَاعِيل وَإِدْرِيس {وَذَا الكفل كُلٌّ مِّنَ الصابرين} على أَمر الله والمرازي

86

{وَأَدْخَلْنَاهُمْ} ندخلهم فِي الْآخِرَة {فِي رَحْمَتِنَا} فِي جنتنا {إِنَّهُمْ مِّنَ الصَّالِحين} من الْمُرْسلين غير ذِي الكفل لِأَنَّهُ كَانَ رجلا صَالحا وَلم يكن نَبيا

87

{وَذَا النُّون} وَاذْكُر صَاحب الْحُوت يَعْنِي يُونُس ابْن مَتى {إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً} مصارماً من الْملك {فَظَنَّ} يَعْنِي فَحسب {أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ} بالعقوبة {فَنَادَى فِي الظُّلُمَات} فِي ظلمَة الْبَحْر وظلمة أمعاء السّمك وظلمة بَطنهَا {أَن لاَّ إِلَه إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ} تبت إِلَيْك {إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمين}

على نَفسِي حَيْثُ غضِبت على أَمرك

88

{فاستجبنا لَهُ} الدُّعَاء {وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغم} من غم الظُّلُمَات {وَكَذَلِكَ} هَكَذَا {نُنجِي الْمُؤمنِينَ} عِنْد الدُّعَاء

89

{وَزَكَرِيَّآ} وَاذْكُر يَا مُحَمَّد زَكَرِيَّا {إِذْ نَادَى} دَعَا {رَبَّهُ رَبِّ لاَ تَذَرْنِي} لَا تتركني {فَرْداً} وحيداً بِلَا معِين {وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثين} المعينين

90

{فاستجبنا لَهُ} الدُّعَاء {وَوَهَبْنَا لَهُ يحيى} ولدا صَالحا {وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} بِالْوَلَدِ {إِنَّهُمْ} يَعْنِي الْأَنْبِيَاء وَيُقَال زَكَرِيَّا وَيحيى {كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي الْخيرَات} يبادرون إِلَى الطَّاعَات {وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً} هَكَذَا وَهَكَذَا وَيُقَال يعبدوننا رغباً إِلَى الْجنَّة ورهباً من النَّار {وَكَانُواْ لَنَا خاشِعِينَ} متواضعين مُطِيعِينَ

91

{وَالَّتِي} وَاذْكُر الَّتِي {أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} حفظت جيب درعها {فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا} فَنفخ جِبْرِيل فِي جيب درعها بأمرنا {وَجَعَلْنَاهَا وابنهآ آيَةً} عَلامَة وعبرة {لِّلْعَالَمِينَ} لبني إِسْرَائِيل ولدا بِلَا أَب وولادة بِلَا لمس

92

{إِنَّ هَذِه أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} دينكُمْ دين وَاحِد مرضِي {وَأَنَاْ رَبُّكُمْ} رب وَاحِد {فاعبدون} أطيعون

93

{وتقطعوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} تفَرقُوا فِيمَا بَينهم فِي دينهم يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس {كُلٌّ} كل فرقة {إِلَيْنَا رَاجِعُونَ}

94

{فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينه وَبَين ربه {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} مُصدق فِي إيمَانه {فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ} لَا ينسى ثَوَاب عمله بل يُثَاب عَلَيْهِ {وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ} مجازون ومثيبون وَيُقَال حافظون

95

{وَحَرَامٌ} التَّوْفِيق {على قَرْيَةٍ} على أهل مَكَّة أبي جهل وَأَصْحَابه {أَهْلَكْنَاهَآ} خذلناها بالْكفْر {أَنَّهُمْ لَا يرجعُونَ} عَن كفرهم إِلَى الْإِيمَان وَيُقَال وَحرَام الرُّجُوع على قَرْيَة على أهل مَكَّة أهلكناها يَوْم بدر بِالْقَتْلِ أَنهم لَا يرجعُونَ إِلَى الدُّنْيَا

96

{حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ} فَحِينَئِذٍ يخرجُون {وَهُمْ} يَعْنِي يَأْجُوج وَمَأْجُوج {مِّن كُلِّ حَدَبٍ} من كل أكمة وَمَكَان مُرْتَفع {يَنسِلُونَ} يخرجُون

97

{واقترب الْوَعْد الْحق} دنا قيام السَّاعَة عِنْد خُرُوجهمْ من السد {فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ} ذليلة لَا تكَاد تطرف {أَبْصَارُ الَّذين كَفَرُواْ} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن يَقُولُونَ {يَا ويلنا} يَا حسرتنا {قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا} الْيَوْم {بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ} كَافِرين بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن

98

{إِنَّكُمْ} يَا أهل مَكَّة {وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} من الْأَصْنَام {حَصَبُ جَهَنَّمَ} حطب جَهَنَّم بلغَة الْحَبَشَة {أَنتُمْ} يَا أهل مَكَّة وَمَا تَعْبدُونَ من الْأَصْنَام {لَهَا وَارِدُونَ} داخلون يعْنى جَهَنَّم

99

{لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ} الْأَصْنَام {آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا} مَا دخلُوا النَّار {وَكُلٌّ} العابد والمعبود {فِيهَا} فِي النَّار داخلون {خَالِدُونَ} مقيمون دائمون

100

{لَهُمْ فِيهَا} فِي جَهَنَّم {زَفِيرٌ} صَوت كصوت الْحمار {وَهُمْ فِيهَا} فِي جَهَنَّم يتعاوون {لاَ يَسْمَعُونَ} صَوت الرَّحْمَة والشفاعة وَصَوت الْخُرُوج والرخاء وَلَا يبصرون

101

{إِنَّ الَّذين سَبَقَتْ} وَجَبت {لَهُمْ مِّنَّا الْحسنى} الْجنَّة يَعْنِي عِيسَى وعزيرا {أُولَئِكَ عَنْهَا} عَن النَّار {مُبْعَدُونَ} منجون

102

{لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا} صَوتهَا {وَهُمْ فِي مَا اشتهت} تمنت

{أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ} مقيمون فِي الْجنَّة

103

{لاَ يَحْزُنُهُمُ الْفَزع الْأَكْبَر} إِذا أطبقت النَّار وَذبح الْمَوْت بَين الْجنَّة وَالنَّار {وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَة} على بَاب الْجنَّة بالبشرى {هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} فِي الدُّنْيَا نزلت من قَوْله إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله إِلَى هَهُنَا فِي شَأْن عبد الله بن الزبعري السَّهْمِي الشَّاعِر وخصومته مَعَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقبل الْأَصْنَام

104

{يَوْمَ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {نَطْوِي السمآء} بِالْيَمِينِ {كَطَيِّ السّجل} كطي الْكتاب {لِلْكُتُبِ} الصَّحِيفَة {كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ} أول خلقهمْ من النُّطْفَة {نُّعِيدُهُ} نبعثه من التُّرَاب {وَعْداً عَلَيْنَآ} وَاجِبا علينا {إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} نحييهم بعد الْمَوْت

105

{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبُور} فِي زبور دَاوُد {مِن بَعْدِ الذّكر} من بعد التَّوْرَاة وَيُقَال وَلَقَد كتبنَا فِي الزبُور فِي كتب الْأَنْبِيَاء من بعد الذّكر اللَّوْح الْمَحْفُوظ {أَنَّ الأَرْض} أَرض الْجنَّة {يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصالحون} الموحدون وَيُقَال الأَرْض المقدسة يَرِثهَا ينزلها عبَادي الصالحون من بني إِسْرَائِيل وَيُقَال الصالحون فِي آخر الزَّمَان

106

{إِنَّ فِي هَذَا} الْقُرْآن {لَبَلاَغاً} لكفاية وَيُقَال عظة بِالْأَمر وَالنَّهْي {لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ} مُوَحِّدين

107

{وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ} يَا مُحَمَّد {إِلاَّ رَحْمَةً} من الْعَذَاب {لِّلْعَالَمِينَ} من الْجِنّ وَالْإِنْس من آمن بك وَيُقَال نعْمَة

108

{قُلْ} يَا مُحَمَّد {إِنَّمَآ يُوحى إِلَيَّ} فِي هَذَا الْقُرْآن {أَنَّمَآ إِلَهكُم إِلَه وَاحِدٌ} بِلَا ولد وَلَا شريك {فَهَلْ أَنتُمْ} يَا أهل مَكَّة {مُّسْلِمُونَ} مقرون مخلصون بِالْعبَادَة والتوحيد

109

{فَإِن تَوَلَّوْاْ} عَن الْإِيمَان وَالْإِخْلَاص {فَقُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {آذَنتُكُمْ} أعلمتكم فصرت أَنا وَأَنْتُم {على سَوَآءٍ} على بَيَان عَلَانيَة بِغَيْر سر {وَإِنْ أَدْرِي} مَا أَدْرِي {أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ} من الْعَذَاب

110

{إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْر مِنَ القَوْل} وَالْفِعْل {وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ} مَا تسرون من القَوْل وَالْفِعْل وَيعلم بعذابكم مَتى يكون

111

{وَإِنْ أَدْرِي} مَا أَدْرِي {لَعَلَّهُ} يَعْنِي تَأْخِير الْعَذَاب {فِتْنَةٌ} بلية {لَّكُمْ وَمَتَاعٌ} أجل {إِلَى حِينٍ} حِين الْعَذَاب

112

{قَالَ} يَا مُحَمَّد {رَبِّ احكم بِالْحَقِّ} اقْضِ بينى وَبَين أهل مَكَّة بِالْحَقِّ وَالْعدْل {وَرَبُّنَا الرَّحْمَن الْمُسْتَعَان} نستعين بِهِ {على مَا تصفون} تَقولُونَ من الْكَذِب وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْحَج وهى كلهَا مَكِّيَّة إِلَّا خمس آيَات {وَمِنَ النَّاس مَن يَعْبُدُ الله على حَرْفٍ} إِلَى آخر الْآيَتَيْنِ وَقَوله {أذن للَّذين يُقَاتلُون بِأَنَّهُم ظلمُوا} إِلَى آخر الْآيَتَيْنِ والسجدة الْأَخِيرَة فَهَؤُلَاءِ الْآيَات مدنيات وكل شىء فى الْقُرْآن يأيها الَّذين آمنُوا فَهُوَ مدنى وكل شىء فى الْقُرْآن يأيها النَّاس فَهُوَ مكى ومدنى وَلَا تَجِد يأيها الَّذين آمنُوا مَكِّيَّة آياتها خمس وَسَبْعُونَ آيَة وكلماتها ألف ومائتان وَإِحْدَى وَتسْعُونَ وحروفها خَمْسَة آلَاف وَمِائَة وَخَمْسَة وَثَلَاثُونَ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

الحج

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّاس} خَاص وعام وَهَهُنَا عَام {اتَّقوا رَبَّكُمْ} اخشوا ربكُم وأطيعوه {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَة} قيام السَّاعَة {شَيْءٌ عَظِيمٌ} هوله

2

{يَوْمَ تَرَوْنَهَا} حِين ترونها عِنْد النفخة الأولى {تَذْهَلُ} تشتغل {كُلُّ مُرْضِعَةٍ} وَالِدَة {عَمَّآ أَرْضَعَتْ} عَن وَلَدهَا {وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا}

وتضع الْحَوَامِل مَا فِي بطونها من الْأَوْلَاد {وَتَرَى النَّاس} قيَاما {سكارى} نشاوى {وَمَا هُم بسكارى} بنشاوى من الشَّرَاب {وَلَكِن عَذَابَ الله شَدِيدٌ} فَمن ذَلِك تحيروا كَأَنَّهُمْ سكارى

3

{وَمِنَ النَّاس} وَهُوَ النَّضر بن الْحَارِث {مَن يُجَادِلُ فِي الله} يُخَاصم فِي دين الله وَكتابه {بِغَيْرِ عِلْمٍ} بِلَا علم وَلَا حجَّة وَلَا بَيَان {وَيَتَّبِعُ} يُطِيع {كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ} متمرد شَدِيد لعين

4

{كُتِبَ عَلَيْهِ} قضي عَلَيْهِ على الشَّيْطَان {أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ} أطاعه {فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ} عَن الْهدى {وَيَهْدِيهِ} يَدعُوهُ {إِلَى عَذَابِ السعير} إِلَى مَا يجب بِهِ عَذَاب الْوقُود

5

{يَا أَيهَا النَّاس} يَعْنِي أهل مَكَّة {إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ} فِي شكّ {مِّنَ الْبَعْث} بعد الْمَوْت فتفكروا فِي بَدْء خَلقكُم فَإِن إحياءكم لَيْسَ بأشد عَليّ من بدئكم {فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ} من آدم وآدَم من تُرَاب {ثُمَّ} خَلَقْنَاكُمْ بعد ذَلِك {مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ} من دم عبيط بعد النُّطْفَة {ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ} من لحم طري بعد الْعلقَة {مُّخَلَّقَةٍ} خلق تَمام {وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} وَهِي السقط {لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ} فِي الْقُرْآن بَدْء خَلقكُم {وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَام} من أَن يسْقط وَيُقَال نَتْرُك فِي الْأَرْحَام {مَا نَشَآءُ} من الْوَلَد {إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى} إِلَى وَقت مَعْلُوم من الشُّهُور {ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ} من الْأَرْحَام {طِفْلاً} صغَارًا {ثُمَّ} نترككم {لتبلغوا أَشُدَّكُمْ} من ثَمَان عشرَة سنة إِلَى ثَلَاثِينَ سنة {وَمِنكُمْ مَّن يتوفى} يقبض روحه قبل الْبلُوغ {وَمِنكُمْ مَّن يُرَدُّ} يرجع {إِلَى أَرْذَلِ الْعُمر} إِلَى حَاله الأول بعد الْهَرم {لِكَيْلاَ يَعْلَمَ} حَتَّى لَا يعقل {مِن بَعْدِ عِلْمٍ} من بعد علمه الأول {شَيْئاً وَتَرَى الأَرْض هَامِدَةً} منكسرة ميتَة {فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا المآء اهتزت} بالنبات وَيُقَال تحركت واستبشرت بِالْمَاءِ {وَرَبَتْ} انتفخت للنبات {وَأَنبَتَتْ} أخرجت بِالْمَاءِ {مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} من كل لون حسن

6

{ذَلِك} الْقُدْرَة فِي تحويلكم وَغير ذَلِك لتقروا وتعلموا {بِأَنَّ الله هُوَ الْحق} بِأَن عبَادَة الله هِيَ الْحق {وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى} للنشور {وَأَنَّهُ على كُلِّ شَيْءٍ} من الْحَيَاة وَالْمَوْت {قدير}

7

{وَأَنَّ السَّاعَة آتِيَةٌ} كائنة {لاَّ رَيْبَ فِيهَا} لَا شكّ فِي كينونتها {وَأَنَّ الله يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُور} للجزاء وَالْعِقَاب

8

{ومِنَ النَّاس مَن يُجَادِلُ فِي الله} يُخَاصم فِي دين الله وَكتابه {بِغَيْرِ عِلْمٍ} بِلَا علم {وَلاَ هُدىً} بِلَا حجَّة {وَلاَ كِتَابٍ مُنِير} مُبين بِمَا يَقُول

9

{ثَانِي عطفه} لَا وَيَا عُنُقه معرضًا عَن الْآيَات مُكَذبا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ الله} عَن دين الله وطاعته {لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ} عَذَاب قتل يَوْم بدر صبرا {وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَة عَذَابَ الْحَرِيق} عَذَاب النَّار وَيُقَال الْعَذَاب الشَّديد

10

{ذَلِك} الْقَتْل يَوْم بدر صبرا {بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ} بِمَا عملت يداك فِي الشّرك نزل من قَوْله {ومِنَ النَّاس مَن يُجَادِلُ فِي الله} إِلَى هَهُنَا فِي شَأْن النَّضر بن الْحَارِث {وَأَنَّ الله لَيْسَ بظلام للعبيد} أَن يَأْخُذهُمْ بِلَا جرم

11

{وَمِنَ النَّاس مَن يَعْبُدُ الله على حَرْفٍ} على وَجه تجربة وَشك وانتظار نعْمَة نزلت هَذِه الْآيَة فِي شَأْن بني الحلاف منافقي بني أَسد وغَطَفَان {فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ}

نعْمَة {اطْمَأَن بِهِ} رضى بدين مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِلِسَانِهِ {وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ} شدَّة {انْقَلب على وَجْهِهِ} رَجَعَ إِلَى دينه الأول الشّرك بِاللَّه {خَسِرَ الدُّنْيَا} غبن الدُّنْيَا بذهابها {وَالْآخِرَة} بذهاب الْجنَّة {ذَلِك} الْغبن {هُوَ الخسران الْمُبين} الْغبن البيّن بذهاب الدُّنْيَا وَالْآخِرَة

12

{يَدْعُو} يعبد بَنو الحلاف {مِن دُونِ الله مَا لاَ يَضُرُّهُ} إِن لم يعبده {وَمَا لاَ يَنفَعُهُ} إِن عَبده {ذَلِك هُوَ الضلال} الْخَطَأ {الْبعيد} عَن الْحق وَالْهدى

13

{يَدْعُو} يعبد بَنو الحلاف {لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ} يَقُول من ضره قريب ونفعه بعيد {لَبِئْسَ الْمولى} الرب {وَلَبِئْسَ العشير} الْخَلِيل والصاحب يَقُول من كَانَت عِبَادَته مضرَّة على عابده لبئس المعبود هُوَ

14

{إِن الله يدْخل الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {جنَّات} بساتين {تجْرِي من تحتهَا} من تَحت أشجارها ومساكنها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {إِنَّ الله يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} من الشقاوة والسعادة وَنزل فيهم أَيْضا حِين قَالُوا نَخَاف أَن لَا ينصر مُحَمَّد فِي الدُّنْيَا فَيذْهب مَا كَانَ بَيْننَا وَبَين الْيَهُود من الْمَوَدَّة

15

{مَن كَانَ يَظُنُّ} يحْسب {أَن لَّن يَنصُرَهُ الله} يعْنى مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالغلبة {فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة} بالعذر وَالْحجّة {فَلْيَمْدُدْ} فليربط {بِسَبَبٍ} بِحَبل {إِلَى السمآء} إِلَى سَمَاء بَيته {ثُمَّ لْيَقْطَعْ} ليختنق {فَلْيَنْظُرْ} فليتفكر فِي نَفسه {هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ} اختناقه {مَا يَغِيظُ} غيظه فى مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيُقَال فِيهِ وَجه آخر من كَانَ يظنّ أَن لن ينصره الله فِي الدُّنْيَا بالرزق وَالْآخِرَة بالثواب فليمدد بِسَبَب إِلَى السَّمَاء فليربط حبلاً إِلَى سقف بَيته ثمَّ ليقطع فَلْينْظر فِي نَفسه هَل يذْهبن كَيده اختناقه مَا يغيظه غيظة فِي رزقه

16

{وَكَذَلِكَ} هَكَذَا {أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ} أنزلنَا جِبْرِيل بآيَات {بَيِّنَاتٍ} بالحلال وَالْحرَام {وَأَنَّ الله يَهْدِي} يرشد إِلَى دينه {مَن يُرِيدُ} من كَانَ أَهلا لذَلِك

17

{إِن الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَالَّذين هَادُواْ} يهود أهل الْمَدِينَة {وَالصَّابِئِينَ} السائحين وهم شُعْبَة من النَّصَارَى {وَالنَّصَارَى} يَعْنِي نَصَارَى أهل نَجْرَان السَّيِّد وَالْعَاقِب {وَالْمَجُوس} عَبدة الشَّمْس والنيران {وَالَّذين أشركوا} مُشْركي الْعَرَب {إِنَّ الله يَفْصِلُ} يقْضِي {بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَة إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ} من اخْتلَافهمْ وأعمالهم {شَهِيد} عَالم

18

{أَلَمْ تَرَ} ألم تخبر يَا مُحَمَّد فِي الْقُرْآن {أَنَّ الله يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَات} من الْخلق {وَمَن فِي الأَرْض} من الْمُؤمنِينَ {وَالشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم وَالْجِبَال وَالشَّجر والدوآب} كل هَؤُلَاءِ يَسْجُدُونَ لله {وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاس} وَجَبت لَهُم الْجنَّة وهم الْمُؤْمِنُونَ {وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَاب} وَجب عَلَيْهِم عَذَاب النَّار وهم الْكَافِرُونَ {وَمَن يُهِنِ الله} بالشقاوة {فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ} بالسعادة وَيُقَال وَمن يهن الله بالنكرة فَمَا لَهُ من مكرم بالمعرفة {إِنَّ الله يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ} بخلقه من الشقاوة والسعادة والمعرفة والنكرة

19

{هَذَانِ خَصْمَانِ} أهل دينين من الْمُسلمين وَالْيَهُود وَالنَّصَارَى {اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} فِي دين رَبهم فَقَالَ كل وَاحِد مِنْهُم أَنا أولى بِاللَّه بِدِينِهِ فَحكم الله بَينهم فَقَالَ {فَالَّذِينَ كَفَرُواْ} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى {قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارِ} قمص وجباب من نَار {يُصَبُّ من فَوق رؤوسهم} على رُءُوسهم {الْحَمِيم} المَاء الْحَار

20

{يُصْهَرُ بِهِ} يذاب بالحميم {مَا فِي بُطُونِهِمْ} من الشحوم وَغَيرهَا {والجلود} ويذاب بِهِ الْجُلُود وَغَيرهَا

21

{وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ} حَار يضْرب على رؤوسهم

22

{كلمآ أَرَادوا أَن يخرجُوا مِنْهَا} من النَّار {مِنْ غَمٍّ} من غم الْعَذَاب {أُعِيدُواْ فِيهَا} فِي النَّار بِضَرْب المقامع {وَذُوقُواْ} فَيُقَال لَهُم ذوقوا {عَذَابَ الْحَرِيق} الشَّديد

23

{إِن الله يدْخل الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {جنَّات} بساتين {تجْرِي من تحتهَا} من تَحت شَجَرهَا ومساكنها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {يُحَلَّوْنَ فِيهَا} يلبسُونَ فِي الْجنَّة {مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ} أسورة من ذهب {وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا} فِي الْجنَّة {حَرِيرٌ} لَا يُوصف فَضله

24

{وهدوا إِلَى الطّيب مِنَ القَوْل} أرشدوا فِي الدُّنْيَا إِلَى القَوْل الطّيب لَا إِلَه إِلَّا الله {وهدوا إِلَى صِرَاطِ الحميد} ووفقوا للدّين الْمَحْمُود فِي فعاله وَيُقَال الحميد لمن وَحده فَهَذَا قَضَاء الله فِيمَا بَين الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمُؤمنِينَ فِي خصومتهم

25

{إِن الَّذين كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن أَبُو سُفْيَان وَأَصْحَابه وَإِنَّمَا سَمَّاهُ كَافِرًا لِأَنَّهُ لم يكن مُؤمنا يَوْمئِذٍ {وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله} يصرفون النَّاس عَن دين الله وطاعته {وَالْمَسْجِد الْحَرَام} يصرفون مُحَمَّدًا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأَصْحَابه عَام الْحُدَيْبِيَة عَن الْمَسْجِد الْحَرَام للْعُمْرَة {الَّذِي جَعَلْنَاهُ} حرما وقبلة {لِلنَّاسِ سَوَآءً العاكف فِيهِ والباد} يَعْنِي الْمُقِيم والغريب سَوَاء شرع {وَمَن يُرِدْ} يمل {فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} على أحد {نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} وجيع نضربه ضربا شَدِيدا لكَي لَا يعود إِلَى ظلم أحد وَيُقَال نزلت فِي شَأْن عبد الله بن أنس بن حنظل قتل أَنْصَارِيًّا بِالْمَدِينَةِ مُتَعَمدا وارتد عَن الْإِسْلَام والتجأ إِلَى مَكَّة وَنزل فِيهِ وَمن يرد فِيهِ من يلجأ إِلَيْهِ بالحاد بقتل بظُلْم بشرك نذقه من عَذَاب أَلِيم وجيع لَا يطعم وَلَا يسقى وَلَا يؤوى حَتَّى يخرج من الْحرم ثمَّ يُقَام عَلَيْهِ الْحَد

26

{وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ} بَينا لإِبْرَاهِيم {مَكَانَ الْبَيْت} الْحَرَام بسحابة وقفت على حياله فَبنى إِبْرَاهِيم الْبَيْت على حِيَال السحابة وأوحينا إِلَيْهِ {أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً} من الْأَصْنَام {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ} مَسْجِدي من الْأَوْثَان {لِلطَّآئِفِينَ} حوله {والقآئمين} المقيمين فِيهِ {والركع السُّجُود} لأهل الصَّلَوَات من جملَة الْبلدَانِ من كل وَجه

27

{وَأَذِّن فِي النَّاس} نَاد ذريتك {بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ} حَتَّى يجيئوا إِلَيْك {رِجَالاً} مشَاة على أَرجُلهم {وعَلى كُلِّ ضَامِرٍ} ركباناً على كل إبل مُضْمر وَغَيره {يَأْتِينَ} يجئن {مِن كُلِّ فَجٍّ عميق} طَرِيق وَأَرْض بعيدَة

28

{لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ} مَنَافِع الدُّنْيَا وَالْآخِرَة مَنَافِع الْآخِرَة بِالدُّعَاءِ وَالْعِبَادَة وَمَنَافع الدُّنْيَا بِالرِّبْحِ وَالتِّجَارَة {وَيَذْكُرُواْ اسْم الله} لِيذكرُوا اسْم الله {فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ} معروفات أَيَّام التَّشْرِيق {على مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَام} على ذَبِيحَة الْأَنْعَام {فَكُلُواْ مِنْهَا} من الْأَضَاحِي {وَأَطْعِمُواْ} أعْطوا {البآئس الْفَقِير} الضَّرِير الزَّمن الْمُحْتَاج

29

{ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ} ليتموا مَنَاسِك حجهم حلق الرَّأْس وَرمي الْجمار وتقليم الْأَظْفَار وَغير ذَلِك {وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ} وليتموا مَا أوجبوا على أنفسهم {وَلْيَطَّوَّفُواْ} الطّواف الْوَاجِب {بِالْبَيْتِ الْعَتِيق} أعتق من كل جَبَّار دخل فِيهِ وَيُقَال من غرق الطوفان زمن نوح وَيُقَال هُوَ أول بَيت بني وَيُقَال من طَاف حوله فقد عتق

30

{ذَلِك} الَّذِي ذكرت من الْمَنَاسِك عَلَيْهِم أَن يوفوا ذَلِك {وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ الله} مَنَاسِك الْحَج {فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ} بالثواب {وَأُحِلَّتْ لَكُمُ} رخصت لكم {الْأَنْعَام} ذَبِيحَة الْأَنْعَام وَأكل لحومها {إِلاَّ مَا يُتْلَى} إِلَّا مَا حرم {عَلَيْكُمْ} فِي سُورَة الْمَائِدَة مثل الْميتَة وَالدَّم وَلحم الْخِنْزِير {فَاجْتَنبُوا الرجس مِنَ الْأَوْثَان} فاتركوا شرب الْخمر وَعبادَة الْأَوْثَان

{وَاجْتَنبُوا قَوْلَ الزُّور} اتْرُكُوا قَول الْبَاطِل وَالْكذب لأَنهم كَانُوا يَقُولُونَ فِي تلبيتهم فِي الْجَاهِلِيَّة لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك لبيْك لَا شريك لَك إِلَّا شَرِيكا هُوَ لَك تملكه وَمَا ملك فنهاهم الله عَن ذَلِك

31

{حنفَاء لله} كونُوا مُسلمين مُخلصين لله بِالتَّلْبِيَةِ وَالْحج {غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} بِاللَّه فِي التَّلْبِيَة وَالْحج {وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّه فَكَأَنَّمَا خَرَّ} وَقع {مِنَ السمآء فَتَخْطَفُهُ} فتأخذه {الطير} وَتذهب بِهِ حَيْثُ يَشَاء {أَوْ تَهْوِي} تذْهب {بِهِ الرّيح فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} بعيد

32

{ذَلِك} التباعد لمن اشرك بِاللَّه {وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ الله} مَنَاسِك الْحَج فَيذْبَح أسمنها وَأَعْظَمهَا {فَإِنَّهَا} يعْنى دبيحة أسمنها وَأَعْظَمهَا {مِن تَقْوَى الْقُلُوب} من صفاوة الْقُلُوب وإخلاص الرجل

33

{لَكُمْ فِيهَا} فِي الْأَنْعَام {مَنَافِعُ} فِي ركُوبهَا وَأَلْبَانهَا {إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى} إِلَى حِين تقلد وَتسَمى هَديا {ثُمَّ مَحِلُّهَآ} منحرها {إِلَى الْبَيْت الْعَتِيق} إِن كَانَت للْعُمْرَة وَإِن كَانَت لِلْحَجِّ فالى منى

34

{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ} من الْمُؤمنِينَ {جَعَلْنَا مَنسَكاً} مذبحاً لَهُم لحجهم وعمرتهم {لِّيَذْكُرُواْ اسْم الله على مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَام} على ذَبِيحَة الْأَنْعَام {فإلهكم إِلَه وَاحِدٌ} بِلَا ولد وَلَا شريك {فَلَهُ أَسْلِمُواْ} أَخْلصُوا بِالْعبَادَة والتوحيد {وَبَشِّرِ المخبتين} الْمُجْتَهدين المخلصين بِالْجنَّةِ

35

{الَّذين إِذَا ذُكِرَ الله} أمروا بِأَمْر من قبل الله {وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} خَافت قُلُوبهم {وَالصَّابِرِينَ} وَبشر الصابرين أَيْضا بِالْجنَّةِ {على مَآ أَصَابَهُمْ} من المرازي والمصائب {والمقيمي الصَّلَاة} وَبشر المقيمين للصلوات الْخمس بوضوئها وركوعها وسجودها وَمَا يجب فِيهَا من مواقيتها بِالْجنَّةِ أَيْضا {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} من الْأَمْوَال {يُنفِقُونَ} يتصدقون ويؤدون زَكَاتهَا

36

{وَالْبدن} يَعْنِي الْبَقر وَالْإِبِل {جَعَلْنَاهَا لَكُمْ} سخرناها لكم {مِّن شَعَائِرِ الله} من مَنَاسِك الْحَج لكَي تذبحوا {لَكُمْ فِيهَا} فِي الْأَضَاحِي {خَيْرٌ} ثَوَاب {فاذكروا اسْم الله عَلَيْهَا} على ذَبحهَا {صَوَآفَّ} خوالص من الْعُيُوب وَيُقَال معقولة يَدهَا الْيُسْرَى قَائِمَة على ثَلَاث قَوَائِم وقرئت بِرَفْع النُّون {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} فَإِذا خرجت لجنبها بعد الذّبْح {فَكُلُواْ مِنْهَا} من الْأَضَاحِي {وَأَطْعِمُواْ} أعْطوا {القانع} السَّائِل الَّذِي يقنع باليسير {والمعتر} الَّذِي يعترضك وَلَا يَسْأَلك {كَذَلِك} الَّذِي ذكرت لكم {سَخَّرْنَاهَا} ذللناها {لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} لكَي تشكروا عمته ورخصته

37

{لَن يَنَالَ الله} لن يصل إِلَى الله {لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا} وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة يضْربُونَ لحم الْأَضَاحِي على حَائِط الْبَيْت ويتلطخون بدمها فنهاهم الله عَن ذَلِك وَيُقَال لَا يقبل الله لحومها وَلَا دماءها {وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ} وَلَكِن يقبل الْأَعْمَال الزاكية الطاهرة مِنْكُم {كَذَلِك} هَكَذَا {سَخَّرَهَا} ذللها {لَكُمْ لِتُكَبِّرُواْ الله} لتعظموا الله {على مَا هَدَاكُمْ} كَمَا هدَاكُمْ لدينِهِ وسنته {وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ} بالْقَوْل وَالْفِعْل بِالْجنَّةِ وَيُقَال الْمُحْسِنِينَ بالذبائح

38

{إِنَّ الله يُدَافِعُ عَنِ الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن كفار مَكَّة {إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ} خائن {كَفُورٍ} كَافِر بِاللَّه

39

{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ} أذن للْمُؤْمِنين بِالْقِتَالِ مَعَ كفار مَكَّة {بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ} ظلمهم كفار مَكَّة {وَإِنَّ الله على نَصْرِهِمْ} على نصر الْمُؤمنِينَ على عدوهم {لَقَدِيرٌ}

40

{الَّذين أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم} أخرجهم كفار مَكَّة من مَنَازِلهمْ {بِغَيْرِ حَقٍّ} بِلَا حق وَلَا جرم {إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا الله} إِلَّا لقَولهم لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله {وَلَوْلاَ دَفْعُ الله النَّاس بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ}

فَدفع بالنبيين عَن الْمُؤمنِينَ وَبِالْمُؤْمِنِينَ عَن الْكَافرين وبالمجاهدين عَن القاعدين بِغَيْر عذر وَلَوْلَا ذَلِك {لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ} صوامع الرهبان {وَبِيَعٌ} كنائس الْيَهُود {وَصَلَوَاتٌ} بَيت نَار الْمَجُوس لِأَن كل هَؤُلَاءِ فِي مأمن الْمُسلمين {وَمَسَاجِدُ} للْمُسلمين {يُذْكَرُ فِيهَا} فِي الْمَسَاجِد {اسْم الله} بِالتَّكْبِيرِ والتهليل {كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ الله} على عدوه {مَن يَنصُرُهُ} من ينصر نبيه بِالْجِهَادِ {إِنَّ الله لَقَوِيٌّ} بنصرة نبيه ونصرة من ينصر نبيه {عَزِيزٌ} بالنقمة من أَعدَاء نبيه

41

{الَّذين إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْض} أنزلناهم فِي أَرض مَكَّة {أَقَامُواْ الصَّلَاة} أَتموا الصَّلَوَات الْخمس {وَآتَوُاْ الزَّكَاة} أعْطوا زَكَاة أَمْوَالهم {وَأَمَرُواْ بِالْمَعْرُوفِ} بِالتَّوْحِيدِ وَاتِّبَاع مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَنَهَوْاْ عَنِ الْمُنكر} عَن الْكفْر والشرك وَمُخَالفَة الرَّسُول {وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُور} وَإِلَى الله ترجع عواقب الْأُمُور فِي الْآخِرَة

42

{وَإِن يُكَذِّبُوكَ} يَا مُحَمَّد قُرَيْش {فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ} قبل قَوْمك {قَوْمُ نُوحٍ} نوحًا {وَعَادٌ} قوم هود هوداً {وَثَمُودُ} قوم صَالح صَالحا

43

{وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ} إِبْرَاهِيم {وَقَوْمُ لُوطٍ} لوطاً

44

{وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ} قوم شُعَيْب شعيباً {وَكُذِّبَ مُوسَى} كذبه قومه القبط {فَأمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ} فأمهلت للْكَافِرِينَ فِي كفرهم إِلَى الْأَجَل {ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ} بالعقوبة {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} انْظُر يَا مُحَمَّد كَيفَ كَانَ تغييري عَلَيْهِم بالعقوبة

45

{فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ} كم من أهل قَرْيَة {أَهْلَكْنَاهَا} بِالْعَذَابِ {وَهِيَ ظَالِمَةٌ} مُشركَة كَافِرَة أَهلهَا {فَهِيَ خَاوِيَةٌ} سَاقِطَة {على عُرُوشِهَا} على سقوفها {وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ} وَكم من بِئْر معطلة عطلها أَرْبَابهَا لَيْسَ عَلَيْهَا أحد {وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ} حُصَيْن طَوِيل لَيْسَ فِيهِ سَاكن إِن قُرِئت بِنصب الْمِيم وَيُقَال مجصص إِن قُرِئت بِضَم الْمِيم وَتَشْديد الْيَاء

46

{أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْض} أفلم يُسَافر أهل مَكَّة فِي تجاراتهم {فَتَكُونَ} فَتَصِير {لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ} التخويف وَمَا صنع بغيرهم إِذا نظرُوا وتفكروا فِيهَا {أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} الْحق والتخويف {فَإِنَّهَا} يَعْنِي النظرة بِغَيْر عِبْرَة وَيُقَال كلمة الشّرك {لاَ تَعْمَى الْأَبْصَار} من النّظر {وَلَكِن تعمى الْقُلُوب الَّتِي فِي الصُّدُور} من الْحق وَالْهدى

47

{ويستعجلونك} يَا مُحَمَّد {بِالْعَذَابِ} استعجله النَّضر ابْن الْحَارِث قبل أَجله {وَلَن يُخْلِفَ الله وَعْدَهُ} بِالْعَذَابِ {وَإِنَّ يَوْماً} من الَّذِي وعد فِيهِ عَذَابهمْ {عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} من سني الدُّنْيَا

48

{وكأين من قَرْيَة} وَكم من أهل قَرْيَة {أَمْلَيْتُ لَهَا} أمهلتها إِلَى أجل {وَهِيَ ظَالِمَةٌ} مُشركَة كَافِرَة أَهلهَا {ثُمَّ أَخَذْتُهَا} عَاقبَتهَا فِي الدُّنْيَا {وَإِلَيَّ الْمصير} الْمرجع فِي الْآخِرَة

49

{قل يَا أَيهَا النَّاس} يَا أهل مَكَّة {إِنَّمَآ أَنَاْ لَكُمْ} من الله {نَذِيرٌ} رَسُول مخوف {مُّبِينٌ} بلغَة تعلمونها

50

{فَالَّذِينَ آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الْخيرَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ} لذنوبهم فِي الدُّنْيَا {وَرِزْقٌ كريم} ثَوَاب حسن فِي الْجنَّة

51

{وَالَّذين سَعَوْاْ فِي آيَاتِنَا} كذبُوا بِآيَاتِنَا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {مُعَاجِزِينَ} لَيْسُوا بفائتين من عذابنا {أُولَئِكَ أَصْحَاب الْجَحِيم}

أهل النَّار

52

{وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ} يَا مُحَمَّد {مِن رَّسُولٍ} مُرْسل {وَلاَ نَبِيٍّ} مُحدث لَيْسَ بمرسل {إِلاَّ إِذَا تمنى} قَرَأَ الرَّسُول أَو حدث النَّبِي {أَلْقَى الشَّيْطَان فِي أُمْنِيَّتِهِ} فِي قِرَاءَة الرَّسُول وَحَدِيث النَّبِي {فَيَنسَخُ الله} يبيّن الله {مَا يُلْقِي الشَّيْطَان} على لِسَان نبيه لكَي لَا يعْمل بِهِ ثُمَّ يُحْكِمُ الله يبين {آيَاتِهِ} لنَبيه لكَي يعْمل بهَا {وَالله عَلِيمٌ} بِمَا يلقِي الشَّيْطَان على لِسَان نبيه {حَكِيمٌ} حكم بنسخه

53

{لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَان} على لِسَان نبيه {فِتْنَةً} بلية {لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} شكّ وَخلاف لكَي يعملوا بِهِ {والقاسية قُلُوبُهُمْ} من ذكر الله {وَإِنَّ الظَّالِمين} الْمُشْركين الْوَلِيد بن الْمُغيرَة وَأَصْحَابه {لَفِي شِقَاقٍ} خلاف ومعاداة {بَعِيدٍ} عَن الْحق وَالْهدى

54

{وَلِيَعْلَمَ} ولكي يعلم تبيان الله {الَّذين أُوتُواْ الْعلم} أعْطوا الْعلم بِالْقُرْآنِ والتوراة عبد الله ابْن سَلام وَأَصْحَابه {أَنَّهُ} يَعْنِي تبيان الْحق هُوَ {الْحق مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُواْ بِهِ} فيصدقوا بتبيان الله {فَتُخْبِتَ لَهُ} فتخلص لَهُ وتقبله يَعْنِي تبيان الله {قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الله لَهَادِ} حَافظ {الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} إِلَى دين قَائِم يرضاه وَهُوَ الْإِسْلَام

55

{وَلَا يزَال الَّذين كفرُوا} بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن الْوَلِيد بن الْمُغيرَة وَأَصْحَابه {فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ} فِي شكّ من الْقُرْآن وَلَكِن انظرهم يَا مُحَمَّد {حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَة} قيام السَّاعَة {بَغْتَةً} فَجْأَة {أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ} لَا فرج فِيهِ وَهُوَ يَوْم بدر

56

{الْملك} الْقَضَاء {يَوْمَئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} يقْضِي بَين الْمُؤمنِينَ والكافرين {فَالَّذِينَ آمَنُواْ} بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {فِي جَنَّاتِ النَّعيم} يكرمون بالتحف

57

{وَالَّذين كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآياتِنَا} بكتابنا ورسولنا {فَأُولَئِك لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} يهانون بِهِ وَيُقَال شَدِيد

58

{وَالَّذين هَاجَرُواْ فِي سَبِيلِ الله} فِي طَاعَة الله من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة {ثُمَّ قتلوا} قَتلهمْ الْعَدو فِي سَبِيل الله {أَوْ مَاتُواْ} فِي سفر أَو حضر {لَيَرْزُقَنَّهُمُ الله رِزْقاً حسنا} ثَوابًا حسنا فى الْجنَّة لأموالهم وَغَنَائِم حَلَالا طيبا لأحيائهم {وَإِنَّ الله لَهُوَ خَيْرُ الرازقين} أفضل المطعمين فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة

59

{لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُّدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ} لأَنْفُسِهِمْ وَيُقَال يقبلونه يَعْنِي الْجنَّة {وَإِنَّ الله لَعَلِيمٌ} بثوابهم وكرامتهم {حَلِيمٌ} بِتَأْخِير عُقُوبَة من قَتلهمْ

60

{ذَلِك} هَذَا قَضَاء الله فِيمَا بَين الْمُؤمنِينَ والكافرين فِي الْآخِرَة {وَمَنْ عَاقَبَ} قَاتل وليه {بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ} بوليه {ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ} ثمَّ تطاول عَلَيْهِ بظُلْم {لَيَنصُرَنَّهُ الله} يَعْنِي الْمَظْلُوم على الظَّالِم فيقتله وَلَا يَأْخُذ مِنْهُ الدِّيَة وَهُوَ رجل قتل وليه فَأخذ من قَاتل وليه الدِّيَة ثمَّ بغى عَلَيْهِ فَقتله أَيْضا فَيقْتل وَلَا يَأْخُذ مِنْهُ الدِّيَة {إِنَّ الله لَعَفُوٌّ} متجاوز لمن تَابَ {غَفُورٌ} لمن مَاتَ على التَّوْبَة

61

{ذَلِك} عُقُوبَة من بغى على أَخِيه {بِأَنَّ الله يُولِجُ اللَّيْل فِي النَّهَار} يزِيد اللَّيْل على النَّهَار فَيكون النَّهَار أطول من اللَّيْل {وَيُولِجُ النَّهَار فِي اللَّيْل} يزِيد النَّهَار على اللَّيْل فَيكون اللَّيْل أطول من النَّهَار {وَأَنَّ الله سَمِيعٌ} لمقالة خلقه {بَصِيرٌ} بأعمالهم

62

{ذَلِك} الْقُدْرَة لتقروا وتعلموا {بِأَنَّ الله هُوَ الْحق} بِأَن عبَادَة الله هِيَ الْحق وَأَن الله هُوَ الْقوي {وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ} يعْبدُونَ {مِن دُونِهِ} من دون الله {هُوَ الْبَاطِل} الضَّعِيف

{وَأَنَّ الله هُوَ الْعلي} أَعلَى كل شَيْء {الْكَبِير} أكبر كل شَيْء

63

{أَلَمْ تَرَ} ألم تخبر يَا مُحَمَّد فِي الْقُرْآن {أَنَّ الله أَنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً} مَطَرا {فَتُصْبِحُ الأَرْض} فَتَصِير الأَرْض {مُخْضَرَّةً} بالنبات {إِنَّ الله لَطِيفٌ} باستخراج النَّبَات {خَبِيرٌ} بمكانه

64

{لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض} من الْخلق {وَإِنَّ الله لَهُوَ الْغَنِيّ} عَن خلقه {الحميد} الْمَحْمُود فِي فعاله وَيُقَال الحميد لمن وَحده

65

{أَلَمْ تَرَ} ألم تخبر فِي الْقُرْآن يَا مُحَمَّد {أَنَّ الله سَخَّرَ} ذلل {لَكُم مَّا فِي الأَرْض} من الشّجر وَالدَّوَاب {والفلك} وسخر الْفلك يَعْنِي السفن {تَجْرِي فِي الْبَحْر بِأَمْرِهِ} بِإِذْنِهِ {وَيُمْسِكُ السمآء} يمْنَع السَّمَاء {أَن تَقَعَ} لكَي لَا تقع {عَلَى الأَرْض إِلاَّ بِإِذْنِهِ} بأَمْره إِلَى يَوْم الْقِيَامَة {إِنَّ الله بِالنَّاسِ} بِالْمُؤْمِنِينَ {لرؤوف رَحِيم}

66

{وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ} فِي أَرْحَام أُمَّهَاتكُم صغَارًا {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} صغَارًا أَو كبارًا {ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} للبعث بعد الْمَوْت {إِنَّ الْإِنْسَان} يَعْنِي الْكَافِر بديل بن وَرْقَاء الْخُزَاعِيّ {لَكَفُورٌ} كَافِر بِاللَّه وبالبعث بعد الْمَوْت وبذبيحة الْمُسلمين

67

{لِّكُلِّ أُمَّةٍ} لكل أهل دين {جَعَلْنَا مَنسَكاً} مذبحاً وَيُقَال معبدًا {هُمْ نَاسِكُوهُ} ذابحوه على دينهم {فَلاَ يُنَازِعُنَّكَ} فَلَا يخالفنك وَلَا يصرفنك {فِي الْأَمر} فِي الذَّبِيحَة والتوحيد {وادع إِلَى رَبِّكَ} إِلَى تَوْحِيد رَبك {إِنَّكَ لعلى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ} على دين قَائِم يرضاه هُوَ الْإِسْلَام

68

{وَإِن جَادَلُوكَ} خاصموك فِي أَمر الذَّبِيحَة والتوحيد لقَولهم إِن مَا ذبح الله أحل مِمَّا تذبحون أَنْتُم بسكاكينكم {فَقُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ} فِي دينكُمْ من الذَّبِيحَة وَغَيرهَا

69

{الله يَحْكُمُ} يقْضِي {بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَة فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ} فِي أَمر الذَّبِيحَة والتوحيد {تَخْتَلِفُونَ} تخالفون

70

{أَلَمْ تَعْلَمْ} يَا مُحَمَّد {أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا فِي السمآء} مَا يكون فِي أهل السَّمَاء من الْخيرَات {وَالْأَرْض} مَا يكون من أهل الأَرْض من الْخَيْر وَالشَّر {إِنَّ ذَلِك فِي كِتَابٍ} مَكْتُوب فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ {إِنَّ ذَلِك} حفظ ذَلِك بِغَيْر الْكتاب {عَلَى الله يسير} هَين

71

{وَيَعْبُدُونَ} يَعْنِي كفار مَكَّة {مِن دُونِ الله مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً} كتابا وَلَا عذرا {وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ} حجَّة وَلَا بَيَان {وَمَا لِلظَّالِمِينَ} الْمُشْركين {مِن نَّصِيرٍ} من مَانع من عَذَاب الله

72

{وَإِذَا تتلى} تقْرَأ {عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا} الْقُرْآن {بَيِّنَاتٍ} مبينات بِالْأَمر وَالنَّهْي {تَعْرِفُ} يَا مُحَمَّد {فِي وُجُوهِ الَّذين كَفَرُواْ} بِالْقُرْآنِ {الْمُنكر} الْكَرَاهِيَة من الْقُرْآن {يَكَادُونَ يَسْطُونَ} يهمون أَن يضْربُوا ويقعوا {بالذين يَتلون} يقرءُون {عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا} الْقُرْآن {قُلْ} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {أَفَأُنَبِّئُكُم} أخْبركُم {بِشَرٍّ مِّن ذَلِكُم} مِمَّا قُلْتُمْ للْمُسلمين فِي الدُّنْيَا لقَولهم مَا رَأينَا أهل دين أقل حظاً مِنْكُم فَقَالَ الله قل يَا مُحَمَّد الخ وَهِي {النَّار وَعَدَهَا الله الَّذين كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وَأَنْتُم كافرون بِمُحَمد وَالْقُرْآن {وَبِئْسَ الْمصير} صَارُوا إِلَيْهِ

73

{يَا أَيهَا النَّاس} يَعْنِي أهل مَكَّة {ضُرِبَ مَثَلٌ} بَين مثل آلِهَتكُم {فَاسْتَمعُوا لَهُ} وأجيبوا لَهُ {إِنَّ الَّذين تَدْعُونَ} تَعْبدُونَ {مِن دُونِ الله} من الْأَوْثَان {لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً}

لن يقدروا أَن يخلقوا ذباباً {وَلَوِ اجْتَمعُوا لَهُ} لَو اجْتمع العابد والمعبود مَا قدرُوا أَن يخلقوا ذباباً {وَإِن يَسْلُبْهُمُ} يَأْخُذ {الذُّبَاب} من الْآلهَة {شَيْئاً} مِمَّا لطخوا عَلَيْهَا من الْعَسَل {لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ} لَا يستجيروه وَلَا يخلصوه من الذُّبَاب يَعْنِي الْآلهَة {ضَعُفَ الطَّالِب} يَعْنِي الصَّنَم {وَالْمَطْلُوب} الذُّبَاب وَيُقَال ضعف الطَّالِب العابد وَالْمَطْلُوب المعبود

74

{مَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ} مَا عظموا الله حق عَظمته بذلك نزلت فِي الْيَهُود لقَولهم عُزَيْر ابْن الله ولقولهم إِن الله فَقير وَنحن أَغْنِيَاء ولقولهم يَد الله مغلولة ولقولهم إِن الله استراح بعد مَا فرغ من خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض فَرد الله عَلَيْهِم ذَلِك وَقَالَ مَا قدرُوا الله حق قدره {إِنَّ الله لَقَوِيٌّ} على أعدائه {عَزِيزٌ} بالنقمة من الْيَهُود

75

{الله يَصْطَفِي} يخْتَار {مِنَ الْمَلَائِكَة رُسُلاً} بالرسالة يَعْنِي جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل وَملك الْمَوْت {وَمِنَ النَّاس} مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَسَائِر النَّبِيين {إِنَّ الله سَمِيعٌ} بمقالتهم حِين قَالُوا مَا لهَذَا الرَّسُول يَأْكُل وَيَمْشي فِي الْأَسْوَاق {بَصِيرٌ} بعقوبتهم

76

{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} من أَمر الْآخِرَة {وَمَا خَلْفَهُمْ} من أَمر الدُّنْيَا يَعْنِي الْمَلَائِكَة {وَإِلَى الله تُرْجَعُ الْأُمُور} عواقب الْأُمُور فِي الْآخِرَة

77

{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ ارْكَعُوا واسجدوا} فِي الصَّلَاة {وَاعْبُدُواْ} أطِيعُوا {رَبَّكُمْ وافعلوا الْخَيْر} الْعَمَل الصَّالح {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} لكَي تنجوا من السخط وَالْعَذَاب

78

{وَجَاهِدُوا فِي الله حَقَّ جِهَادِهِ} وَاعْمَلُوا لله حق عمله {هُوَ اجتباكم} اختاركم لدينِهِ {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِي الدّين} فِي أَمر الدّين {مِنْ حَرَجٍ} من ضيق يَقُول من لم يسْتَطع أَن يُصَلِّي قَائِما فَليصل قَاعِدا وَمن لم يسْتَطع أَن يصلى مُضْطَجعا يومى إِيمَاء {مِّلَّةَ أَبِيكُمْ} اتبعُوا دين أبيكم {إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ} الله سَمَّاكُم {الْمُسلمين مِن قَبْلُ} من قبل هَذَا الْقُرْآن فِي كتب الْأَنْبِيَاء {وَفِي هَذَا} الْقُرْآن {ليَكُون الرَّسُول} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {شَهِيداً عَلَيْكُمْ} مزكياً مُصدقا لكم {وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى النَّاس} لِلنَّبِيِّينَ {فَأَقِيمُواْ الصَّلَاة} فَأتمُّوا الصَّلَوَات الْخمس بوضوئها وركوعها وسجودها وَمَا يجب فِيهَا من مواقيتها {وَآتُواْ الزَّكَاة} أعْطوا زَكَاة أَمْوَالكُم {واعتصموا بِاللَّه} تمسكوا بدين الله وَكتابه {هُوَ مَوْلاَكُمْ} حافظكم {فَنِعْمَ الْمولى} الْحَافِظ {وَنِعْمَ النصير} الْمَانِع لكم وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْمُؤْمِنُونَ وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها مائَة وتسع عشرَة وكلماتها ألف وَثَمَانمِائَة وَأَرْبَعُونَ وحروفها أَرْبَعَة آلَاف وَثَمَانمِائَة حرف بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

المؤمنون

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} يَقُول قد فَازَ وَنَجَا وَسعد الموحدون بتوحيد الله أُولَئِكَ هم الوارثون الْجنَّة دون الْكفَّار وَيُقَال قد فَازَ وَنَجَا الْمُؤْمِنُونَ المصدقون بإيمَانهمْ والفلاح على وَجْهَيْن نجاح

2

ثمَّ ذكر نعت الْمُؤمنِينَ فَقَالَ {الَّذين هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ} مخبتون متواضعون لَا يلتفتون يَمِينا وَلَا شمالاً وَلَا يرفعون أَيْديهم فِي الصَّلَاة

3

{وَالَّذين هُمْ عَنِ اللَّغْو مُّعْرِضُونَ} عَن الْبَاطِل وَالْحلف تاركون لَهُ

4

{وَالَّذين هم لِلزَّكَاةِ فاعلون} مؤدوون زَكَاة أَمْوَالهم

5

{وَالَّذين هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ}

يعفون فروجهم عَن الْحَرَام

6

{إِلاَّ على أَزْوَاجِهِمْ} أَربع نسْوَة {أَوْ مَا ملكت أَيْمَانهم} من الولائد بِغَيْر عدد {فَإِنَّهُم غَيْرُ مَلُومِينَ} بالحلال

7

{فَمَنِ ابْتغى وَرَآءَ ذَلِك} فَمن طلب سوى الْحَلَال {فَأُولَئِك هُمُ العادون} المعتدون الْحَلَال إِلَى الْحَرَام

8

{وَالَّذين هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ} لما ائتمنوا عَلَيْهِ مثل الصَّوْم وَالْوُضُوء والاغتسال من الْجَنَابَة والوديعة وَأَشْبَاه ذَلِك {وَعَهْدهمْ} فِيمَا بَينهم وَبَين الله أَو بَينهم وَبَين النَّاس {رَاعُونَ} حافظون لَهُ بِالْوَفَاءِ

9

{وَالَّذين هُمْ على صَلَوَاتِهِمْ} لأوقات صلواتهم {يُحَافِظُونَ} لَهُ بِالْوَفَاءِ

10

{أُولَئِكَ} أهل هَذِه الصّفة {هُمُ الوارثون} النازلون

11

{الَّذين يَرِثُونَ} ينزلون {الفردوس} مَقْصُورَة الرَّحْمَن والفردوس هُوَ الْبُسْتَان بِلِسَان الرومية {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} فِي الْجنَّة مقيمون لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا

12

{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَان} ولد آدم {مِن سُلاَلَةٍ} سلة {مِّن طِينٍ} والطين هُوَ آدم

13

{ثُمَّ جَعَلْنَاهُ} يَعْنِي مَاء السلالة {نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ} فِي مَكَان حريز رحم أمه فَيكون نُطْفَة أَرْبَعِينَ يَوْمًا

14

{ثمَّ خلقنَا} ثمَّ حولنا {النُّطْفَة علقَة} دِمَاء عبيطاً فَتكون علقَة أَرْبَعِينَ يَوْمًا {فَخَلَقْنَا} فحولنا {الْعلقَة مُضْغَةً} لَحْمًا أَرْبَعِينَ يَوْمًا {فَخَلَقْنَا} فحولنا {المضغة عِظَاماً} بِلَا لحم {فَكَسَوْنَا الْعِظَام لَحْماً} أوصالاً وعروقاً وَغير ذَلِك {ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ} جعلنَا فِيهِ الرّوح {فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} أحكم المحولين

15

{ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِك لَمَيِّتُونَ} تموتون

16

{ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَة تُبْعَثُونَ} تحيون

17

{وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَآئِقَ} سبع سموات بَعْضهَا فَوق بعض مثل الْقبَّة {وَمَا كُنَّا عَنِ الْخلق غَافِلِينَ} تاركين لَهُم بِلَا أَمر وَلَا نهى

18

{وَأَنزَلْنَا مِنَ السمآء مَآءً} مَطَرا {بِقَدَرٍ} من الْمَعيشَة وَقيل بِمِقْدَار مَا يكفيكم {فَأَسْكَنَّاهُ} فأدخلناه {فِي الأَرْض} فَجعلنَا مِنْهُ الركي والعيون والأنهار والغدران {وَإِنَّا على ذَهَابٍ بِهِ} على غور المَاء فِي الأَرْض {لَقَادِرُونَ}

19

{فَأَنشَأْنَا لَكُمْ} خلقنَا لكم وَيُقَال أنبتنا لكم {بِهِ} بِالْمَاءِ {جَنَّاتٍ} بساتين {مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ} كروم {لَّكُمْ فِيهَا} فِي الْبَسَاتِين {فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ} ألوان فواكه كَثِيرَة {وَمِنْهَا} من ألوان الثِّمَار {تَأْكُلُونَ}

20

{وَشَجَرَةً} تنْبت بالمطر شَجَرَة وَهِي شَجَرَة الزَّيْتُون {تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَآءَ} من جبل مشجر وَالطور هُوَ الْجَبَل بِلِسَان النبط والسيناء هُوَ الْجَبَل المشجر بِلِسَان الْحَبَشَة {تَنبُتُ بالدهن} تخرج الدّهن {وَصِبْغٍ لِّلآكِلِيِنَ} وَمَا يصطبغ بِهِ الْآكِل

21

{وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَام} فِي الْإِبِل {لَعِبْرَةً} لعلامة {نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهَا} من أَلْبَانهَا تخرج من بَين فرث وَدم لَبَنًا خَالِصا {وَلَكُمْ فيِهَا} فِي ركُوبهَا وَحملهَا {مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا} من لحومها وَأَلْبَانهَا وَأَوْلَادهَا {تَأْكُلُونَ}

22

{وَعَلَيْهَا} على الْإِبِل يَعْنِي فِي الْبر {وَعَلَى الْفلك}

على السفن فِي الْبَحْر {تُحْمَلُونَ} تسافرون

23

{وَلَقَدْ أرسلنَا نوحًا إِلَى قومه فَقَالَ} لِقَوْمِهِ {يَا قوم اعبدوا الله} وحدوا الله {مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَه غَيره} غير الَّذِي أَمركُم أَن تؤمنوا بِهِ {أَفَلاَ تَتَّقُونَ} عبَادَة غير الله

24

{فَقَالَ الْمَلأ} الرؤساء {الَّذين كفرُوا من قومه مَا هَذَا} يعنون نوحًا {إِلاَّ بَشَرٌ} آدَمِيّ {مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ} بالرسالة والنبوة {وَلَوْ شَآءَ الله} أَن يُرْسل إِلَيْنَا رَسُولا {لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً} أَي ملكا من الْمَلَائِكَة {مَّا سمعنَا بِهَذَا} الَّذِي يَقُول نوح {فِي} زمن {آبَآئِنَا الْأَوَّلين}

25

{إِنْ هُوَ} مَا هُوَ يعنون نوحًا {إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ} جُنُون {فَتَرَبَّصُواْ} فانتظروا {بِهِ حَتَّى حِينٍ} إِلَى حِين يَمُوت

26

{قَالَ} نوح {رَبِّ انصرني} أَعنِي بِالْعَذَابِ {بِمَا كذبون} بالرسالة

27

{فَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ} أرسلنَا إِلَيْهِ جِبْرِيل {أَنِ اصْنَع الْفلك} أَن خُذ فِي علاج السَّفِينَة {بِأَعْيُنِنَا} بمنظر منا {وَوَحْيِنَا} بوحينا إِلَيْك {فَإِذَا جَآءَ أَمْرُنَا} وَقت عذابنا {وَفَارَ التَّنور} نبع المَاء من التَّنور وَيُقَال طلع الْفجْر {فاسلك فِيهَا} فاحمل فِي السَّفِينَة {مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} صنفين اثْنَيْنِ ذكر وَأُنْثَى {وَأَهْلَكَ} واحمل أهلك يَعْنِي من آمن بك {إِلاَّ مَن سَبَقَ} وَجب {عَلَيْهِ القَوْل} بِالْعَذَابِ {مِنْهُمْ وَلاَ تُخَاطِبْنِي} وَلَا تراجعني بِالدُّعَاءِ {فِي الَّذين ظلمُوا} فِي نجاة الَّذين كفرُوا من قَوْمك {إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ} بالطوفان

28

{فَإِذَا استويت أَنتَ} إِذا ركبت أَنْت {وَمَن مَّعَكَ} من الْمُؤمنِينَ {عَلَى الْفلك} على السَّفِينَة {فَقُلِ الْحَمد لِلَّهِ} الشُّكْر لله {الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْم الظَّالِمين} الْكَافرين

29

{وَقُل} حِين تنزل من السَّفِينَة {رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلاً مُّبَارَكاً} بِالْمَاءِ وَالشَّجر {وَأَنتَ خَيْرُ المنزلين} فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة

30

{إِن فِي ذَلِك} فِيمَا فعلنَا بهم {لآيَات} لعلامات وعبرات لأهل مَكَّة لكَي يقتدوا بهم {وَإِن كُنَّا} وَقد كُنَّا {لَمُبْتَلِينَ} بالبلايا وَيُقَال مختبرين بالعقوبة

31

{ثمَّ أنشأنا من بعدهمْ} خلقا من بعد هَلَاك قوم نوح {قَرْناً آخَرِينَ} قوما آخَرين

32

{فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ} إِلَيْهِم {رَسُولاً مِّنْهُمْ} من نسبهم {أَنِ اعبدوا الله} وحدوا الله {مَا لَكُمْ من إِلَه غَيره} غير الَّذِي أَمركُم أَن تؤمنوا بِهِ {أَفَلاَ تَتَّقُونَ} عبَادَة غير الله

33

{وَقَالَ الْمَلأ} الرؤساء {مِن قَوْمِهِ} من قوم الرَّسُول {الَّذين كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِلِقَآءِ الْآخِرَة} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت {وَأَتْرَفْنَاهُمْ} أنعمناهم بِالْمَالِ وَالْولد {فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا مَا هَذَا} يعنون الرَّسُول {إِلاَّ بَشَرٌ} آدَمِيّ {مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ} كَمَا تَأْكُلُونَ مِنْهُ {وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ} كَمَا تشربون

34

{وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً} آدَمِيًّا {مِّثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ} جاهلون مغبونون

35

{أَيَعِدُكُمْ} هَذَا الرَّسُول {أَنَّكُمْ إِذَا مِتٌّمْ وَكُنتُمْ} صرتم {تُرَاباً} بعد الْمَوْت {وَعِظاماً} بالية {أَنَّكُمْ مُّخْرَجُونَ} محيون بعد الْمَوْت

36

{هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ} بَعيدا بَعيدا {لِمَا تُوعَدُونَ} لَا يكون هَذَا

37

{إِنْ هِيَ} مَا هِيَ {إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا} فِي الدُّنْيَا {نَمُوتُ وَنَحْيَا} يَمُوت الْآبَاء ويحيا الْأَبْنَاء {وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} للبعث بعد الْمَوْت

38

{إِنْ هُوَ} مَا هُوَ يعنون الرَّسُول {إِلاَّ رَجُلٌ افترى} اختلق {على الله كَذِباً} بِمَا يَقُول {وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ} بمصدقين لَهُ بِمَا يَقُول

39

{قَالَ} الرَّسُول {رَبِّ انصرني} أَعنِي بِالْعَذَابِ {بِمَا كذبون} بالرسالة

40

{قَالَ} الله {عَمَّا قَلِيلٍ} عَن قَلِيل {لَّيُصْبِحُنَّ} ليصيرن {نَادِمِينَ} بالتكذيب عِنْد الْعقُوبَة

41

{فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَة بِالْحَقِّ} يَعْنِي صَوت جِبْرِيل بِالْعَذَابِ {فَجَعَلْنَاهُمْ} بعد الْهَلَاك {غُثَآءً} يَابسا {فَبُعْداً} فسحقاً وخيبة من رَحْمَة الله {لِّلْقَوْمِ الظَّالِمين} للْكَافِرِينَ

42

{ثُمَّ أَنشَأْنَا} خلقنَا {مِن بَعْدِهِمْ} من بعد هلاكهم {قرونا آخَرين} قرنا بعد قرن من قرن إِلَى قرن ثَمَان عشرَة سنة والقرن ثَمَانُون سنة

43

{مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ} مَا تهْلك من أمة {أَجَلَهَا} قبل أجلهَا {وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ} عَن الْأَجَل

44

{ثمَّ أرسلنَا رسلنَا تترا} متتابعاَ بَعْضهَا على أثر بعض {كُلَّ مَا جَآءَ أُمَّةً رَّسُولُهَا} إِلَى أمة رَسُول {كَذَّبُوهُ} كذبُوا ذَلِك الرَّسُول {فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضاً} بِالْهَلَاكِ {وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ} فِي دهرهم يحدث عَنْهُم {فَبُعْداً} فسحقاً من رَحْمَة الله {لِّقَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن

45

{ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا} التسع {وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} حجَّة بَيِّنَة

46

{إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ} قومه {فاستكبروا} عَن الْإِيمَان بمُوسَى والآيات {وَكَانُواْ قَوْماً عَالِينَ} مخالفين لمُوسَى مستكبرين عَن الْإِيمَان

47

{فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ} لآدميين يعنون مُوسَى وَهَارُون {مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ} مطيعون

48

{فَكَذَّبُوهُمَا} بالرسالة {فَكَانُواْ مِنَ المهلكين} فصاروا من المغرقين فِي اليم

49

{وَلَقَد آتَيْنَا} أعطينا {مُوسَى الْكتاب} يعْنى التوارة {لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} لكَي يهتدوا بهَا من الضَّلَالَة

50

{وَجَعَلْنَا ابْن مَرْيَمَ} يَعْنِي عِيسَى {وَأُمَّهُ آيَةً} عَلامَة وعبرة ولدا بِلَا أَب وولادة بِلَا لمس {وَآوَيْنَاهُمَآ} رجعناهما {إِلَى رَبْوَةٍ} إِلَى مَكَان مُرْتَفع {ذَاتِ قَرَارٍ} مستو ذَات نعيم {وَمَعِينٍ} مَاء ظَاهر جَار وَهُوَ دمشق

51

{يَا أَيهَا الرُّسُل} يَعْنِي مُحَمَّدًا {كُلُواْ مِنَ الطَّيِّبَات} كلوا من الْحَلَال {وَاعْمَلُوا صَالِحاً} اعْمَلْ صَالحا فِيمَا بَيْنك وَبَين رَبك

{إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ} أَي بِمَا تعْمل يَا مُحَمَّد ويعملون من الْخَيْر {عَلِيمٌ} بثوابه

52

{وَإِنَّ هَذِه أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} ملتكم مِلَّة وَاحِدَة ودينكم دينا وَاحِدًا مُخْتَارًا {وَأَنَاْ رَبُّكُمْ} رب وَاحِد أكرمتكم بذلك {فاتقون} فأطيعون

53

{فتقطعوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} فَتَفَرَّقُوا فِيمَا بَينهم فِي دينهم {زُبُراً} فرقا فرقا الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكين وَالْمَجُوس {كُلُّ حِزْبٍ} كل أهل دين وَفرْقَة {بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} معجبون

54

{فَذَرْهُمْ} اتركهم يَا مُحَمَّد {فِي غَمْرَتِهِمْ} فِي جهلهم {حَتَّى حِينٍ} إِلَى حِين الْعَذَاب يَوْم بدر

55

{أَيَحْسَبُونَ} أيظن أهل الْفرق {أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ} لأنما نعطيهم فِي الدُّنْيَا {مِن مَّالٍ وَبَنِينَ}

56

{نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخيرَات} مسارعة لَهُم منا فِي الْخيرَات فِي الدُّنْيَا وَيُقَال فِي الْآخِرَة {بَل لاَّ يَشْعُرُونَ} أَنا مكرمون لَهُم فِي الدُّنْيَا ومهينون لَهُم فِي الْآخِرَة

57

ثمَّ بيَّن لمن المسارعة فِي الْخيرَات فِي الدُّنْيَا فَقَالَ {إِنَّ الَّذين هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ} من عَذَاب رَبهم {مُّشْفِقُونَ} خائفون لَهُم منا مسارعة فِي الْخيرَات

58

{وَالَّذين هم بآيَات رَبهم} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {يُؤْمِنُونَ} يصدقون لَهُم منا مسارعة فِي الْخيرَات

59

{وَالَّذين هُم بِرَبِّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ} الْأَوْثَان لَهُم منا مسارعة فِي الْخيرَات

60

{وَالَّذين يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ} يُعْطون مَا أعْطوا من الصَّدَقَة وينفقون مَا أتفقوا من المَال فِي سَبِيل الله وَيُقَال يعْملُونَ مَا عمِلُوا من الْخيرَات {وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} خائفة {أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} فِي الْآخِرَة فَلَا يقبل مِنْهُم

61

{أُولَئِكَ} أهل هَذِه الصّفة {يُسَارِعُونَ فِي الْخيرَات} يبادرون فِي الْأَعْمَال الصَّالِحَة {وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} وهم سَابِقُونَ بالخيرات

62

{وَلَا تكلّف نفس} من الْعَمَل {إِلاَّ وُسْعَهَا} طاقتها {وَلَدَيْنَا} عندنَا {كِتَابٌ يَنطِقُ} وَهُوَ ديوَان الْحفظَة مَكْتُوب فِيهِ حسناتهم وسيئاتهم ينْطق {بِالْحَقِّ} يشْهد عَلَيْهِم بِالصّدقِ وَالْعدْل {وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} لَا ينقص من حسناتهم وَلَا يُزَاد على سيئاتهم

63

{بَلْ قُلُوبُهُمْ} قُلُوب أهل مَكَّة يَعْنِي أَبَا جهل وَأَصْحَابه {فِي غَمْرَةٍ} فِي جهلة وغفلة {مِّنْ هَذَا} الْكتاب وَيُقَال من هَذَا الْقُرْآن {وَلَهُمْ أَعْمَالٌ} مَقْدُور مَكْتُوب عَلَيْهِم {مِّن دُونِ ذَلِك} من دون مَا تَأْمُرهُمْ سوى الْخَيْر {هُمْ لَهَا عَامِلُونَ} فِي الدُّنْيَا حَتَّى أَجلهم يَا مُحَمَّد

64

{حَتَّى إِذَآ أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ} جبابرتهم ورؤساءهم يَعْنِي أَبَا جهل بن هِشَام والوليد ابْن الْمُغيرَة المَخْزُومِي وَالْعَاص بن وَائِل السَّهْمِي وَعتبَة وَشَيْبَة أَصْحَابهم {بِالْعَذَابِ} بِالْجُوعِ سبع سِنِين {إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ} يَتَضَرَّعُونَ قل لَهُم يَا مُحَمَّد

65

{لاَ تَجْأَرُواْ} لَا تتضرعوا {الْيَوْم} من عذابنا {إِنَّكُمْ مِّنَّا} من عذابنا {لاَ تُنصَرُونَ} لَا تمْنَعُونَ

66

{قَدْ كَانَتْ آيَاتِي} الْقُرْآن {تتلى} تقْرَأ وَتعرض {عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ على أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ} إِلَى دينكُمْ الأول تميلون ترجعون

67

{مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ} متعظمين بِالْبَيْتِ تَقولُونَ نَحن أَهله {سَامِراً} تَقولُونَ السمر حوله {تَهْجُرُونَ} تسبون مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه وَالْقُرْآن

68

{أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ القَوْل} أفلم يتفكروا فِي الْقُرْآن وَمَا فِيهِ من الْوَعيد {أَمْ جَآءَهُمْ} من الْأَمْن والبراءة يَعْنِي أهل مَكَّة {مَّا لَمْ يَأْتِ آبَآءَهُمُ الْأَوَّلين}

69

{أَمْ لَمْ يَعْرِفُواْ رَسُولَهُمْ} نسب رسولهم {فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ} جاحدون

70

{أَمْ يَقُولُونَ} بل يَقُولُونَ {بِهِ جِنَّةٌ} جُنُون {بل جَاءَهُم بِالْحَقِّ} جَاءَهُم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْقُرْآنِ والتوحيد والرسالة {وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ} لِلْقُرْآنِ {كَارِهُونَ} جاحدون

71

{وَلَوِ اتبع الْحق أَهْوَآءَهُمْ} لَو كَانَ الْإِلَه بهواهم فِي السَّمَاء إِلَه وَفِي الأَرْض إِلَه {لَفَسَدَتِ السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَن فِيهِنَّ} من الْخلق {بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ} أنزلنَا جِبْرِيل إِلَى نَبِيّهم بِالْقُرْآنِ فِيهِ عزهم وشرفهم {فَهُمْ عَن ذِكْرِهِمْ} عَن شرفهم وعزهم {مُّعْرِضُونَ} مكذبون

72

{أَمْ تَسْأَلُهُمْ} يَا مُحَمَّد أهل مَكَّة {خَرْجاً} جعلا فَلذَلِك لَا يجيبونك {فَخَرَاجُ رَبِّكَ} فثواب رَبك فِي الْجنَّة {خَيْرٌ} أفضل مِمَّا لَهُم فِي الدُّنْيَا {وَهُوَ خَيْرُ الرازقين} أفضل المعطين فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة

73

{وَإِنَّكَ} يَا مُحَمَّد {لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} دين قَائِم يرضاه وَهُوَ الْإِسْلَام

74

{وَأَن الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِالآخِرَة} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت {عَنِ الصِّرَاط} عَن دين الله {لَنَاكِبُونَ} مائلون

75

{وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ} يَعْنِي أهل مَكَّة {وَكَشَفْنَا} رفعنَا {مَا بِهِمْ مِّن ضُرٍّ} من جوع {لَّلَجُّواْ} لتمادوا {فِي طُغْيَانِهِمْ} فِي كفرهم وضلالتهم {يَعْمَهُونَ} يمضون عمهة لَا يبصرون الْحق وَالْهدى

76

{وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ} بِالْجُوعِ والقحط {فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ} فَمَا خضعوا لرَبهم بِالتَّوْحِيدِ {وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} لَا يُؤمنُونَ

77

{حَتَّى} أَجلهم يَا مُحَمَّد {إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ} يَعْنِي الْجُوع {إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} آيسون من كل خير

78

{وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ} خلق لكم يَا أهل مَكَّة {السّمع} تَسْمَعُونَ بِهِ {والأبصار} تبصرون بهَا {والأفئدة} يَعْنِي الْقُلُوب تعقلون بهَا {قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ} فشكركم فِيمَا صنع إِلَيْكُم قَلِيل يَا أهل مَكَّة

79

{وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ} خَلقكُم {فِي الأَرْض وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} بعد الْمَوْت فيجزيكم بأعمالكم

80

{وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي} للبعث {وَيُمِيتُ} فِي الدُّنْيَا {وَلَهُ اخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار} تقليب اللَّيْل وَالنَّهَار وذهابهما ومجيئهما وزيادتهما ونقصانهما وظلمة اللَّيْل وضوء النَّهَار كل هَذَا آيَة لكم بِأَن الله يحيي الْمَوْتَى {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} أَفلا تصدقُونَ بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت

81

{بَلْ قَالُواْ} كذبُوا بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت يَعْنِي كفار مَكَّة {مِثْلَ مَا قَالَ الْأَولونَ} مثل مَا كذب الْأَولونَ بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت

82

{قَالُوا أئذا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً} صرنا تُرَابا رميماً {وَعِظَاماً} بالية {أئنا لَمَبْعُوثُونَ} لمحيون بعد الْمَوْت

83

{لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَآؤُنَا هَذَا} الَّذِي تعدنا يَا مُحَمَّد {مِن قَبْلُ} من قبل مَا وعدتنا {إِن هَذَا} مَا هَذَا الَّذِي تَقول يَا مُحَمَّد {إِلاَّ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلين} أَحَادِيث الْأَوَّلين فِي دهرهم وكذبهم

84

{قُل} لكفار مَكَّة يَا مُحَمَّد {لِّمَنِ الأَرْض وَمَن فِيهَآ} من الْخلق أجِيبُوا {إِن كُنتُمْ تعلمُونَ}

85

{سيقولون لله قل} يَا مُحَمَّد {أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} أَفلا تتعظون فتطيعون الله

86

{قُلْ} لَهُم أَيْضا يَا مُحَمَّد {مَن رَّبُّ} خَالق {السَّمَاوَات السَّبع وَرَبُّ الْعَرْش الْعَظِيم} السرير الْكَرِيم {سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} الله خلقهَا

87

{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {أَفَلاَ تَتَّقُونَ} عبَادَة غير الله

88

{قُلْ} لَهُم أَيْضا يَا مُحَمَّد {مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} خَزَائِن كل شَيْء {وَهُوَ يُجْيِرُ} يقْضِي {وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ} لَا يقْضى عَلَيْهِ وَيُقَال هُوَ يجير الْخلق من عَذَابه وَلَا يجار عَلَيْهِ لَا يجير أحد أحدا من عَذَابه أجِيبُوا {إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}

89

{سيقولون لله} بيد الله بقارة الله ذَلِك كُله {قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {فَأنى تُسْحَرُونَ} من أَيْن تكذبون على الله وَيُقَال انْظُر يَا مُحَمَّد كَيفَ يصرفون بِالْكَذِبِ إِن قَرَأت بِضَم التَّاء

90

{بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ} أرسلنَا جِبْرِيل إِلَى نَبِيّهم بِالْقُرْآنِ فِيهِ أَن لَيْسَ لله ولد وَلَا شريك {وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} فِي قَوْلهم إِن الْمَلَائِكَة بَنَات الله

91

{مَا اتخذ الله مِن وَلَدٍ} من بني آدم وَلَا بَنَات من الْمَلَائِكَة {وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ} من شريك {إِذاً} لَو كَانَ كَمَا يَقُولُونَ {لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَه بِمَا خَلَقَ} إِلَى نَفسه فاستولى كل إِلَه على مَا خلق {وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ} لغلب بَعضهم على بعض {سُبْحَانَ الله} نزه نَفسه وَيُقَال ارْتَفع وتبرأ {عَمَّا يَصِفُونَ} يَقُولُونَ من الْكَذِب

92

{عَالِمِ الْغَيْب} مَا غَابَ عَن الْعباد وَيُقَال مَا يكون {وَالشَّهَادَة} أعلمهُ الْعباد وَيُقَال مَا كَانَ {فتعالى} فتبرأ {عَمَّا يُشْرِكُونَ} بِهِ من الْأَوْثَان

93

{قُل} يَا مُحَمَّد {رَّبِّ} يَا رب {إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ} من الْعَذَاب

94

{رَبِّ} يَا رب {فَلاَ تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْم الظَّالِمين} مَعَ الْقَوْم الْكَافرين يَوْم بدر

95

{وَإِنَّا على أَن نُّرِيَكَ} يَا مُحَمَّد {مَا نَعِدُهُمْ} من الْعَذَاب يَوْم بدر {لَقَادِرُونَ}

96

{ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيئَة} يَقُول ادْفَعْ بِلَا إِلَه إِلَّا الله كلمة الشّرك عَن أبي جهل وَأَصْحَابه وَيُقَال السَّلَام الْقَبِيح عَن نَفسك {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ} من الْكَذِب

97

{وَقُلْ رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ} أَعْتَصِم بك {مِنْ همزات} نزعات {الشَّيَاطِين} الَّتِي يصرع بهَا الرجل

98

{وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ} من أَن يحضروني يَعْنِي الشَّيَاطِين فِي الصَّلَاة وَعند الْقِرَاءَة وَعند الْمَوْت

99

{حَتَّى إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ} يَعْنِي كفار مَكَّة {الْمَوْت} يَعْنِي ملك الْمَوْت وأعوانه لقبض روحهم {قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ} إِلَى الدُّنْيَا

100

{لعَلي أعمل صَالحا} وأومن بك {فِيمَا تَرَكْتُ} فِي الَّذِي تركت فِي الدُّنْيَا وكذبت بِهِ {كَلاَّ} حَقًا يرد إِلَى الدُّنْيَا {إِنَّهَا} يَعْنِي الرّجْعَة {كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا} يتَكَلَّم بهَا صَاحبهَا وَلَا تَنْفَعهُ {وَمِن وَرَآئِهِمْ} قدامهم {بَرْزَخٌ} يَعْنِي الْقَبْر {إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} من الْقُبُور

101

{فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّور} نفخة الْبَعْث {فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ} فَلَا نفع بَينهم بِالنّسَبِ {يَوْمَئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ} عَن ذَلِك

102

{فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} مِيزَانه من الْحَسَنَات {فَأُولَئِك هم المفلحون} الناجون من السخط وَالْعَذَاب

103

{وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ} مِيزَانه من الْحَسَنَات {فَأُولَئِك الَّذين خسروا} غبنوا {أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} مقيمون دائمون لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا

104

{تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّار} تضرب وُجُوههم وَتحرق عظامهم وتأكل لحومهم النَّار {وَهُمْ فِيهَا} فِي النَّار {كَالِحُونَ} وكلحهم سَواد وُجُوههم وزرقة أَعينهم

105

{أَلَمْ تَكُنْ} يَقُول الله لَهُم ألم تكن {آيَاتِي} الْقُرْآن {تتلى عَلَيْكُمْ} فِي الدُّنْيَا {فَكُنْتُمْ بِهَا} بِالْآيَاتِ {تُكَذِّبُونَ} تجحدون

106

{قَالُواْ} الْكفَّار وهم فِي النَّار {رَبَّنَا} يَا رَبنَا {غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا} الَّتِي كتبت علينا فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ فَلم نؤمن

{وَكُنَّا قَوْماً ضَآلِّينَ} كَافِرين

107

{رَبَّنَآ} يَا رَبنَا {أَخْرِجْنَا مِنْهَا} من النَّار {فَإِنْ عُدْنَا} إِلَى الْكفْر {فَإِنَّا ظَالِمُونَ} على أَنْفُسنَا

108

{قَالَ} الله لَهُم {اخسؤوا فِيهَا} اصغروا فِي النَّار {وَلاَ تُكَلِّمُونِ} وَلَا تسألونى فى الْخُرُوج من النَّار

109

{إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ} طَائِفَة {مِّنْ عِبَادِي} الْمُؤمنِينَ {يَقُولُونَ رَبَّنَآ} يَا رَبنَا {آمَنَّا} بك وبكتابك وَرَسُولك {فَاغْفِر لَنَا} ذنوبنا {وارحمنا} فَلَا تعذبنا {وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} أَنْت أرْحم علينا من الْوَالِدين

110

{فاتخذتموهم سِخْرِيّاً} استهزاء {حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي} حَتَّى شغلكم ذَلِك عَن توحيدي وطاعتي {وَكُنْتُمْ مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ} عَلَيْهِم تستهزئون

111

{إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْم} الْجنَّة {بِمَا صَبَرُوا} على طَاعَتي وعَلى أذاكم {أَنَّهُمْ هُمُ الفآئزون} فازوا بِالْجنَّةِ ونجوا من النَّار نزلت هَذِه الْآيَة فِي أبي جهل وَأَصْحَابه لاستهزائهم على سلمَان وَأَصْحَابه

112

{قَالَ} الله لَهُم {كَمْ لَبِثْتُمْ} مكثتم {فِي الأَرْض} فِي الْقُبُور {عَدَدَ سِنِينَ} الشُّهُور وَالْأَيَّام

113

{قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً} ثمَّ شكوا فِي ذَلِك فَقَالُوا {أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} ثمَّ قَالُوا لَا ندرى ذَلِك {فاسأل العآدين} الْحفظَة وَيُقَال ملك الْمَوْت وأعوانه

114

{قَالَ} الله لَهُم {إِن لَّبِثْتُمْ} مَا مكثتم فِي الْقُبُور {إِلاَّ قَلِيلاً} عِنْد مكثكم فِي النَّار {لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} ذَلِك يَقُول إِن كُنْتُم تصدقُونَ قولي وَيُقَال يَقُول الله لَهُم لَو أَنكُمْ إِن كُنْتُم فِي الدُّنْيَا تعلمُونَ تصدقُونَ أنبيائي إِذا لعلمتم إِن لبثتم مَا مكثتم فِي الْقُبُور إِلَّا قَلِيلا مقدم ومؤخر

115

{أَفَحَسِبْتُمْ} أفظننتم يَا أهل مَكَّة {أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً} هملاً بِلَا أَمر وَلَا نهي وَلَا ثَوَاب وَلَا عِقَاب {وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ} بعد الْمَوْت

116

{فَتَعَالَى الله} ارْتَفع وتبرأ عَن الْوَلَد وَالشَّرِيك {الْملك الْحق لاَ إِلَه إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْش الْكَرِيم} السرير الْحسن

117

{وَمَن يَدْعُ} يعبد {مَعَ الله إِلَهاً آخَرَ} من الْأَوْثَان {لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ} لَا حجَّة لَهُ مِمَّا يعبد من دون الله {فَإِنَّمَا حِسَابُهُ} عَذَابه {عِندَ رَبِّهِ} فِي الْآخِرَة {إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ} لَا يَأْمَن وَلَا ينجو {الْكَافِرُونَ} من عَذَاب الله

118

{وَقُل} يَا مُحَمَّد {رَّبِّ اغْفِر} تجَاوز عَن أمتِي {وَارْحَمْ} أمتِي فَلَا تُعَذبهُمْ {وَأنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} أرْحم الرَّاحِمِينَ وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا النُّور وهى كلهَا مَدَنِيَّة وآياتها أَربع وَسِتُّونَ آيَة وكلماتها ألف وثلاثمائة وَسِتَّة عشر وحروفها خَمْسَة آلَاف وَتِسْعمِائَة وَثَمَانُونَ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

النور

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا} يَقُول أنزلنَا جِبْرِيل بهَا برد الْهَاء إِلَيْهَا {وَفَرَضْنَاهَا} بيّنا فِيهَا الْحَلَال وَالْحرَام {وَأَنزَلْنَا فِيهَآ} بيَّنا فِيهَا {آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} بِالْأَمر وَالنَّهْي والفرائض وَالْحُدُود {لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} لكَي تتعظوا بِالْأَمر وَالنَّهْي فَلَا تعطلوا الْحُدُود

2

{الزَّانِيَة وَالزَّانِي} وهما بكران زَنَيَا {فاجلدوا كُلَّ وَاحِد مِنْهُمَا} بِالزِّنَا {مائَة جَلْدَةٍ} سَوط {وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا} بِإِقَامَة الْحَد عَلَيْهِمَا {رَأْفَةٌ} رقة {فِي دِينِ الله} فِي تَنْفِيذ حكم الله عَلَيْهِمَا {إِن كُنتُمْ} إِذْ كُنْتُم {تُؤْمِنُونَ بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا} وليحضر عِنْد إِقَامَة الْحَد عَلَيْهِمَا {طَآئِفَةٌ مِّنَ الْمُؤمنِينَ} رجلا أَو رجلَانِ فَصَاعِدا لكَي يحفظوا الْحَد

3

{الزَّانِي} من أهل الْكتاب الْمُعْلن بِهِ {لاَ يَنكِحُ} لَا يتَزَوَّج {إِلاَّ زَانِيَةً} من ولائد أهل الْكتاب {أَوْ مُشْرِكَةً} من ولائد مُشْركي الْعَرَب {والزانية} من ولائد أهل الْكتاب أَو من ولائد الْمُشْركين {لاَ يَنكِحُهَآ} لَا يَتَزَوَّجهَا {إِلاَّ زَانٍ} من أهل الْكتاب {أَوْ مُشْرِكٌ} من مُشْركي الْعَرَب {وَحُرِّمَ ذَلِك} التَّزْوِيج يَعْنِي تَزْوِيج ولائد أهل الْكتاب وولائد أَحْرَار الْمُشْركين {عَلَى الْمُؤمنِينَ} نزلت هَذِه الْآيَة فِي قوم من أَصْحَاب النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرَادوا أَن يتزوجوا ولائد أهل الْكتاب وولائد أَحْرَار الْمُشْركين كن بِالْمَدِينَةِ زناة معلنات بِالزِّنَا رَغْبَة فِي كَسْبهنَّ فَلَمَّا نزلت هَذِه الْآيَة تركُوا ذَلِك وَيُقَال الزَّانِي من أهل الْقبْلَة أَو من أهل الْكتاب لَا ينْكح لَا يَزْنِي إِلَّا زَانِيَة إِلَّا بزانية مثله أَو من أهل الْكتاب أَو مُشركَة من مُشْركي الْعَرَب والزانية من أهل الْقبْلَة أَو من أهل الْكتاب أَو من مُشْركي الْعَرَب لَا ينْكِحهَا لَا يَزْنِي بهَا إِلَّا زَان من أهل الْقبْلَة أَو من أهل الْكتاب أَو مُشْرك من مُشْركي الْعَرَب وَحرم ذَلِك الزِّنَا على الْمُؤمنِينَ

4

{وَالَّذين يَرْمُونَ الْمُحْصنَات} يقذفون الْحَرَائِر المسلمات العفائف بالفرية {ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ} أَحْرَار عدُول مُسلمين {فَاجْلِدُوهُمْ} بالفرية {ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} العاصون بالفرية

5

{إِلاَّ الَّذين تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِك} من بعد الْفِرْيَة {وَأَصْلَحُواْ} فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {فَإِنَّ الله غَفُورٌ} لمن تَابَ {رَّحِيمٌ} لمن مَاتَ على التَّوْبَة نزلت هَذِه الْآيَة من أَولهَا إِلَى هَهُنَا فِي شَأْن عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه

6

{وَالَّذين يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} نِسَاءَهُمْ بالفرية {وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَآءُ} على مَا قَالُوا {إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّه} فَيحلف الرجل أَربع مَرَّات بِاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ {إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقين} فِي قَوْله على الْمَرْأَة

7

{وَالْخَامِسَة أَنَّ لَعْنَةَ الله عَلَيْهِ} وَفِي الْمرة الْخَامِسَة يَقُول لعنة الله على الرجل {إِن كَانَ من الْكَاذِبين} فِيمَا قَالَ عَلَيْهَا

8

{ويدرأ} يَعْنِي يدْفع الْحَاكِم {عَنْهَا الْعَذَاب} عَن الْمَرْأَة الْعَذَاب بِالرَّجمِ {أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّه} إِذا حَلَفت الْمَرْأَة أَربع مَرَّات بِاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ {إِنَّهُ} يَعْنِي زَوجهَا {لَمِنَ الْكَاذِبين} فِيمَا قَالَ عَلَيْهَا

9

{وَالْخَامِسَة أَنَّ غَضَبَ الله عَلَيْهَآ} على الْمَرْأَة {إِن كَانَ} زَوجهَا {مِنَ الصَّادِقين} فِيمَا يَقُول عَلَيْهَا

10

{وَلَوْلَا فضل الله} من الله {عَلَيْكُم وَرَحمته} لبيَّن الْكَاذِب مِنْكُم {وَأَنَّ الله تَوَّابٌ} متجاوز لمن تَابَ {حَكِيمٌ} حكم للعان بَين الرجل وَالْمَرْأَة بالفرية نزلت هَذِه الْآيَة فِي عَاصِم بن عدي الْأنْصَارِيّ ابتلى بِهَذَا

11

{إِن الَّذين جاؤوا بالإفك} تكلمُوا بِالْكَذِبِ {عُصْبَةٌ} جمَاعَة {مِّنْكُمْ} نزلت فِي عبد الله بن أبي ابْن سلول الْمُنَافِق وَحسان بن ثَابت الْأنْصَارِيّ ومسطح بن أَثَاثَة بن خَالَة أبي بكر الصّديق وَعباد بن عبد الْمطلب وَحمْنَة بنت جحش الأَسدِية فِيمَا قَالُوا على عَائِشَة وَصَفوَان بن الْمُعَطل من الْفِرْيَة {لاَ تَحْسَبُوهُ} يَعْنِي الْقَذْف لعَائِشَة وَصَفوَان {شَرّاً لَّكُمْ} فِي الْآخِرَة {بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} فى الثَّوَاب {لكل امْرِئ مِّنْهُمْ} مِمَّن خَاضَ فِي أَمر عَائِشَة وَصَفوَان بن الْمُعَطل {مَّا اكْتسب مِنَ الْإِثْم} على قدر مَا خَاضَ فِيهِ {وَالَّذِي تولى كِبْرَهُ} أشاع وَأعظم الْمقَالة فِيهِ وَهُوَ عبد الله بن أبي {مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} فِي الدُّنْيَا بِالْحَدِّ وَفِي الْآخِرَة بالنَّار

12

{لَوْلَا} هلا {إِذْ سَمِعْتُمُوهُ} قذف عَائِشَة وَصَفوَان

{ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَات بِأَنْفُسِهِمْ} بأمهاتهم {خَيْراً} يَقُول هلا ظننتم بعائشة أم الْمُؤمنِينَ كَمَا تظنون بِأُمَّهَاتِكُمْ {وَقَالُوا} هلا قُلْتُمْ {هَذَا} الْقَذْف {إفْك مُبين} كذب بَين

13

{لَوْلَا جاؤوا عَلَيْهِ} هلا جَاءُوا على مَا قَالُوا {بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ} عدُول فيصدقونهم بذلك {فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِالشُّهَدَآءِ} بأَرْبعَة شُهَدَاء {فَأُولَئِك عِندَ الله هُمُ الْكَاذِبُونَ} ثمَّ نزل فِي شَأْن الَّذين لم يقذفوا عَائِشَة وَصَفوَان بن الْمُعَطل وَلَكِن خَاضُوا فِيهِ

14

{وَلَوْلَا فضل الله} من الله {عَلَيْكُم وَرَحمته فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة لمسكم} لأصابكم {فِيمَا أَفَضْتُمْ فِيهِ} خضتم فِي شَأْن عَائِشَة وَصَفوَان {عَذَابٌ عَظِيمٌ} شَدِيد فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة

15

{إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ} إِذْ يرويهِ بَعْضكُم عَن بعض {وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ} بألسنتكم {مَّا لَّيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ} حجَّة وَبَيَان {وَتَحْسَبُونَهُ} يَعْنِي قذف عَائِشَة وَصَفوَان {هَيِّناً} ذَنبا هيناً {وَهُوَ عِندَ الله عَظِيمٌ} فِي الْعقُوبَة

16

{وَلَوْلَا} هلا {إِذْ سَمِعْتُمُوهُ} قذف عَائِشَة وَصَفوَان {قُلْتُمْ مَّا يَكُونُ لَنَآ} مَا يجوز لنا {أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا} الْكَذِب {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} كذب عَظِيم

17

{يَعِظُكُمُ الله} يخوفكم الله وينهاكم {أَن تَعُودُواْ لِمِثْلِهِ} أَن لَا تعودوا إِلَى مثله {أَبَداً إِن كُنتُمْ} إِذْ كُنْتُم {مُّؤْمِنِينَ} مُصدقين

18

{وَيُبَيِّنُ الله لَكُمُ الْآيَات} بِالْأَمر وَالنَّهْي {وَالله عَلِيمٌ} بمقالتكم {حَكِيمٌ} فِيمَا حكم عَلَيْكُم من الْحَد

19

{إِن الَّذين يحبونَ} يعْنى عبد الله ابْن أبي وَأَصْحَابه {أَن تَشِيعَ} أَن تظهر {الْفَاحِشَة فِي الَّذين آمَنُواْ} عَائِشَة وَصَفوَان {لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} بِالضَّرْبِ {فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة} بالنَّار لعبد الله بن أبي خَاصَّة {وَالله يَعْلَمُ} أَن عَائِشَة وَصَفوَان لم يزنيا {وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} ذَلِك

20

{وَلَوْلَا فضل الله} من الله {عَلَيْكُم وَرَحمته} على من لم يقذف عَائِشَة وَصَفوَان {وَأَنَّ الله رؤوف رَحِيم} بِالْمُؤْمِنِينَ

21

ثمَّ نَهَاهُم عَن مُتَابعَة الشَّيْطَان فَقَالَ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {لاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَان} تَزْيِين الشَّيْطَان ووسوسته {وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَان} تَزْيِين الشَّيْطَان ووسوسته {فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بالفحشآء} بالقبيح من الْعَمَل وَالْقَوْل {وَالْمُنكر} مَالا يعرف فِي شَرِيعَة وَلَا فِي سنة {وَلَوْلاَ فَضْلُ الله} من الله {عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} بالعصمة والتوفيق {مَا زكا} مَا وحد وَصلح {مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِن الله يُزَكِّي} يوفق وَيصْلح {مَن يَشَآءُ} من كَانَ أَهلا لذَلِك {وَالله سَمِيعٌ} لمقالتكم {عَلِيمٌ} بكم وبأعمالكم

22

ثمَّ نزل فِي شَأْن أبي بكر حِين حلف أَنه لَا ينْفق على ذَوي قرَابَته لقبل مَا خَاضُوا فِي أَمر عَائِشَة يَعْنِي مسطحًا وَأَصْحَابه فَقَالَ {وَلاَ يَأْتَلِ} لَا يَنْبَغِي أَن يحلف {أُوْلُواْ الْفضل مِنكُمْ} بالبذل {وَالسعَة} بِالْمَالِ {أَن يؤتوا أُوْلِي الْقُرْبَى} أَن لَا يؤتوا أَي لَا يُعْطوا أَو لَا ينفقوا على ذَوي الْقَرَابَة وَكَانَ مسطح ابْن خَالَته {وَالْمَسَاكِين} وَكَانَ مِسْكينا

{والمهاجرين فِي سَبِيلِ الله} فِي طَاعَة الله وَكَانَ مهاجرياً {وَلْيَعْفُواْ} يتْركُوا {وليصفحوا} يتجاوزوا {أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ الله لَكُمْ} أَلا تحب يَا أَبَا بكر أَن يغْفر الله لَك {وَالله غَفُورٌ} متجاوز {رَّحِيمٌ} لمن تَابَ فَقَالَ أَبُو بكر بلَى أحب يَا رب فألطف بقرابته وَأحسن إِلَيْهِ بعد مَا نزلت هَذِه الْآيَة

23

ثمَّ نزل فِي شَأْن عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه الَّذين خَاضُوا فِي أَمر عَائِشَة وَصَفوَان فَقَالَ {إِنَّ الَّذين يَرْمُونَ} بِالزِّنَا {الْمُحْصنَات} الْحَرَائِر {الْغَافِلَات} عَن الزِّنَا العفائف {الْمُؤْمِنَات} المصدقات بتوحيد الله يَعْنِي عَائِشَة {لُعِنُواْ} عذبُوا {فِي الدُّنْيَا} بِالْجلدِ {وَالْآخِرَة} بالنَّار يَعْنِي عبد الله بن أبي {وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} شَدِيد أَشد مِمَّا يكون فِي الدُّنْيَا يَعْنِي عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه

24

{يَوْمَ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ} على عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه {أَلْسِنَتُهُمْ} بِمَا قَالُوا {وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} فِي الدُّنْيَا

25

{يَوْمَئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {يُوَفِّيهِمُ الله دِينَهُمُ الْحق} يوفيهم الله جَزَاء أَعْمَالهم بِالْعَدْلِ {وَيَعْلَمُونَ أَنَّ الله} يَعْنِي أَن مَا قَالَ الله فِي الدُّنْيَا {هُوَ الْحق الْمُبين}

26

وَنزل فيهم أَيْضا {الخبيثات} من القَوْل وَالْفِعْل {لِلْخَبِيثِينَ} من الرِّجَال وَالنِّسَاء وَيُقَال بهم تلِيق {والخبيثون} من الرِّجَال وَالنِّسَاء {لِلْخَبِيثَاتِ} من القَوْل وَالْفِعْل يتبعُون وَيُقَال بهم تلِيق وَيُقَال الخبيثات من النِّسَاء حمْنَة بنت جحش الأَسدِية الَّتِي خاضت فِي أَمر عَائِشَة للخبيثين من الرِّجَال عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه وَحسان بن ثَابت تشبه والخبيثون من الرِّجَال عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه للخبيثات من النِّسَاء اللَّاتِي خضن فِي أَمر عَائِشَة تشبه {والطيبات} من القَوْل وَالْفِعْل {لِلطَّيِّبِينَ} من الرِّجَال وَالنِّسَاء وَيُقَال بهم تلِيق {والطيبون} من الرِّجَال وَالنِّسَاء {لِلْطَّيِّبَاتِ} من القَوْل وَالْفِعْل يتبعُون وَيُقَال بهم تلِيق وَيُقَال والطيبات من النِّسَاء يَعْنِي عَائِشَة للطيبين من الرِّجَال يعْنى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للطيبات يَعْنِي عَائِشَة تشبه {أُولَئِكَ} عَائِشَة وَصَفوَان {مبرؤون مِمَّا يَقُولُونَ} عَلَيْهِم من الْفِرْيَة {لَهُم مَّغْفِرَةٌ} لذنوبهم فِي الدُّنْيَا {وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} فِي الْجنَّة يَقُول إِذا أثني على الرجل وَالْمَرْأَة ثَنَاء حسنا وَكَانَا أَهلا لذَلِك صدق بِهِ عَلَيْهِمَا وَيَقُول من سَمعه هما كَذَلِك وَإِذا أثني على الرجل وَالْمَرْأَة الخبيثين ثَنَاء سَيِّئًا وَكَانَا أَهلا لَهُ صدق بِهِ عَلَيْهِمَا وَيَقُول من سَمعه هما كَذَلِك

27

ثمَّ نَهَاهُم عَن دُخُول بَعضهم على بعض بِغَيْر إِذن فَقَالَ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ} لَيْسَ لكم أَن تدْخلُوا بُيُوتًا {حَتَّى تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ على أَهْلِهَا} ثمَّ تستأنسوا فَيَقُول أَدخل مقدم ومؤخر {ذَلِكُم} التَّسْلِيم والاستئذان {خَيْرٌ لَّكُمْ} وَأصْلح {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} لكَي تتعظوا فَلَا يدْخل بَعْضكُم على بعض بِغَيْر إِذن

28

{فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَآ} فِي الْبيُوت {أَحَداً} يَأْذَن لكم {فَلاَ تَدْخُلُوهَا} بِغَيْر إِذن {حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمُ} بِالدُّخُولِ {وَإِن قِيلَ لَكُمْ ارْجعُوا} إِن ردوكم {فَارْجِعُوا} وَلَا تقوموا على أَبْوَاب النَّاس {هُوَ} الرُّجُوع {أزكى لَكُمْ} أصلح لكم من أَن تقوموا على أَبْوَاب النَّاس {وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ} من الاسْتِئْذَان وَغَيره {عَلِيمٌ}

29

ثمَّ رخص لَهُم فِي الدُّخُول فِي بيُوت غير بُيُوتهم بِغَيْر إِذن وَهِي الْخَانَات على الطّرق فَقَالَ {لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ} حرج {أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ} لَيْسَ فِيهَا سَاكن مَعْلُوم مثل الْخَانَات وَغير ذَلِك {فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ} مَنْفَعَة لكم من الْحر وَالْبرد فِي الشتَاء والصيف {وَالله يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ} من الاسئذان وَالتَّسْلِيم {وَمَا تَكْتُمُونَ} من الْجَواب وَالْإِذْن

30

ثمَّ أَمرهم بِحِفْظ الْعين والفرج فَقَالَ {قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ} يَا مُحَمَّد {يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ} يكفوا أَبْصَارهم عَن الْحَرَام وَمن صلَة فِي الْكَلَام {وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ} عَن الْحَرَام {ذَلِك} حفظ الْعين والفرج (أزكى) أصلح {لَهُمْ} وَخير لَهُم {إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر

31

{وَقُل} يَا مُحَمَّد {لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ} يكففن {مِنْ أبصارهن} عَن الْحَرَام ورؤية الرِّجَال من صلَة فِي الْكَلَام {وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} عَن الْحَرَام {وَلاَ يُبْدِينَ} وَلَا يظهرن {زِينَتَهُنَّ} الدملوج والوشاح {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} من ثِيَابهَا {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ}

يرخين قناعهن {على جُيُوبِهِنَّ} على صدورهن ونحورهن وليشدن ذَلِك ثمَّ ذكر الزِّينَة أَيْضا فَقَالَ {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} الدملوج والوشاح وَغير ذَلِك {إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ} أَزوَاجهنَّ {أَوْ آبَآئِهِنَّ} فِي النّسَب أَو اللَّبن {أَوْ آبَآءِ بُعُولَتِهِنَّ} أَو آبَاء أَزوَاجهنَّ {أَوْ أَبْنَآئِهِنَّ} فِي النّسَب أَو اللَّبن {أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ} أَبنَاء أَزوَاجهنَّ من غَيْرهنَّ {أَوْ إِخْوَانِهِنَّ} فِي النّسَب أَو اللَّبن {أَوْ بني إِخْوَانِهِنَّ} فِي النّسَب أَو اللَّبن {أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ} فِي النّسَب أَو اللَّبن {أَوْ نِسَآئِهِنَّ} نسَاء أهل دينهن المسلمات لِأَنَّهُ لَا يحل لَهَا أَن ترَاهَا متجردة يَهُودِيَّة أَو نَصْرَانِيَّة أَو مَجُوسِيَّة {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} من الْإِمَاء دون العبيد {أَوِ التَّابِعين} لِأَزْوَاجِهِنَّ {غَيْرِ أُوْلِي الإربة} الشَّهْوَة {مِنَ الرِّجَال} وَالنِّسَاء يعى الْخصي وَالشَّيْخ الْكَبِير الفاني {أَوِ الطِّفْل} يَعْنِي الصَّغِير {الَّذين لَمْ يَظْهَرُواْ على عَوْرَاتِ النسآء} لم يطيقوا المجامعة مَعَ النِّسَاء وَلَا (النِّسَاء) مَعَهم من الصغر وَلَا يعلمُونَ من أَمر الرِّجَال وَالنِّسَاء شَيْئا فَلَا بَأْس بِأَن يرى زينتهن هَؤُلَاءِ بِغَيْر رِيبَة {وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ} إِحْدَاهمَا بِالْأُخْرَى لتقرع الخلخال بالخلخال {لِيُعْلَمَ} لكَي يعلم وَيظْهر {مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ} مَا يوارين من زينتهن يَعْنِي الخلاخل عِنْد الْغَرِيب {وتوبوا إِلَى الله جَمِيعاً} من جَمِيع الذُّنُوب الصَّغَائِر والكبائر {أَيهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} لكَي تنجوا من السخط وَالْعَذَاب

32

ثمَّ دلهم على تَزْوِيج الْبَنِينَ وَالْبَنَات وَالإِخْوَة وَالْأَخَوَات مِمَّن لَيْسَ لَهُم أَزوَاج فَقَالَ {وَأَنْكِحُواْ} زوجوا {الْأَيَامَى مِنْكُمْ} بناتكم وأخواتكم وَيُقَال بنيكم وأخواتكم مِمَّن لَيْسَ لَهُم أَزوَاج {وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ} وزوجوا الصَّالِحين من عبيدكم {وَإِمائِكُمْ إِن يَكُونُواْ} يَعْنِي الْأَحْرَار {فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ الله مِن فَضْلِهِ} من رزقه {وَالله وَاسِعٌ} برزقه للْحرّ وَالْعَبْد {عَلِيمٌ} بأرزاقهما

33

{وَلْيَسْتَعْفِفِ} عَن الزِّنَا {الَّذين لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً} سَعَة للتزويج {حَتَّى يُغْنِيَهُمُ الله مِن فَضْلِهِ} من رزقه نزلت فِي حويطب بن عبد الْعُزَّى فِي شَأْن غُلَام لَهُ سَأَلَ كِتَابَته فَلم يكاتبه {وَالَّذين يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ} يطْلبُونَ مِنْكُم الْمُكَاتبَة {مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} يَعْنِي عبيدكم {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً} صلاحاً ووفاء {وَآتُوهُمْ} أعطوهم يَعْنِي لجملة النَّاس {مِّن مَّالِ الله الَّذِي آتَاكُمْ} أَعْطَاكُم حَتَّى يؤدوا مكاتبتهم وَيُقَال حث الْمولى على ترك الثُّلُث عَن مكَاتبه ثمَّ نزل فِي شَأْن عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه كَانَ لَهُم ولائد يجبرونهن على الزِّنَا لقبل كَسْبهنَّ وأولادهن فنهاهم الله عَن ذَلِك وَحرم عَلَيْهِم فَقَالَ {وَلاَ تُكْرِهُواْ} وَلَا تجبروا {فَتَيَاتِكُمْ} ولائدكم {عَلَى البغآء} على الزِّنَا والفجور {إِنْ أَرَدْنَ} بَعْدَمَا أردن {تَحَصُّناً} تعففاً عَن الزِّنَا {لِّتَبْتَغُواْ} لتطلبوا بذلك {عَرَضَ الْحَيَاة الدُّنْيَا} من كَسْبهنَّ وأولادهن {وَمَن يُكْرِههُنَّ} يجبرهن يَعْنِي الولائد على الزِّنَا {فَإِنَّ الله مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ} وتوبتهن {غَفُورٌ} متجاوز {رَّحِيمٌ} بعد الْمَوْت

34

{وَلَقَدْ أَنْزَلْنَآ إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ} يَقُول أنزلنَا جِبْرِيل إِلَى نَبِيكُم بآيَات مبينات بالحلال وَالْحرَام وَالْأَمر وَالنَّهْي عَن الزِّنَا وَالْفَوَاحِش {وَمَثَلاً مِّنَ الَّذين خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُمْ} صفة الَّذين مضوا من قبلكُمْ من الْمُؤمنِينَ والكافرين {وَمَوْعِظَةً} نهيا {لِّلْمُتَّقِينَ} عَن الزِّنَا وَالْفَوَاحِش

35

ثمَّ ذكر كرامته للْمُؤْمِنين ومنته عَلَيْهِم فَقَالَ {الله نُورُ السَّمَاوَات وَالْأَرْض} هادي أهل السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْهدى من الله على وَجْهَيْن التِّبْيَان والتعريف وَيُقَال الله مزين السَّمَوَات بالنجوم وَالْأَرْض بالنبات والمياه وَيُقَال الله منور قُلُوب أهل السَّمَوَات وَأهل الأَرْض من الْمُؤمنِينَ {مَثَلُ نُورِهِ} نور الْمُؤمنِينَ وَيُقَال مثل نور الله فِي قلب الْمُؤمن {كَمِشْكَاةٍ} ككوة {فِيهَا مِصْبَاحٌ} مقدم ومؤخر يَقُول كمشكاة كمصباح وَهُوَ السراج {الْمِصْبَاح} السراج {فِي زُجَاجَةٍ} فِي قنديل من جَوْهَر {الزجاجة} الْقنْدِيل فِي مشكاة وَهِي كوَّة غير نَافِذَة بلغَة الْحَبَشَة {كَأَنَّهَا} يَعْنِي الزجاجة {كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} نجم مضيء من هَذِه الأنجم الْخَمْسَة عُطَارِد وَالْمُشْتَرِي والزهرة وبهرام وزحل هَذِه الأنجم كلهَا درية

{يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ} أَخذ دهن الْقنْدِيل من دهن شَجَرَة {مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ} وَهِي شَجَرَة الزَّيْتُون {لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ} بفلاة على تلعة لَا يُصِيبهَا ظلّ الشرق وَلَا ظلّ الغرب وَيُقَال بمَكَان لَا تصيبها الشَّمْس حِين طلعت وَلَا حِين غربت {يَكَادُ زَيْتُهَا} زَيْت الشَّجَرَة {يضيء} من وَرَاء قشرها {وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ} وَإِن لم تمسسه {نَارٌ نُّورٌ على نُورٍ} فَهُوَ النُّور على النُّور الْمِصْبَاح نور والقنديل نور وَالزَّيْت نور {يَهْدِي الله لِنُورِهِ} يكرم الله بنوره يَعْنِي الْمعرفَة وَيُقَال يكرم الله بِدِينِهِ {مَن يَشَآءُ} من كَانَ أَهلا لذَلِك وَيُقَال مثل نوره نور مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أصلاب آبَائِهِ على هَذَا الْوَصْف إِلَى قَوْله توقد من شَجَرَة مباركة يَقُول كَانَ نور مُحَمَّد فِي إِبْرَاهِيم حَنِيفا مُسلما زيتونة دين حنيفية لَا شرقية وَلَا غربية لم يكن لإِبْرَاهِيم يَهُودِيّا وَلَا نَصْرَانِيّا يكَاد زيتها يَقُول تكَاد أَعمال إِبْرَاهِيم تضيء فِي أصلاب آبَائِهِ على هَذَا الْوَصْف إِلَى قَوْله توقد من شَجَرَة مباركة يَقُول كَأَنَّهُ نور مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَو لم تمسسه نَار رأى لَو لم يكن إِبْرَاهِيم نَبيا لَكَانَ لَهُ هَذَا النُّور أَيْضا وَيُقَال لَو لم تمسسه نَار لَو لم يكرم الله إِبْرَاهِيم لم يكن لَهُ هَذَا النُّور وَيُقَال لَو لم يكرم الله عَبده الْمُؤمن بِهَذَا النُّور لم يكن لَهُ هَذَا النُّور {وَيَضْرِبُ الله الْأَمْثَال لِلنَّاسِ} هَكَذَا يبين الله صفة الْمعرفَة للنَّاس {وَالله بِكُلِّ شَيْءٍ} من كرامته لِعِبَادِهِ {عَلَيِمٌ} وَهَذَا مثل ضربه الله للمعرفة وبيَّن مَنْفَعَتهَا ومدحتها لكَي يشكروا بهَا يَقُول كَمَا أَن للسراج نور يهتدى بِهِ كَذَلِك الْمعرفَة نور يهتدى بهَا وكما أَن الْقنْدِيل نور ينْتَفع بِهِ كَذَلِك الْمعرفَة نور يهدى بهَا وكما أَن الْكَوَاكِب الدرية بهَا فِي ظلمات الْبر وَالْبَحْر كَذَلِك الْمعرفَة يهتدى بهَا فِي ظلمات الْكفْر والشرك وكما أَن دهن الْقنْدِيل من زيتونة مباركة كَذَلِك الْمعرفَة من الله تَعَالَى لعَبْدِهِ وكما أَن الزيتونة لَا شرقية وَلَا غربية كَذَلِك دين الْمُؤمن حنيفي لَا يَهُودِيّ وَلَا نَصْرَانِيّ وكما أَن زَيْت الشَّجَرَة نور مضيء وَإِن لم تصبه النَّار فَكَذَلِك شرائع إِيمَان الْمُؤمنِينَ ممدوح وَإِن لم يكن مَعهَا غَيرهَا من الْفَضَائِل وكما أَن السراج والقنديل والمشكاة نور على نور كَذَلِك الْمعرفَة نور وقلب الْمُؤمن نور وصدره نور ومدخله نور ومخرجه نور على نور يهدي الله لنوره من يَشَاء يكرم الله بِهَذَا النُّور من كَانَ أَهلا لذَلِك فَهَذَا وصف الله للمعرفة

36

{فِي بُيُوتٍ} يَقُول هَذِه الْقَنَادِيل معلقَة فِي بيُوت وَيُقَال بيُوت {أَذِنَ الله} أَمر الله {أَن تُرْفَعَ} أَن تبنى وَهِي الْمَسَاجِد {وَيُذْكَرَ فِيهَا} فِي الْمَسَاجِد {اسْمه} توحيده {يُسَبِّحُ لَهُ} يصلى لله {فِيهَا} فِي الْمَسَاجِد {بِالْغُدُوِّ} غدْوَة صَلَاة الْفجْر {وَالْآصَال} عَشِيَّة صَلَاة الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء

37

{رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ} لَا تشغلهم {تِجَارَةٌ} فِي الجلب {وَلاَ بَيْعٌ} يدا بيد {عَن ذِكْرِ الله} عَن طَاعَة الله وَيُقَال عَن الْأَوْقَات الْخمس {وَإِقَامِ الصَّلَاة} إتْمَام الصَّلَوَات الْخمس بوضوئها وركوعها وسجودها وَمَا يجب فِيهَا فِي مواقيتها {وَإِيتَآءِ الزَّكَاة} أَي أَدَاء زَكَاة أَمْوَالهم {يَخَافُونَ يَوْماً} عَذَاب يَوْم وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوب والأبصار} حَالا بعد حَال يعْرفُونَ حينا وَلَا يعْرفُونَ حينا

38

{لِيَجْزِيَهُمُ الله أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ} بِإِحْسَان مَا عمِلُوا فِي الدُّنْيَا {وَيَزِيدَهُمْ مِّن فَضْلِهِ} من كرامته بِوَاحِدَة تِسْعَة {وَالله يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} بِلَا تَقْدِير وَلَا هنداز وَلَا منَّة

39

{وَالَّذين كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {أَعْمَالُهُمْ} مثل أَعْمَالهم فِي الْآخِرَة {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ} فِي بقاع من الأَرْض {يَحْسَبُهُ الظمآن مَآءً} العطشان مَاء من الْبعد {حَتَّى إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً} من الشَّرَاب فَكَذَلِك لَا يجد الْكَافِر من ثَوَاب عمله شَيْئا يَوْم الْقِيَامَة {وَوَجَدَ الله عِندَهُ} وَوجد عِنْد الله عُقُوبَة ذنُوبه وَيُقَال وجد الله مستعداً لعذابه {فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ} فوفره عَذَابه {وَالله سَرِيعُ الْحساب} شَدِيد الْعَذَاب وَيُقَال إِذا حاسب فحسابه سريع

40

{أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ} يَقُول مثل النكرَة فِي قلب الْكَافِر كظلمة فِي بَحر لجي فِي غمر عميق {يَغْشَاهُ} يعلوه يَعْنِي الْبَحْر {مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ} آخر {مِّن فَوْقِهِ} من فَوق الموج الثَّانِي {سَحَابٌ} كَذَلِك قلب الْكَافِر مثل النكرَة

فِي قلبه كظلمة الْبَحْر وَمثل قلبه كالبحر اللجي وَمثل صَدره كالموج الهائل وَمثل أَعماله كسحاب لَا ينْتَفع بِهِ لقَوْل الله ختم الله طبع الله على قُلُوبهم وعَلى سمعهم وعَلى أَبْصَارهم فَهَذِهِ {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَآ أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} من شدَّة الظلمَة فَكَذَلِك الْكَافِر لَا يبصر الْحق وَالْهدى من شدَّة ظلمَة قلبه {وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ الله لَهُ نُوراً} معرفَة فِي الدُّنْيَا {فَمَا لَهُ مِن نُورٍ} من معرفَة فِي الْآخِرَة وَيُقَال وَمن لم يُكرمهُ الله بِالْإِيمَان فِي الدُّنْيَا فَمَا لَهُ من إِيمَان فِي الْآخِرَة

41

{أَلَمْ تَرَ} ألم تخبر فِي الْقُرْآن يَا مُحَمَّد {أَنَّ الله يُسَبِّحُ لَهُ} يُصَلِّي لله {مَن فِي السَّمَاوَات} من الْمَلَائِكَة {وَالْأَرْض} من الْمُؤمنِينَ {وَالطير} ويسبح الطير {صَآفَّاتٍ} مفتوحات الأجنحة {كُلٌّ} كل وَاحِد مِنْهُم {قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ} من يُصَلِّي لَهُ {وَتَسْبِيحَهُ} من يسبح لَهُ وَيُقَال قد علم الله صَلَاة من يُصَلِّي وتسبيح من يسبح {وَالله عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر

42

{وَلِلَّهِ مُلْكُ} خَزَائِن {السَّمَاوَات} الْمَطَر {وَالْأَرْض} النَّبَات {وَإِلَى الله الْمصير} الْمرجع بعد الْمَوْت

43

{أَلَمْ تَرَ} ألم تخبر فِي الْقُرْآن يَا مُحَمَّد {أَنَّ الله يُزْجِي} يَسُوق {سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ} يضم بَين السَّحَاب {ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً} بعضه على بعض يَقُول يَجعله ركاماً ثمَّ يؤلفه مقدم ومؤخر {فَتَرَى الودق} الْمَطَر {يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ} ينزل من خلال السَّحَاب {وَيُنَزِّلُ مِنَ السمآء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ} يَقُول ينزل من جبال فِي السَّمَاء بردا {فَيُصِيبُ بِهِ} فيعذب الله بالبرد {مَن يَشَآءُ} من كَانَ أَهلا لذَلِك {وَيَصْرِفُهُ} يصرف عَذَابه {عَن مَّن يَشَآءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ} ضوء برق السَّحَاب {يَذْهَبُ بالأبصار} من شدَّة نوره

44

{يُقَلِّبُ الله اللَّيْل وَالنَّهَار} يذهب بِاللَّيْلِ وَيَجِيء بِالنَّهَارِ وَيذْهب بِالنَّهَارِ وَيَجِيء بِاللَّيْلِ فَهَذَا تقليبهما {إِنَّ فِي ذَلِك} فِيمَا ذكرت من تقليب اللَّيْل وَالنَّهَار وَغير ذَلِك {لَعِبْرَةً} لعلامة {لأُوْلِي الْأَبْصَار} فِي الدّين وَيُقَال فِي الْعين

45

{وَالله خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ} على وَجه الأَرْض {مِّن مَّآءٍ} من مَاء الذّكر وَالْأُنْثَى {فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي على بَطْنِهِ} الْحَيَّة وأشباهها {وَمِنهُمْ مَّن يَمْشِي على أَرْبَعٍ} الدَّوَابّ {يَخْلُقُ الله مَا يَشَآءُ} كَمَا يَشَاء {إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} من الْخلق وَغَيره

46

{لَّقَدْ أَنزَلْنَآ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ} يَقُول أنزلنَا جِبْرِيل بآيَات مبينات بِالْأَمر وَالنَّهْي {وَالله يَهْدِي} يرشد إِلَى دينه {مَن يَشَآءُ} وَيكرم من كَانَ أَهلا لذَلِك {إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} دين قَائِم يرضاه وَهُوَ الْإِسْلَام

47

ثمَّ نزل فِي شَأْن قوم عُثْمَان بن عَفَّان حِين قَالُوا لعُثْمَان لَا تذْهب مَعَ على للْقَضَاء عِنْد النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي خُصُومَة فِي قِطْعَة أَرض كَانَت بَينهمَا لِأَنَّهُ يمِيل إِلَيْهِ فذمهم الله بذلك وَقَالَ {وَيِقُولُونَ} قوم عُثْمَان بن عَفَّان {آمَنَّا بِاللَّه وبالرسول} صدقنا بإيماننا بِاللَّه وبالرسول {وَأَطَعْنَا} مَا أمرنَا بِهِ {ثُمَّ يتَوَلَّى فَرِيقٌ} طَائِفَة {مِّنْهُمْ} من قوم عُثْمَان {مِّن بَعْدِ ذَلِك} من بعد مَا قَالُوا هَذِه الْكَلِمَة عَن حكم الله {وَمَآ أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} بالمصدقين فِي إِيمَانهم

48

{وَإِذَا دعوا إِلَى الله} إِلَى كتاب الله {وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ} الرَّسُول {بَيْنَهُمْ} بِكِتَاب الله بِحكم الله {إِذَا فَرِيقٌ} طَائِفَة {مِّنْهُمْ مُّعْرِضُونَ} عَن كتاب الله وَحكم الرَّسُول

49

{وَإِن يَكُنْ لَّهُمُ} لقوم عُثْمَان {الْحق} الْقَضَاء {يَأْتُوا إِلَيْهِ} إِلَى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {مُذْعِنِينَ} مُسْرِعين طائعين

50

{أَفِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ} شكّ ونفاق {أَمِ ارْتَابُوا} بل شكوا بِاللَّه وبرسوله {أَمْ يَخَافُونَ} أيخافون {أَن يَحِيفَ الله} يجور الله {عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ} فِي الحكم {بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} الضارون لأَنْفُسِهِمْ وَكَانُوا منافقين فِي إِيمَانهم

51

ثمَّ ذكر قَول المخلصين فَقَالَ {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤمنِينَ} المخلصين كَقَوْل عُثْمَان حَيْثُ قَالَ لعَلي بل أجيء مَعَك إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمَا قضى بَيْننَا رضيت بِهِ فمدحه الله بذلك وَقَالَ إِنَّمَا كَانَ قَول الْمُؤمنِينَ المخلصين وَإِذَا دعوا إِلَى الله {إِلَى كتاب الله}

{وَرَسُولِهِ} وَسنة رَسُوله {لِيَحْكُمَ} الرَّسُول {بَيْنَهُمْ} بِكِتَاب الله بِحكم الله {أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا} أجبنا {وَأَطَعْنَا} مَا أمرنَا {وَأُولَئِكَ هُمُ المفلحون} الناجون من السخط وَالْعَذَاب يَعْنِي عُثْمَان بن عَفَّان

52

وَنزل فِي عُثْمَان أَيْضا لقَوْله وَالله لَئِن شِئْت يَا رَسُول الله لأخْرجَن من مَالِي كُله فَقَالَ الله {وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ} فِي الحكم {وَيَخْشَ الله} فِيمَا مضى {وَيَتَّقْهِ} فِيمَا بَقِي {فَأُولَئِك هُمُ الفآئزون} فازوا بِالْجنَّةِ ونجوا من النَّار

53

{وَأَقْسَمُواْ بِاللَّه جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} حلف بِاللَّه عُثْمَان جهد يَمِينه {لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ} من مَاله كُله {قُل} لَهُم يَا مُحَمَّد {لاَّ تُقْسِمُواْ} لَا تحلفُوا {طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ} هِيَ طَاعَة مَعْرُوفَة حَسَنَة أَن فَعلْتُمْ وَلَكِن طيعوا طَاعَة مَعْرُوفَة مَعْلُومَة الَّتِي أوجبت عَلَيْكُم {إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر

54

{قُلْ} يَا مُحَمَّد لقوم عُثْمَان {أَطِيعُواْ الله} فِي الْفَرَائِض {وَأَطِيعُواْ الرَّسُول} فِي السّنَن وَالْحكم {فَإِن تَوَلَّوْاْ} أَعرضُوا عَن طاعتهما {فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ} مَا أَمر من التَّبْلِيغ {وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمِّلْتُمْ} مَا أمرْتُم من الْإِجَابَة {وَإِن تُطِيعُوهُ} تطيعوا الله فِيمَا أَمركُم {تَهْتَدُواْ} من الضَّلَالَة {وَمَا عَلَى الرَّسُول إِلاَّ الْبَلَاغ الْمُبين} عَن الله

55

{وَعَدَ الله الَّذين آمَنُواْ مِنْكُمْ} يَا أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْض} بَعضهم على أثر بعض {كَمَا اسْتخْلف الَّذين مِن قَبْلِهِمْ} من بني إِسْرَائِيل يُوشَع بن نون وكالب بن يوقنا وَيُقَال لننزلنهم أَرض مَكَّة كَمَا أنزلنَا الَّذين من قبلهم من بني إِسْرَائِيل أَرضهم بَعْدَمَا أهلك عدوهم {وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ} لَيظْهرَن لَهُم {دِينَهُمُ الَّذِي ارتضى لَهُمْ} رَضِي وَاخْتَارَ لَهُم {وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ} بِمَكَّة {مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ} من الْعَدو {أَمْناً} بعد هَلَاك عدوهم {يَعْبُدُونَنِي} لكَي يعبدوني بِمَكَّة {لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً} من الْأَوْثَان {وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِك} التَّمْكِين والتبديل {فَأُولَئِك هُمُ الْفَاسِقُونَ} العاصون

56

{وَأَقِيمُواْ الصَّلَاة} أَتموا الصَّلَوَات الْخمس {وَآتُواْ الزَّكَاة} أعْطوا زَكَاة أَمْوَالكُم {وَأَطِيعُواْ الرَّسُول} فِي الحكم {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} لكَي ترحموا فَلَا تعذبوا

57

{لاَ تَحْسَبَنَّ} يَا مُحَمَّد {الَّذين كَفَرُواْ} كفار مَكَّة {مُعْجِزِينَ فِي الأَرْض} فائتين فِي الأَرْض من عَذَاب الله {وَمَأْوَاهُمُ} مصيرهم {النَّار} فِي الْآخِرَة {وَلَبِئْسَ الْمصير} صَارُوا إِلَيْهِ مَعَ الشَّيَاطِين نزلت هَذِه الْآيَة فِي أبي جهل وَأَصْحَابه

58

ثمَّ نزل حِين قَالَ عمر رضى الله عَنهُ وددت أَن الله نهى أبناءنا وَخَدَمنَا أَن لَا يدخلُوا علينا فِي العورات الثَّلَاث إِلَّا بِإِذن فَقَالَ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {لِيَسْتَأْذِنَكُمُ} فِي الدُّخُول عَلَيْكُم {الَّذين مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} العبيد الصغار {وَالَّذين لَمْ يَبْلَغُوا الْحلم} الأحلام {مِنْكُمْ} من أحراركم {ثَلاثَ مَرَّاتٍ} فِي ثَلَاث سَاعَات {من قبل صَلَاة الْفجْر} من ينفجر الصُّبْح إِلَى حِين تصلى صَلَاة الْفجْر {وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِّنَ الظهيرة} عِنْد القيلولة إِلَى أَن تصلى صَلَاة الظّهْر {وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعشَاء} الْأَخِيرَة إِلَى حِين طُلُوع الْفجْر {ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ} ثَلَاث خلوات {لكُم} ثمَّ رخصهم بعد ذَلِك فِي الدُّخُول عَلَيْهِم بِغَيْر إِذن فَقَالَ {لَيْسَ عَلَيْكُمْ} على أَرْبَاب الْبيُوت {وَلاَ عَلَيْهِمْ} على الْأَبْنَاء والخدام الصغار دون الْكِبَار {جُنَاحٌ} حرج {بَعْدَهُنَّ} بعد هَذِه الثَّلَاث العورات {طَوَّافُونَ عَلَيكُمْ} للْخدمَة {بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ} يدْخل بَعْضكُم على بعض بِغَيْر إِذن وَأما الْكِبَار من العبيد وَالْأَبْنَاء فَيَنْبَغِي لَهُم أَن يستأذنوا بِالدُّخُولِ على آبَائِهِم ومماليكهم فِي كل حِين {كَذَلِك} هَكَذَا {يبين الله لكم الْآيَات} الْأَمر وَالنَّهْي كَمَا بيّن الله هَذَا {وَاللهُ عَلِيمٌ} أعلم بصلاحكم {حَكِيمٌ} حكم عَلَيْكُم بالاستئذان للصبيان الصغار فِي العورات

59

ثمَّ ذكر الْكِبَار دون الصغار فَقَالَ {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَال مِنكُمُ} من أحراركم وعبيدكم

{الْحلم} الِاحْتِلَام {فَلْيَسْتَأْذِنُواْ} عَلَيْكُم فِي كل حِين {كَمَا اسْتَأْذن الَّذين مِن قَبْلِهِمْ} من إخْوَانهمْ الْمَذْكُورين {كَذَلِك} هَكَذَا {يُبَيِّنُ الله لَكُمْ آيَاتِهِ} أمره وَنَهْيه كَمَا يبيّن الله هَذَا {وَالله عَلِيمٌ} بصلاحكم {حَكِيمٌ} حكم على الْكِبَار بالاستئذان فِي كل حِين

60

{وَالْقَوَاعِد مِنَ النسآء} الْعَجَائِز {اللَّاتِي} يئسن من الْمَحِيض اللَّاتِي {لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً} لَا يتزوجن وَلَا يحتجن إِلَى الزَّوْج {فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ} على الْعَجَائِز {جُنَاحٌ} حرج {أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ} من ثيابهن الرِّدَاء عِنْد الْغَرِيب {غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتِ بِزِينَةٍ} من غير أَن يتزين أَن يظهرن مَا عَلَيْهِنَّ من الزِّينَة عِنْد الْغَرِيب {وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ} بالرداء عِنْد الْغَرِيب {خَيْرٌ لَّهُنَّ} من أَن يضعنه {وَالله سَمِيعٌ} لمقالتهن {عِلِيمٌ} بأعمالهن

61

ثمَّ نزل حِين تحرجوا من المواكلة مَعَ بَعضهم بَعْضًا مَخَافَة الظُّلم لما أنزل قَوْله يأيها الَّذين آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ بالظلم وخافوا من ذَلِك فَرخص لَهُم المواكلة مَعَ بَعضهم بَعْضًا فَقَالَ {لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ} يَقُول لَيْسَ على من أكل مَعَ الْأَعْمَى حرج مأثم {وَلاَ عَلَى الْأَعْرَج حَرَجٌ} لَيْسَ على من أكل مَعَ الْأَعْرَج حرج مأثم {وَلاَ عَلَى الْمَرِيض حَرَجٌ} وَلَيْسَ على من أكل مَعَ الْمَرِيض حرج مأثم {وَلاَ على أَنفُسِكُمْ} حرج مأثم {أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ} من بيُوت أَبْنَائِكُم بِغَيْر إِذن بِالْعَدْلِ والإنصاف {أَوْ بُيُوتِ آبَآئِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ} {أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ} من كل وَجه {أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ} من كل وَجه {أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ} إخْوَة آبائكم {أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ} أَخَوَات آبائكم {أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ} إخْوَة أُمَّهَاتكُم {أَوْ بُيُوتِ خَالاَتِكُمْ} أَخَوَات أُمَّهَاتكُم {أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَّفَاتِحهُ} خَزَائِن مَا عنْدكُمْ من المَال يَعْنِي العبيد وَالْإِمَاء {أَوْ صَدِيقِكُمْ} فِي الْخلطَة نزل أَو صديقكم فِي مَالك بن زين والْحَارث بن عمار وَكَانَا صديقين {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ} مأثم {أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعاً} مُجْتَمعين بِالْعَدْلِ والإنصاف {أَوْ أَشْتَاتاً} مُتَفَرّقين وَدخل فِي هَذِه الْآيَة الْأَعْمَى والأعرج وَالْمَرِيض وَغير ذَلِك {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً} يَعْنِي بُيُوتكُمْ أَو الْمَسَاجِد وَلَيْسَ فِيهَا أحد {فَسَلِّمُواْ على أَنفُسِكُمْ} فَقولُوا السَّلَام علينا من رَبنَا {تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ الله} كَرَامَة من الله لكم {مُبَارَكَةً} بالثواب {طَيِّبَةً} بالمغفرة {كَذَلِكَ} هَكَذَا {يُبَيِّنُ الله لَكُمُ الْآيَات} الْأَمر وَالنَّهْي كَمَا بَين هَذَا {لَعَلَّكُمْ تعقلون} لكَي تعقلوا مَا أمرْتُم بِهِ

62

{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ} المصدقون فِي إِيمَانهم {الَّذين آمَنُواْ بِاللَّه وَرَسُولِهِ} فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة {وَإِذَا كَانُواْ مَعَه} مَعَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {على أَمْرٍ جَامِعٍ} فِي يَوْم الْجُمُعَة أَو فِي غَزْوَة {لَّمْ يَذْهَبُواْ} لم يخرجُوا من الْمَسْجِد وَلم يرجِعوا من الْغَزْو {حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} يعْنى يستأذنوا النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِنَّ الَّذين يَسْتَأْذِنُونَكَ} يَا مُحَمَّد بِالرُّجُوعِ عَن غَزْوَة تَبُوك وَكَانَ ذَلِك عمر بن الْخطاب اسْتَأْذن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالرُّجُوعِ إِلَى الْمَدِينَة لعِلَّة كَانَت بِهِ {أُولَئِكَ الَّذين يُؤْمِنُونَ بِاللَّه وَرَسُولِهِ} فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة {فَإِذَا استأذنوك} يَا مُحَمَّد المخلصون {لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ} حَاجتهم {فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ} من المخلصين {واستغفر لَهُمُ الله} فِيمَا ذَهَبُوا {إِنَّ الله غَفُور} لمن تَابَ {رَحِيم} لمن مَاتَ على التَّوْبَة

63

{لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَآءَ الرَّسُول بَيْنَكُمْ} أَي لَا تدعوا الرَّسُول باسمه يَا مُحَمَّد {كَدُعَآءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا}

اسْمه وَلَكِن عظموه ووقروه وشرفوه وَقُولُوا لَهُ يَا نَبِي الله وَيَا رَسُول الله وَيَا أَبَا الْقَاسِم {قَدْ يَعْلَمُ الله الَّذين يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ} يخرجُون مِنْكُم من الْمَسْجِد {لِوَاذاً} يلوذ بَعْضكُم بَعْضًا وَكَانَ المُنَافِقُونَ إِذا خَرجُوا من الْمَسْجِد خَرجُوا بِغَيْر إِذن إِذا لم يرهم أحد {فَلْيَحْذَرِ الَّذين يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} عَن أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيُقَال عَن أَمر الله {أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} بلية {أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} بِالضَّرْبِ

64

{أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} من الْخلق {قَدْ يَعْلَمُ} أَي يعلم الله {مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ} من الْكفْر وَالْإِيمَان والتصديق والتكذيب وَالْإِخْلَاص والنفاق والاستقامة والميل وَغير ذَلِك {وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ} إِلَى الله وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {فَيُنَبِّئُهُمْ} يُخْبِرهُمْ الله {بِمَا عَمِلُواْ} فِي الدُّنْيَا {وَالله بِكُلِّ شَيْءٍ} من أَعْمَالهم {عَلِيمُ} وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْفرْقَان وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها سبع وَتسْعُونَ آيَة وكلماتها ثَلَاثمِائَة وَاثْنَتَانِ وَتسْعُونَ وحروفها ثَلَاثَة آلَاف وَسَبْعمائة وَسِتُّونَ {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

الفرقان

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {تبَارك} يَقُول ذُو بركَة وَيُقَال تبَارك وَتَعَالَى وارتفع وتبرأ عَن الْوَلَد وَالشَّرِيك {الَّذِي نَزَّلَ الْفرْقَان} نزل جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ {على عَبْدِهِ} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {ليَكُون} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {لِلْعَالَمِينَ} الْجِنّ وَالْإِنْس {نَذِيراً} رَسُولا مخوفا بِالْقُرْآنِ

2

{الَّذِي لَهُ مُلْكُ} خَزَائِن {السَّمَاوَات} الْمَطَر {وَالْأَرْض} النَّبَات {وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً} كَمَا قَالَت الْيَهُود وَالنَّصَارَى {وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ} كَمَا قَالَ مُشْرِكُوا الْعَرَب فيماريه {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ} عبدوه وَغير مَا عبدوه {فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} فَقدر آجالهم وأرزاقهم وأعمالهم بالتقدير وَيُقَال قدر لكل ذكر أُنْثَى

3

{وَاتَّخذُوا} كفار مَكَّة أَبُو جهل وَأَصْحَابه {مِن دُونِهِ} من دون الله {آلِهَةً} يعبدونها {لاَّ يَخْلُقُونَ شَيْئاً} لَا يقدرُونَ أَن يخلقوا شَيْئا {وَهُمْ يُخْلَقُونَ} وَهِي مخلوقة منحوتة يَعْنِي الْأَصْنَام {وَلاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ} يَعْنِي الْأَصْنَام {ضَرّاً} دفع الضَّرَر {وَلاَ نَفْعاً} جر النَّفْع إِلَى أنفسهم وَلَا إِلَى غَيرهم {وَلاَ يَمْلِكُونَ مَوْتاً} لَا يقدرُونَ أَن ينقصوا من الْحَيَاة {وَلاَ حَيَاةً} وَلَا أَن يزِيدُوا فِي الْحَيَاة وَيُقَال وَلَا يملكُونَ موتا لَا يقدرُونَ أَن يخلقوا نُطْفَة وَلَا حَيَاة وَلَا أَن يجْعَلُوا فِيهَا الرّوح {وَلاَ نُشُوراً} بعثاً بعد الْمَوْت

4

{وَقَالَ الَّذين كفرُوا} كفار مَكَّة {إِنْ هَذَا} مَا هَذَا الْقُرْآن {إِلاَّ إِفْكٌ} كذب {افتراه} اختلقه مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من تِلْقَاء نَفسه {وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ} على اختلاقه {قَوْمٌ آخَرُونَ} جبر ويسار وَأَبُو فكيهة الرُّومِي {فقد جاؤوا ظُلْماً} شركا {وَزُوراً} كذبا

5

{وَقَالُوا} يَعْنِي النَّضر وَأَصْحَابه {أَسَاطِيرُ الْأَوَّلين} هَذَا الْقُرْآن أَحَادِيث الْأَوَّلين فِي دهرهم وكذبهم {اكتتبها} استقرأها مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من جبر ويسار {فَهِيَ تملى عَلَيْهِ} تقْرَأ على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {بُكْرَةً وَأَصِيلاً} غدْوَة وعشياً

6

{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {أَنزَلَهُ} يَعْنِي أنزل جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ {الَّذِي يَعْلَمُ السِّرّ فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً}

لمن تَابَ مِنْهُم {رَّحِيماً} لمن مَاتَ على التَّوْبَة

7

{وَقَالُواْ} أَبُو جهل وَأَصْحَابه وَالنضْر وَأَصْحَابه وَأُميَّة بن خلف وَأَصْحَابه {مَا لهَذَا الرَّسُول} مَا هَذَا الرَّسُول {يَأْكُلُ الطَّعَام} كَمَا نَأْكُل {وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاق} يتَرَدَّد وَيَمْشي فِي الطَّرِيق كَمَا نتردد ونمشي {لَوْلَا} هلا {أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً} معينا يُخبرهُ بِمَا يُرَاد بِهِ من سوء

8

{أوْ يلقى إِلَيْهِ كَنْزٌ} أَو ينزل عَلَيْهِ مَال فيستعين بِهِ {أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ} بُسْتَان {يَأْكُلُ مِنْهَا} فيشبع {وَقَالَ الظَّالِمُونَ} الْمُشْركُونَ أَبُو جهل وَالنضْر وَأُميَّة وأصحابهم {إِن تَتَّبِعُونَ} مُحَمَّدًا لَا تتبعون {إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً} مغلوب الْعقل مَجْنُونا

9

{انْظُر} يَا مُحَمَّد {كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الْأَمْثَال} كَيفَ بينوا وَسموا لَك الْأَسْمَاء سَاحر وكاهن وَكَذَّاب وشاعر وَمَجْنُون وَيُقَال كَيفَ شبهوكم بالمسحور {فضلوا} فضلت حيلهم فأخطئوا {فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً} مخرجا مِمَّا قَالُوا فِيك وَلَا حجَّة على مَا قَالُوا لَك

10

{تَبَارَكَ} يَقُول تَعَالَى {الَّذِي إِن شَآءَ} قد شَاءَ {جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذَلِك} مِمَّا قَالُوا {جَنَّاتٍ} بساتين فِي الْآخِرَة {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا} من تَحت شَجَرهَا ومساكنها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً} وَقد جعل لَك قصوراً فِي الْجنَّة من الذَّهَب وَالْفِضَّة خيرا لَك مِمَّا قَالُوا لَو كَانَ ذَلِك فِي الدُّنْيَا وَيُقَال إِن شَاءَ الله يَجْعَل لَك فِي الدُّنْيَا مَا قَالُوا من الْقُصُور والبساتين يَعْنِي يفتح لَك الْحُصُون والمدائن فِي الشرق والغرب برغم الْكفَّار

11

{بَلْ كَذَّبُواْ بالساعة} وَلَكِن كذبُوا بِقِيَام السَّاعَة {وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بالساعة} بِقِيَام السَّاعَة {سَعِيراً} نَارا وقودا

12

{إِذَا رَأَتْهُمْ} النَّار {مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} من مسيرَة خَمْسمِائَة عَام {سَمِعُواْ لَهَا} للنار {تَغَيُّظاً} كتغيظ بني آدم {وَزَفِيراً} صَوتا كصوت الْحمار

13

{وَإَذَآ أُلْقُواْ مِنْهَا} فِي النَّار ألقوا {مَكَاناً ضَيِّقاً} كضيق الزج فِي الرمْح {مُّقَرَّنِينَ} مسلسلين مَعَ الشَّيَاطِين {دَعَوْاْ هُنَالِكَ} عِنْد ذَلِك التضيق {ثُبُوراً} ويلا يَقُولُونَ واويلاه واثبوراه

14

يَقُول الله لَهُم {لاَّ تَدْعُواْ الْيَوْم ثُبُوراً وَاحِداً} ويلا وَاحِدًا {وَادعوا ثُبُوراً كَثِيراً} بِمَا أَصَابَكُم

15

{قُلْ} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة لأبي جهل وَأَصْحَابه {أذلك} الَّذِي ذكرت من الويل وَالثُّبُور والسعير {خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخلد} لمُحَمد وَأَصْحَابه {الَّتِي وُعِدَ المتقون} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش {كَانَتْ} صَارَت {لَهُمْ} جنَّة الْخلد {جَزَآءً وَمَصِيراً} فِي الْآخِرَة

16

{لَهُمْ فِيهَا} فِي الْجنَّة {مَا يَشَآؤونَ} مَا يتمنون ويشتهون {خَالِدِينَ} مقيمين فِي الْجنَّة لَا يموتون وَلَا يخرجُون {كَانَ على رَبِّكَ وَعْداً مسؤولا} سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ

17

{وَيَوْم} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {نحشرهم} يَعْنِي عَبدة الْأَوْثَان {وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} من الْأَصْنَام {فَيَقُولُ} الله للأصنام وَيُقَال للْمَلَائكَة {أأنتم أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاَءِ} عَن طَاعَتي وأمرتموهم بعبادتكم {أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيل} طرقوا الطَّرِيق وعبدوكم بهوى أنفسهم

18

{قَالُواْ} يَعْنِي الْأَصْنَام {سُبْحَانَكَ} نزهوه {مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَآ} يسْتَحق لنا {أَن نَّتَّخِذَ} نعْبد {مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ} أَرْبَابًا وَيُقَال قَالُوا يَعْنِي الْمَلَائِكَة سُبْحَانَكَ نزهوه مَا كَانَ يَنْبَغِي لنا لَا يجوز لنا أَن نتَّخذ نعْبد من دُونك من أَوْلِيَاء أَرْبَابًا فَكيف جَازَ لنا أَن نأمرهم بِأَن يعبدونا {وَلَكِن مَّتَّعْتَهُمْ} أجلتهم فِي الْكفْر {وَآبَآءَهُمْ} قبلهم {حَتَّى نَسُواْ الذّكر} حَتَّى تركُوا التَّوْحِيد وطاعتك

{وَكَانُواْ قَوْماً بُوراً} هلكى فَاسِدَة الْقُلُوب فَيَقُول الله لعبدة الْأَصْنَام

19

{فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ} يَعْنِي الْكفَّار {صَرْفاً} صرف الْمَلَائِكَة وَيُقَال صرف الْأَصْنَام عَن شَهَادَتهم عَلَيْهِم أَو صرف الْعَذَاب عَن أنفسهم {وَلاَ نَصْراً} منعا {وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ} يكفر مِنْكُم يَا معشر الْمُؤمنِينَ وَيُقَال من يَسْتَقِيم مِنْكُم على الْكفْر يَا معشر الْكفَّار {نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً} فِي النَّار

20

{وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ} يَا مُحَمَّد {مِنَ الْمُرْسلين إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَام} كَمَا تَأْكُل جَوَابا لقَولهم مَا لهَذَا الرَّسُول يَأْكُل الطَّعَام {وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاق} فِي الطّرق كَمَا تمشي {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً} بلية ابتلينا الْعَرَبِيّ بالمولى والشريف بالوضيع والغني بالفقير يَقُول الله لأبي جهل وَأَصْحَابه {أَتَصْبِرُونَ} مَعَ النبى مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سلمَان وَأَصْحَابه حَتَّى تَكُونُوا مَعَهم فِي الدّين وَالْأَمر سَوَاء شرعا تجلسون مَعَهم {وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً} بِأَنَّهُم لَا يصبرون على ذَلِك وَيُقَال أَتَصْبِرُونَ يَا معشر أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أذاهم حَتَّى أوفيكم ثَوَاب الصابرين وَكَانَ رَبك بَصيرًا بِمن يُؤمن وبمن لَا يُؤمن مِنْهُم

21

{وَقَالَ الَّذين لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا} الْبَعْث بعد الْمَوْت يَعْنِي أَبَا جهل وَأَصْحَابه {لَوْلاَ أُنْزِلَ} هلا أنزل {عَلَيْنَا الْمَلَائِكَة} فيخبرون بِأَن الله أرسلك إِلَيْنَا {أَوْ نرى رَبَّنَا} فنسأله عَنْك {لَقَدِ استكبروا فِي أَنفُسِهِمْ} عَن الْإِيمَان حَيْثُ سَأَلُوا رُؤْيَة الرب {وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً} أَبَوا عَن الْإِيمَان إباء كَبِيرا وَيُقَال اجترءوا اجتراء كَبِيرا حَيْثُ سَأَلُوا نزُول الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم

22

{يَوْمَ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {يَرَوْنَ الْمَلَائِكَة} عِنْد الْمَوْت {لاَ بشرى} تَقول لَهُم الْمَلَائِكَة لَا بشرى {يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ} للْمُشْرِكين بِالْجنَّةِ {وَيَقُولُونَ} يَعْنِي الْمَلَائِكَة {حِجْراً مَّحْجُوراً} حرما محرما الْبُشْرَى بِالْجنَّةِ على الْكَافرين وَيُقَال وَيَقُولُونَ يَعْنِي الْكفَّار عِنْد رُؤْيَة الْمَلَائِكَة حجرا مَحْجُورا بعدا بَعيدا بَيْننَا وَبَيْنكُم

23

{وَقَدِمْنَآ} عمدنا {إِلَى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ} خير فِي الدُّنْيَا {فَجَعَلْنَاهُ} فِي الْآخِرَة {هَبَآءً مَّنثُوراً} كتراب من حوافر الدَّوَابّ وَيُقَال كشيء يحول فِي ضوء الشَّمْس إِذا دخلت فِي كوَّة يرى وَلَا يُسْتَطَاع أَن يمس

24

{أَصْحَاب الْجنَّة} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَاب {يَوْمَئِذٍ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً} منزلا {وَأَحْسَنُ مَقِيلاً} مبيتاً من منزل أبي جهل وَأَصْحَابه ومبيتهم

25

{وَيَوْم تشقق السَّمَاء بالغمام} لنزول الرب بِلَا كَيفَ {وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَة تَنزِيلاً} الأول فَالْأول

26

{الْملك} الْقَضَاء {يَوْمَئِذٍ الْحق} الْعدْل {للرحمن وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافرين عَسِيراً} شَدِيدا عسره وشدد ذَلِك الْيَوْم على الْكَافرين

27

{وَيَوْم يعَض الظَّالِم} الْكَافِر عقبَة ابْن أبي معيط {على يَدَيْهِ} على أنامله {يَقُولُ يَا لَيْتَني اتَّخذت مَعَ الرَّسُول سَبِيلاً} اسْتَقَمْت على دين الرَّسُول

28

{يَا ويلتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً} مصافياً فِي الدّين أبي بن خلف الجُمَحِي

29

{لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذّكر} عَن التَّوْحِيد وَالطَّاعَة {بعد إِذْ جَاءَنِي} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالتَّوْحِيدِ {وَكَانَ الشَّيْطَان لِلإِنْسَانِ خَذُولاً} خاذلاً يَخْذُلهُ عِنْد مَا يحْتَاج إِلَيْهِ

30

{وَقَالَ الرَّسُول} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {يَا رب إِنَّ قَوْمِي اتَّخذُوا هَذَا الْقُرْآن مَهْجُوراً} مسبوباً متروكاً لم يقرُّوا بِهِ وَلم يعملوا بِمَا فِيهِ

31

{وَكَذَلِكَ} كَمَا جعلنَا أَبَا جهل عدوا لَك {جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ} قبلك {عَدُوّاً مِّنَ الْمُجْرمين} من مُشْركي قومه {وَكفى بِرَبِّكَ هَادِياً} حَافِظًا {وَنَصِيراً} مَانِعا مِمَّا يُرَاد بك

32

{وَقَالَ الَّذين كَفَرُواْ} أَبُو جهل وَأَصْحَابه {لَوْلاَ} هلا {نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآن جُمْلَةً وَاحِدَةً} كَمَا أنزلت التَّوْرَاة على مُوسَى وَالْإِنْجِيل على عِيسَى وَالزَّبُور على دَاوُد {كَذَلِكَ} يَقُول أنزلنَا إِلَيْك جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ مُتَفَرقًا {لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} لنطيب بِهِ نَفسك ونحفظ بِهِ قَلْبك {وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً} بَيناهُ تبياناً بِالْأَمر وَالنَّهْي وَيُقَال أنزلنَا جِبْرِيل بِهِ مُتَفَرقًا آيَة بعد آيَة

33

{وَلاَ يَأْتُونَكَ} يَا مُحَمَّد {بِمَثَلٍ} بِصفة وَحجَّة بَيَان {إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ} بِصفة وَبَيَان وَحجَّة وَمن فِيهَا نقض حجتهم {وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} تبياناً وَحجَّة حجتهم

34

{الَّذين يُحْشَرُونَ} يجرونَ {على وُجُوهِهِمْ} يَوْم الْقِيَامَة {إِلَى جَهَنَّمَ} يَعْنِي أَبَا جهل وَأَصْحَابه {أُولَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً} منزلا فِي الْآخِرَة وَعَملا فِي الدُّنْيَا {وَأَضَلُّ سَبِيلاً} عَن الْحق وَالْهدى

35

{وَلَقَد آتَيْنَا} أعطينا {مُوسَى الْكتاب} يَعْنِي التَّوْرَاة {وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً} معينا

36

{فَقُلْنَا اذهبآ إِلَى الْقَوْم الَّذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا} التسع يَعْنِي فِرْعَوْن وَقَومه القبط فَلم يُؤمنُوا {فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيراً} أهلكناهم إهلاكاً بِالْغَرَقِ

37

{وَقَوْمَ نُوحٍ} أهلكنا {لَّمَّا كَذَّبُواْ الرُّسُل} يَعْنِي نوحًا وَجُمْلَة الرُّسُل {أَغْرَقْنَاهُمْ} بالطوفان {وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً} عِبْرَة لكيلا يقتدوا بهم {وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ} للْمُشْرِكين مُشْركي مَكَّة {عَذَاباً أَلِيماً} وجيعاً فِي النَّار

38

{وعادا} أهلكنا قوم هود {وَثَمُود} قوم صَالح {وَأَصْحَابَ الرس} قوم شُعَيْب {وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً} لم نسمهم أهلكناهم

39

{وَكُلاًّ ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَال} بَينا لكل قرن عَذَاب الْقُرُون الَّذين قبلهم فَلم يُؤمنُوا {وَكُلاًّ تَبَّرْنَا تَتْبِيراً} أهلكناهم إهلاكاً بَعضهم على أثر بعض

40

{وَلَقَدْ أَتَوْا} مضوا كفار مَكَّة {عَلَى الْقرْيَة} قريات لوط {الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السوء} يَعْنِي الْحِجَارَة {أَفَلَمْ يَكُونُواْ يَرَوْنَهَا} مَا فعل بهَا وبأهلها فَلَا يكذبُونَك بِمَا تَقول لَهُم {بَلْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ نُشُوراً} لَا يخَافُونَ الْبَعْث بعد الْمَوْت

41

{وَإِذَا رَأَوْكَ} كفار مَكَّة {إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً} مَا يَقُولُونَ لَك إِلَّا استهزاء وسخرية يَقُولُونَ {أَهَذا الَّذِي بَعَثَ الله رَسُولاً} إِلَيْنَا

42

{إِن كَادَ} قد كَاد {لَيُضِلُّنَا} ليصرفنا {عَنْ آلِهَتِنَا} عَن عبَادَة آلِهَتنَا {لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا عَلَيْهَا} ثبتنا على عبادتها {وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} وَهَذَا وَعِيد من الله لَهُم {حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَاب مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً} دينا أَو حجَّة

43

{أَرَأَيْتَ} يَا مُحَمَّد {مَنِ اتخذ إلهه هَوَاهُ} من عبد إلهه بهوى نَفسه يَعْنِي النَّضر وَأَصْحَابه {أَفَأَنتَ} يَا مُحَمَّد {تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً} حفيظاً من الْخُرُوج إِلَى هَذَا الْفساد نسختها آيَة الْجِهَاد وَيُقَال كَفِيلا بِالْعَذَابِ

44

{أَمْ تَحْسَبُ} يَا مُحَمَّد {أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ} الْحق {أَوْ يَعْقِلُونَ} الْحق إِذا اسْتَمعُوا إِلَى كلامك {إِنْ هُمْ} مَا هم بفهم الْحق {إِلاَّ كالأنعام} كَالْبَهَائِمِ لَا تعقل إِلَّا الْأكل وَالشرب فَهُوَ كَذَلِك فِي اسْتِمَاع الْحق {بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} عَن الْحجَّة وَالدين لِأَنَّهُ لَيْسَ على الْبَهَائِم السَّبِيل وَالْحجّة

45

{أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ} ألم تنظر إِلَى صنع رَبك {كَيْفَ مَدَّ الظل}

كَيفَ بسط الظل بعد طُلُوع الْفجْر وَقبل طُلُوع الشَّمْس من الْمشرق إِلَى الْمغرب {وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً} لتَركه دَائِما يَعْنِي الظل لَا شمس مَعَه {ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْس عَلَيْهِ} على الظل {دَلِيلاً} حَيْثُمَا تكون الشَّمْس يكون الظل قبل ذَلِك وَيُقَال دَلِيلا تتلوه

46

{ثُمَّ قَبَضْنَاهُ} يَعْنِي الظل {إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً} هيناً وَيُقَال خفِيا

47

{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْل لِبَاساً} ملبساً يلبس كل شَيْء فِيهِ {وَالنَّوْم سُبَاتاً} استراحة لأبدانكم {وَجَعَلَ النَّهَار نُشُوراً} مطلباً لمعايشكم

48

{وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاح بُشْرَاً} طيبا {بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} قُدَّام الْمَطَر {وَأَنزَلْنَا مِنَ السمآء مَآءً طَهُوراً} يطهر وَلَا يطهر

49

{لِّنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً} مَكَانا لَا نَبَات فِيهِ {وَنُسْقِيَهِ مِمَّا خَلَقْنَآ أَنْعَاماً} بهائم {وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً} خلقنَا كثيرا من النَّاس

50

{وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ} يَعْنِي الْمَطَر قسمنا عَاما بعد عَام {لِيَذَّكَّرُواْ} لكَي يتعظوا بذلك {فَأبى أَكثر النَّاس إَلاَّ كُفُوراً} لم يقبلُوا واستقاموا على الْكفْر بِاللَّه وبنعمته

51

{وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ} إِلَى كل أهل قَرْيَة {نَّذِيراً} رَسُولا مخوفا وَلَكِن جعلناك كَافَّة للنَّاس رَسُولا لكَي يكون الثَّوَاب والكرامة كِلَاهُمَا لَك

52

{فَلاَ تُطِعِ الْكَافرين} أَبَا جهل وَأَصْحَابه بِمَا يأمرونك {وَجَاهِدْهُمْ بِهِ} بِالْقُرْآنِ {جِهَاداً كَبيراً} بِالسَّيْفِ

53

{وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرين} أرسل الْبَحْرين {هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ} حُلْو طيب {وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} مر مالح زعاق {وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا} بَين المالح وَالطّيب {بَرْزَخاً} حاجزاً {وَحِجْراً مَّحْجُوراً} حَرَامًا محرما من أَن يُغير أَحدهمَا طعم صَاحبه

54

{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ المآء} من مَاء الذّكر وَالْأُنْثَى {بَشَراً} خلقا كثيرا {فَجَعَلَهُ نَسَباً} مَالا يحل تَزْوِيجه من الْقَرَابَة {وَصِهْراً} مَا يحل التَّزْوِيج من الْقَرَابَة وَغَيرهَا {وَكَانَ رَبُّكَ} بِمَا خلق من الْحَلَال وَالْحرَام {قَدِيراً}

55

{وَيَعْبُدُونَ} كفار مَكَّة {مِن دُونِ الله مَا لاَ يَنفَعُهُمْ} فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة عِبَادَته وطاعته {وَلاَ يَضُرُّهُمْ} فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة مَعْصِيَته وَترك عِبَادَته {وَكَانَ الْكَافِر} أَبُو جهل {على رَبِّهِ ظَهِيراً} خَارِجا وَيُقَال عوناً للْكَافِرِينَ على ربه بالْكفْر

56

{وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {إِلاَّ مُبَشِّراً} بِالْجنَّةِ {وَنَذِيراً} من النَّار

57

{قُلْ} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ} على التَّوْحِيد وَالْقُرْآن {مِنْ أَجْرٍ} من جعل وَلَا رزق {إِلاَّ مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً} طَرِيقا بِالْإِيمَان وَيُقَال إِلَّا من شَاءَ أَن يوحد ويتخذ بذلك التَّوْحِيد إِلَى ربه سَبِيلا مرجعا فيحدثوا بِهِ

58

{وَتَوَكَّلْ} يَا مُحَمَّد {عَلَى الْحَيّ الَّذِي لاَ يَمُوتُ} وَلَا تتوكل على الْأَحْيَاء الَّذين يموتون مثل أبي طَالب وَخَدِيجَة وَلَا على الْأَمْوَات الَّذين لَا حَرَكَة لَهُم {وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ} صل بأَمْره {وَكفى بِهِ} بِاللَّه {بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً} عَالما

59

{الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنَهُمَا} من الْخلق والعجائب {فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} من أَيَّام أول الدُّنْيَا طول كل يَوْم ألف سنة مِمَّا تَعدونَ أول يَوْم مِنْهَا يَوْم الْأَحَد وَآخر يَوْم مِنْهَا يَوْم الْجُمُعَة {ثُمَّ اسْتَوَى} اسْتَقر {عَلَى الْعَرْش} وَيُقَال امْتَلَأَ بِهِ الْعَرْش {الرَّحْمَن} مقدم ومؤخر يَقُول اسْتَوَى الرَّحْمَن على الْعَرْش

{فاسأل بِهِ} بذلك {خَبِيراً} بِاللَّه عَالما وَيُقَال فاسأل عَن الله أهل الْعلم يخبروك

60

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ} لكفار مَكَّة {اسجدوا للرحمن} أخضعوا للرحمن بِالتَّوْحِيدِ {قَالُواْ وَمَا الرَّحْمَن} مَا نَعْرِف الرَّحْمَن إِلَّا مُسَيْلمَة الْكذَّاب {أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا} الْكذَّاب الْكَاذِب {وَزَادَهُمْ} ذكر الرَّحْمَن وَيُقَال الْقُرْآن وَيُقَال دَعْوَة النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {نُفُوراً} تباعداً عَن الْإِيمَان

61

{تَبَارَكَ} ذُو بركَة {الَّذِي جَعَلَ فِي السمآء بُرُوجاً} نجوماً وَيُقَال قصوراً {وَجَعَلَ فِيهَا} فِي السَّمَاء {سِرَاجاً} شمساً مضيئا لبني آدم بِالنَّهَارِ {وَقَمَراً مُّنِيراً} مضيئاً لبني آدم بِاللَّيْلِ

62

{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْل وَالنَّهَار خِلْفَةً} مُخْتَلفَة بَعْضهَا لبَعض {لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ} أَن يتعظ باختلافهما {أَوْ أَرَادَ شُكُوراً} عملا صَالحا مَا ترك بِاللَّيْلِ يعْمل بِالنَّهَارِ وَمَا ترك بِالنَّهَارِ يعْمل بِاللَّيْلِ

63

{وَعِبَادُ الرَّحْمَن} خَواص الرَّحْمَن {الَّذين يَمْشُونَ على الأَرْض هَوْناً} تواضعاً من مَخَافَة الله {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ} وَإِذا كَلمهمْ الْكفَّار والفساق {قَالُواْ سَلاَماً} ردوا مَعْرُوفا وَقَالُوا سداداً من القَوْل

64

{وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ} بِالصَّلَاةِ {سُجَّداً وَقِيَاماً} فِي صَلَاة اللَّيْل

65

{وَالَّذين يَقُولُونَ رَبَّنَا} يَا رَبنَا {اصرف عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً} لَازِما مُولَعا ملحاً

66

{إِنَّهَا سَآءَتْ مُسْتَقَرّاً} منزلا {وَمُقَاماً} مثوى

67

ثمَّ ذكر نفقاتهم فَقَالَ {وَالَّذين إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ} لم ينفقوا فِي الْمعْصِيَة {وَلَمْ يَقْتُرُواْ} وَلم يمنعوا من الْحق {وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ} بَين الْإِسْرَاف والتقتير {قَوَاماً} وسطا عدلا

68

{وَالَّذين لاَ يَدْعُونَ مَعَ الله} لَا يعْبدُونَ مَعَ الله {إِلَهًا آخَرَ} من الْأَصْنَام {وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفس الَّتِي حَرَّمَ الله} قَتلهَا وَلَا يسْتَحلُّونَ قَتلهَا {إِلاَّ بِالْحَقِّ} بِالرَّجمِ وَالْقصاص والارتداد {وَلاَ يَزْنُونَ} وَلَا يسْتَحلُّونَ الزِّنَا {وَمَن يَفْعَلْ ذَلِك} استحلالاً {يَلْقَ أَثَاماً} وَاديا فِي النَّار وَيُقَال جبا

69

{يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَاب يَوْمَ الْقِيَامَة وَيَخْلُدْ فِيهِ} فِي الْعَذَاب {مُهَاناً} يهان بِهِ ذليلاً

70

{إِلاَّ مَن تَابَ} من الْكفْر {وَآمَنَ} بِاللَّه {وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً} خَالِصا بعد الْإِيمَان {فَأُولَئِك يُبَدِّلُ الله سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} يحولهم الله من الْكفْر إِلَى الْإِيمَان وَمن الْمعْصِيَة إِلَى الطَّاعَة وَمن عبَادَة الْأَصْنَام إِلَى عِبَادَته وَمن الشَّرّ إِلَى الْخَيْر {وَكَانَ الله غَفُوراً} لمن تَابَ {رَّحِيماً} لمن مَاتَ على التَّوْبَة

71

{وَمَن تَابَ} من الذُّنُوب {وَعَمِلَ صَالِحاً} خَالِصا فِيمَا بَينه وَبَين ربه خَالِصا من قلبه {فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى الله مَتاباً} مناصحة وَيُقَال يجد ثَوَابهَا عِنْد الله

72

{وَالَّذين لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ} لَا يحْضرُون مجَالِس الزُّور {وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ} بمجالس الْبَاطِل {مَرُّوا كِراماً} أَعرضُوا حلماً

73

{وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ} وعظوا {بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّواْ عَلَيْهَا} على آيَات الله

{صُمّاً} لَا يسمعُونَ {وَعُمْيَاناً} لَا يبصرون وَلَكِن يسمعُونَ ويبصرون

74

{وَالَّذين يَقُولُونَ رَبَّنَا} يَا رَبنَا {هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} يَقُولُونَ أجعَل أَزوَاجنَا وَذُرِّيَّاتنَا صالحين لكَي تقر أَعيننَا بهم {واجعلنا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} اجْعَلْنَا صالحين لكَي يقتدوا بِنَا

75

{أُولَئِكَ} أهل هَذِه الصّفة {يُجْزَوْنَ الغرفة} الدَّرَجَات العلى فِي الْجنَّة {بِمَا صَبَرُواْ} على طَاعَة الله والفقر والمرازي {وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا} فِي الْجنَّة {تَحِيَّةً} من الله {وَسَلاَماً} يلقونهم بذلك الْمَلَائِكَة بالتحية وَالسَّلَام من الله إِذا دخلُوا فِي الْجنَّة

76

{خَالِدين فِيهَا} مقيمين فِي الْجنَّة لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا {حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً} منزلا {وَمُقَاماً} مثوى

77

{قُلْ} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي} مَا يصنع بأجسامكم وصوركم رَبِّي {لَوْلاَ دُعَآؤُكُمْ} أَن الله أَمركُم بِالتَّوْحِيدِ {فَقَدْ كَذبْتُمْ} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {فَسَوْفَ} وَهَذَا وَعِيد من الله لَهُم {يَكُونُ لِزَاماً} عَذَاب يَوْم بدر بِالْقَتْلِ وَالضَّرْب والسبي يَعْنِي فقد كَذبْتُمْ بنبيكم فَسَوف يكون الْعَذَاب عَلَيْكُم لزاما وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الشُّعَرَاء وهى كلهَا مَكِّيَّة إِلَّا قَوْله وَالشعرَاء إِلَى آخر السُّورَة فَإِنَّهَا نزلت بِالْمَدِينَةِ آياتها مائَة وست وَعِشْرُونَ آيَة وكلماتها ألف ومائتان وَسبع وَسِتُّونَ وحروفها خَمْسَة آلَاف وَخَمْسمِائة وَاثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

الشعراء

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {طسم} يَقُول الطَّاء طوله وَقدرته وَالسِّين سناؤه وَالْمِيم ملكه وَيُقَال قسم أقسم بِهِ

2

{تِلْكَ آيَاتُ الْكتاب الْمُبين} يَقُول أقسم أَن هَذِه السُّورَة آيَات الْقُرْآن الْمُبين بالحلال وَالْحرَام وَالْأَمر والنهى

3

{لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ} قَاتل نَفسك يَا مُحَمَّد بالحزن عَلَيْهِم {أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} بِأَن لَا يَكُونُوا مُؤمنين يَعْنِي قُريْشًا وَكَانَ حَرِيصًا على إِيمَانهم يحب إِيمَانهم

4

{إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ السمآء آيَةً} عَلامَة {فَظَلَّتْ} فَصَارَت {أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} ذليلين

5

{وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ} مَا يَأْتِي جِبْرِيل إِلَى نَبِيّهم بقرآن {مِّنَ الرَّحْمَن مُحْدَثٍ} بإتيان مُحدث بعضه على إِثْر بعض {إِلاَّ كَانُواْ عَنْهُ مُعْرِضِينَ} مكذبين بِالْقُرْآنِ

6

{فقد كذبُوا} مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {فَسَيَأْتِيهِمْ أَنبَاءُ} أَخْبَار {مَا كَانُواْ بِهِ يستهزؤون} من الْعَذَاب وَيُقَال خبر عُقُوبَة استهزائهم بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن

7

{أَوَلَمْ يَرَوْاْ} كفار مَكَّة {إِلَى الأَرْض كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ} من كل لون {كَرِيمٍ} حسن فِي المنظر

8

{إِنَّ فِي ذَلِكَ} فِي اخْتِلَاف ألوانه {لآيَةً} لعلامة وعبرة {وَمَا كَانَ أَكْثَرهم مُؤمنين} لم يَكُونُوا مُؤمنين وَكلهمْ كَانُوا كَافِرين من هلك يَوْم بدر

9

{وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيز} بالنقمة مِنْهُم {الرَّحِيم} بِالْمُؤْمِنِينَ

10

{وَإِذْ نَادَى} إِذْ دَعَا {رَبُّكَ مُوسَى} وَيُقَال أَمر رَبك مُوسَى {أَنِ ائْتِ الْقَوْم الظَّالِمين} الْكَافرين

11

{قوم فِرْعَوْن} بدل من الْقَوْم {أَلا تَتَّقُون} فَقل لَهُم أَلا تَتَّقُون عبَادَة غير الله

12

{قَالَ} مُوسَى {رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ}

فى الرسَالَة

13

{وَيَضِيقُ صَدْرِي} بتكذيبهم إيَّايَ وَيُقَال يجبن قلبِي {وَلاَ يَنطَلِقُ لِسَانِي} لَا يَسْتَقِيم لساني من مهابته {فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ} فَأرْسل معي هَارُون يكون عوناً لي وَيُقَال فَأرْسل إِلَى هَارُون جِبْرِيل ليَكُون معي معينا

14

{وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ} قصاص بقتلي القبطي {فَأَخَافُ أَن يقتلُون}

15

{قَالَ} الله {كَلاَّ} حَقًا يَا مُوسَى لَا أسلطهم عَلَيْكُمَا بِالْقَتْلِ {فاذهبا بِآيَاتِنَآ} التسع الْيَد والعصا والطوفان وَالْجَرَاد وَالْقمل والضفادع وَالدَّم وَنقص من الثمرات والسنين {إِنَّا مَعَكُمْ} معينكما {مُّسْتَمِعُونَ} أسمع مَا يَقُول لَكمَا

16

{فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فقولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالمين} إِلَيْك وَإِلَى قَوْمك

17

{أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بني إِسْرَائِيلَ} وَلَا تُعَذبهُمْ فَنظر فِرْعَوْن إِلَى مُوسَى

18

{قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً} صَغِيرا يَا مُوسَى {وَلَبِثْتَ} مكثت {فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ} ثَلَاثِينَ سنة

19

{وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ} قتلت النَّفس الَّتِي قتلت {وَأَنتَ مِنَ الْكَافرين} بنعمتي السَّاعَة

20

{قَالَ} مُوسَى {فَعَلْتُهَآ إِذاً وَأَنَاْ مِنَ الضَّالّين} من الْجَاهِلين بنعمتك عَليّ

21

{فَفَرَرْتُ} فهربت {مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ} على نَفسِي بِالْقَتْلِ {فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً} فهما وعلماً ونبوة {وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسلين} إِلَيْك وَإِلَى قَوْمك

22

{وَتِلْكَ نِعْمَةٌ} هَذِه نعْمَة {تَمُنُّهَا عَلَيَّ} يَا فِرْعَوْن وَلَا تذكر جفاك عَليّ {أَنْ عَبَّدتَّ} بِأَن استعبدت {بَنِي إِسْرَائِيلَ}

23

{قَالَ فِرْعَوْنُ} لمُوسَى {وَمَا رَبُّ الْعَالمين} من رب الْعَالمين يَا مُوسَى إيَّايَ تَعْنِي

24

{قَالَ} مُوسَى {رَبُّ السَّمَاوَات وَالْأَرْض} يَقُول رب الْعَالمين هُوَ رب السَّمَوَات وَالْأَرْض {وَمَا بَيْنَهُمَآ} من الْخلق والعجائب {إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ} مُصدقين بِأَن الله خلقهما

25

{قَالَ} فِرْعَوْن {لِمَنْ حَوْلَهُ} من الجلساء {أَلاَ تَسْتَمِعُونَ} إِلَى مَا يَقُول مُوسَى وَكَانَ حوله مِائَتَان وَخَمْسُونَ رجلا جُلُوسًا عَلَيْهِم أقبية الديباج مخوصة بِالذَّهَب وَكَانُوا خاصته قَالُوا لمُوسَى من رب السَّمَوَات وَالْأَرْض الَّذِي تدعونا إِلَيْهِ يَا مُوسَى

26

{قَالَ} مُوسَى {رَبُّكُمْ} هُوَ ربكُم {وَرَبُّ آبَآئِكُمُ الْأَوَّلين}

27

{قَالَ} فِرْعَوْن لجلسائه {إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} قَالُوا إِلَى من تدعونا إِلَيْهِ يَا مُوسَى وَمن ربناا وَرب أبائنا الْأَوَّلين

28

{قَالَ} مُوسَى {رَبُّ الْمشرق} هُوَ رب الْمشرق {وَالْمغْرب وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ} تصدقُونَ ذَلِك

29

{قَالَ} فِرْعَوْن لمُوسَى {لَئِنِ اتَّخذت} عبدت {إِلَهًا غَيْرِي} يَا مُوسَى {لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ المسجونين} من المحبوسين فِي السجْن وَكَانَ سجنه أَشد من الْقَتْل وَكَانَ إِذا سجن أحدا طَرحه فِي مَكَان وَحده فَردا لَا يسمع فِيهِ شَيْئا وَلَا ينظر فِيهِ شَيْئا يهوله بِهِ

30

{قَالَ} مُوسَى {أَوَلَوْ جِئْتُكَ} يَا فِرْعَوْن {بِشَيءٍ مُّبِينٍ} بِآيَة بَيِّنَة على مَا أَقُول

31

{قَالَ} فِرْعَوْن {فَأْتِ بِهِ} يَا مُوسَى {إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقين} بأنك رَسُول إِلَيّ وَإِلَى قومى

32

{فَألْقى} مُوسَى {عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ} حَيَّة صفراء ذكر {مُّبِينٌ} عَظِيم أعظم مَا يكون من الْحَيَّات قَالَ فِرْعَوْن هَذِه آيَة بَيِّنَة فَهَل غير هَذِه

33

{وَنَزَعَ يَدَهُ} أخرج مُوسَى يَده من إبطه {فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ لِلنَّاظِرِينَ} لَهَا ضوء كضوء الشَّمْس تعجب الناظرين إِلَيْهَا

34

{قَالَ} فِرْعَوْن {لِلْمَلإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا}

الرَّسُول {لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ} حاذق بِالسحرِ

35

{يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ} مصر {بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} تشيرون عَليّ بِهِ

36

{قَالُوا أَرْجِهْ} احبسه {وَأَخَاهُ} وَلَا تقتلهما {وَابعث فِي المدآئن} إِلَى مَدَائِن الساحرين {حَاشِرِينَ} الشَّرْط

37

{يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ} سَاحر {عَلِيمٍ} حاذق بسحره فيصنعون مثل مَا يصنع مُوسَى

38

{فَجُمِعَ السَّحَرَة} اثْنَان وَسَبْعُونَ ساحراً {لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ} لميعاد يَوْم مَعْرُوف وَهُوَ يَوْم السُّوق وَيُقَال يَوْم عيدهم وَيُقَال يَوْم نيروزهم

39

{وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُمْ مُّجْتَمِعُونَ لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَة} دين السَّحَرَة {إِن كَانُواْ هُمُ الغالبين} على مُوسَى

41

{فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَة قَالُوا لفرعون أئن لَنَا لأَجْراً} جعلا من المَال {إِن كُنَّا نَحْنُ الغالبين} على مُوسَى

42

{قَالَ} فِرْعَوْن {نَعَمْ} لكم عِنْدِي ذَلِك {وَإِنَّكُمْ إِذاً لَّمِنَ المقربين} فِي الْقدر والمنزلة وَالدُّخُول على

43

{قَالَ لَهُمْ مُوسَى} للسحرة {أَلْقُواْ مَآ أَنتُمْ ملقون}

44

{فَألْقوا حبالهم وعصيهم} اثْنَتَيْنِ وَسبعين حبلا واثنين وَسبعين عَصا {وَقَالُواْ} يَعْنِي السَّحَرَة {بِعِزَّةِ} بمنعة {فِرْعَونَ إِنَّا لَنَحْنُ الغالبون} على مُوسَى

45

{فَألْقى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ} تلقم {مَا يَأْفِكُونَ} مأفوكهم من السحر

46

{فَأُلْقِيَ السَّحَرَة سَاجِدِينَ} سجدوا من سرعَة سجودهم كَأَنَّهُمْ ألقوا لما ذهبت حبالهم وعصيهم علمُوا أَنه من الله

47

{قَالُواْ آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالمين} قَالَ لَهُم فِرْعَوْن إيَّايَ تعنون قَالُوا

48

{رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ قَالَ} فِرْعَوْن {آمَنتُمْ لَهُ} صَدقْتُمْ بِهِ {قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ} آمركُم بِهِ {إِنَّهُ} يَعْنِي مُوسَى {لَكَبِيرُكُمُ} عالمكم {الَّذِي عَلَّمَكُمُ السحر فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} مَاذَا أفعل بكم {لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ} الْيَد الْيُمْنَى وَالرجل الْيُسْرَى {ولأصلبنكم أَجْمَعِينَ} على شاطىء نهر مصر

50

{قَالُواْ لاَ ضَيْرَ} لَا يضرنا فِي الْآخِرَة مَا تصنع بِنَا فِي الدُّنْيَا {إِنَّآ إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ} رَاجِعُون إِلَى الله وَإِلَى ثَوَابه

51

{إِنَّا نَطْمَعُ} نرجو {أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَآ} شركنا {أَن كُنَّآ} بِأَن كُنَّا {أَوَّلَ الْمُؤمنِينَ} بمُوسَى

52

{وَأَوْحَيْنَآ إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بعبادي} أَن أدْلج بعبادي لَيْلًا من آمن بك من بني إِسْرَائِيل {إِنَّكُم مّتَّبِعُونَ} يدرككم فِرْعَوْن وَقَومه

53

{فَأَرْسَلَ فِرْعَونُ فِي المدآئن حَاشِرِينَ} الشَّرْط

54

{إِنَّ هَؤُلَاءِ} أَصْحَاب مُوسَى {لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ} فِئَة قَليلَة

55

{وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَآئِظُونَ} مبغضون أحردونا

56

{وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ} شاكون ممدون بِالسِّلَاحِ

57

{فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِّن جَنَّاتٍ} بساتين {وَعُيُونٍ} مَاء طَاهِر

58

{وَكُنُوزٍ} أَمْوَال {وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} منَازِل حَسَنَة

59

{كَذَلِكَ} أفعل بِمن عَصَانِي {وَأَوْرَثْنَاهَا} يَعْنِي مصر {بني إِسْرَائِيلَ} بعد هلاكهم

60

{فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ} عِنْد طُلُوع الشَّمْس

61

{فَلَمَّا تَرَاءَى} ظهر {الْجَمْعَانِ} جمع مُوسَى وَجمع فِرْعَوْن {قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} أَي أدركونا يَا مُوسَى

62

{قَالَ} مُوسَى {كَلاَّ} حَقًا لَا يدركونا {إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} سينجيني مِنْهُم ويهديني إِلَى الطَّرِيق

63

{فَأَوْحَيْنَآ إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْر} فَضرب {فانفلق} فانشق فَصَارَ فِيهِ اثْنَا عشر طَرِيقا {فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ} كل طَرِيق {كالطود الْعَظِيم} كالجبل الْعَظِيم

64

{وأزلفنا ثمَّ الآخرين} يَقُول حبسنا فِرْعَوْن وَقَومه فِي الضبابة وَيُقَال فِي الْبَحْر وَكلهمْ كَانُوا كَافِرين

65

{وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ} من الْغَرق

66

{ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخرين} فِرْعَوْن وَقَومه فِي اليم

67

{إِن فِي ذَلِك} فِيمَا فعلنَا بهم {لآيَة} لعلامة وعبرة {وَمَا كَانَ أَكْثَرهم مُؤمنين} لم يَكُونُوا مُؤمنين

68

{وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيز} بالنقمة من الْكفَّار {الرَّحِيم} بِالْمُؤْمِنِينَ إِذْ أنجاهم من الْغَرق

69

{واتل} اقْرَأ {عَلَيْهِمْ} على قَوْمك قُرَيْش {نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ} خبر إِبْرَاهِيم فِي الْقُرْآن

70

{إِذْ قَالَ لأَبِيهِ} آزر {وَقَوْمِهِ} عَبدة الْأَوْثَان {مَا تَعْبدُونَ}

71

{قَالُواْ نَعْبُدُ أَصْنَاماً} آلِهَة {فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ} فنصير لَهَا عابدين مقيمين على عبادتها

72

{قَالَ} لَهُم إِبْرَاهِيم {هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ} يَقُول هَل يجيبونكم الْآلهَة إِذا دعوتموهم

73

{أَوْ يَنفَعُونَكُمْ} فِي معايشكم إِذا أطعتموهم {أَوْ يَضُرُّونَ} فِي معايشكم إِذا عصيتموهم

74

{قَالُواْ} لَا {بَلْ وَجَدْنَآ} وَلَكِن وجدنَا {آبَآءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} يعبدونها فَنحْن نعبدها نقتدي بهم

75

{قَالَ} إِبْرَاهِيم {أَفَرَأَيْتُمْ مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ}

76

{أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمُ الأقدمون} وَمَا كَانَ يعبد آباؤكم الْأَولونَ

77

{فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لي} تَبرأ مِنْهُم {إِلاَّ رَبَّ الْعَالمين} إِلَّا من كَانَ مِنْهُم يعبد رب الْعَالمين

78

{الَّذِي خَلَقَنِي} من النُّطْفَة {فَهُوَ يَهْدِينِ} يحفظني على الدّين ويرشدني إِلَى الْحق وَالْهدى

79

{وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي} يَرْزُقنِي ويشبعني إِذا جعت {وَيَسْقِينِ} يرويني إِذا عطشت

80

{وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} من الْمَرَض إِذا مَرضت

81

{وَالَّذِي يُمِيتُنِي} فِي الدُّنْيَا {ثُمَّ يُحْيِينِ} يَوْم الْقِيَامَة

82

{وَالَّذِي أَطْمَعُ} أَرْجُو {أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي} ذَنبي {يَوْمَ الدّين} يَوْم الْحساب وَكَانَت خطيئته قَوْله إِنِّي سقيم وَقَوله بل فعله كَبِيرهمْ وَقَوله لامْرَأَته هَذِه أُخْتِي

83

{رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً} فهما وعلماً {وَأَلْحِقْنِي بالصالحين} بآبائي الْمُرْسلين فِي الْجنَّة

84

{وَاجعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ} ثَنَاء حسنا {فِي الآخرين} فِي البَاقِينَ بعدِي

85

{واجعلني مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعيم} من نازلي جنَّة النَّعيم

86

{واغفر لأبي} اهدِ أبي {إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضآلين} إِنَّه كَانَ ضَالًّا كَافِرًا

87

{وَلاَ تُخْزِنِي} لَا تعذبني {يَوْمَ يُبْعَثُونَ} من الْقُبُور

88

{يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ} كَثْرَة المَال {وَلاَ بَنُونَ} كَثْرَة الْبَنِينَ

89

{إِلاَّ مَنْ أَتَى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} خَالص من الذَّنب وَحب الدُّنْيَا وَيُقَال سليم من بغض أَصْحَاب النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

90

{وَأُزْلِفَتِ الْجنَّة} قربت الْجنَّة {لِلْمُتَّقِينَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش فَصَارَت لَهُم منزلا

91

{وَبُرِّزَتِ الْجَحِيم} أظهرت وَيُقَال لاحت الْجَحِيم {لِلْغَاوِينَ} للْكَافِرِينَ فَصَارَت لَهُم منزلا

92

{وَقِيلَ لَهُمْ} لعبدة الْأَوْثَان {أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبدُونَ}

93

{مِن دُونِ الله} فِي الدُّنْيَا من الْأَصْنَام {هَلْ يَنصُرُونَكُمْ} هَل يمنعونكم من عَذَاب الله {أَوْ يَنتَصِرُونَ} يمتنعون بِأَنْفسِهِم من الْعَذَاب

94

{فَكُبْكِبُواْ فِيهَا} فطرحوا فِيهَا وجمعوا فِي النَّار {هُمْ} كفار مَكَّة وَسَائِر كفار الْإِنْس {والغاوون} كفار الْجِنّ وآلهتهم

95

{وَجُنُودُ إِبْلِيسَ} ذُرِّيَّة إِبْلِيس {أَجْمَعُونَ} وهم الشَّيَاطِين

96

{قَالُواْ} يَعْنِي الْكفَّار {وَهُمْ فِيهَا} فِي النَّار {يَخْتَصِمُونَ} مَعَ آلِهَتهم وَرُؤَسَائِهِمْ وذرية إِبْلِيس

97

{تالله} وَالله {إِن كُنَّا} قد كُنَّا {لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} فِي خطأ بَين فِي الدُّنْيَا

98

{إِذْ نسويكم} نعد لكم {بِرَبِّ الْعَالمين} فِي الْعِبَادَة

99

{وَمَآ أَضَلَّنَآ} مَا صرفنَا عَن الْإِيمَان وَالطَّاعَة {إِلاَّ المجرمون} الْمُشْركُونَ قبلنَا الَّذين اقتدينا بهم

100

{فَمَا لَنَا} فَلَيْسَ لنا أحد {مِن شَافِعِينَ} من الْمَلَائِكَة والنبيين وَالصَّالِحِينَ يشفع لنا

101

{وَلَا صديق حميم} لاذى قرَابَة يهمه أمرنَا

102

{فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً} رَجْعَة إِلَى الدُّنْيَا {فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤمنِينَ} مَعَ الْمُؤمنِينَ بِالْإِيمَان

103

{إِنَّ فِي ذَلِكَ} فِيمَا ذكرت من حَالهم {لآيَة} لعلامة وعبرة {وَمَا كَانَ أَكْثَرهم مُؤمنين} لَو رجعُوا إِلَى الدُّنْيَا وَيُقَال لم يَكُونُوا مُؤمنين وَكلهمْ كَانُوا كَافِرين

104

{وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيز} بالنقمة مِنْهُم {الرَّحِيم} بِالْمُؤْمِنِينَ

105

{كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسلين} نوحًا وَجُمْلَة الْمُرْسلين الَّذين ذكرهم نوح

106

{إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ} نَبِيّهم {نُوحٌ} وَلم يكن أَخَاهُم فِي الدّين وَلَكِن كَانَ من قرابتهم {أَلاَ تَتَّقُونَ} عبَادَة غير الله

107

{إِنِّي لَكُمْ} من الله {رَسُولٌ أَمِينٌ} على الرسَالَة وَيُقَال قد كنت فِيكُم أَمينا قبل هَذَا فَكيف تتهموني الْيَوْم

108

{فَاتَّقُوا الله} فاخشوا الله فِيمَا أَمركُم من التَّوْبَة وَالْإِيمَان {وَأَطِيعُونِ} اتبعُوا أَمْرِي وديني

109

{وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ} على التَّوْحِيد {مِنْ أَجْرٍ} من رزق {إِنْ أَجْرِيَ} مَا رِزْقِي {إِلاَّ على رَبِّ الْعَالمين}

110

{فَاتَّقُوا الله} فاخشوا الله فِيمَا أَمركُم من التَّوْبَة وَالْإِيمَان {وَأَطِيعُونِ} اتبعُوا وصيتي

111

{قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ} أنصدقك يَا نوح {واتبعك الأرذلون} سفلتنا وضعفاؤنا اطردهم حَتَّى نؤمن بك

112

{قَالَ} نوح {وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} مَا علمت أَنهم يوفقون أَو أَنْتُم

113

{إِنْ حِسَابُهُمْ} مَا ثوابهم ومؤنتهم {إِلاَّ على رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ} لَو تعلمُونَ ذَلِك

114

{وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ الْمُؤمنِينَ} عَن عبَادَة الله

115

{إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} مَا أَنا إِلَّا رَسُول مخوف بلغَة تعلمونها

116

{قَالُوا لَئِن لم تَنْتَهِ يَا نوح} عَن مَقَالَتك {لَتَكُونَنَّ مِنَ المرجومين} من المقتولين كَمَا قتلنَا من آمن بك من الغرباء

117

{قَالَ} نوح {رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ} فِي الرسَالَة وَقتلُوا من آمن بِي من الغرباء

118

{فافتح بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً} فَاقْض بيني وَبينهمْ قَضَاء بِالْعَدْلِ {وَنَجِّنِي وَمَن مَّعِي مِنَ الْمُؤمنِينَ} من عَذَابهمْ

119

{فَأَنجَيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ} من الْمُؤمنِينَ {فِي الْفلك المشحون} فى السَّفِينَة المجهزة الموقرة المملوؤة الَّتِي لم يبْق إِلَّا رَفعهَا

120

{ثمَّ أغرقنا بعد} بعد مَا ركب نوح فِي السَّفِينَة {البَاقِينَ} من قومه

121

{إِن فِي ذَلِك} فِيمَا فعلنَا بهم {لآيَة} لعلامة وعبرة لمن بعدهمْ {وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ} لم يَكُونُوا مُؤمنين وَكلهمْ كَانُوا كَافِرين

122

{وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيز} بالنقمة مِنْهُم إِذْ أغرقهم بالطوفان {الرَّحِيم} بِالْمُؤْمِنِينَ إِذْ نجاهم من الْغَرق

123

{كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسلين} قوم هود هوداً وَجُمْلَة الْمُرْسلين الَّذين ذكرهم هود

124

{إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ} نَبِيّهم {هُودٌ أَلاَ تَتَّقُونَ} عبَادَة غير الله

125

{إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ} من الله {أَمِينٌ} على الرسَالَة

126

{فَاتَّقُوا الله} أطِيعُوا الله فِيمَا أَمركُم من التَّوْبَة وَالْإِيمَان {وَأَطِيعُونِ} فِيمَا أَمرتكُم

127

{وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ} على التَّوْحِيد {مِنْ أَجْرٍ} من جعل {إِنْ أَجْرِيَ} مَا ثوابي {إِلاَّ على رَبِّ الْعَالمين}

128

{أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً} بِكُل طَرِيق عَلامَة {تَعْبَثُونَ} تضربون وتأخذون ثِيَاب من مر بكم من الغرباء وهم العشارون على الطّرق وَله وَجه آخر يَقُول أتبنون بِكُل ريع بِكُل سوق آيَة عَلامَة تعبثون تسخرون بِمن مر بكم

129

{وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ} الْمنَازل والقصور والحياض {لَعَلَّكُمْ} كأنكم {تَخْلُدُونَ} فِي الدُّنْيَا لَا تخلدون

130

{وَإِذا بطشتم بطشتم جبارين} وَإِذا أخذتهم بالعقوبة أَخَذْتُم بعقوبة الجبارين تضربون وتقتلون على الْغَضَب

131

{فَاتَّقُوا الله} فاخشوا الله فِيمَا أَمركُم من التَّوْبَة وَالْإِيمَان {وَأَطِيعُونِ} اتبعُوا أَمْرِي

132

{وَاتَّقوا الَّذِي} اخشوا الَّذِي {أَمَدَّكُمْ} أَعْطَاكُم {بِمَا تعلمُونَ}

133

ثمَّ بَين مَا أَعْطَاهُم فَقَالَ {أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ} أَعْطَاكُم أنعاماً وبنين

134

{وَجَنَّاتٍ} بساتين {وَعُيُونٍ} مَاء طَاهِر

135

{إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ} أعلم أَن يكون عَلَيْكُم {عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} فِي النَّار إِن لم تتوبوا من الْكفْر والشرك وَعبادَة الْأَوْثَان

136

{قَالُواْ سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَوَعَظْتَ} أنهيتنا {أَمْ لَمْ تَكُنْ مِّنَ الواعظين} من الناهين لنا

137

{إِنْ هَذَا} مَا هَذَا الَّذِي نَحن عَلَيْهِ {إِلاَّ خُلُقُ الْأَوَّلين} دين الْأَوَّلين دين آبَائِنَا الْأَوَّلين وَيُقَال إِن هَذَا الَّذِي تَقول إِلَّا خلق الْأَوَّلين إِلَّا اخْتِلَاق الْأَوَّلين

138

{وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} كَمَا تَقول على هَذَا الدّين

139

{فَكَذَّبُوهُ} بالرسالة وَبِمَا قَالَ لَهُم {فَأَهْلَكْنَاهُمْ} بِالرِّيحِ {إِن فِي ذَلِك} فِيمَا فعلنَا بهم {لآيَة} لعلامة وعبرة لمن بعدهمْ

{وَمَا كَانَ أَكْثَرهم مُؤمنين} لم يَكُونُوا مُؤمنين وَكلهمْ كَانُوا كَافِرين

140

{وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيز} بالنقمة من الْكفَّار {الرَّحِيم} بِالْمُؤْمِنِينَ إِذْ نجاهم من الْعَذَاب بِالرِّيحِ

141

{كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسلين} قوم صَالح صَالحا وَجُمْلَة الْمُرْسلين الَّذين أخْبرهُم صَالح

142

{إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ} نَبِيّهم {صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ} عبَادَة غير الله

143

{إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ} من الله {أَمِينٌ} على الرسَالَة

144

{فَاتَّقُوا الله} فاخشوا الله فِيمَا أَمركُم من التَّوْبَة وَالْإِيمَان {وَأَطِيعُونِ} اتبعُوا أَمْرِي وديني

145

{وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ} على التَّوْحِيد {مِنْ أَجْرٍ} من جعل ورزق {إِنْ أَجْرِيَ} مَا ثوابي {إِلاَّ على رَبِّ الْعَالمين}

146

{أتتركون فِي مَا هَا هُنَا} فِي هَذِه النعم {آمِنِينَ} من الْمَوْت والزوال وَالْعَذَاب

147

{فِي جَنَّاتٍ} فِي بساتين {وَعُيُونٍ} مَاء طَاهِر

148

{وَزُرُوعٍ} حروث {وَنَخْلٍ طَلْعُهَا} ثَمَرهَا {هَضِيمٌ} لين لطيف نضيج

149

{وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجبَال} الْجبَال {بُيُوتاً فَارِهِينَ} حاذقين وَيُقَال معجبين بضيعكم متكبرين إِن قَرَأت بِغَيْر الْألف

150

{فَاتَّقُوا الله} فاخشوا االله فِيمَا أَمركُم {وَأَطِيعُونِ} اتبعُوا أَمْرِي ووصيتي

151

{وَلاَ تطيعوا أَمْرَ المسرفين} قَول الْمُشْركين

152

{الَّذين يُفْسِدُونَ فِي الأَرْض} بالْكفْر والشرك وَالدُّعَاء إِلَى غير عبَادَة الله {وَلاَ يُصْلِحُونَ} لَا يأمرون بالصلاح

153

{قَالُوا إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ المسحرين} المجوفين سوقة مثلنَا لست بِملك وَلَا نَبِي

154

{مَآ أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ} آدَمِيّ {مِّثْلُنَا} تَأْكُل وتشرب كَمَا نَأْكُل وَنَشْرَب {فَأْتِ بِآيَةٍ} بعلامة على مَا تَقول {إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقين} بمجيء الْعَذَاب وَأَنَّك رَسُول إِلَيْنَا

155

{قَالَ} لَهُم صَالح {هَذِه نَاقَةٌ} عَلامَة لكم لنبوتي {لَّهَا شِرْبٌ} يَوْم من المَاء {وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ} من المَاء {مَّعْلُومٍ} بالنوبة يَوْم لَهَا وَيَوْم لكم

156

{وَلَا تمسوها بِسوء} بعقر {فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ} كَبِير

157

{فَعَقَرُوهَا} فَقَتَلُوهَا {فَأَصْبَحُواْ} صَارُوا {نَادِمِينَ} على قَتلهَا

158

{فَأَخَذَهُمُ الْعَذَاب} بعد ثَلَاثَة أَيَّام {إِنَّ فِي ذَلِك} فِيمَا فعلنَا بهم {لآيَة} لعلامة وعبرة لمن بعدهمْ {وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ} لم يَكُونُوا مؤمنيها وَكلهمْ كَانُوا كَافِرين

159

{وَإِنَّ رَبَّكَ} يَا مُحَمَّد {لَهُوَ الْعَزِيز} بالنقمة من الْكفَّار {الرَّحِيم} بِالْمُؤْمِنِينَ

160

{كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسلين} لوطاً وَجُمْلَة الْمُرْسلين الَّذين أخْبرهُم لوط

161

{إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ} نَبِيّهم {لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ} عبَادَة غير الله

162

{إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ} من الله {أَمِينٌ} على الرسَالَة

163

{فَاتَّقُوا الله} فاخشوا الله فِيمَا أَمركُم بِهِ من التَّوْبَة وَالْإِيمَان {وَأَطِيعُونِ} اتبعُوا أَمْرِي وديني

164

{وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ} على التَّوْحِيد {مِنْ أَجْرٍ} من جعل {إِنْ أَجْرِيَ} مَا ثوابي {إِلاَّ على رَبِّ الْعَالمين}

165

{أَتَأْتُونَ الذكران} أدبار الرِّجَال

{مِنَ الْعَالمين} من بَين الْعَالمين

166

{وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ} مَا أحل لكم ربكُم {مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ} من فروج نِسَائِكُم {بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} تعتدون الْحَلَال إِلَى الْحَرَام

167

{قَالُوا لَئِن لم تَنْتَهِ يَا لوط} عَن مَقَالَتك {لَتَكُونَنَّ مِنَ المخرجين} من أَرْضنَا سدوم

168

{قَالَ} لوط {إِنِّي لِعَمَلِكُمْ} الْخَبيث {مِّنَ القالين} المبغضين

169

{رَبِّ نَّجِنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عَجُوزاً} امْرَأَته المنافقة {فِي الغابرين} تخلفت مَعَ البَاقِينَ بِالْهَلَاكِ

172

{ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخرين} أهلكنا البَاقِينَ من قومه

173

{وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم} على شذاذهم ومسافريهم {مَّطَراً} حِجَارَة {فَسَآءَ مَطَرُ الْمُنْذرين} بئس الْمَطَر بِالْحِجَارَةِ ان أَنْذرهُمْ لوط فَلم يُؤمنُوا

174

{إِن فِي ذَلِك} فِيمَا فعلنَا بهم {لآيَة} لعلامة وعبرة لمن بعدهمْ {وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ} لم يَكُونُوا مُؤمنين وَكلهمْ كَانُوا كَافِرين

175

{وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيز} بالنقمة من الْكَافرين {الرَّحِيم} بِالْمُؤْمِنِينَ

176

{كَذَّبَ أَصْحَابُ الأيكة الْمُرْسلين} قوم شُعَيْب شعيباً وَجُمْلَة الْمُرْسلين

177

{إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلاَ تَتَّقُونَ} عبَادَة غير الله

178

{إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ} من الله {أَمِينٌ} على الرسَالَة

179

{فَاتَّقُوا الله} فاخشوا الله فِيمَا أَمركُم من التَّوْبَة وَالْإِيمَان {وَأَطيعُوا} اتبعُوا أَمْرِي ووصيتي

180

{وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ} على التَّوْحِيد {مِنْ أَجْرٍ} من جعل {إِنْ أَجْرِيَ} مَا ثوابي {إِلاَّ على رَبِّ الْعَالمين}

181

{أَوْفُواْ الْكَيْل} أَتموا الْكَيْل وَالْوَزْن {وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ المخسرين} من ناقصي الْكَيْل وَالْوَزْن وَكَانُوا مسيئين بِالْكَيْلِ وَالْوَزْن

182

{وَزِنُواْ بالقسطاس الْمُسْتَقيم} بميزان الْعدْل

183

{وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاس أَشْيَآءَهُمْ} لَا تنقصوا حُقُوق النَّاس فِي الْكَيْل وَالْوَزْن {وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْض مفسدين وَإِذ} لَا تعملوا بالمعاصى فى الأَرْض وَالْفساد بِنَقص الْكَيْل وَالْوَزْن وَالدُّعَاء إِلَى غير عبَادَة الله

184

{وَاتَّقوا} اخشوا {الَّذِي خَلَقَكُمْ والجبلة الْأَوَّلين} خلق الْأَوَّلين قبلكُمْ

185

{قَالُوا إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ المسحرين} من المجوفين سوقة مثلنَا لست بِملك وَلَا نَبِي

186

{وَمَآ أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ} آدَمِيّ {مِّثْلُنَا} تَأْكُل وتشرب كَمَا نَأْكُل وَنَشْرَب {وَإِن نَّظُنُّكَ} وَقد نظنك {لَمِنَ الْكَاذِبين} على مَا تَقول

187

{فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً} قطعا {مِّنَ السمآء} من الْعَذَاب {إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقين} بمجيء الْعَذَاب

188

{قَالَ} شُعَيْب {رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ} فِي الْكفْر وَأعلم بكم وبعذابكم

189

{فَكَذَّبُوهُ} بالرسالة {فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظلة} وقف الْعَذَاب فَوْقهم كسحابة فَأَحْرَقَتْهُمْ بحرها {إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} شَدِيد عَلَيْهِم بِالْعَذَابِ

190

{إِن فِي ذَلِك} فِيمَا فعلنَا بهم {لآيَة} لعلامة وعبرة لمن بعدهمْ {وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ} لم يَكُونُوا مُؤمنين وَكلهمْ كَانُوا كَافِرين

191

{وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيز} بالنقمة من الْكفَّار {الرَّحِيم} بِالْمُؤْمِنِينَ

192

{وَإِنَّهُ} يَعْنِي الْقُرْآن {لَتَنزِيلُ} لتكليم {رَبِّ الْعَالمين}

193

{نَزَلَ بِهِ الرّوح الْأمين} نزل الله بِالْقُرْآنِ جِبْرِيل الْأمين بالرسالة إِلَى أنبيائه

194

{على قَلْبِكَ} على قدر حفظك وَيُقَال حِين تلاه عَلَيْك {لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذرين} من المخوفين بِالْقُرْآنِ

195

{بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} يَقُول الْقُرْآن على مجْرى لُغَة الْعَرَبيَّة وَيُقَال نبئهم يَا مُحَمَّد بلغتهم

196

{وَإِنَّهُ} يَعْنِي نعت الْقُرْآن وَمُحَمّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام {لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلين} مَكْتُوب فِي كتب الْأَنْبِيَاء قبلك

197

{أَوَ لَمْ يَكُن لَّهُمْ} لأهل مَكَّة {آيَةً} عَلامَة لنبوة مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام {أَن يَعْلَمَهُ} أَن يُخْبِرهُمْ {عُلَمَاءُ بني إِسْرَائِيلَ} حَيْثُ سألوهم عَن مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن فَأَخْبرُوهُمْ بذلك

198

{وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ} نزلنَا جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ {على بَعْضِ الأعجمين} على رجل لَا يتَكَلَّم بِالْعَرَبِيَّةِ

199

{فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم} على قُرَيْش {مَّا كَانُوا بِهِ} بِالْقُرْآنِ {مُؤْمِنِينَ} لأَنهم لم يُؤمنُوا بِمَا كَانَ بلغتهم فَكيف يُؤمنُونَ بِمَا لم يكن بلغتهم

200

{كَذَلِكَ} هَكَذَا {سَلَكْنَاهُ} تركنَا التَّكْذِيب {فِي قُلُوبِ الْمُجْرمين} الْمُشْركين أبي جهل وَأَصْحَابه

201

{لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} لكَي لَا يُؤمنُوا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَاب الْأَلِيم} الوجيع

202

{فَيَأْتِيَهُم} الْعَذَاب {بَغْتَةً} فَجْأَة {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} بنزول الْعَذَاب عَلَيْهِم

203

{فَيَقُولُواْ} عِنْد نزُول الْعَذَاب عَلَيْهِم {هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ} مؤجلون من الْعَذَاب

204

{أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ} بمجيئه

205

{أَفَرَأَيْتَ} يَا مُحَمَّد {إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ} فِي كفرهم

206

{ثُمَّ جَآءَهُم} بل جَاءَهُم {مَّا كَانُواْ يُوعَدُونَ} من الْعَذَاب

207

{مَآ أغْنى عَنْهُمْ} من عَذَاب الله {مَّا كَانُواْ يُمَتَّعُونَ} يؤجلون

208

{وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ} من أهل قَرْيَة {إِلاَّ لَهَا مُنذِرُونَ} رسل مخوفون

209

{ذكرى} يذكرونهم من عَذَاب الله {وَمَا كُنَّا ظالمين} بهلاكهم

210

{وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ} بِالْقُرْآنِ {الشَّيَاطِين} على عهد مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام

211

{وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ} مَا هم الشَّيَاطِين لَهُ بِأَهْل {وَمَا يَسْتَطِيعُونَ} وَمَا يقدرُونَ على ذَلِك

212

{إِنَّهُمْ} يَعْنِي الشَّيَاطِين {عَنِ السّمع} عَن الِاسْتِمَاع للوحى {لمعزولون} لممنوعون

213

{فَلَا تدع} فَلَا تعبد {مَعَ الله إِلَهًا آخَرَ} من الْأَوْثَان {فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبين} فِي النَّار

214

{وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبين} فِي الرَّحِم

215

{واخفض جَنَاحَكَ لِمَنِ اتبعك مِنَ الْمُؤمنِينَ} لين جَانِبك للْمُؤْمِنين

216

{فَإِن عصوك} قُرَيْش {فَقل إِنِّي بَرِيء مِّمَّا تَعْمَلُونَ} وتقولون فِي كفركم

217

{وَتَوكَّلْ عَلَى الْعَزِيز} بالنقمة من أعدائه {الرَّحِيم} بك وَبِالْمُؤْمِنِينَ

218

{الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ} إِلَى الصَّلَاة

219

{وَتَقَلُّبَكَ فِي الساجدين} مَعَ أهل الصَّلَاة فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود وَالْقِيَام وَيُقَال فِي أصلاب آبَائِك الْأَوَّلين

220

{إِنَّهُ هُوَ السَّمِيع} لمقالتهم {الْعَلِيم} بهم وبأعمالهم

221

{هَلْ أُنَبِّئُكُمْ} أخْبركُم {على مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِين} بالكهانة

222

{تَنَزَّلُ على كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} فَاجر كَاهِن وَهُوَ مُسَيْلمَة الْكذَّاب وَطَلْحَة

223

{يُلْقُونَ السّمع} يَسْتَمِعُون إِلَى كَلَام الْمَلَائِكَة يَعْنِي الشَّيَاطِين {وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} يَسْتَمِعُون وَاحِدًا ويجعلونه مائَة لم يخبرون بذلك الكهنة

224

{وَالشعرَاء} عبد الله بن الزِّبَعْرَى وأصابه يَقُولُونَ الشّعْر {يتبعهُم الْغَاوُونَ} الراءون يروون عَنْهُم

225

{أَلَمْ تَرَ} ألم تخبر يَا مُحَمَّد {أَنَّهُمْ} يَعْنِي الشُّعَرَاء {فِي كُلِّ وَادٍ} فِي كل فن وَوجه {يَهِيمُونَ} يذهبون وَيَأْخُذُونَ يذمون ويمدحون

226

{وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ} فِي شعرهم {مَا لاَ يَفْعَلُونَ} أَنا وَأَنا وَلَيْسَ كَذَلِك وَيُقَال مَا لَا يقدرُونَ أَن يَفْعَلُوا وَكِلَاهُمَا غاويان الشَّاعِر والراوي

227

{إِلَّا الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن حسان بن ثَابت وَأَصْحَابه {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {وَذَكَرُواْ الله كَثِيراً} فِي الشّعْر {وانتصروا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه بِالرَّدِّ على الْكفَّار {مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ} هجوا هجاهم الْكفَّار {وَسَيَعْلَمْ الَّذين ظلمُوا} هجوا النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه {أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} أَي مرجع يرجعُونَ فِي الْآخِرَة وَهِي النَّار يَعْنِي إِن لم يُؤمنُوا بطس وَالْقُرْآن الْحَكِيم وَالله تَعَالَى أعلم بأسرار كِتَابه وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا النَّمْل وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها أَربع وَتسْعُونَ آيَة وكلماتها ألف وَمِائَة وتسع وَأَرْبَعُونَ وحروفها أَرْبَعَة آلَاف وَسَبْعمائة وَسبع وَسِتُّونَ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

النمل

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {طس} يَقُول ط طوله وسين سناؤه وَيُقَال قسم أقسم بِهِ {تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآن وَكِتَابٍ مُّبِينٍ} إِن هَذِه السُّورَة آيَات وَالْقُرْآن وَكتاب مُبين بالحلال وَالْحرَام

2

{هُدىً} من الضَّلَالَة {وبشرى} بِالْجنَّةِ {لِلْمُؤْمِنِينَ} المصدقين فى إِيمَانهم

3

ثمَّ بَين نعتهم فَقَالَ {الَّذين يُقِيمُونَ الصَّلَاة} يتمون الصَّلَوَات الْخمس بوضوئها وركوعها وسجودها وَمَا يجب فِيهَا من مواقيتها {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاة} يُعْطون زَكَاة أَمْوَالهم {وهم بِالآخِرَة} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت وَالْجنَّة وَالنَّار {هُمْ يُوقِنُونَ} يصدقون

4

{إِنَّ الَّذين لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَة} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت أَبَا جهل وَأَصْحَابه {زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ} فِي الْكفْر {فَهُمْ يَعْمَهُونَ} يمضون عمهة لَا يبصرون

5

{أُولَئِكَ} أهل هَذِه الصّفة {الَّذين لَهُم سوء الْعَذَاب} شدَّة الْعَذَاب فِي النَّار {وَهُمْ فِي الْآخِرَة} يَوْم الْقِيَامَة {هُمُ الأخسرون} المغبونون بذهاب الْجنَّة وَدخُول النَّار

6

{وَإِنَّكَ} يَا مُحَمَّد {لَتُلَقَّى الْقُرْآن} يَقُول ينزل عَلَيْك جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ {مِن لَّدُنْ} من عِنْد {حَكِيمٍ} فِي أمره وقضائه {عَلِيمٍ} بخلقه

7

{إِذْ قَالَ مُوسَى لأَهْلِهِ} حَيْثُ تحير فِي الطَّرِيق {إِنِّي آنَسْتُ نَاراً} رَأَيْت نَارا عَن يسَار الطَّرِيق امكثوا هَهُنَا {سَآتِيكُمْ} حَتَّى آتيكم {مِّنْهَا} من عِنْد النَّار {بِخَبَرٍ} عَن الطَّرِيق {أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ} بشعلة مقتبسة {لَعَلَّكُمْ تصطلون} لكى تدفئوا وَكَانَ فِي شدَّة من الشتَاء

8

{فَلَمَّا جَآءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّار} يَقُول بوركت النَّار {وَمَنْ حَوْلَهَا} من الْمَلَائِكَة وَهَكَذَا قِرَاءَة أبي عبد الله بن مَسْعُود وَيُقَال تبَارك من نور هَذَا النُّور وَيُقَال بورك من فِي الطّلب يَعْنِي مُوسَى من أَقَامَ حوله من الْمَلَائِكَة {وَسُبْحَانَ الله} نزه نَفسه {رَبِّ الْعَالمين} سيد الْجِنّ وَالْإِنْس

9

{يَا مُوسَى إِنَّهُ} الَّذِي دعَاك {أَنَا الله الْعَزِيز} بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِي {الْحَكِيم} فِي أَمْرِي وقضائي أمرت أَن لَا يعبد غَيْرِي

10

{وَأَلْقِ عَصَاكَ} من يدك فألقاها {فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ} تتحرك {كَأَنَّهَا جَآنٌّ} حَيَّة لَا صَغِيرَة وَلَا كَبِيرَة {ولى مُدْبِراً} أدبر هَارِبا مِنْهَا {وَلَمْ يُعَقِّبْ} لم يلْتَفت إِلَيْهَا من خوفها قَالَ الله {يَا مُوسَى لاَ تَخَفْ} مِنْهَا {إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ} عندى {المُرْسَلُونَ}

11

{إَلاَّ مَن ظَلَمَ} وَلَا من ظلم {ثُمَّ بدل حسنا بعد سوء} ثمَّ تَابَ بعد ذَلِك فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَن لَا يخَاف أَيْضا {فَإِنِّي غَفُورٌ} متجاوز لمن تَابَ {رَحِيم} لمن مَاتَ على التَّوْبَة

12

{وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ} فِي إبطك {تَخْرُجْ بَيْضَاء من غير سوء} من غير برص اذْهَبْ {فِي تِسْعِ آيَاتٍ} مَعَ تسع آيَات {إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ} القبط {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ} كَافِرين

13

{فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ آيَاتُنَا} مُوسَى بِآيَاتِنَا {مُبْصِرَةً} مبينَة بَعْضهَا على أثر بعض {قَالُواْ هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ} كذب بَين مَا جئتنا بِهِ يَا مُوسَى

14

{وَجَحَدُواْ بِهَا} بِالْآيَاتِ كلهَا {واستيقنتهآ أَنفُسُهُمْ} بعد مَا استيقنت أنفسهم أَنَّهَا من الله {ظُلْماً} خلافًا واعتداء {وَعُلُوّاً} يَقُول عتواً وتكبراً {فَانْظُر} يَا مُحَمَّد {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المفسدين} آخر أَمر الْمُشْركين فِرْعَوْن وَقَومه كَيفَ أهلكناهم فِي الْبَحْر

15

{وَلَقَد آتَيْنَا} أعطينا {دَاوُد} ابْن إيشا {وَسليمَان} ابْن دَاوُد {عِلْماً} وفهماً بِالنُّبُوَّةِ وَالْقَضَاء {وَقَالاَ} كِلَاهُمَا {الْحَمد لِلَّهِ} الشُّكْر والْمنَّة لله {الَّذِي فَضَّلَنَا} بِالْعلمِ والنبوة {على كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤمنِينَ}

16

{وَورث سُلَيْمَان دَاوُد} ملك دَاوُد من بَين أَوْلَاده وَكَانَ لداود تِسْعَة عشر بَنِينَ {وَقَالَ} سُلَيْمَان {يَا أَيهَا النَّاس عُلِّمْنَا} فهمنا {مَنطِقَ الطير} كَلَام الطير {وَأُوتِينَا} أعطينا {مِن كُلِّ شَيْءٍ} علم كل شَيْء فِي مملكتي {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفضل الْمُبين} الْمَنّ الْعَظِيم من الله عَليّ

17

{وَحُشِرَ} سخر وَجمع {لِسْلَيْمَانَ جُنُودُهُ} جموعه {مِنَ الْجِنّ وَالْإِنْس وَالطير فَهُمْ يُوزَعُونَ} يحبس أَوَّلهمْ على آخِرهم حَتَّى اجْتَمعُوا

18

{حَتَّى إِذا أَتَوا على وَادي النَّمْل} بِأَرْض الشَّام مضوا على وَاد فِيهِ النَّمْل {قَالَتْ نَمْلَةٌ} عرجاء يُقَال لَهَا منذرة {يَا أَيهَا النَّمْل ادخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ}

جحركم {لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ} لَا يكسرنكم وَلَا يدوسنكم {سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} بكم وَيُقَال وهم يعْنى جنود سُلَيْمَان لم يشعروا بقول النملة

19

{فَتَبَسَّمَ} سُلَيْمَان {ضَاحِكاً} تَعَجبا {مِّن قَوْلِهَا} من قَول النملة لِأَنَّهُ علم كَلَامهَا دون جُنُوده {وَقَالَ رَبِّ أوزعني} ألهمني {أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ} أؤدي شكر نِعْمَتك {الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ} مننت عَليّ بِالتَّوْحِيدِ {وعَلى وَالِدَيَّ} بِالتَّوْحِيدِ {وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً} خَالِصا {تَرْضَاهُ} تقبله {وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ} فضلك {فِي عِبَادِكَ الصَّالِحين} مَعَ عِبَادك الْمُرْسلين الْجنَّة

20

{وَتَفَقَّدَ الطير} طلب الطير فَلم ير الهدهد مَكَانَهُ {فَقَالَ مَا لي لاَ أَرَى الهدهد} مَكَانَهُ {أَمْ كَانَ مِنَ الغآئبين} يَقُول إِن كَانَ من الغائبين من بَين الطُّيُور

21

{لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً} لأنتفن ريشه فَكَانَ عَذَاب الطير هَذَا {أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ} بالسكين {أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} بِعُذْر بَين

22

{فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ} فَلبث غير طَوِيل حَتَّى جَاءَهُ {فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ} بلغت إِلَى مَا لم تبلغ وَعلمت مالم تعلم أَيهَا الْملك {وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ} من مَدِينَة سبأ {بِنَبَإٍ يَقِينٍ} بِخَبَر حق عَجِيب

23

{إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَة تَمْلِكُهُمْ} يُقَال لَهَا بلقيس {وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ} أَعْطَيْت علم كل شَيْء فِي بَلَدهَا {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} حسن كَبِير عَلَيْهِ من الْجَوَاهِر واللؤلؤ وَالذَّهَب وَالْفِضَّة كَذَا وَكَذَا

24

{وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ} يعْبدُونَ الشَّمْس {مِن دُونِ الله وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَان أَعْمَالَهُمْ} عِبَادَتهم للشمس {فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيل} فصرفهم الشَّيْطَان عَن طَرِيق الْحق الْهدى {فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ} سَبِيل الْحق وَالْهدى

25

{أَلاَّ يَسْجُدُواْ لِلَّهِ الَّذِي} وَقد قلت لَهُم أَلا يَا هَؤُلَاءِ اسجدوا لله وَيُقَال هَذَا قَول سُلَيْمَان يَقُول لم لَا يَسْجُدُونَ لله الذى {يخرج الخبء} مَا خبىء {فِي السَّمَاوَات} من الْمَطَر {وَالْأَرْض} من النَّبَات {وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ} مَا يسرون من الْخَيْر وَالشَّر {وَمَا يعلنون} يظهرون من الْخَيْر وَالشَّر

26

{الله لاَ إِلَه إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْش الْعَظِيم} السرير الْكَبِير

27

{قَالَ} سُلَيْمَان للهدهد {سَنَنظُرُ} فِي مَقَالَتك {أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبين}

28

{اذْهَبْ بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ} عَلَيْهِم {ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ} تَنَح عَنْهُم حَيْثُ لَا يرونك {فَانْظُر مَاذَا يَرْجِعُونَ} يَقُولُونَ ويردون ويجيبون كتابي فَفعل كَمَا أمره سُلَيْمَان فَأخذت بلقيس كتاب سُلَيْمَان وَخرجت إِلَى قَومهَا

29

{قَالَت يَا أَيهَا الْمَلأ} الرؤساء {إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ} مختوم

30

{إِنَّهُ} عنوانه {مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ} أول سطره {بِسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

31

{أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَيَّ} أَن لَا تتكبروا عَليّ {وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} مستسلمين مصالحين وَأَشْيَاء كَانَت فِيهِ مَكْتُوبَة

32

{قَالَت يَا أَيهَا الْمَلأ} الرؤساء {أَفْتُونِي فِي أَمْرِي} أخبروني عَن أَمْرِي وَيُقَال شاوروا لي {مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً} فاعلة أمرا {حَتَّى تَشْهَدُونِ} تحضروني وتشاوروني

33

{قَالُوا نَحن أولُوا قُوَّةٍ} بِالسِّلَاحِ {وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ} بِالْقِتَالِ {وَالْأَمر إِلَيْكِ} يَقُول أمرنَا لأمرك تبع {فانظري مَاذَا تَأْمُرِينَ} حَتَّى نَفْعل مَا تأمريننا ثمَّ نطقت بحكمة

34

{قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوك} مُلُوك الأَرْض {إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً} عنْوَة بِالْحَرْبِ والقتال {أَفْسَدُوهَا} خربوها {وَجعلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً} بِالضَّرْبِ وَالْقَتْل وَغير ذَلِك {وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} قَالَ الله كَذَلِك يَفْعَلُونَ يَعْنِي مُلُوك الأَرْض بالكبرياء

35

{وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ} إِلَى سُلَيْمَان {بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ} فأنتظر {بِمَ يَرْجِعُ المُرْسَلُونَ} الرُّسُل

36

{فَلَمَّا جَآءَ سُلَيْمَانَ} رسولها إِلَى سُلَيْمَان {قَالَ} سُلَيْمَان {أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ} هَدِيَّة {فَمَآ آتَانِي الله} أعطانى الله من الْملك والنبوة {خَيْرٌ} أفضل {مِّمَّآ آتَاكُمْ} أَعْطَاكُم من المَال {بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ} إِن ردَّتْ إِلَيْكُم

37

{ارْجع إِلَيْهِمْ} بهديتهم {فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ} بجموع {لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا} لَا طَاقَة لَهُم بهَا {وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَآ} من سبأ {أَذِلَّةً} مغلولة أَيْمَانهم إِلَى أَعْنَاقهم {وَهُمْ صَاغِرُونَ} ذليلون

38

{قَالَ} سُلَيْمَان {يَا أَيهَا الْمَلأ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا} بسريرها {قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} مستسلمين مصالحين

39

{قَالَ عِفْرِيتٌ} شَدِيد {مِّن الْجِنّ} يُقَال لَهُ عَمْرو {أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ} من مجلسك للْقَضَاء وَكَانَ مجْلِس قَضَائِهِ إِلَى انتصاف النَّهَار {وَإِنِّي عَلَيْهِ} على حمله {لَقَوِيٌّ أَمِينٌ} على مَا فِيهِ من الْجَوَاهِر واللؤلؤ وَالذَّهَب وَالْفِضَّة قَالَ سُلَيْمَان بل أُرِيد أسْرع من هَذَا

40

{قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكتاب} اسْم الله الْأَعْظَم يَا حَيّ يَا قيوم وَهُوَ آصف بن برخيا {أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} قبل أَن يبلغ الشَّيْء الَّذِي رَأَيْته من بعيد {فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً} ثَابتا {عِندَهُ} يَعْنِي عرشها عِنْد عَرْشه {قَالَ} لآصف {هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي} من منَّة ربى {لِيَبْلُوَنِي} ليختبرني {أَأَشْكُرُ} نعْمَته {أَمْ أَكْفُرُ} أم أترك شكر نعْمَته {وَمَن شَكَرَ} نعْمَته {فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} ثَوَاب ربه {وَمَن كَفَرَ} ترك شكر نعْمَته {فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ} عَن شكره {كَرِيمٌ} متجاوز لمن تَابَ لَا يعجل بالعقوبة

41

{قَالَ نَكِّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا} غيروا سريرها فزيدوا فِيهِ وانقصوا مِنْهُ {نَنْظُر أتهتدي} أتعرف {أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذين لاَ يَهْتَدُونَ} لَا يعْرفُونَ

42

{فَلَمَّا جَآءَتْ قِيلَ} قَالَ لَهَا سُلَيْمَان {أَهَكَذَا عَرْشُكِ} سريرك شبهوه عَلَيْهَا {قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ} شبهتموه عَليّ {وَأُوتِينَا الْعلم مِن قَبْلِهَا} فَقَالَ سُلَيْمَان قد أَعْطَانِي الله بتغيير سريرها ومجيئه من قبل مجيئها

{وَكُنَّا مُسْلِمِينَ} أَي مُخلصين من قبل مجيئها

43

{وَصَدَّهَا} صرفهَا سُلَيْمَان وَيُقَال صرفهَا الله {مَا كَانَت} عَمَّا كَانَت {تَّعْبُدُ مِن دُونِ الله} يَعْنِي الشَّمْس {إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ} الْمَجُوس

44

{قِيلَ لَهَا ادخلي الصرح} الْقصر {فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً} مَاء غمراً يَعْنِي كثيرا {وَكَشَفَتْ} رفعت ثِيَابهَا {عَن سَاقَيْهَا قَالَ} لَهَا سُلَيْمَان {إِنَّهُ صَرْحٌ} قصر {مُّمَرَّدٌ} أملس {مِّن قَوارِيرَ} تَحْتَهُ مَاء فَلَا تخافي واعبري عَلَيْهِ {قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي} بعبادتي الشَّمْس {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ} على يَد سُلَيْمَان {لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمين} سيد الْجِنّ وَالْإِنْس

45

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ} نَبِيّهم {صَالِحاً أَنِ اعبدوا الله} أَن قل لَهُم وحدوا الله وتوبوا إِلَيْهِ من الْكفْر والشرك {فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ} فصاروا فرْقَتَيْن مُؤمنَة وكافرة {يَخْتَصِمُونَ} يتخاصمون فِي الدّين

46

{قَالَ} صَالح للفرقة الْكَافِرَة {يَا قوم لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ} بِالْعَذَابِ {قَبْلَ الْحَسَنَة} قبل الْعَافِيَة وَالرَّحْمَة {لَوْلاَ تَسْتَغْفِرُونَ الله} هلا تتوبون من الشّرك وَالْكفْر وتوحدون الله {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} لكَي ترحموا فَلَا تعذبوا

47

{قَالُواْ اطيرنا بِكَ} تشاءمنا بك {وَبِمَن مَّعَكَ} من قَوْمك يعنون شدتنا من شؤمك وَمن شوم من آمن بك {قَالَ} صَالح {طَائِرُكُمْ} شدتكم ورخاؤكم {عِندَ الله} من عِنْد الله {بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ} تختبرون بالشدة والرخاء وَيُقَال تخذلون وَلَا توفقون

48

{وَكَانَ فِي الْمَدِينَة تِسْعَةُ رَهْطٍ} نفر من الْفُسَّاق من أَبنَاء رُؤَسَائِهِمْ قدار بن سالف ومصدع ابْن دهو وأصحابهما {يُفْسِدُونَ فِي الأَرْض} بِالْمَعَاصِي {وَلاَ يُصْلِحُونَ} لَا يأمرون بالصلاح وَلَا يعْملُونَ بِهِ

49

{قَالُوا تقاسموا بِاللَّه} يَقُول توافقوا وتخلفوا بِاللَّه ثمَّ قَالَ {لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ} لندخلن عَلَيْهِ وعَلى أَهله لَيْلًا ولنقتلنه وَأَهله {ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ} لوَرثَته وقرابته {مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ} قتل صَالح وَأَهله {وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} يصدقوننا فِي قَوْلنَا وَلَا يرد قَوْلنَا أحد

50

{وَمَكَرُواْ مَكْراً} أَرَادوا قتل صَالح وَمن آمن مَعَه {وَمَكَرْنَا مَكْراً} أردنَا قَتلهمْ {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} بمكرنا وَيُقَال قَتلتهمْ الْمَلَائِكَة فِي دَار صَالح بِالْحِجَارَةِ وهم لَا يَشْعُرُونَ من الْمَلَائِكَة

51

{فَانْظُر} يَا مُحَمَّد {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ} عُقُوبَة مَكْرهمْ بِصَالح {أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ} أهلكناهم بِالْحِجَارَةِ {وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ} وأهلكنا قَومهمْ أَجْمَعِينَ

52

{فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً} خَالِيَة سَاقِطَة {بِمَا ظلمُوا} أشركوا {إِنَّ فِي ذَلِك} فِيمَا فعلنَا بهم {لآيَةً} لعلامة وعبرة {لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} يصدقون مَا فعل بهم

53

{وَأَنجَيْنَا الَّذين آمَنُواْ} بِصَالح {وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش وَقتل النَّاقة

54

{وَلُوطاً} أرسلنَا لوطاً إِلَى قومه {إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَة} اللواط {وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ} تعلمُونَ أَنَّهَا فَاحِشَة

55

{أئنكم لَتَأْتُونَ الرِّجَال} أدبار الرِّجَال {شَهْوَةً} اشتهاء لكم

{مِّن دُونِ النسآء} من فروج النِّسَاء {بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} أَمر الله

56

{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ} فَلم يكن جَوَاب قومه {إِلاَّ أَن قَالُوا أخرجُوا آلَ لُوطٍ} لوطاً وابنتيه زعورا وريثا {مِّن قَرْيَتِكُمْ} سدوم {إِنَّهُم أنَاس يتطهرون} يتنزهون عَن أدبار الرِّجَال

57

{فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ} ابْنَتَيْهِ {إِلاَّ امْرَأَته} المنافقة {قَدَّرْنَاهَا مِنَ الغابرين} يَقُول قَدرنَا عَلَيْهَا أَن تكون من المتخلفين بِالْهَلَاكِ

58

{وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم} على شذاذهم ومسافريهم {مَّطَراً} حِجَارَة {فَسَآءَ} فبئس {مَطَرُ الْمُنْذرين} من أَنْذرهُمْ لوط فَلم يُؤمنُوا

59

{قُلِ} يَا مُحَمَّد {الْحَمد لِلَّهِ} الشُّكْر والْمنَّة لله على هلاكهم {وَسَلاَمٌ} سَعَادَة وسلامة {على عِبَادِهِ الَّذين اصْطفى} اخْتَارَهُمْ الله بِالنُّبُوَّةِ وَيُقَال اصطفاهم لله بِالْإِسْلَامِ وهم أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {الله خير} قل يَا مُحَمَّد لأهل مكى أعبادة الله أفضل {أَمَّا يُشْرِكُونَ} أم عبَادَة مَا يشركُونَ بِاللَّه من الْأَوْثَان

60

{أم من خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ السمآء مَآءً} مَطَرا {فَأَنبَتْنَا بِهِ} بالمطر {حَدَآئِقَ} بساتين مَا أحيط عَلَيْهَا من النّخل وَالشَّجر {ذَاتَ بَهْجَةٍ} ذَات منظر حسن {مَّا كَانَ لَكُمْ} مقدرَة {أَن تنبتوا شَجَرهَا} شجر الْبَسَاتِين {أإله مَّعَ الله} سوى الله فعل ذَلِك {بَلْ هم قوم يعدلُونَ} بِهِ الْأَصْنَام

61

{أم من جَعَلَ الأَرْض قَرَاراً} مسكنا {وَجَعَلَ خِلاَلَهَآ أَنْهَاراً} وَسطهَا أَنهَارًا {وَجَعَلَ لَهَا} للْأَرْض {رَوَاسِيَ} الْجبَال الثوابت أوتادا لَهَا {وَجعل بَين الْبَحْرين} الْعَذَاب والمالح {حاجزا} مَانِعا لَا يختلطان {أإله مَّعَ الله} سوى الله فعل ذَلِك {بَلْ أَكْثَرهم لَا يعلمُونَ} لَا يصدقون

62

{أم من يُجِيبُ الْمُضْطَر} فِي الْبلَاء {إِذَا دَعَاهُ} بِدفع الْبلَاء {ويكشف السوء} بِدفع الْبلَاء {وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَآءَ الأَرْض} سكان الأَرْض بعد هَلَاك أَهلهَا {أإله مَّعَ الله} سوى الله فعل ذَلِك {قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ} مَا تتعظون قَلِيلا وَلَا كثيرا

63

{أم من يَهْدِيكُمْ} ينجيكم {فِي ظُلُمَاتِ الْبر وَالْبَحْر} من شَدَائِد الْبر وَالْبَحْر إِذا سافرتم {وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاح بُشْراً} طيبَة {بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} قُدَّام الْمَطَر {أإله مَّعَ الله} سوى الله فعل ذَلِك {تَعَالَى الله} تَبرأ الله {عَمَّا يُشْرِكُونَ} بِهِ من الْأَوْثَان

64

{أم من يَبْدَأُ الْخلق} يبتدئه من النُّطْفَة {ثُمَّ يُعيدُهُ} بعد الْمَوْت {وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السمآء} بالمطر {وَالْأَرْض} بالنبات {أإله مَّعَ الله} سوى الله فعل ذَلِك {قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ} حجتكم {إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} أَن مَعَ الله آلِهَة شَتَّى

65

{قُل} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَات} من الْمَلَائِكَة {وَالْأَرْض} من الْخلق {الْغَيْب} مَتى قيام السَّاعَة ونزول الْعَذَاب

{إِلاَّ الله وَمَا يَشْعُرُونَ} وَمَا يعلم الْخلق {أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} مَتى يبعثون من الْقُبُور

66

{بَلِ ادارك عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَة} يَقُول اجْتمع علمهمْ على أَن الْآخِرَة لَا تكون {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا} من قيام السَّاعَة {بل هم مِّنْهَا} من قيام السَّاعَة {عَمُونَ} عمي لَا يبصرون

67

{وَقَالَ الَّذين كفرُوا} كفار مَكَّة {أئذا كُنَّا} صرنا {تُرَاباً} رميماً {وَآبَآؤُنَآ} قبلنَا {أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ} من الْقُبُور لمحيون

68

{لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا} الَّذِي تعدنا {نَحْنُ وَآبَآؤُنَا من قبل} من قبلنَا {إِن هَذَا} مَا هَذَا الَّذِي تعدنا يَا مُحَمَّد {إِلاَّ أَسَاطِيرُ} أَحَادِيث {الْأَوَّلين}

69

{قُلْ} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {سِيرُواْ} سافروا {فِي الأَرْض} فانظروا فاعتبروا {كَيفَ كَانَ عَاقِبَة الْمُجْرمين} آخر أَمر الْمُشْركين

70

{وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} يَا مُحَمَّد إِن لم يُؤمنُوا وَيُقَال وَلَا تحزن عَلَيْهِم بِالْهَلَاكِ {وَلاَ تَكُن فِي ضَيْقٍ} وَلَا تضيق صدرك يَا مُحَمَّد {مِّمَّا يَمْكُرُونَ} مِمَّا يَقُولُونَ ويصنعون

71

{وَيَقُولُونَ مَتى هَذَا الْوَعْد} الَّذِي تعدنا يَا مُحَمَّد {إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} إِن كنت من الصَّادِقين بمجيء الْعَذَاب

72

{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {عَسى} وَعَسَى من الله وَاجِب {أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم} قرب لكم {بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ} من الْعَذَاب يَوْم بدر

73

{وَإِنَّ رَبَّكَ} يَا مُحَمَّد {لَذُو فَضْلٍ} لذُو من {على النَّاس} بِتَأْخِير الْعَذَاب {وَلَكِن أَكْثَرهم لاَ يَشْكُرُونَ} بِتَأْخِير الْعَذَاب

74

{وَإِنَّ رَبَّكَ} يَا مُحَمَّد {لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ} تضمر قُلُوبهم من البغض والعداوة {وَمَا يُعْلِنُونَ} مَا يظهرون من الْكفْر والشرك والقتال

75

{وَمَا مِنْ غَآئِبَةٍ} من سر خَفِي {فِي السمآء وَالْأَرْض} من أهل السَّمَاء وَالْأَرْض {إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} إِلَّا مَكْتُوب فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ

76

{إِنَّ هَذَا الْقُرْآن} الَّذِي تقْرَأ عَلَيْهِم يَا مُحَمَّد {يَقُصُّ على بني إِسْرَائِيلَ} يبين لبني إِسْرَائِيل الْيَهُود وَالنَّصَارَى {أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} كل الَّذِي هم فِيهِ فِي الدّين يخالفون

77

{وَإِنَّهُ} يَعْنِي الْقُرْآن {لَهُدىً} من الضَّلَالَة {وَرَحْمَةٌ} من الْعَذَاب {للْمُؤْمِنين} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن

78

{إِن رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم} بَين الْيَهُود وَالنَّصَارَى {بِحُكْمِهِ} وقضائه يَوْم الْقِيَامَة {وَهُوَ الْعَزِيز} بالنقمة مِنْهُم {الْعَلِيم} بهم وبعقوبتهم

79

{فَتَوَكَّلْ} يَا مُحَمَّد {عَلَى الله إِنَّكَ عَلَى الْحق الْمُبين} على الدّين الظَّاهِر وَهُوَ الْإِسْلَام

80

{إِنَّكَ} يَا مُحَمَّد {لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى} بالقلوب وَيُقَال كَأَنَّهُ ميت {وَلاَ تُسْمِعُ الصم} بالقلوب وَيُقَال المتصامم {الدعآء} دعوتك إِلَى الْحق وَالْهدى {إِذَا وَلَّوْاْ} أَعرضُوا {مُدْبِرِينَ} عَن الْحق وَالْهدى

81

{وَمَآ أَنتَ} يَا مُحَمَّد {بِهَادِي الْعمي عَن ضلالتهم} إِلَى الْهدى {إِن تسمع} مَا تسمع دعوتك {إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا} بكتابنا ورسولنا {فَهُم مُّسْلِمُونَ} مخلصون بِالْعبَادَة والتوحيد

82

{وَإِذَا وَقَعَ} وَجب {القَوْل عَلَيْهِم} بالسخط وَالْعَذَاب

{أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبَّةً مِّنَ الأَرْض} بَين الصَّفَا والمروة وَهِي عَصا مُوسَى وَيُقَال مَعهَا عَصا مُوسَى {تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاس كَانُوا بِآيَاتِنَا} بآيَات رَبنَا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وَيُقَال بِخُرُوج الدَّابَّة {لاَ يُوقِنُونَ} لَا يصدقون وَإِن قَرَأت بِنصب التَّاء تضربهم وتجرحهم

83

{وَيَوْمَ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ} من كل أهل دين {فَوْجاً} جمَاعَة {مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا} بكتابنا ورسولنا {فَهُمْ يُوزَعُونَ} يَقُول يحبس أَوَّلهمْ على آخِرهم

84

{حَتَّى إِذا جاؤوا} اجْتَمعُوا {قَالَ} الله لَهُم {أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي} بكتابي ورسولي {وَلَمْ تُحِيطُواْ بِهَا عِلْماً} يَقُول جحدتم وَلم تعلمُوا أَنَّهَا لَيست منى {أم مَاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} فِي الْكفْر والشرك

85

{وَوَقَعَ القَوْل} وَجب القَوْل {عَلَيْهِمْ} بالسخط وَالْعَذَاب {بِمَا ظَلَمُواْ} بكفرهم وشركهم {فَهُمْ لاَ يَنطِقُونَ} لَا يجيبون

86

{أَلَمْ يَرَوْاْ} كفار مَكَّة {أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْل} مسكنا {لِيَسْكُنُواْ} ليستقروا {فِيهِ وَالنَّهَار مُبْصِراً} مضيئاً مطلباً لمعايشتهم {إِنَّ فِي ذَلِكَ} فِيمَا فعلنَا بهم {لآيَاتٍ} لعلامات {لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} يصدقون

87

{وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّور} وَهِي نفخة الْمَوْت {فَفَزعَ} مَاتَ مَن {فِي السَّمَاوَات} من الْمَلَائِكَة {وَمَن فِي الأَرْض} من الْخلق {إِلاَّ مَن شَآءَ الله} من أهل السَّمَاء جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل وَملك الْمَوْت فَإِنَّهُم لَا يموتون فِي النفخة الأولى وَلَكِن يموتون بعد ذَلِك {وَكُلٌّ} يَعْنِي أهل السَّمَاء وَأهل الأَرْض {أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} يأْتونَ إِلَى الله يَوْم الْقِيَامَة صاغرين ذليلين

88

{وَتَرَى الْجبَال} يَا مُحَمَّد فِي النفخة الأولى {تَحْسَبُهَا جَامِدَةً} سَاكِنة مُسْتَقِرَّة {وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَاب} فِي الْهَوَاء {صُنْعَ الله} هَذَا فعل الله بخلقه {الَّذِي أَتْقَنَ} أحكم {كُلَّ شَيْءٍ} من الْخلق {إِنَّهُ خَبِيرٌ} عَالم {بِمَا تَفْعَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر

89

{مَن جَآءَ بِالْحَسَنَة} من جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة بِلَا إِلَه إِلَّا الله مخلصاً بهَا {فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا} فخيره كُله مِنْهَا وَمن قبلهَا {وَهُمْ مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ} وهم آمنون من الْفَزع وَالْعَذَاب إِذا أطبقت النَّار

90

{وَمَن جَآءَ بِالسَّيِّئَةِ} بالشرك بِاللَّه {فَكُبَّتْ} قلبت {وُجُوهُهُمْ فِي النَّار هَلْ تُجْزَوْنَ} فِي الْآخِرَة {إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} فِي الدُّنْيَا قل يَا مُحَمَّد

91

{إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ} أوحد {رَبِّ هَذِهِ الْبَلدة} يَعْنِي مَكَّة {الَّذِي حَرَّمَهَا} جعلهَا حرما {وَلَهُ كُلُّ شَيءٍ} من الْخلق {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسلمين} مَعَ الْمُسلمين على دينهم

92

{وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآن} أمرت أَن أَقرَأ عَلَيْكُم الْقُرْآن {فَمَنِ اهْتَدَى} آمن بِمَا فِي الْقُرْآن {فَإِنَّمَا يَهْتَدِي} يُؤمن {لِنَفْسِهِ} ثَوَاب ذَلِك لنَفسِهِ {وَمَن ضَلَّ} كفر بِالْقُرْآنِ {فَقُلْ} يَا مُحَمَّد {إِنَّمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُنْذرين} المخوفين من النَّار بِالْقُرْآنِ

93

ثمَّ أمره بعد ذَلِك بِالْقِتَالِ فَقَالَ {وَقُلِ} يَا مُحَمَّد {الْحَمد لِلَّهِ} الشُّكْر لله والوحدانية لله {سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ} عَلَامَات وحدانيته وَقدرته بِالْعَذَابِ يَوْم بدر {فَتَعْرِفُونَهَا} فتعلمون أَن مَا يَقُول لكم مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام حق وَصدق {وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ} بساه {عَمَّا تَعْمَلُونَ} فِي الْكفْر والشرك يَعْنِي كفار قُرَيْش هَذَا وَعِيد لَهُم من الله فِي الْكفْر والشرك وَيُقَال بتارك عُقُوبَة مَا تَعْمَلُونَ من الْمَكْر والخيانة وَالْفساد

tit/2 وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْقَصَص وهى كلهَا مَكِّيَّة إِلَّا قَوْله تَعَالَى {إِن الَّذِي فرض عَلَيْك الْقُرْآن لرادك إِلَى معاد} فانها نزلت بِالْجُحْفَةِ بَين مَكَّة وَالْمَدينَة آياتها ثَمَان وَثَمَانُونَ وكلماتها أَرْبَعمِائَة وَإِحْدَى وَأَرْبَعُونَ وحروفها خَمْسَة آلَاف وَثَمَانمِائَة {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم {/ tit

القصص

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {طسم} ط طوله وَقدرته وسين سناؤه ورفعته وَمِيم ملكه وَيُقَال قسم أقسم بِهِ

2

{تِلْكَ آيَاتُ الْكتاب الْمُبين} إِن هَذِه السُّورَة آيَات الْقُرْآن الْمُبين بالحلال وَالْحرَام وَالْأَمر وَالنَّهْي

3

{نَتْلُواْ عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ} بِالْقُرْآنِ {لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} يصدقون بك وَبِالْقُرْآنِ

4

{إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ} خَالف وتجبر وَكفر {فِي الأَرْض} أَرض مصر {وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً} فرقا فرقا {يَسْتَضْعِفُ} يقهر {طَآئِفَةً مِّنْهُمْ} من بني إِسْرَائِيل {يُذَبِّحُ أَبْنَآءَهُمْ} صغَارًا {وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ} يستخدمهم كبارًا {إِنَّهُ كَانَ مِنَ المفسدين} فِي كفره بِالْقَتْلِ وَالدُّعَاء إِلَى غير عبَادَة الله

5

{وَنُرِيدُ} بإرسال مُوسَى إِلَيْهِم وهلاكهم {أَن نَّمُنَّ} تنزلهم بالنجاة {عَلَى الَّذين استضعفوا} قهروا وهم بَنو إِسْرَائِيل {فِي الأَرْض} أَرض مصر {وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً} قادة فِي الْخَيْر {وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثين} وارثي أَرض مصر

6

{وَنُمَكِّنَ لَهُمْ} ونملكهم {فِي الأَرْض} أَرض مصر {وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا} جموعهما {مِنْهُمْ} من مُوسَى وَبني إِسْرَائِيل {مَّا كَانُواْ يَحْذَرونَ} من ذهَاب الْملك

7

{وَأَوْحَيْنَآ إِلَى أُمِّ مُوسَى} ألهمنا أم مُوسَى يوحانذ بنت لاوي بن يَعْقُوب {أَنْ أَرْضِعِيهِ} أَن أرضعي هَذَا الصَّبِي {فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ} أَن يضيع {فَأَلْقِيهِ فِي اليم} فاطرحيه فِي التابوت والتابوت فِي الْبَحْر {وَلاَ تَخَافِي} من الْغَرق {وَلاَ تحزني} من الضَّيْعَة أَن لَا يرد إِلَيْك {إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسلين} إِلَى فِرْعَوْن وَقَومه

8

{فالتقطه} فرفعه {آلُ فِرْعَوْنَ} جواري فِرْعَوْن من بَين المَاء وَالشَّجر فَأَخَذته وذهبن بِهِ إِلَى امْرَأَة فِرْعَوْن {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً} من بعد مَا يَجِيء إِلَيْهِم بالرسالة {وَحَزَناً} بذهاب ملكهم {إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَاطِئِينَ} مُشْرِكين

9

{وَقَالَتِ امْرَأَة فِرْعَوْنَ} آسِيَة بنت مُزَاحم وَكَانَت عمَّة مُوسَى {قُرَّةُ عَيْنٍ لِّي} هَذَا الْغُلَام {وَلَكَ} يَا فِرْعَوْن {لاَ تَقْتُلُوهُ عَسى أَن ينفعنآ} فِي ضيعتنا {أَو نتخذه ولدا} أَو نتبناه {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} بَنو إِسْرَائِيل لَا يعلمُونَ أَنه لَيْسَ منا وَيُقَال وهم لَا يَشْعُرُونَ أَن هلاكهم على يَدَيْهِ

10

{وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى} صَار قلب أم مُوسَى يوحانذ {فَارِغاً} من كل همّ وَذكر إِلَّا همّ مُوسَى وَذكر مُوسَى {إِن كَادَتْ} قد كَادَت {لَتُبْدِي بِهِ} لتظهر بِهِ تَقول هَذَا ابْني بعد مَا انتسب بِهِ إِلَى فِرْعَوْن

{لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا} حفظنا {على قَلْبِهَا} بِالصبرِ {لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤمنِينَ} من المصدقين بوعد الله أَن يكون من الْمُرْسلين

11

{وَقَالَتْ} يَعْنِي أم مُوسَى {لأُخْتِهِ} لأخت مُوسَى تسمى مَرْيَم {قُصِّيهِ} اتبعي أَثَره {فَبَصُرَتْ بِهِ} بالغلام {عَن جُنُبٍ} عَن بعد {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} لَا يعلمُونَ أَنَّهَا أُخْت مُوسَى

12

{وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ} على مُوسَى {المراضع} ألبان النِّسَاء {مِن قَبْلُ} من قبل مَجِيء أمه {فَقَالَتْ} أُخْت مُوسَى لآل فِرْعَوْن {هَلْ أَدُلُّكُمْ على أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ} يرضعون لكم هَذَا الْغُلَام {وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ} حافظون بالتربية فدلت على أمه

13

{فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا} تطيب نَفسهَا بمُوسَى {وَلاَ تَحْزَنَ} على مُوسَى {وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ الله} فِي رده إِلَيْهَا {حَقٌّ} صدق {وَلَكِن أَكْثَرَهُمْ} يَعْنِي أهل مصر {لاَ يَعْلَمُونَ} ذَلِك وَلَا يصدقون

14

{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ} ثَمَان عشرَة سنة {واستوى} خلقه أَرْبَعِينَ سنة {آتَيْنَاهُ} أعطيناه {حُكْماً} فهما {وَعِلْماً} نبوة {وَكَذَلِكَ} هَكَذَا {نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} النَّبِيين بالفهم والنبوة وَيُقَال الصَّالِحين بِالْعلمِ وَالْحكمَة

15

{وَدخل الْمَدِينَة على حِين غَفلَة} اشْتِغَال اشْتِغَال {مِّنْ أَهْلِهَا} عِنْد القيلولة وَيُقَال بعد صَلَاة الْمغرب {فَوَجَدَ فِيهَا} فِي الْمَدِينَة {رَجُلَيْنِ} إِسْرَائِيلِيًّا وقبطياً {يَقْتَتِلاَنِ} يتنازعان ويتحاربان بَينهمَا {هَذَا مِن شِيعَتِهِ} من شيعَة مُوسَى الإسرائيلي {وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ} من عَدو مُوسَى القبطي {فاستغاثه الَّذِي مِن شِيعَتِهِ} من شيعَة مُوسَى {عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} من عَدو مُوسَى {فَوَكَزَهُ مُوسَى} فَجمع مُوسَى أَصَابِعه وَقبض عَلَيْهَا فلكزه لكزة {فَقضى عَلَيْهِ} الْمَوْت فَخر مَيتا {قَالَ} مُوسَى {هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَان} بِأَمْر الشَّيْطَان {إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ} ظَاهر الْعَدَاوَة وَنَدم على قَتله

16

{قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي} بقتل النَّفس {فَاغْفِر لِي} ذَنبي تجَاوز عني {فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الغفور} المتجاوز {الرَّحِيم} لمن تَابَ

17

{قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ} مننت عَليّ بالمعرفة والتوحيد وَالْمَغْفِرَة {فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ} فَلَا تجعلني عوناً للْمُشْرِكين لفرعون وَقَومه

18

{فَأَصْبَحَ} فَصَارَ {فِي الْمَدِينَة خَآئِفاً} من قتل القبطي {يَتَرَقَّبُ} ينْتَظر مَتى يُؤْخَذ بِهِ {فَإِذَا الَّذِي استنصره} اسْتَعَانَ بِهِ {بالْأَمْس} على القبطي {يَسْتَصْرِخُهُ} يستغيثه على آخر من القبط {قَالَ لَهُ} للإسرائيلي {مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ} مجادل بيّن الْجِدَال وَأَقْبل عَلَيْهِ بالعون

19

{فَلَمَّآ أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ} أَن يَأْخُذ {بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا} القبطي ظن الإسرائيلي أَنه يُريدهُ {قَالَ} أى الإسرائيلى {يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي} الْيَوْم {كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً} قبطياً {بالْأَمْس إِن تُرِيدُ} مَا تُرِيدُ {إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّاراً} قتالاً {فِي الأَرْض} فِي أَرض مصر {وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ المصلحين}

من المتورعين الآمرين بِالْمَعْرُوفِ والناهين عَن الْمُنكر

20

{وَجَآءَ رَجُلٌ} وَهُوَ حزقيل {مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَة} من أَسْفَل الْمَدِينَة وَيُقَال من وسط الْمَدِينَة {يسْعَى} يسْرع ويشتد فى مَشْيه {قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأ} أَوْلِيَاء الْمَقْتُول {يَأْتَمِرُونَ بِكَ} اتَّفقُوا عَلَيْك {لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُج} من الْمَدِينَة {إِنِّي لَكَ مِنَ الناصحين} من المشفقين

21

{فَخَرَجَ} مُوسَى {مِنْهَا} من الْمَدِينَة {خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ} ينْتَظر ويلتفت مَتى يلْحق وَيُؤْخَذ بِهِ {قَالَ} عِنْد ذَلِك {رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْم الظَّالِمين} أهل مصر

22

{وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ} سَار نَحْو مَدين خَافَ أَن يخطىء الطَّرِيق {قَالَ عَسى} لَعَلَّ {رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي} أَن يرشدني {سَوَآءَ السَّبِيل} قصد الطَّرِيق نَحْو مَدين

23

{وَلَمَّا وَرَدَ} بلغ {مَآءَ مَدْيَنَ} وَهُوَ بِئْر {وَجَدَ عَلَيْهِ} على المَاء {أُمَّةً} جمَاعَة {مِّنَ النَّاس} أَرْبَعِينَ رجلا {يَسْقُونَ} غَنمهمْ {وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ} من ورائهم {امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ} تحبسان غنمهما عَن المَاء من ضعفهما حَتَّى يفرغ الْقَوْم {قَالَ} لَهما مُوسَى {مَا خَطْبُكُمَا} مَا بالكما لَا تسقيان غنمكما {قَالَتَا لاَ نَسْقِي} لَا نقدر أَن نسقي غنمنا {حَتَّى يُصْدِرَ الرعآء} حَتَّى يفرغ الْقَوْم ثمَّ نسقي {وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} لَيْسَ لَهُ أحد يُعينهُ غَيرنَا

24

{فسقى لَهما} فسقى مُوسَى غنمهما وذهبتا إِلَى أَبِيهِمَا فأخبرتا أباهما عَن خبر مُوسَى {ثُمَّ تولى} مُوسَى {إِلَى الظل} ظلّ الشَّجَرَة وَيُقَال ظلّ حَائِط وَيُقَال كن {فَقَالَ} مُوسَى {رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ} مَا قدرت لي {مِنْ خَيْرٍ} من طَعَام {فَقِيرٌ} مُحْتَاج

25

{فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهمَا} وهى الصُّغْرَى وسمها صفورا {تَمْشِي عَلَى استحيآء} مُعْتَرضَة رَافِعَة كمها على وَجههَا كمشي العذارى وَاضِعَة يَدهَا على وَجههَا {قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ} ليعطيك {أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} عوض مَا سقيت لنا غنمنا {فَلَمَّا جَآءَهُ} مُوسَى إِلَى أَبِيهَا يثرون بن أخي شُعَيْب وَقد مَاتَ شُعَيْب قبل ذَلِك {وَقَصَّ عَلَيْهِ} على يثرون {الْقَصَص} فراره من فِرْعَوْن وَغير ذَلِك {قَالَ} لَهُ يثرون {لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْم الظَّالِمين} أهل مصر

26

{قَالَت إِحْدَاهمَا} وهى الصُّغْرَى {يَا أَبَت اسْتَأْجرهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرت} من الأجراء هُوَ {الْقوي} على الْحمل الثقيل {الْأمين} على الْأَمَانَة ثمَّ

27

{قَالَ} يثرون لمُوسَى {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ} أزَوجك يَا مُوسَى {إِحْدَى ابْنَتي هَاتَيْنِ على أَن تَأْجُرَنِي} تعْمل لي فِي غنمي {ثَمَانِيَ حِجَجٍ} ثَمَان سِنِين {فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً} عشر سِنِين {فَمِنْ عِندِكَ} الزِّيَادَة {وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ} فِي الزِّيَادَة {سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} بِالْوَفَاءِ

28

{قَالَ} مُوسَى {ذَلِكَ} الشَّرْط {بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَليْنِ قَضَيْتُ} الثمان أَو الْعشْر {فَلاَ عُدْوَانَ عَليّ} فَلَا سَبِيل لَك وعَلى {وَالله على مَا نَقُولُ} من الشَّرْط وَالْوَفَاء {وَكيل} شَهِيد

29

{فَلَمَّا قضى مُوسَى الْأَجَل}

عشر سِنِين {وَسَارَ بِأَهْلِهِ} نَحْو مصر {آنَسَ مِن جَانِبِ الطّور نَاراً} رأى عَن يسَار الطَّرِيق نَارا {قَالَ لأَهله امكثوا} أنزلوا هَهُنَا {إِنِّي آنَسْتُ} رَأَيْت {نَاراً لعَلي آتِيكُمْ مِّنْهَا} من عِنْد النَّار {بِخَبَرٍ} عَن الطَّرِيق وَقد كَانَ تحير فِي الطَّرِيق {أَوْ جَذْوَةٍ} قِطْعَة {من النَّار لَعَلَّكُمْ تصطلون} لكى تدنؤا بهَا وَكَانُوا فِي شدَّة من الشتَاء

30

{فَلَمَّا أَتَاهَا نُودي من شاطئ الْوَادي الْأَيْمن} عَن يَمِين مُوسَى {فِي الْبقْعَة الْمُبَارَكَة} بِالْمَاءِ وَالشَّجر {مِنَ الشَّجَرَة} من نَحْو الشّجر {أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا الله رَبُّ الْعَالمين} سيد الْجِنّ وَالْإِنْس

31

{وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ} من يدك {فَلَمَّا رَآهَا} بَعْدَمَا أَلْقَاهَا {تَهْتَزُّ} تتحرك رَافِعَة رَأسهَا {كَأَنَّهَا جَآنٌّ} حَيَّة لَا صَغِيرَة وَلَا كَبِيرَة {ولى مُدْبِراً} هَارِبا مِنْهَا {وَلَمْ يُعَقِّبْ} وَلم يلْتَفت إِلَيْهَا قَالَ الله {يَا مُوسَى أَقْبِلْ} إِلَيْهَا {وَلاَ تَخَفْ} مِنْهَا {إِنَّكَ مِنَ الْآمنينَ} من شَرها فَأَخذهَا مُوسَى فَإِذا هِيَ عَصا كَمَا كَانَت قَالَ الله لَهُ

32

{اسلك} أَدخل {يَدَكَ فِي جَيْبِكَ} فِي إبطك يَا مُوسَى {تَخْرُجْ بَيْضَآءَ} لَهَا ضوء كضوء الشَّمْس {من غير سوء} من غير برص {واضمم إِلَيْكَ جَنَاحَكَ} أَدخل يدك فِي إبطك بعد ذَلِك {مِنَ الرهب} من الْفرق إِذا أرهبت بهَا النَّاس {فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ} فهاتان حجتان {مِن رَّبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ} قومه {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ} كَافِرين مفسدين فِي شركهم

33

{قَالَ} مُوسَى {رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ} بدلهَا

34

{وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً} أبين مني كلَاما وَكَانَ على لِسَان مُوسَى رتة {فَأَرْسِلْهِ مَعِيَ رِدْءاً} معينا {يُصَدِّقُنِي} يعبر عني كَلَامي وَيصدق قولي {إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ} بالرسالة

35

{قَالَ} الله {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ} سنقوي ظهرك {بِأَخِيكَ} هرون {وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً} عذرا وَحجَّة مقدم ومؤخر {فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَآ} إِلَى قتلكما {أَنتُمَا وَمَنِ اتبعكما} بِالْإِيمَان والآيات {الغالبون} على فِرْعَوْن وَقَومه

36

{فَلَمَّا جَآءَهُم مُوسَى بِآيَاتِنَا} الْيَد والعصا {بَيِّنَاتٍ} مبينات {قَالُوا} يَا مُوسَى {مَا هَذَا} الَّذِي جئتنا بِهِ {إِلاَّ سِحْرٌ مُّفْتَرًى} كذب مختلق من تِلْقَاء نَفسك {وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا} الَّذِي تَقول يَا مُوسَى {فِي آبَآئِنَا الْأَوَّلين} من آبَائِنَا الماضين

37

{وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَن جَآءَ بِالْهدى} بالرسالة والتوحيد {مِنْ عِندِهِ وَمَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّار} الْجنَّة فِي الْآخِرَة {إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ} لَا يَأْمَن وَلَا ينجو {الظَّالِمُونَ} الْمُشْركُونَ من عَذَاب الله

38

{وَقَالَ فِرْعَوْن يَا أَيهَا الْمَلأ} يَا رجال أهل مصر {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ} مَا عرفت لكم {مِّنْ إِلَه} إِلَهًا {غَيْرِي} فَلَا تطيعوا مُوسَى {فَأَوْقِدْ لِي} أَي النَّار {يَا هامان عَلَى الطين} فاطبخ لي يَا هامان من الطين آجراً {فَاجْعَلْ لِّي صَرْحاً} قصراً {لعَلي أَطَّلِعُ} أصعد وَأنْظر {إِلَى إِلَه مُوسَى} الَّذِي يزْعم أَنه فِي السَّمَاء وأرسله إِلَيّ {وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبين} لَيْسَ فِي السَّمَاء من إِلَه

39

{واستكبر} تعظم عَن الْإِيمَان {هُوَ} فِرْعَوْن {وَجُنُودُهُ} جموعه القبط {فِي الأَرْض} فِي أَرض مصر {بِغَيْرِ الْحق} بِغَيْر أَن كَانَ لَهُم ذَلِك {وظنوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُونَ} فِي الْآخِرَة

40

{فَأَخَذْنَاهُ} يَعْنِي فِرْعَوْن بكلمته الأولى أَنا ربكُم الْأَعْلَى وَالْأُخْرَى مَا علمت لكم من إِلَه غَيْرِي {وَجُنُودَهُ} جموعه القبط {فَنَبَذْنَاهُمْ فِي اليم} فألقيناهم فطرحانهم فِي الْبَحْر {فَانْظُر} يَا مُحَمَّد {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمين} آخر أَمر الْمُشْركين فِرْعَوْن وَقَومه

41

{وَجَعَلْنَاهُمْ} خذلناهم {أَئِمَّةً} قادة إِلَى الْكفَّار والضلال {يَدْعُونَ إِلَى النَّار} إِلَى الْكفْر والشرك وَعبادَة الْأَوْثَان {وَيَوْمَ الْقِيَامَة لاَ يُنصَرُونَ} لَا يمْنَعُونَ من عَذَاب الله

42

{وَأَتْبَعْنَاهُم فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً} أهلكناهم فِي الدُّنْيَا بِالْغَرَقِ {وَيَوْمَ القِيَامَةِ هُمْ مِّنَ المقبوحين} سود الْوُجُوه وزرق الْأَعْين

43

{وَلَقَد آتَيْنَا} أعطينا {مُوسَى الْكتاب} يَعْنِي التَّوْرَاة {مِن بَعْدِ مَآ أَهْلَكْنَا الْقُرُون الأولى} من قبل مُوسَى {بَصَآئِرَ} بَيَانا {لِلنَّاسِ} لبني إِسْرَائِيل {وَهدى} من الضَّلَالَة {وَرَحْمَة} لمن آمن بِهِ {لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} لكَي يتعظوا فيؤمنوا بِهِ

44

{وَمَا كُنتَ} يَا مُحَمَّد {بِجَانِبِ الغربي} الْجَبَل {إِذْ قَضَيْنَآ إِلَى مُوسَى الْأَمر} حَيْثُ أمرنَا مُوسَى الْإِتْيَان إِلَى فِرْعَوْن {وَمَا كنتَ مِنَ الشَّاهِدين} من الْحَاضِرين هُنَاكَ

45

{وَلَكِنَّآ أَنشَأْنَا} خلقنَا {قُرُوناً} قرنا بعد قرن وبيّنا قصَّة الأول للْآخر كَمَا بيّنا لَك {فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمر} الْأَجَل فَلم يُؤمنُوا فأهلكناهم قرنا بعد قرن {وَمَا كُنتَ} يَا مُحَمَّد {ثاويا} مُقيما {فِي أهل مَدين تتلو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا} تقْرَأ على قَوْمك أياتنا الْقُرْآن تخبرهم {وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} الرُّسُل إِلَى الْقُرُون الأولى وبيّنا قصَّة الأول للْآخر كَمَا بيّنا لَك قصَّة الْأَوَّلين

46

{وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطّور} جبل زبير {إِذْ نَادَيْنَا} حَيْثُ كلمنا مُوسَى وَيُقَال إِذْ نادينا أمتك {وَلَكِن} علمناك وأرسلناك {رَّحْمَةً} نعْمَة ومنة {مِّن رَّبِّكَ} إِذْ أرسل إِلَيْك جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ بأخبار الْأُمَم {لِتُنذِرَ قَوْماً} لكَي تخوف قوما بِالْقُرْآنِ {مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ} لم يَأْتهمْ رَسُول مخوف {مِّن قَبْلِكَ} يَعْنِي قُريْشًا {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} لكَي يتعظوا فيؤمنوا

47

{وَلَوْلَا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ} وَلَوْلَا أَن يُصِيب قَوْمك قُريْشًا عَذَاب يَوْم الْقِيَامَة {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} بِمَا اكتسبوا فِي كفرهم {فَيَقُولُواْ} عِنْد نزُول الْعَذَاب بهم يَوْم الْقِيَامَة {رَبَّنَا} يَا رَبنَا {لَوْلَا} هلا {أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً} مَعَ الْكتاب قبل الْعَذَاب {فَنَتِّبِعَ آيَاتِكَ} كتابك وَرَسُولك {وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤمنِينَ}

بِالْكتاب وَالرَّسُول لأهلكناهم قبلك وَلَكِن أَرْسَلْنَاك إِلَيْهِم بِالْقُرْآنِ لكَي لَا يكون لَهُم حجَّة علينا

48

{فَلَمَّا جَاءَهُم الْحق} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْقُرْآنِ {مِنْ عِندِنَا قَالُواْ} كفار مَكَّة {لَوْلَا أُوتِيَ} هلا أعْطى مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَعْنِي الْيَد والعصا والمن والسلوى وَالْقُرْآن جملَة {مثل مَا أُوتِيَ} أعْطى {مُوسَى} بِزَعْمِهِ {أَو لم يَكْفُرُواْ} كفار مَكَّة {بِمَآ أُوتِيَ مُوسَى} أعطي مُوسَى {من قبل} من قبل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَعْنِي التَّوْرَاة {قَالُواْ} كفار مَكَّة {سِحْرَانِ} يَعْنِي التَّوْرَاة وَالْقُرْآن {تَظَاهَرَا} تعاونا {وَقَالُواْ} كفار مَكَّة {إِنَّا بِكُلٍّ} بِالتَّوْرَاةِ وَالْقُرْآن {كَافِرُونَ} جاحدون

49

{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {فَأْتُواْ بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ الله هُوَ أهْدى} أصوب {مِنْهُمَآ} من التَّوْرَاة وَالْقُرْآن {أَتَّبِعْهُ} أعمل بِهِ {إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} أَن التَّوْرَاة وَالْقُرْآن سحران تظاهرا فَلم يقدروا أَن يَأْتُوا

50

قَالَ الله {فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ} فَإِن لم يجيبوك الظلمَة بِمَا سَأَلتهمْ {فَاعْلَم أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَآءَهُمْ} بالْكفْر والشرك وَعبادَة الْأَوْثَان {وَمَنْ أَضَلُّ} أكفر عَن الْحق وَالْهدى {مِمَّنْ اتبع هَوَاهُ} بالْكفْر والشرك وَعبادَة الْأَوْثَان {بِغَيْرِ هُدىً مِّنَ الله} بِغَيْر حجَّة وَبَيَان من الله {إِنَّ الله لاَ يَهْدِي} لَا يرشد إِلَى دينه {الْقَوْم الظَّالِمين} الْمُشْركين أَبَا جهل وَأَصْحَابه

51

{وَلَقَد وصلنا لَهُم القَوْل} بَينا لَهُم الْقُرْآن بِالتَّوْحِيدِ {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} لكَي يتعظوا بِالْقُرْآنِ فيؤمنوا

52

{الَّذين آتَيْنَاهُمُ الْكتاب} أعطيناهم علم التَّوْرَاة {مِن قبله} من قبل مجىء مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن يَعْنِي عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه نَحْو أَرْبَعِينَ رجلا مِنْهُم من جَاءَ من الشَّام وَمِنْهُم من جَاءَ من الْيمن {هُم بِهِ} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {يُؤْمِنُونَ} يوقنون

53

{وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ} يقْرَأ عَلَيْهِم الْقُرْآن بنعت مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَصفته {قَالُوا آمنا بِهِ} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {إِنَّهُ الْحق مِن رَّبِّنَآ إنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ} من قبل قِرَاءَة الْقُرْآن علينا {مُسلمين} مقرين بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن

54

{أُولَئِكَ} أهل هَذِه الصّفة {يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ} يُعْطون ثوابهم ضعفين {بِمَا صَبَرُواْ} على أَذَى الْكفَّار وطعنهم مَتى بينوا صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته فِي كِتَابهمْ ودخلوا فِي دين مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام {ويدرؤون بِالْحَسَنَة السَّيئَة} يدْفَعُونَ بالْكلَام الْحسن بِلَا إِلَه إِلَّا الله الْكَلَام الْقَبِيح الشّرك من غَيرهم {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} أعطيناهم من الْأَمْوَال {يُنفِقُونَ} يتصدقون

55

{وَإِذَا سَمِعُواْ اللَّغْو} الْبَاطِل يَعْنِي طعنة الْكفَّار عَلَيْهِم {أَعْرَضُواْ عَنْهُ} كراماً {وَقَالُواْ} مَعْرُوفا {لَنَآ أَعْمَالُنَا} عبَادَة الله وَدين الْإِسْلَام {وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ} عَلَيْكُم أَعمالكُم عبَادَة الْأَوْثَان وَدين الشَّيْطَان الشّرك بِاللَّه {سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ} هدَاكُمْ الله {لاَ نَبْتَغِي الْجَاهِلين} لَا نطلب دين الْمُشْركين بِاللَّه

56

{إِنَّكَ} يَا مُحَمَّد {لاَ تَهْدِي} لَا تعرف {مَنْ أَحْبَبْتَ} إيمَانه يَعْنِي أَبَا طَالب {وَلَكِن الله يَهْدِي} يوفق ويرشد وَيعرف {مَن يَشَآءُ} لدينِهِ أَبَا بكر وَعمر وأصحابهما {وَهُوَ أَعْلَمُ بالمهتدين} لدينِهِ

57

{وَقَالُوا} حَارِث بن عَمْرو النوفلى وَأَصْحَابه {إِن نَّتَّبِعِ الْهدى} التَّوْحِيد {مَعَكَ} يَا مُحَمَّد {نتخطف} نطرد {من أَرْضنَا} مَكَّة {أَو لم نُمَكِّن لَّهُمْ} ننزلهم ونجعل لَهُم {حَرَماً آمِناً} من أَن يهاج فِيهِ {يجبى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كل شَيْء} يحمل إِلَيْهِ ألون كل شىء مِمَّن الثمرات {رِّزْقاً مِّن لَّدُنَّا} طَعَاما لَهُم من عندنَا فَكيف أسلط عَلَيْهِم الْكفَّار إِن آمنُوا {وَلَكِن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} ذَلِك وَلَا يصدقون

58

{وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ} من أهل قَرْيَة

{بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا} كفرت بمعيشتها {فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ} مَنَازِلهمْ {لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ} من بعد هلاكهم {إِلاَّ قَلِيلاً} مِنْهَا يسكنهَا المسافرون وسائرها خراب {وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثين} المالكين على مَا ملكوا وَتركُوا بعد هلاكهم

59

{وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقرى} أهل الْقرى {حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا} فِي أعظمها مَكَّة وَيُقَال إِلَى عظمائها وكبرائها {رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا} بِالْأَمر وَالنَّهْي {وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقرى} أهل الْقرى {إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} مشركون

60

{وَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ} مَا أعطيتم من المَال والخدم يَا معشر قُرَيْش {فَمَتَاعُ الْحَيَاة الدُّنْيَا} كمتاع الْحَيَاة الدُّنْيَا الخزف والزجاج {وَزِينَتُهَا} زهرتها لَا تبقى هَذِه الزهرة {وَمَا عِندَ الله} لمُحَمد وَأَصْحَابه فِي الْجنَّة {خَيْرٌ} أفضل {وَأبقى} أدوم لكم فِي الدُّنْيَا {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} أفليس لكم ذهن الإنسانية إِن الدُّنْيَا فانية وَالْآخِرَة بَاقِيَة

61

{أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً} يَعْنِي الْجنَّة وَهُوَ مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأَصْحَابه وَيُقَال هُوَ عُثْمَان بن عَفَّان {فَهُوَ لاَقِيهِ} معاينه فِي الْآخِرَة {كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاة الدُّنْيَا} أعطيناه المَال والخدم فِي الدُّنْيَا يَعْنِي أَبَا جهل بن هِشَام {ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَة مِنَ المحضرين} من الْمُعَذَّبين فِي النَّار

62

{وَيَوْمَ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {يُنَادِيهِمْ} الله يَعْنِي أَبَا جهل وَأَصْحَابه {فَيَقُول} الله عز وَجل {أَيْنَ شُرَكَآئِيَ الَّذين كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} تَعْبدُونَ وتقولون إِنَّهُم شركائى

63

{قَالَ الَّذين حَقَّ عَلَيْهِمُ} وَجب عَلَيْهِم {القَوْل} بالسخط وَالْعَذَاب وهم الرؤساء {رَبَّنَا} يَا رَبنَا {هَؤُلَاءِ} السفلة {الَّذين أَغْوَيْنَآ} أضللنا {أَغْوَيْنَاهُمْ} أضللناهم عَن الْحق وَالْهدى {كَمَا غَوَيْنَا} ضللنا عَن الْحق وَالْهدى {تَبَرَّأْنَآ إِلَيْكَ} مِنْهُم {مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ} بأمرنا

64

{وَقِيلَ ادعوا شُرَكَآءَكُمْ} آلِهَتكُم حَتَّى يمنعوكم من عَذَاب الله {فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ} فَلم يجيبوهم بِرَفْع عَذَاب الله عَنْهُم {وَرَأَوُاْ الْعَذَاب} القادة والسفلة {لَوْ أَنَّهُمْ كَانُواْ يَهْتَدُونَ} تمنوا لَو أَنهم كَانُوا فِي الدُّنْيَا على الْحق وَالْهدى

65

{وَيَوْمَ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {يُنَادِيهِمْ} الْكفَّار {فَيَقُولُ} الله لَهُم {مَاذَآ أَجَبْتُمُ الْمُرْسلين} بِمَا دعوكم

66

{فَعَمِيَتْ} فالتبست {عَلَيْهِمُ الأنبآء} الْأَخْبَار والإجابة {يَوْمَئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {فَهُمْ لاَ يَتَسَآءَلُونَ} لَا يجيبون

67

{فَأَمَّا مَن تَابَ} من الْكفْر {وَآمَنَ} بِاللَّه {وَعمل صَالحا} خَالِصا فِيمَا بَينه وَبَين ربه {فَعَسَى} وَعَسَى من الله وَاجِب {أَن يَكُونَ مِنَ المفلحين} من الناجين من السخط وَالْعَذَاب

68

{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ} كَمَا يَشَاء {وَيَخْتَارُ} من خلقه بِالنُّبُوَّةِ من يَشَاء يَعْنِي مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {مَا كَانَ لَهُمُ} لأهل مَكَّة {الْخيرَة} الِاخْتِيَار {سُبْحَانَ الله} نزه نَفسه {وَتَعَالَى} تَبرأ {عَمَّا يُشْرِكُونَ} بِهِ من الْأَوْثَان

69

{وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ} مَا تضمر قُلُوبهم من البغض والعداوة {وَمَا يُعْلِنُونَ} مَا يظهرون من الْمعاصِي

70

{وَهُوَ الله لَا إِلَه إِلاَّ هُوَ} لَا ولد لَهُ وَلَا شريك لَهُ

{لَهُ الْحَمد} لَهُ الشُّكْر {فِي الأولى وَالْآخِرَة} على أهل الأَرْض وَالسَّمَاء وَيُقَال لَهُ الْحَمد والْمنَّة وَالْفضل وَالْإِحْسَان فِي الأولى وَالْآخِرَة على أهل الدُّنْيَا وَالْآخِرَة {وَلَهُ الحكم} الْقَضَاء بَينهم {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} بعد الْمَوْت

71

{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {أَرَأَيْتُمْ} مَا تَقولُونَ يَا معشر الْكفَّار {إِن جَعَلَ الله عَلَيْكُمُ اللَّيْل} إِن ترك الله عَلَيْكُم اللَّيْل مظلماً {سَرْمَداً} دَائِما {إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة} لَا نَهَار فِيهِ {مَنْ إِلَه غَيْرُ الله} سوى الله {يَأْتِيكُمْ بِضِيَآءٍ} بنهار {أَفَلاَ تَسْمَعُونَ} أَفلا تطيعون من جعل لكم اللَّيْل وَالنَّهَار

72

{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد أَيْضا {أَرَأَيْتُمْ} مَا تَقولُونَ {إِن جَعَلَ الله عَلَيْكُمُ} إِن ترك الله عَلَيْكُم {النَّهَار سَرْمَداً} دَائِما {إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة} لَا ليل فِيهِ {مَنْ إِلَه غَيْرُ الله} سوى الله {يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ} تستقرون فِيهِ {أَفلاَ تُبْصِرُونَ} أَفلا تصدقُونَ من جعل لكم خلق اللَّيْل وَالنَّهَار

73

{وَمِن رَّحْمَتِهِ} نعْمَته {جَعَلَ لَكُمُ} خلق لكم {اللَّيْل وَالنَّهَار لِتَسْكُنُواْ فِيهِ} لتستقروا فِي اللَّيْل {وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ} لكَي تَطْلُبُوا بِالنَّهَارِ فَضله بِالْعلمِ وَالْعِبَادَة {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} لكَي تشكروا نعْمَته عَلَيْكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار

74

{وَيَوْمَ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ الَّذين كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} تَقولُونَ إِنَّهُم شركائي

75

{وَنَزَعْنَا} أخرجنَا {مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً} نَبيا يشْهد عَلَيْهِم بالبلاغ وَهُوَ نَبِيّهم الَّذِي كَانَ فيهم فِي الدُّنْيَا {فَقُلْنَا هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ} حجتكم لماذا رددتم على الرُّسُل {فَعَلمُوا} علم كل أمة {أَنَّ الْحق لِلَّهِ} أَن عبَادَة الله وَدين الله الْحق وَأَن الْقَضَاء فيهم لله {وَضَلَّ عَنْهُمْ} اشْتغل عَنْهُم بِأَنْفسِهِم {مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} يعْبدُونَ بِالْكَذِبِ

76

{إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى} ابْن عَم مُوسَى {فبغى عَلَيْهِمْ} فتطاول على مُوسَى وَهَارُون وقومهما فَقَالَ لمُوسَى الرسَالَة ولهارون الحبورة وَلست فِي شَيْء لَا أرْضى بِهَذَا ورد على مُوسَى نبوته {وَآتَيْنَاهُ} أعطيناه {مِنَ الْكُنُوز} يَعْنِي الْأَمْوَال {مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ} مَفَاتِيح خزائنه {لَتَنُوءُ بالعصبة} لتثقل بِالْجَمَاعَة {أُوْلِي الْقُوَّة} ذَوي الْقُوَّة وهم أَرْبَعُونَ رجلا يحملون مَفَاتِيح خزانته {إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ} قوم مُوسَى {لاَ تَفْرَحْ} لَا تبطر بِالْمَالِ وتشرك {إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الفرحين} البطرين فِي المَال

77

{وابتغ} اطلب {فِيمَآ آتَاكَ الله} بِمَا أَعْطَاك الله بِالْمَالِ {الدَّار الْآخِرَة} يَعْنِي الْجنَّة {وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} لَا تتْرك نصيبك من الْآخِرَة بنصيبك من الدُّنْيَا وَيُقَال لَا تنقص نصيبك من الدُّنْيَا بِمَا أنفقت وَأعْطيت للآخرة {وَأَحْسِن} إِلَى الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين {كَمَآ أَحْسَنَ الله إِلَيْكَ} بِالْمَالِ {وَلاَ تَبْغِ الْفساد فِي الأَرْض} لَا تعْمل بِالْمَعَاصِي وَخلاف أَمر الرَّسُول مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام {إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ المفسدين} بِالْمَعَاصِي

78

{قَالَ} قَارون {إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ} أَعْطَيْت هَذَا المَال الذى أَعْطَيْت {على علم عِنْدِي} على مَا علم الله أَنِّي أهل لذَلِك وَيُقَال يصنع الذَّهَب بالكيمياء {أَو لم يَعْلَمْ} قَارون {أَنَّ الله قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُون} الْمَاضِيَة {مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً} بِالْبدنِ {وَأَكْثَرُ جَمْعاً} مَالا ورجالاً {وَلَا يسْأَل عَن ذُنُوبِهِمُ المجرمون} الْمُشْركُونَ يَوْم الْقِيَامَة كل يعرف بسيماه

79

{فَخَرَجَ} قَارون {على قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ}

الَّتِي كَانَت لَهُ من الْخَيل وَالْبِغَال والغلمان والجواري وحلي الذَّهَب وَالْفِضَّة وألوان السِّلَاح وَالثيَاب {قَالَ الَّذين يُرِيدُونَ الْحَيَاة الدُّنْيَا} وهم الراغبون {يَا لَيْت لَنَا مِثْلَ مَآ أُوتِيَ} أعطي {قَارُونُ} من المَال {إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} نصيب كثير

80

{وَقَالَ الَّذين أُوتُواْ الْعلم} أعْطوا علم الزّهْد والتوكل وهم الزاهدون قَالُوا للراغبين {وَيْلَكُمْ} ضيق الله عَلَيْكُم الدُّنْيَا {ثَوَابُ الله خَيْرٌ} فِي الْجنَّة أفضل {لِّمَنْ آمَنَ} بِاللَّه وبموسى {وَعَمِلَ صَالِحاً} خَالِصا فِيمَا بَينه وَبَين ربه {وَلاَ يُلَقَّاهَآ} لَا يعْطى الْجنَّة {إِلاَّ الصَّابِرُونَ} على أَمر الله والمرازي وَيُقَال لَا يوفق للكلمة الطّيبَة الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر إِلاَّ الصَّابِرُونَ على أَمر الله والمرازي

81

{فَخَسَفْنَا بِهِ} بقارون {وَبِدَارِهِ} بمنزله {الأَرْض} غارت بِهِ الأَرْض {فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ} من جمَاعَة وجند {يَنصُرُونَهُ} يمنعونه {مِن دُونِ الله} من عَذَاب الله حِين نزل بِهِ {وَمَا كَانَ مِنَ المنتصرين} الممتنعين بِنَفسِهِ من عَذَاب الله

82

{وَأَصْبَحَ} صَار {الَّذين تَمَنَّوْاْ مَكَانَهُ} قدره ومنزلته وَمَاله {بالْأَمْس يَقُولُونَ} بَعضهم لبَعض {وَيْكَأَنَّ الله} لَيْسَ كَمَا قَالَ قَارون إِن هَذَا المَال بصنعي وَلَكِن الله {يَبْسُطُ} يُوسع {الرزق} المَال {لمن يشآء} على من يَشَاء {من عباده} وَهُوَ مكر مِنْهُ كَمَا كَانَ لقارون {وَيَقْدِرُ} يقتر على من يَشَاء وَهُوَ نظر مِنْهُ {لَوْلَا أَن مَّنَّ الله عَلَيْنَا} فَمنع عَنَّا مَا أعطَاهُ {لَخَسَفَ بِنَا} غارت بِنَا الأَرْض كَمَا خسف بقارون {وَيْكَأَنَّهُ} وَأَنه وَالْيَاء وَالْكَاف صلَة فِي الْكَلَام {لاَ يُفْلِحُ} لَا ينجو وَلَا يَأْمَن {الْكَافِرُونَ} من عَذَاب الله

83

{تِلْكَ الدَّار الْآخِرَة} الْجنَّة {نَجْعَلُهَا} نعطيها {لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً} عتواً وتكبراً {فِي الأَرْض} بِالْمَالِ {وَلاَ فَسَاداً} بالنقش والتصاوير والمعاصي {وَالْعَاقبَة} الْجنَّة {لِلْمُتَّقِينَ} الْكفْر والشرك والعلو وَالْفساد فِي الأَرْض

84

{مَن جَآءَ بِالْحَسَنَة} بِلَا إِلَه إِلَّا الله مخلصاً بهَا {فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا} فَلهُ مِنْهَا خير {وَمَن جَآءَ بِالسَّيِّئَةِ} بالشرك بِاللَّه {فَلاَ يُجْزَى الَّذين عَمِلُواْ السَّيِّئَات} فِي الشّرك بِاللَّه {إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} النَّار

85

{إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآن} نزل عَلَيْك جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ {لَرَآدُّكَ إِلَى مَعَادٍ} إِلَى مَكَّة وَيُقَال الْجنَّة {قُل} يَا مُحَمَّد {رَبِّي أَعْلَمُ مَن جَآءَ بِالْهدى} بِالتَّوْحِيدِ وَالْقُرْآن {وَمَنْ هُوَ فِي ضلال مُبين} فِي كفر بَين وَخطأ بَين

86

{وَمَا كنت} يَا مُحَمَّد {ترجو أَن يلقى إِلَيْكَ الْكتاب} أَن ينزل عَلَيْك جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ وَتَكون نَبيا {إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ} وَلَكِن منَّة وكرامة من رَبك إِذْ أرسل عَلَيْك جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ وجعلك نَبيا {فَلاَ تَكُونَنَّ ظَهيراً} عوناً {لِّلْكَافِرِينَ} بالْكفْر

87

{وَلاَ يَصُدُّنَّكَ} لَا يصرفنك {عَنْ آيَاتِ الله} الْقُرْآن {بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ} جِبْرِيل بهَا {وادع إِلَى رَبِّكَ} إِلَى تَوْحِيد رَبك وَكتاب رَبك {وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْركين} مَعَ الْمُشْركين على دينهم مِنْهُم

88

{وَلاَ تَدْعُ مَعَ الله إِلَهًا آخَرَ} لَا تعبد من دون الله أحدا وَلَا تدع الْخلق إِلَى أحد دون الله {لاَ إِلَه إِلاَّ هُوَ} وَحده لَا شريك لَهُ {كُلُّ شَيْءٍ} كل عمل لغير وَجه الله {هَالِكٌ} مَرْدُود {إِلاَّ وَجْهَهُ} إِلَّا مَا ابْتغى بِهِ وَجهه وَيُقَال كل وَجه متغير إِلَّا وَجهه وكل ملك زائل إِلَّا ملكه {لَهُ الحكم} الْقَضَاء بَين خلقه {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} بعد الْمَوْت فيجازيكم بأعمالكم

وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا العنكبوت وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها سبع وَسَبْعُونَ آيَة وكلماتها سَبْعمِائة وَثَمَانُونَ كلمة وحروفها أَرْبَعَة آلَاف وَمِائَة وَخَمْسَة وَأَرْبَعُونَ {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

العنكبوت

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {الم} يَقُول أَنا الله أعلم وَيُقَال قسم أقسم بِهِ بقوله وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذين مِن قبلهم

2

{أَحسب النَّاس} أيظن أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {أَن يتْركُوا} يمهلوا بعد مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {أَن يَقُولُوا} بِأَن يَقُولُوا آمنا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ} لَا يبتلون بالهوى والبدعة وانتهاك الْمَحَارِم

3

{وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذين مِن قَبْلِهِمْ} ابتلينا الَّذين من قبل أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد النَّبِيين بالهوى والبدعة وانتهاك الْمَحَارِم {فَلَيَعْلَمَنَّ الله} لكَي يرى الله ويميز {الَّذين صَدَقُواْ} فِي إِيمَانهم باجتناب الْهوى والبدعة وَترك الْمَحَارِم {وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبين} يَعْنِي المكذبين فِي إِيمَانهم بالهوى والبدعة وانتهاك الْمَحَارِم

4

ثمَّ نزل فِي أبي جهل بن هِشَام والوليد بن الْمُغيرَة وَعتبَة وَشَيْبَة ابْني ربيعَة الَّذين بارزوا على بن أَبى طَالب رضى الله عَنهُ وَحَمْزَة بن عبد الْمطلب عَم النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعبيدَة بن عبد الْمطلب يَوْم بدر وتفاخر بَعضهم على بعض فَقَالَ {أَمْ حَسِبَ} أيظن {الَّذين يَعْمَلُونَ السَّيِّئَات} فِي الشّرك بِاللَّه {أَن يَسْبِقُونَا} أَن يفوتوا من عذابنا {سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ} بئس مَا يقضون ويظنون لأَنْفُسِهِمْ ذَلِك

5

{مَن كَانَ يَرْجُو} يخَاف {لِقَآءَ الله} الْبَعْث بعد الْمَوْت {فَإِنَّ أَجَلَ الله} الْبَعْث بعد الْمَوْت {لآتٍ} لكائن {وَهُوَ السَّمِيع} لمقالة كلا الْفَرِيقَيْنِ يَوْم بدر {الْعَلِيم} بِمَا يصيبهم

6

ثمَّ نزل فِي عَليّ وصاحبيه بِمَا افْتَخرُوا فَقَالَ {وَمَن جَاهَدَ} فِي سَبِيل الله يَوْم بدر {فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ} فَلهُ بذلك الثَّوَاب {إِنَّ الله لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالمين} عَن جِهَاد الْعَالمين

7

{وَالَّذين آمَنُواْ} عَليّ وصاحباه {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} لنمحصن عَنْهُم ذنوبهم دون الْكَبَائِر {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ} فِي جهادهم

8

{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَان} أمرنَا الْإِنْسَان سعد بن أبي وَقاص {بِوَالِدَيْهِ} بِمَالك وَحمْنَة بنت أبي سُفْيَان {حُسْناً} برا بهما {وَإِن جَاهَدَاكَ} أمراك وأراداك {لِتُشْرِكَ} لتعدل {بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} أَنه شَرِيكي وَلَك علم أَنه لَيْسَ لي شريك {فَلاَ تُطِعْهُمَآ} فِي الشّرك وَكَانَ أَبَوَاهُ مُشْرِكين {إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ} مرجعك ومرجع أَبَوَيْك {فَأُنَبِّئُكُم} فأخبركم {بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر فِي الْكفْر وَالْإِيمَان

9

{وَالَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم فِي كل زمَان {لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحين} مَعَ الصَّالِحين وَفِي الْجنَّة أبي بكر الصّديق وَعمر الْفَارُوق وَعُثْمَان ذِي النورين وَعلي الْأمين رضى الله عَنْهُم

10

{وَمِنَ النَّاس} وَهُوَ عَيَّاش بن أبي ربيعَة المَخْزُومِي {مَن يِقُولُ آمَنَّا بِاللَّه} صدقنا بتوحيد الله {فَإِذَآ أُوذِيَ فِي الله} عذب فِي دين الله {جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاس} عَذَاب النَّاس بالسياط {كَعَذَابِ الله} فِي النَّار دَائِما حَتَّى كفر وَرجع عَن دينه {وَلَئِنْ جَآءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ} فتح مَكَّة {لَيَقُولُنَّ} عَيَّاش وَأَصْحَابه {إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ} على دينكُمْ {أَوَ لَيْسَ الله بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالمين} قُلُوب الْعَالمين من الْخَيْر وَالشَّر ثمَّ أسلم عَيَّاش وَأَصْحَابه بعد ذَلِك وَحسن إسْلَامهمْ

11

{وَلَيَعْلَمَنَّ} يرى ويميز {الله الَّذين آمَنُواْ} فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة {وَلَيَعْلَمَنَّ} يرى ويميز {الْمُنَافِقين} يَوْم بدر

12

{وَقَالَ الَّذين كَفَرُواْ} كفار مَكَّة أَبُو جهل وَأَصْحَابه {لِلَّذِينَ آمَنُواْ} عَليّ وسلمان وأصحابهما {اتبعُوا سَبِيلَنَا} ديننَا فِي عبَادَة الْأَوْثَان {وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} ذنوبكم عَنْكُم يَوْم الْقِيَامَة {وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ} ذنوبهم {مِّن شَيْءٍ} يَوْم الْقِيَامَة {إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} فِي مقالتهم

13

{وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ} أوزارهم يَوْم الْقِيَامَة {وَأَثْقَالاً} مثل أوزار الَّذين يضلونهم {مَّعَ أَثْقَالِهِمْ} مَعَ أوزارهم {وليسألن يَوْمَ الْقِيَامَة عَمَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} يكذبُون على الله

14

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ} فَمَكثَ فيهم {أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً} يَدعُوهُم إِلَى التَّوْحِيد فَلم يُجِيبُوهُ {فَأَخَذَهُمُ الطوفان} فأهلكهم الله بالطوفان {وَهُمْ ظَالِمُونَ} كافرون

15

{فأَنْجَيْناهُ} نوحًا {وأَصْحَابَ السَّفِينَة} وَمن آمن مَعَه فِي السَّفِينَة {وَجَعَلْنَاهَآ} سفينة نوح {آيَةً} عِبْرَة {للْعَالمين} بعدهمْ

16

{وَإِبْرَاهِيمَ} وَأَرْسَلْنَا إِبْرَاهِيم إِلَى قومه {إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعبدوا الله} وحدوا الله {واتقوه} اخشوه وأطيعوه بِالتَّوْبَةِ من الْكفْر والشرك وَعبادَة الْأَوْثَان {ذَلِكُم} التَّوْبَة والتوحيد {خَيْرٌ لَّكُمْ} مِمَّا أَنْتُم عَلَيْهِ {إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} ذَلِك وتصدقون وَلَكِن لَا تعلمُونَ وَلَا تصدقُونَ

17

{إِنَّمَا تَعْبدُونَ من دون الله أوثانا} أَحْجَار {وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً} وتقولون كذبا وتنحتون بِأَيْدِيكُمْ مَا تَعْبدُونَ من دون الله {إِنَّ الَّذين تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} من الْأَوْثَان {لاَ يَمْلِكُونَ لكم رزقا} لَا يقدرُونَ أَن يرزقوكم {فابتغوا عِندَ الله الرزق} فَاطْلُبُوا من الله الرزق {واعبدوه} ووحدوه {واشكروا لَهُ} بِالتَّوْحِيدِ {إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} بعد الْمَوْت فيجزيكم بأعمالكم

18

{وَإِن تكذبوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالرسالة با معشر قُرَيْش {فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ} رسلهم بالرسالة فأهلكناهم {وَمَا عَلَى الرَّسُول إِلاَّ الْبَلَاغ} تَبْلِيغ الرسَالَة عَن الله {الْمُبين} يبين لَهُم بلغَة يعلمونها

19

{أَوَلَمْ يَرَوْاْ} يخبروا كفار مَكَّة فِي الْكتاب {كَيفَ يبدئ الله الْخلق} من النُّطْفَة {ثُمَّ يُعِيدُهُ} يَوْم الْقِيَامَة {إِنَّ ذَلِك} إبداءه وإعادته {عَلَى الله يسير} هَين

20

{قُلْ} يَا مُحَمَّد {سِيرُواْ} سافروا {فِي الأَرْض فانظروا كَيْفَ بَدَأَ} الله {الْخلق} من النُّطْفَة وأهلكهم بعد ذَلِك {ثمَّ الله ينشئ النشأة الْآخِرَة} يخلق الله الْخلق يَوْم الْقِيَامَة {إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ} من الْخلق والبعث وَالْمَوْت والحياة {قَدِيرٌ}

21

{يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ} يُمِيت من يَشَاء على الْكفْر فيعذبه {وَيَرْحَمُ مَن يَشَآءُ} يُمِيت من يَشَاء على الْإِيمَان فيرحمه {وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ} ترجعون بعد الْمَوْت فيجزيكم بأعمالكم

22

{وَمَآ أَنتُمْ} يَا أهل مَكَّة {بِمُعْجِزِينَ} بفائتين من عَذَاب الله {فِي الأَرْض} من أهل الأَرْض {وَلاَ فِي السمآء} وَلَا من أهل السَّمَاء

334 - {وَمَا لكم من دون الله} من عَذَاب الله {مِن وَلِيٍّ} قريب ينفعكم {وَلاَ نَصِيرٍ} مَانع يمنعكم من عَذَاب الله

23

{وَالَّذين كفرُوا بآيَات الله} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَسَائِر الْكفَّار {وَلِقَآئِهِ} وَكَفرُوا بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت {أُولَئِكَ} أهل هَذِه الصّفة {يَئِسُواْ مِن رَّحْمَتِي} من جنتي وهم الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَن يكون فِي الْجنَّة الْأكل وَالشرب وَالْجِمَاع من جنته {وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم} وجيع

24

{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ} لم يكن جَوَاب قوم إِبْرَاهِيم حَيْثُ دعاهم إِلَى الله تَعَالَى {إِلاَّ أَن قَالُواْ اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ} بالنَّار {فَأَنْجَاهُ الله مِنَ النَّار} سالما {إِنَّ فِي ذَلِك} فِيمَا فعلنَا بِقوم إِبْرَاهِيم {لآيَاتٍ} لعبرات {لقوم يُؤمنُونَ} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن

25

{وَقَالَ} إِبْرَاهِيم لِقَوْمِهِ {إِنَّمَا اتخذتم} عَبدْتُمْ {مِّن دُونِ الله أَوْثَاناً} أحجاراً {مَّوَدَّةَ} صلَة {بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} لَا تبقى {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَة يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ} يتبرأ بَعْضكُم من بعض {وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ} مصيركم {النَّار} يَعْنِي العابد والمعبود {وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ} من مانعين من عَذَاب الله

26

{فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ} فَقَالَ لَهُ لوط صدقت يَا إِبْرَاهِيم {وَقَالَ} إِبْرَاهِيم {إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي} رَاجع إِلَى طَاعَة رَبِّي وَخرج من حران إِلَى فلسطين {إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيز} بالنقمة مِنْهُم {الْحَكِيم} حكم التَّحْوِيل من بلد إِلَى بلد لقبل سَلامَة أَمر الدّين وَالزِّيَادَة

27

{وَوَهَبْنَا لَهُ} لإِبْرَاهِيم {إِسْحَاق} ولدا {وَيَعْقُوب} ولد الْوَلَد {وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ} نَسْله {النُّبُوَّة وَالْكتاب} يَقُول أكرمنا ذُريَّته بِالنُّبُوَّةِ وَالْكتاب وَالْولد الطّيب وَكَانَ فيهم الْأَنْبِيَاء والكتب {وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا} أكرمناه بِالنُّبُوَّةِ وَالثنَاء الْحسن وَالْولد الطّيب فِي الدُّنْيَا {وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَة لَمِنَ الصَّالِحين} مَعَ آبَائِهِ الْمُرْسلين فِي الْجنَّة

28

{وَلُوطاً} أرسلنَا لوطاً إِلَى قومه {إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُم لتأتون الْفَاحِشَة} للواطة {مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالمين} يَقُول لم يعْمل قبلكُمْ أحد من الْعَالمين عَمَلكُمْ الْخَبيث

29

{أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَال} أدبار الرِّجَال {وَتَقْطَعُونَ السَّبِيل} نسل الْوَلَد وَيُقَال تقطعون السَّبِيل على من مر بكم من الغرباء {وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكر} تَعْمَلُونَ فِي مجالسكم الْمُنكر نَحْو عشر خِصَال كَانُوا يعملونها فى مجَالِسهمْ مثل الْحَذف بالبندق وَالْفُحْش وَغير ذَلِك {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ} فَلم يكن جَوَاب قوم لوط {إِلاَّ أَن قَالُواْ ائتنا بِعَذَابِ الله إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقين} بمجيء عَذَاب الله علينا إِن لم نؤمن

30

{قَالَ} لوط {رَبِّ انصرني} أَعنِي بِالْعَذَابِ {عَلَى الْقَوْم المفسدين} الْمُشْركين

31

{وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ} جِبْرِيل وَمن مَعَه من الْمَلَائِكَة إِلَى إِبْرَاهِيم {بالبشرى} فبشروه بِالْوَلَدِ {قَالُوا} لإِبْرَاهِيم {إِنَّا مهلكو أَهْلِ هَذِه الْقرْيَة} قريات لوط {إِنَّ أَهْلَهَا كَانُواْ ظَالِمِينَ} مُشْرِكين اجترحوا الْهَلَاك على أنفسهم بعملهم الْخَبيث

32

{قَالَ} إِبْرَاهِيم {إِنَّ فِيهَا لُوطاً} كَيفَ تهلكهم يَا جِبْرِيل {قَالُواْ} يَعْنِي جِبْرِيل وَمن مَعَه من الْمَلَائِكَة {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ}) ابْنَتَيْهِ زاعورا وريثا {إِلاَّ امْرَأَته}

واعلة المنافقة {كَانَتْ مِنَ الغابرين} تتخلف مَعَ المتخلفين بِالْهَلَاكِ

33

{وَلَمَّآ أَن جَآءَتْ رُسُلُنَا} جِبْرِيل وَمن مَعَه من الْمَلَائِكَة {لُوطاً} إِلَى لوط {سِيءَ بِهِمْ} سَاءَهُ مجيئهم {وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً} اغتم بمجيئهم اغتماماً شَدِيدا لما خَافَ عَلَيْهِم من عمل قومه الْخَبيث {وَقَالُواْ} يَعْنِي جِبْرِيل وَمن مَعَه للوط {لاَ تَخَفْ} علينا {وَلاَ تَحْزَنْ} لأمرنا من الْهَلَاك {إِنَّا مُنَجُّوكَ} من قَوْمك {وَأَهْلَكَ} ابنتيك {إِلاَّ امْرَأَتك} المنافقة {كَانَتْ مِنَ الغابرين} تتخلف مَعَ المتخلفين بِالْهَلَاكِ

34

{إِنَّا مُنزِلُونَ على أَهْلِ هَذِه الْقرْيَة} يَعْنِي قريات لوط {رِجْزاً} عذَابا {مِّنَ السمآء} بِالْحِجَارَةِ {بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} يكفرون ويعصون

35

{وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَآ} تركناها يَعْنِي قريات لوط {آيَةً} عَلامَة {بَيِّنَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} يصدقون ويعلمون مَا فعل بهم فَلَا يقتدون بهم

36

{وَإِلَى مَدْيَنَ} وَأَرْسَلْنَا إِلَى مَدين {أَخَاهُمْ} نَبِيّهم {شعيبا فَقَالَ يَا قوم اعبدوا الله} وحدوا الله {وارجوا الْيَوْم الآخر} خَافُوا يَوْم الْقِيَامَة {وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْض مُفْسِدِينَ} لَا تعملوا فِي الأَرْض بِالْفَسَادِ والمعاصي

37

{فَكَذَّبُوهُ} بالرسالة {فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة} الزلزلة بِالْعَذَابِ {فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ} فصاروا فِي مجمعهم {جَاثِمِينَ} ميتين لَا يتحركون

38

{وعادا} أهلكنا قوم هود {وَثَمُود} أهلكنا قوم صَالح {وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم} يَا أهل مَكَّة {مِّن مَّسَاكِنِهِمْ} من خراب مَنَازِلهمْ مَا فعل بهم {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَان أَعْمَالَهُمْ} فِي الشّرك وحالهم فِي الشدَّة والرخاء {فَصَدَّهُمْ} فصرفهم بذلك {عَنِ السَّبِيل} عَن الْحق وَالْهدى {وَكَانُواْ مُسْتَبْصِرِينَ} كَانُوا يرَوْنَ أَنهم على الْحق وَلم يَكُونُوا على الْحق

39

{وَقَارُونَ} أهلكنا قَارون {وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ} وَزِير فِرْعَوْن {وَلَقَدْ جَآءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ} بِالْأَمر وَالنَّهْي والعلامات {فاستكبروا فِي الأَرْض} عَن الْإِيمَان وَلم يُؤمنُوا بِالْآيَاتِ {وَمَا كَانُواْ سَابِقِينَ} فائتين من عَذَاب الله

40

{فَكُلاًّ} فَكل قوم {أَخَذْنَا بِذَنبِهِ} فِي الشّرك {فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً} حِجَارَة وهم قوم لوط {وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَة} بِالْعَذَابِ وهم قوم شُعَيْب وَصَالح {وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْض} غارت بِهِ الأَرْض وَهُوَ قَارون وَمن مَعَه {وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا} فِي الْبَحْر وَهُوَ فِرْعَوْن وَقَومه {وَمَا كَانَ الله لِيَظْلِمَهُمْ} بإهلاكهم {وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} بالْكفْر والشرك وَتَكْذيب الرُّسُل

41

{مَثَلُ الَّذين اتَّخذُوا} عبدُوا {مِن دُونِ الله أَوْلِيَآءَ} أَرْبَابًا من الْأَوْثَان {كَمَثَلِ العنكبوت اتَّخذت بَيْتاً} مسكنا {وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبيُوت} أَضْعَف الْبيُوت {لَبَيْتُ العنكبوت} يَقُول إِن بَيت العنكبوت لَا يَقِيهَا من حر وَلَا برد كَذَلِك الْآلهَة لَا تَنْفَع من عَبدهَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة {لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} هَذَا الْمثل وَلَكِن لَا يعلمُونَ وَلَا يصدقون بذلك

42

{إِنَّ الله يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ} مَا يعْبدُونَ {مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ} من الْأَوْثَان أَنَّهَا لَا تنفعهم فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة {وَهُوَ الْعَزِيز} بالنقمة لمن يَعْبُدهَا {الْحَكِيم} حكم أَن لَا يعبد غَيره

43

{وَتِلْكَ الْأَمْثَال} هَذِه الْأَمْثَال {نَضْرِبُهَا} نبينها {لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَآ} يَعْنِي أَمْثَال الْقُرْآن {إِلاَّ الْعَالمُونَ} بِاللَّه الموحدون

44

{خَلَقَ الله السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِالْحَقِّ} للحق لَا للباطل {إِنَّ فِي ذَلِك} فِيمَا ذكرته من الْأَمْثَال {لآيَة} لعبرة {للْمُؤْمِنين} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن

45

{اتل مَا أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكتاب} يَقُول اقْرَأ عَلَيْهِم يَا مُحَمَّد مَا أنزل إِلَيْك جِبْرِيل بِهِ يعْنى بِالْقُرْآنِ {وَأَقِمِ الصَّلَاة} أتم الصَّلَوَات الْخمس {إِنَّ الصَّلَاة تنْهى عَن الْفَحْشَاء} المعاصى {وَالْمُنكر} مَالا يعرف فِي شَرِيعَة وَلَا سنة مَا دَامَ الرجل فِيهَا فَهِيَ تَمنعهُ عَن ذَلِك {وَلَذِكْرُ الله أَكْبَرُ} يَقُول ذكر الله إيَّاكُمْ بالمغفرة وَالثَّوَاب أكبر من ذكركُمْ إِيَّاه بِالصَّلَاةِ {وَالله يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر

46

{وَلاَ تجادلوا أَهْلَ الْكتاب} لَا تخاصموا الْيَهُود وَالنَّصَارَى {إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أحسن} يعْنى الْقُرْآن {إِلاَّ الَّذين ظَلَمُواْ مِنْهُمْ} من وَفد بني نَجْرَان بالملاعنة {وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا} يعْنى الْقُرْآن {وَأنزل إِلَيْكُم} يعْنى التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل {وإلهنا وإلهكم وَاحِدٌ} بِلَا ولد وَلَا شريك {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} مخلصون لَهُ بِالْعبَادَة والتوحيد مقرون بِهِ

47

{وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الْكتاب} يَقُول هَكَذَا أنزلنَا إِلَيْك جِبْرِيل بِالْكتاب لتقرأ عَلَيْهِم مَا فِيهِ من الْأَمر وَالنَّهْي والأمثال {فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكتاب} أعطيناهم علم التَّوْرَاة عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه {يُؤمنُونَ بِهِ} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَمِنْ هَؤُلَاءِ} من أهل مَكَّة {مَن يُؤمن بِهِ} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَمَا يجْحَد بِآيَاتِنَا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {إِلاَّ الْكَافِرُونَ} كَعْب وَأَصْحَابه وَأَبُو جهل واصحابه

48

{وَمَا كُنتَ تَتْلُواْ} تقْرَأ {مِن قَبْلِهِ} من قبل الْقُرْآن {مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ} لَا تكتبه {بِيَمِينِكَ إِذاً} لَو كنت قَارِئًا أَو كَاتبا {لاَّرْتَابَ المبطلون} لشك الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكُونَ لِأَن فِي كِتَابهمْ أَنَّك أُمِّي لَا تقْرَأ وَلَا تكْتب

49

{بَلْ هُوَ} يَعْنِي نعتك وصفتك {آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ} عَلَامَات بَيِّنَات علمهَا {فِي صُدُورِ الَّذين أُوتُواْ الْعلم} أعْطوا الْعلم بِالتَّوْرَاةِ وَيُقَال بل هُوَ يَعْنِي الْقُرْآن آيَات بَيِّنَات مبينات بالحلال وَالْحرَام وَالْأَمر وَالنَّهْي فِي صُدُور الَّذين أُوتُوا الْعلم أعْطوا الْعلم بِالْقُرْآنِ {وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {إِلاَّ الظَّالِمُونَ} الْكَافِرُونَ وَالْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكُونَ

50

{وَقَالُواْ} وَقَالَت الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكُونَ {لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ} هلا أنزل على مُحَمَّد {آيَاتٌ} عَلَامَات {مِّن رَّبِّهِ} كَمَا أنزل على مُوسَى وَعِيسَى {قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {إِنَّمَا الْآيَات عِندَ الله} إِنَّمَا العلامات من عِنْد الله تَجِيء {وَإِنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ} رَسُول مخوف {مُّبِينٌ} بلغَة تعلمونها

51

{أَو لم يَكْفِهِمْ} أهل مَكَّة يَا مُحَمَّد آيَة لنبوتك {أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكتاب} جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ {يُتْلَى} يقْرَأ {عَلَيْهِمْ} بِالْأَمر وَالنَّهْي وأخبار الْأُمَم {إِنَّ فِي ذَلِك} فِي الَّذِي أنزلت إِلَيْك جِبْرِيل بِهِ يَعْنِي الْقُرْآن {لَرَحْمَةً} من الْعَذَاب لمن آمن بِهِ {وذكرى} موعظة {لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن

52

{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {كفى بِاللَّه بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً} بِأَنِّي رَسُوله {يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} من الْخلق {وَالَّذين آمَنُواْ بِالْبَاطِلِ}

بالشيطان {وَكَفَرُواْ بِاللَّه أُولَئِكَ هُمُ الخاسرون} المغبونون بالعقوبة يَعْنِي أَبَا جهل وَأَصْحَابه

53

{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ} يَا مُحَمَّد {بِالْعَذَابِ وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى} وَقت مَعْلُوم {لَّجَآءَهُمُ الْعَذَاب} قبل وقته {وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً} فَجْأَة {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} بنزوله

54

{يَسْتَعْجِلُونَكَ} يَا مُحَمَّد {بِالْعَذَابِ} فِي الدُّنْيَا {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ} ستحيط {بالكافرين} وَهِي تجمعهم جَمِيعًا

55

{يَوْمَ يَغْشَاهُمُ} يَأْخُذهُمْ {الْعَذَاب مِن فَوْقِهِمْ} من فَوق رُءُوسهم {وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} إِذا ألقوا فِي النَّار {وَيِقُولُ} لَهُم {ذُوقُواْ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ وتقولون فى الْكفْر

56

{يَا عبَادي الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن يَعْنِي أَبَا بكر وَعمر وَعُثْمَان وعلياً وأصحابهم {إِنَّ أَرْضِي} أَرض الْمَدِينَة {وَاسِعَةٌ} آمِنَة فاخرجوا إِلَيْهَا {فإياي فاعبدون} فأطيعون

57

{كُلُّ نَفْسٍ} منفوسة {ذَآئِقَةُ الْمَوْت} تذوق الْمَوْت {ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} بعد الْمَوْت فيجزيكم بأعمالكم

58

{وَالَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِّنَ الْجنَّة} لننزلنهم فِي الْجنَّة {غرفا} علا لى {تجْرِي من تحتهَا} من تَحت شَجَرهَا ومساكنها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {خَالِدِينَ فِيهَا} مقيمين فِي الْجنَّة {نِعْمَ أَجْرُ العاملين} ثَوَاب العاملين

59

{الَّذين صَبَرُواْ} على أَمر الله والمرازي {وعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} لَا على غَيره

60

فَلَمَّا أَمرهم الله بِالْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَة قَالُوا لَيْسَ لنا بهَا أحد يؤوينا ويطعمنا ويسقينا فَقَالَ {وَكَأَيِّن} وَكم {مِّن دَآبَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا} لغد إِلَّا النملة فَإِنَّهَا تجمع لسنة) {الله يَرْزُقُهَا} من تحمل وَمن لَا تحمل {وَإِيَّاكُمْ} يَا معشر الْمُؤمنِينَ {وَهُوَ السَّمِيع} لمقالتكم من يرزقنا {الْعَلِيم} بأرزاقكم يعلم من أَيْن يرزقكم

61

{وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ} يَعْنِي كفار مَكَّة {مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَسَخَّرَ} ذلل {الشَّمْس وَالْقَمَر لَيَقُولُنَّ} كفار مَكَّة {الله} خلق سخر وذلل {فَأنى يُؤْفَكُونَ} فَمن أَيْن يكذبُون على الله

62

{الله يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ} يُوسع المَال على من يَشَاء من عباده وَهُوَ مكر مِنْهُ {وَيَقْدِرُ لَهُ} يقتر على من يَشَاء من عباده وَهُوَ نظر مِنْهُ {إِنَّ الله بِكُلِّ شَيْءٍ} من الْبسط وَالتَّقْدِير {عليم}

63

{وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ} يَعْنِي كفار مَكَّة {مَّن نَّزَّلَ من السَّمَاء مَاء} مطر {فَأَحْيَا بِهِ} بالمطر {الأَرْض مِن بَعْدِ مَوْتِهَا} قحطها ويبوستها {لَيَقُولُنَّ} كفار مَكَّة {الله} نزل ذَلِك {قُلِ الْحَمد لِلَّهِ} الشُّكْر لله على ذَلِك {بَلْ أَكْثَرُهُمْ} كلهم {لاَ يَعْقِلُونَ} لَا يعلمُونَ وَلَا يصدقون بذلك

64

{وَمَا هَذِه الْحَيَاة الدنيآ} مَا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا من الزهرة وَالنَّعِيم {إِلاَّ لَهْوٌ} فَرح {وَلَعِبٌ} بَاطِل لَا يبْقى {وَإِنَّ الدَّار الْآخِرَة}

يَعْنِي الْجنَّة {لَهِيَ الْحَيَوَان} الْحَيَاة لَا يَمُوت أَهلهَا {لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} يصدقون وَلَكِن لَا يعلمُونَ وَلَا يصدقون بذلك

65

{فَإِذا ركبُوا فِي الْفلك} فى السَّفِينَة يعْنى كفار مَكَّة {دَعَوُاْ الله} بالنجاة {مُخْلِصِينَ لَهُ الدّين} مفردين لَهُ الدعْوَة {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ} من الْبَحْر {إِلَى الْبر} إِلَى الْقَرار {إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} بِاللَّه الْأَوْثَان

66

{لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ} حَتَّى يكفروا بِمَا أعطيناهم من النَّعيم {وَلِيَتَمَتَّعُواْ} يعيشوا فِي كفرهم {فَسَوْفَ يَعلَمُونَ} مَاذَا يفعل بهم عِنْد نزُول الْعَذَاب بهم

67

{أَوَلَمْ يَرَوْاْ} كفار مَكَّة {أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً} من أَن يهاج فِيهِ {وَيُتَخَطَّفُ النَّاس} يطرد وَيذْهب النَّاس {مِنْ حَوْلِهِمْ} يطردهم وَيذْهب بهم عدوهم فَلَا يدْخل عَلَيْهِم فِي الْحرم {أفبالباطل يُؤمنُونَ} أفبا الشَّيْطَان والأصنام يصدقون {وَبِنِعْمَةِ الله} الَّتِي أَعْطَاهُم فِي الْحرم وبوحدانية الله {يَكْفُرُونَ}

68

{وَمَنْ أَظْلَمُ} أَعْتَى وأجرأ على الله {مِمَّنْ افترى} اختلق {عَلَى الله كَذِباً} فَجعل لَهُ ولدا وشريكاً {أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ} أَو كذب بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {لما جَاءَهُ} حِين جَاءَهُ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْقُرْآنِ {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى} منزل {لِّلْكَافِرِينَ} لأبي جهل وَأَصْحَابه

69

{وَالَّذين جَاهَدُواْ فِينَا} فِي طاعتنا قَالَ ابْن عَبَّاس فِي قَول الله {لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} أَي من عمل بِمَا علم لنوفقنهم لما لَا يعلمُونَ وَيُقَال لنهدينهم سبلنا لنكرمنهم بالطبع والطوع والحلاوة وَيُقَال لنهدينهم سبلنا لنوفقنهم لطاعتنا {وَإِنَّ الله لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} معِين الْمُحْسِنِينَ بالْقَوْل وَالْفِعْل بالتوفيق والعصمة وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الرّوم وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها سَبْعُونَ وكلماتها ثَمَانمِائَة وتسع عشرَة وحروفها ثَلَاثَة آلَاف وَخَمْسمِائة وَثَلَاثُونَ {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

الروم

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {الم} يَقُول أَنا الله أعلم وَيُقَال قسم أقسم بِهِ

2

{غُلِبَتِ الرّوم} قهرت الرّوم وهم أهل الْكتاب غلبهم فَارس وهم الْمَجُوس عَبدة النيرَان

3

{فِي أَدْنَى الأَرْض} مِمَّا يَلِي فَارس فَاغْتَمَّ بذلك الْمُؤْمِنُونَ وسر بذلك الْمُشْركُونَ وَقَالُوا نَحن نغلب على أهل الْإِيمَان كَمَا غلب أهل فَارس على الرّوم حَتَّى ذكر الله غلبهم {وَهُم} يَعْنِي أهل الرّوم {مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ} غَلَبَة فَارس عَلَيْهِم {سَيَغْلِبُونَ} على فَارس

4

{فِي بِضْعِ سِنِينَ} عِنْد رَأس سبع سِنِين وَكَانَ قد بَايع بذلك أَبُو بكر الصّديق أبي بن خلف الجُمَحِي على عشرَة من الْإِبِل {لله الْأَمر} النُّصْرَة والدولة لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {مِن قَبْلُ} من قبل غَلَبَة فَارس على الرّوم {وَمِن بَعْدُ} من بعد غَلَبَة فَارس على الرّوم وَيُقَال من قبل غَلَبَة الرّوم وَمِن بَعْدُ من بعد غَلَبَة الرّوم على فَارس وَيُقَال لِلَّهِ الْأَمر الْعلم وَالْقُدْرَة والمشيئة مِن قَبْلُ من قبل إبداء الْخلق وَمِن بَعْدُ من بعد فنَاء الْخلق وَيُقَال كَانَ الله آمراً من قبل المأمورين وَمن بعد المأمورين وَكَذَلِكَ كَانَ خَالِقًا من قبل المخلوقين ورازقاً من قبل المرزوقين وخالقاً ورازقاً بعد المخلوقين والمرزوقين وَكَذَلِكَ كَانَ مَالِكًا من قبل المملوكين ومالكاً من بعد المملوكين كَقَوْلِه تَعَالَى {مَالك يَوْم الدّين} قبل يَوْم الدّين {وَيَوْمَئِذٍ} يَوْم غَلَبَة الرّوم على فَارس ونصرة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أهل مَكَّة وَكَانَ ذَلِك يَوْم بدر وَيُقَال يَوْم الْحُدَيْبِيَة {يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ}

5

{بنصر الله} مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أعدائه وبدولة الرّوم على فَارس {يَنصُرُ من يَشَاء} الله يعْنى مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَهُوَ الْعَزِيز} بالنقمة من أبي جهل وَأَصْحَابه يَوْم بدر {الرَّحِيم} بِالْمُؤْمِنِينَ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه

6

{وعد الله} بالنصرة والدولة لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

{لاَ يُخْلِفُ الله وَعْدَهُ} لنَبيه بالنصرة والدولة {وَلَكِن أَكْثَرَ النَّاس} أهل مَكَّة {لاَ يَعْلَمُونَ} أَن الله لَا يخلف وعده لنَبيه

7

{يَعْلَمُونَ} أهل مَكَّة {ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاة الدُّنْيَا} من مُعَاملَة الدُّنْيَا من الْكسْب وَالتِّجَارَة وَالشِّرَاء وَالْبيع والحساب من وَاحِد إِلَى ألف وَمَا يَحْتَاجُونَ فِي الشتَاء والصيف {وَهُمْ عَنِ الْآخِرَة} عَن أَمر الْآخِرَة {هُمْ غَافِلُونَ} جاهلون بهَا تاركون لعملها

8

{أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ} كفار مَكَّة {فِي أَنفُسِهِمْ} فِيمَا بَينهم {مَّا خَلَقَ الله السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنَهُمَآ} من الْخلق والعجائب {إِلاَّ بِالْحَقِّ} للحق وَالْأَمر وَالنَّهْي لَا للباطل {وَأَجَلٍ مُّسَمًّى} لوقت مَعْلُوم يقْضِي فِيهِ {وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاس} يَعْنِي كفار مَكَّة {بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت {لَكَافِرُونَ} لجاحدون

9

{أولم يَسِيرُوا} يسافروا كفار مَكَّة {فِي الأَرْض فَيَنظُرُواْ} فيتفكروا {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ} جَزَاء {الَّذين مِن قَبْلِهِمْ} عَن تكذيبهم الرُّسُل {كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً} بِالْبدنِ {وَأَثَارُواْ الأَرْض} أَشد لَهَا طلبا وَأبْعد ذَهَابًا فِي السّفر وَالتِّجَارَة وَيُقَال أثاروا الأَرْض حرثوها وقلبوها للزِّرَاعَة وَالْغَرْس أَكثر مِمَّا حرث أهل مَكَّة {وَعَمَرُوهَآ} بقوا فِيهَا {أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا} أَكثر مِمَّا بَقِي فِيهَا أهل مَكَّة {وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ} بِالْأَمر وَالنَّهْي والعلامات فَلم يُؤمنُوا بهم فأهلكهم الله تَعَالَى {فَمَا كَانَ الله لِيَظْلِمَهُمْ} بإهلاكه إيَّاهُم {وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} بالْكفْر والشرك وَتَكْذيب الرُّسُل

10

{ثمَّ كَانَ عَاقِبَة} جَزَاء {الَّذين أساؤوا} أشركوا بِاللَّه {السوأى} النَّار فِي الْآخِرَة {أَن كَذَّبُواْ} بِأَن كذبُوا {بآيَات الله} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَكَانُوا بهَا} بآيَات الله {يستهزؤون} يسخرون

11

{الله يَبْدَأُ الْخلق} من النُّطْفَة {ثُمَّ يُعِيدُهُ} يَوْم الْقِيَامَة {ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} تردون فِي الْآخِرَة فيجزيكم بأعمالكم

12

{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَة} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {يُبْلِسُ المجرمون} ييأس الْمُشْركُونَ من كل خير

13

{وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ} لعبدة الْأَوْثَان {مِّن شُرَكَآئِهِمْ} من آلِهَتهم {شُفَعَاءُ} أحد يشفع لَهُم من عَذَاب الله {وَكَانُواْ بِشُرَكَآئِهِمْ} بآلهتهم بعبادتهم إِيَّاهَا {كَافِرِينَ} جاحدين يَقُولُونَ وَالله رَبنَا مَا كُنَّا مُشْرِكين

14

{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَة} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ} فريق فِي الْجنَّة وفريق فِي السعير

15

{فَأَما الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ} فِي جنَّة {يُحْبَرُونَ} ينعمون ويكرمون بالتحف

16

{وَأَمَّا الَّذين كَفَرُواْ} بِاللَّه {وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَلِقَآءِ الْآخِرَة} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت {فَأُولَئِك فِي الْعَذَاب} فِي النَّار {مُحْضَرُونَ} معذبون

17

{فَسُبْحَانَ الله} فصلوا لله {حِينَ تُمْسُونَ} صَلَاة الْمغرب وَالْعشَاء {وَحِينَ تُصْبِحُونَ} صَلَاة الْفجْر

18

{وَلَهُ الْحَمد فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} الشُّكْر وَالطَّاعَة على أهل السَّمَوَات وَالْأَرْض {وَعَشِيّاً} وَهِي صَلَاة الْعَصْر {وَحِينَ تُظْهِرُونَ} وَهِي صَلَاة الظّهْر

19

{يُخْرِجُ الْحَيّ مِنَ الْمَيِّت} النَّسمَة وَالدَّوَاب من النُّطْفَة وَالطير من الْبَيْضَة وَالنَّخْل من النواة {وَيُخْرِجُ الْمَيِّت مِنَ الْحَيّ} النُّطْفَة من النَّسمَة وَالدَّوَاب وَالْبيض من الطير والنواة من النّخل {وَيُحْيِي الأَرْض بَعْدَ مَوْتِهَا} بعد قحطها ويبوستها {وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ} يَقُول هَكَذَا تحيون وتخرجون من الْقُبُور

20

{وَمِنْ آيَاتِهِ} من عَلَامَات وحدانيته وَقدرته ونبوة رَسُوله {أَنْ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ}

من آدم وآدَم من تُرَاب وَأَنْتُم أَوْلَاده {ثُمَّ إِذَآ أَنتُمْ بَشَرٌ} نسم {تَنتَشِرُونَ} تتمتعون على وَجه الأَرْض

21

{وَمن آيَاته} من عَلَامَات وحدانيته وَقدرته {أَن خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً} آدَمِيًّا مثلكُمْ {لتسكنوا إِلَيْهَا} ليسكن الرجل إِلَى زَوجته {وَجَعَلَ بَيْنَكُم} بَين الْمَرْأَة وَالزَّوْج {مَّوَدَّةً} محبَّة للْمَرْأَة على الزَّوْج {وَرَحْمَة} الرجل على الْمَرْأَة أَي على زَوجته وَيُقَال مَوَدَّة للصَّغِير على الْكَبِير وَرَحْمَة الْكَبِير على الصَّغِير {إِن فِي ذَلِك} فِيمَا ذكرت {لآيَات} لعلامات وعبراً {لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} فِيمَا خلق الله

22

{وَمِنْ آيَاتِهِ} من عَلَامَات وحدانيته وَقدرته {خَلْقُ السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَاخْتِلَاف أَلْسِنَتِكُمْ} لغاتكم الْعَرَبيَّة والفارسية وَغير ذَلِك {وَأَلْوَانِكُمْ} وَاخْتِلَاف ألوان صوركُمْ الْأَحْمَر وَالْأسود وَغير ذَلِك {إِنَّ فِي ذَلِك} فِيمَا ذكرت من الِاخْتِلَاف (لآيَاتٍ) لعلامات {لِّلْعَالَمِينَ} الْجِنّ وَالْإِنْس

23

{وَمن آيَاته} من عَلَامَات وحدانية وَقدرته {مَنَامُكُم} بيتوتتكم {بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار وابتغآؤكم مِّن فَضْلِهِ} من رزقه بِالنَّهَارِ {إِنَّ فِي ذَلِكَ} فِيمَا ذكرت من اللَّيْل وَالنَّهَار (لآيَاتٍ) لعلامات وعبراً {لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} ويطيعون

24

{وَمن آيَاته} من عَلَامَات وحدانية وَقدرته {يُرِيكُمُ الْبَرْق} من السَّمَاء {خَوْفاً} للْمُسَافِر من الْمَطَر أَن يبل ثِيَابه {وَطَمَعاً} للمقيم فِي الْمَطَر أَن يسْقِي حروثه {وَيُنَزِّلُ مِنَ السمآء مَآءً} مَطَرا {فَيُحْيِي بِهِ} بالمطر {الأَرْض بَعْدَ مَوْتِهَا} بعد قحطها ويبوستها {إِنَّ فِي ذَلِكَ} فِيمَا ذكرت من الْمَطَر {لآيَاتٍ} لعلامات وعبراً {لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} يصدقون أَنه من الله

25

{وَمن آيَاته} من عَلَامَات وحدانيته وَقدرته {أَن تَقُومَ السمآء} أَن تكون السَّمَاء {وَالْأَرْض بِأَمْرِهِ} بِإِذْنِهِ {ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ} يَعْنِي الله يَوْم الْقِيَامَة على لِسَان إسْرَافيل {دَعْوَةً مِّنَ الأَرْض} من الْقُبُور {إِذَآ أَنتُمْ تَخْرُجُونَ} من الْقُبُور

26

{وَلَهُ} عبيد {مَن فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ} مطيعون غير الْكفَّار

27

{وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخلق} من النُّطْفَة {ثُمَّ يُعِيدُهُ} يحييه يَوْم الْقِيَامَة (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) هَين عَلَيْهِ إِعَادَته كإبدائه {وَلَهُ الْمثل الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} يَقُول لَهُ الصّفة الْعليا بِالْقُدْرَةِ على أهل السَّمَوَات وَالْأَرْض {وَهُوَ الْعَزِيز} فِي ملكه وسلطانه {الْحَكِيم} فِي أمره وقضائه

28

{ضَرَبَ لَكُمْ} بيّن لكم يَا معشر الْكفَّار {مَّثَلاً} شبها {مِّنْ أَنفُسِكُمْ} آدَمِيًّا مثلكُمْ {هَلْ لَّكُمْ مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} من عبيدكم وَإِمَائِكُمْ {مِّن شُرَكَآءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ} أعطيناكم من المَال والأهل وَالْولد {فَأَنتُمْ} وعبيدكم وَإِمَائِكُمْ {فِيهِ} فِيمَا رزقناكم {سَوَآءٌ} شرك {تَخَافُونَهُمْ} تخافون لائمتهم {كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ} كلائمة آبائكم وأبنائكم وَإِخْوَانكُمْ إِذا لم تُؤَدُّوا حُقُوقهم فِي الْمِيرَاث قَالُوا لَا قَالَ أفترضون لي مَا لَا ترْضونَ لأنفسكم تشركون عَبِيدِي فِي ملكي وَلَا تشركون عبيدكم فِيمَا رزقناكم {كَذَلِكَ} هَكَذَا {نُفَصِّلُ الْآيَات} نبيّن عَلَامَات وحدانيتي وقدرتي {لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} يصدقون بأمثال الْقُرْآن

29

{بَلِ اتبع الَّذين ظلمُوا} كفرُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكُونَ {أَهْوَآءَهُمْ} أَي مَا هم عَلَيْهِ من الْيَهُودِيَّة والنصرانية والشرك {بِغَيْر علم} وَلَا حجَّة {فَمَن يَهْدِي} فَمن يرشد إِلَى دين الله {مَنْ أَضَلَّ الله} عَن دينه {وَمَا لَهُمْ} للْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكين

{مِّن نَّاصِرِينَ} من مانعين من عَذَاب الله

30

{فَأَقِمْ وَجْهَكَ} نَفسك وعملك {لِلدِّينِ حَنِيفاً} مُسلما يَقُول أخْلص دينك وعملك لله واستقم على دين الْإِسْلَام {فطْرَة الله} دين الله {الَّتِي فَطَرَ النَّاس عَلَيْهَا} الَّتِي خلق النَّاس عَلَيْهَا فِي بطُون أمهاتهم وَيُقَال اتبع يَوْم الْمِيثَاق {لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله} لَا تَبْدِيل لدين الله {ذَلِكَ} هُوَ {الدّين الْقيم} الْحق الْمُسْتَقيم {وَلَكِن أَكْثَرَ النَّاس} أهل مَكَّة {لاَ يَعْلَمُونَ} أَن دين الْحق هُوَ الْإِسْلَام

31

{مُنِيبِينَ إِلَيْهِ} كونُوا مُؤمنين أَي مُقْبِلين إِلَيْهِ بِالطَّاعَةِ {واتقوه} وأطيعوه فِيمَا أَمركُم {وَأَقِيمُواْ الصَّلَاة} أَتموا الصَّلَوَات الْخمس {وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ الْمُشْركين} مَعَ الْمُشْركين على دينهم

32

{مِنَ الَّذين فَرَّقُواْ دِينَهُمْ} تركُوا دين الْإِسْلَام {وَكَانُواْ شِيَعاً} صَارُوا فرقا الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَسَائِر أهل الْملَل {كُلُّ حِزْبٍ} كل أهل دين {بِمَا لَدَيْهِمْ} بِمَا عِنْدهم من الدّين {فَرِحُونَ} معجبون يرَوْنَ أَنه حق

33

{وَإِذَا مَسَّ} أصَاب {النَّاس} كفار مَكَّة {ضُرٌّ} شدَّة {دَعَوْاْ رَبَّهُمْ} بِرَفْع الشدَّة {مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ} مُقْبِلين بِالدُّعَاءِ إِلَيْهِ {ثُمَّ إِذَآ أَذَاقَهُمْ} أَصَابَهُم {مِّنْهُ} من الله {رَحْمَةً} نعْمَة {إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ} يَعْنِي الْكفَّار {بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ} يعدلُونَ بِهِ الْأَصْنَام

34

{لِيَكْفُرُواْ} حَتَّى يكفروا {بِمَآ آتَيْنَاهُمْ} أعطيناهم من النِّعْمَة {فَتَمَتَّعُواْ} فعيشوا يَا أهل مَكَّة فِي الدُّنْيَا {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} مَاذَا يفعل بكم فِي الْآخِرَة

35

{أَمْ أَنزَلْنَا} هَل أنزلنَا {عَلَيْهِمْ} على أهل مَكَّة {سُلْطَاناً} كتابا فِيهِ الْعذر والبرهان من السَّمَاء {فَهُوَ يَتَكَلَّمُ} يشْهد وينطق {بِمَا كَانُواْ بِهِ} بِاللَّه {يُشْرِكُونَ} يعدلُونَ أَن الله أَمرهم بذلك

36

{وَإِذا أذقنا النَّاس} أصبْنَا كفار مَكَّة {برحمة} نعْمَة {فَرِحُواْ بِهَا} أَي أعجبوا بهَا غير شاكرين بهَا {وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} شدَّة ضيق وقحط وَمرض {بِمَا قَدَّمَتْ} بِمَا عملت {أَيْدِيهِمْ} فِي الشّرك {إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} ييأسون من رَحْمَة الله غير صابرين بهَا

37

{أَوَلَمْ يَرَوْاْ} يخبروا فِي الْكتاب كفار مَكَّة {أَنَّ الله يَبْسُطُ الرزق} يُوسع المَال {لِمَن يَشَآءُ} على من يَشَاء وَهُوَ مكر مِنْهُ {وَيقدر} يقتر على من يَشَاء وَهُوَ نظر مِنْهُ {إِنَّ فِي ذَلِكَ} فِيمَا ذكرت من الْبسط وَالتَّقْدِير {لآيَاتٍ} لعلامات وعبراً {لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن

38

{فَآتِ ذَا الْقُرْبَى} فأعط يَا مُحَمَّد ذَا الْقُرْبَى فِي الرَّحِم {حَقَّهُ} صلته {والمسكين} أعْط الْمِسْكِين الْكسْوَة وَالطَّعَام {وَابْن السَّبِيل} أكْرم الضَّيْف النَّازِل بك ثَلَاثَة أَيَّام فَمَا فَوق ذَلِك فَهُوَ صَدَقَة مَعْرُوف {ذَلِكَ الَّذِي} ذكرت من الصِّلَة والعطية وَالْإِكْرَام {خَيْرٌ} ثَوَاب وكرامة فِي الْآخِرَة {للَّذين يُرِيدُونَ وَجه الله} بعطيتهم {أُولَئِكَ هُمُ المفلحون} الناجون من السخط وَالْعَذَاب

39

{وَمَآ آتَيْتُمْ} أعطيتم {مِّن رِّباً} من عَطِيَّة {لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاس} لتكثروا أَمْوَالكُم بأموال النَّاس يَقُول ليعطوا أَكثر وَأفضل مِمَّا تعطون {فَلاَ يَرْبُو عِندَ الله} فَلَا يكثر عِنْد الله بالتضعيف وَلَا يقبلهَا فَإِنَّهَا لَيست لله {وَمَآ آتَيْتُمْ} أعطيتم {مِّن زَكَاةٍ} من صَدَقَة إِلَى الْمَسَاكِين {تُرِيدُونَ} بذلك {وَجْهَ الله فَأُولَئِك هُمُ المضعفون} فَأُولَئِك هم الَّذين أَضْعَف صَدَقَاتهمْ فِي الْآخِرَة وَأَكْثَرت أَمْوَالهم فِي الدُّنْيَا بِالْحِفْظِ وَالْبركَة

40

{الله الَّذِي خَلَقَكُمْ} نسماً فِي بطُون أُمَّهَاتكُم ثمَّ أخرجكم وَفِيكُمْ الرّوح {ثُمَّ رَزَقَكُمْ} الطَّيِّبَات الرزق إِلَى الْمَوْت {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} عِنْد انْقِضَاء مدتكم {ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} للبعث بعد الْمَوْت {هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ} من آلِهَتكُم يَا أهل مَكَّة {مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُمْ مِّن شَيْءٍ} من يقدر أَن يفعل من ذَلِك شَيْئا

سُبْحَانَهُ) نزه نَفسه عَن الْوَلَد وَالشَّرِيك {وَتَعَالَى} ارْتَفع وتبرأ {عَمَّا يُشْرِكُونَ} بِهِ من الْأَوْثَان

41

{ظَهَرَ الْفساد} تبينت الْمعْصِيَة {فِي الْبر} من قتل قابيل أَخَاهُ هابيل {وَالْبَحْر} من جلندن الْأَزْدِيّ {بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاس} بقتل قابيل هابيل وبغصب جلندن سفن النَّاس فِي الْبَحْر وَيُقَال ظهر الْفساد بِمَوْت الْبَهَائِم والقحط والجدوبة وَنقص الثمرات والنبات فِي الْبر فِي السهل والجبل والبادية والمفازة وَالْبَحْر فِي الرِّيف والقرى والعمران بِمَا كسبت أَيدي النَّاس بِمَعْصِيَة النَّاس {لِيُذِيقَهُمْ} لكَي يصيبهم {بَعْضَ الَّذِي عَمِلُواْ} من الْمعاصِي {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} لكَي يرجِعوا عَن ذنوبهم فَيكْشف عَنْهُم

42

{قُلْ} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {سِيرُواْ} سافروا {فِي الأَرْض فانظروا} تَفَكَّرُوا {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ} جَزَاء {الَّذين مِن قَبْلُ} من قبلهم كَيفَ أهلكهم الله عِنْد تكذيبهم الرُّسُل {كَانَ أَكْثَرُهُمْ} كلهم {مُّشْرِكِينَ} بِاللَّه

43

{فَأَقِمْ وَجْهَكَ} نَفسك وعملك {لِلدِّينَ الْقيم} يَقُول أخْلص دينك وعملك لله وَكن على دين الْحق الْمُسْتَقيم {مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {لاَّ مَرَدَّ لَهُ} لَا مَانع لَهُ {مِنَ الله} من عَذَاب الله {يَوْمَئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {يَصَّدَّعُونَ} يفرقون فريق فِي الْجنَّة وفريق فِي السعير

44

{مَن كَفَرَ} بِاللَّه {فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ} عُقُوبَة كفره خُلُود النَّار {وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً} فِي الْإِيمَان {فَلأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ} يفرشون ويجمعون الثَّوَاب والكرامة فِي الْجنَّة

45

{ليجزي الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {مِن فَضْلِهِ} من ثَوَابه وكرامته فِي الْجنَّة {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْكَافرين} لَا يرضى دينهم

46

{وَمن آيَاته} من عَلَامَات وحدانيته وَقدرته {أَن يُرْسِلَ الرِّيَاح مُبَشِّرَاتٍ} لخلقه بالمطر {وَلِيُذِيقَكُمْ} لكَي يُصِيبكُم {مِّن رَّحْمَتِهِ} نعْمَته (وَلِتَجْرِيَ الْفلك) السفن (بِأَمْرِهِ) بمشيئته فِي الْبَحْر {وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ} لكَي تَطْلُبُوا لركوبكم السفن من فَضله من رزقه {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} لكَي تشكروا نعْمَته

47

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا} بعثنَا {مِن قَبْلِكَ} يَا مُحَمَّد {رسلًا إِلَى قَومهمْ فجاؤوهم بِالْبَيِّنَاتِ} بِالْأَمر وَالنَّهْي والعلامات فَلم يُؤمنُوا {فانتقمنا} بِالْعَذَابِ {مِنَ الَّذين أَجْرَمُواْ} أشركوا {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا} وَاجِبا علينا {نَصْرُ الْمُؤمنِينَ} مَعَ الرُّسُل بنجاتهم وهلاك أعدائهم

48

{الله الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاح فَتُثِيرُ سَحَاباً} ثقالاً بالمطر {فَيَبْسُطُهُ فِي السمآء كَيْفَ يَشَآءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً} قطعا إِن شَاءَ {فَتَرَى الودق} يَعْنِي الْمَطَر {يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ} من خلال السَّحَاب {فَإِذَآ أَصَابَ بِهِ} بالمطر {مَن يَشَآءُ} من يُرِيد {مِنْ عِبَادِهِ} فِي الأَرْض {إِذَا هُمْ يستبشرون} بالمطر

49

{وَإِن كَانُواْ} وَقد كَانُوا {مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِّن قَبْلِهِ} من قبل الْمَطَر {لَمُبْلِسِينَ} آيسين من الْمَطَر

50

{فَانْظُر} يَا مُحَمَّد {إِلَى آثَار رَحْمَة الله} قُدَّام الْمَطَر وَبعد الْمَطَر {كَيْفَ يُحْيِيِ الأَرْض بعد مَوتهَا} بعد قحطها ويبوستها {إِن ذَلِكَ} الَّذِي يحيي الأَرْض بعد مَوتهَا {لَمُحْييِ الْمَوْتَى}

للبعث {وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ} من الْحَيَاة وَالْمَوْت والبعث لِلْخلقِ {قَدِيرٌ}

51

{وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحاً} حارة أَو بَارِدَة على الزَّرْع {فَرَأَوْهُ} الزَّرْع {مُصْفَرّاً} متغيراً بعد خضرته {لَّظَلُّواْ} لصاروا {مِن بَعْدِهِ} من بعد صفرته {يَكْفُرُونَ} بِاللَّه وبنعمته يَقُول يُقِيمُونَ على الْكفْر بِاللَّه وبنعمته

52

{فَإِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى} لَا تفقه الْمَوْتَى مِمَّن كَأَنَّهُ ميت {وَلاَ تُسْمِعُ الصم} المتصامم {الدعآء} دعوتك إِلَى الْحق وَالْهدى {إِذَا وَلَّوْاْ} أَعرضُوا {مُدْبِرِينَ} عَن الْحق وَالْهدى

53

{وَمَا أَنْت بِهَادِي الْعمي عَن ضَلالَتِهِمْ} إِلَى الْهدى {إِن تُسْمِعُ} مَا تسمع دعوتك {إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا} بكتابنا ورسولنا {فَهُمْ مُّسْلِمُونَ} مخلصون لَهُ بِالْعبَادَة والتوحيد

54

{الله الَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ} من نُطْفَة ضَعِيفَة {ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةٍ} رجلا شَابًّا قَوِيا {ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً} هرماً {وَشَيْبَةً} شُمْطًا بعد شباب {يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ} يحول خلقه كَمَا يَشَاء من حَال إِلَى حَال {وَهُوَ الْعَلِيم} بخلقه {الْقَدِير} عَلَيْهِم بتحويله

55

{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَة} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {يُقْسِمُ المجرمون} يحلف الْمُشْركُونَ بِاللَّه {مَا لَبِثُواْ} فِي الْقُبُور {غَيْرَ سَاعَةٍ} غير قدر سَاعَة {كَذَلِكَ} كَمَا كَانُوا يكذبُون فِي الْآخِرَة {كَانُواْ يُؤْفَكُونَ} يكذبُون فِي الدُّنْيَا

56

{وَقَالَ الَّذين أُوتُواْ الْعلم وَالْإِيمَان} أكْرمُوا بِالْعلمِ وَالْإِيمَان {لَقَدْ لَبِثْتُمْ} فِي الْقُبُور {فِي كِتَابِ الله} بِكِتَاب الله وهم الْمَلَائِكَة وَيُقَال وهم النَّبِيُّونَ وَيُقَال هم المخلصون فِي إِيمَانهم يَقُولُونَ للْكفَّار {إِلَى يَوْمِ الْبَعْث} إِلَى يَوْم يبعثون من الْقُبُور {فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْث} يَوْم الْقِيَامَة {وَلَكِنَّكُمْ كُنتمْ} فِي الدُّنْيَا {لاَ تَعْلَمُونَ} ذَلِك وَلَا تصدقُونَ

57

{فَيَوْمَئِذٍ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {لاَّ ينفَعُ الَّذين ظَلَمُواْ} أشركوا {مَعْذِرَتُهُمْ} اعتذارهم من ذَنْب {وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} وَلَا هم يرجعُونَ عَن سَيِّئَة وَلَا هم يردون إِلَى الدُّنْيَا

58

{وَلَقَدْ ضَرَبْنَا} بيّنا {لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآن مِن كُلِّ مَثَلٍ} من كل وَجه {وَلَئِن جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ} من السَّمَاء كَمَا طلبُوا {لَّيَقُولَنَّ الَّذين كفرُوا} كفار مَكَّة {إِنْ أَنتُمْ} مَا أَنْتُم يَا معشر الْمُؤمنِينَ {إِلاَّ مُبْطِلُونَ} كاذبون

59

{كَذَلِك} هَكَذَا {يطبع الله} يخْتم الله {على قُلُوبِ الَّذين لاَ يَعْلَمُونَ} تَوْحِيد الله وَلَا يصدقون بِهِ

60

{فاصبر} يَا مُحَمَّد {إِنَّ وَعْدَ الله} بالنصرة والدولة لَك وبهلاكهم {حَقٌّ} كَائِن صدق {وَلاَ يستخفنك} لَا يستنزلنك عَن الْإِيمَان يَوْم الْقِيَامَة {الَّذين لاَ يُوقِنُونَ} لَا يصدقون وهم أهل مَكَّة

وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا لُقْمَان وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها أَربع وَثَلَاثُونَ وكلماتها سَبْعمِائة وثمان وَأَرْبَعُونَ وحروفها أَلفَانِ وَمِائَة وَعشرَة أحرف {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

لقمان

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {الم} يَقُول أَنا الله أعلم وَيُقَال قسم أقسم بِهِ

2

{تِلْكَ آيَات الْكتاب الْحَكِيم} إِن هَذِه السُّورَة آيَات الْقُرْآن الْمُبين للْحَلَال وَالْحرَام وَالْأَمر وَالنَّهْي

3

{هُدىً} من الضَّلَالَة {وَرَحْمَةً} من الْعَذَاب {لِّلْمُحْسِنِينَ} المخلصين الْمُوَحِّدين

4

{الَّذين يُقِيمُونَ الصَّلَاة} يتمون الصَّلَوَات الْخمس بوضوئها وركوعها وسجودها وَمَا يجب فِيهَا فِي مواقيتها {وَيُؤْتونَ الزَّكَاة} يُعْطون زَكَاة أَمْوَالهم {وهم بِالآخِرَة} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت {هُمْ يُوقِنُونَ} يصدقون

5

{أُولَئِكَ على هُدىً} على بَيَان وكرامة {مِّن رَبهم وَأُولَئِكَ هم المفلحون} الناجون من السخط وَالْعَذَاب

6

{وَمن النَّاس} وَهُوَ النَّضر ابْن الْحَارِث {مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيث} أباطيل الحَدِيث وَكتب الأساطير وَالشَّمْس والنجوم والحساب والغناء وَيُقَال هُوَ الشّرك بِاللَّه {لِيُضِلَّ} بذلك {عَن سَبِيلِ الله} عَن دين الله وطاعته {بِغَيْرِ عِلْمٍ} بِلَا علم وَلَا حجَّة {وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً} سخرية {أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} شَدِيد

7

{وَإِذَا تتلى} تقْرَأ {عَلَيْهِ آيَاتُنَا} بِالْأَمر وَالنَّهْي {ولى مستكبرا} رَجَعَ متعظا عَن الْإِيمَان بهَا {كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا} لم يعها {كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً} صمماً {فَبَشِّرْهُ} يَا مُحَمَّد {بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} وجيع يَوْم بدر فَقتل يَوْم بدر صبرا

8

{إِن الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعيم} لَا يفنى نعيمها

9

{خَالِدِينَ فِيهَا} مقيمين فِيهَا لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا {وَعْدَ الله} الْمُؤمنِينَ بِالْجنَّةِ {حَقّاً} صدقا {وَهُوَ الْعَزِيز} فِي ملكه وسلطانه {الْحَكِيم} فِي أمره وقضائه

10

{خَلَقَ} الله {السَّمَاوَات بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} بِلَا عمد وَيُقَال بعمد لَا ترونها {وَألقى فِي الأَرْض} خلق للْأَرْض {رَوَاسِيَ} الْجبَال الثوابت أوتاداً لَهَا {أَن تَمِيدَ بِكُمْ} لكَي لَا تميد بكم {وَبَثَّ فِيهَا} خلق وَبسط فِي الأَرْض {مِن كُلِّ دَآبَّةٍ} فِيهَا الرّوح {وَأَنزَلْنَا مِنَ السمآء مَآءً} مَطَرا {فَأَنْبَتْنَا فِيهَا} الأَرْض {مِن كُلِّ زَوْجٍ} لون {كَرِيمٍ} حسن

11

{هَذَا خلق الله} هَذَا مَخْلُوق أَنا خلقته {فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذين مِن دُونِهِ} من دون الله يَعْنِي الْأَوْثَان {بَلِ الظَّالِمُونَ} الْمُشْركُونَ {فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} فِي خطأ بَين

12

{وَلَقَدْ آتَيْنَا} أعطينا {لُقْمَانَ الْحِكْمَة} الْعلم والفهم وإصابة القَوْل وَالْفِعْل {أَنِ اشكر لِلَّهِ} بِالتَّوْحِيدِ وَالطَّاعَة {وَمَن يَشْكُرْ} نعْمَته بِالتَّوْحِيدِ وَالطَّاعَة {فَإِنَّمَا يَشْكُرُ} بِالتَّوْحِيدِ وَالطَّاعَة {لِنَفْسِهِ} الثَّوَاب {وَمَن كَفَرَ} نعْمَته {فَإِنَّ الله غَنِيٌّ} عَن شكره {حَمِيدٌ} فى أَفعاله

13

{وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ} سَلام {وَهُوَ يَعِظُهُ} ينهاه عَن الشَّرّ ويأمره بِالْخَيرِ {يَا بني لاَ تُشْرِكْ بِاللَّه إِنَّ الشّرك} بِاللَّه {لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} لذنب عَظِيم عُقُوبَته عِنْد الله

14

{وَوَصينَا الْإِنْسَان}

سعد بن وَقاص {بِوَالِدَيْهِ} برا بهما {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ} فِي بَطنهَا {وَهْناً على وَهْنٍ} ضعفا على ضعف وَشدَّة على شدَّة ومشقة على مشقة كلما كبر الْوَلَد فِي بَطنهَا كَانَ أَشد عَلَيْهَا {وَفِصَالُهُ} فطامه {فِي عَامَيْنِ} فِي سنتَيْن {أَنِ اشكر لِي} بِالتَّوْحِيدِ وَالطَّاعَة {وَلِوَالِدَيْكَ} بالتربية {إِلَيَّ الْمصير} مصيرك ومصير والديك

15

{وَإِن جَاهَدَاكَ} أمراك وأراداك {على أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} أَنه شَرِيكي وَلَك بِهِ علم أَنه لَيْسَ بشريكي {فَلاَ تُطِعْهُمَا} فِي الشّرك {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} بِالْبرِّ وَالْإِحْسَان {وَاتبع سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} دين من أقبل إِلَيّ وَإِلَى طَاعَتي وَهُوَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ} ومرجع أبويكم {فَأُنَبِّئُكُمْ} أخْبركُم {بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر ثمَّ رَجَعَ إِلَى كَلَام لُقْمَان

16

{يَا بني إِنَّهَآ} يَعْنِي الْحَسَنَة وَيُقَال الرزق {إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ} وزن حَبَّة {مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ} الَّتِي تَحت الْأَرْضين {أَوْ فِي السَّمَاوَات} أَو فَوق السَّمَوَات {أَوْ فِي الأَرْض} أَو فِي بطن الأَرْض {يَأْتِ بِهَا الله} إِلَى صَاحبهَا حَيْثُمَا يكون {إِنَّ الله لَطِيفٌ} باستخراجها {خَبِير} بمكانها

17

{يَا بني أَقِمِ الصَّلَاة} أتم الصَّلَاة {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ} بِالتَّوْحِيدِ وَالْإِحْسَان {وانه عَنِ الْمُنكر} عَن الشّرك والقبيح من القَوْل وَالْعَمَل {واصبر على مَآ أَصَابَكَ} فيهمَا {إِنَّ ذَلِكَ} يَعْنِي الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَيُقَال الصَّبْر {مِنْ عَزْمِ الْأُمُور} من حزم الْأُمُور وَخير الْأُمُور

18

{وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} لَا تعرض وَجهك من النَّاس تكبراً وتعظماً عَلَيْهِم وَيُقَال لَا تحقر فُقَرَاء الْمُسلمين {وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْض مَرَحاً} بالتكبر وَالْخُيَلَاء {إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ} فِي مشيته {فَخُورٍ} بنعم الله

19

{واقصد فِي مَشْيِكَ} تواضع فِيهَا {واغضض مِن صَوْتِكَ} واخفض صَوْتك وَلَا تكن سليطاً {إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَات} يَقُول أقبح وأشر الْأَصْوَات {لَصَوْتُ الْحمير}

20

{أَلَمْ تَرَوْاْ} ألم تخبروا فِي الْقُرْآن {أَنَّ الله سَخَّرَ لَكُمْ} ذلل لكم {مَّا فِي السَّمَاوَات} من الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم والسحاب والمطر {وَمَا فِي الأَرْض} من الشّجر وَالدَّوَاب {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ} وَأتم عَلَيْكُم {نِعَمَهُ ظَاهِرَةً} بِالتَّوْحِيدِ {وَبَاطِنَةً} بالمعرفة وَيُقَال ظَاهِرَة مَا يعلم النَّاس من حَسَنَاتك وباطنة مَا لَا يعلم النَّاس من سيئاتك وَيُقَال ظَاهِرَة من الطَّعَام وَالشرَاب وَالدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير وَغير ذَلِك وباطنة من النَّبَات وَالثِّمَار والأمطار والمياه وَغير ذَلِك وَيُقَال ظَاهِرَة مَا أكرمك بهَا وباطنة مَا حفظك عَنْهَا {وَمِنَ النَّاس} وَهُوَ نضر بن الْحَرْث {مَن يُجَادِلُ فِي الله} يُخَاصم فِي دين الله {بِغَيْرِ عِلْمٍ} بِلَا علم {وَلاَ هُدىً} وَلَا حجَّة {وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ} مُبين بِمَا يَقُول

21

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ} لكفار مَكَّة {اتبعُوا مَآ أنزل الله} على نبيه من الْقُرْآن اقرءوه وَاعْمَلُوا بِمَا فِيهِ {قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَا} من الدّين وَالسّنة {أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَان يَدعُوهُم} يدعوا آبَاءَهُم {إِلَى عَذَابِ السعير} إِلَى الْكفْر والشرك وَمَا يجب بِهِ عَذَاب السعير فهم يقتدون بهم

22

{وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى الله} من يخلص دينه وَعَمله لله {وَهُوَ مُحْسِنٌ} موحد مخلص {فَقَدِ استمسك} فقد أَخذ {بالعروة} بِلَا إِلَه إِلَّا الله {الوثقى} الْوَثِيقَة الَّتِي لَا انفصام لَهَا

{وَإِلَى الله عَاقِبَةُ الْأُمُور} ترجع عواقب الْأُمُور فِي الْآخِرَة الَّتِي يموتون عَلَيْهَا

23

{وَمَن كَفَرَ} بِاللَّه من قُرَيْش أَو من غَيرهم {فَلَا يحزنك} يَا مُحَمَّد كفره وهلاكه فِي {كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ} بعد الْمَوْت {فَنُنَبِّئُهُم} فنخبرهم {بِمَا عمِلُوا} فِي الدُّنْيَا فِي كفرهم {إِنَّ الله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور} بِمَا فِي الْقُلُوب من الْخَيْر وَالشَّر

24

{نُمَتِّعُهُمْ} نعيشهم {قَلِيلاً} يَسِيرا فِي الدُّنْيَا {ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ} نصيرهم وَيُقَال نلجئهم {إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ} شَدِيد لوناً بعد لون

25

{وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ} يَا مُحَمَّد {مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض لَيَقُولُنَّ} كفار مَكَّة خلقهما {الله قُلِ الْحَمد لِلَّهِ} الشُّكْر لله فاشكروه {بَلْ أَكْثَرُهُمْ} كلهم {لاَ يَعْلَمُونَ} تَوْحِيد الله وَلَا يشكرون نعمه

26

{لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَات} من الْخلق {وَالْأَرْض إِنَّ الله هُوَ الْغَنِيّ} عَن خلقه {الحميد} الْمَحْمُود فِي فعاله

27

{وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْض مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ} تبرى أقلاماً {وَالْبَحْر يَمُدُّهُ} يُعْطِيهِ المدد {مِن بَعْدِهِ} من بعد مَا صيرت {سَبْعَةُ أَبْحُرٍ} مداداً فَكتب بهَا كَلَام الله وَعلم الله {مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ الله} كَلَام الله وَعلم الله يُقَال تَدْبِير الله {إِنَّ الله عَزِيزٌ} فِي ملكه وسلطانه {حَكِيمٌ} فِي أمره وقضائه

28

{مَّا خَلْقُكُمْ} على الله إِذْ خَلقكُم {وَلاَ بَعْثُكُمْ} إِذْ يبعثكم {إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} إِلَّا بِمَنْزِلَة نفس وَاحِدَة {إِنَّ الله سَمِيعٌ} لمقالتكم كَيفَ يبعثنا {بَصِيرٌ} ببعثكم

29

{أَلَمْ تَرَ} ألم تخبر فِي الْقُرْآن {أَنَّ الله يُولِجُ اللَّيْل فِي النَّهَار} يزِيد اللَّيْل على النَّهَار فَيكون اللَّيْل خمس عشرَة سَاعَة وَالنَّهَار تسع سَاعَات {وَيُولِجُ النَّهَار فِي اللَّيْل} يزِيد النَّهَار على اللَّيْل فَيكون النَّهَار خمس عشرَة سَاعَة وَاللَّيْل تسع سَاعَات {وَسَخَّرَ الشَّمْس} ذلل الشَّمْس {وَالْقَمَر كُلٌّ يجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى} إِلَى وَقت مَعْلُوم فِي منَازِل مَعْرُوفَة لَهما {وَأَنَّ الله بِمَا تَعْمَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر {خَبِير}

30

{ذَلِكَ} الْقُدْرَة لِتَعْلَمُوا وتقروا {بِأَنَّ الله هُوَ الْحق} بِأَن عِبَادَته هُوَ الْحق {وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ} يعْبدُونَ {مِن دُونِهِ} من دون الله {الْبَاطِل} هُوَ الْبَاطِل {وَأَنَّ الله هُوَ الْعلي} أَعلَى كل شَيْء {الْكَبِير} أكبر كل شَيْء

31

{أَلَمْ تَرَ} ألم تخبر {أَنَّ الْفلك} السفن {تَجْرِي فِي الْبَحْر بِنِعْمَةِ الله} بمنة الله {لِيُرِيَكُمْ مِّنْ آيَاتِهِ} من عجائبه {إِنَّ فِي ذَلِكَ} فِيمَا ذكرت {لآيَاتٍ} لعلامات وعبرات {لِّكُلِّ صَبَّارٍ} على الطَّاعَة {شَكُورٍ} بنعم الله

32

{وَإِذَا غَشِيَهُمْ} ركبهمْ {مَّوْجٌ} غمر {كالظلل} فِي الِارْتفَاع كالسحاب فَوْقهم {دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدّين} مفردين لَهُ بالدعوة {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ} من الْبَحْر {إِلَى الْبر} إِلَى الْقَرار {فَمِنْهُمْ} من الْكفَّار {مُّقْتَصِدٌ} بالْقَوْل وَالْفِعْل فَيكون أَلين مِمَّا كَانَ قبل ذَلِك {وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ} غدار {كَفُورٍ} كَافِر بِاللَّه وبنعمته

33

{يَا أَيهَا النَّاس} يَا أهل مَكَّة {اتَّقوا رَبَّكُمْ} أطِيعُوا ربكُم {واخشوا يَوْماً} عَذَاب يَوْم

{لاَّ يَجْزِي} لَا يُغني {وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ} مغن {عَن وَالِدِهِ شَيْئاً} عَذَاب الله {إِنَّ وَعْدَ الله} الْبَعْث بعد الْمَوْت {حَقٌّ} كَائِن صدق {فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاة الدنيآ} مَا فِي الدُّنْيَا من الزهرة وَالنَّعِيم {وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بِاللَّه الْغرُور} الشَّيْطَان وَيُقَال الأباطيل إِن قَرَأت بِضَم الْغَيْن

34

{إِنَّ الله عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَة} علم قيام السَّاعَة وَهُوَ مخزون عَن الْعباد {وَيُنَزِّلُ الْغَيْث} الْمَطَر يعلم نزُول الْغَيْث وَهُوَ مخزون عَن الْعباد {وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَام} من الْوَلَد ذكر أَو أُنْثَى تَامّ أَو غَيره شقي أَو سعيد وَهُوَ مخزون عَن الْعباد {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً} من الْخَيْر وَالشَّر وَهُوَ مخزون عَن الْعباد {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} بِأَيّ قدم تُؤْخَذ وَهُوَ مخزون عَن الْعباد {إِنَّ الله عَلَيمٌ} بخلقه {خَبِير} بأعمالهم وَبِمَا يصيبهم من النَّفْع والضر {إِن الله عليم} بخلقه {خَبِير} بأعمالهم وَبِمَا يصيبهم من النَّفْع والضر وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا السَّجْدَة وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها تسع وَعِشْرُونَ وكلماتها ثَلَاثمِائَة وَثَلَاثُونَ كلمة وحروفها ألف وَخَمْسمِائة وَثَمَانِية عشر {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

السجدة

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {الم} يَقُول أَنا الله أعلم وَيُقَال قسم أقسم بِهِ

2

{تَنْزِيل الْكتاب} إِن هَذَا الْكتاب تكليم من الله {لاَ رَيْبَ فِيهِ} لَا شكّ فِيهِ أَنه {مِن رَّبِّ الْعَالمين}

3

{أَمْ يَقُولُونَ} بل يَقُولُونَ كفار مَكَّة {افتراه} اختلق مُحَمَّد الْقُرْآن من تِلْقَاء نَفسه {بَلْ هُوَ الْحق} يَعْنِي الْقُرْآن {مِن رَّبِّكَ} نزل بِهِ جِبْرِيل عَلَيْك {لِتُنذِرَ} بِهِ لكَي تخوف بِالْقُرْآنِ {قَوْماً} يَعْنِي قُريْشًا {مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ} لم يَأْتهمْ رَسُول مخوف قبلك يَا مُحَمَّد {لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} من الضَّلَالَة

4

{الله الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنَهُمَا} من الْخلق والعجائب {فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} من أَيَّام أول الدُّنْيَا طول كل يَوْم ألف سنة مِمَّا تَعدونَ من سِنِين الدُّنْيَا أول يَوْم مِنْهَا يَوْم الْأَحَد وَآخر يَوْم مِنْهَا يَوْم الْجُمُعَة {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش} وَكَانَ الله على الْعَرْش قبل أَن خلقهما {مَا لَكُمْ} يَا أهل مَكَّة {مِّن دُونِهِ} من دون الله {مِن وَلِيٍّ} من قريب ينفعكم {وَلاَ شَفِيعٍ} يشفع لكم من عَذَاب الله {أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ} تتعظون بِالْقُرْآنِ فتؤمنوا

5

{يُدَبِّرُ الْأَمر مِنَ السمآء إِلَى الأَرْض} يبْعَث الْمَلَائِكَة بِالْوَحْي والتنزيل والمصيبة {ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} يصعد إِلَيْهِ يَعْنِي الْمَلَائِكَة {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ} مِقْدَار صُعُوده على غير الْمَلَائِكَة {أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} من سِنِين الدُّنْيَا

6

{ذَلِك} الْمُدبر {عَالِمُ الْغَيْب} مَا غَابَ عَن الْعباد وَمَا يكون {وَالشَّهَادَة} مَا علمه الْعباد وَمَا كَانَ {الْعَزِيز} بالنقمة من الْكفَّار {الرَّحِيم} بِالْمُؤْمِنِينَ

7

{الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} أحكم كل شَيْء خلقه {وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَان} يَعْنِي آدم {مِن طِينٍ} أَخذ من أَدِيم الأَرْض

8

{ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ} ذُريَّته {مِن سُلاَلَةٍ} نُطْفَة

{مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ} من نُطْفَة ضَعِيفَة من مَاء الرجل وَالْمَرْأَة

9

{ثُمَّ سَوَّاهُ} جمع خلقه فِي بطن أمه {وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ} جعل الرّوح فِيهِ {وَجَعَلَ لَكُمُ السّمع} خلق لكم السّمع لكَي تسمعوا بِهِ الْحق وَالْهدى {والأبصار} لكَي تبصروا بهَا الْحق وَالْهدى {والأفئدة} يَعْنِي الْقُلُوب لكَي تفقهوا بهَا الْحق وَالْهدى {قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ} شكركم بِمَا صنع إِلَيْكُم قَلِيل

10

{وَقَالُوا} يعْنى أَبَا جهل وَأَصْحَابه {أئذا ضللنا} هلكنا {فِي الأَرْض} بعد الْمَوْت {أئنا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} تجدّد بعد الْمَوْت هَذَا مَا لايكون {بَلْ هُم بِلَقَآءِ رَبِّهِمْ} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت {كافرون} جاحدون

11

{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {يَتَوَفَّاكُم} يقبض أرواحكم {مَّلَكُ الْمَوْت الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} بِقَبض أرواحكم {ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} فِي الْآخِرَة

12

{وَلَو ترى إِذْ المجرمون} الْمُشْركُونَ {ناكسو رؤوسهم} مطأطئو رُءُوسهم {عِندَ رَبِّهِمْ} يَوْم الْقِيَامَة {رَبَّنَآ} يَقُولُونَ يَا رَبنَا {أبصرنا} علمنَا مالم نعلم {وَسَمِعْنَا} أيقنا بِمَا لم نَكُنْ بِهِ موقنين {فارجعنا} حَتَّى نؤمن بك {نَعْمَلْ صَالِحاً} خَالِصا {إِنَّا مُوقِنُونَ} مقرون بك وبكتابك وَرَسُولك وبالبعث بعد الْمَوْت

13

{وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا} لأعطينا {كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} تقواها {وَلَكِن حَقَّ القَوْل} وَجب القَوْل {مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجنَّة وَالنَّاس} من كفار الْجِنّ وَالْإِنْس {أَجْمَعِينَ} لَوْلَا ذَلِك لأكرمت كل نفس بالمعرفة والتوحيد

14

{فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ} تركْتُم الْإِقْرَار وَالْعَمَل {لِقَآءَ يومكم} بلقاء يومكم {هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ} تركناكم فِي النَّار {وَذُوقُواْ عَذَابَ الْخلد} الدَّائِم {بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} فِي الْكفْر

15

{إِنَّمَا يُؤمن} يصدق {بِآيَاتِنَا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {الَّذين إِذَا ذُكِّرُواْ} دعوا {بِهَا} إِلَى الصَّلَوَات الْخمس بِالْأَذَانِ وَالْإِقَامَة {خَرُّواْ سُجَّداً} أَتَوا تواضعاً {وَسَبَّحُواْ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} صلوا بِأَمْر رَبهم {وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ} لَا يتعظمون عَن الْإِيمَان بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن والصلوات الْخمس فِي الْجَمَاعَة نزلت هَذِه الْآيَة فِي شَأْن الْمُنَافِقين وَكَانُوا لَا يأْتونَ الصَّلَاة إِلَّا كسَالَى متثاقلين

16

{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ} تتقلب جنُوبهم {عَنِ الْمضَاجِع} عَن الْفراش بعد النّوم بِاللَّيْلِ لصَلَاة التَّطَوُّع {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} يعْبدُونَ رَبهم بالصلوات الْخمس وَيُقَال ترفع جنُوبهم من الْفراش حَتَّى يصلوا صَلَاة الْعشَاء الْأَخِيرَة وَيُقَال ترفع جنُوبهم عَن الْفراش بعد النّوم بِاللَّيْلِ لصَلَاة التَّطَوُّع {خَوْفاً} مِنْهُ وَمن عَذَابه {وَطَمَعاً} إِلَيْهِ وَإِلَى رَحمته {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} أعطيناهم من المَال {يُنفِقُونَ} يتصدقون بِهِ

17

{فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ} فَلَيْسَ تعلم أنفسهم {مَّآ أُخْفِيَ لَهُم} مَا أعد لَهُم وَمَا رفع لَهُم وَمَا ذخر لَهُم {مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ} من طيبَة النَّفس وَالثَّوَاب والكرامة فِي الْجنَّة {جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} فِي الدُّنْيَا من الْخيرَات

18

{أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً} مُصدقا فِي إيمَانه وَهُوَ عَليّ بن أبي طَالب {كَمَن كَانَ فَاسِقاً} منافقاً فِي إيمَانه وَهُوَ الْوَلِيد بن عقبَة بن أبي معيط {لاَّ يَسْتَوُونَ} فِي الدُّنْيَا بِالطَّاعَةِ وفى الْآخِرَة بِالصَّوَابِ والكرامة عِنْد الله وَكَانَ بَينهمَا كَلَام وتنازع حَتَّى قَالَ على بن أَبى طَالب رضى الله عَنهُ يَا فَاسق

19

ثمَّ بيَّن مستقرهما بعد الْمَوْت فَقَالَ {أَمَّا الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الْخيرَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {فَلَهُمْ جَنَّاتُ المأوى نُزُلاً} منزلا ثَوابًا لَهُم فِي الْآخِرَة {بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} فِي الدُّنْيَا من الْخيرَات

20

{وَأَمَّا الَّذين فَسَقُواْ}

نافقوا فِي إِيمَانهم {فَمَأْوَاهُمُ} فمصيرهم {النَّار كُلَّمَآ أَرَادوا أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَآ} من النَّار {أُعِيدُواْ} ردوا {فِيهَا} فِي النَّار بمقامع الْحَدِيد {وَقِيلَ لَهُمْ} قَالَت لَهُم الزَّبَانِيَة {ذُوقُواْ عَذَابَ النَّار الَّذِي كُنْتُم بِهِ} فِي الدُّنْيَا {تكذبون} أَنه لَا يكون

21

{وَلَنُذِيقَنَّهُمْ} لنصيبنهم يَعْنِي كفار مَكَّة {مِّنَ الْعَذَاب الْأَدْنَى} من عَذَاب الدُّنْيَا بِالْقَحْطِ والجدوبة والجوع وَالْقَتْل وَغير ذَلِك وَيُقَال عَذَاب الْقَبْر {دُونَ الْعَذَاب الْأَكْبَر} قبل عَذَاب النَّار يخوفهم بذلك {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} عَن كفرهم فيتوبوا

22

{وَمَنْ أَظْلَمُ} لَيْسَ أحد أَعْتَى وأظلم {مِمَّن ذُكِّرَ} وعظ {بِآيَاتِ رَبِّهِ} نزلت فِي الْمُنَافِقين الْمُسْتَهْزِئِينَ بِالْقُرْآنِ {ثمَّ أعرض عَنْهَا} جاحدابها {إِنَّا من الْمُجْرمين} منالمشركين {منتقمون} بِالْعَذَابِ

23

{وَلَقَدْ آتَيْنَا} أعطينا {مُوسَى الْكتاب} التَّوْرَاة جملَة وَاحِدَة {فَلَا تكن} يامحمد {فِي مِرْيَةٍ} فِي شكّ {مِّن لِّقَآئِهِ} من لِقَاء مُوسَى لَيْلَة أسرِي بك إِلَى بَيت الْمُقَدّس {وَجَعَلْنَاهُ} يَعْنِي كتاب مُوسَى {هُدىً لبني إِسْرَائِيلَ} من الضَّلَالَة

24

{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ} من بني إِسْرَائِيل {أَئِمَّةً} قادة بِالْخَيرِ {يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} يدعونَ الْخلق إِلَى أمرنَا {لَمَّا صَبَرُواْ} حِين صَبَرُوا على الْإِيمَان وَالطَّاعَة {وَكَانُوا بِآيَاتِنَا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {يُوقِنُونَ} يصدقون فِي كِتَابهمْ

25

{إِن رَبك} يامحمد {هُوَ يَفْصِلُ} يقْضِي {بَيْنَهُمْ} بَين الْكَافِر وَالْمُؤمن وَيُقَال بَين بني إِسْرَائِيل {يَوْمَ الْقِيَامَة فِيمَا كَانُواْ فِيهِ} فِي الدّين {يَخْتَلِفُونَ} يخالفون

26

{أولم يهد لَهُم} أولم يبيِّن لكفار مَكَّة {كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِمْ} بِالْعَذَابِ {مِّنَ الْقُرُون} الْمَاضِيَة {يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ} فِي مَنَازِلهمْ منَازِل قوم شُعَيْب وَصَالح وَهود {إِن فِي ذَلِك} فِيمَا فعلنَا بهم {لآيَات} لعلامات وعبرات لمن بعدهمْ (أَفَلاَ يَسْمَعُونَ) أَفلا يطيعون من فعل بهم ذَلِك

27

(أَوَلَمْ يَرَوْاْ) يعلمُوا كفار مَكَّة {أَنَّا نَسُوقُ المآء إِلَى الأَرْض الجرز} الملساء الَّتِي لَا نَبَات فِيهَا {فَنُخْرِجُ بِهِ} بالمطر {زَرْعاً} نباتاً {تَأْكُلُ مِنْهُ} من العشب {أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ} من الْحُبُوب وَالثِّمَار والبقول {أَفَلاَ يُبْصِرُونَ} أَفلا يعلمُونَ أَنه من الله

28

{وَيَقُولُونَ} يَعْنِي بني خُزَيْمَة وَبني كنَانَة {مَتى هَذَا الْفَتْح} فتح مَكَّة {إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} أَن يفتح لكم يسخرون بذلك على الْمُؤمنِينَ

29

{قُلْ} يَا مُحَمَّد لبني خُزَيْمَة وكنانة {يَوْمَ الْفَتْح} فتح مَكَّة {لاَ يَنفَعُ الَّذين كفرُوا} بني خُزَيْمَة {إِيَمَانُهُمْ} من الْقَتْل {وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ} يؤجلون من الْقَتْل

30

{فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} عَن بني خُزَيْمَة وَلَا تشتغل بهم {وانتظر} هلاكهم يَوْم فتح مَكَّة {إِنَّهُمْ مُّنتَظِرُونَ} هلاكك فأهلكهم الله يَوْم فتح مَكَّة

وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْأَحْزَاب وهى كلهَا مَدَنِيَّة آياتها ثَلَاثَة وَتسْعُونَ وكلماتها ألف ومائتان وَاثْنَانِ وَثَمَانُونَ وحروفها خَمْسَة آلَاف وَسَبْعمائة {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

الأحزاب

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّبِي اتَّقِ الله} يَقُول اخش الله فِي نقض الْعَهْد قبل أَجله {وَلاَ تُطِعِ الْكَافرين} من أهل مَكَّة أَبَا سُفْيَان ابْن حَرْب وَعِكْرِمَة بن أبي جهل وَأَبا الْأَعْوَر الْأَسْلَمِيّ {وَالْمُنَافِقِينَ} من أهل الْمَدِينَة عبد الله بن أَبى سلول ومعتب بن قُشَيْر وجد بن قيس فِيمَا يأمرونك من الْمعْصِيَة {إِنَّ الله كَانَ عَلِيماً} بمقالتهم وإرادتهم قَتلك {حَكِيماً} حكم الْوَفَاء بالعهد ونهاكم عَن نقض الْعَهْد

2

{وَاتبع} يَا مُحَمَّد {مَا يُوحى إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ} اعْمَلْ بِمَا تُؤمر بِالْقُرْآنِ {إِنَّ الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ} من وَفَاء الْعَهْد ونقضه {خَبِيرا}

3

{وَتَوَكَّلْ على الله وَكفى بِاللَّه وَكِيلاً} كَفِيلا بِمَا وعد لَك من النُّصْرَة والدولة وَيُقَال حفيظا مِنْهُم

4

{مَّا جَعَلَ الله لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} فِي صَدره نزلت فِي أبي معمر جميل بن أَسد كَانَ يُقَال لَهُ ذُو قلبين من حفظ حَدِيثه {وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللائي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ} بِالْيَمِينِ {أُمَّهَاتِكُمْ} كأمهاتكم فِي الْحَرَام نزلت فِي أَوْس بن الصَّامِت أخي عبَادَة ابْن الصَّامِت وَامْرَأَته خَوْلَة {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ} الَّذين تبنيتم فى العون والنصرة {أبناءكم} كأبناءكم من النّسَب {ذَلِكُم قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ} بألسنتكم فِيمَا بَيْنكُم {وَالله يَقُولُ الْحق} يبين الْحق {وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيل} يدل إِلَى الصَّوَاب

5

{ادعوهُمْ لآبَآئِهِمْ} انسبوهم إِلَى آبَائِهِم {هُوَ أَقْسَطُ} هُوَ أفضل وأصوب وَأَعْدل {عِندَ الله} فِي النِّسْبَة {فَإِن لَّمْ تعلمُوا آبَاءَهُمْ} نِسْبَة آبَائِهِم {فَإِخوَانُكُمْ فِي الدّين} فادعوهم باسم إخْوَانكُمْ فِي الدّين عبد الله وَعبد الرَّحْمَن وَعبد الرَّحِيم وَعبد الرَّزَّاق {وَمَوَالِيكُمْ} وباسم مواليكم {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ} مأثم {فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ} من النِّسْبَة {وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ} بِهِ عقدت بِهِ {قُلُوبُكُمْ} بالفرية أَن تنسبوهم إِلَى غير آبَائِهِم يُؤَاخِذكُم الله بذلك {وَكَانَ الله غَفُوراً} فِيمَا مضى {رَّحِيماً} فِيمَا يكون نزلت هَذِه الْآيَة فِي شَأْن زيد بن حَارِثَة وَكَانَ قد تبناه النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانُوا يَقُولُونَ زيد بن مُحَمَّد فنهاهم الله عَن ذَلِك ودلهم إِلَى الصَّوَاب فَقَالَ

6

{النَّبِي أولى بِالْمُؤْمِنِينَ} أَحَق بِحِفْظ أَوْلَاد الْمُؤمنِينَ {مِنْ أَنْفُسِهِمْ} من بعد مَوْتهمْ لقَوْل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مَاتَ وَترك كلا فالى أودينا فعلي أَو مَالا فلورثته {وَأَزْوَاجُهُ} أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {أُمَّهَاتُهُمْ} كأمهاتهم فِي الْحُرْمَة {وَأُوْلُو الْأَرْحَام} ذُو الْقَرَابَة فِي النّسَب {بَعْضُهُمْ أولى} أَحَق {بِبَعْضٍ} بِالْمِيرَاثِ {فِي كِتَابِ الله} هَكَذَا مَكْتُوب فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ وَيُقَال فِي التَّوْرَاة وَيُقَال فِي الْقُرْآن {مِنَ الْمُؤمنِينَ والمهاجرين إِلاَّ أَن تَفعلُوا إِلَى أَوْلِيَآئِكُمْ} فِي الدّين أَو أصدقائكم {مَّعْرُوفاً} وَصِيَّة من الثُّلُث {كَانَ ذَلِكَ} الْمِيرَاث لِلْقَرَابَةِ وَالْوَصِيَّة للأولياء {فِي الْكتاب مَسْطُوراً} فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ مَكْتُوبًا وَيُقَال فِي التَّوْرَاة مَكْتُوبًا يعْمل بِهِ بَنو إِسْرَائِيل

7

{وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيين مِيثَاقَهُمْ} إقرارهم على عهودهم أَن يبلغ بَعضهم بَعْضًا {وَمِنْكَ} أَوله أَخذنَا مِنْك أَن تبلغ قَوْمك خبر

الرُّسُل والكتب قبلك وتأمرهم أَن يُؤمنُوا بِهِ {وَمِن نُّوحٍ} وأخذنا من نوح {وَإِبْرَاهِيمَ} وأخذنا من إِبْرَاهِيم {ومُوسَى} وأخذنا من مُوسَى {وَعِيسَى ابْن مَرْيَمَ} وأخذنا من عِيسَى بن مَرْيَم {وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِّيثَاقاً غَلِيظاً} وثيقاً أَن يبلغ الرسَالَة الأول الآخر وَأَن يصدق الآخر الأول وَأَن يأمروا قَومهمْ أَن يُؤمنُوا بِهِ

8

{لِّيَسْأَلَ الصَّادِقين عَن صِدْقِهِمْ} المبلغين عَن تبليغهم الوافين عَن وفائهم وَالْمُؤمنِينَ عَن إِيمَانهم {وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ} بالكتب وَالرسل {عَذَاباً أَلِيماً} وجيعاً فِي النَّار يخلص وَجَعه إِلَى قُلُوبهم

9

{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ اذْكروا نِعْمَةَ الله} احْفَظُوا نعْمَة الله منَّة الله {عَلَيْكُمْ} بِدفع الْعَدو عَنْكُم بِالرِّيحِ ريح الصِّبَا وَالْمَلَائِكَة

10

{إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ} جموع الْكفَّار {فَأَرْسَلْنَا} فسلطنا {عَلَيْهِمْ رِيحاً} ريح الصِّبَا {وَجُنُوداً} صفا من الْمَلَائِكَة {لَّمْ تَرَوْهَا} يَعْنِي الْمَلَائِكَة {وَكَانَ الله بِمَا تَعْمَلُونَ} من الخَنْدَق وَغَيره {بَصِيراً إِذْ جاؤوكم} كفار مَكَّة {مِّن فَوْقِكُمْ} من فَوق الْوَادي طَلْحَة بن خويلد الْأَسدي وَأَصْحَابه {وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ} من أَسْفَل الْوَادي أَبُو الْأَعْوَر الْأَسْلَمِيّ وَأَصْحَابه وَأَبُو سُفْيَان وَأَصْحَابه {وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَار} مَالَتْ أبصار الْمُنَافِقين فِي الخَنْدَق عَن موضعهَا {وَبَلَغَتِ الْقُلُوب} قُلُوب الْمُنَافِقين {الْحَنَاجِر} انتفخت عِنْد الْحَنَاجِر من الْخَوْف الرئة {وَتَظُنُّونَ بِاللَّه الظنونا} وظننتم بِاللَّه يَا معشر الْمُنَافِقين أَن الله لَا ينصر نبيه

11

{هُنَالِكَ} عِنْد ذَلِك الْخَوْف {ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ} اختبر الْمُؤْمِنُونَ بالبلاء {وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً} أجهدوا جهداً شَدِيدا وحركوا تحريكاً شَدِيدا

12

{وَإِذْ يَقُولُ المُنَافِقُونَ} عبد الله بن أبي ابْن سلول وَأَصْحَابه {وَالَّذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} شكّ ونفاق معتب بن قُشَيْر وَأَصْحَابه {مَّا وَعَدَنَا الله وَرَسُولُهُ} من فتح الْمَدَائِن ومجيء الْكفَّار {إِلاَّ غُرُوراً} بَاطِلا

13

{وَإِذْ قَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ} من بني حَارِثَة بن الْحَرْث لأصحابهم فى الخَنْدَق {يَا أهل يَثْرِبَ} يعنون يَا أهل الْمَدِينَة {لاَ مُقَامَ لَكُمْ} لَا مَكَان لكم فِي الخَنْدَق عِنْد الْقِتَال {فَارْجِعُوا} إِلَى الْمَدِينَة {وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ} من الْمُنَافِقين بنى حَارِثَة {النَّبِي} صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالرُّجُوعِ إِلَى الْمَدِينَة {وَيَقُولُونَ} ائْذَنْ لنا يَا نَبِي الله بِالرُّجُوعِ إِلَى الْمَدِينَة {إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ} خَالِيَة من الرِّجَال نَخَاف عَلَيْهَا سرق السراق {وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ} بخالية {إِن يُرِيدُونَ} مَا يُرِيدُونَ بذلك {إِلاَّ فِرَاراً} من الْقَتْل

14

{وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ} على الْمُنَافِقين بِالْمَدِينَةِ {مِّنْ أَقْطَارِهَا} من نَوَاحِيهَا {ثُمَّ سُئِلُواْ الْفِتْنَة} دعوا إِلَى الشّرك {لآتَوْهَا} لأجابوها سَرِيعا {وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَآ} وَمَا مَكَثُوا بإجابتها وَيُقَال بِالْمَدِينَةِ بعد إجابتهم إِلاَّ يَسِيراً {قَلِيلا}

15

{وَلَقَدْ كَانُواْ عَاهَدُواْ الله مِن قَبْلُ} من قبل الخَنْدَق يَوْم الْأَحْزَاب {لاَ يُوَلُّونَ الأدبار} منهزمين من الْمُشْركين {وَكَانَ عَهْدُ الله} نَاقض عهد الله {مسؤولا} يَوْم الْقِيَامَة عَن نقضه

16

{قُل} يَا مُحَمَّد لبني حَارِثَة {لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَار إِن فَرَرْتُمْ مِّنَ الْمَوْت أَوِ الْقَتْل وَإِذاً لاَّ تُمَتَّعُونَ} لَا تعيشون فِي الدُّنْيَا {إِلاَّ قَلِيلاً} يَسِيرا

17

{قُلْ} يَا مُحَمَّد لبني حَارِثَة {مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ} يمنعكم {مِّنَ الله} من عَذَاب الله {إِن أَرَادَ بكم سوءا} عذَابا بِالْقَتْلِ {أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً} عَافِيَة من الْقَتْل {وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ} لبني حَارِثَة {من دون الله} من عَذَاب الله {وليا} حَافِظًا يحفظهم من عَذَاب الله {وَلاَ نَصِيراً} مَانِعا يمنعهُم من عَذَاب الله

18

{قَدْ يَعْلَمُ الله المعوقين} المانعين بِالرُّجُوعِ إِلَى الخَنْدَق {مِنكُمْ} يَعْنِي الْمُنَافِقين {والقآئلين لإِخْوَانِهِمْ} لأصحابهم الْمُنَافِقين {هَلُمَّ إِلَيْنَا} بِالْمَدِينَةِ وَكَانَ هَؤُلَاءِ عبد الله بن أبي وجد بن قيس ومعتب بن قُشَيْر {وَلاَ يَأْتُونَ الْبَأْس} الْقِتَال عَن عبد الله بن أبي وصاحباه {إِلاَّ قَلِيلاً} رِيَاء وَسُمْعَة

19

{أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ} أشفقة عَلَيْكُم قَالُوا ذَلِك وَيُقَال بخلا بِالنَّفَقَةِ عَلَيْكُم

{فَإِذَا جَآءَ الْخَوْف} خوف الْعَدو {رَأَيْتَهُمْ} يَا مُحَمَّد الْمُنَافِقين فِي الخَنْدَق {يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدورُ أَعْيُنُهُمْ} تتقلب أَعينهم فِي الجفون {كَالَّذي يغشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْت} كمن هُوَ فِي غشيان الْمَوْت ونزعاته {فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْف} خوف الْعَدو {سَلَقُوكُمْ} طعنوكم وعابوكم {بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} ذُرِّيَّة سليطة أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْر بخيلة بِالنَّفَقَةِ فِي سَبِيل الله {أُولَئِكَ} أهل هَذِه الصّفة {لَمْ يُؤْمِنُواْ} لم يصدقُوا فِي إِيمَانهم {فَأَحْبَطَ الله أَعْمَالهم} فَأبْطل الله بسيآتهم حسناتهم {وَكَانَ ذَلِكَ} إبِْطَال حسناتهم {عَلَى الله يَسِيرا} هينا

20

{يَحْسَبُونَ الْأَحْزَاب} يظنّ عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه أَن كفار مَكَّة {لَمْ يَذْهَبُواْ} بعد مَا ذَهَبُوا من الْخَوْف والجبن وَيُقَال ظنُّوا أَن لَا يذهبوا حَتَّى يقتلُوا مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام {وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَاب} كفار مَكَّة {يَوَدُّواْ} يتَمَنَّى عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه {لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَاب} خارجون من الْمَدِينَة من خوفهم وجبنهم {يَسْأَلُونَ} فِي الْمَدِينَة {عَنْ أَنبَآئِكُمْ} عَن أخباركم فِي الخَنْدَق {وَلَوْ كَانُواْ فِيكُمْ} مَعكُمْ فِي الخَنْدَق {مَّا قَاتلُوا إِلاَّ قَلِيلاً} رِيَاء وَسُمْعَة

21

{لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} سنة حَسَنَة واقتداء صَالح بِالْجُلُوسِ مَعَه فِي الخَنْدَق {لِّمَن كَانَ يَرْجُو الله} يَرْجُو كَرَامَة الله وثوابه وَيُقَال يخَاف الله {وَالْيَوْم الآخر} وَيخَاف عَذَاب الْآخِرَة {وَذكروا الله كَثِيراً} بِاللِّسَانِ وَالْقلب

22

ثمَّ ذكر نعت الْمُؤمنِينَ المخلصين فَقَالَ {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ} المخلصون {الْأَحْزَاب} كفار مَكَّة أَبَا سُفْيَان وَأَصْحَابه {قَالُواْ هَذَا مَا وَعَدَنَا الله وَرَسُولُهُ} لعدة الْأَيَّام {وَصَدَقَ الله وَرَسُولُهُ} فِي الميعاد وَكَانَ قد وعدهم النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يأتى الْأَحْزَاب تسعا أَو عشر يَعْنِي إِلَى عشرَة أَيَّام {وَمَا زَادَهُمْ} بِرُؤْيَة الْكفَّار {إِلاَّ إِيمَاناً} يَقِينا بقول الله تَعَالَى وَبقول رَسُوله {وَتَسْلِيماً} خضوعاً لأمر الله وَأمر الرَّسُول

23

{مِّنَ الْمُؤمنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ} وفوا {مَا عَاهَدُواْ الله عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قضى نَحْبَهُ} نَذره وَيُقَال قضى أَجله وَهُوَ حَمْزَة بن عبد الْمطلب عَم النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه {وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ} الْوَفَاء إِلَى الْمَوْت {وَمَا بدلُوا} غيروا الْعَهْد {تبديلا} تغيرا بِالنَّقْضِ

24

{لِّيَجْزِيَ الله الصَّادِقين بِصِدْقِهِمْ} الوافين بوفائهم {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقين إِن شَآءَ} إِن مَاتُوا على النِّفَاق {أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} قبل الْمَوْت {إِنَّ الله كَانَ غَفُوراً} لمن تَابَ {رَّحِيماً} لمن مَاتَ على التَّوْبَة

25

{وَرَدَّ الله} صرف الله {الَّذين كَفَرُواْ} كفار مَكَّة أَبَا سُفْيَان وَأَصْحَابه {بغيظهم} بحتفهم {لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً} لم يُصِيبُوا سُرُورًا وَلَا غنيمَة وَلَا دولة {وَكَفَى الله الْمُؤمنِينَ الْقِتَال} رفع الله مُؤنَة الْقِتَال عَن الْمُؤمنِينَ بِالرِّيحِ وَالْمَلَائِكَة {وَكَانَ الله قَوِيّاً} بنصر الْمُؤمنِينَ {عَزِيزاً} بنقمة الْكَافرين

26

{وَأَنزَلَ الَّذين ظَاهَرُوهُم} أعانوا كفار مَكَّة {مِّنْ أَهْلِ الْكتاب} وهم بَنو قُرَيْظَة وَالنضير كَعْب بن الْأَشْرَف حيى بن أَخطب وأصحابهما {مِن صَيَاصِيهِمْ} من قصورهم وحصونهم {وَقَذَفَ} وَجعل {فِي قُلُوبِهِمُ الرعب} الْخَوْف من مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه وَكَانُوا قبل ذَلِك لَا يخَافُونَ ويقاتلون {فَرِيقاً تَقْتُلُونَ} يَقُول تقتلون فريقاً مِنْهُم وهم الْمُقَاتلَة {وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً} مِنْهُم وهم الذَّرَارِي وَالنِّسَاء

27

{وأورثكم} أنزلكم

{أَرْضَهُمْ} قصورهم {وَدِيَارَهُمْ} مَنَازِلهمْ {وَأَمْوَالَهُمْ} جعل أَمْوَالهم غنيمَة لكم {وأرضا} أَرض خَيْبَر {لم تطؤوها} تملوكها بعد سَتَكُون لكم {وَكَانَ الله على كُلِّ شَيْء} من الْفَتْح والنصرة {قَدِيرًا}

28

{يَا أَيهَا النَّبِي} يعْنى مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {قُل لأَزْوَاجِكَ} لنسائك {إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاة الدُّنْيَا} مَا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا {وَزِينَتَهَا} زهرتها {فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ} مُتْعَة الطَّلَاق {وَأُسَرِّحْكُنَّ} أطلقكن {سَرَاحاً جَمِيلاً} طَلَاقا حسنا بِالسنةِ

29

{وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الله وَرَسُولَهُ} طَاعَة الله وَطَاعَة رَسُوله {وَالدَّار الْآخِرَة} يَعْنِي الْجنَّة {فَإِنَّ الله أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ} الصَّالِحَات {مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً} ثَوابًا وافرا فى الْجنَّة

30

{يَا نسَاء النَّبِي مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ} بزنا ظَاهِرَة بالشهود {يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَاب ضِعْفَيْنِ} بِالْجلدِ وَالرَّجم و {كَانَ ذَلِكَ} الْعَذَاب {عَلَى الله يَسِيراً} هيناً

31

{وَمَن يَقْنُتْ} يطع {مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً} خَالِصا فِيمَا بَينهَا وَبَين رَبهَا {نُؤْتِهَآ} نعطها {أَجْرَهَا} ثَوَابهَا {مَرَّتَيْنِ} ضعفين {وَأَعْتَدْنَا لَهَا رزقا كَرِيمًا} ثَوابًا حسنا فى الْجنَّة

32

{يَا نسَاء النَّبِي لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النسآء} لستن كَسَائِر النِّسَاء بالمعصية وَالطَّاعَة وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب {إِنِ اتقيتن} إِن أطعتن الله وَرَسُوله {فَلاَ تَخْضَعْنَ بالْقَوْل} فَلَا ترققن بالْقَوْل وتليين الْكَلَام مَعَ الْغَرِيب {فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} شَهْوَة الزِّنَا {وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً} صَحِيحا بِلَا رِيبَة

33

{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} استقررن فِي بيوتكن وَلَا تخرجن من الْبيُوت وَليكن عليكن الْوَقار {وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّة الأولى} وَلَا تتزين بزينة الْكفَّار فِي الثِّيَاب الرقَاق الملونة {وَأَقِمْنَ الصَّلَاة} أتممن الصَّلَوَات الْخمس {وَآتِينَ الزَّكَاة} أعطين زَكَاة أموالكن {وَأَطِعْنَ الله وَرَسُولَهُ} فِي الْمَعْرُوف {إِنَّمَا يُرِيدُ الله} بذلك {لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرجس} الْإِثْم {أَهْلَ الْبَيْت} يَا أهل بَيت النُّبُوَّة {وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} من الذُّنُوب

34

{واذكرن} واحفظن {مَا يُتْلَى} مَا يقْرَأ عليكن {فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ الله} الْقُرْآن {وَالْحكمَة} الْأَمر وَالنَّهْي والحلال وَالْحرَام {إِنَّ الله كَانَ لَطِيفاً} عَالما بِمَا فِي قلوبهن {خَبِيراً} بأعمالهن وَيُقَال لطيفا إِذْ أَمر النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُطَلِّقهُنَّ خَبِيرا بصلاحهن ثمَّ نزلت فِي قَول أم سَلمَة زوج النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونسيبة بنت كَعْب الْأَنْصَارِيَّة لقولهما يَا رَسُول الله مَا نرى الله يذكر النِّسَاء فِي شَيْء من الْخَيْر إِنَّمَا ذكر الرِّجَال فَنزل

35

{إِنَّ الْمُسلمين} الْمُوَحِّدين من الرِّجَال {وَالْمُسلمَات} الموحدات من النِّسَاء {وَالْمُؤمنِينَ} المقرين من الرِّجَال {وَالْمُؤْمِنَات} المقرات من النِّسَاء {والقانتين} المطيعين من الرِّجَال {والقانتات} المطيعات من النِّسَاء {والصادقين} فِي إِيمَانهم من الرِّجَال {والصادقات} فِي إيمانهن من النِّسَاء {وَالصَّابِرِينَ} على مَا أَمر الله والمرازي من الرِّجَال

{والصابرات} على مَا أَمر الله والمرازي من النِّسَاء {والخاشعين} المتواضعين من الرِّجَال {والخاشعات} المتواضعات من النِّسَاء {والمتصدقين} بِأَمْوَالِهِمْ من الرِّجَال {والمتصدقات} بأموالهن من النِّسَاء {والصائمين} من الرِّجَال {والصائمات} من النِّسَاء {والحافظين فُرُوجَهُمْ} عَن الْفُجُور من الرِّجَال {والحافظات} فروجهن من النِّسَاء {والذاكرين الله كَثِيراً} بِاللِّسَانِ وَالْقلب وَيُقَال بالصلوات الْخمس من الرِّجَال {وَالذَّاكِرَات} من النِّسَاء {أَعَدَّ الله لَهُم} للرِّجَال وَالنِّسَاء {مَّغْفِرَةً} لذنوبهم فِي الدُّنْيَا {وَأَجْراً عَظِيماً} ثَوابًا وافراً فى الْجنَّة

36

{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ} زيد {وَلاَ مُؤْمِنَةٍ} زَيْنَب {إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ أَمْراً} تزويجاً بَينهمَا {أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخيرَة} الِاخْتِيَار {مِنْ أَمْرِهِمْ} خلاف مَا اخْتَار الله وَرَسُوله لَهما {وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ} فِيمَا أمره {فَقَدْ ضَلَّ ضلالا مُبينًا} فقد أَخطَأ خطأ بَينا عَن أَمر الله

37

{وَإِذْ تَقُولُ للَّذي أَنعَمَ الله عَلَيْهِ} بِالْإِسْلَامِ يَعْنِي زيدا {وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} بِالْعِتْقِ {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} وَلَا تطلقها {وَاتَّقِ الله} واخش الله وَلَا تخل سَبِيلهَا {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ} تسر فِي نَفسك حبها وتزويجها {مَا الله مُبْدِيهِ} مظهره فِي الْقُرْآن {وَتَخْشَى النَّاس} تَسْتَحي من النَّاس من ذَلِك {وَالله أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ} أَن تَسْتَحي مِنْهُ {فَلَمَّا قضى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً} حَاجَة يَقُول إِذا خرجت من عدتهَا من زيد {زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤمنِينَ} بعْدك {حَرَجٌ} مأثم {فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئِهِمْ} فِي تَزْوِيج نسَاء من تبنوهم {إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً} حَاجَة إِذا خرجن من عدتهن بعد مَوْتهمْ أَو طلاقهن {وَكَانَ أَمْرُ الله} تَزْوِيج زَيْنَب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {مَفْعُولاً} كَائِنا وَيُقَال كَانَ أَمر الله قَضَاء الله مَفْعُولا كَائِنا

38

{مَّا كَانَ عَلَى النَّبِي مِنْ حَرَجٍ} من مأثم وضيق {فِيمَا فَرَضَ الله} فِيمَا رخص الله {لَهُ} من التَّزْوِيج {سُنَّةَ الله} هَكَذَا كَانَ قَضَاء الله {فِي الَّذين خَلَوْاْ} مضوا {من قبل} من قبل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَعْنِي دَاوُد فِي تَزْوِيج امْرَأَة أوريا وَيُقَال سُلَيْمَان فِي تَزْوِيج بلقيس {وَكَانَ أَمْرُ الله قَدَراً مَّقْدُوراً} كَانَ قَضَاء الله قَضَاء كَائِنا

39

{الَّذين} فِي تَزْوِيج الَّذين {يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ الله} يعْنى دَاوُد وَسليمَان وَمُحَمّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَيَخْشَوْنَهُ} يخَافُونَ الله فِي تَبْلِيغ الرسَالَة {وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ الله وَكفى بِاللَّه حَسِيباً} شَهِيدا

40

{مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ} يَعْنِي زيدا {وَلَكِن رَّسُولَ الله} وَلَكِن كَانَ مُحَمَّد رَسُول الله {وَخَاتَمَ النَّبِيين} ختم الله بِهِ النَّبِيين قبله فَلَا يكون نَبِي بعده {وَكَانَ الله بِكُلِّ شَيْءٍ} من قَوْلكُم وفعلكم {عليما}

41

{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {اذْكروا الله ذِكْراً كَثِيراً} بِاللِّسَانِ وَالْقلب عِنْد الْمعْصِيَة وَالطَّاعَة

42

{وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} صلوا لَهُ غدْوَة وعشياً

43

{هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ} يغْفر لكم {وَمَلاَئِكَتُهُ} يَسْتَغْفِرُونَ لكم {لِيُخْرِجَكُمْ مِّنَ الظُّلُمَات إِلَى النُّور} وَقد أخرجكم من الْكفْر إِلَى الْإِيمَان {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} رَفِيقًا

44

{تَحِيَّتُهُمْ} تَحِيَّة الْمُؤمنِينَ {يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ} يلقون الله {سَلاَمٌ} من الله وتسلم عَلَيْهِم الْمَلَائِكَة عِنْد أَبْوَاب الْجنَّة {وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً} ثَوابًا حسنا فى الْجنَّة

45

{يَا أَيهَا النَّبِي} يعْنى مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً} على أمتك بالبلاغ {وَمُبَشِّراً} بِالْجنَّةِ لمن آمن بِاللَّه {وَنَذِيراً} من النَّار لمن كفر بِهِ

46

{وَدَاعِياً إِلَى الله} إِلَى دين الله وطاعته {بِإِذْنِهِ} بأَمْره {وَسِرَاجاً مُّنِيراً} مضيئاً يقْتَدى بك فَلَمَّا نزل قَوْله {إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا ليغفر لَك الله مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر} قَالَ الْمُؤْمِنُونَ هَنِيئًا لَك يَا رَسُول الله بالمغفرة فَمَا لنا عِنْد الله فَقَالَ الله

47

{وَبَشِّرِ} يَا مُحَمَّد {الْمُؤمنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِّنَ الله فَضْلاً كِبِيراً} ثَوابًا عَظِيما فِي الْجنَّة

48

ثمَّ رَجَعَ إِلَى أول السُّورَة فَقَالَ {وَلاَ تُطِعِ} يَا مُحَمَّد {الْكَافرين} من أهل مَكَّة أَبَا سُفْيَان وَأَصْحَابه {وَالْمُنَافِقِينَ} من أهل الْمَدِينَة عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه {وَدَعْ أَذَاهُمْ} وَلَا تقتلهم يَا مُحَمَّد {وَتَوَكَّلْ عَلَى الله} ثق بِاللَّه {وَكفى بِاللَّه وَكِيلاً} كَفِيلا فِيمَا وعد لَك من النُّصْرَة وَيُقَال حفيظا

49

{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ} أَي إِذا تزوجتم {الْمُؤْمِنَات} وَلم تسموا مهورهن {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ} تجامعوهن {فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} بالشهور أَو الْحيض {فَمَتِّعُوهُنَّ} مُتْعَة الطَّلَاق درعاً وخماراً وَمِلْحَفَة أدنى شَيْء {وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً} طلقوهن طَلَاقا حسنا بِغَيْر أَذَى

50

{يَا أَيهَا النَّبِي إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ} أَعْطَيْت {أُجُورَهُنَّ} مهورهن {وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} مَارِيَة الْقبْطِيَّة {مِمَّآ أَفَآءَ الله عَلَيْكَ} مِمَّا فتح الله عَلَيْك {وَبَنَاتِ عَمِّكَ} وَأحل لَك تَزْوِيج بَنَات عمك {وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ} من بني عبد الْمطلب {وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاَتِكَ} من بني عبد منَاف بن زهرَة {اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ} من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة {وَامْرَأَة مُّؤْمِنَةً} مصدقة بتوحيد الله وَهِي أم شريك بنت جَابر العامرية {إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا} مهرهَا {لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِي أَن يَسْتَنكِحَهَا} أَن يتَزَوَّج بهَا بِغَيْر مهرهَا {خَالِصَةً لَّكَ} خُصُوصِيَّة لَك ورخصة لَك {مِن دُونِ الْمُؤمنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ} مَا أَحللنَا لَهُم وأوجبنا عَلَيْهِم على الْمُؤمنِينَ {فِي أَزْوَاجِهِمْ} الْأَرْبَع بِمهْر وَنِكَاح {وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} بِغَيْر عدد {لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ} مأثم وضيق فِي تَزْوِيج مَا أحل الله لَك {وَكَانَ الله غَفُوراً} لما كَانَ مِنْك {رَّحِيماً} فِيمَا رخص لَك

51

{تُرْجِي} تتْرك {مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ} من بَنَات عمك وَبَنَات خَالك وَلَا تتَزَوَّج بهَا {وَتُؤْوِي إِلَيْكَ} تضم إِلَيْك {مَن تَشَآءُ} فتتزوج بهَا {وَمَنِ ابْتَغَيْت} اخْتَرْت بِالتَّزْوِيجِ {مِمَّنْ عَزَلْتَ} تركت {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ} فَلَا حرج عَلَيْك وَيُقَال فِيهَا وَجه آخر تُرْجِي توقف من تشَاء مِنْهُنَّ من نِسَائِك وَلَا تأتيها تؤوى إِلَيْكَ تضم إِلَيْك مَن تَشَآءُ وتأتيها وَمَنِ ابتغت اخْتَرْت بالإتيان إِلَيْهَا مِمَّنْ عَزَلْتَ عَن الْإِتْيَان إِلَيْهَا فَلَا جنَاح فَلَا حرج عَلَيْك وَلَا مأثم عَلَيْك {ذَلِكَ} التَّوَسُّع والرخصة

{أدنى} أَي أَحْرَى {أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ} تطيب أَنْفسهنَّ إِن علِمْنَ أَن ذَلِك التَّوَسُّع من الله {وَلاَ يَحْزَنَّ} بمخافة الطَّلَاق {وَيَرْضَيْنَ بِمَآ آتَيْتَهُنَّ} أَعطيتهنَّ من قسْمَة الْبدن {كُلُّهُنَّ} مقدم ومؤخر {وَالله يَعْلَمُ مَا فِي قلُوبِكُمْ} من الرِّضَا والسخط {وَكَانَ الله عَلِيماً} بصلاحكم وصلاحهن {حَلِيماً} فِيمَا بيَّن لكم وَتجَاوز عَنْكُم

52

{لاَّ يَحِلُّ لَكَ النسآء} تَزْوِيج النِّسَاء {مِن بَعْدُ} هَذِه الصّفة وَيُقَال من بعد نِسَائِك التسع وَكَانَت عِنْده تسع نسْوَة عَائِشَة بنت أبي بكر وَحَفْصَة بنت عمر بن الْخطاب وَزَيْنَب بنت جحش الأَسدِية وَأم سَلمَة بنت أبي أُميَّة المَخْزُومِي وَأم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان بن حَرْب وَصفِيَّة بنت حيى ابْن أَخطب ومَيْمُونَة بنت الْحَارِث الْهِلَالِيَّة وَسَوْدَة بنت زَمعَة بن الْأسود وَجُوَيْرِية بنت الْحَارِث الْمُصْطَلِقِيَّة {وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ} مِمَّا بيّنت لَك من بَنَات عمك وخالك وَيُقَال وَلَا أَن تبدل بِهن من بَنَات عمك أَزْوَاجًا مِمَّا عنْدك من النِّسَاء يَقُول لَا يحل لَك أَن تطلق وَاحِدَة مِنْهُنَّ وتتزوج بِأُخْرَى {وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} حسن الْمَرْأَة فَلَيْسَ لَك أَن تتَزَوَّج بهَا {إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} مَارِيَة الْقبْطِيَّة {وَكَانَ الله على كُلِّ شَيْء} من أَعمالكُم {رقيبا} حفيظا

53

{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النَّبِي} نزلت هَذِه الْآيَة فِي قوم كَانُوا يدْخلُونَ فِي بيُوت النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غدْوَة وَعَشِيَّة فَيَجْلِسُونَ وينتظرون حِين الطَّعَام حَتَّى يَأْكُلُوا ثمَّ يتحدثون مَعَ نسَاء النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاغتنم بذلك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وسلمواستحيا أَن يَأْمُرهُم بِالْخرُوجِ وينهاهم عَن الدُّخُول فنهاهم الله عَن ذَلِك فَقَالَ {يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النَّبِي} بِغَيْر إِذن النَّبِي إِلَى طَعَام غير ناظرين إناه نضجه وحينه {إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ} بِالدُّخُولِ {إِلَى طَعَام غير ناظرين إناه} نضجه وحينه {وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فادخلوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ} أكلْتُم {فَانْتَشرُوا} فاخرجوا {وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ} وَلَا تجلسوا مستأنسين لحَدِيث مَعَ أَزوَاج النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِنَّ ذَلِكُمْ} الدُّخُول وَالْجُلُوس والْحَدِيث مَعَ أَزوَاج النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {كَانَ يُؤْذِي النَّبِي} صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ} أَن يَأْمُركُمْ بِالْخرُوجِ وينهاكم عَن الدُّخُول {وَالله لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحق} من أَن يَأْمُركُمْ بِالْخرُوجِ وينهاكم عَن الدُّخُول {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ} كلمتموهن يعْنى أَزوَاج النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {مَتَاعاً} كلَاما لَا بُد لكم مِنْهُ {فَاسْأَلُوهُنَّ} فكلموهن {مِن وَرَآءِ حِجَابٍ} من خلف السّتْر {ذَلِكُم} الَّذِي ذكرت {أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} من الرِّيبَة {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ الله} بِالدُّخُولِ عَلَيْهِ بِغَيْر إِذْنه والْحَدِيث مَعَ أَزوَاجه {وَلاَ أَن تنْكِحُوا} تتزوجوا {أَزْوَاجَهُ مِن بعده} من مَوته {أَبَداً} نزلت هَذِه الْآيَة فِي طَلْحَة بن عبيد الله أَرَادَ أَن يتَزَوَّج بعائشة بعد موت النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِنَّ ذَلِكُم} الَّذِي قُلْتُمْ وتمنيتم من تَزْوِيج أَزوَاجه بعد مَوته {كَانَ عِندَ الله عَظِيماً} ذَنبا عِنْده عَظِيما فِي الْعقُوبَة

54

{إِن تُبْدُواْ شَيْئاً} تظهروا شَيْئا من ذَلِك {أَوْ تُخْفُوهُ} تسروه {فَإِنَّ الله كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ} من الاسرار والإبداء {عَلِيماً} يُؤَاخِذكُم بِهِ

55

{لَا جنَاح عَلَيْهِنَّ} على أَزوَاج النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَزْوَاج الْمُؤمنِينَ {فِي آبَآئِهِنَّ} عَلَيْهِنَّ وَكَلَام آبائهن مَعَهُنَّ {وَلاَ أَبْنَآئِهِنَّ وَلاَ إِخْوَانِهِنَّ وَلاَ أَبْنَآءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلاَ أَبْنَآءِ أَخَوَاتِهِنَّ} من كلا الْوَجْهَيْنِ {وَلاَ نِسَآئِهِنَّ} نسَاء أهل دينهن وَلَا يحل لمسلمة أَن تتجرد عِنْد يَهُودِيَّة أَو نَصْرَانِيَّة أَو مَجُوسِيَّة {وَلاَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} الْإِمَاء دون العبيد {واتقين الله} فِي دُخُول هَؤُلَاءِ عَلَيْهِنَّ وكلامكن مَعَهم {إِنَّ الله كَانَ على كُلِّ شَيْءٍ} من أَعمالكُم {شَهِيداً}

56

{إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ} بِالدُّعَاءِ {وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً} لأَمره

57

{إِنَّ الَّذين يُؤْذُونَ الله وَرَسُولَهُ}

بالفرية عَلَيْهِمَا نزلت هَذِه الْآيَة فِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى {لَعَنَهُمُ الله} عذبهم الله {فِي الدُّنْيَا} بِالْقَتْلِ والإجلاء {وَالْآخِرَة} فِي النَّار {وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً} يهانون بِهِ

58

{وَالَّذين يُؤْذُونَ الْمُؤمنِينَ} يَعْنِي صَفْوَان {وَالْمُؤْمِنَات} يَعْنِي عَائِشَة بالفرية {بِغَيْرِ مَا اكتسبوا} يَعْنِي مَا كَانَ مِنْهُم ذَلِك {فَقَدِ احتملوا} قَالُوا {بُهْتَاناً وَإِثْماً} كذبا {مُّبِيناً} بَينا وَيُقَال نزلت هَذِه الْآيَة فِي حق زناة الْمَدِينَة كَانُوا يُؤْذونَ بذلك الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات فنهاهم الله عَن ذَلِك فَانْتَهوا

59

{يَا أَيهَا النَّبِي قُل لأَزْوَاجِكَ} لنسائك {وَبَنَاتِكَ} يَعْنِي بَنَات النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَنِسَآءِ الْمُؤمنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ} يرخين عَلَيْهِنَّ على نحورهن وجيوبهن {مِن جَلاَبِيبِهِنَّ} من جلبابهن وَهِي المقنعة والرداء {ذَلِك} الَّذِي ذكرت من أَمر الجلباب {أدنى} أَحْرَى {أَن يُعْرَفْنَ} بالحرائر {فَلاَ يُؤْذَيْنَ} فَلَا يؤذونهن الزناة {وَكَانَ الله غَفُوراً} بِمَا كَانَ مِنْهُنَّ {رَّحِيماً} فِيمَا يكون مِنْهُنَّ

60

{لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ المُنَافِقُونَ} عبد الله بن أُبي وَأَصْحَابه عَن الْمُنكر والخيانة {وَالَّذين فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ} شَهْوَة الزِّنَا وهم الزناة {والمرجفون فِي الْمَدِينَة} الطالبون عُيُوب الْمُؤمنِينَ فِي الْمَدِينَة وهم الْمُؤَلّفَة {لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ} لنسلطنك عَلَيْهِم {ثُمَّ لَا يجاورونك فِيهَا} لَا يساكنون مَعَك فى الْمَدِينَة {إِلاَّ قَلِيلاً} يَسِيرا

61

{مَّلْعُونِينَ} مقتولين {أَيْنَمَا ثقفوا} وجدوا {أُخِذُواْ وَقُتِّلُواْ تقتيلا}

62

{سُنَّةَ الله} هَكَذَا كَانَ عَذَاب الله فِي الدُّنْيَا {فِي الَّذين خَلَوْاْ} مضوا {مِن قَبْلُ} من قبلهم من الْمُنَافِقين لما كابروا النَّبِيين وَالْمُؤمنِينَ أَمر الله أنبياءهم أَن يقتلوهم {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله} لعذاب الله {تَبْدِيلاً} تغييراً فَلَمَّا نزلت هَذِه الْآيَة فيهم فَانْتَهوا عَن ذَلِك

63

{يَسْأَلُكَ النَّاس} أهل مَكَّة {عَنِ السَّاعَة} عَن قيام السَّاعَة {قُلْ} يَا مُحَمَّد {إِنَّمَا عِلْمُهَا} علم قِيَامهَا {عِندَ الله وَمَا يُدْرِيكَ} وَلم تدر {لَعَلَّ السَّاعَة تَكُونُ قَرِيباً} سَرِيعا

64

{إِنَّ الله لَعَنَ} عذب {الْكَافرين} كفار مَكَّة يَوْم بدر {وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً} نَارا وقوداً

65

{خَالِدِينَ فِيهَآ} فِي النَّار {أَبَداً} لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا {لاَّ يَجِدُونَ وَلِيّاً} حَافِظًا يحفظهم من عَذَاب الله {وَلاَ نَصِيراً} مَانِعا يمنعهُم من عَذَاب الله

66

{يَوْمَ تُقَلَّبُ} تجر {وُجُوهُهُمْ فِي النَّار يَقُولُونَ} يعْنى القادة والسفلة {يَا ليتنا أَطَعْنَا الله} بِالْإِيمَان {وَأَطَعْنَا الرسولا} بالإجابة

67

{وَقَالُواْ} يَعْنِي السفلة {رَبَّنَآ} يَا رَبنَا {إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا} رؤساءنا {وَكُبَرَآءَنَا} أشرافنا وعظماءنا {فَأَضَلُّونَا السبيلا} فصرفونا الدّين

68

{رَبَّنَآ} يَقُولُونَ يَا رَبنَا {آتِهِمْ} أعطهم يَعْنِي الرؤساء {ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَاب} مِمَّا علينا {والعنهم لعنا كَبِيرا} عذبهم عذَابا كَبِيرا

69

{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ} فِي إِيذَاء مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {كَالَّذِين آذَوْاْ مُوسَى} قَالُوا إِنَّه آدر {فَبرَّأَهُ الله مِمَّا قَالُواْ}

{وَكَانَ عِندَ الله وَجِيهاً} لَهُ الْقدر والمنزلة

70

{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ اتَّقوا الله} أطِيعُوا الله فِيمَا أَمركُم {وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً} عدلا لَا إِلَه إِلَّا الله

71

{يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} يقبل أَعمالكُم بِالتَّوْحِيدِ {وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} بِالتَّوْحِيدِ {وَمَن يُطِعِ الله} فِيمَا أمره {وَرَسُولَهُ} فِيمَا أمره {فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} فقد فَازَ بِالْجنَّةِ وَنَجَا من النَّار نجاة وافرة

72

{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَة} الطَّاعَة وَالْعِبَادَة {عَلَى السَّمَاوَات} على أهل السَّمَوَات {وَالْأَرْض وَالْجِبَال} على وَجه الِاخْتِيَار والتخصيص {فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا} بالثواب وَالْعِقَاب {وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا} خفن مِنْهَا من حملهَا {وَحَمَلَهَا الْإِنْسَان} آدم بالثواب وَالْعِقَاب {إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً} بحملها وَيُقَال بِأَكْلِهِ من الشَّجَرَة {جَهُولاً} بعاقبتها

73

فَلَمَّا نزلت بشرى الْمُؤمنِينَ بِالْفَضْلِ قَالَ المُنَافِقُونَ وَمَا لنا يَا رَسُول الله فَنزل {لِّيُعَذِّبَ الله الْمُنَافِقين} وَيُقَال قبل آدم الْأَمَانَة ليعذب الله الْمُنَافِقين لكَي يعذب الْمُنَافِقين من الرِّجَال {والمنافقات} من النِّسَاء {وَالْمُشْرِكين} من الرِّجَال {والمشركات} من النِّسَاء بتركهم الْأَمَانَة لأَنهم كَانُوا فِي صلب آدم حَيْثُ قبل آدم الْأَمَانَة {وَيَتُوبَ الله} لكَي يَتُوب الله {عَلَى الْمُؤمنِينَ} المخلصين من الرِّجَال {وَالْمُؤْمِنَات} المخلصات من النِّسَاء بِمَا يكون مِنْهُم من تَقْصِير الْأَمَانَة {وَكَانَ الله غَفُورًا} لمن تَابَ مِنْهُم {رحِيما} بِالْمُؤْمِنِينَ وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا سبأ وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها أَربع وَخَمْسُونَ آيَة وكلمها ثَمَانمِائَة وَثَلَاثَة وَثَمَانُونَ كلمة وحروفها ألف وخمسائة وَاثنا عشر حرفا {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

سبأ

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {الْحَمد لِلَّهِ} يَقُول الشُّكْر لله وَهُوَ أَن صنع إِلَى خلقه فحمدوه {الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات} من الْخلق {وَمَا فِي الأَرْض} من الْخلق {وَلَهُ الْحَمد} الْمِنَّة {فِي الْآخِرَة} على أهل الْجنَّة فِي الْجنَّة {وَهُوَ الْحَكِيم} فِي أمره وقضائه أَمر أَلا يعبد غَيره {الْخَبِير} الْعَلِيم بخلقه وبأعمالهم

2

{يَعْلَمُ مَا يَلْجُ} مَا يدْخل {فِي الأَرْض} من الأمطار والمياه والأموات والكنوز {وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا} وَيعلم مَا يخرج من الأَرْض من النَّبَات وَمن الْمِيَاه والكنوز والموتى {وَمَا يَنزِلُ مِنَ السمآء} من الأمطار والرزق وَغير ذَلِك {وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} وَيعلم مَا يصعد إِلَيْهَا من الْمَلَائِكَة والحفظة بديوان الْعباد {وَهُوَ الرَّحِيم} بِالْمُؤْمِنِينَ {الغفور} لمن تَابَ

3

{وَقَالَ الَّذين كَفَرُواْ} كفار مَكَّة أَبُو جهل وَأَصْحَابه {لاَ تَأْتِينَا السَّاعَة} قيام السَّاعَة {قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {بلَى وَرَبِّي} أقسم بِنَفسِهِ {لَتَأْتِيَنَّكُمْ} السَّاعَة قيام السَّاعَة {عَالِمِ الْغَيْب} مَا غَابَ عَن الْعباد يعلم ذَلِك {لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ} لَا يغيب عَن الله {مِثْقَالُ ذَرَّةٍ} وزن نملة وَهِي النملة الْحَمْرَاء الصَّغِيرَة {فِي السَّمَاوَات وَلاَ فِي الأَرْض} من أَعمال الْعباد

{وَلاَ أَصْغَرُ} أخف {مِن ذَلِك وَلاَ أَكْبَرُ} أثقل من ذَلِك {إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} مَكْتُوب فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ محصي عَلَيْهِم

4

{ليجزي} لكى يجزى {الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الْخيرَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {أُولَئِكَ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ} لذنوبهم فِي الدُّنْيَا {وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} ثَوَاب حسن فِي الْجنَّة

5

{وَالَّذين سَعَوْا} كذبُوا {فِي آيَاتِنَا} بِآيَاتِنَا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {مُعَاجِزِينَ} لَيْسُوا بفائتين من عذابنا {أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ} عَذَاب وجيع

6

{وَيَرَى} لكَي يرى {الَّذين أُوتُواْ الْعلم} أعْطوا الْعلم بِالتَّوْرَاةِ عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه {الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحق} يَعْنِي الْقُرْآن {وَيهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيز} يدل إِلَى دين الْعَزِيز بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ {الحميد} لمن وَحده

7

{وَقَالَ الَّذين كَفَرُواْ} كفار مَكَّة أَبُو سُفْيَان وَأَصْحَابه للسفلة {هَلْ نَدُلُّكُمْ على رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ} يُخْبِركُمْ {إِذَا مُزِّقْتُمْ} فرقتم فِي الأَرْض {كُلَّ مُمَزَّقٍ} كل مفرق الْجلد والعظم هَذَا مُحَمَّد يزْعم {إِنَّكُم لفي خلق جَدِيد} يجددفينا الرّوح بعد الْمَوْت

8

{أفترى} أختلق مُحَمَّد {عَلَى الله كَذِباً أَم بِهِ جِنَّةٌ} جُنُون قَالَ الله تَعَالَى {بَلِ الَّذين لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَة} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت {فِي الْعَذَاب} فِي الْآخِرَة {والضلال} الْخَطَأ {الْبعيد} عَن الْحق وَالْهدى فِي الدُّنْيَا

9

{أَفَلَمْ يَرَوْاْ} كفار مَكَّة {إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} فَوْقهم وتحتهم من السَّمَاء وَالْأَرْض {وَمَا خَلْفَهُمْ} فَوْقهم وتحتهم {مِّنَ السمآء وَالْأَرْض إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ} نغر {بِهِمُ الأَرْض} فِي الأَرْض {أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً} قطعا {مِّنَ السمآء} فنهلكهم {إِنَّ فِي ذَلِكَ} فِيمَا ذكرت لَهُم من السَّمَاء وَالْأَرْض (لآيَةً) لعبرة {لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ} مقبل إِلَى الله وَإِلَى طَاعَته

10

{وَلَقَد آتَيْنَا} أعطينا {دَاوُد منا فضلا} ملكا ونبوة {يَا جبال} وَقُلْنَا يَا جبال {أَوِّبِي مَعَهُ} سبحي مَعَ دَاوُد {وَالطير} وسخرنا لَهُ الطير {وَأَلَنَّا} لينًا {لَهُ الْحَدِيد} يعْمل بِهِ مَا يَشَاء كَمَا يعْمل بالطين

11

{أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ} الدروع الواسعات {وَقَدِّرْ فِي السرد} قدر المسمار فِي الْحلق لَا تدقق المسمار فيمور فِيهِ وَيخرج مِنْهُ وَلَا تغلظه فيخرمه {وَاعْمَلُوا صَالِحاً} خَالِصا {إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر {بَصِيرٌ} عَالم

12

{وَلِسُلَيْمَانَ الرّيح} وسخرنا لِسُلَيْمَان الرّيح {غُدُوُّهَا شَهْرٌ} يسير عَلَيْهَا غدْوَة من بَيت الْمُقَدّس إِلَى إصطخر مسيرَة شهر {وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} يسير عَلَيْهَا رَاجعا من إصطخر إِلَى بَيت الْمُقَدّس مسيرَة شهر يَجِيء وَيذْهب فِي يَوْم {وَأَسَلْنَا لَهُ} أجرينا لَهُ {عَيْنَ الْقطر} الصفر الْمُذَاب يعْمل بِهِ مَا يَشَاء كَمَا يعْمل بالطين {وَمِنَ الْجِنّ} وسخرنا لَهُ من الْجِنّ {مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ} بالسخرة من الْبُنيان وَغير ذَلِك {بِإِذْنِ رَبِّهِ} بِأَمْر ربه {وَمَن يَزِغْ} يمل ويعص {مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا} الَّذِي أمرنَا وَيُقَال عَن أَمر سُلَيْمَان {نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السعير} الْوقُود فِي النَّار وَيُقَال كَانَ يَضْرِبهُمْ ملك بعمود من نَار

13

{يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَارِيبَ} يَعْنِي الْمَسَاجِد {وَتَمَاثِيلَ} صور الْمَلَائِكَة والنبيين والعباد لكَي ينظر إِلَيْهِم النَّاس فيعبدوا رَبهم على مثالهم {وجفان كالجواب}

قطاع كالجواب كحياض الْإِبِل لَا تتحرك {وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ} ثابتات عِظَام لَا ترفع يَأْكُل مِنْهَا ألف رجل {اعْمَلُوا آل دَاوُد} يَعْنِي سُلَيْمَان {شُكْراً} دَائِما بِمَا أَنْعَمت عَلَيْكُم يَقُول اعْمَلُوا عملا خيرا حَتَّى تُؤَدُّوا بذلك شكر مَا أَنْعَمت عَلَيْكُم {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشكُور} من يُؤَدِّي شكر الشكُور

14

{فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ} على سُلَيْمَان {الْمَوْت} كَانَ سُلَيْمَان مَيتا قَائِما فِي محرابه سنة {مَا دَلَّهُمْ على مَوْتِهِ} موت سُلَيْمَان {إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ} الأرضة {تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ} عَصَاهُ وَيُقَال عنزته {فَلَمَّا خَرَّ} وَقع سُلَيْمَان {تَبَيَّنَتِ الْجِنّ} تبين للإنس أَن الْجِنّ لَا يعلمُونَ {أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ الْغَيْب مَا لَبِثُواْ فِي الْعَذَاب المهين} الشَّديد من الْعَمَل بالسخرة وَكَانَ قبل ذَلِك يظنّ الْإِنْس أَن الْجِنّ يعلمُونَ الْغَيْب فَتبين لَهُم بعد ذَلِك أَنهم لَا يعلمُونَ

15

{لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ} لأهل سبأ قَرْيَة فِي الْيمن {فِي مَسْكَنِهِمْ} فِي مَنَازِلهمْ {آيَةٌ} عَلامَة {جَنَّتَانِ} بستانان {عَن يَمِينٍ} يَمِين الطَّرِيق {وَشِمَالٍ} شمال الطَّرِيق وَكَانَ ثَلَاث عشرَة قَرْيَة نَحْو الْيَمين بعث الله إِلَيْهِم ثَلَاثَة عشر نَبيا فَقَالَ لَهُم الْأَنْبِيَاء {كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ} من فضل ربكُم من الثِّمَار وَالنَّعِيم {واشكروا لَهُ} بِالتَّوْحِيدِ {بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ} هَذِه بَلْدَة طيبَة لَيست بسبخة {وَرَبٌّ غَفُورٌ} لمن آمن بِهِ وَتَابَ

16

{فَأَعْرَضُواْ} عَن الْإِيمَان وَإجَابَة الرُّسُل وَلم يشكروا بذلك {فَأَرْسَلْنَا} سُلْطَانا {عَلَيْهِمْ سَيْلَ العرم} سيل الْوَادي فَأهْلك مَا كَانَ لَهُم من الْبَسَاتِين والبيوت وَالنَّعِيم وَغير ذَلِك والعرم وَاد فِي الْيَمين يُقَال لَهُ وَادي الشّجر وَكَانَ فِيهِ مسناة يحبسون المَاء فِي الْوَادي بذلك وَكَانَ لَهَا ثَلَاثَة أَبْوَاب بَعْضهَا أَسْفَل من بعض فهدم الله تِلْكَ المسناة وأهلكهم بذلك المَاء {وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ} اللَّتَيْنِ هلكتا {جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ} ثَمَر خمط أَرَاك {وَأَثْلٍ} طرفاء {وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ} من شجر قَلِيل الثَّمر كثير الشوك

17

{ذَلِك جَزَيْنَاهُمْ} أَي الَّذِي أَصَابَهُم عُقُوبَة لَهُم عاقبناهم {بِمَا كفرُوا} بِاللَّه وبنعمته {وَهل نجازي} نعاقب {إِلاَّ الكفور} الْكَافِر بِاللَّه وبنعمته

18

{وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ} بَين أهل سبأ {وَبَيْنَ} أهل {الْقرى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} بِالْمَاءِ وَالشَّجر يَعْنِي الْأُرْدُن وفلسطين {قُرًى ظَاهِرَةً} مُتَّصِلَة مُعَاينَة {وَقَدَّرْنَا فِيهَا} يَعْنِي الْقرى {السّير} على قدر المقيل وَالْمَبِيت {سِيرُواْ فِيهَا} سافروا فِيهَا {لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ} من الْجُوع والعطش واللصوص فَقَالَ لَهُم الْأَنْبِيَاء بعد ذَلِك اشكروا نعْمَة ربكُم لِئَلَّا يَأْخُذهَا مِنْكُم كَمَا أَخذ النِّعْمَة الأولى

19

{فَقَالُواْ رَبَّنَا} يَا رَبنَا {بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا} مسيرنا {وظلموا أَنفُسَهُمْ} بالْكفْر والشرك وَتركُوا شكر ذَلِك {فجعلناهم أَحَادِيث} لمن بعدهمْ {ومزقناهم} فرقناهم فِي الْبلدَانِ {كُلَّ مُمَزَّقٍ} مفرق وأهلكناهم كل مهلك {إِنَّ فِي ذَلِكَ} فِيمَا تقدم فعلنَا بهم {لآيَاتٍ} لعلامات وعبرات {لِّكُلِّ صَبَّارٍ} على الطَّاعَة {شَكُورٍ} بنعم الله

20

{وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ} قَوْله أَي ظن بهم ظنا فَوَافَقَ ظَنّه قَوْله {فَاتَّبعُوهُ} فِي الْكفْر {إِلاَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤمنِينَ} جملَة الْمُؤمنِينَ وَيُقَال فَاتَّبعُوهُ بالمعصية إِلَّا فريقاً طَائِفَة من الْمُؤمنِينَ وهم سَبْعُونَ ألفا الَّذين يدْخلُونَ الْجنَّة بِلَا حِسَاب وَلَا عَذَاب

21

{وَمَا كَانَ الله} لإبليس {عَلَيْهِمْ} على بني آدم {مِّن سُلْطَانٍ} من مقدرَة ونفاذ أَمر {إِلاَّ لِنَعْلَمَ} إِلَّا بِقدر مَا نرى ونميز {مَن يُؤْمِنُ بِالآخِرَة} من علمت فِي الْقدَم أَن يُؤمن بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت {مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا} من قيام السَّاعَة {فِي شَكٍّ} ريب {وَرَبُّكَ} يَا مُحَمَّد {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ} من أَعْمَالهم {حَفُيظٌ} عليم

22

{قُلِ} يَا مُحَمَّد لكفار مَكَّة بني مليح {ادعوا الَّذين زَعَمْتُمْ} عَبدْتُمْ {مِّن دُونِ الله} حَتَّى يجيبوكم وَكَانُوا يعْبدُونَ الْجِنّ ويظنون أَنهم الْمَلَائِكَة قَالَ الله لَهُم {لاَ يَمْلِكُونَ} لَا يقدرُونَ أَن ينفعوكم {مِثُقَالَ ذَرَّةٍ} وزن ذرة {فِي السَّمَاوَات} مِمَّا فِي السَّمَوَات

{وَلاَ فِي الأَرْض} وَلَا مِمَّا فِي الأَرْض {وَمَا لَهُمْ} للْمَلَائكَة {فِيهِمَا} فِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض {مِن شِرْكٍ} من شركَة مَعَ الله {وَمَا لَهُ} لله {مِنْهُمْ} من الْمَلَائِكَة {مِّن ظَهِيرٍ} من عون فِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض

23

{وَلاَ تَنفَعُ الشَّفَاعَة} وَلَا تشفع الْمَلَائِكَة {عِندَهُ} يَوْم الْقِيَامَة {إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} بالشفاعة ثمَّ ذكر ضعف الْمَلَائِكَة حَيْثُ كلم الله جِبْرِيل بالوحى إِلَى مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسمِعت الْمَلَائِكَة كَلَام الرب تبَارك وَتَعَالَى فَخَروا مغشياً عَلَيْهِم من هَيْبَة كَلَام الله فَكَانُوا كَذَلِك {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ} كشط وجلي {عَن قُلُوبِهِمْ} الْخَوْف حِين انحدر عَلَيْهِم جِبْرِيل فَرفعُوا رُءُوسهم {قَالُواْ} يَعْنِي الْمَلَائِكَة لجبريل وَمن مَعَه من الْمَلَائِكَة {مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ} يَا جِبْرِيل {قَالُواْ} يَعْنِي جِبْرِيل وَمن مَعَه من الْمَلَائِكَة {الْحق} الْقُرْآن {وَهُوَ الْعلي} أَعلَى كل شَيْء {الْكَبِير} أكبر كل شَيْء

24

{قُلْ} يَا مُحَمَّد لكفار مَكَّة {مَن يَرْزُقُكُمْ مِّنَ السَّمَاوَات} بالمطر {وَالْأَرْض} بالنبات فَإِن أجابوك وَقَالُوا الله وَإِلَّا {قُلِ الله} يرزقكم {وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ} يَا أهل مَكَّة {لعلى هُدىً أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} فِي رزق الله سَوَاء وَيُقَال وَإِنَّا معشر الْمُؤمنِينَ لعلى هدى أَو إيَّاكُمْ يَا أهل مَكَّة فِي ضلال مُبين فِي كفر وَخطأ بَين مقدم ومؤخر فِي الْكَلَام

25

{قُل} لَهُم يَا مُحَمَّد {لاَّ تُسْأَلُونَ عَمَّآ أَجْرَمْنَا} أَذْنَبْنَا {وَلاَ نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ} فِي كفركم ثمَّ نسخ بعد ذَلِك بِآيَة السَّيْف

26

{قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا} يَوْم الْقِيَامَة {ثُمَّ يَفْتَحُ} يقْضِي {بَيْنَنَا بِالْحَقِّ} بِالْعَدْلِ {وَهُوَ الفتاح} القَاضِي بلغَة عمان {الْعَلِيم} بالحكم

27

{قُلْ} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {أَرُونِيَ الَّذين أَلْحَقْتُمْ بِهِ} أشركتم بِهِ {شُرَكَآءَ} آلِهَة مَاذَا خلقُوا ثمَّ قَالَ الله {كَلاَّ} حَقًا لم يخلقوا شَيْئا {بَلْ هُوَ الله} خلق ذَلِك {الْعَزِيز} بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ {الْحَكِيم} فِي أمره وقضائه أَمر أَن لَا يعبد غَيره

28

{وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ} يَا مُحَمَّد {إِلاَّ كَآفَّةً} جمَاعَة {لِّلنَّاسِ} الْإِنْس وَالْجِنّ {بَشِيراً} بِالْجنَّةِ لمن آمن بِاللَّه {وَنَذِيراً} من النَّار لمن كفر بِهِ {وَلَكِن أَكْثَرَ النَّاس} أهل مَكَّة {لاَ يَعْلَمُونَ} ذَلِك وَلَا يصدقون

29

{وَيَقُولُونَ} كفار مَكَّة {مَتى هَذَا الْوَعْد} يَا مُحَمَّد الَّذِي تعدنا {إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} إِن كنت من الصَّادِقين أَن نبعث بعد الْمَوْت

30

{قُل} لَهُم يَا مُحَمَّد {لَّكُم مِّيعَادُ يَوْمٍ} مِيقَات يَوْم يَوْم الْقِيَامَة {لاَّ تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً} بعد الْأَجَل {وَلاَ تَسْتَقْدِمُونَ} قبل الْأَجَل سَاعَة

31

{وَقَالَ الَّذين كَفَرُواْ} كفار مَكَّة أَبُو جهل بن هِشَام وَأَصْحَابه {لَن نُّؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآن} الذى يقرأه علينا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَلاَ بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} قبله من التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالزَّبُور وَسَائِر الْكتب {وَلَوْ ترى} يَا مُحَمَّد {إِذِ الظَّالِمُونَ} الْمُشْركُونَ أَبُو جهل وَأَصْحَابه {مَوْقُوفُونَ} محبوسون {عِندَ رَبِّهِمْ} يَوْم الْقِيَامَة {يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ القَوْل} يُجيب بَعضهم بَعْضًا وَيرد بَعضهم بَعْضًا ويلعن بَعضهم بَعْضًا {يَقُولُ الَّذين استضعفوا} قهروا وهم السفلة {لِلَّذِينَ استكبروا} تعظموا عَن الْإِيمَان وهم القادة {لَوْلاَ أَنتُمْ لَكنا مُؤمنين} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن

32

{قَالَ الَّذين استكبروا} تعظموا عَن الْإِيمَان وهم القادة {لِلَّذِينَ استضعفوا} قهروا وهم السفلة {أَنَحْنُ صَدَدنَاكُمْ} صرفناكم {عَنِ الْهدى} عَن الْإِيمَان {بَعْدَ إِذْ جَآءَكُمْ} مُحَمَّد بِهِ {بَلْ كُنتُمْ مُّجْرِمِينَ} مُشْرِكين قبل مجىء مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْكُم

33

{وَقَالَ الَّذين استضعفوا} قهروا وهم السفلة {لِلَّذِينَ استكبروا}

تعظموا عَن الْإِيمَان وهم القادة {بَلْ مَكْرُ اللَّيْل وَالنَّهَار} قَوْلكُم إيانا بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار {إِذْ تَأْمُرُونَنَآ} إِذْ أمرتمونا {أَن نَّكْفُرَ بِاللَّه} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً} أعدالاً وأشكالاً {وَأَسَرُّواْ} أخفوا {الندامة} القادة من السفلة وَيُقَال أظهر الندامة القادة والسفلة {لَمَّا} حِين {رَأَوُاْ الْعَذَاب وَجَعَلْنَا الأغلال فِي أَعْنَاق الَّذين كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن يَقُول غلت أَيْمَانهم إِلَى أَعْنَاقهم {هَلْ يُجْزَوْنَ} يَوْم الْقِيَامَة {إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} إِلَّا بِمَا كَانُوا يعْملُونَ وَيَقُولُونَ فِي كفرهم

34

{وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ} إِلَى أهل قَرْيَة {مِّن نَّذِيرٍ} رَسُول مخوف {إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ} جبابرتها وأغنياؤها {إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} جاحدون

35

{وَقَالُواْ} للرسل {نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً} مِنْكُم {وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} بديننا هَذَا مَعَ هَذِه الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد وَهَكَذَا قَالَ كفار مَكَّة لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

36

قَالَ الله {قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرزق} يُوسع المَال {لِمَن يَشَآءُ} على من يَشَاء وَهُوَ مكر مِنْهُ {وَيَقْدِرُ} يقتر على من يَشَاء وَهُوَ نظر مِنْهُ {وَلَكِن أَكْثَرَ النَّاس} أهل مَكَّة {لاَ يَعْلَمُونَ} ذَلِك وَلَا يصدقون بِهِ

37

{وَمَآ أَمْوَالُكُمْ} كَثْرَة أَمْوَالكُم يَا أهل مَكَّة {وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ} كَثْرَة أَوْلَادكُم {بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زلفى} قربى بالدرجات {إِلاَّ مَنْ آمَنَ} بِاللَّه وَلَكِن إِيمَان من آمن بِاللَّه {وَعَمِلَ صَالِحاً} خَالِصا فِيمَا بَينه وَبَين ربه يقربهُ إِلَى الله {فَأُولَئِك لَهُمْ جَزَآءُ الضعْف} فِي الْحَسَنَات {بِمَا عَمِلُواْ} فِي إِيمَانهم {وَهُمْ فِي الغرفات} فِي الدَّرَجَات {آمِنُونَ} من الْمَوْت والزوال

38

{وَالَّذين يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا} يكذبُون بِآيَاتِنَا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {مُعَاجِزِينَ} لَيْسُوا بفائتين من عذابنا {أُولَئِكَ فِي الْعَذَاب} فِي النَّار {مُحْضَرُونَ} معذبون

39

{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَآءُ} يُوسع المَال على من يَشَاء {من عباده} وَهُوَ مكر مِنْهُ {وَيقدر لَهُ} يقتر لَهُ وَهُوَ نظر مِنْهُ {وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن شَيْءٍ} فِي سَبِيل الله {فَهُوَ يُخْلِفُهُ} فِي الدُّنْيَا بِالْمَالِ وَفِي الْآخِرَة بِالْحَسَنَاتِ {وَهُوَ خَيْرُ الرازقين} أفضل الْمُخلفين والمعطين

40

{وَيَوْم نحشرهم} يَعْنِي بني مليح وَالْمَلَائِكَة {جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ للْمَلَائكَة أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ} بأمركم

41

{قَالُواْ} يَعْنِي الْمَلَائِكَة {سُبْحَانَكَ} نزهوا الله {أَنتَ وَلِيُّنَا} رَبنَا {مِن دُونِهِمْ} من دون أَن أمرناهم بعبادتنا {بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ الْجِنّ أَكْثَرُهُم بهم مُؤمنُونَ} مقرون يرَوْنَ أَنهم الْمَلَائِكَة

42

{فاليوم} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {لاَ يَمْلِكُ} لَا يقدر {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ} يَعْنِي الْمَلَائِكَة وَالْجِنّ لكم {نَّفْعاً} من الشَّفَاعَة {وَلاَ ضَرّاً} بِدفع الْعَذَاب {وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ} أشركوا {ذُوقُواْ عَذَابَ النَّار الَّتِي كُنتُم بِهَا} فِي الدُّنْيَا {تُكَذِّبُونَ} أَنَّهَا لَا تكون

43

{وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ}

تقْرَأ على كفار مَكَّة {آيَاتُنَا} آيَات الْقُرْآن {بَيِّنَاتٍ} مبينات بالحلال وَالْحرَام {قَالُواْ مَا هَذَا} يعنون مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ} يصرفكم {عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُكُمْ} من الْآلهَة {وَقَالُواْ مَا هَذَا} الذى يَقُول مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِلاَّ إِفْكٌ} كذب {مُّفْتَرىً} مختلق من تِلْقَاء نَفسه {وَقَالَ الَّذين كَفَرُواْ} كفار مَكَّة {لِلْحَقِّ} لِلْقُرْآنِ {لَمَّا جَآءَهُمْ} حِين جَاءَهُم بِهِ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِن هَذَا} مَا هَذَا {إِلَّا سحر مُبين} كذب بَين

44

{وَمَآ آتَيْنَاهُمْ} أعطيناهم كفار مَكَّة {مِّنْ كُتُبٍ يدرسونها} يقرءُون فِيهَا مَا يَقُولُونَ {وَمَآ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ} يَا مُحَمَّد {مِّن نَّذِيرٍ} من رَسُول مخوف لَهُم إِلَّا قَالُوا لَهُ مثل مَا يَقُولُونَ لَك

45

{وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِمْ} من قبل قَوْمك قُرَيْش الرُّسُل {وَمَا بَلَغُواْ مِعْشَارَ مَآ آتَيْنَاهُمْ} يَقُول مَا بلغت قُرَيْش عشر من كَانَ قبلهم من الْكفَّار وَيُقَال مَا بلغت أَمْوَالهم وَلَا أَوْلَادهم وأعمارهم وقوتهم عشر مَا أعطينا من كَانَ قبلهم {فَكَذَّبُواْ رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} تغييري عَلَيْهِم بِالْعَذَابِ حِين لم يُؤمنُوا

46

{قُلْ} يَا مُحَمَّد لكفار مَكَّة {إِنَّمَآ أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ} بِكَلِمَة وَاحِدَة لَا إِلَه إِلَّا الله وَهَذَا كَقَوْل الرجل للرجل تعال حَتَّى أُكَلِّمك كلمة وَاحِدَة ثمَّ يكلمهُ بِأَكْثَرَ من ذَلِك {أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مثنى} اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ {وفرادى} وَاحِدًا وَاحِدًا {ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ} هَل كَانَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ساحراً أَو كَاهِنًا أَو كَاذِبًا أَو مَجْنُونا ثمَّ قَالَ الله تَعَالَى {مَا بِصَاحِبِكُمْ} مَا بنبيكم (مِّن جِنَّةٍ) من جُنُون {إِنْ هُوَ} مَا هُوَ يعْنى مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِلاَّ نَذِيرٌ} رَسُول مخوف {لَّكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} يَوْم الْقِيَامَة إِن لم تؤمنوا

47

{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {مَا سَأَلْتُكُم مِّن أَجْرٍ} من جعل وَمؤنَة {فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ} مَا ثوابي {إِلاَّ عَلَى الله وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ} من أَعمالكُم {شَهِيدٍ} عَالم

48

{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ} يبين الْحق وَيَأْمُر بِالْحَقِّ {عَلاَّمُ الغيوب} مَا غَابَ عَن الْعباد يعلم الله ذَلِك

49

{قُلْ جَآءَ الْحق} ظهر الْإِسْلَام وَكثر الْمُسلمُونَ {وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِل} مَا يخلق الشَّيْطَان والأصنام {وَمَا يُعِيدُ} يحيي بعد الْمَوْت

50

{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {إِن ضَلَلْتُ} عَن الْحق وَالْهدى {فَإِنَّمَآ أَضِلُّ على نَفْسِي} يَقُول عُقُوبَة ذَلِك على نَفسِي {وَإِنِ اهتديت} إِلَى الْحق وَالْهدى {فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي} اهتديت {إِنَّهُ سَمِيعٌ} لمن دَعَاهُ {قَرِيبٌ} بالإجابة لمن وَحده

51

{وَلَوْ ترى} يَا مُحَمَّد {إِذْ فَزِعُواْ} خسف بهم الأَرْض وماتوا وَهُوَ خسف الْبَيْدَاء بهم {فَلاَ فَوْتَ} فَلَا يفوت مِنْهُم وَاحِد {وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ} من تَحت أَقْدَامهم وَخسف بهم الأَرْض

52

{وَقَالُوا} عِنْدَمَا خسف بهم الأَرْض {آمَنَّا بِهِ} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن قَالَ الله تَعَالَى {وأنى لَهُمُ التناوش} التَّوْبَة وَالرَّجْعَة {مِن مَّكَانِ بَعِيدٍ} بعد الْمَوْت

53

{وَقد كفرُوا بِهِ} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {مِن قَبْلُ} من قبل مَا خسف بهم الأَرْض {وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ} يَقُولُونَ بِالظَّنِّ فِي الدُّنْيَا أَن لَا جنَّة وَلَا نَار {مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} بعد الْمَوْت وَيُقَال يقذفون بِالْغَيْبِ يسْأَلُون الرّجْعَة إِلَى الدُّنْيَا بِالظَّنِّ من مَكَان بعيد بعد الْمَوْت

54

{وَحِيلَ بَيْنَهُمْ} فرق بَينهم {وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} من الرُّجُوع إِلَى الدُّنْيَا {كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم} بأشباههم وَأهل دينهم {مِّن قَبْلُ} من قبلهم من الْكفَّار {إِنَّهُمْ كَانُواْ فِي شَكٍّ مُّرِيبِ} ظَاهر الشَّك بفاطر السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالله أعلم بأسرار كِتَابه

وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْمَلَائِكَة وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها خمس وَأَرْبَعُونَ وكلماتها مائَة وَسبع وَتسْعُونَ وحروفها ثَلَاثَة آلَاف وَمِائَة وَثَلَاثُونَ وَالله أعلم بأسرار كِتَابه tit/2 { بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم {/ tit

فاطر

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {الْحَمد لِلَّهِ} يَقُول الشُّكْر لله والْمنَّة لله {فَاطِرِ السَّمَاوَات} خَالق السَّمَوَات {وَالْأَرْض جَاعِلِ الْمَلَائِكَة} خَالق الْمَلَائِكَة ومكرم الْمَلَائِكَة {رُسُلاً} بالرسالة يَعْنِي جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل وَملك الْمَوْت والرعد والحفظة إِلَى خلقه {أولي أَجْنِحَةٍ} ذَوي أَجْنِحَة يَعْنِي الْمَلَائِكَة {مثنى} من لَهُ جَنَاحَانِ يطير بهما {وَثُلاَثَ} من لَهُ ثَلَاث أَجْنِحَة {وَرُبَاعَ} من لَهُ أَرْبَعَة أَجْنِحَة {يَزِيدُ فِي الْخلق} فِي خلق الْمَلَائِكَة {مَا يَشَآءُ} وَيُقَال فِي هَذِه الأجنحة مَا يَشَاء وَيُقَال فِي نعْمَة حَسَنَة مَا يَشَاء وَيُقَال فِي صَوت حسن مَا يَشَاء {إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ} من الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان {قَدِيرٌ}

2

{مَّا يَفْتَحِ الله} مَا يُرْسل الله {لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ} من مطر ورزق وعافية {فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا} فَلَا مَانع لَهَا للرحمة {وَمَا يُمْسِكْ} وَمَا يمْنَع {فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ} لما يمسك غَيره {مِن بَعْدِهِ} من بعد إِمْسَاكه {وَهُوَ الْعَزِيز} فِي إِمْسَاكه {الْحَكِيم} فِيمَا أرسل بِهِ

3

{يَا أَيهَا النَّاس} يَا أهل مَكَّة {اذْكروا نِعْمَةَ الله} منَّة الله {عَلَيْكُمْ} بالمطر والرزق والعافية {هَلْ مِنْ خَالِقٍ} من إِلَه {غَيْرُ الله يَرْزُقُكُمْ مِّنَ السمآء} الْمَطَر {وَالْأَرْض} النَّبَات {لاَ إِلَه إِلاَّ هُوَ} الَّذِي يرزقكم {فَأنى تُؤْفَكُونَ} من أَيْن تكذبون أَن الْآلهَة ترزقكم

4

{وَإِن يُكَذِّبُوكَ} قُرَيْش {فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ} كذبهمْ قَومهمْ كَمَا كَذبك قَوْمك قُرَيْش {وَإِلَى الله تُرْجَعُ الْأُمُور} عواقب الْأُمُور فِي الْآخِرَة

5

(يأيها النَّاس) يَا أهل مَكَّة {إِنَّ وَعْدَ الله} الْبَعْث بعد الْمَوْت {حَقٌّ} كَائِن {فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ} عَن طَاعَة الله {الْحَيَاة الدُّنْيَا} مَا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا من الزهرة وَالنَّعِيم {وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّه} عَن دين الله {الْغرُور} الشَّيْطَان وَيُقَال أباطيل الدُّنْيَا إِن قَرَأت بِضَم الْغَيْن

6

{إِنَّ الشَّيْطَان لَكُمْ عَدُوٌّ} فِي الدّين وَالطَّاعَة {فاتخذوه عَدُوّاً} فحاربوه وَلَا تطيعوه فِي الدّين وَالطَّاعَة {إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ} أهل دينه وطاعته {لِيَكُونُواْ} ليجتمعوا {مِنْ أَصْحَابِ السعير} مَعَ أَصْحَاب السعير فِي السعير مَعَه

7

{الَّذين كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن أَبُو جهل وَأَصْحَابه {لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} غليظ {وَالَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم أَبُو بكر الصّديق وَأَصْحَابه {لَهُم مَّغْفِرَةٌ} لذنوبهم فِي الدُّنْيَا {وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} ثَوَاب عَظِيم فى الْجنَّة

8

{أَفَمَن زين لَهُ} حسن لَهُ {سوء عَمَلِهِ} قَبِيح عمله {فَرَآهُ حَسَناً} حَقًا وَهُوَ أَبُو جهل كمن أكرمناه بِالْإِيمَان وَالطَّاعَة يَعْنِي أَبَا بكر الصّديق وَأَصْحَابه {فَإِنَّ الله يُضِلُّ مَن يَشَآءُ} عَن دينه من كَانَ أَهلا لذَلِك يَعْنِي أَبَا جهل وَأَصْحَابه {وَيَهْدِي} لدينِهِ {مَن يَشَآءُ} من كَانَ أَهلا لذَلِك يَعْنِي أَبَا بكر وَأَصْحَابه

{فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ} فَلَا تهْلك نَفسك بالحزن {عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} ندامات على هلاكهم إِن لم يُؤمنُوا {إِنَّ الله عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} فِي كفرهم من الْمَكْر والخيانة بِهَلَاك مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي دَار الندوة

9

{وَالله الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاح فَتُثِيرُ} فتهيج وترفع {سَحَاباً فَسُقْنَاهُ} بالمطر {إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ} إِلَى مَكَان لَا نَبَات فِيهِ {فَأَحْيَيْنَا بِهِ} بالمطر {الأَرْض بَعْدَ مَوْتِهَا} قحطها ويبوستها {كَذَلِك النشور} كَذَلِك تحيون وتخرجون من الْقُبُور

10

{مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّة} أَن يعلم أَن الْعِزَّة وَالْقُدْرَة والمنعة لمن هِيَ {فَلِلَّهِ الْعِزَّة} وَالْقُدْرَة والمنعة {جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلم الطّيب} لَا إِلَه إِلَّا الله {وَالْعَمَل الصَّالح يَرْفَعُهُ} يقبله بالكلم الطّيب {وَالَّذين يَمْكُرُونَ السَّيِّئَات} يشركُونَ بِاللَّه وَيُقَال يصنعون فى هَلَاك مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي دَار الندوة أَن يحبسوه سجناً أَو يخرجوه طرداً أَو يقتلوه جَمِيعًا {لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} أَشد مَا يكون {وَمَكْرُ أُولَئِكَ} صنع أُولَئِكَ {هُوَ يَبُورُ} يفْسد وَيهْلك وَهُوَ أَبُو جهل وَأَصْحَابه وَيُقَال نزلت هَذِه الْآيَة فِي أهل الرِّبَا

11

{وَالله خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ} من آدم وآدَم من تُرَاب {ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ} نُطْفَة آبائكم {ثمَّ جعلكُمْ أَزْوَاجًا} أصناما {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى} من حوامل {وَلاَ تَضَعُ} لتَمام أَو لغير تَمام {إِلاَّ بِعِلْمِهِ} بِعلم الله وبإذنه {وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ} مَا يُعْطي عمر معمر وَلَا يمد فِي عمره {وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ} مَكْتُوب فِي كتاب {مُبين} فِي كتاب مُبين فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ {إِنَّ ذَلِك} حفظ ذَلِك {عَلَى الله يَسِيرٌ} هَين بِغَيْر كِتَابَة

12

{وَمَا يَسْتَوِي البحران} العذب والمالح {هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ} حُلْو {سَآئِغٌ} شهي {شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} مر مالح زعاق لَا يُسْتَطَاع شربه {وَمن كل} من كل الْبَحْرين العذب المالح {تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً} سمكًا طرياً {وَتَسْتَخْرِجُونَ} من المالح خَاصَّة {حِلْيَةً} زِينَة اللُّؤْلُؤ والجوهر {تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفلك} السفن {فِيهِ} فِي الْبَحْر {مَوَاخِرَ} مقبلة ومدبرة تَجِيء وَتذهب برِيح وَاحِدَة {لِتَبْتَغُواْ} لتطلبوا {مِن فَضْلِهِ} من رزقه {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} لكَي تشكروا نعْمَته

13

{يُولِجُ اللَّيْل فِي النَّهَار} يدْخل اللَّيْل فِي النَّهَار فَيكون النَّهَار أطول من اللَّيْل بست سَاعَات {وَيُولِجُ النَّهَار} يدْخل النَّهَار {فِي اللَّيْل} فَيكون اللَّيْل أطول من النَّهَار بست سَاعَات {وَسَخَّرَ الشَّمْس وَالْقَمَر} ذلل ضوء الشَّمْس وَالْقَمَر لبني آدم {كُلٌّ} الشَّمْس وَالْقَمَر وَاللَّيْل وَالنَّهَار {يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى} إِلَى وَقت مَعْلُوم فِي منَازِل مَعْرُوفَة {ذَلِكُم الله رَبُّكُمْ} يفعل ذَلِك لَا الْآلهَة {لَهُ الْملك} الخزائن {وَالَّذين تَدْعُونَ} تَعْبدُونَ {مِن دُونِهِ} من دون الله {مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ} لَا يقدرُونَ أَن يَفْعَلُوا من ذَلِك قدر قطمير وَهُوَ الشَّيْء الَّذِي يتَعَلَّق بِهِ النواة مَعَ القمع

14

{إِن تَدْعُوهُمْ} يَعْنِي الْآلهَة {لاَ يَسْمَعُواْ دُعَآءَكُمْ} لأَنهم صم بكم لَا يسمعُونَ {وَلَوْ سَمِعُواْ مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ} من بغضهم إيَّاكُمْ {وَيَوْمَ الْقِيَامَة يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} تتبرأ الْآلهَة من شرككم وعبادتكم إيَّاهُم {وَلاَ يُنَبِّئُكَ} يُخْبِرك بهم وبأعمالهم

{مثل خَبِير} وَهُوَ الله

15

{يَا أَيهَا النَّاس أَنتُمُ الفقرآء إِلَى الله} إِلَى مغفرته وَرَحمته ورزقه وعاقبته فِي الدُّنْيَا وَإِلَى جنته فِي الْآخِرَة {وَالله هُوَ الْغَنِيّ} عَمَّا عنْدكُمْ من الْأَمْوَال {الحميد} الْمَحْمُود فِي أَفعاله

16

{إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ} يهلككم ويمتكم يَا أهل مَكَّة {وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} خيرا مِنْكُم وأطوع لله

17

{وَمَا ذَلِك} الإهلاك والإتيان {عَلَى الله بِعَزِيزٍ} بشديد

18

{وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} لَا تحمل حاملة حمل أُخْرَى مَا عَلَيْهَا من الذُّنُوب بِطيبَة النَّفس وَلَكِن يحمل عَلَيْهَا بالكره وَيُقَال لَا تُؤْخَذ نفس بذنب نفس أُخْرَى وَيُقَال لَا تعذب نفس بِغَيْر ذَنْب {وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ} من الذُّنُوب {إِلَى حِمْلِهَا} من الذُّنُوب {لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ} من الذُّنُوب {شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قربى} ذَا قرَابَة مِنْهُ فِي الرَّحِم أَبَاهُ وَأمه وَابْنه وَابْنَته {إِنَّمَا تُنذِرُ} ينفع إنذارك يَا مُحَمَّد {الَّذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ} يعْملُونَ لرَبهم وَإِن كَانَ الله غَائِبا عَنْهُم وَالله لَا يغيب عَنهُ شَيْء {وَأَقَامُواْ الصَّلَاة} أَتموا الصَّلَوَات الْخمس {وَمَن تزكّى} وحد وَأصْلح وَتصدق بِمَالِه فِي سَبِيل الله {فَإِنَّمَا يتزكى} يوحد وَيصْلح وَيتَصَدَّق {لِنَفْسِهِ} يكون لَهُ ثَوَاب ذَلِك {وَإِلَى الله الْمصير} الْمرجع فِي الْآخِرَة

19

{وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى والبصير} الْكَافِر وَالْمُؤمن

20

{وَلاَ الظُّلُمَات وَلاَ النُّور} يَعْنِي الْكفْر وَالْإِيمَان

21

{وَلاَ الظل وَلاَ الحرور} يَعْنِي الْجنَّة وَالنَّار

22

{وَمَا يَسْتَوِي الأحيآء وَلاَ الْأَمْوَات} يَعْنِي الْمُؤمنِينَ والكافرين فِي الطَّاعَة والكرامة {إِنَّ الله يُسْمِعُ} يفهم {مَن يَشَآءُ} من كَانَ أَهلا لذَلِك {وَمَآ أَنتَ بِمُسْمِعٍ} بمفهم {مَّن فِي الْقُبُور} من كَأَنَّهُ ميت فِي الْقُبُور

23

{إِنْ أَنتَ} مَا أَنْت يَا مُحَمَّد {إِلاَّ نَذِيرٌ} رَسُول مخوف بِالْقُرْآنِ

24

{إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ} يَا مُحَمَّد {بِالْحَقِّ} بِالْقُرْآنِ {بَشِيراً} بِالْجنَّةِ لمن آمن بِاللَّه {وَنَذِيراً} من النَّار لمن كفر بِهِ {وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ} مَا من أمة {إِلاَّ خَلاَ} مضى {فِيهَا نَذِيرٌ} رَسُول مخوف

25

{وَإِن يُكَذِّبُوكَ} قُرَيْش يَا مُحَمَّد {فَقَدْ كَذَّبَ الَّذين من قبلهم} من قبل قَوْمك قُرَيْش رسلهم {جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ} بِالْأَمر وَالنَّهْي والعلامات {وبالزبر} بِخَبَر كتب الْأَوَّلين {وبالكتاب الْمُنِير} الْمُبين بالحلال وَالْحرَام

26

{ثُمَّ أَخَذْتُ} عَاقَبت {الَّذين كَفَرُواْ} بالكتب وَالرسل {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} انْظُر يَا مُحَمَّد كَيفَ كَانَ تغييري عَلَيْهِم بِالْعَذَابِ حِين لم يُؤمنُوا

27

{أَلَمْ تَرَ} ألم تعلم {أَنَّ الله أنَزَلَ مِنَ السمآء مَآءً} مَطَرا {فَأَخْرَجْنَا بِهِ} بالمطر {ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا} أجناسها الحلو والحامض وَغير ذَلِك {وَمِنَ الْجبَال جُدَدٌ} طرق {بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا} كألوان الثِّمَار {وَغَرَابِيبُ سُودٌ} جبال سود شَدِيدَة السوَاد

28

{وَمِنَ النَّاس} كَذَلِك مُخْتَلف ألوانه {والدوآب} كَذَلِك مُخْتَلف ألوانه {والأنعام مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ} أجناسه مقدم ومؤخر {كَذَلِك إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ الْعلمَاء} يَقُول إِنَّمَا الْعلمَاء يَخْشونَ الله من عباده

{إِنَّ الله عَزِيزٌ} فِي ملكه وسلطانه {غَفُورٌ} لمن آمن بِهِ

29

{إِن الَّذين يَتلون} يقرءُون {كِتَابَ الله} الْقُرْآن أَبُو بكر وَأَصْحَابه {وَأَقَامُواْ الصَّلَاة} أَتموا الصَّلَوَات الْخمس {وَأَنفَقُواْ} تصدقوا {مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} أعطيناهم من الْأَمْوَال {سِرّاً} فِيمَا بَينهم وَبَين الله {وَعَلاَنِيَةً} فِيمَا بَينهم وَبَين النَّاس {يَرْجُونَ تِجَارَةً} يَعْنِي الْجنَّة {لَّن تَبُورَ} لن تهْلك وَلنْ تفْسد

30

{لِيُوَفِّيَهُمْ} الله {أُجُورَهُمْ} ثوابهم فِي الْجنَّة {وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ} بفضله من وَاحِدَة إِلَى عشرَة {إِنَّهُ غَفُورٌ} لذنوبهم الْعَظِيمَة {شَكُورٌ} لأعمالهم الْيَسِيرَة يشْكر الْيَسِير وَيجْزِي الجزيل

31

{وَالَّذِي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ} أنزلنَا جِبْرَائِيل عَلَيْك بِهِ {مِنَ الْكتاب} يَعْنِي الْقُرْآن {هُوَ الْحق} الصدْق {مُصدقا} مُوَافقا بِالتَّوْحِيدِ وَبَعض الشَّرَائِع {لما بَين يَدَيْهِ} من الْكتاب {إِنَّ الله بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ} بِمن يُؤمن وَمن لَا يُؤمن {بَصِيرٌ} بأعمالهم

32

{ثُمَّ} من بعد مَا أنزلنَا جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {أَوْرَثْنَا الْكتاب} أكرمنا بِحِفْظ الْقُرْآن وكتابته وقراءته {الَّذين اصْطَفَيْنَا} اخترنا {مِنْ عِبَادِنَا} من بَين عبادنَا بِالْإِيمَان وهم أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ} بالكبائر لَا ينجو إِلَّا بالشفاعة أَو بالمغفرة أَو بإنجاز الْوَعْد {وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ} وَهُوَ من اسْتَوَت حَسَنَاته وسيئاته يُحَاسب حسابا يَسِيرا ثمَّ ينجو {وَمِنْهُمْ سَابِقٌ} بَالغ {بالخيرات} فِي الدُّنْيَا ومقرب إِلَى جنَّة عدن فِي الْآخِرَة {بِإِذُنِ الله} بِتَوْفِيق الله وكرامته {ذَلِك} الاصطفاء والمسابقة {هُوَ الْفضل الْكَبِير} الْمَنّ الْعَظِيم من الله عَلَيْهِم

33

ثمَّ بَين مستقرهم فَقَالَ {جَنَّاتُ عَدْنٍ} مَقْصُورَة للرحمة دَاره والجنان حوله {يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا} يلبسُونَ فِي الْجنَّة {مِنْ أَسَاوِرَ} أساور {مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً} هَذَا حلية النِّسَاء وَحلية الرِّجَال من الذَّهَب {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا} فِي الْجنَّة {حَرِيرٌ}

34

{وَقَالُواْ} أهل الْجنَّة فِي الْجنَّة {الْحَمد لِلَّهِ} الشُّكْر والْمنَّة لله {الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحزن} حزن الْمَوْت والزوال وأهوال يَوْم الْقِيَامَة وَيُقَال حزن مخاطرة الدُّنْيَا {إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ} للذنوب الْعَظِيمَة {شَكُورٌ} للأعمال الْيَسِيرَة

35

{الَّذِي أَحَلَّنَا} أنزلنَا {دَارَ المقامة} يَعْنِي الْجنَّة {من فَضله} بفضله لاظعن فِيهَا {لاَ يَمَسُّنَا} لَا يصيبنا {فِيهَا} فِي الْجنَّة {نَصَبٌ} تَعب وعناء {وَلاَ يَمَسُّنَا} لَا يصيبنا {فِيهَا} فِي الْجنَّة {لُغُوبٌ} إعياء

36

{وَالَّذين كفرُوا} كذبُوا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن أَبُو جهل وَأَصْحَابه {لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ} فِي الْآخِرَة {لاَ يقْضى عَلَيْهِمْ} لَا يكون عَلَيْهِم قَضَاء الْمَوْت {فَيَمُوتُواْ} فيستريحوا {وَلاَ يُخَفَّفُ} لَا يهون وَلَا يرفه وَلَا يرفع {عَنْهُمْ مِّنْ عَذَابِهَا} طرفَة عين {كَذَلِك} هَكَذَا {نَجْزِي} فِي الْآخِرَة {كُلَّ كَفُورٍ} كَافِر بِاللَّه وبنعمته

37

{وَهُمْ} يَعْنِي الْكفَّار {يَصْطَرِخُونَ فِيهَا} يستغيثون فِيهَا فِي النَّار وَيدعونَ ويتضرعون وَيَقُولُونَ {رَبَّنَآ} يَا رَبنَا {أَخْرِجْنَا} من النَّار ردنا إِلَى الدُّنْيَا نؤمن بك {نَعْمَلْ صَالِحاً} خَالِصا فِي الْإِيمَان {غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} فِي الشّرك فَيَقُول الله لَهُم {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ} نمهلكم يَا معشر الْكفَّار فِي الدُّنْيَا {مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ} بِقدر مَا يتعظ فِيهِ {مَن تَذَكَّرَ} من أَرَادَ أَن يتعظ ويؤمن {وَجَآءَكُمُ النذير} مُحَمَّد بِالْقُرْآنِ وخوفكم من هَذَا الْيَوْم فَلم تؤمنوا بِهِ {فَذُوقُواْ} عَذَاب النَّار {فَمَا لِلظَّالِمِينَ} الْكَافرين {مِن نصير} مَانع عَن عَذَاب الله

38

{إِنَّ الله عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَات وَالْأَرْض} غيب مَا يكون فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض علم الله لوردوا إِلَى الدُّنْيَا لعادوا لما مَا نهوا عَنهُ {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور} بِمَا فِي الْقُلُوب من الْخَيْر وَالشَّر

39

{هُوَ الَّذِي جعلكُمْ} يَا أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {خَلاَئِفَ فِي الأَرْض} سكان الأَرْض بعد هَلَاك الْأُمَم الْمَاضِيَة {فَمَن كَفَرَ} بِاللَّه {فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ} عُقُوبَة كفره {وَلاَ يَزِيدُ الْكَافرين كُفْرُهُمْ} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {عِندَ رَبِّهِمْ} يَوْم الْقِيَامَة {إِلاَّ مَقْتاً} بغضاً {وَلاَ يَزِيدُ الْكَافرين كُفْرُهُمْ} فِي الدُّنْيَا {إِلاَّ خَسَاراً} غبناً فِي الْآخِرَة

40

{قُلْ} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {أَرَأَيْتُمْ شُرَكَآءَكُمُ} آلِهَتكُم {الَّذين تَدْعُونَ} تَعْبدُونَ {مِن دُونِ الله أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الأَرْض} مِمَّا فِي الأَرْض {أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ} مَعَ الله {فِي السَّمَاوَات} فِي خلق السَّمَوَات {أَمْ آتَيْنَاهُمْ} أعطيناهم يَعْنِي كفار مَكَّة {كِتَاباً فَهُمْ على بَيِّنَةٍ مِّنْهُ} على بَيَان من الْكتاب أَن لَا يعذبوا {بَلْ إِن يَعِدُ الظَّالِمُونَ} مَا يَقُول الْمُشْركُونَ يَعْنِي فِي الدُّنْيَا {بَعْضُهُم بَعْضاً} يَعْنِي الرؤساء للسفلة {إِلاَّ غُرُوراً} بَاطِلا فِي الْآخِرَة

41

{إِنَّ الله يُمْسِكُ} يمْنَع {السَّمَاوَات وَالْأَرْض أَن تَزُولاَ} لكَي لَا تَزُولَا عَن مكانهما بمقالة الْيَهُود وَالنَّصَارَى حَيْثُ قَالُوا عُزَيْر ابْن الله والمسيح ابْن الله {وَلَئِن زَالَتَآ} وَلَو زالتا عَن أمكنهما {إِنْ أَمْسَكَهُمَا} مَا أمسكهما {مِنْ أَحَدٍ} أحد {مِّن بَعْدِهِ} بعد إِمْسَاكه غَيره {إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً} عَن مقَالَة الْيَهُود وَالنَّصَارَى {غَفُوراً} لمن تَابَ مِنْهُم

42

{وَأَقْسَمُواْ بِاللَّه} يَعْنِي كفار مَكَّة قبل مَجِيء مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} جهد يمينهم بِاللَّه {لَئِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ} رَسُول مخوف {لَّيَكُونُنَّ أهْدى} أسْرع إِجَابَة وأصوب دينا {مِنْ إِحْدَى الْأُمَم} من الْيَهُود وَالنَّصَارَى {فَلَمَّا جَاءَهُم نَذِير} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْقُرْآنِ {مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً} تباعداً مِنْهُ

43

{استكبارا فِي الأَرْض} للاعراض عَن الْإِيمَان بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {ومكر السيء} فِي هَلَاك مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام {وَلاَ يَحِيقُ} لَا يجب وَلَا يُحِيط {الْمَكْر السيء} القَوْل الْقَبِيح وَالْعَمَل الْقَبِيح {إِلاَّ بِأَهْلِهِ} إِلَّا على أَهله {فَهَلْ يَنظُرُونَ} فَهَل ينتظرون قَوْمك إِن كَذبُوك {إِلاَّ سُنَّةَ آلأَوَّلِينَ} عَذَاب الْأَوَّلين قبلهم عِنْد تكذيبهم الرُّسُل {فَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله} لعذاب الله {تَبْدِيلاً} تغييراً {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله} لعذاب الله {تَحْوِيلاً} إِلَى غَيره

44

{أولم يَسِيرُوا} يسافروا كفار مَكَّة {فِي الأَرْض فَيَنظُرُواْ} يتفكروا ويعتبروا {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ} جَزَاء {الَّذين مِن قَبْلِهِمْ} عِنْد تكذيبهم الرُّسُل {وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً} بِالْبدنِ وَالْمَال {وَمَا كَانَ الله لِيُعْجِزَهُ} ليفوته {مِن شَيْءٍ} أحد {فِي السَّمَاوَات وَلاَ فِي الأَرْض} من الْخلق {إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً} بخلقه {قَدِيراً} عَلَيْهِم

45

{وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله النَّاس} الْجِنّ وَالْإِنْس {بِمَا كَسَبُواْ} بجملة ذنوبهم {مَا تَرَكَ على ظَهْرِهَا} على وَجه الأَرْض {مِن دَآبَّةٍ} من الْجِنّ وَالْإِنْس خَاصَّة أحدا {وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ} يؤجلهم {إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى} إِلَى وَقت مَعْلُوم {فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ} وَقت هلاكهم {فَإِنَّ الله كَانَ بِعِبَادِهِ بَصيرًا} بِمن يهْلك وبمن ينجو

وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا يس وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها اثْنَتَانِ وَتسْعُونَ آيَة وكلماتها سَبْعمِائة وتسع وَعِشْرُونَ وحروفها ثَلَاثَة آلَاف حرف {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

يس

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَول الْبَارِي جلّ ذكره {يس} يَقُول يَا إِنْسَان بلغَة السريانية

2

{وَالْقُرْآن الْحَكِيم إِنَّكَ} يَا مُحَمَّد {لَمِنَ الْمُرْسلين} وَيُقَال قسم أقسم بِالْيَاءِ وَالسِّين وَالْقُرْآن الْحَكِيم وَأقسم بِالْقُرْآنِ الْمُحكم بالحلال وَالْحرَام وَالْأَمر وَالنَّهْي إِنَّك يَا مُحَمَّد لمن الْمُرْسلين وَلِهَذَا كَانَ الْقسم

4

{على صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} ثَابت على دين قَائِم يرضاه وَهُوَ الْإِسْلَام

5

{تَنزِيلَ الْعَزِيز} يَقُول الْقُرْآن تكليم الْعَزِيز بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ {الرَّحِيم} لمن آمن بِهِ

6

{لِتُنذِرَ} لتخوف بِالْقُرْآنِ {قَوْماً} يَعْنِي قُريْشًا {مَّآ أُنذِرَ} كَمَا أنذر {آبَآؤُهُمْ} وَيُقَال لم ينذر آبَاءَهُم قبلك رَسُول {فَهُمْ غَافِلُونَ} عَن أَمر الْآخِرَة جاحدون بهَا

7

{لَقَدْ حَقَّ القَوْل} لقد وَجب القَوْل بالسخط وَالْعَذَاب {على أَكْثَرِهِمْ} على أهل مَكَّة أبي جهل وَأَصْحَابه {فَهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ} فِي علم الله وَلَا يُرِيدُونَ أَن يُؤمنُوا فَلم يُؤمنُوا وَقتلُوا يَوْم بدر على الْكفْر

8

{إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْناقِهِمْ} فِي أَيْمَانهم {أَغْلاَلاً} من حَدِيد {فَهِىَ} مغلولة مَرْدُودَة {إِلَى الأذقان} إِلَى اللحى {فَهُم مُّقْمَحُونَ} مغلولون وَيُقَال جَمعنَا أَيْمَانهم إِلَى الأذقان حِين أَرَادوا أَن يَرْجُمُوا النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْحِجَارَةِ وَهُوَ فِي الصَّلَاة فهم مقمحون مغلولون من كل خير محرومون

9

{وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ} من أَمر الْآخِرَة {سَدّاً} غطاء {ومِنْ خَلْفِهِمْ} من أَمر الدُّنْيَا {سَدّاً} غطاء {فَأغْشَيْنَاهُمْ} أغشينا أبصار قُلُوبهم {فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ} الْحق وَالْهدى وَيُقَال وَجَعَلنَا من بَين أَيْديهم سداً سترا حَيْثُ أَرَادوا أَن يَرْجُمُوا النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْحِجَارَةِ وَهُوَ فِي الصَّلَاة فَلم يبصروا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن خَلفهم سداً سترا حَتَّى لَا يبصروا أَصْحَابه فأغشيناهم أغشينا أَبْصَارهم فهم لَا يبصرون النبى فيؤذوه

10

{وَسَوَآءُ عَلَيْهِمْ} على بني مَخْزُوم أبي جهل وَأَصْحَابه {أَأَنذَرْتَهُمْ} خوفتهم بِالْقُرْآنِ {أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ} لم تخوفهم {لَا يُؤمنُونَ} لَا يُرِيدُونَ أَن يُؤمنُوا وَقتلُوا يَوْم بدر على الْكفْر وَنزل من قَوْله إِنَّا جعلنَا فِي اعناقهم أغلالاً إِلَى هَهُنَا فِي شَأْن أبي جهل والوليد وأصحابهما

11

{إِنَّمَا تُنذِرُ} يَقُول ينفع إنذارك يَا مُحَمَّد بِالْقُرْآنِ {مَنِ اتبع الذّكر} يَعْنِي الْقُرْآن وَعمل بِهِ مثل أبي بكر وَأَصْحَابه {وَخشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ} عمل للرحمن وَإِن كَانَ لَا يرَاهُ {فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ} لذنوبه فِي الدُّنْيَا {وَأَجْرٍ كَرِيمٍ} ثَوَاب وَحسن فِي الْجنَّة

12

{إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى} للبعث {وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ} نَحْفَظ عَلَيْهِم مَا أسلفوا من الْخَيْر وَالشَّر {وَآثَارَهُمْ} مَا تركُوا من سنة صَالِحَة فَعمل بهَا بعد مَوْتهمْ أَو سنة سَيِّئَة فَعمل بهَا بعد مَوْتهمْ {وَكُلَّ شيْءٍ} من أَعْمَالهم {أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ} كتبناه فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ

13

{وَاضْرِبْ لَهُمْ} بَين لأهل مَكَّة {مَّثَلاً} مثل {أَصْحَابَ الْقرْيَة} صفة أهل أنطاكية كَيفَ أهلكناهم {إِذْ جَآءَهَا المُرْسَلُونَ} يَعْنِي جَاءَ إِلَيْهِم رَسُول عِيسَى شَمْعُون الصفار فَلم يُؤمنُوا بِهِ وكذبوه

14

{إِذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ} فَأَرْسَلنَا إِلَيْهِم {اثْنَيْنِ} رسولين سمْعَان وثومان {فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} فقويناهما بشمعون حَيْثُ صدقهما على تَبْلِيغ رسالتهما {فَقَالُوا إِنَّآ إِلَيْكُم مرسلون}

15

{قَالُواْ مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ} آدَمِيّ {مِّثْلُنَا وَمَآ أَنَزلَ الرَّحْمَن مِن شَيْءٍ} من كتاب وَلَا رَسُول {إِنْ أَنتُمْ} مَا أَنْتُم

{إِلاَّ تَكْذِبُونَ} على الله

16

{قَالُواْ} يَعْنِي الرُّسُل {رَبُّنَا يَعْلَمُ} يشْهد {إِنَّآ إِلَيْكُم لمرسلون}

17

{وَمَا عَلَيْنَآ إِلاَّ الْبَلَاغ} التَّبْلِيغ عَن الله {الْمُبين} بلغَة تعلمونها

18

{قَالُوا} للرسل {إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ} تشاءمنا بكم {لَئِن لَّمْ تَنتَهُواْ} عَن مَقَالَتَكُمْ {لَنَرْجُمَنَّكُمْ} لنقتلنكم {وَلَيَمَسَّنَّكُمْ} يصيبنكم {مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} وجيع وَهُوَ الْقَتْل

19

{قَالُواْ} يَعْنِي الرُّسُل {طَائِرُكُم} شدتكم وشؤمكم {مَّعَكُمْ} من الله بفعلكم {أئن ذكرْتُمْ} أتشاءمتم بِأَن ذكرناكم وخوفناكم بِاللَّه {بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ} مشركون بِاللَّه

20

{وَجَآءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَة} من وسط الْمَدِينَة {رَجُلٌ} وَهُوَ حبيب النجار {يسْعَى} يسْرع فِي المشى حَيْثُ سمع بالرسل {قَالَ يَا قوم اتبعُوا الْمُرْسلين} بِالْإِيمَان بِاللَّه

21

{اتبعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً} جعلا وَلَا مَالا على الْإِيمَان بِاللَّه {وَهُمْ مُّهْتَدُونَ} وهم مرشدون إِلَى التَّوْحِيد قَالُوا لَهُ تبرأت منا وَمن ديننَا وَدخلت فِي دين عدونا فَقَالَ لَهُم

22

{وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي} خلقني {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} بعد الْمَوْت

23

{أَأَتَّخِذُ} أعبد {مِن دُونِهِ} من دون الله بأمركم {آلِهَةً} أصناماً {إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ} إِن يُصِبْنِي الرَّحْمَن بِشدَّة عَذَاب {لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً} لَيْسَ لَهُم شَفَاعَة من عَذَاب الله {وَلاَ يُنقِذُونَ} لَا يجيرون من عَذَاب الله يَعْنِي إِن الْآلهَة

24

{إِنِّي إِذاً} عبدت دون الله شَيْئا {لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} فِي خطأ بَين

25

ثمَّ قَالَ لَهُم {إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فاسمعون} فأطيعون بِالْإِيمَان وَيُقَال قَالَ هَذَا للرسل إِنِّي آمَنت بربكم فاسمعون فَاشْهَدُوا لي أَنِّي عبد الله فَأَخَذُوهُ وقتلوه وصلبوه ووطئوه بأرجلهم حَتَّى خرجت قصبه من دبره

26

{قِيلَ ادخل الْجنَّة} فَوَجَبَ لَهُ الْجنَّة وَقيل لروحه ادخل الْجنَّة {قَالَ} روحه بعد مَا دخل الْجنَّة {يَا لَيْت قَوْمِي يَعْلَمُونَ} يَدْرُونَ ويصدقون

27

{بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي} بِالَّذِي غفر لي رَبِّي بِهِ يَعْنِي التَّوْحِيد {وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكرمين} فِي الْجنَّة بالثواب بِشَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله

28

{وَمَآ أَنزَلْنَا على قَوْمِهِ} بهلاكهم (مِن بَعْدِهِ) من بعد مَا قَتَلُوهُ {مِن جُندٍ مِّنَ السمآء} بملائكة من السَّمَاء {وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ} عَلَيْهِم الْمَلَائِكَة وَيُقَال مَا أرسلنَا إِلَيْهِم الرُّسُل من بعد قَتله

29

{إِن كَانَتْ} مَا كَانَت {إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً} من جِبْرِيل أَخذ جِبْرِيل بِعضَادَتَيْ الْبَاب فصاح فيهم صَيْحَة وَاحِدَة {فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ} ميتون لَا يتحركون

30

{يَا حسرة} أَي حسرة وندامة تكون {عَلَى الْعباد} يَوْم الْقِيَامَة بِمَا لم يُؤمنُوا {مَا يَأْتِيهِمْ} لم يَأْتهمْ {مِّن رَّسُولٍ} رَسُول {إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يستهزؤون} يهزءون ويسخرون بِهِ وَأخذُوا هَؤُلَاءِ الرُّسُل وقتلوهم ودسوهم فى بِئْر

31

{أَلَمْ يَرَوْاْ} ألم يخبر كفار مَكَّة {كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ الْقُرُون} من الْأُمَم الخالية {أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ} إِلَى يَوْم الْقِيَامَة

32

{وَإِن كُلٌّ لَّمَّا} مَا كل إِلَّا {جَمِيعٌ} يَقُول الْقُرُون كلهم جَمِيع {لَّدَيْنَا} عندنَا {مُحْضَرُونَ} لِلْحسابِ وَالْمِيم هَهُنَا صلَة

33

{وَآيَةٌ لَّهُمُ} عِبْرَة وعلامة لأهل مَكَّة {الأَرْض الْميتَة} بالنبات {أَحْيَيْنَاهَا} بالمطر {وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا} أنبتنا فِيهَا {حَبّاً} الْحُبُوب كلهَا {فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ}

34

{وَجَعَلْنَا فِيهَا} فِي الأَرْض {جَنَّاتٍ} بساتين {مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ} يَعْنِي الكروم {وَفَجَّرْنَا} شققنا {فِيهَا} فِي الأَرْض {مِنَ الْعُيُون} الْأَنْهَار

35

{لِيَأْكُلُواْ مِن ثَمَرِهِ} من ثَمَر النّخل {وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ} مَا أنبتته أَيْديهم وَيُقَال مَا غرست أَيْديهم {أَفَلاَ يَشْكُرُونَ} من فعل بهم ذَلِك فيؤمنوا بِهِ

36

{سُبْحَانَ} نزه نَفسه {الَّذِي خَلَق الْأزْوَاج} الْأَصْنَاف {كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْض} الحلو والحامض وَغير ذَلِك {وَمِنْ أَنفُسِهِمْ} أصنافاً ذكرا وَأُنْثَى {وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ} فِي الْبر وَالْبَحْر أصنافاً

37

{وَآيَةٌ لَّهُمُ} عِبْرَة وعلامة لأهل مَكَّة {اللَّيْل} المظلم {نَسْلَخُ مِنْهُ} نَذْهَب عَنهُ {النَّهَار فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ} فِي اللَّيْل

38

{وَالشَّمْس تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا} منازلها وَيُقَال تجْرِي لَيْلًا وَنَهَارًا لَا مُسْتَقر لَهَا {ذَلِك تَقْدِيرُ الْعَزِيز} تَدْبِير الْعَزِيز بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ {الْعَلِيم} بخلقه وتدبيرهم

39

{وَالْقَمَر قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ} جعلنَا لَهُ منَازِل كمنازل الشَّمْس يزِيد وَينْقص {حَتَّى عَادَ} يصير {كالعرجون الْقَدِيم} كالعذق المقوس الْيَابِس إِذا حَال عَلَيْهِ الْحول

40

{لاَ الشَّمْس يَنبَغِي لَهَآ} يصلح لَهَا {أَن تدْرِكَ الْقَمَر} أَن تطلع فِي سُلْطَان الْقَمَر فَيذْهب ضوؤه {وَلاَ اللَّيْل سَابِقُ النَّهَار} وَلَا اللَّيْل يطلع فى سُلْطَان النَّهَار فَيذْهب ضوؤه {وَكُلٌّ} الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم {فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} فِي دوران يدورون وَفِي مجراة يجرونَ

41

{وَآيَةٌ لَّهُمْ} عِبْرَة وعلامة لأهل مَكَّة {أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ} فِي أصلاب آبَائِهِم حِين حمل الْآبَاء والذرية {فِي الْفلك} فِي سفينة نوح {المشحون} الموقرة وَيُقَال المجهزة المملوءة الَّتِي فرغ من جهازها الَّتِي لم يبْق لَهَا إِلَّا رَفعهَا

42

{وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ} من مثل سفينة نوح {مَا يَرْكَبُونَ} من الزواريق وَالْإِبِل

43

{وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ} فِي الْبَحْر {فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ} فَلَا مغيث لَهُم من الْغَرق {وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ} يجارون من الْغَرق

44

{إِلاَّ رَحْمَةً مِّنَّا} نعْمَة منا تنجيهم من الْغَرق {وَمَتَاعاً} أَََجَلًا {إِلَى حِينٍ} إِلَى وَقت مَوْتهمْ وهلاكهم

45

{وَإِذا قيل لَهُم} لأهل مَكَّة قَالَ لَهُم النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {اتَّقوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ} من أَمر الْآخِرَة فآمنوا بهَا وَاعْمَلُوا لَهَا {وَمَا خَلْفَكُمْ} من أَمر الدُّنْيَا فَلَا تغتروا بهَا وبزهوها {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} لكَي ترحموا فِي الْآخِرَة فَلَا تعذبوا

46

{وَمَا تَأْتِيهِم} كفار مَكَّة {مِّنْ آيَةٍ} من عَلامَة {مِّنْ آيَاتِ} عَلَامَات {رَبِّهِمْ} مثل انْشِقَاق الْقَمَر وكسوف الشَّمْس وَمُحَمّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا} بهَا {مُعْرِضِينَ} مكذبين

47

{وَإِذا قيل لَهُم} لأهل مَكَّة قَالَ لَهُم فُقَرَاء الْمُؤمنِينَ {أَنفِقُواْ} تصدقوا على الْفُقَرَاء {مِمَّا رِزَقَكُمُ الله} أَعْطَاكُم الله {قَالَ الَّذين كَفَرُواْ} كفار مَكَّة {لِلَّذِينَ آمنُوا} لفقراء الْمُؤمنِينَ {أَنُطْعِمُ} أنتصدق {مَن لَّوْ يَشَآءُ الله} على من لَو يَشَاء الله {أَطْعَمَهُ} رزقه {إِنْ أَنتُمْ} مَا أَنْتُم يَا معشر الْمُؤمنِينَ وَيُقَال قَالَ لَهُم الْمُؤْمِنُونَ إِن أَنْتُم مَا أَنْتُم {إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} فِي خطأ بَين وَيُقَال نزلت هَذِه الْآيَة فِي زنادقة قُرَيْش

48

{وَيَقُولُونَ} كفار مَكَّة {مَتى هَذَا الْوَعْد} الَّذِي تعدنا يَا مُحَمَّد {إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} إِن كنت من الصَّادِقين أَن نبعث بعد الْمَوْت

49

{مَا يَنظُرُونَ} مَا ينْتَظر قَوْمك بِالْعَذَابِ إِذْ كَذبُوك {إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً} وَهِي النفخة الأولى

{تَأُخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ} يتنازعون فِي السُّوق

50

{فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً} وَصِيَّة وَيُقَال كلَاما {وَلاَ إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ} من السُّوق وَيُقَال وَلَا إِلَى أهلهم يرجعُونَ يحيرون الْجَواب

51

{وَنُفِخَ فِي الصُّور} وَهِي نفخة الْبَعْث {فَإِذَا هُم مِّنَ الأجداث} من الْقُبُور {إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسلونَ} يخرجُون

52

{قَالُواْ} بعد مَا خَرجُوا من الْقُبُور يَعْنِي الْكفَّار {يَا ويلنا مَن بَعَثَنَا} من نبهنا {مِن مَّرْقَدِنَا} من منامنا فَيَقُول بَعضهم لبَعض {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَن} فِي الدُّنْيَا وَيُقَال تَقول لَهُم الْمَلَائِكَة يَعْنِي الْحفظَة هَذَا مَا وعد الرَّحْمَن على أَلْسِنَة الرُّسُل فِي الدُّنْيَا {وَصَدَقَ المُرْسَلُونَ} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت

53

{إِن كَانَتْ} مَا كَانَت {إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً} نفخة وَاحِدَة وَهِي نفخة الْبَعْث {فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا} عندنَا {مُحْضَرُونَ} لِلْحسابِ

54

{فاليوم} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {لاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً} لَا ينقص من حَسَنَات أحد وَلَا يُزَاد على سيئات أحد {وَلاَ تُجْزَوْنَ} فِي الْآخِرَة {إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} وتقولون فِي الدُّنْيَا

55

{إِنَّ أَصْحَابَ الْجنَّة} أهل الْجنَّة {الْيَوْم} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {فِي شُغُلٍ} عَمَّا فِيهِ أهل النَّار {فَاكِهُونَ} معجبون بافتضاضهم الْأَبْكَار وَيُقَال ناعمون إِن قَرَأت بِالْألف

56

{هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ} حلائلهم {فِي ظِلاَلٍ} فِي ظلّ الشّجر {عَلَى الأرآئك} على السرر فِي الحجال {متكئون} جالسون

57

{لَهُمْ فِيهَا} فِي الْجنَّة {فَاكِهَةٌ} ألوان الْفَوَاكِه {وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ} مَا يسْأَلُون ويشتهون

58

{سَلاَمٌ قَوْلاً} يسلمُونَ عَلَيْهِم سَلاما {مِّن رَّبٍّ رَحِيم}

59

{وامتازوا الْيَوْم} يَقُول الله لَهُم تفَرقُوا الْيَوْم {أَيُّهَا المجرمون} الْمُشْركُونَ فميزهم الله من الْمُؤمنِينَ وَيَقُول لَهُم

60

{أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ} ألم أقدم إِلَيْكُم فِي الْكتاب مَعَ الرَّسُول {يَا بني آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ الشَّيْطَان} لَا تطيعوا الشَّيْطَان {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} ظَاهر الْعَدَاوَة

61

{وَأَنِ اعبدوني} وحدوني {هَذَا} التَّوْحِيد الَّذِي أَمرتكُم {صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} دين حق مُسْتَقِيم

62

{وَلَقَدْ أَضَلَّ} الشَّيْطَان {مِنْكُمْ} يَا بني آدم {جِبِلاًّ} خلقا {كَثِيراً} قبلكُمْ {أَفَلَمْ تَكُونُواْ تَعْقِلُونَ} تعلمُونَ مَا صنع بهم فَلَا تقتدوا بهم

63

{هَذِه جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} فِي الدُّنْيَا

64

{اصلوها} ادخلوها {الْيَوْم بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ} تجحدون بهَا وبالكتاب وَالرسل

65

{الْيَوْم} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {نَخْتِمُ على أَفْوَاهِهِمْ} نمْنَع ألسنتهم عَن الْكَلَام بعد مَا أَنْكَرُوا {وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ} بِمَا بطشوا بهَا {وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ} بِمَا مَشوا بهَا وَتشهد جوارحهم {بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} يعْملُونَ من الشَّرّ

66

{وَلَوْ نَشَآءُ لَطَمَسْنَا على أَعْيُنِهِمْ} لفقأنا أعين ضلالتهم {فاستبقوا الصِّرَاط} فَأَبْصرُوا الطَّرِيق {فَأنى يُبْصِرُونَ} من أَيْن يبصرون وَلم تفقأ عين ضلالتهم

67

{وَلَوْ نَشَآءُ لَمَسَخْنَاهُمْ} قردة وَخَنَازِير {على مَكَانَتِهِمْ}

فِي مَنَازِلهمْ فِي دِيَارهمْ {فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيّاً} ذَهَابًا وَلَا مجيئاً {وَلاَ يَرْجِعُونَ} فِي دِيَارهمْ إِلَى الْحَال الأول

68

{وَمَن نّعَمِّرْهُ} نمهله فِي الْعُمر {نُنَكِّسْهُ} نحططه {فِي الْخلق} فِي الْخلق الأول حَتَّى صَار كَأَنَّهُ طِفْل لَا لحي لَهُ وَلَا أَسْنَان وَلَا قُوَّة يَبُول ويتغوط كالطفل {أَفَلاَ يَعْقِلُونَ} أَفلا يصدقون بذلك

69

{وَمَا علمناه الشّعْر} يعْنى مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَمَا يَنبَغِي لَهُ} مَا يصلح لَهُ الشّعْر {إِنْ هُوَ} مَا هُوَ يَعْنِي الْقُرْآن {إِلاَّ ذِكْرٌ} عظة {وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ} مُبين بالحلال وَالْحرَام وَالْأَمر والنهى

70

{لينذر} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْقُرْآنِ {مَن كَانَ حَيّاً} من كَانَ لَهُ عقل {وَيَحِقَّ القَوْل} يجب القَوْل بالسخط وَالْعَذَاب {عَلَى الْكَافرين} كفار مَكَّة فَلَا يُؤمنُونَ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن

71

{أولم يرَوا} أولم يخبروا {أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم} لأهل مَكَّة {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ} مِمَّا خلقنَا لَهُم بقدرتنا بكن فَكَانَ {أَنْعاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ} ضابطون مالكون عَلَيْهَا

72

{وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ} سخرناها لَهُم {فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ} مِنْهَا مَا يركبون {وَمِنْهَا يَأْكُلُون} من لحومها يَأْكُلُون

73

{وَلَهُمْ} يَعْنِي لأهل مَكَّة {فِيهَا} فِي الْأَنْعَام {مَنَافِعُ} فِي حملهَا وكسبها {وَمَشَارِبُ} من أَلْبَانهَا {أَفَلاَ يَشْكُرُونَ} من فعل بهم ذَلِك فيؤمنوا بِهِ

74

{وَاتَّخذُوا} عبدُوا كفار مَكَّة {مِن دُونِ الله آلِهَةً} أصناماً {لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ} يمْنَعُونَ من عَذَاب الله

75

{لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ} لَا يَسْتَطِيع الْآلهَة منع عَذَاب الله عَنْهُم {وَهُمْ} يَعْنِي كفار مَكَّة {لَهُمْ} بِالْبَاطِلِ الْأَصْنَام {جُندٌ مٌّحْضَرُونَ} كالعبيد قيام بَين أَيْديهم

76

{فَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ} تكذيبهم يَا مُحَمَّد {إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ} من الْمَكْر والخيانة {وَمَا يعلنون} من الْعَدَاوَة

77

{أَو لم ير الْإِنْسَان} أولم يعلم أبي بن خلف {أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ} مُنْتِنَة ضَعِيفَة {فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ} رجل جدل بِالْبَاطِلِ {مٌّبِينٌ} ظَاهر الْجِدَال

78

{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً} وصف لنا مثلا بالعظام {وَنَسِيَ خَلْقَهُ} ترك ذكر خلقه الأول {قَالَ مَن يُحيِي الْعِظَام وَهِيَ رَمِيمٌ} تُرَاب بالية

79

{قُلْ} لَهُ يَا مُحَمَّد {يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَآ} خلقهَا {أَوَّلَ مَرَّةٍ} من النُّطْفَة {وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ} بِخلق كل شَيْء {عَلِيمٌ}

80

{الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشّجر الْأَخْضَر نَاراً} غير الْعَذَاب {فَإِذَآ أَنتُم} يَا أهل مَكَّة {مِنْهُ توقدون} تقدحون مِنْهُ النَّار

81

{أَو لَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِقَادِرٍ على أَن يَخْلُقَ} يحيي {مِثْلَهُم بلَى} قَادر على ذَلِك {وَهُوَ الخلاق} الْبَاعِث {الْعَلِيم}

82

{إِنَّمَآ أَمْرُهُ} فِي الْبَعْث {إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً} إِذا أَرَادَ أَن يكون الْبَعْث فَيكون الْبَعْث {أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} قيام السَّاعَة

83

{فَسُبْحَانَ} نزه نَفسه {الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} خَزَائِن كل شَيْء وَخلق كل شَيْء {وَإِلَيْهِ ترجعون} بعد الْمَوْت فيجزيكم بأعمالكم

وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الصافات وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها مائَة وَإِحْدَى وَثَمَانُونَ وكلماتها ثَمَانمِائَة وَسِتُّونَ وحروفها ثَلَاثَة آلَاف وَثَمَانمِائَة وَتِسْعَة وَعِشْرُونَ {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

الصافات

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {وَالصَّافَّات صَفَّا} أقسم الله بِالْمَلَائِكَةِ الَّذين فِي السَّمَاء صُفُوفا كَصُفُوف الْمُؤمنِينَ فِي الصَّلَاة

2

{فالزاجرات زَجْراً} أقسم بِالْمَلَائِكَةِ الَّذين يزجرون السَّحَاب ويؤلفونه

3

{فالتاليات ذِكْراً} أقسم بِالْمَلَائِكَةِ قرأة الْكتاب وَيُقَال أقسم بقرأة الْقُرْآن

4

{إِنَّ إِلَهكُم لَوَاحِدٌ} بِلَا ولد وَلَا شريك وَلِهَذَا كَانَ الْقسم إِن إِلَهكُم يَا أهل مَكَّة لوَاحِد بِلَا ولد وَلَا شريك

5

{رب السَّمَاوَات وَالْأَرْض} خَالق السَّمَوَات الأَرْض {وَمَا بَيْنَهُمَا} من الْخَلَائق والعجائب {وَرَبُّ الْمَشَارِق} مَشَارِق الشتَاء والصيف

6

{إِنَّا زَيَّنَّا السمآء الدُّنْيَا} الأولى {بِزِينَةٍ الْكَوَاكِب} يَقُول زينت بالكواكب

7

{وَحِفْظاً} يَقُول حفظت بالنجوم {مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ} متمرد شَدِيد

8

{لاَّ يَسَّمَّعُونَ} لكَي لَا يسمعوا {إِلَى الملإ الْأَعْلَى} إِلَى كَلَام الْمَلَائِكَة يَعْنِي الْحفظَة فِيمَا يكون بَينهم {وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ} يرْمونَ من كل نَاحيَة يصعدون إِلَيْهَا

9

{دُحُوراً} يدحرون عَن السَّمَاء واستماع كَلَام الْمَلَائِكَة {وَلَهُمْ عَذابٌ وَاصِبٌ} دَائِم بالنجوم وَيُقَال فِي النَّار

10

{إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطفَة} إِلَّا من اختلس خلسة واستمع استماعاً إِلَى كَلَام الْمَلَائِكَة {فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} يلْحقهُ نجم مضيء يحرقه

11

{فاستفتهم} سل أهل مَكَّة {أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً} بعثاً {أَم مَّنْ خَلَقْنَآ} قبلهم من الْمَلَائِكَة وَسَائِر الْخلق {إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ} من آدم وآدَم من طين {لاَّزِبٍ} لاصق

12

{بَلْ عَجِبْتَ} يَا مُحَمَّد من تكذيبهم إياك {وَيَسْخَرُونَ} بك وبكتابك

13

{وَإِذَا ذُكِّرُواْ} وعظوا بِالْقُرْآنِ {لاَ يَذْكُرُونَ} لَا يتعظون

14

{وَإِذَا رَأَوْاْ} أهل مَكَّة {آيَةً} عَلامَة مثل انْشِقَاق الْقَمَر وكسوف الشَّمْس {يستسخرون} يهزءون بهَا

15

{وَقَالُوا إِن هَذَا} مَا هَذَا الذى أَتَانَا بِهِ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِلَّا سحر مُبين} كذب بَين

16

{أئذا متْنا وَكُنَّا} صرنا {تُرَابا وعظاما} بالية {أئنا لَمَبْعُوثُونَ} لمحيون بعد الْمَوْت قل لَهُم يَا مُحَمَّد نعم

17

قَالُوا {أَوَ آبَآؤُنَا الْأَولونَ} الأقدمون مثلنَا

18

{قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ} وهم {دَاخِرُونَ} صاغرون ذليلون

19

{فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ} نفخة وَاحِدَة وَهِي نفخة الْبَعْث {فَإِذَا هُمْ} قيام من الْقُبُور {يَنظُرُونَ} مَاذَا يؤمرون بِهِ

20

{وَقَالُوا} إِذا قَامُوا من الْقُبُور {يَا ويلنا هَذَا يَوْمُ الدّين} يَوْم الْحساب فَتَقول لَهُم الْمَلَائِكَة

21

{هَذَا يَوْمُ الْفَصْل} يَوْم الْقَضَاء بَيْنكُم وَبَين الْمُؤمنِينَ {الَّذِي كُنتُمْ بِهِ} فِي الدُّنْيَا {تُكَذِّبُونَ} أَنه لَا يكون فَيَقُول الله للْمَلَائكَة

22

{احشروا الَّذين ظَلَمُواْ}

أشركوا {وَأَزْوَاجَهُمْ} قرناءهم وضرباءهم من الْجِنّ وَالْإِنْس وَالشَّيَاطِين {وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ}

23

{مِن دُونِ الله} من الْأَصْنَام {فاهدوهم} فاذهبوا بهم {إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيم} إِلَى وسط النَّار يَقُول الله للْمَلَائكَة

24

{وقفوهم} احبسوهم على النَّار {إِنَّهُم مسؤولون} عَن هَذَا القَوْل

25

{مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ} لَا تمْنَعُونَ من عَذَاب الله وَلَا يمْنَع بَعْضكُم بَعْضًا وَيُقَال إِنَّهُم مسؤلون عَن تَركهم لَا إِلَه إِلَّا الله

26

{بَلْ هُمُ الْيَوْم} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {مُسْتَسْلِمُونَ} استسلم العابد والمعبود لله وَعَلمُوا أَن الْحق لله

27

{وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ} الْإِنْس على الشَّيَاطِين والسفلة على القادة {يَتَسَآءَلُونَ} يتلاومون ويتخاصمون

28

{قَالُوا} يَعْنِي الْإِنْس للشياطين {إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمين} تغووننا عَن الدّين

29

{قَالُواْ} يَعْنِي الشَّيَاطِين للإنس {بَلْ لَّمْ تَكُونُواْ مُؤمنين} بِاللَّه

30

{وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ} من عذر وَحجَّة نأخذكم بهَا {بَلْ كُنتُمْ قَوْماً طَاغِينَ} كَافِرين بِاللَّه

31

{فَحَقَّ عَلَيْنَا} فَوَجَبَ علينا {قَوْلُ رَبِّنَآ} بالسخط وَالْعَذَاب {إِنَّا لَذَآئِقُونَ} الْعَذَاب فِي النَّار

32

{فَأَغْوَيْنَاكُمْ} أضللناكم عَن الدّين {إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ} ضَالِّينَ عَن الدّين

33

{فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {فِي الْعَذَاب مُشْتَرِكُونَ} العابد والمعبود

34

{إِنَّا كَذَلِك} هَكَذَا {نَفْعَلُ بالمجرمين} الْمُشْركين

35

{إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ} فِي الدُّنْيَا قُولُوا {لاَ إِلَه إِلاَّ الله يَسْتَكْبِرُونَ} يتعاظمون عَن ذَلِك

36

{وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لتاركوا آلِهَتِنَا} عبَادَة آلِهَتنَا {لِشَاعِرٍ مَجْنُون} يختلق يعنون مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

37

{بل جَاءَ} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {بِالْحَقِّ} بِالْقُرْآنِ والتوحيد {وَصَدَّقَ الْمُرْسلين} وبتصديق الْمُرْسلين قبله

38

{إِنَّكُم} يَا أهل مَكَّة {لذائقوا الْعَذَاب الْأَلِيم} الوجيع فِي النَّار

39

{وَمَا تُجْزَوْنَ} فِي الْآخِرَة {إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} فِي الدُّنْيَا فِي الْكفْر والشرك

40

{إِلَّا عباد الله المخلصين} المعصومين من الْكفْر والشرك وَيُقَال المخلصين بِالْعبَادَة والتوحيد إِن قَرَأت بخفض اللَّام

41

{أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ} طَعَام مَعْرُوف على قدر غدْوَة وَعَشِيَّة فِي الدُّنْيَا وَلَيْسَ ثمَّ بكرَة وَلَا عَشِيَّة

42

{فَوَاكِهُ} لَهُم ألوان الْفَوَاكِه {وَهُم مُّكْرَمُونَ} بالتحف

43

{فِي جَنَّاتِ النَّعيم} لَا يفنى نعيمها

44

{على سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ} متواجهين فِي الزِّيَارَة

45

{يُطَافُ عَلَيْهِمْ} فِي الْخدمَة {بِكَأْسٍ} بِخَمْر {مِّن مَّعِينٍ} من خمرة طَاهِرَة

46

{بَيْضَآءَ لَذَّةٍ} شَهْوَة {لِّلشَّارِبِينَ}

47

{لاَ فِيهَا} لَيْسَ فِي شربهَا {غَوْلٌ} وجع الْبَطن وَذَهَاب الْعقل وَلَا أَذَى وَلَا إِثْم {وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ} ينفدون وَيُقَال وَلَا هم مِنْهَا يسكرون وَلَا تتصدع رؤوسهم

48

{وَعِندَهُمْ} فِي الْجنَّة {قَاصِرَاتُ الطّرف} جوَار غاضات الْعين عَن غير أَزوَاجهنَّ قانعات بأزواجهن لَا يبغين بهم بَدَلا {عِينٌ} عِظَام الْأَعْين حسان الْوُجُوه

49

{كأنهن} فى الصفاء {بيض مَكْنُون} قدكن من الْحر وَالْبرد

50

{فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ} يتحدثون

51

{قَالَ قَائِل مِنْهُم} من أهل الْجنَّة وَهُوَ يهودا الْمُؤمن {إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ} صَاحب يُقَال لَهُ أَبُو قطروس وَهُوَ أَخُوهُ

52

{يَقُول أئنك لمن المصدقين أئذا متْنا وَكُنَّا} صرنا {تُرَابا وعظاما} بالية {أئنا لَمَدِينُونَ} مملوكون ومحاسبون إنكاراً مِنْهُ للبعث

54

{قَالَ} لإخوته فِي الْجنَّة {هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ} فى النَّار لَعَلَّكُمْ ترَوْنَ حَاله

55

{فَاطلع} هُوَ بِنَفسِهِ {فَرَآهُ} فَرَأى أَخَاهُ الْكَافِر {فِي سَوَآءِ الْجَحِيم} فِي وسط النَّار

56

{قَالَ تالله} وَالله {إِن كِدتَّ} قد هَمَمْت وَأَرَدْت {لَتُرْدِينِ} لتغوين عَن الدّين وتهلكني لَو أطعتك

57

{وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبِّي} منَّة رَبِّي بِالْإِيمَان وعصمته عَن الْكفْر {لَكُنتُ مِنَ المحضرين} من الْمُعَذَّبين مَعَك فِي النَّار ثمَّ سمع منادياً يُنَادي يَا أهل الْجنَّة ذبح الْمَوْت فَلَا موت فَيَقُول لإخوته

58

{أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ} بعد مَا ذبح الْمَوْت

59

{إِلاَّ مَوْتَتَنَا الأولى} بعد موتتنا فِي الدُّنْيَا فَيَقُول لَهُم نعم فَسمع منادياً يُنَادي يَا أهل النَّار أَن قد أطبقت النَّار فَلَا دُخُول فِيهَا وَلَا خُرُوج مِنْهَا فَيَقُول لإخوته {وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} فِي النَّار بعد مَا أطبقت النَّار فَيَقُولُونَ لَهُ نعم

60

{إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْز الْعَظِيم} النجَاة الوافرة فزنا بِالْجنَّةِ وَمَا فِيهَا ونجونا من النَّار وَمَا فِيهَا وَهِي قصَّة الْأَخَوَيْنِ الَّذين ذكرهمَا الله فِي سُورَة الْكَهْف أَحدهمَا مُؤمن وَهُوَ يهوذا وَالْآخر كَافِر وَهُوَ أَبُو قطروس

61

ثمَّ يَقُول الله لَهُ {لِمِثْلِ هَذَا} الخلود وَالنَّعِيم {فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} فليبادر المبادرون فِي الْعَمَل الصَّالح وَيُقَال فليباذل المباذلون بِالنَّفَقَةِ فِي سَبِيل الله وَيُقَال فليجتهد المجتهدون بِالْعلمِ وَالْعِبَادَة

62

{أذلك} الَّذِي ذكرت لأهل الْجنَّة من الطَّعَام وَالشرَاب {خَيْرٌ نُّزُلاً} طَعَاما وَشَرَابًا وثواباً للْمُؤْمِنين {أَمْ شَجَرَةُ الزقوم} لأبي جهل وَأَصْحَابه

63

{إِنَّا جَعَلْنَاهَا} ذَكرنَاهَا {فِتْنَةً} بلية {لِّلظَّالِمِينَ} لأبي جهل وَأَصْحَابه حَيْثُ قَالُوا الزقوم هُوَ التَّمْر والزبد

64

{إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ} تنْبت فِي {أَصْلِ الْجَحِيم} فى وسط النَّار

65

{طلعها} ثَمَرهَا {كَأَنَّهُ رُؤُوس الشَّيَاطِين} رُءُوس الْحَيَّات أَمْثَال الشَّيَاطِين يكون نَحْو الْيمن

66

{فَإِنَّهُمْ} يَعْنِي أهل مَكَّة وَسَائِر الْكفَّار {لآكِلُونَ مِنْهَا} من الزقوم {فَمَالِئُونَ مِنْهَا} من الزقوم {الْبُطُون}

67

{ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا} من الزقوم {لَشَوْباً} لخلطاً {مِنْ حَمِيمٍ} من مَاء حَار قد انْتهى حره

68

{ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ} منقلبهم {لإِلَى الْجَحِيم} إِلَى وسط النَّار

69

{إِنَّهُمْ أَلْفَوْاْ} وجدوا {آبَآءَهُمْ} فِي الدُّنْيَا {ضَآلِّينَ} عَن الْحق وَالْهدى

70

{فَهُمْ على آثَارِهِمْ} على دينهم {يُهْرَعُونَ} يسرعون ويمشون ويعملون بعملهم

71

{وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ} قبل قَوْمك يَا مُحَمَّد {أَكْثَرُ الْأَوَّلين} من الْأُمَم الْمَاضِيَة

72

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ} إِلَيْهِم {مُّنذِرِينَ} رسلًا مخوفين لَهُم فَلم يُؤمنُوا بهم فأهلكناهم

73

{فَانْظُر} يَا مُحَمَّد {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ} جَزَاء {الْمُنْذرين} لمن أنذرتهم الرُّسُل فَلم يُؤمنُوا كَيفَ أهلكناهم ثمَّ اسْتثْنى

74

{إِلَّا عباد الله المخلصين} المعصومين من الْكفْر والشرك وَيُقَال المخلصين بِالْعبَادَة والتوحيد إِن قَرَأت بخفض اللَّام فَإِنَّهُم لم يكذبوهم وَلم نهلكهم

75

{وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ} دَعَانَا نوح على قومه {رب لَا تذر على الأَرْض من الْكَافرين ديارًا} إِلَى آخر الْآيَة {فَلَنِعْمَ المجيبون} بِهَلَاك قومه

76

{وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ} وَمن آمن بِهِ {مِنَ الكرب الْعَظِيم} يَعْنِي الْغَرق

77

{وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ البَاقِينَ} إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَكَانَ لَهُ ثَلَاثَة بَنِينَ سَام وَحَام وَيَافث فَأَما سَام فَهُوَ أَبُو الْعَرَب وَمن جزائرهم وَأما حام فَهُوَ أَبُو الْحَبَش والبربر والسند وَأما يافث فَهُوَ أَبُو سَائِر النَّاس

78

{وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ} على نوح ثَنَاء حسنا {فِي الآخرين} فِي البَاقِينَ بعد

79

{سَلاَمٌ على نُوحٍ} سَلامَة وسعادة منا على نوح {فِي الْعَالمين} من بَين الْعَالمين فِي زَمَانه

80

{إِنَّا كَذَلِك} هَكَذَا {نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} بالْقَوْل وَالْفِعْل بالثناء الْحسن والنجاة

81

{إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤمنِينَ} المصدقين

82

{ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخرين} البَاقِينَ بعده

83

{وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ} من شيعَة نوح وَيُقَال من شيعَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {لإِبْرَاهِيمَ} يَقُول إِبْرَاهِيم كَانَ على دين نوح ومنهاجه وَمُحَمّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ على دين إِبْرَاهِيم ومنهاجه

84

{إِذْ جَآءَ رَبَّهُ} يَقُول أقبل إِبْرَاهِيم إِلَى طَاعَة ربه {بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} خَالص من كل عيب

85

{إِذْ قَالَ لأَبِيهِ} آزر {وَقَوْمِهِ} عَبدة الْأَوْثَان {مَاذَا تَعْبُدُونَ} من دون الله قَالُوا نعْبد أصناماً قَالَ لَهُم إِبْرَاهِيم

86

{أَئِفْكاً آلِهَةً} بِالْكَذِبِ آلِهَة {دُونَ الله تُرِيدُونَ} تَعْبدُونَ

87

{فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالمين} مَاذَا يفعل بكم إِذا عَبدْتُمْ غَيره

88

{فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُوم} إِلَى النُّجُوم وَيُقَال فتفكر فكرة فِي نَفسه

89

{فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ} مَرِيض مطعون لكَي يَتْرُكُوهُ

90

{فَتَوَلَّوْاْ عَنْهُ مُدْبِرِينَ} فأعرضوا عَنهُ ذَاهِبين إِلَى عيدهم وتركوه

91

{فَرَاغَ} فَأقبل إِبْرَاهِيم {إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ} لَهُم {أَلا تَأْكُلُونَ} مِمَّا عَلَيْكُم من الْعَسَل فَلم يُجِيبُوهُ فَقَالَ لَهُم

92

{مَا لَكُمْ لاَ تَنطِقُونَ} لَا تجيبون

93

{فَرَاغَ عَلَيْهِمْ} فَأقبل عَلَيْهِم {ضَرْباً بِالْيَمِينِ} بالفأس وَيُقَال بر يَمِينه

94

{فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ} من عيدهم {يَزِفُّونَ} يسرعون ويمشون

95

{قَالَ} لَهُم إِبْرَاهِيم {أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ} بِأَيْدِيكُمْ من العيدان وَالْحِجَارَة

96

{وَالله خَلَقَكُمْ} وتتركون عبَادَة الله الَّذِي خَلقكُم {وَمَا تَعْمَلُونَ} خلق نحتكم ومنحوتكم

97

{قَالُواْ ابْنُوا لَهُ بُنْيَاناً} أتونا {فَأَلْقُوهُ} فاطرحوه {فِي الْجَحِيم} فِي النَّار

98

{فَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً} حرقاً بالنَّار {فَجَعَلْنَاهُمُ الأسفلين} من الأسفلين فِي النَّار وَيُقَال من الأخسرين بالعقوبة

99

{وَقَالَ} إِبْرَاهِيم للوط {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي} مقبل إِلَى طَاعَة رَبِّي {سَيَهْدِينِ} سيرشدني وينجيني مِنْهُم ربى

100

ثمَّ قَالَ {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحين} ولدا من الْمُرْسلين

101

{فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ} بِولد {حَلِيمٍ} عليم فِي صغره حَلِيم فِي كبره

102

{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْي} الْعَمَل لله بِالطَّاعَةِ وَيُقَال المشىء مَعَه إِلَى الْجَبَل {قَالَ} إِبْرَاهِيم لِابْنِهِ إِسْمَعِيل وَيُقَال إِسْحَاق {يَا بني إِنِّي أرى فِي الْمَنَام} أمرت فِي الْمَنَام {أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُر مَاذَا ترى} تُشِير وتأمر {قَالَ يَا أَبَت افْعَل مَا تُؤمَرُ} من الذّبْح {ستجدني إِن شَآءَ الله مِنَ الصابرين} على الذّبْح

103

{فَلَمَّا أَسْلَمَا} اتفقَا وسلما لأمر الله {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} كَبه لوجهه وَيُقَال لجنبه

104

{وناديناه أَن يَا إِبْرَاهِيم قَدْ صَدَّقْتَ الرؤيآ} قد وفيت مَا أمرت فِي الْمَنَام {إِنَّا كَذَلِك} هَكَذَا {نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} بالْقَوْل وَالْفِعْل

106

{إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبلَاء الْمُبين} الاختبار الْبَين

107

{وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} بكبش سمين

108

{وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ} على إِبْرَاهِيم ثَنَاء حسنا {فِي الآخرين} فِي البَاقِينَ بعده

109

{سَلاَمٌ} منا سَعَادَة وسلامة {على إِبْرَاهِيمَ}

110

{كَذَلِك} هَكَذَا {نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} بالثناء الْحسن والنجاة

111

{إِنَّهُ} يَعْنِي إِبْرَاهِيم {مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤمنِينَ} المصدقين فى إِيمَانهم

112

{وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحين} من الْمُرْسلين

113

{وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ} بالثناء الْحسن والذرية الطّيبَة {وعَلى إِسْحَاق وَمن ذريتهما} ذُرِّيَّة إِبْرَاهِيم وَإِسْحَق {مُحْسِنٌ} موحد {وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ} بالْكفْر {مُبِينٌ} ظَاهر الْكفْر

114

{وَلَقَدْ مَنَنَّا على مُوسَى وَهَارُونَ} بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام

115

{وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا} من آمن بهما {مِنَ الكرب الْعَظِيم} من الْغَرق

116

{ونصرناهم} على فِرْعَوْن وَقَومه {فَكَانُوا هم الغالبين} القاهرين بِالْحجَّةِ

117

{وَآتَيْنَاهُمَا} أعطيناهما {الْكتاب} وَهُوَ التَّوْرَاة {المستبين} الْمُبين بالحلال وَالْحرَام

118

{وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاط الْمُسْتَقيم} ثبتناهما على الدّين الْحق الْمُسْتَقيم

119

{وَتَركنَا عَلَيْهِمَا} على مُوسَى وهرون ثَنَاء حسنا {فِي الآخرين} البَاقِينَ بعدهمَا

120

{سَلاَمٌ} منا سَعَادَة وسلامة {على مُوسَى وَهَارُونَ}

121

{إِنَّا كَذَلِك} هَكَذَا {نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} بالثناء الْحسن

122

{إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤمنِينَ} المصدقين

123

{وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسلين} إِلَى قومه

124

{إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلاَ تَتَّقُونَ} عبَادَة غير الله

125

{أَتَدْعُونَ بَعْلاً} أتعبدون رَبًّا من دون الله وَيُقَال ثوراً وَيُقَال كَانَ لَهُم صنم طوله ثَلَاثُونَ ذِرَاعا وَله أَرْبَعَة أوجه يُقَال لَهُ بعل {وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ} تتركون عبَادَة أعظم الْخَالِقِينَ فَلَا تعبدونه

126

{الله رَبَّكُمْ} هُوَ خالقكم {وَرَبَّ آبَآئِكُمُ} خَالق آبائكم {الْأَوَّلين} قبلكُمْ

127

{فَكَذَّبُوهُ} بالرسالة {فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} لمعذبون فِي النَّار

128

{إِلاَّ عِبَادَ الله المخلصين} فِي الْعِبَادَة والتوحيد فَإِنَّهُم لَيْسُوا كَذَلِك

129

{وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ} على الياس ثَنَاء حسنا {فِي الآخرين} فِي البَاقِينَ بعده

130

{سَلاَمٌ} منا سَعَادَة وسلامة {على إِلْ يَاسِينَ} على آل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن قَرَأت عَن إلياسين تَقول سَلام منا سَعَادَة وسلامة على إلياسين وَهُوَ إِدْرِيس النَّبِي

131

{إِنَّا كَذَلِك} هَكَذَا {نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} بالْقَوْل وَالْفِعْل وَالثنَاء الْحسن

132

{إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤمنِينَ} المصدقين

133

{وَإِنَّ لُوطاً لَّمِنَ الْمُرْسلين} إِلَى قومه

134

{إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ} وابنتيه زاعوراً وريثا {أَجْمَعِينَ}

135

{إِلاَّ عَجُوزاً فِي الغابرين} إِلَّا امْرَأَته المنافقة تخلفت مَعَ المتخلفين بِالْهَلَاكِ

136

{ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخرين} أهلكنا من بَقِي بعد لوط وابنتيه

137

{وَإِنَّكُمْ} يَا أهل مَكَّة {لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ} على قرى لوط وسذوم وعمورا وصبورا ودادوما {مصبحين} بِالنَّهَارِ

138

{وبالليل أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} أَفلا تصدقُونَ مَا فعل بهم فَلَا تقتدوا بهم

139

{وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسلين} إِلَى قومه

140

{إِذْ أَبَقَ} خرج من عِنْد قومه وَيُقَال فر من قومه {إِلَى الْفلك المشحون} إِلَى السَّفِينَة الموقرة المجهزة

141

{فَسَاهَمَ} فقارع فِي السَّفِينَة

{فَكَانَ مِنَ المدحضين} من المقروعين ذاهبي الْحجَّة فَألْقى نَفسه فِي المَاء

142

{فالتقمه الْحُوت} السَّمَكَة {وَهُوَ مُلِيمٌ} يلوم نَفسه بِمَا فر من قومه

143

{فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ المسبحين} من الْمُصَلِّين من قبل ذَلِك

144

{لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ} مكث فِي بطن السَّمَكَة {إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} من الْقُبُور

145

{فَنَبَذْنَاهُ} طرحناه {بالعرآء} الصَّحرَاء على وَجه الأَرْض {وَهُوَ سَقِيمٌ} مَرِيض صَار بدنه كبدن الطِّفْل

146

{وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ} من قرع وكل شَيْء لَا يقوم على سَاق فَهُوَ اليقطين

147

{وأرسلناه إِلَى مائَة أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} بل يزِيدُونَ عشْرين ألفا

148

{فَآمَنُواْ} بِهِ {فَمَتَّعْنَاهُمْ} فأجلناهم {إِلَى حِينٍ} إِلَى وَقت الْمَوْت بِلَا عَذَاب

149

{فاستفتهم} سل أهل مَكَّة بني مليح {أَلِرَبِّكَ الْبَنَات} الْإِنَاث {وَلَهُمُ البنون} الذُّكُور قَالُوا نعم فَقَالَ لَهُم النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَرْضَوْنَ لله مَالا ترْضونَ لأنفسكم

150

{أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَة إِنَاثاً} كَمَا تَقولُونَ {وَهُمْ شاهدون} حاضرون

151

{أَلاَ إِنَّهُم} بل إِنَّهُم {مِّنْ إِفْكِهِمْ} من تكذيبهم {ليقولون}

152

{وَلَدَ الله} حَيْثُ قَالُوا الْمَلَائِكَة بَنَات الله {وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} فِي مقالتهم

153

{أَصْطَفَى الْبَنَات} اخْتَار الْإِنَاث {على الْبَنِينَ} على الذُّكُور

154

{مَا لكم كَيْفَ تَحْكُمُونَ} بئْسَمَا تقضون لأنفسكم ترْضونَ لله مَا لَا ترْضونَ لأنفسكم

155

{أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} أَفلا تتعظون بِمَا يَقُولُونَ

156

{أَمْ لَكُمْ} يَا أهل مَكَّة {سُلْطَانٌ مُّبِينٌ} كتاب بَين فِيهِ أَن الْمَلَائِكَة بَنَات الله

157

{فَأْتُواْ بِكِتَابِكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} أَن الْمَلَائِكَة بَنَات الله

158

{وَجَعَلُواْ} كفار مَكَّة بَنو مليح {بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجنَّة نَسَباً} بَين الله وَبَين الْمَلَائِكَة نسبا حَيْثُ قَالُوا الْمَلَائِكَة بَنَات الله وَيُقَال نزلت فِي الزَّنَادِقَة حَيْثُ قَالُوا إِبْلِيس لَعنه الله مَعَ الله شريك الله خَالق الْخَيْر وإبليس خَالق الشَّرّ {وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجنَّة} الْمَلَائِكَة {إِنَّهُمْ} يَعْنِي كفار مَكَّة بني مليح {لَمُحْضَرُونَ} معذبون فِي النَّار

159

{سُبْحَانَ الله} نزه نَفسه {عَمَّا يَصِفُونَ} عَمَّا يَقُولُونَ من الْكَذِب

160

{إِلاَّ عِبَادَ الله المخلصين} فِي الْعِبَادَة والتوحيد فَإِنَّهُم لَا يكذبُون على الله وَيُقَال إِنَّهُم لمحضرون لمعذبون إِلَّا عباد الله المخلصين المعصومين من الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش

161

{فَإِنَّكُمْ} يَا أهل مَكَّة {وَمَا تَعْبُدُونَ} من دون الله

162

{مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ} على عِبَادَته {بِفَاتِنِينَ} بمضلين

163

{إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيم} دَاخل النَّار مَعكُمْ وَهُوَ إِبْلِيس وَيُقَال إِلَّا من قدرت عَلَيْهِ أَنه دَاخل النَّار مَعكُمْ

164

{وَمَا مِنَّآ} قَالَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَمَا منا {إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ} مَعْرُوف فِي السَّمَاء

165

{وَإِنَّا لَنَحْنُ الصآفون} فِي الصَّلَاة

166

{وَإِنَّا لَنَحْنُ المسبحون} المصلون

167

{وَإِن كَانُواْ} وَقد كَانَ أهل مَكَّة {لَيَقُولُونَ} قبل مجىء مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهِم

168

{لَوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْراً مِّنَ الْأَوَّلين} رَسُولا مثل رسل الْأَوَّلين كَمَا كَانَ للأولين

169

{لَكُنَّا عِبَادَ الله المخلصين} الْمُوَحِّدين

170

{فَكَفرُوا بِهِ} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن حِين جَاءَهُم {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} مَاذَا يفعل بهم عِنْد الْمَوْت وَفِي الْقَبْر وَيَوْم الْقِيَامَة

171

{وَلَقَدْ سَبَقَتْ} وَجَبت {كَلِمَتُنَا} بالنصرة والدولة {لِعِبَادِنَا الْمُرْسلين}

172

{إِنَّهُمْ لَهُمُ المنصورون} بِالْحجَّةِ والعذر

173

{وَإِنَّ جُندَنَا} الرُّسُل وَالْمُؤمنِينَ {لَهُمُ الغالبون} بِالْحجَّةِ وَالْعدَد إِلَى يَوْم الْقِيَامَة

174

{فَتَوَلَّ} فَأَعْرض يَا مُحَمَّد {عَنْهُمْ} عَن كفار مَكَّة {حَتَّى حِينٍ} إِلَى وَقت هلاكهم يَوْم بدر

175

{وَأَبْصِرْهُمْ} أعلمهم عَذَاب الله {فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ} يعلمُونَ مَاذَا يفعل بهم

176

{أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ} أفبمثل عذابنا يستعجلون قبل أَجله

177

{فَإِذا نزل بِسَاحَتِهِمْ} بقربهم {فَسَآءَ صَبَاحُ الْمُنْذرين} فبئس الصَّباح لمن أنذرتهم الرُّسُل فَلم يُؤمنُوا

178

{وَتَوَلَّ} أعرض {عَنْهُمْ} يَا مُحَمَّد {حَتَّى حِينٍ} إِلَى وَقت هلاكهم يَوْم بدر

179

{وَأَبْصِرْ} اعْلَم {فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ} يعلمُونَ مَاذَا يفعل بهم

180

{سُبْحَانَ رَبِّكَ} نزه نَفسه عَن الْوَلَد وَالشَّرِيك {رَبِّ الْعِزَّة} المنعة وَالْقُدْرَة {عَمَّا يَصِفُونَ} يَقُولُونَ من الْكَذِب

181

{وَسَلاَمٌ} منا سَلامَة {على الْمُرْسلين} بتبليغهم الرسَالَة

182

{وَالْحَمْد لِلَّهِ} الشُّكْر والوحدانية لله بنجاة الرُّسُل وهلاك قَومهمْ {رَبِّ الْعَالمين} سيد الْإِنْس وَالْجِنّ وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا ص وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها سِتّ وَثَمَانُونَ آيَة وكلماتها سَبْعمِائة وَاثْنَتَانِ وَثَلَاثُونَ كلمة وحروفها ثَلَاثَة آلَاف وَسِتَّة وَسِتُّونَ حرفا {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

ص

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {ص} يَقُول ص وَالْقُرْآن أَي كرروا الْقُرْآن حَتَّى تعلمُوا الْإِيمَان من الْكفْر وَالسّنة من الْبِدْعَة وَالْحق من الْبَاطِل والصدق من الْكَذِب والحلال من الْحَرَام وَالْخَيْر من الشَّرّ وَيُقَال ص صد عَن الْهدى أَي صرف أهل مَكَّة عَن الْحق وَالْهدى وَيُقَال أَبُو جهل وَيُقَال ص صَادِق فِي قَوْله وَيُقَال ص اسْم من أَسمَاء الله صَادِق وَيُقَال قسم أقسم بِهِ {وَالْقُرْآن} أقسم بِالْقُرْآنِ {ذِي الذّكر} ذِي الشّرف وَالْبَيَان شرف من آمن بِهِ وَبَيَان الْأَوَّلين والآخرين

2

{بَلِ الَّذين كَفَرُواْ} كفار مَكَّة {فِي عِزَّةٍ} حمية وتكبر {وَشِقَاقٍ} خلاف وعداوة وَلِهَذَا كَانَ الْمقسم عَلَيْهِ

3

{كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم} من قبل قُرَيْش {مِّن قَرْنٍ} من الْأُمَم الخالية {فَنَادَواْ وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ} فنادتهم الْمَلَائِكَة عِنْد هلاكهم ولات حِين مناص أَي لَيْسَ بِحِين حَملَة وَلَا فرار قفوا فوقفوا حَتَّى أهلكهم الله وَقد كَانُوا قبل ذَلِك إِذا قَاتلُوا عدوا نَادَى بَعضهم بَعْضًا مناص مناص يعنون حَملَة وَاحِدَة فنجا من نجا وَهلك من هلك وَإِذا غلب الْعَدو عَلَيْهِم كَانُوا يبدرون بَعضهم بَعْضًا وينادون بَعضهم بَعْضًا مناص مناص بِنصب الصَّاد أَي فِرَارًا فِرَارًا فيفرون من الْقِتَال وَهَذِه عَلامَة كَانَت بَينهم فِي القتالإذا أَرَادوا أَن يحملوا على الْعَدو أَو يَفروا من الْعَدو فَلَمَّا أَرَادَ الله هلاكهم نادتهم الْمَلَائِكَة ولات حِين مناص أَي لَيْسَ بِحِين حَملَة وَلَا فرار

4

{وعجبوا} قُرَيْش {أَن جَآءَهُم} بِأَن جَاءَهُم {مٌّنذِرٌ} رَسُول مخوف {مِّنْهُمْ} من نسبهم {وَقَالَ الْكَافِرُونَ} كفار مَكَّة {هَذَا} يعنون مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {سَاحِرٌ} يفرق بَين الِاثْنَيْنِ {كَذَّابٌ} يكذب على الله

5

{أَجَعَلَ الْآلهَة إِلَهًا وَاحِداً} أيسعنا وَيَكْفِينَا إِلَه وَاحِد فى حوائجنا كَمَا يَقُول مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِن هَذَا} الذى يَقُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {لَشَيْءٌ عُجَابٌ} عَجِيب

6

{وَانْطَلق الْمَلأ} الرؤساء {مِنْهُمْ} من قُرَيْش عتبَة وَشَيْبَة ابْنا ربيعَة وَأبي بن خلف الجُمَحِي وَأَبُو جهل بن هِشَام {أَنِ امشوا} قَالَ لَهُم أَبُو جهل أَن امضوا إِلَى آلِهَتكُم {وَاْصْبِرُواْ على آلِهَتِكُمْ} اثبتوا على عبَادَة آلِهَتكُم {إِن هَذَا لشَيْء} يعنون مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {يُرَادُ} أَن يهْلك وَيُقَال إِن هَذَا الَّذِي يَقُول مُحَمَّد

صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لشَيْء يُرَاد يكون بِأَهْل الأَرْض

7

{مَا سمعنَا بِهَذَا} الذى يَقُول مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فِى الْملَّة الْآخِرَة} فِي الْملَّة الْيَهُودِيَّة والنصرانية يعنون لم نسْمع من الْيَهُود وَلَا النَّصَارَى أَن الْإِلَه وَاحِد {إِنْ هَذَا} مَا هَذَا الذى يَقُول مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِلَّا اخْتِلَاق} اختلقه مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من تِلْقَاء نَفسه

8

{أأنزل عَلَيْهِ الذّكر مِن بَيْنِنَا} أخص بِالنُّبُوَّةِ وَالْكتاب من بَيْننَا {بْل هُمْ} كفار مَكَّة {فَي شكّ من ذكري} من كتابى ونبوة نَبِي {بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ} لم يَذُوقُوا عَذَابي فَمن ذَلِك يكذبُون عَليّ

9

{أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيز الْوَهَّاب} يَقُول أبأيديهم النُّبُوَّة والكتب فيعطون من شَاءُوا وَهُوَ الْعَزِيز بالنقمة لمن لَا يُؤمن الْوَهَّاب وهب النُّبُوَّة وَالْكتاب لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

10

{أَمْ لَهُم} ألهم {مٌّلْكُ السَّمَاوَات وَالْأَرْض} مقدرَة على السَّمَوَات وَالْأَرْض {وَمَا بَيَنَهُمَا} من الْخلق والعجائب {فَلْيَرْتَقُواْ} فليصعدوا {فِى الْأَسْبَاب} فِي أَبْوَاب السَّمَوَات إِن كَانَت لَهُم مقدرَة ذَلِك فلينظروا ءأنزل عَلَيْهِ النُّبُوَّة وَالْكتاب أم لَا

11

{جند} هم جند {مَا هُنَالك} عِنْد مَا أَرَادوا قتل النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم بدر {مَهْزُومٌ} مقتول مغلوب فَقتلُوا يَوْم بدر {مِّن الْأَحْزَاب} من الْكفَّار كفار مَكَّة

12

{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ} قبل قَوْمك يَا مُحَمَّد {قَوْمُ نُوحٍ} نوحًا {وَعَادٌ} قوم هود هوداً {وفِرْعَوْنُ} مُوسَى {ذُو الْأَوْتَاد} صَاحب الْملك الثَّابِت وَيُقَال صَاحب الْعَذَاب بالأوتاد وَإِنَّمَا سمي ذَا أوتاد لِأَنَّهُ كَانَ إِذا غضب على أحد وَكره بأَرْبعَة أوتاد

13

{وَثَمُودُ} قوم صَالح صَالحا {وَقَوْمُ لُوطٍ} لوطاً {وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ} الغيضة وهم قوم شُعَيْب كذبُوا شعيباً {أُولَئِكَ الْأَحْزَاب} الْكفَّار

14

{إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرُّسُل} يَقُول كل هَؤُلَاءِ كذبُوا الرُّسُل كَمَا كَذبك قُرَيْش {فَحَقَّ عِقَاب} فَوَجَبت عَلَيْهِم عقوبتى

15

{وَمَا ينظر هَؤُلَاءِ} قَوْمك إِن كَذبُوك {إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً} لَا تثني وَهِي نفخة الْبَعْث {مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ} من نظرة وَلَا رَجْعَة

16

{وَقَالُواْ} يَعْنِي كفار مَكَّة حِين ذكر الله فِي كِتَابه فَأَما من أُوتِيَ كِتَابه بِيَمِينِهِ وَأما من أُوتِيَ كِتَابه بِشمَالِهِ {رَبَّنَا} يَا رَبنَا {عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا} يعنون كتَابنَا أَي صحيفَة أَعمالنَا {قَبْلَ يَوْمِ الْحساب} حَتَّى نعلم مَا فِيهَا

17

{اصبر} يَا مُحَمَّد {على مَا يَقُولُونَ} من التَّكْذِيب {وَاذْكُر عَبدنَا دَاوُد} يَقُول اذكر لَهُم خبر عَبدنَا دَاوُد {ذَا الأيد} ذَا الْقُوَّة وَالْعِبَادَة {إِنَّهُ أَوَّابٌ} مُطِيع لله مقبل إِلَى طَاعَة الله

18

{إِنَّا سَخَّرْنَا} ذللنا {الْجبَال مَعَهُ يُسَبِّحْنَ} مَعَه {بالْعَشي وَالْإِشْرَاق} غدْوَة وَعَشِيَّة

19

{وَالطير} وسخرنا لَهُ الطير {مَحْشُورَةً} مَجْمُوعَة {كُلٌّ لَّهُ} الطير وَالْجِبَال {أَوَّابٌ} مُطِيع لله

20

{وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ} بالحرس وَكَانَ يحرس كل لَيْلَة محرابه ثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ ألف رجل {وَآتَيْنَاهُ} أعطيناه {الْحِكْمَة} النُّبُوَّة {وَفَصْلَ الْخطاب} الْقَضَاء كَانَ لَا يتعتع فِي الْكَلَام عِنْد الْقَضَاء يقْضِي بِالْبَيِّنَةِ وَالْيَمِين الْبَيِّنَة على الطَّالِب وَالْيَمِين على الْمَطْلُوب

21

{وَهَلْ أَتَاكَ} مَا أَتَاك ثمَّ أَتَاك يَا مُحَمَّد {نَبَأُ الْخصم} خبر الْخصم خصم دَاوُد {إِذْ تَسَوَّرُواْ الْمِحْرَاب} نزلُوا عَلَيْهِ من فَوق الْمِحْرَاب

22

{إِذْ دخلُوا على دَاوُد فَفَزِعَ مِنْهُمْ} دَاوُد {قَالُواْ} يَعْنِي الْملكَيْنِ اللَّذين دخلا عَلَيْهِ يَا دَاوُد {لاَ تَخَفْ خَصْمَانِ} نَحن خصمان {بغى} تطاول وظلم {بَعْضُنَا على بَعْضٍ فاحكم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ} بِالْعَدْلِ {وَلاَ تُشْطِطْ} لَا تمل وَلَا تجر {واهدنآ إِلَى سَوَآءِ الصِّرَاط} دلنا إِلَى الصَّوَاب

23

{إِنَّ هَذَآ أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً} امْرَأَة {وَلِي نَعْجَةٌ} امْرَأَة {وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا} أعطنيها {وَعَزَّنِي فِي الْخطاب} غلبني فِي الْكَلَام وَهَذَا مثل ضرباه لداود لكَي يفهم مَا فعل بأوريا

24

{قَالَ} دَاوُد {لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ} بِأخذ نعجتك {إِلَى نِعَاجِهِ} مَعَ كَثْرَة نعاجه {وَإِنَّ كثيرا من الخلطاء} من الشُّرَكَاء والإخوان {ليبغي} ليظلم {بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ إِلاَّ الَّذين آمَنُواْ} بِاللَّه {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات}

فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ} مَالا يظْلمُونَ فَخَرَجَا من حَيْثُ دخلا {وَظن دَاوُد} علم وأيقن بعد لَك {أَنَّمَا فَتَنَّاهُ} ابتليناه بالذنب الَّذِي كَانَ مِنْهُ {فَاسْتَغْفر رَبَّهُ} من الذَّنب {وَخَرَّ رَاكِعاً} سَاجِدا {وَأَنَابَ} أقبل إِلَى الله بِالتَّوْبَةِ والندامة

25

{فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ} الذَّنب {وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لزلفى} قربى فِي الدَّرَجَات {وَحُسْنَ مَآبٍ} مرجع فى الْآخِرَة

26

{يَا دَاوُد إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْض} نَبيا ملكا على بني إِسْرَائِيل {فاحكم بَيْنَ النَّاس بِالْحَقِّ} بِالْعَدْلِ {وَلاَ تَتَّبِعِ الْهوى} كَمَا اتبعت فِي بتشايع امْرَأَة أوريا وَكَانَت بنت عَم دَاوُد {فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ الله} عَن طَاعَة الله {إِنَّ الَّذين يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ الله} عَن طَاعَة الله {لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدُ بِمَا نَسُواْ يَوْمَ الْحساب} بِمَا تركُوا الْعَمَل ليَوْم الْحساب

27

{وَمَا خَلَقْنَا السمآء وَالْأَرْض وَمَا بَيْنَهُمَا} من الْخلق والعجائب {بَاطِلاً} عَبَثا جزَافا بِلَا أَمر وَلَا نهي {ذَلِك ظَنُّ الَّذين كَفَرُواْ} إِنْكَار الَّذين كفرُوا بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت {فَوَيْلٌ} فشدة الْعَذَاب {لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت {مِنَ النَّار} فِي النَّار

28

{أم نجْعَل الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم وَهُوَ عَليّ بن أبي طَالب وَحَمْزَة ابْن عبد الْمطلب وَعبيدَة بن الْحَارِث {كالمفسدين} كالمشركين {فِي الأَرْض} وَهُوَ عتبَة وَشَيْبَة ابْنا ربيعَة والوليد بن عتبَة {أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش عليا وصاحباه {كالفجار} كالكفار وَعتبَة وَشَيْبَة والوليد وهم الَّذين بارزوا يَوْم بدر عليا وَحَمْزَة وَعبيدَة فَقتل عَليّ الْوَلِيد بن عتبَة وَقتل حَمْزَة عتبَة بن ربيعَة وَقتل عُبَيْدَة شيبَة

29

{كِتَابٌ} هَذَا كتاب {أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ} أنزلنَا جِبْرِيل بِهِ إِلَيْك {مُبَارَكٌ} فِيهِ الْمَغْفِرَة وَالرَّحْمَة لمن آمن بِهِ {ليدبروا آيَاتِهِ} لكَي يتفكروا فِي آيَاته {وليتذكر} لكى يتعظ {أولُوا الْأَلْبَاب} ذَوُو الْعُقُول من النَّاس

30

{وَوَهَبْنَا لداود سُلَيْمَانَ نِعْمَ العَبْد إِنَّهُ أَوَّابٌ} مقبل إِلَى الله وَإِلَى طَاعَته

31

{إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بالْعَشي} بعد الظّهْر {الصافنات} الْخَيل العراب الخوالص {الْجِيَاد} السراع وَيُقَال الصافنات هُوَ الْفرس إِذا قَامَ بِثَلَاث قَوَائِم وَرفع إِحْدَى يَدَيْهِ حَتَّى يكون على طرف الْحَافِر

32

{فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْر} اخْتَرْت المَال {عَن ذِكْرِ رَبِّي} على طَاعَة رَبِّي {حَتَّى تَوَارَتْ} الشَّمْس {بالحجاب} بجبل قَاف

33

{رُدُّوهَا عَلَيَّ} مَا عرض عَليّ فردوها {فَطَفِقَ} عمد {مَسْحاً بِالسوقِ} ضرب سوقهن {والأعناق} وأعناقهن وَيُقَال فَطَفِقَ مسحاً بِالسوقِ والأعناق حَتَّى تَوَارَتْ بالحجاب حَتَّى غَابَتْ الشَّمْس وَذَهَبت مِنْهُ صَلَاة الْعَصْر فَمن أجل ذَلِك فعل مَا فعل

34

{وَلَقَدْ فَتَنَّا} ابتلينا {سُلَيْمَانَ} بذهاب ملكه أَرْبَعِينَ يَوْمًا بِقدر مَا عبد الصَّنَم فِي بَيته مَكَان كل يَوْم يَوْمًا {وَأَلْقَيْنَا} أجلسنا {على كُرْسِيِّهِ جَسَداً} شَيْطَانا {ثُمَّ أَنَابَ} ثمَّ رَجَعَ إِلَى ملكه وَإِلَى طَاعَة ربه وَتَابَ من ذَنبه

35

{قَالَ رَبِّ اغْفِر لِي} ذَنبي {وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَّ يَنبَغِي} لَا يصلح {لأَحَدٍ مِّن بعدِي} وَيُقَال لَا يسلب فِيمَا بَقِي كَمَا سلب الْمرة الأولى {إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّاب} بِالْملكِ والنبوة لمن شِئْت

36

{فَسَخَّرْنَا لَهُ الرّيح} بعد ذَلِك {تَجْرِي بِأَمْرِهِ} بِأَمْر الله وَيُقَال بِأَمْر سُلَيْمَان {رُخَآءً} لينَة {حَيْثُ أَصَابَ} أَرَادَ

37

{وَالشَّيَاطِين} وسخرنا لَهُ الشَّيَاطِين {كُلَّ بَنَّآءٍ وَغَوَّاصٍ} فِي قَعْر الْبَحْر

38

{وَآخَرِينَ} من غَيرهم {مُقَرَّنِينَ} مصفدين مسلسلين {فِي الأصفاد} فِي أغلال الْحَدِيد وهم المردة من الشَّيَاطِين الَّذين لَا يَبْعَثهُم إِلَى عمل إِلَّا انقلبوا

39

{هَذَا عَطَآؤُنَا} ملكنا يَا سُلَيْمَان ملكناك على الشَّيَاطِين {فَامْنُنْ} على من شِئْت من المتمردين وخل سبيلهم من الغل {أَوْ أَمْسِكْ} احْبِسْ فِي الغل {بِغَيْرِ حِسَابٍ} من غير أَن تحاسب وتأثم بذلك

40

{وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لزلفى} قربى فِي الدَّرَجَات {وَحُسْنَ مَآبٍ} مرجع فِي الْآخِرَة

41

{وَاذْكُر عَبْدَنَآ} اذكر لكفار مَكَّة خبر عَبدنَا {أَيُّوب إِذْ نَادَى ربه} دَعَا ربه {أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَان} أصابني من تسليطك الشَّيْطَان عَليّ {بِنُصْبٍ} تَعب وعناء {وَعَذَابٍ} بلَاء وَمرض فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل يَا أَيُّوب

42

{اركض} اضْرِب {بِرِجْلِكَ} على الأَرْض فَضرب فَخرج مِنْهَا عين فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل {هَذَا مُغْتَسَلٌ} اغْتسل مِنْهُ فاغتسل مِنْهُ فالتأم مابه ثمَّ قَالَ لَهُ اضْرِب ضَرْبَة أُخْرَى فَضرب فَخرج مِنْهَا عين أُخْرَى فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل {بَارِدٌ وَشَرَابٌ} أَي وَهَذَا شراب بَارِد عذب اشرب مِنْهُ فَشرب فالتأم مَا فِي جَوْفه

43

{وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ} الَّذين أهلكناهم {وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ} فِي الْآخِرَة وَيُقَال فِي الدُّنْيَا {رَحْمَةً مِّنَّا} نعْمَة منا عَلَيْهِ {وذكرى} عظة {لأُوْلِي الْأَلْبَاب} لِذَوي الْعُقُول من النَّاس

44

{وَخُذْ بِيَدِكَ} يَا أَيُّوب {ضِغْثاً} قَبْضَة من سنبل فِيهَا مائَة سنبلة {فَاضْرب بِّهِ} امْرَأَتك رَحْمَة بنت يُوسُف الصّديق {وَلاَ تَحْنَثْ} لَا تأثم فِي يَمِينك وَكَانَ قبل ذَلِك حلف بِاللَّه لَئِن شفَاه الله ليجلدنها مائَة جلدَة فِي سَبَب كَلَام تَكَلَّمت بِهِ لم يرض الله بِهِ {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً} على الْبلَاء {نِّعْمَ العَبْد إِنَّهُ أَوَّابٌ} مُطِيع لله مقبل إِلَى طَاعَة الله

45

{وَاذْكُر عِبَادَنَآ إِبْرَاهِيمَ} خَلِيل الرَّحْمَن {وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الْأَيْدِي} الْقُوَّة فِي الْعِبَادَة لله {والأبصار} فى الدّين

46

{إِنَّآ أَخْلَصْنَاهُمْ} اختصصناهم {بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّار} يَقُول بخالصة ذكر الله وَذكر الْآخِرَة

47

{وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ المصطفين الأخيار} المختارين فِي الدُّنْيَا بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام الأخيار عِنْد الله يَوْم الْقِيَامَة

48

{وَاذْكُر إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسع} ابْن عَم إلْيَاس {وَذَا الكفل} الَّذِي كفل وَضمن أَشْيَاء لقوم فوفاها وَيُقَال تكفل لله بِشَيْء فوفاه وَيُقَال كفل مائَة نَبِي فَكَانَ يُطعمهُمْ حَتَّى نجاهم الله من الْقَتْل وَكَانَ رجلا صَالحا وَلم يكن نَبيا {وَكُلٌّ} كل هَؤُلَاءِ {مِّنَ الأخيار} عِنْد الله

49

{هَذَا ذِكْرٌ} ذكر الصَّالِحين وَيُقَال فِي هَذَا الْقُرْآن خبر الْأَوَّلين والآخرين {وَإِن لِلْمُتقين} الكفروالشرك وَالْفَوَاحِش {لَحُسْنَ مَآبٍ} مرجع فِي الْآخِرَة

50

ثمَّ بَين مستقرهم فِي الْآخِرَة فَقَالَ {جَنَّاتِ عَدْنٍ} مَعْدن الْأَنْبِيَاء وَالصَّالِحِينَ {مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَاب} يَوْم الْقِيَامَة

51

{مُتَّكِئِينَ فِيهَا} جالسين على السرر فِي الحجال ناعمين فِي الْجنَّة {يَدْعُونَ فِيهَا} يسْأَلُون فِي الْجنَّة {بِفَاكِهَةٍ} بألوان الْفَاكِهَة {كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ} وألوان الشَّرَاب

52

{وَعِندَهُمْ} فِي الْجنَّة جوَار {قَاصِرَاتُ الطّرف} غاضات الْعين قانعات بأزواجهن {أَتْرَابٌ} مستويات فِي السن والميلاد

53

يَقُول الله لَهُم {هَذَا مَا تُوعَدُونَ} إِذْ أَنْتُم فِي الدُّنْيَا {لِيَوْمِ الْحساب} يَوْم الْقِيَامَة

54

{إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا} طعامنا ونعيمنا لَهُم {مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ} من فنَاء وَلَا انْقِطَاع

55

{هَذَا} للْمُؤْمِنين {وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ} للْكَافِرِينَ أبي جهل وَأَصْحَابه {لَشَرَّ مَآبٍ} مرجع فِي الْآخِرَة

56

{جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا} يدْخلُونَهَا يَوْم الْقِيَامَة {فَبِئْسَ المهاد} الْفراش والقرار لَهُم النَّار

57

{هَذَا} للْكَافِرِينَ {فَلْيَذُوقُوهُ} عَذَاب جَهَنَّم {حَمِيمٌ} مَاء حَار قد انْتهى حره {وَغَسَّاقٌ} زمهرير يحرقهم كَمَا تحرقهم النَّار

58

{وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ} من نَحْو الْحَمِيم والغساق {أَزوَاج} ألوان الْعَذَاب فيدخلهم الله النارالأول فَالْأول فَكلما دخلت أمة لعنت أُخْتهَا الَّتِي دخلت قبلهَا فَيَقُول الله لأوّل أمة دخلت النَّار

59

{هَذَا فَوْجٌ} جمَاعَة {مُّقْتَحِمٌ} دَاخل {مَّعَكُمْ} النَّار فَيَقُول أول الْأمة لآخر الْأمة {لاَ مَرْحَباً بِهِمْ} لَا وسع الله عَلَيْهِم {إِنَّهُمْ صَالُواْ النَّار} داخلوا النَّار {قَالُواْ} آخر الْأمة

60

{بل أَنْتُم لَا مرْحَبًا بكم} لَا وسع الله عَلَيْكُم {أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ} شرعتموه {لَنَا} هَذَا الدّين فاقتدينا بكم {فَبِئْسَ الْقَرار} الْمنزل لنا وَلكم

61

{قَالُواْ} الأول وَالْآخر {رَبَّنَا} يَا رَبنَا {مَن قَدَّمَ لَنَا} من شرع لنا {هَذَا} الدّين يعنون إِبْلِيس وَسَائِر الرؤساء {فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً فِي النَّار} مِمَّا علينا

62

{وَقَالُواْ مَا لَنَا لاَ نرى} فِي النَّار {رِجَالاً} يعنون فُقَرَاء الْمُؤمنِينَ {كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِّنَ الأشرار} من السفلة والفقراء

63

{أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً} سخرناهم فِي الدُّنْيَا {أَمْ زَاغَتْ} مَالَتْ {عَنْهُمُ الْأَبْصَار} أبصارنا فَلَا نراهم

64

{إِنَّ ذَلِكَ} الَّذِي ذكرت من خبر أهل النَّار {لَحَقٌّ} صدق {تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّار} كَلَام أهل النَّار بِالْخُصُومَةِ بَعضهم مَعَ بعض

65

{قُلْ} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {إِنَّمَآ أَنَاْ مُنذِرٌ} رَسُول مخوف {وَمَا مِنْ إِلَه إِلاَّ الله الْوَاحِد} بِلَا ولد وَلَا شريك {القهار} الْغَالِب على خلقه

66

{رَبُّ السَّمَاوَات} خَالق السَّمَوَات {وَالْأَرْض وَمَا بَيْنَهُمَا} من الْخلق والعجائب {الْعَزِيز} هُوَ الْعَزِيز بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ {الْغفار} لمن تَابَ وآمن بِهِ

67

{قُلْ} يَا مُحَمَّد {هُوَ} يَعْنِي الْقُرْآن {نَبَأٌ} خبر {عَظِيمٌ} كريم شرِيف فِيهِ خبر الْأَوَّلين والآخرين

68

{أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ} مكذبون بِهِ تاركون لَهُ

69

{مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بالملإ الْأَعْلَى} يَعْنِي الْمَلَائِكَة لَو لم أكن رَسُولا {إِذْ يَخْتَصِمُونَ} إِذْ يَتَكَلَّمُونَ حِين قَالُوا أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا الْآيَة

70

{إِن يُوحى} مَا يُوحى {إِلَيَّ إِلاَّ أَنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ} رَسُول مخوف {مُّبِينٌ} بلغَة تعلمونها ثمَّ بَين خُصُومَة الْمَلَائِكَة فَقَالَ اذكر يَا مُحَمَّد لَهُم

71

{إِذْ قَالَ} قد قَالَ {رَبُّكَ للْمَلَائكَة إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن طِينٍ} يَعْنِي آدم

72

{فَإِذَا سَوَّيْتُهُ} جمعت خلقه {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي} جعلت الرّوح فِيهِ {فَقَعُواْ لَهُ} فَخَروا لَهُ {ساجدين}

73

{فَسَجَدَ الْمَلَائِكَة كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} لآدَم

74

{إِلاَّ إِبْلِيسَ استكبر} تعظم عَن السُّجُود لآدَم {وَكَانَ مِنَ الْكَافرين} صَار من الْكَافرين بإبائه عَن أَمر الله

75

{قَالَ} الله لَهُ {يَا إِبْلِيس} يَا خَبِيث {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} صورت بيَدي {أَسْتَكْبَرْتَ} عَن السُّجُود لآدَم {أَمْ كُنتَ مِنَ العالين} من الْمُخَالفين لأمرى

76

{قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} فَالنَّار تَأْكُل الطين فَلذَلِك لم أَسجد لَهُ

77

{قَالَ} الله لَهُ {فَاخْرُج مِنْهَا} من صُورَة الْمَلَائِكَة وَيُقَال من الأَرْض {فَإِنَّكَ رَجِيمٌ} مَلْعُون مطرود من رحمتى وكرامتى

78

{وَإِن عَلَيْك لَعْنَتِي} عَذَابي وسخطي وَيُقَال أجلاه الله إِلَى جزائر الْبَحْر وَلَا يدْخل فِيهَا إِلَّا كَهَيئَةِ السَّارِق وَعَلِيهِ أطمار يروع فِيهَا {إِلَى يَوْمِ الدّين} يَوْم الْحساب

79

{قَالَ} إِبْلِيس {رَبِّ} يَا رب {فأنظرني} فأجلني

{إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} من الْقُبُور أَرَادَ الْخَبيث أَن لَا يَذُوق الْمَوْت

80

{قَالَ} الله {فَإِنَّكَ مِنَ المنظرين} المؤجلين

81

{إِلَى يَوْمِ الْوَقْت الْمَعْلُوم} إِلَى النفخة الأولى

82

{قَالَ فَبِعِزَّتِكَ} فبنعمتك وقدرتك {لأُغْوِيَنَّهُمْ} لأضلنهم عَن دينك وطاعتك {أَجْمَعِينَ}

83

{إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ} من بني آدم {المخلصين} المعصومين منى

84

{قَالَ} الله لَهُ {فَالْحق} يَقُول أَنا الْحق {وَالْحق} يَقُول وبالحق {أَقُولُ}

85

{لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ} وَمن ذريتك {وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ} من بني آدم {أَجْمَعِينَ} جَمِيع من أطاعك بِالدينِ

86

{قُلْ} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ} على التَّوْحِيد وَالْقُرْآن {مِنْ أَجْرٍ} من جعل ورزق {وَمَآ أَنَآ مِنَ المتكلفين} من المختلقين من تِلْقَاء نَفسِي

87

{إِنْ هُوَ} مَا هُوَ يَعْنِي الْقُرْآن {إِلاَّ ذِكْرٌ} عظة {لِّلْعَالَمِينَ} للجن وَالْإِنْس

88

{وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ} خبر الْقُرْآن وَمَا فِيهِ من الْوَعْد والوعيد {بَعْدَ حِينِ} بعد الْإِيمَان وَيُقَال بعد الْمَوْت فَمنهمْ من علم بعد الْإِيمَان وهم الْمُؤْمِنُونَ وَمِنْهُم من علم بعد الْمَوْت وهم الْكفَّار أَن مَا قَالَ الله فِي الْقُرْآن هُوَ الْحق وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الزمر وهى كلهَا مَكِّيَّة غير قَوْله {قل يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم} إِلَى آخر الْآيَة فانها مَدَنِيَّة آياتها اثْنَتَانِ وَتسْعُونَ آيَة وكلماتها ألف وَمِائَة وَاثْنَتَانِ وَتسْعُونَ وحروفها أَرْبَعَة آلَاف {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

الزمر

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله جلّ ذكره {تَنزِيلُ الْكتاب} يَقُول هَذَا الْكتاب تكليم {من الله الْعَزِيز} بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ {الْحَكِيم} فِي أمره وقضائه أَمر أَن لَا يعبد غَيره

2

{إِنَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الْكتاب} جِبْرِيل بِالْكتاب {بِالْحَقِّ} لَا بِالْبَاطِلِ {فاعبد الله مُخْلِصاً لَّهُ الدّين} مخلصاً لَهُ بِالْعبَادَة والتوحيد

3

{أَلاَ لِلَّهِ} على النَّاس {الدّين الْخَالِص} الدّين بالإخلاص لَا يخالطه شَيْء {وَالَّذين اتَّخذُوا} عبدُوا {مِن دُونِهِ} من دون الله كفار مَكَّة {أَوْلِيَآءَ} أَرْبَابًا اللات والعزى وَمَنَاة قَالُوا {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى الله زلفى} قربى فِي الْمنزلَة والشفاعة {إِنَّ الله يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} وَبَين الْمُؤمنِينَ يَوْم الْقِيَامَة {فِيمَا هُمْ فِيهِ} فِي الدّين {يَخْتَلِفُونَ} يخالفون {إِنَّ الله لاَ يَهْدِي} لَا يرشد إِلَى دينه {مَنْ هُوَ كَاذِبٌ} على الله {كَفَّارٌ} كَافِر بِاللَّه وهم الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَبَنُو مليح وَالْمَجُوس ومشركو الْعَرَب

4

{لَّوْ أَرَادَ الله أَن يَتَّخِذَ وَلَداً} من الْمَلَائِكَة والآدميين كَمَا قَالَت الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَبَنُو مليح {لاصطفى} لاختار {مِمَّا يَخْلُقُ} عِنْده فِي الْجنَّة {مَا يَشَآءُ} وَيُقَال من الْمَلَائِكَة {سُبْحَانَهُ} نزه نَفسه عَن ذَلِك {هُوَ الله الْوَاحِد} بِلَا ولد وَلَا شريك {القهار} الْغَالِب على خلقه

5

{خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِالْحَقِّ} لَا بِالْبَاطِلِ {يُكَوِّرُ اللَّيْل عَلَى النَّهَار} يَدُور اللَّيْل على النَّهَار فَيكون أطول من اللَّيْل {وَيُكَوِّرُ النَّهَار عَلَى اللَّيْل} يَدُور النَّهَار على اللَّيْل فَيكون اللَّيْل أطول من النَّهَار {وَسَخَّرَ} ذلل {الشَّمْس وَالْقَمَر} ضوء الشَّمْس وَالْقَمَر لبني آدم

{كُلٌّ} من الشَّمْس وَالْقَمَر وَاللَّيْل وَالنَّهَار {يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى} إِلَى وَقت مَعْلُوم {أَلا هُوَ الْعَزِيز} الَّذِي فعل ذَلِك الْعَزِيز بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ {الْغفار} لمن تَابَ من الشّرك وآمن بِهِ

6

{خَلقكُم من نفس وَاحِدَة} من نفس آدم وَحدهَا {ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا} من نفس آدم {زَوْجَهَا} حَوَّاء خلقهَا من ضلع من أضلاعه الْقصرى {وَأَنزَلَ} خلق {لَكُمْ مِّنَ الْأَنْعَام} من الْبَهَائِم {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} أَصْنَاف ذكر وَأُنْثَى من الضَّأْن اثْنَيْنِ ذكرا وَأُنْثَى وَمِنَ الْمعز اثْنَيْنِ ذكرا وَأُنْثَى وَمن الْإِبِل اثْنَيْنِ ذكرا وَأُنْثَى وَمن الْبَقر اثْنَيْنِ ذكرا وَأُنْثَى {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِّن بَعْدِ خلق} حَالا من بعد حَال نُطْفَة وعلقة ومضغة وعظاماً {فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ} ظلمَة الْبَطن وظلمة الرَّحِم وظلمة المشيمة {ذَلِكُم الله رَبُّكُمْ} يفعل ذَلِك {لَهُ الْملك} الدَّائِم لَا يَزُول ملكه {لَا إِلَه إِلاَّ هُوَ} لَا خَالق وَلَا مُصَور إِلَّا هُوَ {فَأنى تُصْرَفُونَ} بِالْكَذِبِ يَقُول من أَيْن تكذبون على الله فتجعلون لَهُ شَرِيكا

7

{إِن تكفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن يَا أهل مَكَّة {فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنكُمْ} عَن إيمَانكُمْ {وَلاَ يرضى لِعِبَادِهِ الْكفْر} وَلَا يقبل مِنْهُم الْكفْر بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن لِأَنَّهُ لَيْسَ دينه {وَإِنْ تَشْكُرُوا} تؤمنوا {يَرْضَهُ لَكُمْ} يقبله مِنْكُم لِأَنَّهُ دينه {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} لَا تحمل حاملة حمل أُخْرَى مَا عَلَيْهَا من الذُّنُوب وَيُقَال لَا تُؤْخَذ نفس بذنب نفس أُخْرَى كل مَأْخُوذ بِذَنبِهِ وَيُقَال لَا تعذب نفس بِغَيْر ذَنْب {ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ} بعد الْمَوْت {فَيُنَبِّئُكُمْ} يُخْبِركُمْ يَوْم الْقِيَامَة {بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} وتقولون فِي الدُّنْيَا {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور} بِمَا فِي الْقُلُوب من الْخَيْر وَالشَّر

8

{وَإِذَا مَسَّ} أصَاب {الْإِنْسَان} الْكَافِر أَبَا جهل وَأَصْحَابه {ضُرٌّ} شدَّة وبلاء {دَعَا رَبَّهُ} بِرَفْع الشدَّة وَالْبَلَاء عَنهُ {مُنِيباً إِلَيْهِ} مُقبلا إِلَيْهِ بِالدُّعَاءِ {ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ} بدله {نِعْمَةً مِّنْهُ نسي مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ} من قبل النِّعْمَة {وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً} أشكالاً وأعدالاً {لِّيُضِلَّ} بذلك النَّاس {عَن سَبِيلِهِ} عَن دينه وطاعته {قُلْ} لأبي جهل {تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ} عش فِي كفرك {قَلِيلاً} يَسِيرا فِي الدُّنْيَا {إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّار} من أهل النَّار

9

{أم من هُوَ قَانِت} مُطِيع لله وَهُوَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه {آنَآءَ اللَّيْل} سَاعَات اللَّيْل {سَاجِداً وَقَآئِماً} فِي الصَّلَاة {يَحْذَرُ الْآخِرَة} يخَاف عَذَاب الْآخِرَة {ويرجو رَحْمَةَ رَبِّهِ} جنَّة ربه كَأبي جهل وَأَصْحَابه {قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {هَلْ يَسْتَوِي} فِي الثَّوَاب وَالطَّاعَة {الَّذين يَعْلَمُونَ} تَوْحِيد الله وَأمره وَنَهْيه وَهُوَ أَبُو بكر وَأَصْحَابه {وَالَّذين لاَ يَعْلَمُونَ} تَوْحِيد الله وَأمره وَنَهْيه وَهُوَ أَبُو جهل وَأَصْحَابه {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ} يتعظ بأمثال الْقُرْآن {أُوْلُواْ الْأَلْبَاب} ذَوُو الْعُقُول من النَّاس

10

{قل} لَهُم يَا مُحَمَّد {يَا عبَادي الَّذين آمَنُواْ} أَبُو بكر الصّديق وَعمر الْفَارُوق وَعُثْمَان ذُو النورين وَعلي المرتضى وأصحابهم {اتَّقوا رَبَّكُمْ} أطِيعُوا ربكُم فِي الصَّغِير من الْأُمُور وَالْكَبِير {لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ} وحدوا {فِي هَذِه الدُّنْيَا حَسَنَةٌ} لَهُم جنَّة يَوْم الْقِيَامَة {وَأَرْضُ الله} أَرض الْمَدِينَة {وَاسِعَةٌ} آمِنَة من الْعَدو فاخرجوا إِلَيْهَا وَهَذَا قبل الْهِجْرَة {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ} على المرازي {أَجْرَهُمْ} ثوابهم {بِغَيْرِ حِسَابٍ} بِلَا كيل وَلَا هنداز وَلَا منَّة

11

{قُلْ} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة حَيْثُ قَالُوا لَهُ ارْجع إِلَى دين آبَائِنَا {إِنِّي أُمِرْتُ} فِي الْقُرْآن {أَنْ أَعْبُدَ الله مُخْلِصاً لَّهُ الدّين} مخلصاً لَهُ بِالْعبَادَة والتوحيد

12

{وَأُمِرْتُ} فِي الْقُرْآن {لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسلمين} أول من يكون على الْإِسْلَام

13

{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {إِنِّي أَخَافُ} أعلم {إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي} رجعت إِلَى دينكُمْ {عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} شَدِيد لوناً بعد لون

14

{قُلِ الله أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَّهُ} بِالْعبَادَة والتوحيد {ديني}

15

{فاعبدوا مَا شِئْتُمْ مِّن دُونِهِ} من دون الله وَهَذَا وَعِيد وتوبيخ لَهُم من قبل أَن يُؤمر النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْقِتَالِ {قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {إِنَّ الخاسرين} المغبونين {الَّذين خسروا أَنفُسَهُمْ} غبنوا أنفسهم بذهاب الدُّنْيَا وَالْآخِرَة {وَأَهْلِيهِمْ} خدمهم ومنازلهم فِي الْجنَّة {يَوْمَ الْقِيَامَة أَلاَ ذَلِك هُوَ الخسران الْمُبين} الْغبن الْبَين بذهاب الدُّنْيَا وَالْآخِرَة

16

{لَهُمْ} لكفار مَكَّة {مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّار} علالي من النَّار {وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ} فرَاش من النَّار وَهُوَ علالي من تَحْتهم {ذَلِك} الظلل {يُخَوِّفُ الله بِهِ عِبَادَهُ} فِي الْقُرْآن {يَا عِبَادِ} يَعْنِي أَبَا بكر وَأَصْحَابه {فاتقون} فأطيعوني فِيمَا أَمرتكُم

17

{وَالَّذين اجتنبوا الطاغوت أَن يَعْبُدُوهَا} تركُوا عبَادَة الطاغوت وَهُوَ الشَّيْطَان والصنم {وأنابوا إِلَى الله} أَقبلُوا إِلَى الله بِالتَّوْبَةِ وَالْإِيمَان وَسَائِر الطَّاعَات {لَهُمُ الْبُشْرَى} بِالْجنَّةِ عِنْد الْمَوْت وبشرى بكرامة الله على بَاب الْجنَّة {فَبَشِّرْ عِبَادِ}

18

{الَّذين يَسْتَمِعُونَ القَوْل} الحَدِيث {فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} أحكمه وأبينه يعْملُونَ بِهِ ويريدونه {أُولَئِكَ الَّذين هَدَاهُمُ الله} للصدق وَالصَّوَاب وَيُقَال لمحاسن الْأُمُور {وَأُولَئِكَ هُمْ أُوْلُواْ الْأَلْبَاب} ذَوُو الْعُقُول من النَّاس وهم أَبُو بكر وَأَصْحَابه وَمن اتبعهم بِالسنةِ وَالْجَمَاعَة

19

{أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ} وَجب عَلَيْهِ {كَلِمَةُ الْعَذَاب} وَهُوَ أَبُو جهل وَأَصْحَابه {أَفَأَنتَ تُنقِذُ} تنجي {مَن فِي النَّار} من قدرت عَلَيْهِ النَّار

20

{لَكِن الَّذين اتَّقوا} وحدوا {رَبَّهُمْ} يَعْنِي أَبَا بكر وَأَصْحَابه {لَهُمْ غُرَفٌ} علالي {مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ} علالي أخر {مَّبْنِيَّةٌ} مشيدة مَرْفُوعَة فِي الْهَوَاء {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا} من تَحت شَجَرهَا ومساكنها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {وَعْدَ الله لاَ يُخْلِفُ الله الميعاد} للْمُؤْمِنين

21

{أَلَمْ تَرَ} ألم تخبر يَا مُحَمَّد فِي الْقُرْآن {أَنَّ الله أَنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً} مَطَرا {فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْض} فَجعل مِنْهُ الْعُيُون والأنهار فِي الأَرْض {ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ} ينْبت بالمطر {زَرْعاً مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ} حبوبه {ثُمَّ يَهِيجُ} يتَغَيَّر {فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً} بعد خضرته {ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَاماً} يَابسا كَذَلِك الدُّنْيَا تفنى وَلَا تبقى {إِنَّ فِي ذَلِك} فِيمَا ذكرت من فنَاء الدُّنْيَا {لذكرى} لعظة {لأُوْلِي الْأَلْبَاب} لِذَوي الْعُقُول من النَّاس

22

{أَفَمَن شَرَحَ الله صَدْرَهُ} وسع الله ولين الله قلبه {لِلإِسْلاَمِ} بِنور الْإِسْلَام {فَهُوَ على نُورٍ مِّن رَّبِّهِ} على كَرَامَة وَبَيَان من ربه وَهُوَ عمار بن يَاسر كمن شرح الله صَدره للكفر وَهُوَ أَبُو جهل {فَوَيْلٌ} شدَّة عَذَاب وَيُقَال ويل وَاد فِي جَهَنَّم من قيح وَدم {لِّلْقَاسِيَةِ} لليابسة {قُلُوبُهُمْ} لَا تلين قُلُوبهم {مِّن ذِكْرِ الله} وَهُوَ أَبُو جهل وَأَصْحَابه {أُولَئِكَ} أهل هَذِه الصّفة {فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} فِي كفر بَين

23

{الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الحَدِيث} أحسن الْكَلَام يَعْنِي الْقُرْآن {كِتَاباً مُّتَشَابِهاً} تشبه آيَات الْوَعْد وَالرَّحْمَة والنصرة وَالْمَغْفِرَة وَالْعَفو بَعْضهَا بَعْضًا وتشبه آيَات الْوَعيد وَالْعَذَاب والزجر والتخويف بَعْضهَا بَعْضًا {مَّثَانِيَ} مثنى مثنى آيَة الرَّحْمَة وَالْعَذَاب والوعد والوعيد وَالْأَمر وَالنَّهْي والناسخ والمنسوخ وَغير ذَلِك وَيُقَال مُكَرر {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ} تهيج من آيَات الْعَذَاب والوعيد {جُلُودُ الَّذين يَخْشَوْنَ} يخَافُونَ

{رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ} بِآيَة الرَّحْمَة {وَقُلُوبُهُمْ} رَاجِعَة {إِلَى ذِكْرِ الله ذَلِك} يَعْنِي الْقُرْآن {هُدَى الله} بَيَان الله {يَهْدِي بِهِ مَن يَشَآءُ} إِلَى دينه {وَمَن يُضْلِلِ الله} عَن دينه {فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} مرشد لدينِهِ

24

{أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سوء الْعَذَاب} شدَّة الْعَذَاب {يَوْمَ الْقِيَامَة} وَهُوَ أَبُو جهل وَأَصْحَابه تجمع يَده إِلَى عُنُقه بغل من حَدِيد فَمن ذَلِك يَتَّقِي الْعَذَاب بِوَجْهِهِ {وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ} للْكَافِرِينَ أبي جهل وَأَصْحَابه تَقول لَهُم الزَّبَانِيَة {ذُوقُواْ} عَذَاب {مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ} تَقولُونَ وتعملون فى الدُّنْيَا من المعاصى

25

{كَذَّبَ الَّذين مِن قَبْلِهِمْ} من قبل قَوْمك يَا مُحَمَّد قوم هود وَصَالح وَشُعَيْب وَغَيرهم {فَأَتَاهُمُ الْعَذَاب مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ} لَا يعلمُونَ بنزوله

26

{فَأَذَاقَهُمُ الله الخزي فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} عَذَاب الدُّنْيَا {وَلَعَذَابُ الْآخِرَة أَكْبَرُ} أعظم مِمَّا كَانَ لَهُم فِي الدُّنْيَا {لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} وَلَكِن لم يَكُونُوا يعلمُونَ

27

{وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ} بَينا للنَّاس {فِي هَذَا الْقُرْآن مِن كُلِّ مَثَلٍ} وَجه {لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} لكى يتعظوا

28

{قُرْآناً عَرَبِيّاً} على مجْرى اللُّغَة الْعَرَبيَّة {غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} غير مُخَالف للتوراة وَالْإِنْجِيل وَالزَّبُور وَسَائِر الْكتب بِالتَّوْحِيدِ وَبَعض الْأَحْكَام وَالْحُدُود وَيُقَال غير ذِي عوج غير مَخْلُوق وَهُوَ قَول السّديّ {لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} لكَي يتقوا بِالْقُرْآنِ عَمَّا نَهَاهُم الله

29

{ضَرَبَ الله مَثَلاً} بَين الله شبه رجل {رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَآءُ} سَادَات {مُتَشَاكِسُونَ} متخالفون يَأْمر هَذَا بِشَيْء وَينْهى ذَلِك عَنهُ وَهَذَا مثل الْكَافِر يعبد آلِهَة شَتَّى {وَرَجُلاً سَلَماً} خَالِصا {لِّرَجُلٍ} وَهَذَا مثل الْمُؤمن يعبد ربه وَحده وَأسلم دينه وَعَمله لله {هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً} فِي الْمثل الْمُؤمن وَالْكَافِر {الْحَمد لِلَّهِ} الشُّكْر لله والوحدانية لله {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} أَمْثَال الْقُرْآن

30

{إِنَّكَ} يَا مُحَمَّد {مَيِّتٌ} سَتَمُوتُ {وَإِنَّهُمْ} يَعْنِي كفار مَكَّة {مَّيِّتُونَ} سيموتون

31

{ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَة عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} تتكلمون بِالْحجَّةِ يعْنى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورؤساء الْكفَّار

32

{فَمَنْ أَظْلَمُ} فِي كفره {مِمَّن كَذَبَ علَى الله} بِالْقُرْآنِ فَجعل لَهُ ولدا وشريكاً وَهُوَ أَبُو جهل وَأَصْحَابه {وَكَذَّبَ بِالصّدقِ} بِالْقُرْآنِ والتوحيد {إِذْ جَآءَهُ} مُحَمَّد بِهِ {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى} منزل ومقام {لِّلْكَافِرِينَ} لأبي جهل وَأَصْحَابه

33

{وَالَّذِي جَآءَ بِالصّدقِ} بِالْقُرْآنِ والتوحيد وَهُوَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَصدق بِهِ} أبوبكر وَأَصْحَابه {أُولَئِكَ هُمُ المتقون} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش

34

{لَهُم مَا يشاؤون} مَا يشتهون {عِندَ رَبِّهِمْ} فِي الْجنَّة {ذَلِك} الْكَرَامَة {جَزَآءُ الْمُحْسِنِينَ} الْمُوَحِّدين

35

{لِيُكَفِّرَ الله عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُواْ} أقبح أَعْمَالهم {وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ} ثوابهم {بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُواْ يعْملُونَ} باحسانهم

36

{أَلَيْسَ الله بكاف عَبده} يعْنى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيُقَال خَالِد بن الْوَلِيد مِمَّا يُرِيدُونَ بِهِ وَيُخَوِّفُونَكَ يَا مُحَمَّد {بالذين مِن دُونِهِ} من دون الله يَعْنِي اللات والعزى وَمَنَاة يَقُولُونَ لَك لَا تشتمها وَلَا تعبها فتخبلك {وَمَن يُضْلِلِ الله} عَن دينه {فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} مرشد إِلَى دينه وَهُوَ أَبُو جهل وَأَصْحَابه

37

{وَمَن يَهْدِ الله} لدينِهِ {فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ} عَن دينه وَهُوَ أَبُو بكر وَأَصْحَابه هُوَ أَبُو الْقَاسِم عَلَيْهِ السَّلَام {أَلَيْسَ الله بِعَزِيزٍ} فِي ملكه وسلطانه {ذِي انتقام} ذِي نقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ

38

{وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ} يَعْنِي كفار مَكَّة {مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض لَيَقُولُنَّ} كفار مَكَّة {الله} خلقهما {قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ} تَعْبدُونَ {مِن دُونِ الله} اللات والعزى وَمَنَاة {إِنْ أَرَادَنِيَ الله بِضُرٍّ} بِشدَّة وبلاء {هَلْ هُنَّ} اللات والعزى وَمَنَاة {كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ} رافعات بلاءه وشدته عني {أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ} بعافية {هَل هن} اللات والعزى وَمَنَاة {مُمْسِكَاتُ} مانعات {رَحْمَتِهِ} عني حَتَّى تأمروني بعبادتها {قُلْ} يَا مُحَمَّد {حَسْبِيَ الله} ثقتي بِاللَّه {عَلَيْهِ يتوكل المتوكلون} يعْنى بِهِ يَثِق الواثقون وَيُقَال على الْمُؤمنِينَ أَن يتوكلوا على الله

39

{قل} يَا مُحَمَّد لكفار مَكَّة {يَا قوم اعْمَلُوا على مَكَانَتِكُمْ} على دينكُمْ وَفِي مَنَازِلكُمْ بهلاكي {إِنِّي عَامِلٌ} بِهَلَاكِكُمْ {فَسَوْفَ} وَهَذَا وَعِيد لَهُم من الله {تَعْلَمُونَ}

40

{مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ} يذله ويهلكه {وَيَحِلُّ عَلَيْهِ} يجب عَلَيْهِ {عَذَابٌ مُّقِيمٌ} دَائِم

41

{إِنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكتاب} جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ {لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ} يَقُول بتبيان الْحق وَالْبَاطِل للنَّاس {فَمَنِ اهْتَدَى} بِالْقُرْآنِ وآمن بِهِ {فَلِنَفْسِهِ} الثَّوَاب {وَمَن ضَلَّ} كفر بِالْقُرْآنِ {فَإنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} يجب على نَفسه عُقُوبَة ذَلِك {وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم} على كفار مَكَّة {بِوَكِيلٍ} كَفِيل تُؤْخَذ بهم

42

{الله يَتَوَفَّى الْأَنْفس} يقبض أَرْوَاح الْأَنْفس {حِينَ مِوْتِهَا} حِين منامها {وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ} أَيْضا {فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قضى عَلَيْهَا الْمَوْت وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى} الَّتِي لم تمت فِي منامها {إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى} إِلَى وَقت مَعْلُوم {إِنَّ فِي ذَلِك} فِي إِمْسَاكه وإرساله {لآيَاتٍ} لعلامات وعبراً {لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} فِيهَا

43

{أَمِ اتَّخذُوا} عبدُوا {مِن دُونِ الله} كفار مَكَّة {شُفَعَآءَ} آلِهَة لكَي يشفعوا لَهُم {قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {أَوَلَوْ كَانُواْ لاَ يَمْلِكُونَ شَيْئاً} يَقُول هم لَا يقدرُونَ على شَيْء من الشَّفَاعَة {وَلاَ يَعْقِلُونَ} الشَّفَاعَة فَكيف يشفعون

44

{قُل لِلَّهِ الشَّفَاعَة جَمِيعاً} بيد الله الشَّفَاعَة جَمِيعًا فِي الْآخِرَة {لَّهُ مُلْكُ} خَزَائِن {السَّمَاوَات} الْمَطَر {وَالْأَرْض} النَّبَات {ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} فِي الْآخِرَة فيجزيكم بأعمالكم

45

{وَإِذَا ذُكِرَ الله وَحْدَهُ} إِذا قيل لَهُم قُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله {اشمأزت} نفرت {قُلُوب الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِالآخِرَة} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت {وَإِذَا ذُكِرَ الَّذين مِن دُونِهِ} من دون الله اللات والعزى وَمَنَاة {إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} بِذكر آلِهَتهم

46

{قُلِ اللَّهُمَّ} قل يَا الله أم بِنَا أَي اقصد بِنَا إِلَى الْخَيْر {فَاطِرَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض} يَا خَالق السَّمَوَات وَالْأَرْض {عَالِمَ الْغَيْب} يَا عَالم الْغَيْب مَا غَابَ عَن الْعباد {وَالشَّهَادَة} مَا علمه الْعباد {أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادك} تقضى بَين عِبَادك يَوْم الْقِيَامَة

{فِيمَا كَانُواْ فِيهِ} فِي الدّين {يَخْتَلِفُونَ} يخالفون

47

{وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ} أشركوا {مَا فِي الأَرْض جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ} ضعفه مَعَه {لاَفْتَدَوْاْ بِهِ} لفادوا بِهِ أنفسهم {من سوء الْعَذَاب} من شدَّة الْعَذَاب {يَوْمَ الْقِيَامَة وَبَدَا لَهُمْ} ظهر لَهُم {مِّنَ الله} من عَذَاب الله {مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ} يظنون

48

{وَبَدَا لَهُمْ} ظهر لَهُم {سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ} أقبحِ أَعْمَالهم {وَحَاقَ بِهِم} نزل بهم عَذَاب {مَا كَانُوا بِهِ يستهزؤون} يهزءون بالأنبياء والكتب وَيُقَال عَذَاب مَا كَانُوا يستهزءون بِهِ

49

{فَإِذَا مَسَّ} أصَاب {الْإِنْسَان} الْكَافِر {ضُرٌّ} شدَّة {دَعَانَا} لكشف الشدَّة {ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ} بدلناه {نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ} أَعْطَيْت هَذَا المَال الَّذِي أَعْطَيْت {على عِلْمٍ} صَلَاح وَخير علمه الله مني {بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ} بلية ومكر منالهم {وَلَكِن أَكْثَرَهُمْ} كلهم {لاَ يَعْلَمُونَ} ذَلِك

50

{قَدْ قَالَهَا} يَعْنِي هَذِه الْمقَالة {الَّذين مِن قَبْلِهِمْ} من قبل قَوْمك يَا مُحَمَّد مثل قَارون وَغَيره {فَمَآ أغْنى عَنْهُمْ} مَا نفع لَهُم من عَذَاب الله {مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} يَقُولُونَ ويعملون ويعبدون من دون الله وَلَا مَا كَانُوا يجمعُونَ من المَال

51

{فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ} عَذَاب مَا قَالُوا وَعمِلُوا وجمعوا فِي الدُّنْيَا من المَال {وَالَّذين ظلمُوا} أشركوا {من هَؤُلَاءِ} من كفار مَكَّة {سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ} أَي عقوبات مَا عمِلُوا مثل مَا أصَاب الَّذين من قبلهم {وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ} بفائتين من عَذَاب الله

52

{أَوَلَمْ يعلمُوا} كفار مَكَّة {أَنَّ الله يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَآءُ} يُوسع المَال على من يَشَاء وَهُوَ مكر مِنْهُ {وَيَقْدِرُ} يقتر على من يَشَاء وَهُوَ نظر مِنْهُ {إِنَّ فِي ذَلِك} فِي الْبسط والتقتير {لآيَاتٍ} لعلامات وعبراً {لقوم يُؤمنُونَ} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن

53

{قل يَا عبَادي الَّذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ} بالْكفْر والشرك وَالزِّنَا وَالْقَتْل {لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ الله} لَا تيأسوا من مغْفرَة الله {إِنَّ الله يَغْفِرُ الذُّنُوب جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الغفور} لمن تَابَ من الْكفْر وآمن بِاللَّه {الرَّحِيم} لمن مَاتَ على التَّوْبَة

54

{وأنيبوا إِلَى رَبِّكُمْ} أَقبلُوا إِلَى ربكُم بِالتَّوْبَةِ من الْكفْر {وَأَسْلِمُواْ لَهُ} آمنُوا بِاللَّه واطيعوا الله {مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَاب ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ} لَا تمْنَعُونَ من عَذَاب الله نزلت هَذِه الْآيَة فِي وَحشِي وَأَصْحَابه

55

ثمَّ قَالَ {وَاتبعُوا أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ} يَعْنِي الْقُرْآن أحلُّوا حَلَاله وحرموا حرَامه وَاعْمَلُوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه {مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَاب بَغْتَةً} فَجْأَة {وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ} لَا تعلمُونَ نُزُوله

56

{أَن تَقول نفس} لكى لَا تَقول نفس {يَا حسرتى} يَا ندامتا {على مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ الله} تركت من طَاعَة الله {وَإِن كُنتُ لَمِنَ الساخرين} وَقد كنت من الْمُسْتَهْزِئِينَ بِالْكتاب وَالرَّسُول

57

{أَوْ تَقُولَ} ولكي لَا تَقول {لَوْ أَنَّ الله هَدَانِي} بَين لي الْإِيمَان {لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} من الْمُوَحِّدين

58

{أَوْ تَقُولَ} ولكي لَا تَقول {حِينَ تَرَى الْعَذَاب لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً} رَجْعَة إِلَى دَار الدُّنْيَا {فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} من الْمُوَحِّدين فَيَقُول الله لَهُم

59

{بلَى قَدْ جَآءَتْكَ آيَاتِي} كتابي ورسولي {فَكَذَّبْتَ بِهَا} بِالْكتاب وَالرَّسُول {واستكبرت} عَن الْإِيمَان {وَكُنتَ مِنَ الْكَافرين} مَعَ الْكَافرين على دينهم

60

{وَيَوْمَ الْقِيَامَة تَرَى الَّذين كَذَبُواْ عَلَى الله} فِي عُزَيْر وَعِيسَى وَالْمَلَائِكَة حِين قَالُوا الْمَلَائِكَة بَنَات الله وعزير وَعِيسَى ولدا لله {وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ} وأعينهم مزرقة {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ} منزل للْكَافِرِينَ

61

{وَيُنَجِّي الله الَّذين اتَّقوا} آمنُوا وأطاعوا رَبهم {بمفازتهم} بإيمَانهمْ وإحسانهم {لَا يمسهم السوء} لَا يصيبهم الشدَّة وَالْعَذَاب {وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} إِذا حزن غَيرهم

62

{الله خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} بَائِن مِنْهُ {وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} على قوت كل شَيْء كَفِيل وَيُقَال على كل شَيْء من أَعْمَالهم شَهِيد وَكيل

63

{لَّهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَات وَالْأَرْض} خَزَائِن السَّمَوَات الْمَطَر وَالْأَرْض النَّبَات {وَالَّذين كَفَرُواْ بِآيَاتِ الله} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {أُولَئِكَ هُمُ الخاسرون} فِي الْآخِرَة المغبونون بالعقوبة

64

{قُلْ} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة حِين قَالُوا لَهُ ارْجع إِلَى دين آبَائِك {أَفَغَيْرَ} دين {الله تأمروني أَعْبُدُ أَيُّهَا الجاهلون} الْكَافِرُونَ

65

{وَلَقَدْ أُوْحِيَ إِلَيْكَ} فِي الْقُرْآن {وَإِلَى الَّذين من قبلك} من الرُّسُل {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} فِي الشّرك {وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخاسرين} من المغبونين بالعقوبة

66

{بَلِ الله فاعبد} وحد {وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ} بِمَا أنعم الله عَلَيْك من النُّبُوَّة وَالْكتاب وَالْإِسْلَام

67

{وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ} مَا عظموا الله حق عَظمته حِين قَالُوا يَد الله مغلولة وَحين قَالُوا إِن الله فَقير مُحْتَاج يطْلب منا الْقَرْض وَهَذِه مقَالَة مَالك بن الصَّيف الْيَهُودِيّ خذله الله {وَالْأَرْض جَمِيعاً قَبْضَتُهُ} فِي قَبضته {يَوْمَ الْقِيَامَة وَالسَّمَاوَات مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} بقدرته يَوْم الْقِيَامَة وكلتا يَدي الله يَمِين {سُبْحَانَهُ} نزه نَفسه عَن مقَالَة الْيَهُود {وَتَعَالَى} تَبرأ وارتفع {عَمَّا يُشْرِكُونَ} بِهِ من الْأَوْثَان

68

{وَنُفِخَ فِي الصُّور} وَهِي نفخة الْمَوْت {فَصَعِقَ} فَمَاتَ {مَن فِي السَّمَاوَات وَمَن فِي الأَرْض إِلاَّ مَن شَآءَ الله} من فِي الْجنَّة وَالنَّار وَيُقَال جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل وَملك الْمَوْت فَإِنَّهُم لَا يموتون فِي النفخة الأولى وَلَكِن يموتون بعد ذَلِك {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى} وَهِي نفخة الْبَعْث وَبَينهمَا أَرْبَعُونَ سنة تمطر السَّمَاء بعْدهَا كنطف الرِّجَال {فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ} من الْقُبُور {يَنظُرُونَ} مَا يُقَال لَهُم

69

{وَأَشْرَقَتِ الأَرْض} أَضَاءَت الأَرْض {بِنُورِ رَبِّهَا} بضوء نور رَبهَا وَيُقَال بِعدْل رَبهَا {وَوُضِعَ الْكتاب} فِي الْأَيْمَان وَالشَّمَائِل وَهُوَ ديوَان الْحفظَة {وَجِيءَ بالنبيين} الَّذين لَيْسُوا بمرسلين {والشهدآء} يَعْنِي الْمُرْسلين وَيُقَال وجىء بالنبيين وَالْمُرْسلِينَ وَالشُّهَدَاء شُهَدَاء الْمُرْسلين على قَومهمْ {وَقُضِيَ بَيْنَهُم} وَبَين النَّبِيين {بِالْحَقِّ} بِالْعَدْلِ {وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} لَا ينقص من حسناتهم وَلَا يُزَاد على سيئاتهم

70

{وَوُفِّيَتْ} وفرت {كُلُّ نَفْسٍ} برة أَو فاجرة {مَّا عَمِلَتْ} من خير أَو شَرّ {وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر

71

{وَسِيقَ الَّذين كفرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً} أمماً الأول فَالْأول {حَتَّى إِذا جاؤوها} يَعْنِي النَّار {فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} طرقها لَهُم وَلم تكن قبل ذَلِك مَفْتُوحَة {وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَآ} يَعْنِي الزَّبَانِيَة {أَلَمْ يَأْتِكُمْ} يَا معشر الْكفَّار {رسل مِنْكُم} آدميون مثلكُمْ {يَتلون} يقرؤن {عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ} بِالْأَمر وَالنَّهْي {وَيُنذِرُونَكُمْ} يخوفونكم {لِقَآءَ} عَذَاب {يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُواْ بلَى} قد أتونا بالرسالة {وَلَكِن حَقَّتْ} وَجَبت {كَلِمَةُ الْعَذَاب عَلَى الْكَافرين} قبل ذَلِك

72

{قِيلَ} يَقُول لَهُم الزَّبَانِيَة {ادخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا} دائمين فِي النَّار {فَبِئْسَ مَثْوَى المتكبرين} منزل المتعظمين عَن الْإِيمَان بِالْكتاب وَالرَّسُول

73

{وَسِيقَ الَّذين اتَّقوا} أطاعوا {رَبَّهُمْ إِلَى الْجنَّة زمرا} فوجا فوجا {حَتَّى إِذا جاؤوها} أَي الْجنَّة {وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} وَقد كَانَت مَفْتُوحَة قبل ذَلِك {وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا} خزان الْجنان على بَاب الْجنان {سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ} يسلمُونَ عَلَيْكُم بالتحية وَالسَّلَام {طِبْتُمْ} فزتم ونجوتم وَيُقَال طهرتم وصلحتم {فادخلوها} يَعْنِي الْجنَّة {خَالِدِينَ} دائمين مقيمين مقيمين فِيهَا لَا تموتون وَلَا تخرجُونَ مِنْهَا

74

{وَقَالُواْ} بعد ذَلِك حِين علمُوا كَرَامَة الله {الْحَمد لِلَّهِ} الْمِنَّة لله {الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ} أنجزنا وعده {وَأَوْرَثَنَا الأَرْض} أنزلنَا أَرض الْجنَّة {نَتَبَوَّأُ} ننزل {مِنَ الْجنَّة حَيْثُ نَشَآءُ} نشتهي {فَنِعْمَ أَجْرُ العاملين} ثَوَاب العاملين لله فِي الدُّنْيَا

75

{وَتَرَى الْمَلَائِكَة حَآفِّينَ} محدقين {مِنْ حَوْلِ الْعَرْش يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} بِأَمْر رَبهم {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} بَين النَّبِيين والأمم {بِالْحَقِّ} بِالْعَدْلِ {وَقِيلَ} لَهُم بعد الْفَرَاغ من الْحساب قُولُوا {الْحَمد لِلَّهِ} الشُّكْر لله والْمنَّة لِلَّهِ {رَبِّ الْعَالمين} سيد الْجِنّ وَالْإِنْس على مَا فرق بَيْننَا وَبَين أَعْدَائِنَا وَهُوَ منزل حم وَهُوَ الْعَزِيز الْعَلِيم وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْمُؤمن وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها اثْنَتَا وَثَمَانُونَ آيَة وكلماتها ألف وَمِائَة وتسع وَتسْعُونَ وحروفها أَرْبَعَة آلَاف وتسمعائة وَسِتُّونَ {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

غافر

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله جلّ ذكره {حم} يَقُول قضى أَو بَين مَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَيُقَال قسم أقسم بِهِ

2

{تَنزِيلُ الْكتاب} إِن هَذَا الْقُرْآن تَنْزِيل {مِنَ الله الْعَزِيز الْعَلِيم} على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعَزِيز بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ الْعَلِيم بِمن آمن بِهِ وَعَن لَا يُؤمن بِهِ

3

{غَافِرِ الذَّنب} لمن قَالَ لَا إِلَه إلاَّ الله {وَقَابِلِ التوب} لمن تَابَ من الشّرك {شَدِيدِ الْعقَاب} لمن مَاتَ على الشّرك {ذِي الطول} ذِي الْمَنّ وَالْفضل والغنى يَعْنِي ذَا الْمَنّ وَالْفضل على من آمن بِهِ وَذَا الْغنى على من لَا يُؤمن بِهِ {لاَ إِلَه} يفعل ذَلِك {إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمصير} مصير من آمن بِهِ ومصير من لم يُؤمن بِهِ

4

{مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ الله} مَا يكذب بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {إِلاَّ الَّذين كَفَرُواْ} بِاللَّه أهل مَكَّة {فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَاد} فَلَا تغتر يَا مُحَمَّد بذهابهم ومجيئهم فى الْأَسْفَار بِالتِّجَارَة فَإِنَّهُم لَيْسُوا على شَيْء

5

{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ} قبل قَوْمك {قَوْمُ نُوحٍ} نوحًا {والأحزاب} الْكفَّار {مِن بَعْدِهِمْ} من بعد قوم نوح كذبُوا الرُّسُل كَمَا كَذبك قَوْمك {وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ} أَرَادَ كل قوم قتل رسولهم {وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ} خاصموا الرُّسُل بالشرك {لِيُدْحِضُواْ بِهِ الْحق} ليبطلوا بالشرك الْحق مَا جَاءَت بِهِ الرُّسُل {فَأَخَذْتُهُمْ} عاقبتهم عِنْد التَّكْذِيب {فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} انْظُر يَا مُحَمَّد كَيفَ كَانَ عقوبتي عَلَيْهِم عِنْد التَّكْذِيب

6

{وَكَذَلِكَ} هَكَذَا {حَقَّتْ} وَجَبت {كَلِمَةُ رَبِّكَ} بِالْعَذَابِ {عَلَى الَّذين كفرُوا} بالرسل {أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّار} أهل النَّار فِي الْآخِرَة

7

{الَّذين يَحْمِلُونَ الْعَرْش} عرش الرَّحْمَن وَهُوَ السرير وهم عشرَة أَجزَاء من الْمَلَائِكَة الحملة {وَمَنْ حَوْلَهُ} من الْمَلَائِكَة {يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} بِأَمْر رَبهم {وَيُؤْمِنُونَ بِهِ} وهم يُؤمنُونَ بِاللَّه {وَيَسْتَغْفِرُونَ} يدعونَ {للَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وَيَقُولُونَ {رَبَّنَا} يَا رَبنَا {وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً} مَلَأت كل شَيْء نعْمَة {وَعِلْماً} عَالم أَنْت بِكُل شَيْء {فَاغْفِر لِلَّذِينَ تَابُواْ} من الشّرك {وَاتبعُوا سَبِيلَكَ} دينك الْإِسْلَام {وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيم} ادْفَعْ عَنْهُم عَذَاب النَّار

8

{رَبَّنَا} يَا رَبنَا {وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ} مَعْدن الْأَنْبِيَاء وَالصَّالِحِينَ {الَّتِي وَعَدْتَّهُمْ} فِي الْكتاب {وَمَن صَلَحَ} من وحد أَيْضا {مِنْ آبَآئِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيز} فِي ملكك وسلطانك {الْحَكِيم} فِي أَمرك وقضائك

9

{وَقِهِمُ السَّيِّئَات} ادْفَعْ عَنْهُم عَذَاب يَوْم الْقِيَامَة {وَمَن تَقِ السَّيِّئَات} وَمن دفعت عَنهُ الْعَذَاب {يَوْمَئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {فَقَدْ رَحِمْتَهُ} غفرت لَهُ وعصمته وعظمته {وَذَلِكَ} الغفران وَالدَّفْع {هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم} النجَاة الوافرة فازوا بِالْجنَّةِ ونجوا من النَّار

10

{إِنَّ الَّذين كَفَرُواْ} بِاللَّه وبالكتب وَالرسل إِذا دخلُوا النَّار يَقُول كل وَاحِد مِنْهُم مَقَتك يَا نَفسِي {يُنَادَوْنَ} فيناديهم الْمَلَائِكَة {لَمَقْتُ الله} فِي الدُّنْيَا {أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ} الْيَوْم فِي النَّار {إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَان فَتَكْفُرُونَ} فتجحدون

11

{قَالُواْ} يَعْنِي الْكفَّار فِي النَّار {رَبَّنَآ} يَا رَبنَا {أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ} مرَّتَيْنِ مرّة بِقَبض أَرْوَاحنَا وَمرَّة بعد مَا سَأَلنَا مُنكر وَنَكِير فِي الْقُبُور {وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} مرَّتَيْنِ مرّة قبل أَن سَأَلنَا مُنكر وَنَكِير فِي الْقُبُور وَمرَّة للبعث {فاعترفنا} فأقررنا {بِذُنُوبِنَا} بشركنا وجحودنا من ذَلِك {فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ} رُجُوع إِلَى الدُّنْيَا {مِّن سَبِيلٍ} من حِيلَة فنؤمن بك يَقُول الله لَهُم

12

{ذَلِكُم} الْعَذَاب فِي النَّار والمقت {بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ الله وَحْدَهُ} إِذا قيل لكم قُولُوا لَا إِلَه إلاَّ الله {كَفَرْتُمْ} جحدتم {وَإِن يُشْرَكْ بِهِ} الْأَوْثَان {تُؤْمِنُواْ} تقروا {فَالْحكم لِلَّهِ} فالقضاء بَين الْعباد لله حكم بالنَّار لمن كفر بِهِ {الْعلي} أَعلَى كل شَيْء {الْكَبِير} أكبر كل شَيْء

13

{هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ} يَا أهل مَكَّة {آيَاتِهِ} عَلَامَات وحدانيته وَقدرته وعجائبه من خراب مسَاكِن الَّذين ظلمُوا {وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السمآء رِزْقاً}

مَطَرا {وَمَا يَتَذَكَّرُ} مَا يتعظ بِالْقُرْآنِ {إِلاَّ مَن يُنِيبُ} إِلَّا من يقبل إِلَى الله

14

{فَادعوا الله} فاعبدوا الله {مُخْلِصِينَ لَهُ الدّين} لله بِالْعبَادَة والتوحيد {وَلَوْ كَرِهَ} وَإِن كره {الْكَافِرُونَ} أهل مَكَّة

15

{رَفِيعُ الدَّرَجَات} خَالق السَّمَوَات رَفعهَا فَوق كل شَيْء {ذُو الْعَرْش} السرير {يُلْقِي الرّوح مِنْ أَمْرِهِ} ينزل جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ {على مَن يَشَآءُ} على من يحب {مِنْ عِبَادِهِ} يَعْنِي مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {لينذر} ليخوف مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْقُرْآنِ {يَوْمَ التلاق} يَوْم يلتقي أهل السَّمَاء وَأهل الأَرْض وَيُقَال يَوْم يلقى الْخَالِق الْمَخْلُوق

16

{يَوْمَ هُم بَارِزُونَ} خارجون من الْقُبُور {لاَ يخفى عَلَى الله مِنْهُمْ شَيْءٌ} وَلَا من أَعْمَالهم شَيْء فَيَقُول الله بعد نفخة الْمَوْت {لِّمَنِ الْملك الْيَوْم} فَلَيْسَ يجِيبه أحد فَيرد على نَفسه فَيَقُول {لِلَّهِ الْوَاحِد} بِلَا ولد وَلَا شريك {القهار} لخلقه بِالْمَوْتِ الْغَالِب عَلَيْهِم

17

{الْيَوْم} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {تجزى كُلُّ نَفْسٍ} برة أَو فاجرة {بِمَا كَسَبَتْ} من الْخَيْر وَالشَّر {لاَ ظُلْمَ الْيَوْم} على أحد أَي لَا ينقص من حسناتهم وَلَا يُزَاد على سيئاتهم {إِنَّ الله سَرِيعُ الْحساب} إِذا حاسب وَيُقَال شَدِيد الْعقَاب إِذا عاقب

18

{وَأَنذِرْهُمْ} خوفهم يَا مُحَمَّد {يَوْمَ الأزفة} من أهوال يَوْم الأزفة وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة يزف بَعضهم إِلَى بعض ويسرع {إِذِ الْقُلُوب لَدَى الْحَنَاجِر} عِنْد الْحَنَاجِر {كَاظِمِينَ} مغمومين محزونين يتَرَدَّد الغيظ فِي أَجْوَافهم {مَا لِلظَّالِمِينَ} الْمُشْركين {مِنْ حَمِيمٍ} من قريب يَنْفَعهُمْ {وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ} فيهم بالشفاعة

19

{يَعْلَمُ خَآئِنَةَ الْأَعْين} النظرة بعد النظرة الثَّانِيَة من الْخِيَانَة {وَمَا تُخْفِي الصُّدُور} مَا تضمر الْقُلُوب عِنْد النظرة الثَّانِيَة يعلم الله ذَلِك

20

{وَالله يَقْضِي بِالْحَقِّ} يحكم بالشفاعة لمن يَشَاء يَوْم الْقِيَامَة وَيُقَال يَأْمر بِالْعَدْلِ {وَالَّذين يَدْعُونَ} يعْبدُونَ {مِن دُونِهِ} من دون الله من الْأَوْثَان {لاَ يَقْضُونَ بِشَيْءٍ} لَا يحكمون بِشَيْء من الشَّفَاعَة يَوْم الْقِيَامَة لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُم مقدرَة على ذَلِك وَيُقَال لَا يقضون بِشَيْء لَا يأمرون بِخَير فِي الدُّنْيَا لأَنهم صم بكم {إِنَّ الله هُوَ السَّمِيع} لمقالتهم {الْبَصِير} بهم وبأعمالهم

21

{أولم يَسِيرُوا} يسافروا كفار مَكَّة {فِي الأَرْض فَيَنظُرُواْ} فيتفكروا {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ} جَزَاء {الَّذين كَانُواْ مِن قَبْلِهِمْ كَانُواْ هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً} بِالْبدنِ {وَآثَاراً فِي الأَرْض} أَشد لَهَا طلبا وَأبْعد ذَهَابًا فِي طلبَهَا {فَأَخَذَهُمُ الله بِذُنُوبِهِمْ} فعاقبهم الله بِذُنُوبِهِمْ بتكذيبهم الرُّسُل {وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ الله} من عَذَاب الله {مِن وَاقٍ} من مَانع

22

{ذَلِك} الْعَذَاب فِي الدُّنْيَا {بِأَنَّهُمْ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ} بِالْأَمر وَالنَّهْي والعلامات {فَكَفَرُواْ} بالرسل وَبِمَا جَاءُوا بِهِ {فَأَخَذَهُمُ الله} بالعقوبة {إِنَّهُ قَوِيٌّ} بِأَخْذِهِ {شَدِيدُ الْعقَاب} لمن عاقبه

23

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا} التسع {وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} حجَّة مبينَة

24

{إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ} وَزِير فِرْعَوْن {وَقَارُونَ} ابْن عَم مُوسَى {فَقَالُواْ} لمُوسَى هَذَا {سَاحِرٌ} يفرق بَين الِاثْنَيْنِ {كَذَّابٌ} يكذب على الله

25

{فَلَمَّا جَآءَهُمْ} مُوسَى {بِالْحَقِّ} بِالْكتاب {مِنْ عِندِنَا قَالُواْ اقْتُلُوا أَبْنَآءَ الَّذين آمَنُواْ مَعَهُ}

أَي أعيدوا عَلَيْهِم الْقَتْل {واستحيوا نِسَآءَهُمْ} استخدموا نِسَاءَهُمْ وَلَا تقتلوهن {وَمَا كَيْدُ الْكَافرين} مَا صنع فِرْعَوْن وَقَومه {إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ} فِي خطأ

26

{وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذروني أَقْتُلْ} أَي اتركوني أقتل {مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ} الَّذِي يزْعم أَنه أرْسلهُ إِلَيّ {إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ} الَّذِي أَنْتُم عَلَيْهِ {أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْض الْفساد} يقتل أبناءكم ويستخدم نساءكم كَمَا قتلتم واستخدمتم وَيُقَال أَو أَن يظهروا فِي الأَرْض الْفساد بترك دينكُمْ وَدين آبائكم ويدخلكم فِي دينه إِن قَرَأت بِنصب الْيَاء وَالْهَاء

27

{وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ} اعتصمت {بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ} متعظم عَن الْإِيمَان {لاَّ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحساب} بِيَوْم الْقِيَامَة

28

{وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ} وَهُوَ حزقيل {مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ} وَهُوَ ابْن عَم فِرْعَوْن {يَكْتُمُ إِيمَانَهُ} من فِرْعَوْن وَقَومه مائَة سنة وَيُقَال وَقَالَ رجل مُؤمن وَهُوَ حزقيل يكتم إيمَانه من آل فِرْعَوْن وَقَومه مقدم ومؤخر {أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ الله} أَرْسلنِي إِلَيْكُم {وَقَدْ جَآءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} بِالْأَمر وَالنَّهْي وعلامات النُّبُوَّة {مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِباً} فِيمَا يَقُول {فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ} عُقُوبَة كذبه {وَإِن يَكُ صَادِقاً} فِيمَا يَقُول وَقد كذبتموه {يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ} من الْعَذَاب فِي الدُّنْيَا {إِنَّ الله لاَ يَهْدِي} لَا يرشد إِلَى دينه {مَنْ هُوَ مُسْرِف} مُشْرك {كَذَّاب} كَاذِب على الله

29

{يَا قوم لَكُمُ الْملك الْيَوْم ظَاهِرِينَ} غَالِبين {فِي الأَرْض} أَرض مصر {فَمَن يَنصُرُنَا} يمنعنا {مِن بَأْسِ الله} من عَذَاب الله {إِن جَآءَنَا} حِين جَاءَنَا {قَالَ فِرْعَوْنُ مَآ أُرِيكُمْ} مَا آمركُم {إِلاَّ مَآ أرى} لنَفْسي حَقًا أَن تعبدوني {وَمَآ أَهْدِيكُمْ} أدعوكم {إِلاَّ سَبِيلَ الرشاد} طَرِيق الْحق وَالْهدى

30

{وَقَالَ الَّذِي آمن} يعْنى حزقيل {يَا قوم إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ} أعلم أَن يكون عَلَيْكُم {مِّثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَاب} مثل عَذَاب الْكفَّار قبلكُمْ

31

{مِثْلَ دَأْبِ} مثل عَذَاب {قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ} قوم هود {وَثَمُودَ} قوم صَالح {وَالَّذين مِن بَعْدِهِمْ} من الْكفَّار {وَمَا الله يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعِبَادِ} أَن يكون مِنْهُ ظلم على الْعباد وَأَن يَأْخُذهُمْ بِلَا جرم

32

{وَيَا قوم إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ} أعلم أَن يكون عَلَيْكُم الْعَذَاب {يَوْمَ التناد} يَوْم يُنَادي بَعْضكُم بَعْضًا ويناديكم أَصْحَاب الْأَعْرَاف وَيُقَال يَوْم الْفِرَار إِن قَرَأت مثقلة الدَّال

33

{يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ} هاربين من عَذَاب الله {مَا لَكُمْ مِّنَ الله} من عَذَاب الله {مِنْ عَاصِمٍ} من مَانع {وَمَن يُضْلِلِ الله} عَن دينه {فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} من مرشد غير الله

34

{وَلَقَدْ جَآءَكُمْ يُوسُفُ} قَالَ لَهُم حزقيل هَذَا {مِن قَبْلُ} من قبل مُوسَى {بِالْبَيِّنَاتِ} بِالْأَمر وَالنَّهْي وتعبير الرُّؤْيَا وشق الْقَمِيص {فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَآءَكُمْ بِهِ} يُوسُف {حَتَّى إِذَا هَلَكَ} مَاتَ

{قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ الله مِن بَعْدِهِ} من بعد مَوته {رَسُولاً كَذَلِك يُضِلُّ الله} عَن دينه {مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ} مُشْرك {مُّرْتَابٌ} فِي شركه

35

{الَّذين يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ الله} يكذبُون بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {بِغَيْرِ سُلْطَانٍ} حجَّة {أَتَاهُمْ} من الله وَهُوَ أَبُو جهل وَأَصْحَابه المستهزئون {كَبُرَ مَقْتاً} عظم بغضاً {عِندَ الله} يَوْم الْقِيَامَة {وَعِندَ الَّذين آمَنُواْ} فِي الدُّنْيَا {كَذَلِك} هَكَذَا {يَطْبَعُ الله} يخْتم الله {على كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ} عَن الْإِيمَان {جَبَّارٍ} عَن قبُول الْحق وَالْهدى

36

(وَقَالَ فِرْعَوْن) لوزيره {يَا هامان ابْن لِي صَرْحاً} قصراً {لعَلي أَبْلُغُ الْأَسْبَاب} أصعد الْأَبْوَاب

37

{أَسْبَابَ السَّمَاوَات} أَبْوَاب السَّمَوَات {فَأَطَّلِعَ} فَأنْظر {إِلَى إِلَه مُوسَى} الَّذِي يزْعم أَنه فِي السَّمَاء أرْسلهُ إليَّ {وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِباً} مَا فِي السَّمَاء من إِلَه فَلم يبن واشتغل بمُوسَى {وَكَذَلِكَ} هَكَذَا {زين لفرعون سوء عَمَلِهِ} قبح عمله {وَصُدَّ عَنِ السَّبِيل} صرف فِرْعَوْن عَن الْحق وَالْهدى {وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ} صنع فِرْعَوْن {إِلاَّ فِي تَبَابٍ} فِي خسار

38

{وَقَالَ الَّذِي آمن} يعْنى حزقيل {يَا قوم اتبعون} فِي ديني {أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرشاد} أدعكم إِلَى الْحق وَالْهدى

39

{يَا قوم إِنَّمَا هَذِه الْحَيَاة الدُّنْيَا مَتَاعٌ} كمتاع الْبَيْت لَا يبْقى {وَإِنَّ الْآخِرَة} يَعْنِي الْجنَّة {هِيَ دَارُ الْقَرار} الْمقَام الدَّائِم لَا تَحْويل مِنْهَا

40

{مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً} فِي الشّرك {فَلاَ يجزى إِلاَّ مِثْلَهَا} النَّار {وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً} خَالِصا {من ذكر أَو أُنْثَى} من رجال أَو نسَاء {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} وَمَعَ ذَلِك مُؤمن مخلص بإيمانه {فَأُولَئِك يَدْخُلُونَ الْجنَّة يُرْزَقُونَ} يطْعمُون {فِيهَا} فِي الْجنَّة {بِغَيْرِ حِسَابٍ} بِلَا قُوَّة وَلَا هنداز وَلَا منَّة

41

{وَيَا قوم مَا لي أَدْعُوكُمْ إِلَى النجَاة} إِلَى التَّوْحِيد وَهَذَا قَول حزقيل أَيْضا {وتدعونني إِلَى النَّار} إِلَى عمل أهل النَّار الشّرك بِاللَّه

42

{تَدْعُونَنِي لأَكْفُرَ بِاللَّه وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ} أَنه شَرِيكه ولي بِهِ علم أَنه لَيْسَ لَهُ شريك {وَأَنَاْ أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيز} إِلَى تَوْحِيد الْعَزِيز بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ {الْغفار} لمن آمن بِهِ

43

{لاَ جَرَمَ} حَقًا {أَنَّمَا تدعونني إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ} مقدرَة {فِي الدُّنْيَا وَلاَ فِي الْآخِرَة وَأَنَّ مَرَدَّنَآ} مرجعنا {إِلَى الله} بعد الْمَوْت {وَأَنَّ المسرفين} الْمُشْركين {هُمْ أَصْحَابُ النَّار} أهل النَّار

44

{فَسَتَذْكُرُونَ} فستعلمون يَوْم الْقِيَامَة {مَآ أَقُولُ لَكُمْ} فِي الدُّنْيَا من الْعَذَاب {وَأُفَوِّضُ} أكل {أَمْرِي إِلَى الله} وأثق بِهِ {إِنَّ الله بَصِيرٌ بالعباد} لمن آمن بِهِ وبمن لَا يُؤمن بِهِ

45

{فَوقَاهُ الله سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُواْ} فَدفع الله عَنهُ مَا أَرَادوا بِهِ من الْقَتْل {وَحَاقَ} نزل وَدَار {بآل فِرْعَوْن} بفرعون وَقَومه {سوء الْعَذَاب} شدَّة الْعَذَاب وَهُوَ الْغَرق

46

{النَّار يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا} يَقُول يعرض أَرْوَاح آل فِرْعَوْن على النَّار {غُدُوّاً وَعَشِيّاً} غدْوَة وَعَشِيَّة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَة} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة يَقُول الله لملائكته {أدخلُوا آلَ فِرْعَوْنَ} قومه {أَشَدَّ الْعَذَاب} أَسْفَل النَّار

47

{وَإِذْ يَتَحَآجُّونَ} يتخاصمون {فِي النَّار} القادة والسفلة {فَيَقُولُ الضُّعَفَاء} السفلة {لِلَّذِينَ استكبروا} تعظموا عَن الْإِيمَان يَعْنِي القادة {إِنَّا كُنَّا لَكُمْ} فِي الدُّنْيَا {تَبَعاً} مُطيعًا على دينكُمْ {فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ} حاملون {عَنَّا نَصِيباً} بَعْضًا {مِّنَ النَّار} مِمَّا علينا

48

{قَالَ الَّذين استكبروا} تعظموا عَن الْإِيمَان وهم القادة للسفلة {إِنَّا كُلٌّ} العابد والمعبود والقادة والسفلة {فِيهَآ} فِي النَّار {إِنَّ الله قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعباد} بَين العابد والمعبود والقادة والسفلة بالنَّار وَيُقَال بَين الْمُؤمنِينَ والكافرين بِالْجنَّةِ وَالنَّار

49

{وَقَالَ الَّذين فِي النَّار} إِذا اشتدت عَلَيْهِم النَّار وَقل صبرهم وَأَيِسُوا من دُعَائِهِمْ {لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ} للزبانية {ادعوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ} يرفع {عَنَّا يَوْماً مِّنَ الْعَذَاب} بِقدر يَوْم من أَيَّام الدُّنْيَا

50

{قَالُوا} يَعْنِي الزَّبَانِيَة للْكفَّار {أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} بِالْأَمر وَالنَّهْي والعلامات وتبليغ الرسَالَة من الله {قَالُواْ بلَى} قد أتونا بالرسالة {قَالُواْ} يَعْنِي الزَّبَانِيَة لَهُم استهزاء بهم {فَادعوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافرين} فِي النَّار {إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ} فِي بَاطِل وَيُقَال وَمَا عبَادَة الْكَافرين فِي الدُّنْيَا إِلَّا فِي خطأ

51

{إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذين آمَنُواْ} بالرسل {فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} بالنصرة وَالْغَلَبَة على أعدائهم {وَيَوْمَ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {يَقُومُ الأشهاد} الْمَلَائِكَة ينصرونهم بالعذر وَالْحجّة والأشهاد الرُّسُل وَيُقَال هم الْحفظَة يشْهدُونَ عَلَيْهِم بِمَا عمِلُوا

52

{يَوْمَ لاَ يَنفَعُ الظَّالِمين} الْكَافرين {مَعْذِرَتُهُمْ} اعتذارهم من الْكفْر {وَلَهُمُ اللَّعْنَة} السخط وَالْعَذَاب {وَلَهُمْ سوء الدَّار} النَّار

53

{وَلَقَدْ آتَيْنَا} أعطينا {مُوسَى الْهدى} يَعْنِي التَّوْرَاة وآتينا دَاوُد الزبُور وَعِيسَى ابْن مَرْيَم الْإِنْجِيل {وَأَوْرَثْنَا بني إِسْرَائِيلَ الْكتاب} أنزلنَا على بني إِسْرَائِيل من بعدهمْ الْكتاب كتاب دَاوُد وَعِيسَى

54

{هُدىً} من الضَّلَالَة {وذكرى} عظة {لأُوْلِي الْأَلْبَاب} لِذَوي الْعُقُول من النَّاس

55

{فاصبر} يَا مُحَمَّد على أَذَى الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكين {إِنَّ وَعْدَ الله} لَك بالنصرة على هلاكهم {حَقٌّ} كَائِن {واستغفر لِذَنبِكَ} لتقصير شكر مَا أنعم الله عَلَيْك وعَلى أَصْحَابك {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} وصل بِأَمْر رَبك {بالْعَشي وَالْإِبْكَار} غدْوَة وَعَشِيَّة

56

{إِنَّ الَّذين يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ الله} يكذبُون بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وهم الْيَهُود وَكَانُوا أَيْضا يجادلون مَعَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِصفة الدَّجَّال وعظمته وَرُجُوع الْملك إِلَيْهِم عِنْد خُرُوج الدَّجَّال {بِغَيْرِ سُلْطَانٍ} حجَّة {أَتَاهُمْ} من الله على مَا زَعَمُوا {إِن فِي صُدُورِهِمْ} مَا فِي قُلُوبهم {إِلاَّ كِبْرٌ} عَن الْحق {مَّا هُم بِبَالِغِيهِ} ببالغي مَا فِي صُدُورهمْ من الْكبر وَمَا يُرِيدُونَ من رُجُوع الْملك إِلَيْهِم عِنْد خُرُوج الدَّجَّال {فاستعذ بِاللَّه} يَا مُحَمَّد من فتْنَة الدَّجَّال {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيع} لمقالة الْيَهُود {الْبَصِير} بهم وبأعمالهم وبفتنة الدَّجَّال وبخروجه

57

{لَخَلْقُ السَّمَاوَات وَالْأَرْض أَكْبَرُ} أعظم

{مِنْ خَلْقِ النَّاس} من خلق الدَّجَّال {وَلَكِن أَكْثَرَ النَّاس} يَعْنِي الْيَهُود {لاَ يَعْلَمُونَ} فتْنَة الدَّجَّال

58

{وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى} يَعْنِي الْكَافِر {والبصير} يَعْنِي الْمُؤمن بالثواب والكرامة {وَالَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {وَلَا الْمُسِيء} الْمُشرك بِاللَّه {قَلِيلاً مَّا تَتَذَكَّرُونَ} مَا تتعظون بِقَلِيل وَلَا بِكَثِير من أَمْثَال الْقُرْآن

59

{إِن السَّاعَة} قيام السَّاعَة {لآيَة} لكائنة {لاَّ رَيْبَ فِيهَا} لَا شكّ فِي قِيَامهَا {وَلَكِن أَكْثَرَ النَّاس} أهل مَكَّة {لاَ يُؤْمِنُونَ} بِقِيَام السَّاعَة

60

{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي} وحدوني {أَسْتَجِبْ لَكُمْ} أَغفر لكم وَيُقَال ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم أسمع مِنْكُم وَأَقْبل إِلَيْكُم {إِنَّ الَّذين يَسْتَكْبِرُونَ} يتعاظمون {عَنْ عِبَادَتِي} عَن توحيدي وطاعتي {سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخرين} صاغرين

61

{الله الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ} خلق لكم {اللَّيْل لِتَسْكُنُواْ فِيهِ} لتستقروا فِي اللَّيْل {وَالنَّهَار مُبْصِراً} مطلباً مضيئاً {إِنَّ الله لَذُو فَضْلٍ} لذُو منٍّ {عَلَى النَّاس} أهل مَكَّة {وَلَكِن أَكْثَرَ النَّاس} أهل مَكَّة {لاَ يَشْكُرُونَ} بذلك وَلَا يُؤمنُونَ بِاللَّه

62

{ذَلِكُم الله رَبُّكُمْ} الَّذِي يفعل ذَلِك هُوَ ربكُم فاشكروه {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} بَائِن مِنْهُ {لاَّ إِلَه} لَا خَالق {إِلاَّ هُوَ فَأنى تُؤْفَكُونَ} من أَيْن تكذبون على الله

63

{كَذَلِكَ} هَكَذَا {يُؤْفَكُ} يكذب على الله {الَّذين كَانُوا بآيَات الله} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {يَجْحَدُونَ} يكفرون

64

{الله الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ} خلق لكم {الأَرْض قَرَاراً} منزلا للأحياء والأموات {والسمآء بِنَآءً} سقفاً مَرْفُوعا {وَصَوَّرَكُمْ} فِي الْأَرْحَام {فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} من صور الدَّوَابّ وَيُقَال أحكم صوركُمْ {وَرَزَقَكُمْ مِّنَ الطَّيِّبَات} جعل أرزاقكم أطيب وألين من رزق الدَّوَابّ وَيُقَال رزقكم من الْحَلَال {ذَلِكُم الله رَبُّكُمْ} الَّذِي فعل ذَلِك هُوَ ربكُم فاشكروه {فَتَبَارَكَ الله} ذُو بركَة {رَبُّ الْعَالمين} رب كل ذِي روح دب على وَجه الأَرْض

65

{هُوَ الْحَيّ} الَّذِي لَا يَمُوت {لاَ إِلَه} يفعل ذَلِك {إِلاَّ هُوَ فَادعوهُ} فوحدوه {مُخْلِصِينَ لَهُ الدّين} مُخلصين لَهُ بِالْعبَادَة والتوحيد {الْحَمد لِلَّهِ} الشُّكْر لله والربوبية لله {رَبِّ الْعَالمين} رب كل ذِي روح دب على وَجه الأَرْض

66

{قُلْ} لأهل مَكَّة يَا مُحَمَّد حِين قَالُوا لَهُ ارْجع إِلَى دين آبَائِك {إِنِّي نُهِيتُ} فِي الْقُرْآن {أَنْ أَعْبُدَ الَّذين تَدْعُونَ} تَعْبدُونَ {مِن دُونِ الله} من الْأَوْثَان {لَمَّا جَآءَنِيَ الْبَينَات} حِين جَاءَنِي الْبَيَان {مِن رَّبِّي} بِأَن الله وَاحِد لَا شريك لَهُ {وَأُمِرْتُ} فِي الْقُرْآن {أَنْ أُسْلِمَ} أَن استقيم على الْإِسْلَام {لِرَبِّ الْعَالمين} رب كل ذِي روح دب على وَجه الأَرْض

67

{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ} من آدم وآدَم من تُرَاب {ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ} ثمَّ خَلقكُم من نُطْفَة آبائكم {ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ} من دم عبيط {ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ} من بطُون أُمَّهَاتكُم {طِفْلاً} صغَارًا {ثُمَّ لتبلغوا أَشُدَّكُمْ} مَا بَين ثَمَان عشرَة سنة إِلَى ثَلَاثِينَ سنة {ثُمَّ لِتَكُونُواْ شُيُوخاً} بعد الأشد {وَمِنكُمْ مَّن يتوفى} تقبض روحه

{مِن قَبْلُ} من قبل الْبلُوغ والشيخوخة {ولتبلغوا أَجَلاً مُّسَمًّى} مَعْلُوما مُنْتَهى آجالكم {وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} لكَي تصدقوا بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت

68

{هُوَ الَّذِي يحيي} الْبَعْث {وَيُمِيتُ} فِي الدُّنْيَا {فَإِذَا قضى أَمْراً} فَإِذا أَرَادَ أَن يخلق ولدا بِلَا أَب مثل عِيسَى {فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فيَكُونُ} ولدا بِلَا أَب وَيُقَال فَإِذا قضى أمرا فَإِذا أَرَادَ أَن تكون الْقِيَامَة فَإِنَّمَا يَقُول لَهُ للقيامة كن فَتكون بَين الْكَاف وَالنُّون قبل أَن تتصل الْكَاف مَعَ النُّون فَيكون

69

{أَلَمْ تَرَ} ألم تخبر يَا مُحَمَّد فِي الْقُرْآن {إِلَى الَّذين} عَن الَّذين {يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ الله} يكذبُون بِالْقُرْآنِ {أَنى يُصْرَفُونَ} بِالْكَذِبِ فَكيف يكذبُون على الله

70

{الَّذين كَذَّبُواْ بِالْكتاب} بِالْقُرْآنِ {وَبِمَآ أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا} من الْكتب {فَسَوْفَ} وَهَذَا وَعِيد لَهُم {يَعْلَمُونَ} يَوْم الْقِيَامَة مَاذَا يفعل بهم

71

{إِذِ الأغلال فِي أَعْنَاقِهِمْ} أغلال الْحَدِيد فِي أَيْمَانهم {والسلاسل} فِي أَعْنَاقهم مَعَ الشَّيَاطِين {يُسْحَبُونَ}

72

{فِي الْحَمِيم} يجرونَ فِي النَّار {ثُمَّ فِي النَّار يُسْجَرُونَ} يوقدون

73

{ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ} تَقول الزَّبَانِيَة {أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ} تَعْبدُونَ

74

{مِن دُونِ الله} وتقولون إِنَّهُم شُرَكَاء الله {قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا} اشتغلوا عَنَّا بِأَنْفسِهِم ثمَّ جَحَدُوا ذَلِك وَقَالُوا {بَل لَّمْ نَكُنْ نَّدْعُواْ} نعْبد {مِن قَبْلُ} من قبل هَذَا {شَيْئاً} من دون الله {كَذَلِك} هَكَذَا {يُضِلُّ الله الْكَافرين} عَن الْحجَّة

75

{ذَلِكُم} الْعَذَاب فِي النَّار {بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ} تبطرون {فِي الأَرْض بِغَيْرِ الْحق} بِلَا حق {وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ} تتكبرون فِي الشّرك

76

{ادخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ} مقيمين {فِيهَا} لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا {فَبِئْسَ مَثْوَى المتكبرين} منزل الْكَافرين النَّار

77

{فاصبر} يَا مُحَمَّد على أَذَى الْكفَّار {إِنَّ وَعْدَ الله} بالنصرة لَك على هلاكهم {حَقٌّ} كَائِن {فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ} من الْعَذَاب يَوْم بدر {أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ} قبل أَن نريك {فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} بعد الْمَوْت إِن رَأَيْت عَذَابهمْ أَو لم تَرَ

78

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ} إِلَى قَومهمْ {مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ} من الرُّسُل من سميناهم لَك لتعلمهم {وَمِنْهُمْ مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} لم نسمهم لَك لَا تعلمهمْ {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ} بعلامة {إِلاَّ بِإِذْنِ الله} بِأَمْر الله وَذَلِكَ حِين طلبُوا من النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آيَة {فَإِذَا جَآءَ أَمْرُ الله} وَقت عَذَاب الله فِي الْأُمَم الْمَاضِيَة {قُضِيَ بِالْحَقِّ} عذبُوا بِالْحَقِّ وَيُقَال قضى يَوْم الْقِيَامَة بِالْعَدْلِ بَين الرُّسُل والأمم {وَخَسِرَ هُنَالِكَ} غبن عِنْد ذَلِك {المبطلون} الْكَافِرُونَ

79

{الله الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ} خلق لكم {الْأَنْعَام لِتَرْكَبُواْ مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} من لحومها تَأْكُلُونَ

80

{وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ} من أَلْبَانهَا وأصوافها {وَلِتَبْلُغُواْ} لكَي تَطْلُبُوا {عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ} فِي قُلُوبكُمْ {وَعَلَيْهَا} على ظُهُورهَا فِي الْبر {وَعَلَى الْفلك} على السفن فِي الْبَحْر {تُحْمَلُونَ} تسافرون

81

{وَيُرِيكُمْ} يَا أهل مَكَّة {آيَاتِهِ} عجائبه الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم وَاللَّيْل وَالنَّهَار وَالْجِبَال والسحاب والبحار وَغير ذَلِك وكل هَذَا من آيَات الله {فَأَيَّ آيَاتِ الله} أَي فَبِأَي آيَات الله {تُنكِرُونَ} تجحدون أَنَّهَا لَيست من الله

82

{أَفَلَمْ يَسِيرُواْ} يسافروا كفار مَكَّة {فِي الأَرْض فَيَنظُرُواْ} ويتفكروا {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ} جَزَاء {الَّذين مِن قَبْلِهِمْ} كَيفَ أهلكناهم عِنْد تكذيبهم الرُّسُل {كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ} من أهل مَكَّة فِي الْعدَد {وَأَشَدَّ قُوَّةً} بِالْبدنِ {وَآثَاراً فِي الأَرْض} أَشد لَهَا طلبا وَأبْعد ذَهَابًا {فَمَآ أغْنى عَنْهُم} من عَذَاب الله {مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} يَقُولُونَ ويعملون فِي دينهم

83

{فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ} بِالْأَمر وَالنَّهْي {فَرِحُواْ} عجبوا {بِمَا عِنْدهم من الْعلم} الَّذين وَالْعَمَل وَكَانَ ذَلِك مِنْهُم ظنا بِغَيْر يَقِين {وَحَاقَ} نزل وَدَار {بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يستهزؤون} عُقُوبَة استهزائهم بالرسل

84

{فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا} عذابنا لهلاكهم {قَالُوا آمَنَّا بِاللَّه وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ} بِاللَّه {مُشْرِكِينَ} وَهَذَا بِاللِّسَانِ دون الْقلب عِنْد مُعَاينَة الْعَذَاب

85

{فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا} عذابنا لهلاكهم فالإيمان عِنْد المعاينة لَا ينفع وَقبل ذَلِك ينفع وَكَذَلِكَ التَّوْبَة {سُنَّةَ الله} هَكَذَا سيرة الله {الَّتِي قَدْ خَلَتْ} مَضَت {فِي} على {عِبَادِهِ} بِالْعَذَابِ عِنْد التَّكْذِيب وَيرد الْإِيمَان وَالتَّوْبَة عِنْد المعاينة {وَخَسِرَ هُنَالِكَ} غبن بالعقوبة عِنْد المعاينة {الْكَافِرُونَ} بِاللَّه وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا السَّجْدَة وهى كلهَا مَكِّيَّة {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

فصلت

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {حم} يَقُول قضى مَا هُوَ كَائِن أَي بَين وَهُوَ قسم أقسم بِهِ

2

{تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَن الرَّحِيم كِتَابٌ} يَقُول هَذَا كتاب تَنْزِيل من الرَّحْمَن الرَّحِيم على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فُصِّلَتْ} بيّنت {آيَاتُهُ} بِالْأَمر وَالنَّهْي والحلال وَالْحرَام {قُرْآناً عَرَبِيّاً} على مجْرى لُغَة الْعَرَب نزل الله جِبْرِيل بِهِ على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {لقوم يعلمُونَ} يصدقون بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن وَالْقُرْآن

4

{بَشِيراً} بِالْجنَّةِ {وَنَذِيراً} من النَّار يبشر بِالْجنَّةِ من آمن بِالْقُرْآنِ ويخوف من النَّار من كفر بِالْقُرْآنِ {فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ} كفار مَكَّة عَن الْإِيمَان بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ} لَا يصدقون بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وَلَا يطيعون الله

5

{وَقَالُواْ} كفار مَكَّة أَبُو جهل وَأَصْحَابه {قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ} فِي أغطية {مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ} من الْقُرْآن والتوحيد {وَفِي آذانِنَا وَقْرٌ} صمم لَا نسْمع قَوْلك لنا {وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حجاب} ستر غطوا رُءُوسهم بالثياب ثمَّ قَالُوا يَا مُحَمَّد بَيْننَا وَبَيْنك حجاب ستر لَا نسْمع كلامك استهزاء مِنْهُم بك {فاعمل} فِي دينك لإلهك بهلاكنا {إِنَّنَا عَامِلُونَ} لِآلِهَتِنَا فِي ديننَا بهلاكك

6

{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ} آدَمِيّ {مِّثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ} أرسل إِلَى جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ أبلغكم {أَنَّمَآ إِلَهكُم إِلَه وَاحِدٌ} بِلَا ولد وَلَا شريك {فاستقيموا إِلَيْهِ} فاقبلوا إِلَيْهِ بِالتَّوْبَةِ من الشّرك {واستغفروه} وحدوه

{وَوَيْلٌ} شدَّة الْعَذَاب وَيُقَال ويل وَاد فِي جَهَنَّم من قيح وَدم {لِّلْمُشْرِكِينَ} لأبي جهل وَأَصْحَابه

7

{الَّذين لاَ يُؤْتُونَ الزَّكَاة} لَا يقرونَ بِلَا إِلَه إِلَّا الله {وَهُمْ بِالآخِرَة} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت وَالْجنَّة وَالنَّار {هُمْ كَافِرُونَ} جاحدون

8

{إِن الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {لَهُمْ أَجْرٌ} ثَوَاب {غَيْرُ مَمْنُونٍ} غير مَنْقُوص وَيُقَال غير مُنْقَطع عَنْهُم وَيُقَال لَا يمنون بذلك وَيُقَال يكْتب ثَوَاب أَعْمَالهم بعد الْهَرم أَو الْمَوْت إِلَى يَوْم الْقِيَامَة غير مَنْقُوص

9

{قُلْ} يَا مُحَمَّد {أَئِنَّكُمْ} يَا أهل مَكَّة {لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْض فِي يَوْمَيْنِ} طول كل يَوْم ألف سنة مِمَّا تَعدونَ يَوْم الْأَحَد وَيَوْم الِاثْنَيْنِ {وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً} أعدالاً من الْأَصْنَام {ذَلِك} الَّذِي خلقهما {رَبُّ الْعَالمين} رب كل شَيْء ذِي روح

10

{وَجَعَلَ فِيهَا} خلق فِيهَا {رَوَاسِيَ} الْجبَال الثوابت {مِن فَوْقِهَا} أوتاداً لَهَا {وَبَارَكَ فِيهَا} فِي الأَرْض بِالْمَاءِ وَالشَّجر والنبات وَالثِّمَار {وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا} معايشها فَفِي كل أَرض معيشة لَيست فِي غَيرهَا {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ} يَقُول خلق الله الْأَرْوَاح قبل الأجساد بأَرْبعَة آلَاف سنة من سنى الدُّنْيَا وَقدر فِيهَا أرزاق الأجساد قبل أرواحها بأَرْبعَة آلَاف سنة من سني الدُّنْيَا {سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ} سَوَاء لمن سَأَلَ وَلمن لم يسْأَل يَعْنِي الرزق وَيُقَال بَيَانا للسائلين كَيفَ خلقهَا هَكَذَا خلقهَا

11

{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السمآء} ثمَّ عمد إِلَى خلق السَّمَاء {وَهِيَ دُخَانٌ} بخار المَاء {فَقَالَ لَهَا} للسماء {وَلِلأَرْضِ} بعد مَا فرغ مِنْهُمَا (ائتيا) أعطيا مَا فيكما من المَاء والنبات {طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا} أعطينا {طَآئِعِينَ} لله كارهين بجفاء الْخلق

12

{فَقَضَاهُنَّ} خَلقهنَّ {سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} بَعْضهَا فَوق بعض {فِي يَوْمَيْنِ} طول كل يَوْم ألف سنة {وَأوحى فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا} خلق لكل سَمَاء أَهلا وَأمر لَهَا أمرهَا {وَزَيَّنَّا السمآء الدُّنْيَا} الأولى {بِمَصَابِيحَ} بالنجوم {وَحِفْظاً} وحفظناها بالنجوم من الشَّيَاطِين فبعض النُّجُوم زِينَة السَّمَاء لَا يَتَحَرَّك وَبَعضهَا يهتدى بِهِ فِي ظلمات الْبر وَالْبَحْر وَبَعضهَا رجوم للشياطين {ذَلِكَ تَقْدِيرُ} تَدْبِير {الْعَزِيز} بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ {الْعَلِيم} بتدبيره وبمن آمن بِهِ وبمن لَا يُؤمن بِهِ

13

{فَإِنْ أَعْرَضُواْ} كفار مَكَّة عَن الْإِيمَان وَهُوَ عتبَة وَأَصْحَابه {فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ} خوفتكم بِالْقُرْآنِ {صَاعِقَةً} عذَابا {مِّثْلَ صَاعِقَةِ} مثل عَذَاب {عَادٍ وَثَمُودَ}

14

{إِذْ جَآءَتْهُمُ الرُّسُل مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ} من قبل عَاد وَثَمُود إِلَى قَومهمْ {وَمِنْ خَلْفِهِمْ} من بعدهمْ أَيْضا جَاءَت الرُّسُل إِلَى قَومهمْ وَقَالُوا لقومهم {أَلاَّ تعبدوا} أَن لَا توحدوا {إِلَّا الله قَالُوا} كل يَوْم لرسولهم {لَوْ شَآءَ رَبُّنَا} أَن ينزل إِلَيْنَا رَسُولا {لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً} من الْمَلَائِكَة الَّذين عِنْده {فَإِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} جاحدون مَا أَنْتُم إِلَّا بشر مثلنَا

15

{فَأَمَّا عَادٌ} قوم هود {فاستكبروا} تعظموا عَن الْإِيمَان {فِي الأَرْض بِغَيْرِ الْحق} بِلَا حق كَانَ لَهُم {وَقَالُواْ} لهود {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّة} بِالْبدنِ والمنعة فيهلكنا {أولم يرَوا} أولم يعلمُوا {أَنَّ الله الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} مَنْعَة يقدر على إهلاكهم {وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا} بكتابنا ورسولنا هود {يَجْحَدُونَ} يكفرون

16

{فَأَرْسَلْنَا} سلّطنا {عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً} بَارِدًا شَدِيدا {فِي أَيَّام نحسات} مشئومات عَلَيْهِم بِالْعَذَابِ وَيُقَال شَدِيدَة {لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الخزي} الشَّديد {فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَة أخزى}

أَشد مِمَّا كَانَ لَهُم فِي الدُّنْيَا {وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ} لَا يمْنَعُونَ من عَذَاب الله

17

{وَأَمَّا ثَمُودُ} قوم صَالح {فَهَدَيْنَاهُمْ} بعثنَا إِلَيْهِم صَالحا وَبينا لَهُم الْكفْر وَالْإِيمَان وَالْحق وَالْبَاطِل {فاستحبوا الْعَمى عَلَى الْهدى} فَاخْتَارُوا الْكفْر على الْإِيمَان {فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَاب} الصَّيْحَة بِالْعَذَابِ {الْهون} الشَّديد {بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} يَقُولُونَ ويعملون فِي كفرهم وبعقرهم النَّاقة

18

{وَنَجَّيْنَا الَّذين آمَنُواْ} بِصَالح {وَكَانُواْ يتَّقُونَ} الْكفْر والشرك وعقر النَّاقة

19

{وَيَوْمَ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {يُحْشَرُ أَعْدَآءُ الله إِلَى النَّار} صَفْوَان بن أُميَّة وختناه ربيعَة بن عَمْرو وحبِيب بن عَمْرو وَسَائِر الْكفَّار {فَهُمْ يُوزَعُونَ} يحبس الأول على الآخر

20

{حَتَّى إِذا مَا جاؤوها} أَي النَّار {شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ} بِمَا سمعُوا بهَا {وَأَبْصَارُهُمْ} بِمَا أبصروا بهَا {وَجُلُودُهُم} أعضاؤهم {بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} بهَا فِي كفرهم

21

{وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ} لأعضائهم وَيُقَال لفروجهم {لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا} وَكُنَّا نحابس عَنْكُم بالجدال {قَالُوا أَنطَقَنَا الله} بالْكلَام {الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} من الدَّوَابّ الْيَوْم {وَهُوَ خَلَقَكُمْ} أنطقكم {أَوَّلَ مَرَّةٍ} فِي الدُّنْيَا {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} بعد الْمَوْت

22

{وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ} تقدرون أَن تمنعوا أعضاءكم {أَن يَشْهَدَ} من أَن يشْهد {عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ} فِي الْآخِرَة {وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ} وَيُقَال وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ تقدرون فِي الدُّنْيَا أَن تستروا اكْتِسَاب الْأَعْضَاء عَن الْأَعْضَاء أَن يشْهد لكَي لَا يشْهد عَلَيْكُم وَيُقَال وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أتستيقنون أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ فِي الْآخِرَة وَلَا أبصاركم وَلَا جلودكم {وَلَكِن ظَنَنتُمْ} وقلتم {أَنَّ الله لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ} وتقولون فِي السِّرّ

23

{وذلكم ظَنُّكُمُ} قَوْلكُم بِالظَّنِّ {الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ} وقلتم على ربكُم بِالْكَذِبِ {أَرْدَاكُمْ} أهلككم {فَأَصْبَحْتُمْ} صرتم {مِّنَ الخاسرين} من المغبونين بالعقوبة

24

{فَإِن يَصْبِرُواْ} فِي النَّار أَو لَا يصبروا {فَالنَّار مَثْوًى لَّهُمْ} منزل لَهُم لِصَفْوَان بن أُميَّة وَأَصْحَابه {وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ} يسْأَلُوا الرّجْعَة إِلَى الدُّنْيَا {فَمَا هُم مِّنَ المعتبين} الراجعين إِلَى الدُّنْيَا

25

{وقيضنا لَهُم} وَجَعَلنَا لَهُم {قرناء} أعوانا وشركاء من الشَّيَاطِين {فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} من أَمر الْآخِرَة أَن لَا جنَّة وَلَا نَار وَلَا بعث وَلَا حِسَاب {وَمَا خَلْفَهُمْ} من خَلفهم من أَمر الدُّنْيَا أَن لَا تنفقوا وَلَا تعطوا وَأَن الدُّنْيَا بَاقِيَة لَا تفنى {وَحَقَّ} وَجب {عَلَيْهِمُ القَوْل} بِالْعَذَابِ {فِي أُمَمٍ} مَعَ أُمَم {قَدْ خَلَتْ} قد مَضَت {مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ الْجِنّ وَالْإِنْس} من كفار الْجِنّ وَالْإِنْس {إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ} مغبونين بالعقوبة

26

{وَقَالَ الَّذين كَفَرُواْ} كفار أهل مَكَّة أَبُو جهل وَأَصْحَابه {لاَ تَسْمَعُواْ لهَذَا الْقُرْآن} الَّذِي يقْرَأ عَلَيْكُم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {والغوا} الغطوا {فِيهِ} وَهُوَ الشغب {لَعَلَّكُمْ تغلبون} لكى تغلبُوا مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيسكت

27

{فَلَنُذِيقَنَّ الَّذين كَفَرُواْ} أَبَا جهل وَأَصْحَابه {عَذَاباً شَدِيداً} فِي الدُّنْيَا يَوْم بدر {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ} بأقبح مَا كَانُوا يعْملُونَ فى الدُّنْيَا

28

{ذَلِك} لَهُم فِي الدُّنْيَا {جَزَآءُ أَعْدَآءِ الله} وَجَزَاء أَعدَاء الله فِي الْآخِرَة {النَّار لَهُمْ فِيهَا} فِي النَّار {دَارُ الْخلد} قد خلدوا فِيهَا {جَزَاء بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {يَجْحَدُونَ} يكفرون

29

{وَقَال الَّذين كَفَرُواْ} فِي النَّار {رَبَّنَآ} يَا رَبنَا {أَرِنَا الَّذين أَضَلاَّنَا} عَن الْحق وَالْهدى {مِنَ الْجِنّ وَالْإِنْس} من الْجِنّ إِبْلِيس وَالْإِنْس قابيل الَّذِي قتل أَخَاهُ هابيل وَيُقَال من الْجِنّ إِبْلِيس وَالشَّيَاطِين وَمن الْإِنْس رؤساؤهم {نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا} بِالْعَذَابِ {لِيَكُونَا مِنَ الأسفلين} من الأضلين بِالْعَذَابِ

30

{إِنَّ الَّذين قَالُواْ رَبُّنَا الله} وحدوا الله {ثُمَّ استقاموا} على الْإِيمَان وَلم يكفروا وَيُقَال على أَدَاء الْفَرَائِض وَلم يروغوا روغان الثَّعْلَب {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَة} عِنْد قبض أَرْوَاحهم {أَلاَّ تَخَافُواْ} على مَا أمامكم من الْعَذَاب {وَلاَ تَحْزَنُواْ} على مَا خَلفْتُمْ من خلفكم {وَأَبْشِرُواْ بِالْجنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} فِي الدُّنْيَا

31

{نَحْنُ أَوْلِيَآؤُكُمْ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} توليناكم فِي الدُّنْيَا {وَفِي الْآخِرَة} ونتولاكم فِي الْآخِرَة وهم الْحفظَة {وَلكم فِيهَا} فى الْجنَّة {مَا تشْتَهي} مَا تتمنى {أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا} فِي الْجنَّة {مَا توعدون} تسْأَلُون

32

{نُزُلاً} ثَوابًا وَطَعَامًا وَشَرَابًا لكم {مِّنْ غَفُورٍ} لمن تَابَ {رَحِيم} لمن مَاتَ على التَّوْبَة

33

{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً} أحكم قولا وَيُقَال أحسن دَعْوَة {مِّمَّن دَعَآ إِلَى الله} بِالتَّوْحِيدِ وَهُوَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَعَمِلَ صَالِحاً} أدّى الْفَرَائِض وَيُقَال نزلت هَذِه الْآيَة فِي المؤذنين يَقُول وَمن أحسن قولا دَعْوَة مِمَّن دَعَا إِلَى الله بِالْأَذَانِ وَعمل صَالحا صلى رَكْعَتَيْنِ بعد الْأَذَان غير أَذَان صَلَاة الْمغرب {وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسلمين} انتحل الْإِسْلَام وَقَالَ إِنِّي مُؤمن حَقًا وَهُوَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه

34

{وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَة} الدعْوَة إِلَى التَّوْحِيد من مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَلاَ السَّيئَة} الدعْوَة إِلَى الشّرك من أبي جهل وَيُقَال وَلَا يَسْتَوِي الْحَسَنَة شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَلَا السَّيئَة الشّرك بِاللَّه {ادْفَعْ} يَا مُحَمَّد الشّرك من أبي جهل أَن يفتنك {بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} بِلَا إِلَه إِلَّا الله وَيُقَال ادْفَعْ السَّيئَة من أبي جهل عَن نَفسك بِالَّتِي هِيَ أحسن بالْكلَام الْحسن وَالسَّلَام واللطف {فَإِذَا} فعلت ذَلِك صَار {الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ} فِي الدّين وَهُوَ أَبُو جهل {كَأَنَّهُ وَلِيٌّ} فِي الدّين {حَمِيمٌ} قريب فِي النّسَب

35

{وَمَا يُلَقَّاهَا} مَا يعْطى الْجنَّة فِي الْآخِرَة {إِلاَّ الَّذين صَبَرُواْ} على المرازي وأذى الْأَعْدَاء فِي الدُّنْيَا {وَمَا يُلَقَّاهَآ} وَمَا يوفق لدفع السَّيئَة بِالْحَسَنَة {إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} ثَوَاب وافر فى الْجنَّة مثل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه

36

{وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَان نَزْغٌ} أَن يصيبك من الشَّيْطَان وَسْوَسَة بالجفاء عِنْد جفَاء أبي جهل {فاستعذ بِاللَّه} من الشَّيْطَان الرَّجِيم {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيع} لمقالة أبي جهل {الْعَلِيم} بعقوبته وَيُقَال السَّمِيع باستعاذتك الْعَلِيم بوسوسة الشَّيْطَان

37

{وَمِنْ آيَاتِهِ} من عَلَامَات وحدانيته وَقدرته {اللَّيْل وَالنَّهَار وَالشَّمْس وَالْقَمَر} كل هَذَا من آيَات الله {لاَ تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ} لَا تعبدوا الشَّمْس {وَلاَ لِلْقَمَرِ} وَلَا الْقَمَر {واسجدوا لِلَّهِ} واعبدوا الله {الَّذِي خَلَقَهُنَّ} يَعْنِي خلق الشَّمْس وَالْقَمَر وَاللَّيْل وَالنَّهَار {إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} إِن كُنْتُم تُرِيدُونَ عبَادَة الله فَلَا تعبدوا الشَّمْس وَالْقَمَر وَلَكِن اعبدوا الله الَّذِي خلقهما وَيُقَال إِن كُنْتُم تُرِيدُونَ بِعبَادة الشَّمْس وَالْقَمَر عبَادَة الله فَلَا تعبدوهما فَإِن عبَادَة الله فِي ترك عبادتهما

38

{فَإِنِ استكبروا} تعظموا عَن الْإِيمَان وَالْعِبَادَة لله {فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ} يَعْنِي الْمَلَائِكَة {يُسَبِّحُونَ لَهُ} يصلونَ لله {بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار وَهُمْ لاَ يَسْأَمُونَ} لَا يملون من عبَادَة الله وَلَا يفترون

39

{وَمِنْ آيَاتِهِ} وَمن عَلَامَات وحدانيته وَقدرته {أَنَّكَ تَرَى الأَرْض خَاشِعَةً}

ذليلة منكسرة ميتَة {فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا المآء} الْمَطَر {اهتزت} استبشرت بالمطر وَيُقَال تحركت بالنبات {وَرَبَتْ} كثر نباتها وَيُقَال انتفخت بنباتها {إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا} بعد مَوتهَا {لمحيي الْمَوْتَى} للبعث {إِنَّهُ على كُلِّ شَيْءٍ} من الإماتة والإحياء {قَدِيرٌ}

40

{إِنَّ الَّذين يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا} يجحدون بِآيَاتِنَا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وَيُقَال يكذبُون بِآيَاتِنَا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن إِن قَرَأت بِضَم الْيَاء {لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآ} لَا يخفى علينا من أَعْمَالهم شَيْء {أَفَمَن يلقى فِي النَّار} وَهُوَ أَبُو جهل وَأَصْحَابه {خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِناً} من الْعَذَاب {يَوْم الْقِيَامَة} وَهُوَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه {اعْمَلُوا} يَا أهل مَكَّة {مَا شِئْتُمْ} وَهَذَا وَعِيد لَهُم {إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} يجزيكم بأعمالكم

41

{إِنَّ الَّذين كَفَرُواْ بِالذكر} بِالْقُرْآنِ {لَمَّا جَآءَهُمْ} حِين جَاءَهُم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهِ وَهُوَ أَبُو جهل وَأَصْحَابه لَهُم فِي الْآخِرَة نَار جَهَنَّم {وَإِنَّهُ} يَعْنِي الْقُرْآن {لَكِتَابٌ عَزِيزٌ} كريم شرِيف

42

{لاَّ يَأْتِيهِ الْبَاطِل} لم يُخَالِفهُ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالزَّبُور وَسَائِر الْكتب {مِن بَيْنِ يَدَيْهِ} من قبله {وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ} وَلَا يكون من بعده كتاب فيخالفه وَيُقَال لَا تكذبه التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالزَّبُور وَسَائِر الْكتب من قبله وَلَا يكون من بعده كتاب فيكذبه وَيُقَال لم يَأْتِ إِبْلِيس إِلَى مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قبل إتْيَان جِبْرِيل فَزَاد فِي الْقُرْآن وَلَا من بعد ذهَاب جِبْرِيل فنقص من الْقُرْآن وَيُقَال لَا يُخَالف الْقُرْآن بعضه بَعْضًا وَلَكِن يُوَافق بعضه بَعْضًا {تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ} تكليم من حَكِيم فِي أمره وقضائه {حَمِيدٍ} مَحْمُود فِي فعاله

43

{مَّا يُقَالُ لَكَ} يَا مُحَمَّد من الشتم والتكذيب {إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ} من الشتم والتكذيب من قبلك وَيُقَال مَا يُقَال لَك مَا أَمر لَك من تَبْلِيغ الرسَالَة إِلَّا مَا قد قيل أَمر للرسل {مِن قَبْلِكَ} بتبليغ الرسَالَة {إِنَّ رَبَّكَ} يَا مُحَمَّد {لَذُو مَغْفِرَةٍ} لمن تَابَ من الْكفْر وآمن بِاللَّه {وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ} لمن مَاتَ على الْكفْر

44

{وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أعْجَمِيّاً} لَو نزلنَا جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ على غير مجْرى لُغَة الْعَرَب {لَّقَالُواْ} كفار مَكَّة {لَوْلاَ فُصِّلَتْ} هلا بيّنت وعربت {آيَاته} بِالْعَرَبِيَّةِ {أأعجمي وَعَرَبِيٌّ} قُرْآن أعجمي وَرجل عَرَبِيّ كَيفَ هَذَا {قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {هُوَ} يَعْنِي الْقُرْآن {لِلَّذِينَ آمَنُواْ} أبي بكر وَأَصْحَابه {هُدىً} من الضَّلَالَة {وَشِفَآءٌ} بَيَان لما فِي الصُّدُور من الْعَمى {وَالَّذين لَا يُؤمنُونَ} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وَهُوَ أَبُو جهل وَأَصْحَابه {فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ} صمم {وَهُوَ} يَعْنِي الْقُرْآن {عَلَيْهِمْ عَمًى} حجَّة {أُولَئِكَ} أهل مَكَّة أَبُو جهل وَأَصْحَابه {يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} كَأَنَّهُمْ ينادون إِلَى التَّوْحِيد من السَّمَاء

45

{وَلَقَد آتَيْنَا} أعطينا {مُوسَى الْكتاب} يَعْنِي التَّوْرَاة {فَاخْتلف فِيهِ} فِي كتاب مُوسَى فَمنهمْ مُصدق بِهِ وَمِنْهُم مكذب بِهِ {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ} وَجَبت {مِن رَّبِّكَ} بِتَأْخِير الْعَذَاب عَن هَذِه الْأمة {لقضي بَينهم} لفزع من هَلَاك الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكين يَقُول عذبُوا عِنْد التَّكْذِيب كَمَا عذب الَّذين من قبلهم عِنْد التَّكْذِيب {وَإِنَّهُمْ} يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكين {لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ} من الْقُرْآن {مُرِيبٍ} ظَاهر الشَّك وَيُقَال من كتاب مُوسَى

46

{مَّنْ عَمِلَ صَالِحاً} خَالِصا فِيمَا بَينه وَبَين ربه {فَلِنَفْسِهِ} ثَوَاب ذَلِك {وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا} من أشرك بِاللَّه فعلَيْهَا على نَفسه عُقُوبَة ذَلِك {وَمَا رَبُّكَ} يَا مُحَمَّد {بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ} أَن يَأْخُذهُمْ بِلَا جرم

47

{إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَة} علم قيام السَّاعَة لَا يعلم قِيَامهَا أحد غير الله {وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا} من كفراها {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى} الْحَوَامِل {وَلاَ تَضَعُ} حملهَا {إِلاَّ بِعِلْمِهِ} بِإِذْنِهِ لَا يُعلمهُ غَيره {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ} فِي النَّار فَيَقُول الله {أَيْنَ شُرَكَآئِي} الَّذين كُنْتُم تَعْبدُونَ وتقولون أَنهم شركائي {قَالُوا آذَنَّاكَ} أعلمناك وَقُلْنَا لَك قبل هَذَا

{مَا منا من شَهِيد} يشْهد على نَفسه أَنه عبد دُونك أحدا

48

{وَضَلَّ عَنْهُم} اشْتغل عَنْهُم {مَّا كَانُواْ يَدْعُونَ} يعْبدُونَ {مِن قَبْلُ} فِي الدُّنْيَا {وَظَنُّواْ} علمُوا وأيقنوا {مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ} من ملْجأ وَلَا مغيث وَلَا نجاة من النَّار

49

{لاَّ يَسْأَمُ الْإِنْسَان} يَعْنِي الْكَافِر لَا يمل وَلَا يفتر {مِن دُعَآءِ الْخَيْر} المَال وَالْولد وَالصِّحَّة {وَإِن مَّسَّهُ الشَّرّ} إِن أَصَابَته الشدَّة والفقر {فيؤوس قَنُوطٌ} فَيصير آيس شَيْء وأقنطه من رَحْمَة الله

50

{وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ} أصبناه {رَحْمَةً مِّنَّا} نعْمَة منا بِالْمَالِ وَالْولد {مِن بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ} شدَّة أَصَابَته {لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي} بِخَير علم الله فِي {وَمَآ أَظُنُّ السَّاعَة} قيام السَّاعَة {قَآئِمَةً} كائنة كَمَا يَقُول مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنكاراً مِنْهُ للبعث {وَلَئِن رُّجِّعْتُ إِلَى رَبِّي} كَمَا يَقُول مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِنَّ لِي عِندَهُ} فِي الْآخِرَة {للحسنى} الْجنَّة وَهُوَ عتبَة بن أبي ربيعَة وَأَصْحَابه {فَلَنُنَبِّئَنَّ} فلنخبرن {الَّذين كَفَرُواْ بِمَا عَمِلُواْ} فِي كفرهم {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} شَدِيد لونا بعد لون فِي النَّار

51

{وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَان} يَعْنِي الْكَافِر بِالْمَالِ وَالْولد {أَعْرَضَ} عَن شكر ذَلِك {وَنَأَى بِجَانِبِهِ} تبَاعد عَن الْإِيمَان {وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرّ} أَصَابَهُ الْفقر {فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٍ} طَوِيل بِالْمَالِ وَيُقَال كثير الْوَلَد وَهُوَ عتبَة

52

{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ الله} يَقُول هَذَا الْقُرْآن من الله {ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ} بِالْقُرْآنِ إِنَّه لَيْسَ من عِنْد الله مَاذَا يفعل بكم ربكُم {مَنْ أَضَلُّ} عَن الْحق وَالْهدى {مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ} فِي خلاف {بَعِيدٍ} عَن الْحق وَالْهدى وَيُقَال فِي معاداة شَدِيدَة مَعَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ أَبُو جهل

53

{سَنُرِيهِمْ} يَا مُحَمَّد أهل مَكَّة {آيَاتِنَا} عَلَامَات عجائبنا ووحدانيتنا وقدرتنا {فِي الْآفَاق} فِي أَطْرَاف الأَرْض من خراب مسَاكِن الَّذين من قبلهم مثل عَاد وَثَمُود وَالَّذين من بعدهمْ {وَفِي أَنفُسِهِمْ} ونريهم فِي أنفسهم من الْأَمْرَاض والأوجاع والمصائب وَغير ذَلِك {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحق} أَن مَا يَقُول لَهُم النَّبِي هُوَ الْحق {أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ} أَو لم يَكفهمْ مَا بَين لَهُم رَبك من أَخْبَار الْأُمَم الْمَاضِيَة من غير أَن يُرِيهم {أَنَّهُ على كُلِّ شَيْءٍ} من أَعْمَالهم {شَهِيدٌ}

54

{أَلاَ إِنَّهُمْ} أهل مَكَّة {فِي مِرْيَةٍ} فِي شكّ وارتياب {مِّن لِّقَآءِ رَبِّهِمْ} من الْبَعْث بعد الْمَوْت {أَلاَ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ} من أَعْمَالهم وعقوبتهم {مُحِيط} عَالم وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا حم عسق وهى كلهَا مَكِّيَّة إِلَّا سبع آيَات {قل لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى} {وَالَّذين يحاجون فِي الله من بعد مَا اسْتُجِيبَ لَهُ} إِلَى آخر الْآيَة وَخمْس آيَات نزلت فى أَبى بكر الصّديق وَأَصْحَابه من قَوْله {وَالَّذين يجتنبون كَبَائِر الْإِثْم} إِلَى قَوْله {إِن ذَلِك لمن عزم الْأُمُور} فانهن مدنيات آياتها خَمْسُونَ آيَة وكلماتها ثَمَانمِائَة وَسِتَّة وَثَمَانُونَ وحروفها ثَلَاثَة آلَاف وَخَمْسمِائة وَثَمَانِية وَثَمَانُونَ حرفا {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

الشورى

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {حم عسق} قَالَ هِيَ ثَنَاء أثنى بهَا على نَفسه يَقُول الْحَاء حلمه وَالْمِيم ملكه وَالْعين علمه وَالسِّين سناؤه وَالْقَاف قدرته على خلقه وَيُقَال الْحَاء كل حَرْب يكون وَالْمِيم تَحْويل كل ملك يكون وَالْعين كل وعد يكون وَالسِّين سنُون كَسِنِي يُوسُف وَالْقَاف كل قذف يكون وَيُقَال قسم أقسم بهَا أَن لَا يعذب فِي النَّار أبدا من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله مخلصاً بهَا لرَبه وَلَقي بهَا ربه

3

{كَذَلِكَ يوحي إلَيْكَ وَإِلَى الَّذين مِن قَبْلِكَ} من الرُّسُل يَقُول كَمَا أَوْحَينَا إِلَيْك حم عسق كَذَلِك أَوْحَينَا إِلَى الَّذين من قبلك من الرُّسُل {الله الْعَزِيز}

بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ {الْحَكِيم} فِي أمره وقضائه أَمر أَن لَا يعبد غَيره وَيُقَال الْعَزِيز فِي ملكه وسلطانه الْحَكِيم فِي أمره وقضائه

4

{لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض} من الْخلق كلهم عبيده وإماؤه {وَهُوَ الْعلي} أَعلَى كل شَيْء {الْعَظِيم} أعظم كل شَيْء

5

{تَكَادُ السَّمَاوَات يَتَفَطَّرْنَ} يتشققن {مِن فَوْقِهِنَّ} بَعْضهَا فَوق بعض من هَيْبَة الرَّحْمَن وَيُقَال من مقَالَة الْيَهُود {وَالْمَلَائِكَة} فِي السَّمَاء {يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} يصلونَ بِأَمْر رَبهم {وَيَسْتَغْفِرُونَ} يدعونَ بالمغفرة {لِمَن فِي الأَرْض} من الْمُؤمنِينَ المخلصين {أَلاَ إِنَّ الله هُوَ الغفور} لمن تَابَ {الرَّحِيم} لمن مَاتَ على التَّوْبَة

6

{وَالَّذين اتَّخذُوا} عبدا {من دونه} من دون الله {أوليآء} أَرْبَابًا من الْأَصْنَام {الله حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ} شَهِيد عَلَيْهِم وعَلى أَعْمَالهم {وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ} بكفيل تُؤْخَذ بهم ثمَّ أمره بعد ذَلِك بقتالهم

7

{وَكَذَلِكَ} هَكَذَا {أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ} أنزلنَا إِلَيْك جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ {قُرْآناً عَرَبِيّاً} بقرآن على مجْرى لُغَة الْعَرَب {لِّتُنذِرَ} لتخوف بِالْقُرْآنِ {أُمَّ الْقرى} أهل مَكَّة {وَمَنْ حَوْلَهَا} من الْبلدَانِ {وَتُنذِرَ} تخوف {يَوْمَ الْجمع} من أهوال يَوْم الْجمع يجْتَمع فِيهِ أهل السَّمَاء وَأهل الأَرْض {لاَ رَيْبَ فِيهِ} لَا شكّ فِيهِ {فَرِيقٌ} مِنْهُم من أهل الْجمع {فِي الْجنَّة} وهم الْمُؤْمِنُونَ {وَفَرِيقٌ} طَائِفَة مِنْهُم {فِي السعير} فِي نَار الْوقُود وهم الْكَافِرُونَ

8

{وَلَوْ شَآءَ الله لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} لجمع الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكين على مِلَّة وَاحِدَة مِلَّة الْإِسْلَام {وَلَكِن يُدْخِلُ} يكرم {مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ} بِدِينِهِ الْإِسْلَام {والظالمون} الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكُونَ {مَا لَهُمْ مِّن وَلِيٍّ} قريب يَنْفَعهُمْ {وَلاَ نَصِيرٍ} مَانع يمنعهُم من عَذَاب الله

9

{أَمِ اتَّخذُوا مِن دُونِهِ} عبدُوا من دون الله {أَوْلِيَآءَ} أَرْبَابًا {فَالله هُوَ الْوَلِيّ} بهم جَمِيعًا {وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى} للبعث {وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ} من الْإِحْيَاء والإماتة {قَدِيرٌ}

10

{وَمَا اختلفتم فِيهِ} فِي الدّين {مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى الله} فَاطْلُبُوا حكمه من كتاب الله {ذَلِكُم الله رَبِّي} أَمركُم بذلك {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} اتكلت {وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} أقبل

11

{فَاطِرُ السَّمَاوَات} أَي هُوَ خَالق السَّمَوَات {وَالْأَرْض جَعَلَ لَكُم} خلق لكم {مِّنْ أَنفُسِكُمْ} آدَمِيًّا مثلكُمْ {أَزْوَاجاً} أصنافاً ذكرا وَأُنْثَى {وَمِنَ الْأَنْعَام أَزْوَاجًا} أصنافاذكرا وَأثْنى {يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ} يخلقكم فِي الرَّحِم وَيُقَال يكثركم بِالتَّزْوِيجِ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} فِي الصّفة وَالْعلم وَالْقُدْرَة وَالتَّدْبِير {وَهُوَ السَّمِيع} لمقالتكم {الْبَصِير} بأعمالكم

12

{لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَات} خَزَائِن السَّمَوَات الْمَطَر {وَالْأَرْض} النَّبَات {يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَآءُ} يُوسع المَال على من يَشَاء {وَيَقْدِرُ} يقتر على من يَشَاء {إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ} من الْبسط والتقتير {عليم}

13

{شَرَعَ لَكُم} اخْتَار لكم يَا أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {مِّنَ الدّين} دين الْإِسْلَام {مَا وصّى بِهِ نُوحاً} الَّذِي أَوْحَينَا بِهِ إِلَى نوح وَأمر أَن يَدْعُو الْخلق إِلَيْهِ ويستقيم عَلَيْهِ {وَالَّذِي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ} وَفِي الَّذِي أَوْحَينَا إِلَيْك يَا مُحَمَّد يَعْنِي الْقُرْآن أمرناك أَن تَدْعُو الْخلق إِلَى الْإِسْلَام وتستقيم عَلَيْهِ

{وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ} وَالَّذِي اخترنا بِالْإِسْلَامِ إِبْرَاهِيم وأمرناه أَن يَدْعُو الْخلق إِلَيْهِ ويستقيم عَلَيْهِ {ومُوسَى وَعِيسَى} كَذَلِك {أَنْ أَقِيمُواْ الدّين} أَمر الله جملَة الْأَنْبِيَاء أَن أقِيمُوا الدّين أَن اتَّفقُوا فِي الدّين {وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ} لَا تختلفوا فِي الدّين {كَبُرَ} عظم {عَلَى الْمُشْركين} أبي جهل وَأَصْحَابه {مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} من التَّوْحِيد وَالْقُرْآن {الله يجتبي إِلَيْهِ} لدينِهِ {مَن يَشَآءُ} وَهُوَ من ولد فِي الْإِسْلَام وَيَمُوت على ذَلِك {وَيهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ} يرشد إِلَى دينه من يقبل إِلَيْهِ من أهل الْكفْر

14

{وَمَا تفَرقُوا} وَمَا اخْتلف الْيَهُود وَالنَّصَارَى فِي مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وَالْإِسْلَام {إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْعلم} بَيَان مَا فِي كِتَابهمْ من صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته {بَغْياً بَيْنَهُمْ} حسداً مِنْهُم كفرُوا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ} وَجَبت {مِن رَّبِّكَ} بِتَأْخِير عَذَاب هَذِه الْأمة {إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى} إِلَى وَقت مَعْلُوم {لَّقُضِيَ بِيْنَهُمْ} لفرغ من هَلَاك الْيَهُود وَالنَّصَارَى {وَإِنَّ الَّذين أُورِثُواْ الْكتاب} أعْطوا التَّوْرَاة {مِن بَعْدِهِمْ} من بعد الرُّسُل وَيُقَال من بعد الْأَوَّلين {لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ} من التَّوْرَاة وَيُقَال الْقُرْآن {مُرِيبٍ} ظَاهر الشَّك

15

{فَلذَلِك فَادع} إِلَى تَوْحِيد رَبك وَكتاب رَبك {واستقم} على التَّوْحِيد {كَمَآ أُمِرْتَ} فِي الْقُرْآن {وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ} قبلتهم وَدينهمْ قبْلَة الْيَهُود وَدين الْيَهُود {وَقُلْ آمَنتُ بِمَآ أَنزَلَ الله} على الْأَنْبِيَاء {مِن كِتَابٍ} من كتاب الله {وَأُمِرْتُ} فِي الْقُرْآن {لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ} بِالتَّوْحِيدِ {الله رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ} يقْضِي بَيْننَا وَبَيْنكُم يَوْم الْقِيَامَة {لَنَآ أَعْمَالُنَا} لنا عبَادَة الله وَدين الْإِسْلَام {وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ} عَلَيْكُم أَعمالكُم عبَادَة الْأَصْنَام وَدين الشَّيْطَان {لاَ حُجَّةَ} لَا خُصُومَة {بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ} فِي الدّين {الله يَجْمَعُ بَيْنَنَا} وَبَيْنكُم يَوْم الْقِيَامَة {وَإِلَيْهِ الْمصير} مصير الْمُؤمنِينَ والكافرين ثمَّ أَمر الله بعد ذَلِك بِالْقِتَالِ

16

{وَالَّذين يُحَآجُّونَ فِي الله} يُخَاصِمُونَ فِي دين الله يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى {مِن بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ} فِي الْكتاب وَيُقَال هم الْمُشْركُونَ من بعد مَا اسْتُجِيبَ لَهُ يَوْم الْمِيثَاق {حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ} خصومتهم بَاطِلَة {عِندَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ} سخط {وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} أَشد مَا يكون

17

{الله الَّذِي أَنزَلَ الْكتاب} جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ {بِالْحَقِّ} لبَيَان الْحق وَالْبَاطِل {وَالْمِيزَان} بَين فِيهِ الْعدْل {وَمَا يُدْرِيكَ} يَا مُحَمَّد وَلم تدر {لَعَلَّ السَّاعَة قَرِيبٌ} قيام السَّاعَة يكون قَرِيبا

18

{يَسْتَعْجِلُ بِهَا} بِقِيَام السَّاعَة {الَّذين لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا} بِقِيَام السَّاعَة وَهُوَ أَبُو جهل وَأَصْحَابه {وَالَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وَقيام السَّاعَة وَهُوَ أَبُو بكر وَأَصْحَابه {مُشْفِقُونَ مِنْهَا} خائفون من قيام السَّاعَة وأهوالها وشدائدها {وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا} يَعْنِي قيام السَّاعَة {الْحق} الْكَائِن {أَلاَ إِنَّ الَّذين يُمَارُونَ} يجادلون ويشكون {فَي السَّاعَة} فِي قيام السَّاعَة {لَفِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ} عَن الْحق وَالْهدى

19

{الله لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ} الْبر والفاجر وَيُقَال لطف علمه بعباده الْبر والفاجر {يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ} يُوسع على من يَشَاء بِالْمَالِ {وَهُوَ الْقوي} بأرزاق الْعباد {الْعَزِيز} بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ

20

{مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَة} ثَوَاب الْآخِرَة بِعَمَلِهِ لله {نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ} فِي ثَوَابه وَيُقَال فِي قوته ونشاطه وحسنته فِي الْعَمَل {وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا}

ثَوَاب الدُّنْيَا بِعَمَلِهِ الَّذِي افْترض الله عَلَيْهِ {نُؤْتِهِ} نعطه {مِنْهَا} من الدُّنْيَا وندفع عَنهُ مِنْهَا {وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَة} فِي الْجنَّة {مِن نَّصِيبٍ} من ثَوَاب لِأَنَّهُ عمل لغير الله

21

{أَمْ لَهُمْ} ألهم لكفار مَكَّة {شُرَكَاءُ} آلِهَة {شَرَعُواْ لَهُمْ} اخْتَارُوا لَهُم {مِّنَ الدّين مَا لم يَأْذَن بِهِ الله} مالم يَأْمر الله بِهِ بالكافرين أَبَا جهل وَأَصْحَابه {وَلَوْلاَ كَلِمَةُ الْفَصْل} الْحق بِتَأْخِير الْعَذَاب عَن هَذِه الْأمة {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} لفرغ من هلاكهم {وَإِنَّ الظَّالِمين} الْكَافرين أَبَا جهل وَأَصْحَابه {لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وجيع

22

{تَرَى الظَّالِمين} الْكَافرين يَوْم الْقِيَامَة {مُشْفِقِينَ} خَائِفين {مِمَّا كَسَبُواْ} مِمَّا قَالُوا وَعمِلُوا فِي الْكفْر {وَهُوَ وَاقِعٌ} نَازل {بِهِمْ} مَا يحذرون {وَالَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم وَهُوَ أَبُو بكر وَأَصْحَابه {فِي رَوْضَاتِ الجنات} فى رياض الْجنَّة {لَهُم مَا يشاؤون} مَا يتمنون ويشتهون {عِندَ رَبِّهِمْ} فِي الْجنَّة {ذَلِك} الْجنَّة (هُوَ الْفضل الْكَبِير) الْمَنّ الْعَظِيم

23

{ذَلِك} الْفضل {الَّذِي يُبَشِّرُ الله عِبَادَهُ} فِي الدُّنْيَا الَّذين آمَنُواْ بِمُحَمد وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {قُل} لَهُم يَا مُحَمَّد لأصحابك وَيُقَال لأهل مَكَّة {لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ} على التَّوْحِيد وَالْقُرْآن {أَجْراً} جعلا {إِلاَّ الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى} إِلَّا أَن تودوا قَرَابَتي من بعدِي وَيُقَال إلاَّ أَن تتقربوا إِلَى الله بِالتَّوْحِيدِ فِي قَول الْحسن الْبَصْرِيّ وَفِي قَول الْفراء تتقربوا إِلَى الله بِالتَّوْبَةِ {وَمَن يَقْتَرِفْ} يكْتَسب {حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً} تسعا {إِنَّ الله غَفُورٌ} لمن تَابَ {شَكُورٌ} يشْكر الْيَسِير وَيجْزِي الجزيل

24

{أَمْ يَقُولُونَ} بل يَقُولُونَ {افترى} اختلق مُحَمَّد {عَلَى الله كَذِباً} فَاغْتَمَّ بذلك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ الله عز وَجل {فَإِن يَشَإِ الله يَخْتِمْ} يرْبط {على قَلْبِكَ} وَيُقَال يحفظ قَلْبك {وَيَمْحُ الله الْبَاطِل} يهْلك الله الشّرك وَأَهله {وَيُحِقُّ الْحق بِكَلِمَاتِهِ} يظْهر دينه الْإِسْلَام بتحقيقه {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور} بِمَا فِي الْقُلُوب من الْخَيْر وَالشَّر

25

{وَهُوَ الَّذِي يقبل التَّوْبَة عَن عباده وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَات وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر

26

{وَيَسْتَجِيبُ الَّذين آمَنُواْ} يغْفر للَّذين آمنُوا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ} بكرامته الثَّوَاب والكرامة فِي الْجنَّة وَيُقَال رُؤْيَة الله {والكافرون} أَبُو جهل وَأَصْحَابه {لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ}

27

{وَلَوْ بَسَطَ الله الرزق} وسع الله المَال {لِعِبَادِهِ} على عباده {لَبَغَوْاْ} لطغوا وتطاولوا {فِي الأَرْض وَلَكِن يُنَزِّلُ} يُوسع {بِقَدَرٍ مَّا يَشَآءُ} على من يَشَاء {إِنَّهُ بِعِبَادِهِ} بصلاح عباده {خَبِيرٌ بَصِيرٌ} بأعمالهم

28

{وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْث} يَعْنِي الْمَطَر {مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ} أَي أيسوا من الْمَطَر {وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ} ينزل رَحمته يَعْنِي الْمَطَر {وَهُوَ الْوَلِيّ} بالمطر عَاما بعام {الحميد} الْمَحْمُود فِي فعاله

29

{وَمِنْ آيَاتِهِ} من عَلَامَات وحدانيته وَقدرته {خَلْقُ السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَثَّ} نشر {فِيهِمَا} مَا خلق فِي الأَرْض {مِن دَآبَّةٍ} كلهَا آيَة لكم {وَهُوَ على جَمْعِهِمْ} على إحيائهم {إِذَا يَشَاء قدير}

30

{وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ} مَا تصابون فِي أَنفسكُم {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} فِيمَا جنت أَيْدِيكُم يُصِيبكُم {وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} من الذُّنُوب فَلَا يجزيكم بِهِ

31

{وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأَرْض} بفائتين من عَذَاب الله {وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ الله} من عَذَاب الله {مِن وَلِيٍّ} قريب ينفعكم {وَلاَ نَصِيرٍ} مَانع يمنعكم من عَذَاب الله

32

{وَمِنْ آيَاتِهِ} من عَلَامَات وحدانيته وَقدرته {الْجوَار} يَعْنِي السفن {فِي الْبَحْر كالأعلام} كالجبال

33

{إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الرّيح} الَّتِي تجْرِي بهَا السفن {فَيَظْلَلْنَ} فيصرن {رَوَاكِدَ} ثوابت {على ظَهْرِهِ} على ظهر المَاء {إِنَّ فِي ذَلِك} فِيمَا ذكرت من السفن {لآيَاتٍ} لعلامات وعبراً {لِّكُلِّ صَبَّارٍ} على الطَّاقَة {شَكُورٍ} بنعم الله

34

{أَوْ يُوبِقْهُنَّ} يهلكهن يَعْنِي السفن فِي الْبَحْر {بِمَا كَسَبُوا} بِمَعْصِيَة أهلهن {وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ} لَا يجازيهم بِهِ

35

{وَيَعْلَمَ} لكَي يعلم {الَّذين يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا} يكذبُون بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ} من مغيث وَلَا نجاة من عَذَاب الله

36

{فَمَآ أُوتِيتُمْ} أعطيتم {مِّن شَيْءٍ} من المَال والزهرة {فَمَتَاعُ الْحَيَاة الدُّنْيَا} لَا يبْقى {وَمَا عِندَ الله} من الثَّوَاب {خَيْرٌ} مِمَّا عنْدكُمْ فِي الدُّنْيَا {وَأبقى} أدوم من مَتَاع الدُّنْيَا فَإِنَّهَا فانية ثمَّ بَين لمن هُوَ فَقَالَ {للَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن يَعْنِي أَبَا بكر وَأَصْحَابه {وعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} لَا على المَال

37

{وَالَّذين يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْم} يَعْنِي الشّرك {وَالْفَوَاحِش} يَعْنِي الزِّنَا والمعاصي {وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ} بالجفاء {يَغْفِرُونَ} يتجاوزون وَلَا يكافئون بِهِ

38

{وَالَّذين اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ} أجابوا لرَبهم بِالتَّوْحِيدِ وَالطَّاعَة {وَأَقَامُواْ الصَّلَاة} أَتموا الصَّلَوَات الْخمس {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} إِذا أَرَادوا أمرا وحاجة تشاوروا فِيمَا بَينهم ثمَّ عمِلُوا بِهِ {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} أعطيناهم من المَال {يُنفِقُونَ} يتصدقون

39

{وَالَّذين إِذَآ أَصَابَهُمُ الْبَغي} الْمظْلمَة {هُمْ يَنتَصِرُونَ} ينتصفون بِالْقصاصِ لَا بالمكابرة

40

{وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} جَزَاء جِرَاحَة جِرَاحَة مثلهَا {فَمَنْ عَفَا} عَن مظلمته {وَأَصْلَحَ} ترك الْقصاص وَلَا يكافىء بِهِ {فَأَجْرُهُ عَلَى الله} فثوابه على الله {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمين} المبتدئين بالظلم

41

{وَلَمَنِ انتصر} انتصف بِالْقصاصِ {بَعْدَ ظُلْمِهِ} مظلمته {فَأُولَئِك مَا عَلَيْهِمْ مِّن سَبِيلٍ} من مأثم بِالْقصاصِ

42

{إِنَّمَا السَّبِيل} المأثم {عَلَى الَّذين يَظْلِمُونَ النَّاس} بِالِابْتِدَاءِ بِغَيْر قصاص {وَيَبْغُونَ} يتطاولون

{فِي الأَرْض بِغَيْرِ الْحق} بِلَا حق يكون لَهُم {أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وجيع

43

{وَلَمَن صَبَرَ} على مظلمته {وَغَفَرَ} تجَاوز وَلم يقْتَصّ وَلم يكافىء بِهِ {إِنَّ ذَلِكَ} الصَّبْر والتجاوز {لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُور} من خير الْأُمُور وَيُقَال من حزم الْأُمُور وَنزل من قَوْله وَالَّذين يجتنبون كَبَائِر الْإِثْم وَالْفَوَاحِش إِلَى قَوْله لمن عزم الْأُمُور فِي شَأْن أبي بكر الصّديق وَصَاحبه عَمْرو بن غزيَّة الْأنْصَارِيّ فِي كَلَام وتنازع كَانَ بَينهمَا فشتم الْأنْصَارِيّ أَبَا بكر الصّديق فَأنْزل الله فيهمَا هَؤُلَاءِ الْآيَات

44

{من يضلل} عَن دينه {فَمَا لَهُ مِن وَلِيٍّ} من مرشد {مِّن بَعْدِهِ} غير الله {وَتَرَى الظَّالِمين} الْمُشْركين أَبَا جهل وَأَصْحَابه يَوْم الْقِيَامَة {لَمَّا رَأَوُاْ الْعَذَاب} حِين رَأَوْا الْعَذَاب {يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍ} هَل إِلَى رُجُوع إِلَى الدُّنْيَا من حِيلَة

45

{وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا} على النَّار {خَاشِعِينَ مِنَ الذل} ذليلين من الْحزن {يَنظُرُونَ} إِلَيْك {مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ} مسارقة الْأَعْين {وَقَالَ الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {إِنَّ الخاسرين} المغبونين {الَّذين خسروا} الَّذين غبنوا {أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ} خدمهم فِي الْجنَّة {يَوْمَ الْقِيَامَة أَلاَ إِنَّ الظَّالِمين} الْمُشْركين أَبَا جهل وَأَصْحَابه {فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ} دَائِم

46

{وَمَا كَانَ لَهُم مِّنْ أَوْلِيَآءَ} أقرباء {يَنصُرُونَهُم} يمنعونهم {مِّن دُونِ الله} من عَذَاب الله {وَمَن يُضْلِلِ الله} عَن دينه مثل أبي جهل {فَمَا لَهُ مِن سَبِيلٍ} من دين وَلَا حجَّة

47

{اسْتجِيبُوا لِرَبِّكُمْ} بِالتَّوْحِيدِ {مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {لاَّ مَرَدَّ لَهُ} لَا مَانع لَهُ {مِنَ الله} من عَذَاب الله {مَا لَكُمْ مِّن مَّلْجَأٍ} من نجاة {يَوْمَئِذٍ} من عَذَاب الله {وَمَا لَكُمْ مِّن نَّكِيرٍ} من معِين

48

{فَإِنْ أَعْرَضُواْ} عَن الْإِيمَان {فَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً} تحفظهم {إِنْ عَلَيْكَ} مَا عَلَيْك {إِلاَّ الْبَلَاغ} التَّبْلِيغ عَن الله ثمَّ أمره بِالْقِتَالِ بعد ذَلِك {وَإِنَّآ إِذَآ أَذَقْنَا الْإِنْسَان} أصبْنَا الْكَافِر {مِنَّا رَحْمَةً} نعْمَة {فَرِحَ بِهَا} أعجب بهَا غير شَاكر لَهَا {وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} شدَّة وفقر وبلية {بِمَا قَدَّمَتْ} عملت {أَيْدِيهِمْ} فِي الشّرك {فَإِنَّ الْإِنْسَان} يَعْنِي أَبَا جهل {كَفُورٌ} كَافِر بِاللَّه وبنعمته

49

{لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَات وَالْأَرْض} خَزَائِن السَّمَوَات وَالْأَرْض الْمَطَر والنبات {يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ} كَمَا يَشَاء {يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً} مثل لوط لم يكن لَهُ ولد ذكر {وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ الذُّكُور} مثل إِبْرَاهِيم لم يكن لَهُ أُنْثَى

50

{أَوْ يُزَوِّجُهُمْ} يخلطهم {ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً} مثل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ لَهُ الذّكر وَالْأُنْثَى {وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عقيما} بِلَا ولد مثل يحيى ابْن زَكَرِيَّا {إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} فِيمَا وهب من الذُّكُور وَالْإِنَاث

51

{وَمَا كَانَ} مَا جَازَ {لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ الله} مُوَاجهَة بِغَيْر ستر {إِلاَّ وَحْياً} فِي الْمَنَام {أَو من وَرَاء حجاب} ستركما كلم مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً} جِبْرِيل كَمَا أرسل إِلَى مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ} بأَمْره {مَا يَشَآءُ} الَّذِي شَاءَ من الْأَمر والنهى

{إِنَّهُ عَلِيٌّ} أَعلَى من كل شَيْء {حَكِيمٌ} فِي أمره وقضائه

52

{وَكَذَلِكَ} هَكَذَا {أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا} يَعْنِي جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ {مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكتاب} مَا الْقُرْآن قبل نزُول جِبْرِيل عَلَيْك وَمَا كنت تحسن قِرَاءَة الْقُرْآن قبل الْقُرْآن {وَلاَ الْإِيمَان} وَلَا الدعْوَة إِلَى التَّوْحِيد {وَلَكِن جَعَلْنَاهُ} قُلْنَاهُ يَعْنِي الْقُرْآن {نُوراً} بَيَانا لِلْأَمْرِ وَالنَّهْي والحلال وَالْحرَام وَالْحق وَالْبَاطِل {نَّهْدِي بِهِ} بِالْقُرْآنِ {مَن نَّشَآءُ} من كَانَ أَهلا لذَلِك {مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لتهدي} لتدعو {إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} دين مُسْتَقِيم حق

53

{صِرَاطِ الله} دين الله {الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض} من الْخلق {أَلاَ إِلَى الله تَصِيرُ الْأُمُور} عواقب الْأُمُور فى الْآخِرَة تصير إِلَى الْحَكِيم الْملك وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الزخرف وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها سبع وَثَمَانُونَ آيَة وكلماتها ثَمَانمِائَة وَثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ وحروفها ثَلَاثَة آلَاف وَأَرْبَعمِائَة حرف {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

الزخرف

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {حم} يَقُول قضى مَا هُوَ كَائِن أى بَين

2

{وَالْكتاب الْمُبين} يَقُول وَأقسم بِالْكتاب الْمُبين بالحلال وَالْحرَام وَالنَّهْي وَالْأَمر أَن قد قضى مَا هُوَ كَائِن أَي بَين قَالَ حَكِيم: (أَلا يَا لقومى كل مَا حم وَاقع ... وَذَا الطير يسري والنجوم الطوالع) وَيُقَال قسم أقسم بِهِ بِالْحَاء وَالْمِيم وَالْكتاب الْمُبين بالحلال وَالْحرَام وَالْأَمر وَالنَّهْي

3

{إِنَّا جَعَلْنَاهُ} قُلْنَاهُ ووضعناه {قُرْآناً عَرَبِيّاً} على مجْرى لُغَة الْعَرَب وَلِهَذَا كَانَ الْقسم {لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} لكَي تعلمُوا مَا فِي الْقُرْآن من الْحَلَال وَالْحرَام وَالْأَمر وَالنَّهْي

4

{وَإِنَّهُ} يَعْنِي الْقُرْآن {فِي أُمِّ الْكتاب} فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ مَكْتُوب {لَدَيْنَا} عندنَا {لَعَلِيٌّ} كريم شرِيف مُرْتَفع {حَكِيمٌ} مُحكم بالحلال وَالْحرَام

5

{أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذّكر} أفنرفع عَنْكُم الْوَحْي وَالرَّسُول يَا أهل مَكَّة {صَفْحاً} أَو نترككم هملاً بِلَا أَمر وَلَا نهي {أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ} بِأَن كُنْتُم قوما مُشْرِكين لَا تؤمنون فِي علم الله

6

{وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيٍّ} قبلك يَا مُحَمَّد {فِي الْأَوَّلين} فِي الْأُمَم الْمَاضِيَة قد علمنَا أَنهم لَا يُؤمنُونَ فَلم نتركهم بِلَا كتاب وَلَا رَسُول

7

{وَمَا يَأْتِيهِم} أَي الْأَوَّلين {مِّنْ نَّبِيٍّ إِلاَّ كَانُوا بِهِ} بالنبى {يستهزؤون} يهزءون بالنبى

8

{فَأَهْلَكْنَآ أَشَدَّ مِنْهُم} من أهل مَكَّة {بَطْشاً} قُوَّة ومنعة {وَمضى مَثَلُ الْأَوَّلين} سنة الْأَوَّلين بِالْعَذَابِ عِنْد تكذيبهم الرُّسُل

9

{وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ} كفار مَكَّة {مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض لَيَقُولُنَّ} كفار مَكَّة {خَلَقَهُنَّ الْعَزِيز} فِي ملكه وسلطانه {الْعَلِيم} بتدبيره وبخلقه فَقَالَ الله نعم خلق

10

{الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْض مَهْداً} فراشا {وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً} طرقاً {لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} لكَي تهتدوا بالطرق

11

{وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السمآء مَآءً} مَطَرا {بِقَدَرٍ} مَعْلُوم بِعلم الْخزَّان {فَأَنشَرْنَا بِهِ} أحيينا بالمطر {بَلْدَةً مَّيْتاً} مَكَانا لَا نَبَات فِيهِ {كَذَلِك} هَكَذَا {تُخْرَجُونَ} تحيون وتخرجون من الْقُبُور كَمَا أحيينا الأَرْض بالمطر

12

{وَالَّذِي خَلَقَ الْأزْوَاج} الْأَصْنَاف {كُلَّهَا} الذّكر وَالْأُنْثَى {وَجَعَلَ لَكُمْ} وَخلق لكم {مِّنَ الْفلك} يَعْنِي السفن فِي الْبَحْر {والأنعام} يَعْنِي الْإِبِل {مَا تَرْكَبُونَ} الَّذِي تَرْكَبُونَ عَلَيْهِ

13

{لِتَسْتَوُواْ على ظُهُورِهِ} ظُهُور الْأَنْعَام يَعْنِي الْإِبِل {ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ} بتسخيرها {إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ} على ظُهُورهَا وسخرها لكم {وَتَقُولُواْ سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا} الْإِبِل {وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} مُطِيعِينَ مالكين

14

{وَإِنَّآ إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ} رَاجِعُون بعد الْمَوْت

15

{وَجَعَلُواْ} وصفوا {لَهُ مِنْ عِبَادِهِ} يَعْنِي الْمَلَائِكَة {جُزْءًا} ولدا قَالُوا الْمَلَائِكَة بَنَات الله وهم بَنو مليح {إِنَّ الْإِنْسَان} يَعْنِي بني مليح {لَكَفُورٌ} كَافِر بِاللَّه {مُّبِينٌ} ظَاهر الْكفْر

16

{أَمِ اتخذ} اخْتَار {مِمَّا يَخْلُقُ} يَعْنِي الْمَلَائِكَة {بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم} اختاركم يَا بني مليح {بالبنين} بالذكور

17

{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم} أحد بني مليح {بِمَا ضَرَبَ} بِمَا وصف {للرحمن مَثَلاً} إِنَاثًا {ظَلَّ} صَار {وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ} مغموم مكروب يتَرَدَّد الغيظ فى جَوْفه أفترضون لله مَالا ترْضونَ لأنفسكم

18

{أَو من يُنَشَّأُ} يغذى ويربى {فِي الْحِلْية} حلية الذَّهَب وَالْفِضَّة {وَهُوَ فِي الْخِصَام} فِي الْكَلَام {غَيْرُ مُبِينٍ} غير ثَابت الْحجَّة وَمن النِّسَاء فمثلهن كَيفَ يَنْبَغِي أَن يكن بَنَات الله

19

{وَجَعَلُواْ الْمَلَائِكَة الَّذين هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَن إِنَاثاً} بَنَات الله {أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ} حِين خلقُوا أَنهم إناث فيعلمون بذلك أَنهم إناث قَالُوا لَا يَا مُحَمَّد وَلَكِن سمعنَا من آبَائِنَا يَقُولُونَ ذَلِك فَقَالَ الله يَا مُحَمَّد {سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ} بِالْكَذِبِ على الله بمقالتهم أَن الْمَلَائِكَة بَنَات الله {وَيُسْأَلُونَ} عَنهُ يَوْم الْقِيَامَة أَي قيل لَهُم حِين جعلُوا الْمَلَائِكَة بَنَات الله أشهدتم قَالُوا لَا قَالَ فَمَا يدريكم أَنَّهُنَّ إناث وأنهن بَنَات الله قَالُوا سمعنَا هَذَا من آبَائِنَا قَالَ الله ستكتب شَهَادَتهم يَعْنِي مَا تكلمُوا بِهِ ويسئلون عَنهُ يَوْم الْقِيَامَة

20

{وَقَالُواْ} بَنو مليح {لَوْ شَآءَ الرَّحْمَن} لَو نَهَانَا الرَّحْمَن وصرفنا {مَا عَبَدْنَاهُمْ} استهزاء وَلَكِن أمرنَا بعبادتهم وَلم ينهنا عَن عِبَادَتهم {مَّا لَهُم بذلك} بِمَا يَقُولُونَ {من علم} من حجَّة وَلَا بَيَان {إِنْ هُمْ} مَا هم {إِلاَّ يَخْرُصُونَ} يكذبُون على الله لِأَن الله نَهَاهُم عَن ذَلِك

21

{أَمْ آتَيْنَاهُمْ} أعطيناهم {كِتَاباً مِّن قَبْلِهِ} من قبل الْقُرْآن {فَهُم بِهِ} بِالْكتاب {مُسْتَمْسِكُونَ} آخذون مِنْهُ وَيَقُولُونَ إِن الْمَلَائِكَة بَنَات الله قَالُوا لَا يَا مُحَمَّد وَلَكِن وجدنَا آبَاءَنَا على هَذَا الدّين فَقَالَ الله

22

{بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا على أُمَّةٍ} على هَذَا الدّين {وَإِنَّا على آثَارِهِم} على دينهم وأعمالهم {مُّهْتَدُونَ} مقتدون

23

{وَكَذَلِكَ} هَكَذَا أَي كَمَا قَالَ قَوْمك {مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ} إِلَى أهل قَرْيَة {مِّن نَّذِيرٍ} من نَبِي مخوف {إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ} جبابرتها {إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا على أُمَّةٍ} على هَذَا الدّين {وَإِنَّا على آثَارِهِم} على دينهم وأعمالهم {مقتدون} مستنون

24

{قَالَ} أَعنِي قل لَهُم يَا مُحَمَّد {أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ} قد جِئتُكُمْ {بأهدى} بأصوب دينا {مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَآءَكُمْ} أَلا تقبلون ذَلِك {قَالُوا إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ} من الْكتاب {كَافِرُونَ} جاحدون

25

{فانتقمنا مِنْهُمْ} بِالْعَذَابِ عَن تكذيبهم الرُّسُل والكتب {فَانْظُر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المكذبين}

آخر أَمر المكذبين بالكتب وَالرسل

26

{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ} آزر {وَقَوْمِهِ} حِين جَاءَ إِلَيْهِم {إِنَّنِي بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ}

27

{إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي} إِلَّا معبودي الَّذِي خلقني {فَإِنَّهُ سيهدين} سيحفظنى على دينه طَاعَته

28

{وَجَعَلَهَا} يَعْنِي لَا إِلَه إِلَّا الله {كَلِمَةً بَاقِيَة} ثَابِتَة {فِي عقبه} فى نَسْله نسل إِبْرَاهِيم {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} عَن كفرهم بِلَا إِلَه إِلَّا الله

29

{بل متعت} أجلت {هَؤُلَاءِ} أهل مَكَّة {وَآبَآءَهُمْ} قبلهم {حَتَّى جَآءَهُمُ الْحق} يَعْنِي الْكتاب {وَرَسُولٌ مُّبِينٌ} يبين لَهُم لهَؤُلَاء بلغَة يعلمونها

30

{وَلَمَّا جَآءَهُمُ الْحق} الْكتاب وَالرَّسُول {قَالُواْ هَذَا} يعنون الْكتاب {سِحْرٌ} كذب {وَإِنَّا بِهِ} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {كَافِرُونَ} جاحدون

31

{وَقَالُواْ} يَعْنِي كفار مَكَّة الْوَلِيد وَأَصْحَابه {لَوْلاَ} هلا {نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآن على رَجُلٍ مِّنَ القريتين عَظِيمٍ} يَقُول على رجل عَظِيم كالوليد بن الْمُغيرَة وَأبي مَسْعُود الثَّقَفِيّ من القريتين من مَكَّة والطائف

32

{أهم يقسمون رَحْمَة رَبِّكَ} يَعْنِي نبوة رَبك وَكتاب رَبك فيقسمون لمن شَاءُوا {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ} بِالْمَالِ وَالْولد {فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} فَضَائِل بِالْمَالِ أَو الْوَلَد {لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سخريا} أى مسخرا خدما وعبيدا {وَرَحْمَة رَبِّكَ} النُّبُوَّة وَالْكتاب وَيُقَال الْجنَّة للْمُؤْمِنين {خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} مِمَّا يجمع الْكفَّار فِي الدُّنْيَا من المَال والزهرة

33

{وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ النَّاس أُمَّةً وَاحِدَةً} على مِلَّة وَاحِدَة مِلَّة الْكفْر {لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بالرحمن لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً} سَمَاء بُيُوتهم {مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ} دَرَجَات {عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} يرتقون من فضَّة

34

{وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً} من فضَّة {وَسُرُراً} من فضَّة {عَلَيْهَا يتكؤون} ينامون

35

{وَزُخْرُفاً} ذَهَبا وكل شَيْء لَهُم من أواني مَنَازِلهمْ من الذَّهَب وَالْفِضَّة {وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا} يَقُول وَمَا كل ذَلِك إلاَّ {مَتَاعُ الْحَيَاة الدُّنْيَا} وَالْمِيم صلَة وَيُقَال كل ذَلِك مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا وَلما صلَة {وَالْآخِرَة} يَعْنِي الْجنَّة {عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش خير من مَتَاع الدُّنْيَا

36

{وَمَن يَعْشُ} يعرض وَيُقَال يمل إِن قَرَأت بالخفض وَيُقَال يعم إِن قَرَأت بِالنّصب {عَن ذِكْرِ الرَّحْمَن} عَن تَوْحِيد الرَّحْمَن وَكتابه {نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً} نجْعَل لَهُ قريناً من الشَّيْطَان {فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} فِي الدُّنْيَا وَفِي النَّار

37

{وَإِنَّهُمْ} يَعْنِي الشَّيَاطِين {لَيَصُدُّونَهُمْ} ليصرفونهم {عَنِ السَّبِيل} عَن سَبِيل الْحق وَالْهدى {وَيَحْسَبُونَ} يظنون {أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ} بِالْحَقِّ وَالْهدى

38

{حَتَّى إِذَا جَآءَنَا} يَعْنِي ابْن آدم وقرينه الشَّيْطَان فِي سلسلة وَاحِدَة {قَالَ} لقرينه الشَّيْطَان {يَا لَيْت بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ المشرقين} مشرق الشتَاء والصيف {فَبِئْسَ القرين} الصاحب والرفيق الشَّيْطَان

39

{وَلَن يَنفَعَكُمُ} يَقُول الله وَلَن يَنفَعَكُمُ {الْيَوْم} هَذَا الْكَلَام {إِذ ظَّلَمْتُمْ} كَفرْتُمْ فِي الدُّنْيَا {أَنَّكُمْ فِي الْعَذَاب مُشْتَرِكُونَ}

الشَّيَاطِين وَبَنُو آدم

40

{أَفَأَنتَ تُسْمِعُ} الْحق وَالْهدى يَا مُحَمَّد {الصم} من يتصامم وَهُوَ الْكَافِر {أَوْ تَهْدِي الْعمي} حَتَّى يبصر الْحق وَالْهدى وَهُوَ الْكَافِر {وَمَن كَانَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} فِي كفر بَين لَا تقدر أَن ترشده إِلَى الْهدى

41

{فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ} نميتك {فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ} بِالْعَذَابِ

42

{أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ} يَوْم بدر {فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُّقْتَدِرُونَ} على عَذَابهمْ قادرون قبل موتك وَبعد موتك

43

{فَاسْتَمْسك} اعْمَلْ {بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ} يَعْنِي الْقُرْآن {إِنَّكَ} يَا مُحَمَّد {على صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} على دين قَائِم يرضاه

44

{وَإِنَّهُ} يَعْنِي الْقُرْآن {لَذِكْرٌ لَّكَ} شرف لَك {وَلِقَوْمِكَ} قُرَيْش لِأَنَّهُ بلغتهم {وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} عَن شكر هَذَا الشّرف

45

{واسأل مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ} يَا مُحَمَّد {مِن رُّسُلِنَآ} مثل عِيسَى ومُوسَى وَإِبْرَاهِيم وَهَذَا فِي اللَّيْلَة الَّتِي أسرِي بِهِ إِلَى السَّمَاء وَصلى بسبعين نَبيا مثل إِبْرَاهِيم ومُوسَى وَعِيسَى فَأمر الله نبيه أَن سلهم يَا مُحَمَّد {أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَن آلِهَةً يُعْبَدُونَ} يَقُول سلهم هَل جعلنَا آلِهَة يعْبدُونَ من دون الرَّحْمَن مقدم ومؤخر وَيُقَال سلهم هَل أمرنَا من دون الرَّحْمَن آلِهَة يعْبدُونَ وفيهَا وَجه آخر يَقُول سل الَّذِي أرسلنَا إِلَيْهِم الرُّسُل من قبلك يَعْنِي أهل الْكتاب أجعلنا من دون الرَّحْمَن آلِهَة يعْبدُونَ يَقُول سل هَل جَاءَت الرُّسُل إِلَّا بِالتَّوْحِيدِ فَلم يسألهم النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهُ كَانَ موقناً بذلك

46

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَآ} بِالْيَدِ والعصا {إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ} قومه القبط {فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالمين} إِلَيْكُم

47

{فَلَمَّا جَآءَهُم} مُوسَى {بِآيَاتِنَآ} بِالْيَدِ والعصا {إِذَا هم مِنْهَا} من الْآيَات {يَضْحَكُونَ} يتعجبون ويسخرون فَلَا يُؤمنُونَ بهَا

48

{وَمَا نُرِيِهِم مِّنْ آيَةٍ} من عَلامَة {إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا} أعظم من الَّتِي كَانَت قبلهَا فَلم يُؤمنُوا بهَا {وَأَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ} بالطوفان وَالْجَرَاد وَالْقمل والضفادع وَالدَّم وَالنَّقْص والسنين {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} لكَي يرجِعوا عَن كفرهم

49

{وَقَالُوا يَا أَيهَا السَّاحر} الْعَالم يوقرونه بذلك وَكَانَ السَّاحر فيهم عَظِيما {ادْع لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ} سل لنا رَبك بِمَا عهد الله لَك وَكَانَ عهد الله لمُوسَى إِن آمنُوا كشفنا عَنْهُم الْعَذَاب فَمن ذَلِك قَالُوا بِمَا عهد الله عنْدك {إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ} مُؤمنُونَ بك وَبِمَا جِئْت بِهِ

50

{فَلَمَّا كَشَفْنَا} دفعنَا {عَنْهُمُ الْعَذَاب إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ} ينقضون عهودهم وَلَا يُؤمنُونَ

51

{ونادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ} خطب فِرْعَوْن فِي قومه القبط {قَالَ يَا قوم أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ} أَرْبَعِينَ فرسخاً فِي أَرْبَعِينَ فرسخا {وَهَذِه الْأَنْهَار تجْرِي من تحتي} من حَولي وَيُقَال عَنى بهَا الأفراس تجْرِي من تحتي {أَفَلاَ تُبْصِرُونَ}

52

{أَمْ أَنَآ خَيْرٌ} إِنِّي خير {مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ} ضَعِيف فِي بدنه {وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ} يبين حجَّته

53

{فَلَوْلاَ أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ} هلا ألبس عَلَيْهِ أقبية {مِّن ذَهَبٍ} كَمَا لكم {أَوْ جَآءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَة مُقْتَرِنِينَ} معاونين مُصدقين لَهُ بالرسالة

54

{فاستخف} فاستنزل {قَوْمَهُ} القبط {فَأَطَاعُوهُ} فِي قَوْله {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ} كَافِرين

55

{فَلَمَّآ آسَفُونَا} أغضبوا نَبينَا مُوسَى ومالوا إِلَى غضبنا

{انتقمنا مِنْهُمْ} بِالْعَذَابِ {فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ} فِي الْبَحْر

56

{فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً} ذَهَابًا بِالْعَذَابِ {وَمَثَلاً} عِبْرَة {لِّلآخِرِينَ} لمن بَقِي بعدهمْ

57

{وَلَمَّا ضُرِبَ ابْن مَرْيَمَ مَثَلاً} شبهوه بآلهتهم {إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ} من قَول عبد الله بن الزِّبَعْرَى وَأَصْحَابه {يَصِدُّونَ} يَضْحَكُونَ

58

{وَقَالُوا} يَعْنِي عبد الله بن الزِّبَعْرَى {أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ} يَا مُحَمَّد {أَمْ هُوَ} يَعْنِي عِيسَى ابْن مَرْيَم إِن جَازَ لَهُ فِي النَّار مَعَ النَّصَارَى يجوز لنا فِي النَّار مَعَ آلِهَتنَا {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ} مَا ذكرُوا لَك عِيسَى ابْن مَرْيَم {إِلاَّ جَدَلاَ} إِلَّا للجدال وَالْخُصُومَة {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} جدلون بِالْبَاطِلِ

59

{إِنْ هُوَ} مَا هُوَ يَعْنِي عِيسَى ابْن مَرْيَم {إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ} بالرسالة وَلَيْسَ هُوَ كآلهتهم {وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً} عِبْرَة {لبني إِسْرَائِيلَ} ولدا بِلَا أَب

60

{وَلَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَا مِنكُمْ} بمكانكم وَيُقَال خلقنَا مِنْكُم {مَلَائِكَة فِي الأَرْض يَخْلُفُونَ} خلفاء مِنْكُم بدلكم وَيُقَال يَمْشُونَ فِي الأَرْض بدلكم

61

{وَإِنَّهُ} يَعْنِي نزُول عِيسَى ابْن مَرْيَم {لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ} لبَيَان قيام السَّاعَة وَيُقَال عَلامَة لقِيَام السَّاعَة إِن قَرَأت بِنصب الْعين وَاللَّام {فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا} فَلَا تشكن بهَا بِقِيَام السَّاعَة {واتبعون} بِالتَّوْحِيدِ {هَذَا} التَّوْحِيد {صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} دين قَائِم يرضاه وَهُوَ الْإِسْلَام

62

{وَلاَ يَصُدَّنَّكُمُ} لَا يصرفنكم {الشَّيْطَان} عَن دين الْإِسْلَام وَالْإِقْرَار بِقِيَام السَّاعَة {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} ظَاهر الْعَدَاوَة

63

{وَلَمَّا جَآءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ} بِالْأَمر وَالنَّهْي والعجائب {قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بالحكمة} بِالْأَمر وَالنَّهْي والنبوة {وَلأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ} تخالفون فِي الدّين {فَاتَّقُوا الله} فاخشوا الله فِيمَا أَمركُم {وَأَطِيعُونِ} اتبعُوا وصيتي وَقَوْلِي

64

{إِنَّ الله هُوَ رَبِّي} خالقي {وَرَبُّكُمْ} خالقكم {فاعبدوه} فوحدوه {هَذَا} التَّوْحِيد {صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} دين قَائِم يرضاه

65

{فَاخْتلف الْأَحْزَاب} النَّصَارَى {مِن بَيْنِهِمْ} فِيمَا بَينهم فِي عِيسَى فَقَالَ بَعضهم هُوَ ابْن الله وهم النسطورية وَقَالَ بَعضهم هُوَ الله وهم الماريعقوبية وَقَالَ بَعضهم هُوَ شَرِيكه وهم الملكانية وَقَالَ بَعضهم هُوَ ثَالِث ثَلَاثَة وهم المرقوسية {فويل} شدَّة الْعَذَاب {لِّلَّذِينَ ظَلَمُواْ} تحزبوا فِي عِيسَى {مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ} وجيع

66

{هَلْ يَنظُرُونَ} مَا ينتظرون إِذْ لَا يتوبون عَن مقالتهم {إِلاَّ السَّاعَة} إِلَّا قيام السَّاعَة {أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً} فَجْأَة {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} لَا يعلمُونَ بنزول الْعَذَاب بهم

67

{الأخلاء} فِي الْمعْصِيَة {يَوْمَئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة مثل عقبَة بن أبي معيط وَأبي بن خلف {بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش مثل أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وأصحابهم فانهم لَيْسُوا كَذَلِك فَيَقُول الله

68

{يَا عباد لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْم} حِين يخَاف غَيْركُمْ {وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ} حِين يحزن غَيْركُمْ

69

{الَّذين آمنُوا بِآيَاتِنَا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ} مُخلصين بِالْعبَادَة والتوحيد

70

{ادخُلُوا الْجنَّة أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ} حلائلكم {تُحْبَرُونَ} تكرمون بالتحف وتنعمون فِي الْجنَّة

71

{يُطَافُ عَلَيْهِمْ} فِي الْخدمَة {بِصِحَافٍ} بقصاع {مِّن ذهب} فِيهَا ألوان الطَّعَام {وأكواب} كيزان بِلَا آذان وَلَا عرى مُدَوَّرَة الرُّءُوس فِيهَا شرابهم {وَفِيهَا} فِي الْجنَّة {مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفس} تتمنى الْأَنْفس

{وَتَلَذُّ الْأَعْين} تعجب الْأَعْين بِالنّظرِ إِلَيْهِ {وَأَنتُمْ فِيهَا} فِي الْجنَّة {خَالِدُونَ} دائمون لَا تموتون وَلَا تخرجُونَ مِنْهَا

72

{وَتِلْكَ الْجنَّة} هَذِه الْجنَّة {الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا} أنزلتموها جعلت لكم مِيرَاثا {بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} وتقولون فى الدُّنْيَا

73

{لَكُمْ فِيهَا} فِي الْجنَّة {فَاكِهَةٌ} ألوان الْفَاكِهَة {كَثِيرَةٌ مِّنْهَا} من ألوان الْفَاكِهَة {تَأْكُلُونَ}

74

{إِنَّ الْمُجْرمين} الْمُشْركين أَبَا جهل وَأَصْحَابه {فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا

75

{لاَ يُفَتَّرُ} لَا يرفع {عَنْهُمْ} الْعَذَاب وَلَا يقطع {وَهُمْ فِيهِ} فِي الْعَذَاب {مُبْلِسُونَ} آيسون من الرّفْع وَمن كل خير

76

{وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ} بهلاكهم وعذابهم {وَلَكِن كَانُواْ هُمُ الظَّالِمين} بالْكفْر والشرك

77

{وَنَادَوْا يَا مَالك} فَلَمَّا قل صبرهم نادوا يَا مَالك خَازِن النَّار {لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} الْمَوْت فَيُجِيبهُمْ مَالك بعد أَرْبَعِينَ سنة {قَالَ إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ} دائمون فِي الْعَذَاب وَلَا تخرجُونَ

78

{لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ} يَقُول جَاءَ جِبْرِيل إِلَى نَبِيكُم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْقُرْآنِ {وَلَكِن أَكْثَرَكُم} كلكُمْ {للحق} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {كَارِهُونَ} جاحدون

79

{أَمْ أبرموا أَمْراً} أحكموا أمرا فِي شَأْن مُحَمَّد {فَإِنَّا مُبْرِمُونَ} محكمون أمرا بهلاكهم

80

{أَمْ يَحْسَبُونَ} أيظنون يَعْنِي صَفْوَان بن أُميَّة وصاحبيه {أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ} فِيمَا بَينهم {وَنَجْوَاهُم} خلوتهم حول الْكَعْبَة {بلَى} نسْمع {وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ} عِنْدهم {يَكْتُبُونَ} سرهم ونجواهم وهم الْحفظَة

81

{قُلْ} يَا مُحَمَّد للنضر بن الْحَارِث وعلقمة {إِن كَانَ} مَا كَانَ {للرحمن وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ العابدين} أول المقرين بِأَن لَيْسَ لله ولد وَلَا شريك

82

{سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَات وَالْأَرْض رَبِّ الْعَرْش عَمَّا يَصِفُونَ} يَقُولُونَ من الْوَلَد وَالشَّرِيك

83

{فَذَرْهُمْ} اتركهم يَا مُحَمَّد {يَخُوضُواْ} فِي الْبَاطِل {ويلعبوا} يهزءوا بِالْقُرْآنِ {حَتَّى يُلاَقُواْ} يعاينوا {يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ} فِيهِ الْمَوْت وَالْعَذَاب

84

{وَهُوَ الَّذِي فِي السمآء إِلَه} هُوَ إِلَه كل شَيْء فِي السَّمَاء {وَفِي الأَرْض إِلَه} إِلَه كل شَيْء فِي الأَرْض {وَهُوَ الْحَكِيم} فِي أمره وقضائه {الْعَلِيم} بخلقه وتدبيره

85

{وَتَبَارَكَ} تَعَالَى وتبرأ عَن الْوَلَد وَالشَّرِيك {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنَهُمَا} من الْخلق {وَعِندَهُ عِلْمُ السَّاعَة} علم قيام السَّاعَة {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} فِي الْآخِرَة

86

{وَلاَ يَمْلِكُ الَّذين يَدْعُونَ} يعْبدُونَ {مِن دُونِهِ} من دون الله {الشَّفَاعَة} يَقُول لَا تقدر الْمَلَائِكَة أَن يشفعوا لأحد {إِلاَّ مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ} بِلَا إِلَه إِلَّا الله مخلصاً بهَا {وهم يعلمُونَ} حق من قبل أنفسهم نزلت هَذِه الْآيَة فِي بني مليح حَيْثُ قَالُوا الْمَلَائِكَة بَنَات الله

87

{وَلَئِن سَأَلْتَهُم} يَعْنِي بني مليح {مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله} خلقنَا {فَأنى يُؤْفَكُونَ} فَمن أَيْن يكذبُون على الله بعد الْإِقْرَار

88

{وقيله} قَالَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {يَا رب إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ} بك وَبِالْقُرْآنِ فافعل بهم مَا شِئْت

89

{فاصفح عَنْهُمْ} قيل لَهُ أعرض عَنْهُم {وَقُلْ سَلاَمٌ} سداد من القَوْل {فَسَوْفَ} وَهَذَا وَعِيد لَهُم {يَعْلَمُونَ} مَاذَا يفعل بهم يَوْم بدر وَيَوْم أحد وَيَوْم الْأَحْزَاب ثمَّ أمره بِالْقِتَالِ بعد ذَلِك فَسَوف يعلمُونَ مَاذَا ينزل بهم من الْجُوع وَالدُّخَان

وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الدُّخان وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها تسع وَخَمْسُونَ آيَة وكلماتها ثَلَاثمِائَة وست وَأَرْبَعُونَ كلمة وحروفها ألف وَأَرْبَعمِائَة وَأحد وَثَلَاثُونَ حرفا {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

الدخان

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله جلّ ذكره {حم} يَقُول قضى مَا هُوَ كَائِن أى بَين

2

{وَالْكتاب الْمُبين} وَأقسم بِالْكتاب الْمُبين لقد قضى مَا هُوَ كَائِن أَي بَين وَيُقَال قسم أقسم بِالْحَاء وَالْمِيم وَالْقُرْآن الْمُبين بالحلال وَالْحرَام وَالْأَمر والنهى

3

{إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ} أنزلنَا جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ وَلِهَذَا كَانَ الْقسم أنزل الله جِبْرِيل إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا حَتَّى أمْلى الْقُرْآن على الكتبة وهم أهل سَمَاء الدُّنْيَا {فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ} فِيهَا الرَّحْمَة وَالْمَغْفِرَة وَالْبركَة وَهِي لَيْلَة الْقدر ثمَّ أنزل الله جِبْرِيل بعد ذَلِك على مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام بِآيَة وَسورَة وَكَانَ بَين أَوله وَآخره عشرُون سنة {إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ} إِنَّا كُنَّا مخوفين بِالْقُرْآنِ

4

{فِيهَا} فِي لَيْلَة الْقدر {يُفْرَقُ} يبين {كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} كَائِن من سنة إِلَى سنة

5

{أَمْراً مِّنْ عِنْدِنَآ} بَيَانا منا نبين لجبريل وَمِيكَائِيل وإسرافيل وَملك الْمَوْت مَا هم موكلون عَلَيْهِ من سنة إِلَى سنة {إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} الرُّسُل بالكتب

6

{رَحْمَةً} نعْمَة {مِّن رَّبِّكَ} على عباده إرْسَاله الرُّسُل بالكتب {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيع} لمقالة قُرَيْش حَيْثُ قَالُوا رَبنَا اكشف عَنَّا الْعَذَاب {الْعَلِيم} بهم وبعقوبتهم

7

{رب} خَالق {السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا} من الْخلق هُوَ الله {إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ} مُصدقين بذلك

8

{لاَ إِلَه} لَا خَالق {إِلاَّ هُوَ} الَّذِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض {يُحْيِي} للبعث {وَيُمِيتُ} فِي الدُّنْيَا {رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ الْأَوَّلين} خالقكم وخالق آبائكم الأقدمين

9

{بَلْ هُمْ} يَعْنِي كفار مَكَّة {فِي شَكٍّ} من قيام السَّاعَة {يَلْعَبُونَ} يهزءون بِقِيَام السَّاعَة

10

{فَارْتَقِبْ} فانتظر عَذَابهمْ يَا مُحَمَّد {يَوْمَ تَأْتِي السمآء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ} بَين السَّمَاء وَالْأَرْض

11

{يَغْشَى النَّاس} ذَلِك الدُّخان {هَذَا} الدُّخان {عَذَابٌ أَلِيمٌ} وجيع وَهُوَ الْجُوع

12

{رَّبَّنَا اكشف} قَالُوا رَبنَا اكشف {عَنَّا الْعَذَاب} يَعْنِي الْجُوع {إِنَّا مْؤْمِنُونَ} بك وبكتابك وَرَسُولك

13

{أَنى لَهُمُ الذكرى} من أَيْن لَهُم العظة وَالتَّوْبَة إِذا كشفنا عَنْهُم الْعَذَاب وَيُقَال إِذا أهلكناهم يَوْم بدر وَيُقَال يَوْم الْقِيَامَة {وَقَدْ جَاءَهُم رَسُول} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {مُّبِينٌ} يبين لَهُم لُغَة يعلمونها

14

{ثُمَّ تَوَلَّوْاْ عَنْهُ} أَعرضُوا عَن الْإِيمَان بِهِ {وَقَالُوا معلم} يعنون مُحَمَّد يُعلمهُ جبر ويسار {مَّجْنُونٌ} مخنوق يختنق

15

{إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَاب} يَعْنِي الْجُوع {قَلِيلاً} يَسِيرا إِلَى يَوْم بدر {إِنَّكُمْ} يَا أهل مَكَّة {عَآئِدُونَ} رَاجِعُون إِلَى الْمعْصِيَة فَلَمَّا رفع عَنْهُم الْعَذَاب عَادوا إِلَى الْمعْصِيَة فأهلكهم الله يَوْم بدر لقَوْله

16

{يَوْمَ نَبْطِشُ البطشة الْكُبْرَى} نعاقبهم الْعقُوبَة الْعُظْمَى يَوْم بدر بِالسَّيْفِ {إِنَّا مُنتَقِمُونَ} مِنْهُم بِالْعَذَابِ

17

{وَلَقَدْ فَتَنَّا} ابتلينا {قَبْلَهُمْ} قبل قُرَيْش {قَوْمَ فِرْعَوْنَ} فِرْعَوْن وَقَومه بِالْعَذَابِ {وَجَآءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ} على ربه يَعْنِي مُوسَى

18

{أَنْ أَدّوا إِلَيَّ} ادفعوا إِلَيّ وَأَرْسلُوا معي {عِبَادَ الله} بني إِسْرَائِيل {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ} من الله {أَمِينٌ} على الرسَالَة

19

{وَأَن لاَّ تَعْلُواْ} لَا تتكبروا وَلَا تفتروا {عَلَى الله إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} بِحجَّة بَيِّنَة وَعذر بَين

20

{وَإِنِّي عُذْتُ} اعتصمت {بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ}

من أَن تقتلون

21

{وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُواْ لِي} إِن لم تصدقوني بالرسالة {فاعتزلون} فَاتْرُكُونِي لَا لي وَلَا عَليّ

22

{فَدَعَا ربه أَن هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ} مشركون اجترموا الْهَلَاك على أنفسهم

23

{فَأَسْرِ بِعِبَادِي} قَالَ الله لمُوسَى سر بعبادي بني إِسْرَائِيل {لَيْلاً} من أول اللَّيْل {إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ} فِي الْبَحْر

24

{واترك الْبَحْر رَهْواً} طرقاً وَاسِعَة بِقدر مَا عبر مُوسَى وَقَومه {إِنَّهُمْ} يَعْنِي فِرْعَوْن وَقَومه {جُندٌ مُّغْرَقُونَ} فِي الْبَحْر

25

{كَمْ تَرَكُواْ} خلفوا {مِن جَنَّاتٍ} بساتين {وَعُيُونٍ} مَاء ظَاهر فِي الْبَسَاتِين

26

{وَزُرُوعٍ} حروث {وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} منَازِل حَسَنَة

27

{وَنَعْمَةٍ كَانُواْ فِيهَا فَاكِهِينَ} معجبين

28

{كَذَلِك} فعلنَا بهم {وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ} جعلت مِيرَاثا لبني إِسْرَائِيل من بعدهمْ

29

{فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ} على فِرْعَوْن وَقَومه {السمآء} بَاب السَّمَاء {وَالْأَرْض} وَلَا مصلاء على الأَرْض لِأَن الْمُؤمن إِذا مَاتَ بَكَى عَلَيْهِ بَاب السَّمَاء الَّذِي يصعد مِنْهُ عمله وَينزل مِنْهُ رزقه وَمُصَلَّاهُ فِي الأَرْض الَّتِي كَانَ يُصَلِّي فِيهَا وَلم يبك على فِرْعَوْن وَقَومه لِأَنَّهُ لم يكن لَهُم بَاب فِي السَّمَاء لرفع عَمَلهم وَلَا مصلى فِي الأَرْض {وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ} مؤجلين من الْغَرق

30

{وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بني إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَاب المهين} الْأَلِيم الشَّديد

31

{مِن فِرْعَوْنَ} وَقَومه من ذبح الْأَبْنَاء واستخدام النِّسَاء وَغير ذَلِك {إِنَّهُ كَانَ عَالِياً} مُخَالفا عاتياً {مِّنَ المسرفين} فِي الشّرك

32

{وَلَقَدِ اخترناهم} اخترنا بني إِسْرَائِيل {على عِلْمٍ} كَمَا علمنَا {عَلَى الْعَالمين} عالمي زمانهم بالمن والسلوى وَالْكتاب وَالرَّسُول والنجاة من فِرْعَوْن وَقَومه والنجاة من الْغَرق

33

{وَآتَيْنَاهُم} أعطيناهم {مِّنَ الْآيَات} من العلامات {مَا فِيهِ بلَاء مُبين} نعْمَة عَظِيمَة وَيُقَال اختبار بَين وَهُوَ الَّذِي نجاهم من فِرْعَوْن وَمن الْغَرق وَأنزل عَلَيْهِم الْمَنّ والسلوى فِي التيه وَغير ذَلِك

34

{إِنَّ هَؤُلَاءِ} قَوْمك يَا مُحَمَّد {لَيَقُولُونَ}

35

{إِنْ هِيَ} مَا هِيَ أَي حياتنا {إِلاَّ مَوْتَتُنَا} بعد موتتنا {الأولى وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ} بمحيون بعد الْمَوْت

36

{فَأتوا بِآبَائِنَا} فأحى يَا مُحَمَّد آبَائِنَا الَّذين مَاتُوا حَتَّى نسألهم أَحَق تَقول أم بَاطِل {إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} إِن كنت من الصَّادِقين أَن نبعث بعد الْمَوْت قَالَ الله تَعَالَى

37

{أَهُمْ خَيْرٌ} أقومك خير {أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ} حمير واسْمه أسعد بن ملكيكوب وكنيته أَبُو كرب سمي تبعا لِكَثْرَة تبعه {وَالَّذين مِن قَبْلِهِمْ} من قبل قوم تبع {أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ} مُشْرِكين أَفلا يخَاف قَوْمك من هلاكهم وعذابهم

38

{وَمَا خلقنَا السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بينهمآ} من الْخلق {لاَعِبِينَ} لاهين

39

{مَا خَلَقْنَاهُمَآ إِلاَّ بِالْحَقِّ} للحق لَا للباطل {وَلَكِن أَكْثَرَهُمْ} أهل مَكَّة {لاَ يَعْلَمُونَ} ذَلِك وَلَا يصدقون

40

{إِنَّ يَوْمَ الْفَصْل} يَوْم الْقَضَاء بَين الْخَلَائق {مِيقَاتُهُمْ} ميعادهم {أَجْمَعِينَ}

41

{يَوْمَ لاَ يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئاً} ولي حميم يَعْنِي قرَابَة عَن قرَابَة شَيْئا وَكَافِر عَن كَافِر وَقَرِيب عَن قريب شَيْئا من الشَّفَاعَة وَلَا من عَذَاب الله {وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} يمْنَعُونَ مِمَّا يُرَاد بهم من الْعَذَاب

42

{إِلاَّ مَن رَّحِمَ الله} من الْمُؤمنِينَ فَإِنَّهُم لَيْسُوا كَذَلِك وَلَكِن يشفع بَعضهم لبَعض {إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيز} بالنقمة من الْكَافرين {الرَّحِيم} بِالْمُؤْمِنِينَ

43

{إِنَّ شَجَرَةَ الزقوم طَعَامُ الأثيم} طَعَام الْفَاجِر فِي النَّار أبي جهل وَأَصْحَابه

45

{كَالْمهْلِ} سَوْدَاء كدردي الزَّيْت وَيُقَال حارة كالفضة المذابة {يَغْلِي فِي الْبُطُون}

46

{كَغَلْيِ الْحَمِيم} المَاء الْحَار

47

{خُذُوهُ} يَقُول الله للزبانية خُذُوا أَبَا جهل {فاعتلوه} فتلتلوه وَيُقَال فسوقوه واذهبوا بِهِ {إِلَى سَوَآءِ الْجَحِيم} إِلَى وسط النَّار

48

{ثُمَّ صُبُّواْ فَوْقَ رَأْسِهِ} على رَأسه {مِنْ عَذَابِ الْحَمِيم} من مَاء حَار بعد مَا يضْرب رَأسه بمقامع الْحَدِيد

49

{ذُقْ} يَا أَبَا جهل {إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيز} فِي قَوْمك {الْكَرِيم} عَلَيْهِم وَيُقَال إِنَّك أَنْت الْعَزِيز المتعزز فِي قَوْمك الْكَرِيم المتكرم عَلَيْهِم

50

{إِنَّ هَذَا} يَعْنِي الْعَذَاب {مَا كُنتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ} تشكون فِي الدُّنْيَا أَنه لَا يكون

51

{إِن الْمُتَّقِينَ} من الْكفْر والشرك وللفواحش يَعْنِي أَبَا بكر وَأَصْحَابه {فِي مَقَامٍ} مَكَان {أَمِينٍ} من الْمَوْت والزوال وَالْعَذَاب

52

{فِي جَنَّاتٍ} بساتين {وَعُيُونٍ} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَاللَّبن وَالْعَسَل

53

{يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ} مَا لطف من الديباج {وَإِسْتَبْرَقٍ} وَمَا ثخن من الديباج {مُّتَقَابِلِينَ} فِي الزِّيَارَة

54

{كَذَلِك} هَكَذَا مقَام الْمُؤمنِينَ فِي الْجنَّة {وَزَوَّجْنَاهُم} قررناهم فِي الْجنَّة {بِحُورٍ} بجوار بيض {عِينٍ} عِظَام الْأَعْين حسان الْوُجُوه

55

{يَدْعُونَ فِيهَا} يسْأَلُون فِي الْجنَّة وَيُقَال يتعاطون فِي الْجنَّة {بِكلِّ فَاكِهَةٍ} بألوان كل فَاكِهَة {آمِنِينَ} من الْمَوْت والزوال وَالْعَذَاب

56

{لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا} فِي الْجنَّة {الْمَوْت إِلاَّ الموتة الأولى} بعد مَوْتهمْ فِي الدُّنْيَا {وَوَقَاهُمْ} رفع عَنْهُم رَبهم {عَذَابَ الْجَحِيم} عَذَاب النَّار

57

{فَضْلاً مِّن رَّبِّكَ} منا من رَبك وَيُقَال عَطاء من رَبك {ذَلِك} الْمَنّ {هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم} النجَاة الوافرة فازوا بِالْجنَّةِ ونجوا من النَّار

58

{فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ} يَقُول هونا عَلَيْك قِرَاءَة الْقُرْآن {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} لكَي يتعظوا بِالْقُرْآنِ

59

{فَارْتَقِبْ} فانتظر هلاكهم يَوْم بدر {إِنَّهُمْ مُّرْتَقِبُونَ} منتظرون هلاكهم فأهلكهم الله يَوْم بدر وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الجاثية وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها سِتّ وَثَلَاثُونَ آيَة وكلماتها سِتّمائَة وَأَرْبع وَأَرْبَعُونَ وحروفها أَلفَانِ وسِتمِائَة حرف {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

الجاثية

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {حم} يَقُول قضى مَا هُوَ كَائِن أَي بَين وَيُقَال قسم أقسم بِهِ

2

{تَنْزِيل الْكتاب} إِن هَذَا الْكتاب تكليم {من الله الْعَزِيز} بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ {الْحَكِيم} أَمر أَن لَا يعبد غَيره وَيُقَال الْعَزِيز فِي ملكه وسلطانه الْحَكِيم فِي أمره وقضائه

3

{إِنَّ فِي السَّمَاوَات} مَا فِي السَّمَوَات من الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم والسحاب وَغير ذَلِك {وَالْأَرْض} وَمَا فِي الأَرْض من الشّجر وَالْجِبَال والبحار وَغير ذَلِك {لآيَاتٍ} لعلامات وعبراً {لِّلْمُؤْمِنِينَ} المصدقين فى إِيمَانهم

4

{وَفِي خَلْقِكُمْ} فِي تَحْويل أحوالكم حَالا بعد حَال آيَة وعبرة لكم {وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ} وَفِيمَا خلق من ذَوي الْأَرْوَاح {آيَاتٌ} عَلَامَات وَعبر {لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} يصدقون

5

{وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار} فِي تقليب اللَّيْل وَالنَّهَار وزيادتهما ونقصانهما وذهابهما ومجيئهما آيَة وعبرة لكم {وَمَآ أَنَزَلَ الله} فِيمَا أنزل الله {مِنَ السمآء مَّن رِّزْقٍ}

من مطر {فَأَحْيَا بِهِ} بالمطر {الأَرْض بَعْدَ مَوْتِهَا} قحطها ويبوستها عَلَامَات وعبراً لكم {وَتَصْرِيفِ الرِّيَاح} وَفِي تقليب الرِّيَاح يَمِينا وَشمَالًا قبولاً ودبورا عذَابا وَرَحْمَة {آيَاتٌ} عَلَامَات وَعبر {لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} يصدقون أَنَّهَا من الله

6

{تَلْكَ} هَذِه {آيَاتُ الله نَتْلُوهَا عَلَيْكَ} نزل عَلَيْك جِبْرِيل بهَا {بِالْحَقِّ} لتبيان الْحق وَالْبَاطِل {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ} كَلَام {بَعْدَ الله} بعد كَلَام الله {وَآيَاتِهِ} كِتَابه وَيُقَال عجائبه {يُؤْمِنُونَ} إِن لم يُؤمنُوا بِهَذَا الْقُرْآن

7

{وَيْلٌ} شدَّة الْعَذَاب وَيُقَال ويل وَاد فِي جَهَنَّم من قيح وَدم {لِّكُلِّ أَفَّاكٍ} كَذَّاب {أَثِيمٍ} فَاجر وَهُوَ النَّضر بن الْحَارِث

8

{يَسْمَعُ آيَاتِ الله} قِرَاءَة آيَات الله {تتلى عَلَيْهِ} تقْرَأ عَلَيْهِ بِالْأَمر والنهى {ثُمَّ يُصِرُّ} يُقيم على كفره {مُسْتَكْبِراً} متعظماً عَن الْإِيمَان بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا} لم يعها {فَبَشِّرْهُ} يَا مُحَمَّد {بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} وجيع فَقتل يَوْم بدر صبرا

9

{وَإِذَا عَلِمَ} سمع {مِنْ آيَاتِنَا} القرآنِ {شَيْئاً اتخذها هُزُواً} سخرية {أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} شَدِيد وَهُوَ النَّضر

10

{مِّن وَرَآئِهِمْ جَهَنَّمُ} من قدامهم بعد الْمَوْت جَهَنَّم {وَلاَ يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُواْ شَيْئاً} مَا جمعُوا من المَال وَلَا مَا عمِلُوا من السَّيِّئَات شَيْئا من عَذَاب الله {وَلاَ مَا اتَّخذُوا} عبدُوا {مِن دُونِ الله أَوْلِيَآءَ} أَرْبَابًا {وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} أعظم مَا يكون وكل هَذَا الْعَذَاب للنضر

11

{هَذَا} يَعْنِي الْقُرْآن {هُدىً} من الضَّلَالَة {وَالَّذين كفرُوا بآيَات رَبهم} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وَهُوَ النَّضر وَأَصْحَابه {لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ} وجيع

12

{الله الَّذِي سَخَّرَ} ذلل {لَكُمُ الْبَحْر لِتَجْرِيَ الْفلك} السفن {فِيهِ بِأَمْرِهِ} بِإِذْنِهِ {وَلِتَبْتَغُواْ} لتطلبوا {مِن فَضْلِهِ} من رزق {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} لكَي تشكروا نعْمَته

13

{وَسَخَّرَ لَكُمْ} ذلل لكم {مَّا فِي السَّمَاوَات} من الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم والسحاب {وَمَا فِي الأَرْض} من الشّجر وَالدَّوَاب وَالْجِبَال والبحار {جَمِيعاً مِّنْهُ} من الله {إِنَّ فِي ذَلِك} فِيمَا ذكرت {لآيَاتٍ} لعلامات وعبراً {لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} فِيمَا خلق الله

14

{قُل} يَا مُحَمَّد {لِّلَّذِينَ آمَنُواْ} عمر وَأَصْحَابه {يَغْفِرُواْ} يتجاوزوا {لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ} لَا يخَافُونَ {أَيَّامَ الله} عَذَاب الله يَعْنِي أهل مَكَّة {لِيَجْزِيَ قَوْماً} يَعْنِي عمر وَأَصْحَابه {بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} يعْملُونَ من الْخيرَات وَهَذَا الْعَفو قبل الْهِجْرَة ثمَّ أمروا بِالْقِتَالِ

15

{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً} خَالِصا فِي الْإِيمَان {فَلِنَفْسِهِ} ثَوَاب ذَلِك {وَمَنْ أَسَآءَ} أشرك بِاللَّه {فَعَلَيْهَا} فعلى نَفسه عُقُوبَة ذَلِك {ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} بعد الْمَوْت فيجزيكم بأعمالكم

16

{وَلَقَدْ آتَيْنَا} أعطينا {بني إِسْرَائِيلَ الْكتاب وَالْحكم} الْعلم والفهم {والنبوة} وَكَانَ فيهم الْأَنْبِيَاء والكتب {وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ الطَّيِّبَات} من الْمَنّ والسلوى وَيُقَال من الْغَنَائِم {وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالمين} عالمي زمانهم بِالْكتاب وَالرَّسُول

17

{وَآتَيْنَاهُم} أعطيناهم {بَيِّنَاتٍ مِّنَ الْأَمر} واضحات من أَمر الدّين

{فَمَا اخْتلفُوا} فى مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وَالْإِسْلَام {إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْعلم} بَيَان مَا فِي كِتَابهمْ {بَغْياً بَيْنَهُمْ} حسدا مِنْهُم كفرُوا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {إِن رَبك} يَا مُحَمَّد {يقْضِي بَينهم} بَين الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمُؤمنِينَ {يَوْمَ الْقِيَامَة فِيمَا كَانُواْ فِيهِ} فِي الدّين {يَخْتَلِفُونَ} يخالفون فِي الدُّنْيَا

18

{ثُمَّ جَعَلْنَاكَ} اخترناك {على شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمر} على سنة ومنهاج من أَمْرِي وطاعتي {فاتبعها} اسْتَقِم عَلَيْهَا واعمل بهَا وَيُقَال أكرمناك بِالْإِسْلَامِ وأمرناك أَن تَدْعُو الْخلق إِلَيْهِ {وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ الَّذين} دين الَّذين {لاَ يَعْلَمُونَ} تَوْحِيد الله يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكين

19

{إِنَّهُمْ لَن يُغْنُواْ عَنكَ مِنَ الله} من عَذَاب الله {شَيْئاً} إِن اتبعت أهواءهم {وَإِنَّ الظَّالِمين} الْكَافرين {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ} على دين بعض {وَالله وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش

20

{هَذَا} الْقُرْآن {بَصَائِرُ} بَيَان {لِلنَّاسِ وَهُدىً} من الضَّلَالَة {وَرَحْمَةٌ} من الْعَذَاب {لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} يصدقون بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن

21

{أَمْ حَسِبَ} أيظن {الَّذين اجترحوا السَّيِّئَات} أشركوا بِاللَّه يَعْنِي عتبَة وَشَيْبَة والوليد بن عتبَة الَّذين بارزوا يَوْم بدر عليا وَحَمْزَة وَعبيدَة بن الْحَارِث وَقَالُوا إِن كَانَ لَهُم مَا يَقُول مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْآخِرَة حَقًا وثواباً لنفضلن عَلَيْهِم فِي الْآخِرَة كَمَا فضلنَا عَلَيْهِم فِي الدُّنْيَا فَقَالَ الله أيظنون {أَن نَّجْعَلَهُمْ} نجْعَل الْكفَّار فِي الْآخِرَة بالثواب {كَالَّذِين آمَنُواْ} عَليّ وصاحبيه {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {سَوَآءً} لَيْسُوا بِسَوَاء {مَّحْيَاهُمْ} محيا الْمُؤمنِينَ على الْإِيمَان {وَمَمَاتُهُمْ} على الْإِيمَان ومحيا الْكَافرين على الْكفْر ومماتهم على الْكفْر وَيُقَال محيا الْمُؤمنِينَ وممات الْمُؤمنِينَ سَوَاء بِسَوَاء على الْإِيمَان وَالطَّاعَة ومرضاة الله ومحيا الْكَافرين ومماتهم سَوَاء بِسَوَاء على الْكفْر وَالْمَعْصِيَة وَغَضب الله {سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ} بئس مَا يقضون لأَنْفُسِهِمْ

22

{وَخَلَقَ الله السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِالْحَقِّ} للحق {ولتجزى كُلُّ نَفْسٍ} برة فاجرة {بِمَا كَسَبَتْ} من خير أَو شَرّ {وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} لَا ينقص من حسناتهم وَلَا يُزَاد على سيئاتهم

23

{أَفَرَأَيْتَ} يَا مُحَمَّد {مَنِ اتخذ إلهه هَوَاهُ} من عبد الْآلهَة بهوى نَفسه كلما هويت نَفسه شَيْئا عَبده وَهُوَ النَّضر وَيُقَال هُوَ أَبُو جهل وَيُقَال هُوَ الْحَارِث ابْن قيس {وَأَضَلَّهُ الله} عَن الْإِيمَان {على عِلْمٍ} كَمَا علم الله أَنه من أهل الضَّلَالَة {وَخَتَمَ على سَمْعِهِ} لكَي لَا يسمع الْحق {وَقَلْبِهِ} لكَي لَا يفهم الْحق {وَجَعَلَ على بَصَرِهِ غِشَاوَةً} غطاء لكَي لَا يبصر الْحق {فَمَن يَهْدِيهِ} فَمن يرشده إِلَى دين الله {مِن بَعْدِ الله} من بعد أَن أضلّهُ الله {أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} تتعظون بِالْقُرْآنِ أَن الله وَاحِد لَا شريك لَهُ

24

{وَقَالُواْ} كفار مَكَّة {مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا} فِي الدُّنْيَا {نَمُوتُ وَنَحْيَا} يعنون تَمُوت الْآبَاء وتحيا الْأَبْنَاء {وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ الدَّهْر} يعنون طول اللَّيَالِي وَالْأَيَّام والشهور والساعات {وَمَا لَهُم بذلك} بِمَا يَقُولُونَ {من علم} من حجَّة وَلَا بَيَان {إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ} مَا يَقُولُونَ إِلَّا بِالظَّنِّ

25

{وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ} على أبي جهل وَأَصْحَابه {آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ} بِالْأَمر وَالنَّهْي {مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ} عذرهمْ وجوابهم لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِلَّا أَن قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا} أحى يَا مُحَمَّد آبَاءَنَا حَتَّى نسألهم عَن قَوْلك أَحَق هُوَ أم بَاطِل {إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} إِن كنت من الصَّادِقين أَن نبعث بعد الْمَوْت

26

{قُلِ} يَا مُحَمَّد لأبي جهل وَأَصْحَابه {الله يُحْيِيكُمْ} فِي الْقَبْر {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} فِي الْقَبْر {ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة} وَيُقَال قل الله يميتكم مقدم ومؤخر ثمَّ يجمعكم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة {لاَ رَيْبَ فِيهِ} لَا شكّ فِيهِ {وَلَكِن أَكْثَرَ النَّاس} أهل مَكَّة {لاَ يَعْلَمُونَ} ذَلِك وَلَا يصدقون

27

{وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَات} خَزَائِن السَّمَوَات الْمَطَر {وَالْأَرْض} النَّبَات

{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَة} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ} يغبن {المبطلون} الْمُشْركُونَ بذهاب الدُّنْيَا وَالْآخِرَة

28

{وَترى كُلَّ أُمَّةٍ} كل أهل دين {جَاثِيَةً} جَامِعَة {كُلُّ أمَّةٍ} كل أهل دين {تدعى إِلَى كتابها} إِلَى قِرَاءَة كتابها كتاب الْحَسَنَات والسيئات فَمنهمْ من يعْطى كِتَابه بِيَمِينِهِ وَمِنْهُم من يعْطى كِتَابه بِشمَالِهِ {الْيَوْم تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} وتقولون فِي الدُّنْيَا

29

{هَذَا كِتَابُنَا} يَعْنِي ديوَان الْحفظَة {يَنطِقُ عَلَيْكُم} يشْهد عَلَيْكُم {بِالْحَقِّ} بِالْعَدْلِ {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ} نكتب {مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} وتقولون فِي الدُّنْيَا

30

{فَأَما الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ} فِي جنته {ذَلِك هُوَ الْفَوْز الْمُبين} النجَاة الوافرة فازوا بِالْجنَّةِ وَمَا فِيهَا ونجوا من النَّار وَمَا فِيهَا وهم الَّذين يُعْطون كِتَابهمْ بيمينهم

31

{وَأَمَّا الَّذين كفرُوا} يُقَال لَهُم {أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تتلى} تقْرَأ {عَلَيْكُمْ} فِي الدُّنْيَا بِالْأَمر وَالنَّهْي {فاستكبرتم} فتعظمتم عَن الْإِيمَان بهَا {وَكُنتُمْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ} مُشْرِكين

32

{وَإِذَا قِيلَ} لَهُم فِي الدُّنْيَا {إِنَّ وعْدَ الله} الْبَعْث بعد الْمَوْت {حَقٌّ والساعة} قيام السَّاعَة {لاَ رَيْبَ} لَا شكّ {فِيهَا} كائنة {قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا السَّاعَة} مَا قيام السَّاعَة {إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً} أَن نقُول مَا نقُول إِلَّا بِالظَّنِّ {وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} بِقِيَام السَّاعَة

33

{وَبَدَا لَهُمْ} ظهر لَهُم {سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ} قبح أَعْمَالهم {وَحَاقَ بِهِم} نزل بهم {مَّا كَانُوا بِهِ يستهزؤون} عُقُوبَة استهزائهم بالرسل والكتب

34

{وَقِيلَ} لَهُم {الْيَوْم نَنسَاكُمْ} نترككم فِي النَّار {كَمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} كَمَا تركْتُم الْإِقْرَار بيومكم هَذَا {وَمَأْوَاكُمُ} مستقركم {النَّار وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ} من مانعين من عَذَاب الله

35

{ذَلِكُم} الْعَذَاب {بِأَنَّكُمُ اتخذتم آيَاتِ الله} كتاب الله وَرَسُوله {هُزُواً} سخرية {وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاة الدُّنْيَا} مَا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا عَن طَاعَة الله {فاليوم لاَ يُخْرَجُونَ مِنْهَا} من النَّار {وَلاَ هُمْ يُسْتَعَتَبُونَ} يرجعُونَ إِلَى الدُّنْيَا وهم الَّذين يُعْطون كِتَابهمْ بشمالهم

36

{فَللَّه الْحَمد} الشُّكْر والْمنَّة {رب السَّمَاوَات وَرَبِّ الأَرْض} خَالق السَّمَوَات وخالق الأَرْض {رَبِّ الْعَالمين} رب كل ذِي روح دب على وَجه الأَرْض

37

{وَلَهُ الكبريآء} العظمة وَالسُّلْطَان {فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} على أهل السَّمَوَات وَأهل الأَرْض {وَهُوَ الْعَزِيز} فِي ملكه وسلطانه {الْحَكِيم} فِي أمره وقضائه

وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْأَحْقَاف وهى مَكِّيَّة إِلَّا قَوْله {وَشهد شَاهد من بني إِسْرَائِيل} ألخ الْآيَة وَثَلَاث آيَات فى أَبى بكر وَابْنه عبد الرَّحْمَن من قَوْله {وَوَصينَا الْإِنْسَان بِوَالِديهِ} إِلَى قَوْله فَيَقُول {مَا هَذَا إِلَّا أساطير الْأَوَّلين} فانهن مدنيات آياتها اثْنَتَانِ وَثَلَاثُونَ آيَة وكلماتها سِتّمائَة وَأَرْبع وَأَرْبَعُونَ وحروفها أَلفَانِ وسِتمِائَة حرف {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

الأحقاف

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {حم} يَقُول قضى مَا هُوَ كَائِن أَي بَين وَيُقَال قسم أقسم بِهِ

2

{تَنْزِيل الْكتاب} إِن هَذَا الْكتاب تكليم {من الله الْعَزِيز} بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ {الْحَكِيم} فِي أمره وقضائه أَمر أَن لَا يعبد غَيره

3

{مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنَهُمَآ} من الْخلق والعجائب {إِلاَّ بِالْحَقِّ} للحق {وَأَجَلٍ مُّسَمًّى} لوقت مَعْلُوم يَنْتَهِي إِلَيْهِ {وَالَّذين كَفَرُواْ} كفار مَكَّة {عَمَّآ أُنذِرُواْ} خوفوا {مُعْرِضُونَ} مكذبون بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن

4

{قل} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {أَرَأَيْتُم مآ تَدْعُونَ} مَا تَعْبدُونَ {مِن دُونِ الله} من الْأَوْثَان {أَرُونِي} أخبروني {مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الأَرْض} مِمَّا فِي الأَرْض {أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَات} عون فِي خلق السَّمَوَات {ائْتُونِي بِكِتَابٍ من قبل هَذَا} من قبل هَذَا الْقُرْآن فِيهِ تَقولُونَ {أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ} أَو رِوَايَة من الْعلمَاء وَيُقَال بَقِيَّة من علم الْأَنْبِيَاء {إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} فِيمَا تَقولُونَ

5

{وَمن أضلّ} عَن الْحق وَالْهدى {مِمَّن يَدْعُو} يعبد {مِن دُونِ الله} وَهُوَ الْكَافِر {مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ} من لَا يجِيبه إِن دَعَاهُ {إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة وَهُمْ} يَعْنِي الْأَصْنَام {عَن دُعَآئِهِمْ} عَن دُعَاء من يعبدهم {غَافِلُونَ} جاهلون

6

{وَإِذَا حُشِرَ النَّاس} يَوْم الْقِيَامَة {كَانُواْ} يَعْنِي الْأَصْنَام {لَهُمْ} لمن يَعْبُدهَا {أَعْدَآءً وَكَانُواْ} يَعْنِي الْأَصْنَام {بِعِبَادَتِهِمْ} بِعبَادة من يعبدهم {كَافِرِينَ} جاحدين

7

{وَإِذَا تتلى} تقْرَأ {عَلَيْهِمْ} على كفار أهل مَكَّة {آيَاتُنَا} الْقُرْآن {بَيِّنَاتٍ} واضحات بِالْأَمر وَالنَّهْي {قَالَ الَّذين كَفَرُواْ} كفار مَكَّة {لِلْحَقِّ} لِلْقُرْآنِ {لما جَاءَهُم} حِين جَاءَهُم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهِ {هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ} كذب بَين

8

{أَمْ يَقُولُونَ} بل يَقُولُونَ {افتراه} اختلق مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقُرْآن من تِلْقَاء نَفسه {قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {إِنِ افتريته} اختلقت الْقُرْآن من تِلْقَاء نَفسِي كَمَا تَقولُونَ {فَلاَ تَمْلِكُونَ لِي} فَلَا تقدرون لي {مِنَ الله} من عَذَاب الله {شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ} تخوضون فِي الْقُرْآن من الْكَذِب {كفى بِهِ} كفي بِاللَّه {شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} بِأَنِّي رَسُول وَهَذَا الْقُرْآن كَلَامه {وَهُوَ الغفور} لمن تَابَ مِنْكُم {الرَّحِيم} لمن مَاتَ على التَّوْبَة

9

{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ الرُّسُل} لست بِأول مُرْسل من الْآدَمِيّين قد كَانَ قبلي رسل {وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ} من الشدَّة والرخاء والعافية وَيُقَال نزلت هَذِه الْآيَة فى شَأْنه أَصْحَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيْثُ قَالُوا لَهُ مَتى يكون خروجنا من مَكَّة ونجاتنا من الْكفَّار فَقَالَ لَهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أَدْرِي مَا يفعل بِي وَلَا بكم أأخرج وتخرجون إِلَى الْهِجْرَة أم لَا {إِنْ أَتَّبِعُ} مَا أعمل {إِلاَّ مَا يُوحى إِلَيَّ} إِلَّا بِمَا أمرت فِي الْقُرْآن {وَمَآ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} رَسُول مخوف بلغَة تعلمونها

10

{قُلْ} يَا مُحَمَّد للْيَهُود {أَرَأَيْتُمْ} يَا معشر الْيَهُود {إِن كَانَ مِنْ عِندِ الله} يَقُول هَذَا الْقُرْآن من عِنْد الله {وَكَفَرْتُمْ بِهِ} بِالْقُرْآنِ يَا معشر الْيَهُود {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بني إِسْرَائِيل}

بنيامين {على مِثْلِهِ} على مثل شَهَادَة عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {فَآمَنَ} عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَاسْتَكْبَرْتُمْ} تعظمتم أَنْتُم يَا معشر الْيَهُود عَن الْإِيمَان بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {إِنَّ الله لاَ يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمين} لَا يرشد إِلَى دين الْيَهُود من لم يكن أَهلا لذَلِك

11

{وَقَالَ الَّذين كَفَرُواْ} أَسد وغَطَفَان وحَنْظَلَة {لِلَّذِينَ آمَنُواْ} لجهينة وَمُزَيْنَة وَأسلم {لَوْ كَانَ خَيْراً} لَو كَانَ مَا يَقُول مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خيرا وَحقا {مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ} جُهَيْنَة وَمُزَيْنَة وَأسلم {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ} لم يُؤمنُوا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن أَسد وغَطَفَان {فسيقولون هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} هَذَا الْقُرْآن كذب قد تقادم

12

{وَمِن قَبْلِهِ} من قبل الْقُرْآن {كِتَابُ مُوسَى} التَّوْرَاة {إِمَاماً} يقْتَدى بِهِ {وَرَحْمَةً} من الْعَذَاب لمن آمن بِهِ فَلم يُؤمنُوا وَلم يقتدوا بِهِ {وَهَذَا كِتَابٌ} هَذَا الْقُرْآن كتاب {مُّصَدِّقٌ} مُوَافق للتوراة بِالتَّوْحِيدِ وَصفَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته {لِّسَاناً عَرَبِيّاً} على مجْرى لُغَة الْعَرَب {لتنذر} لتخوف {الَّذين ظَلَمُواْ} أشركوا {وبشرى لِلْمُحْسِنِينَ} للْمُؤْمِنين بِالْجنَّةِ

13

{إِنَّ الَّذين قَالُواْ رَبُّنَا الله} وحدوا الله {ثُمَّ استقاموا} على أَدَاء فَرَائض الله وَاجْتنَاب مَعَاصيه وَلم يروغوا روغان الثعالب {فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِم} فِيمَا يستقبلهم من الْعَذَاب {وَلَا هم يَحْزَنُونَ} على مَا خلفوا من خَلفهم وَيُقَال فَلَا خوف عَلَيْهِم حِين يخَاف أهل النَّار وَلَا هم يَحْزَنُونَ إِذا حزن غَيرهم

14

{أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجنَّة خَالِدِينَ فِيهَا} مقيمين فِي الْجنَّة لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا {جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} وَيَقُولُونَ فِي الدُّنْيَا

15

{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَان} أمرنَا عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر فِي الْقُرْآن {بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً} برا بهما وَهُوَ أَبُو بكر ابْن أبي قُحَافَة وَزَوجته {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ} فِي بَطنهَا {كُرْهاً} مشقة {وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً} مشقة {وَحَمْلُهُ} فِي بطن أمه {وَفِصَالُهُ} فطامه عَن اللَّبن {ثَلاَثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ} انْتهى ثَمَان عشرَة سنة إِلَى ثَلَاثِينَ سنة {وَبَلَغَ} انْتهى {أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ} أَبُو بكر {رَبِّ أوزعني} ألهمني {أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ} بِالتَّوْحِيدِ {وعَلى وَالِدَيَّ} بِالتَّوْحِيدِ وَقد كَانَ آمن أَبَوَاهُ قبل هَذَا {وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً} خَالِصا {ترضاه} تقبله {وَأصْلح لي فِي ذريتي} وَأكْرم ذريتي بِالتَّوْبَةِ وَالْإِسْلَام وَلم يكن مُسلما ابْنه عبد الرَّحْمَن قبل هَذَا ثمَّ أسلم بعد ذَلِك {إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ} إِنِّي أَقبلت إِلَيْك بِالتَّوْبَةِ {وَإِنِّي مِنَ الْمُسلمين} مَعَ الْمُسلمين على دينهم

16

{أُولَئِكَ الَّذين نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ} بإحسانهم {وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ} وَلَا نعاقبهم بهَا {فِي أَصْحَابِ الْجنَّة} مَعَ أهل الْجنَّة فِي الْجنَّة {وَعْدَ الصدْق} الْجنَّة {الَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ} فى الدُّنْيَا

17

{وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ} وَهُوَ عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر قَالَ لِأَبِيهِ وَأمه قبل أَن يسلم {أُفٍّ لَّكُمَآ} قذراً لَكمَا {أتعدانني} أتحدثانني {أَنْ أُخْرَجَ} من الْقَبْر للبعث {وَقَدْ خَلَتِ} مَضَت {الْقُرُون مِن قَبْلِي} وَلم أرهم بعثوا وَكَانَ لَهُ جدان من أجداده مَاتَا فِي الْجَاهِلِيَّة جدعَان وَعُثْمَان ابْنا عَمْرو عناهما {وَهُمَا} يَعْنِي أَبَوَيْهِ {يستغيثان الله} يدعوان الله {وَيْلَكَ} ضيق الله عَلَيْك دنياك {آمن} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {إِنَّ وَعْدَ الله} بِالْبَعْثِ {حَقٌّ} كَائِن بعد الْمَوْت {فَيَقُول} عبد الرَّحْمَن {مَا هَذَا} الَّذِي يَقُول مُحَمَّد {إِلاَّ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلين} إِلَّا كذب الْأَوَّلين

18

{أُولَئِكَ} أجداد عبد الرَّحْمَن جدعَان وَعُثْمَان {الَّذين حَقَّ عَلَيْهِمُ القَوْل} هم الَّذين وَجب عَلَيْهِم القَوْل بالسخط وَالْعَذَاب {فِي أُمَمٍ} مَعَ أُمَم {قَدْ خَلَتْ} مَضَت {مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ الْجِنّ وَالْإِنْس}

كفار الْجِنّ وَالْإِنْس فِي النَّار {إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ} مغبونين لَا يبعثون إِلَى الدُّنْيَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فَأسلم عبد الرَّحْمَن وَحسن إِسْلَامه

19

{وَلِكُلٍّ} أَي لكل وَاحِد من الْمُؤمنِينَ والكافرين {دَرَجَاتٌ} للْمُؤْمِنين فِي الْجنَّة ودركات للْكَافِرِينَ فِي النَّار {مِّمَّا عَمِلُواْ} بِمَا عمِلُوا فِي الدُّنْيَا {وَلِيُوَفِّيَهُمْ} يوفرهم {أَعْمَالَهُمْ} جَزَاء أَعْمَالهم {وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} لَا ينقص من حسناتهم وَلَا يُزَاد على سيئاتهم

20

{وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذين كَفَرُواْ عَلَى النَّار} قبل دُخُول النَّار فَيُقَال لَهُم {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ} أكلْتُم ثَوَاب حسناتكم {فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ} استنفعتم {بِهَا} بِثَوَاب حسناتكم فِي الدُّنْيَا {فاليوم تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهون} الشَّديد {بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْض} عَن الْإِيمَان {بِغَيْرِ الْحق} بِلَا حق كَانَ لكم {وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ} تكفرون وتعصون فِي الأَرْض فِي الدُّنْيَا

21

{وَاذْكُر} لكفار مَكَّة يَا مُحَمَّد {أَخَا عَادٍ} بني عَاد هوداً {إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ} خوفهم {بالأحقاف} يَقُول بحقوف النَّار أَي سنة النَّار حقباً بعد حقب وَيُقَال بجبل نَحْو الْيمن وَيُقَال نَحْو الشَّام وَيُقَال بجبل الرمل وَيُقَال كَانَ مَكَانا بِالْيمن قَامَ عَلَيْهِ وأنذر قومه {وَقَدْ خَلَتِ النّذر مِن بَيْنِ يَدَيْهِ} وَقد كَانَت الرُّسُل من قبل هود {وَمِنْ خَلْفِهِ} من بعده {أَلاَّ تعبدوا إِلاَّ الله} قَالَ لَهُم هود لَا توحدوا إِلَّا الله {إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ} أعلم أَن يكون عَلَيْكُم {عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} شَدِيد إِن لم تؤمنوا

22

{قَالُوا أَجِئْتَنَا} يَا هود {لِتَأْفِكَنَا} لتصرفنا {عَنْ آلِهَتِنَا} عَن عبَادَة آلِهَتنَا {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ} من الْعَذَاب {إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقين} بنزول الْعَذَاب علينا إِن لم نؤمن

23

{قَالَ} لَهُم هود {إِنَّمَا الْعلم} بنزول الْعَذَاب {عِندَ الله وَأُبَلِّغُكُمْ مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِ} من التَّوْحِيد {وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ} أَمر الله وعذابه

24

{فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً} سحاباً {مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ} أَوديَة ريحهم ومطرهم {قَالُواْ هَذَا عَارِضٌ} سَحَاب {مُّمْطِرُنَا} سيمطر حروثنا قَالَ لَهُم هود {بَلْ هُوَ مَا استعجلتم بِهِ} من الْعَذَاب {رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} وجيع

25

{تُدَمِّرُ} تهْلك {كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} بِإِذن رَبهَا {فَأْصْبَحُواْ} فصاروا بعد الْهَلَاك {لاَ يرى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ} مَنَازِلهمْ {كَذَلِك} هَكَذَا {نَجْزِي الْقَوْم الْمُجْرمين} الْمُشْركين

26

{وَلَقَدْ مَكَّنَاهُمْ} أعطيناهم من المَال وَالْقُوَّة والأعمال {فِيمَا إِن مكناكم فِيهِ} مالم نمكن لكم وَلم نعطكم يَا أهل مَكَّة {وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً} يسمعُونَ بهَا {وَأَبْصَاراً} يبصرون بهَا {وَأَفْئِدَةً} قلوباً يعْقلُونَ بهَا {فَمَآ أغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أَبْصَارُهُمْ وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ} قُلُوبهم {مِّن شَيْءٍ} شَيْئا من عَذَاب الله {إِذْ كَانُواْ يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ الله} يكفرون بهود وبكتاب الله {وَحَاقَ بِهِم} نزل بهم {مَّا كَانُواْ بِهِ يستهزؤون} يهزءون من الْعَذَاب

27

{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِّنَ الْقرى} يَا أهل مَكَّة {وَصَرَّفْنَا الْآيَات} بَينا الْآيَات بِالْأَمر والنهى والهلاك لمن أهلكناهم {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} عَن كفرهم فيتوبوا

28

{فَلَوْلاَ نَصَرَهُمُ} فَهَلا نَصرهم {الَّذين اتَّخذُوا} عبدُوا {مِن دُونِ الله قُرْبَاناً آلِهَةَ} قرباناً تقرباً إِلَى الله مقدم ومؤخر {بَلْ ضَلُّواْ عَنْهُمْ} بَطل عَنْهُم مَا كَانُوا يعْبدُونَ {وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ} كذبهمْ {وَمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} يكذبُون على الله

29

{وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً} وجهنا إِلَيْك جمَاعَة {مِّنَ الْجِنّ} وهم تِسْعَة رَهْط {يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآن} إِلَى قِرَاءَة الْقُرْآن {فَلَمَّا حَضَرُوهُ} أَي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بِبَطن نخل {قَالُوا} قَالَ بَعضهم لبَعض {أَنْصتُوا} حَتَّى تسمعوا كَلَام النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فَلَمَّا قضى} فَلَمَّا فرغ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قِرَاءَته وَصلَاته آمنُوا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَلَّوْاْ إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ} رجعُوا إِلَى قَومهمْ مُؤمنين بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن مخوفين لقومهم

30

{قَالُوا يَا قَومنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً} قِرَاءَة كتاب يعنون الْقُرْآن {أنزل} على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} مُوَافقا بِالتَّوْحِيدِ وَصفَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته لما بَين يَدَيْهِ من التَّوْرَاة وَكَانُوا قد آمنُوا بمُوسَى {يهدي} يرشد {إِلَى الْحق وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ} إِلَى دين حق قَائِم يرضاه وَهُوَ الْإِسْلَام

31

{يَا قَومنَا أجِيبُوا دَاعِي الله} مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالتَّوْحِيدِ {وَآمِنُواْ بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ} يغْفر لكم ربكُم ذنوبكم فِي الْجَاهِلِيَّة {وَيُجِرْكُمْ} ينجكم {مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} وجيع

32

{وَمن لَا يجب دَاعِي الله} مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ} فَلَيْسَ بفائت من عَذَاب الله {فِي الأَرْض وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ} من دون الله {أَوْلِيَآءُ} أقرباء ينفعونه {أُولَئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} فِي كفر بَين

33

{أَوَلَمْ يَرَوْاْ} يعلمُوا كفار مَكَّة {أَنَّ الله الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَلَمْ يَعْيَ} يعجز {بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ على أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى} للبعث {بلَى إِنَّه على كل شَيْء قدير} من الْحَيَاة وَالْمَوْت {قَدِيرٌ}

34

{وَيَوْم يعرض الَّذين كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {على النَّار} قبل أَن يدخلُوا النَّار فَيُقَال لَهُم {أَلَيْسَ هَذَا} الْعَذَاب {بِالْحَقِّ} بِالْعَدْلِ {قَالُواْ بلَى وَرَبِّنَا} إِنَّه الْحق {قَالَ} الله لَهُم {فَذُوقُواْ الْعَذَاب بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ} تجحدون فى الدُّنْيَا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن

35

{فاصبر} يَا مُحَمَّد على أَذَى الْكفَّار {كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ الْعَزْم} ذَوُو الْيَقِين والحزم {مِنَ الرُّسُل} مثل نوح وَإِبْرَاهِيم ومُوسَى وَعِيسَى وَيُقَال ذَوُو الشدَّة وَالصَّبْر مثل نوح وَأَيوب وزَكَرِيا وَيحيى {وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ} بِالْهَلَاكِ {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ} من الْعَذَاب مقدم ومؤخر {لَمْ يَلْبَثُوا} لم يمكثوا فِي الدُّنْيَا {إِلاَّ سَاعَةً} قدر سَاعَة {مِّن نَّهَارٍ بَلاَغٌ} بلغه وَأجل فَإِذا جَاءَ وَقت الْعَذَاب والهلاك {فَهَلْ يُهْلَكُ} بِالْعَذَابِ {إِلاَّ الْقَوْم الْفَاسِقُونَ} الْكَافِرُونَ وهم الَّذين كفرُوا وصدوا عَن سَبِيل الله

وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهى كلهَا مَكِّيَّة نزلت فى الْقِتَال {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

محمد

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {الَّذين كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله} صرفُوا النَّاس عَن دين الله وطاعته وهم المطعمون يَوْم بدر عتبَة وَشَيْبَة ابْنا ربيعَة ومنبه وَنبيه ابْنا الْحجَّاج وَأَبُو البحترى بن هِشَام وَأَبُو جهل بن هِشَام وأصحابهم {أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} أبطل حسناتهم ونفقاتهم يَوْم بدر

2

{وَالَّذين آمَنُواْ} بِاللَّه وَمُحَمّد وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم وهم أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَآمَنُواْ بِمَا نُزِّلَ على مُحَمَّدٍ} بِمَا نزل الله بِهِ جِبْرِيل على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَهُوَ الْحق مِن رَّبِّهِمْ} يَعْنِي الْقُرْآن {كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} ذنوبهم بِالْجِهَادِ {وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} حَالهم وشأنهم ونياتهم وعملهم فِي الدُّنْيَا وَيُقَال أظهر أَمرهم فِي الْإِسْلَام

3

{ذَلِك} ثمَّ بَين الشَّيْء الَّذِي أحبط أَعمال الْكَافرين وَأصْلح أَعمال الْمُؤمنِينَ فَقَالَ ذَلِك الْإِبْطَال {بِأَن الَّذين كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {اتبعُوا الْبَاطِل} يَعْنِي الشّرك بِاللَّه {وَأَنَّ الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {اتبعُوا الْحق مِن رَّبِّهِمْ} يَعْنِي الْقُرْآن {كَذَلِك} هَكَذَا {يَضْرِبُ الله} يبين الله {لِلنَّاسِ} لأمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {أَمْثَالَهُمْ} أَمْثَال من كَانَ قبلهم كَيفَ أهلكهم الله عِنْد تَكْذِيب الرُّسُل ثمَّ حرض الْمُؤمنِينَ على الْقِتَال

4

{فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذين كَفَرُواْ} يَوْم بدر {فَضَرْبَ الرّقاب} فاضربوا أَعْنَاقهم {حَتَّى إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ} قهرتموهم وأسرتموهم {فَشُدُّواْ الوثاق} فاستوثقوا الْأَسير {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ} يَقُول تمن على الْأَسير فترسله بِغَيْر فدَاء {وَإِمَّا فِدَآءً} وَإِمَّا أَن يفادي المأسور نَفسه {حَتَّى تَضَعَ الْحَرْب} الْكفَّار {أَوْزَارَهَا} أسلحتها وَيُقَال حَتَّى يتْرك الْكفَّار {ذَلِك} الْعقُوبَة لمن كفر بِاللَّه {وَلَوْ يَشَآءُ الله لاَنتَصَرَ مِنْهُمْ} لانتقم مِنْهُم من كفار مَكَّة بِالْمَلَائِكَةِ غَيْركُمْ وَيُقَال من غير قتالكم {وَلَكِن ليبلو بَعْضَكُم بِبَعْضٍ} ليختبر الْمُؤمنِينَ بالكافرين والقريب بالقريب {وَالَّذين قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله} فِي طَاعَة الله يَوْم بدر وهم أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ} فَلَنْ يبطل حسناتهم فِي الْجِهَاد

5

{سَيَهْدِيهِمْ} يوفقهم للأعمال الصَّالِحَة {وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ} حَالهم وشأنهم ونياتهم وَيُقَال سيهديهم سينجيهم فِي الْآخِرَة وَيصْلح بالهم يقبل أَعْمَالهم يَوْم الْقِيَامَة

6

{وَيُدْخِلُهُمُ الْجنَّة عَرَّفَهَا لَهُمْ} بَينهَا لَهُم يَهْتَدُونَ إِلَيْهَا كَمَا يَهْتَدُونَ فِي الدُّنْيَا إِلَى مَنَازِلهمْ

7

{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {إِن تَنصُرُواْ الله يَنصُرْكُمْ} إِن تنصرُوا نَبِي الله مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْقِتَالِ مَعَ الْعَدو ينصركم الله بالغلبة على الْعَدو {وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} فِي الْحَرْب لكَي لَا تَزُول

8

{وَالَّذين كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وهم المطعمون يَوْم بدر {فَتَعْساً لَّهُمْ} فنكساً لَهُم وبعداً لَهُم {وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} أبطل حسناتهم ونفقاتهم يَوْم بدر

9

{ذَلِك} الْإِبْطَال {بِأَنَّهُمْ كَرِهُواْ} جَحَدُوا {مَآ أَنزَلَ الله} بِهِ جِبْرِيل على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} فَأبْطل حسناتهم ونفقاتهم يَوْم بدر

10

{أَفَلَمْ يَسِيرُواْ} يسافروا كفار مَكَّة {فِي الأَرْض فينظروا} يتفكروا

{كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ} جَزَاء {الَّذين مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ الله عَلَيْهِمْ} أهلكهم الله {وَلِلْكَافِرِينَ} لكفار مَكَّة {أَمْثَالُهَا} أشباهها من الْعَذَاب

11

{ذَلِك} النُّصْرَة للْمُؤْمِنين {بِأَنَّ الله مَوْلَى} نَاصِر {الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَأَنَّ الْكَافرين} كفار مَكَّة {لاَ مولى لَهُمْ} لَا نَاصِر لَهُم

12

{إِن الله يدْخل الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {جنَّات} بساتين {تجْرِي من تحتهَا} من تَحت شَجَرهَا ومساكنها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {وَالَّذين كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن أَبُو سُفْيَان وَأَصْحَابه {يَتَمَتَّعُونَ} يعيشون فِي الدُّنْيَا {وَيَأْكُلُونَ} بِشَهْوَة أنفسهم بِلَا همة مَا فِي غَد {كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَام وَالنَّار مَثْوىً لَّهُمْ} منزل لَهُم فِي الْآخِرَة

13

{وكأين من قَرْيَة} وَكم من أهل قَرْيَة {هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً} بِالْبدنِ والمنعة {مِّن قَرْيَتِكَ} مَكَّة {الَّتِي أَخْرَجَتْكَ} أخرجك أَهلهَا إِلَى الْمَدِينَة {أَهْلَكْنَاهُمْ} عِنْد التَّكْذِيب {فَلاَ نَاصِرَ لَهُمْ} لم يكن لَهُم مَانع من عَذَاب الله

14

{أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ} على بَيَان وَدين {من ربه} وَهُوَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {كمن زين لَهُ سوء عَمَلِهِ} قبح عمله وَهُوَ أَبُو جهل {وَاتبعُوا أَهْوَاءَهُمْ} بِعبَادة الْأَوْثَان

15

{مَّثَلُ الْجنَّة} صفة الْجنَّة {الَّتِي وُعِدَ المتقون} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش {فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ آسِنٍ} آجن رِيحه وطعمه {وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ} إِلَى الحموضة وزهومة زبده لم يخرج من بطُون اللقَاح {وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ} شَهْوَة للشاربين لم تعصر بالأقدام {وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى} بِلَا شمع لم يخرج من بطُون النَّحْل {وَلَهُمْ} وَلأَهل الْجنَّة {فِيهَا} فِي الْجنَّة {مِن كُلِّ الثمرات} من ألوان الثمرات {وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ} لذنوبهم فِي الدُّنْيَا {كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّار} لَا يَمُوت فِيهَا وَلَا يخرج مِنْهَا وَهُوَ أَبُو جهل {وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً} حاراً {فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ} مباعرهم {وَمِنْهُمْ} من الْمُنَافِقين

16

{مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} إِلَى خطبتك يَوْم الْجُمُعَة {حَتَّى إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ} تفَرقُوا من عنْدك {قَالُواْ} يَعْنِي الْمُنَافِقين {لِلَّذِينَ أُوتُواْ الْعلم} أعْطوا الْعلم يَعْنِي عبد الله بن مَسْعُود {مَاذَا قَالَ} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {آنِفاً} السَّاعَة على الْمِنْبَر استهزاء بِمَا قَالَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {أُولَئِكَ} المُنَافِقُونَ هم {الَّذين طَبَعَ الله} ختم الله {على قُلُوبِهِمْ} فهم لَا يعْقلُونَ الْحق وَالْهدى {وَاتبعُوا أَهْوَآءَهُمْ} بِكفْر السِّرّ والنفاق والخيانة والعداوة مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

17

{وَالَّذين اهتدوا} بِالْإِيمَان {زَادَهُمْ} بخطبتك {هُدىً} بَصِيرَة فِي أَمر الدّين وَتَصْدِيقًا فِي النيات {وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ} ألهمهم تقواهم يَقُول أكْرمهم بترك الْمعاصِي وَاجْتنَاب الْمَحَارِم وَيُقَال وَالَّذين اهتدوا بالناسخ زادهم هدى بالمنسوخ وآتاهم الله تبَارك وَتَعَالَى تقواهم أكْرمهم الله بِاسْتِعْمَال النَّاسِخ وَترك الْمَنْسُوخ

18

{فَهَلْ يَنظُرُونَ} إِذا كَذبُوك كفار مَكَّة {إِلاَّ السَّاعَة} قيام السَّاعَة {أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً} فَجْأَة {فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا} معالمها انْشِقَاق الْقَمَر وَخُرُوج النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْقُرْآنِ من أعلامها أَي معالمها

{فَأنى لَهُمْ} فَمن أَيْن لَهُم {إِذَا جَآءَتْهُمْ} قيام السَّاعَة {ذِكْرَاهُمْ} التَّوْبَة

19

{فَاعْلَم} يَا مُحَمَّد {أَنَّهُ لاَ إِلَه إِلاَّ الله} لَا ضار وَلَا نَافِع وَلَا مَانع وَلَا معطي وَلَا معز وَلَا مذل إِلَّا الله وَيُقَال فَاعْلَم أَنه لَيْسَ شَيْء فَضله كفضل لَا إِلَه إِلَّا الله {واستغفر لِذَنبِكَ} يَا مُحَمَّد من ضرب الْيَهُودِيّ زيد بن السمين {وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات} ولذنوب الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات {وَالله يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ} ذهابكم ومجيئكم وَأَعْمَالكُمْ فِي الدُّنْيَا {وَمَثْوَاكُمْ} مصيركم ومنزلكم فِي الْآخِرَة

20

{وَيَقُول الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وهم المخلصون {لَوْلاَ} هلا {نُزِّلَتْ سُورَةٌ} جِبْرِيل بِسُورَة تمنوا ذَلِك من اشتياقهم إِلَى ذكر الله وطاعته {فَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ} جِبْرِيل بِسُورَة {مُّحْكَمَةٌ} مبينَة بالحلال وَالْحرَام وَالْأَمر وَالنَّهْي {وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَال} أَمر فِيهَا بِالْقِتَالِ {رَأَيْتَ الَّذين فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ} شكّ ونفاق {يَنظُرُونَ إِلَيْكَ} نَحْوك عِنْد ذكرك الْقِتَال {نَظَرَ المغشي عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْت} كمن هُوَ فِي غشيان الْمَوْت من كَرَاهِيَة قِتَالهمْ مَعَ الْعَدو {فَأولى لَهُمْ} وَعِيد لَهُم من عَذَاب الله

21

{طَاعَةٌ} يَقُول هَذَا من الْمُؤمنِينَ طَاعَة لله وَلِرَسُولِهِ {وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ} كَلَام حسن وَيُقَال طَاعَة الْمُنَافِقين لله وَلِرَسُولِهِ وَقَول مَعْرُوف كَلَام حسن لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خير لَهُم من الْمعْصِيَة والمخالفة والكراهية وَيُقَال أطِيعُوا طَاعَة الله وَقُولُوا قولا مَعْرُوفا لمُحَمد {فَإِذَا عَزَمَ الْأَمر} جد الْأَمر وَظهر الْإِسْلَام وَكثر الْمُسلمُونَ {فَلَوْ صَدَقُواْ الله} يَعْنِي الْمُنَافِقين بإيمَانهمْ وجهادهم {لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ} من الْمعْصِيَة

22

{فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ} فلعلكم يَا معشر الْمُنَافِقين تتمنون إِن توليتم أَمر هَذِه الْأمة بعد النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {أَن تُفْسِدُواْ فِي الأَرْض} بِالْقَتْلِ والمعاصي وَالْفساد {وتقطعوا أَرْحَامَكُمْ} بِإِظْهَار الْكفْر

23

{أُولَئِكَ} المُنَافِقُونَ {الَّذين لَعَنَهُمُ الله} هم الَّذين طردهم الله من كل خير {فَأَصَمَّهُمْ} عَن الْحق وَالْهدى {وأعمى أَبْصَارَهُمْ} عَن الْحق وَالْهدى

24

{أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآن} أَفلا يتفكرون بِالْقُرْآنِ مَا نزل فيهم {أَمْ على قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ} أم على قُلُوب الْمُنَافِقين أقفالاً لَا يعْقلُونَ مَا نزل فيهم

25

{إِنَّ الَّذين ارْتَدُّوا على أَدْبَارِهِمْ} رجعُوا إِلَى دين آبَائِهِم وهم الْيَهُود {مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهدى} التَّوْحِيد وَالْقُرْآن وَصفَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته فِي الْقُرْآن {الشَّيْطَان سَوَّلَ لَهُمْ} زين لَهُم الرُّجُوع إِلَى دينهم {وأملى لَهُمْ} الله أمهلهم إِذْ لم يُهْلِكهُمْ

26

{ذَلِك} الارتداد {بِأَنَّهُمْ قَالُواْ} يَعْنِي الْيَهُود {لِلَّذِينَ كَرِهُواْ} وهم المُنَافِقُونَ جَحَدُوا فِي السِّرّ {مَا نزل الله} بِهِ جِبْرِيل على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {سَنُطِيعُكُمْ} سنعينكم يَا معشر الْمُنَافِقين {فِي بَعْضِ الْأَمر} أَمر مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِلَا إِلَه إِلَّا الله إِن كَانَ لَهُ ظُهُور علينا {وَالله يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ} إسرار الْيَهُود مَعَ الْمُنَافِقين

27

{فَكَيْفَ} يصنعون {إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَة} قبضتهم الْمَلَائِكَة يَعْنِي الْيَهُود {يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ} بمقامع من حَدِيد {وأدبارهم} ظُهُورهمْ

28

{ذَلِك} الضَّرْب والعقوبة {بِأَنَّهُمُ اتبعُوا مَآ أَسْخَطَ الله} من الْيَهُودِيَّة {وَكَرِهُواْ رِضْوَانَهُ} جَحَدُوا توحيده {فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} فَأبْطل حسناتهم فِي الْيَهُودِيَّة وَيُقَال نزل من قَوْله {إِنَّ الَّذين ارْتَدُّوا على أدبارهم} إِلَى هَهُنَا فِي شَأْن الْمُنَافِقين الَّذين رجعُوا من الْمَدِينَة إِلَى مَكَّة مرتدين عَن دينهم وَيُقَال نزل فِي شَأْن الحكم بن أبي الْعَاصِ الْمُنَافِق وَأَصْحَابه الَّذين شاوروا فِيمَا بَينهم يَوْم الْجُمُعَة فى أَمر الْخلَافَة بعد النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن ولينا أَمر هَذِه الْأمة نَفْعل كَذَا وَكَذَا كَانُوا يشاورون فِي هَذَا وَالنَّبِيّ يخْطب وَلَا يَسْتَمِعُون إِلَى خطبَته حَتَّى قَالُوا بعد ذَلِك لعبد الله بن مَسْعُود مَاذَا قَالَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْآن على الْمِنْبَر استهزاء مِنْهُم

29

{أَمْ حَسِبَ} أيظن {الَّذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} شكّ ونفاق {أَن لَّن يُخْرِجَ الله أَضْغَانَهُمْ} أَن لن يظْهر الله عداوتهم وبغضهم لله

وَلِرَسُولِهِ وَيُقَال نفاقهم للْمُؤْمِنين وعداوتهم وبغضهم

30

{وَلَوْ نَشَآءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ} يَا مُحَمَّد بالعلامة القبيحة {فَلَعَرَفْتَهُم} فلتعرفنهم {بِسِيمَاهُمْ} بعلامتهم القبيحة بعد ذَلِك {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ} وَلَكِن تعرفنهم يَا مُحَمَّد {فِي لَحْنِ القَوْل} فِي محاورة الْكَلَام وَهِي معذرة الْمُنَافِقين {وَالله يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ} أسراركم وعداوتكم وبغضكم لله وَلِرَسُولِهِ

31

{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ} وَالله لنختبرنكم بِالْقِتَالِ {حَتَّى نَعْلَمَ} حَتَّى نميز {الْمُجَاهدين} فِي سَبِيل الله {مِنكُمْ} يَا معشر الْمُنَافِقين {وَالصَّابِرِينَ} ونميز الصابرين فِي الْحَرْب مِنْكُم {ونبلو أَخْبَارَكُمْ} نظهر أسراركم وبغضكم وعداوتكم ومخالفتكم لله وَلِرَسُولِهِ وَيُقَال نفاقكم

32

{إِن الَّذين كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله} صرفُوا النَّاس عَن دين الله وطاعته {وَشَآقُّواْ الرَّسُول} خالفوا الرَّسُول فِي الدّين {مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهدى} التَّوْحِيد {لَن يَضُرُّواْ الله شَيْئاً} لن ينقصوا الله بمخالفتهم وعداوتهم وكفرهم وصدهم عَن سَبِيل الله شَيْئا {وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ} يبطل حسناتهم ونفقاتهم يَوْم بدر وهم المطعمون يَوْم بدر

33

{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} بالعلانية {أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُول} فِي السِّرّ {وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} حسناتكم بالنفاق والبغض والعداوة وَمُخَالفَة الرَّسُول وَيُقَال نزلت هَذِه الْآيَة فى المخلصين يَقُول يأيها الَّذين آمنُوا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن أَطِيعُواْ اللَّهَ فِيمَا أَمركُم من الْفَرَائِض وَالصَّدَََقَة وَأَطِيعُواْ الرَّسُول فِيمَا أَمركُم من السّنة والغزو وَالْجهَاد وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ بالرياء والسمعة

34

{إِن الَّذين كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وهم المطعمون يَوْم بدر {وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله} صرفُوا النَّاس عَن دين الله وطاعته {ثُمَّ مَاتُواْ} أَو قتلوا {وَهُمْ كُفَّارٌ} بِاللَّه وبرسوله {فَلَن يَغْفِرَ الله لَهُمْ} لأَنهم كفار بِاللَّه وبرسوله

35

{فَلاَ تَهِنُواْ} فَلَا تضعفوا يَا معشر الْمُؤمنِينَ بِالْقِتَالِ مَعَ الْعَدو {وَتَدعُوا إِلَى السّلم} إِلَى الصُّلْح وَيُقَال إِلَى الْإِسْلَام قبل الْقِتَال {وَأَنتُمُ الأعلون} الغالبون وَآخر الْأَمر لكم {وَالله مَعَكُمْ} معينكم بالنصر على عَدوكُمْ {وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} وَلنْ ينقص أَعمالكُم فِي الْجِهَاد

36

{إِنَّمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا} مَا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا {لَعِبٌ} بَاطِل {وَلَهْوٌ} فَرح لَا يبْقى {وَإِن تُؤْمِنُواْ} تستقيموا على إيمَانكُمْ بِاللَّه وَرَسُوله {وَتَتَّقُواْ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش {يُؤْتِكُمْ} يعطكم {أُجُورَكُمْ} ثَوَاب أَعمالكُم {وَلَا يسألكم أَمْوَالكُم} كلهَا فى الصَّدَقَة

37

{إِن يسألكموها} كلهَا فِي الصَّدَقَة {فَيُحْفِكُمْ} يجهدكم {تَبْخَلُواْ} بِالصَّدَقَةِ فِي طَاعَة الله {وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ} يظْهر بخلكم

38

{هَا أَنْتُم هَؤُلَاءِ} أَنْتُم يَا هَؤُلَاءِ {تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ الله} فِي طَاعَة الله {فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ} بِالصَّدَقَةِ عَن طَاعَة الله {وَمَن يَبْخَلْ} بِالصَّدَقَةِ عَن طَاعَة الله {فَإِنَّمَا يَبْخَلُ} بالثواب والكرامة {عَن نَّفْسِهِ وَالله الْغَنِيّ} هُوَ الْغَنِيّ عَن أَمْوَالكُم وصدقاتكم {وَأَنتُمُ الفقرآء} إِلَى رَحْمَة الله وجنته ومغفرته {وَإِن تَتَوَلَّوْاْ} عَن طَاعَة الله وَطَاعَة رَسُوله وَعَما أَمركُم من الصَّدَقَة {يسْتَبْدل قوما غَيْركُمْ} يهلككم وَيَأْتِ بِآخَرين خير مِنْكُم وأطوع {ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُم} بالمعصية وَالطَّاعَة وَلَكِن يَكُونُوا خيرا لَهُ مِنْكُم وأطوع لله وَيُقَال نزل من قَوْله يأيها الَّذين آمنُوا إِلَى هَهُنَا فِي شَأْن الْمُنَافِقين أَسد وغَطَفَان فبدل الله بهم جُهَيْنَة وَمُزَيْنَة خيرا مِنْهُم وأطوع لله وَذَلِكَ إِنَّا فتحنا لَك

وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْفَتْح وهى كلهَا مَدَنِيَّة آياتها تسع وَعِشْرُونَ آيَة وكلمها خَمْسمِائَة وَسِتُّونَ كلمة وحروفها أَلفَانِ وَأَرْبَعمِائَة {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

الفتح

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً} بِغَيْر قتال وَصلح الْحُدَيْبِيَة مِنْهُ غير أَن كَانَ بَينهم رمي بِالْحِجَارَةِ وَيُقَال إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا يَقُول قضينا لَك قَضَاء بَينا يَقُول أكرمناك بِالْإِسْلَامِ والنبوة وأمرناك أَن تَدْعُو الْخلق إِلَيْهِمَا

2

{لِّيَغْفِرَ لَكَ الله} لكَي يغْفر الله لَك {مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ} مَا سلف من ذنوبك قبل الْوَحْي {وَمَا تَأَخَّرَ} وَمَا يكون بعد الْوَحْي إِلَى الْمَوْت {وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ} منته {عَلَيْكَ} بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام وَالْمَغْفِرَة {وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً} يثبتك على طَرِيق قَائِم يرضاه وَهُوَ الْإِسْلَام

3

{وَيَنصُرَكَ الله} على عَدوك {نَصْراً عَزِيزاً} منيعاً بِلَا ذل

4

{هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السكينَة} الطُّمَأْنِينَة {فِي قُلُوبِ الْمُؤمنِينَ} المخلصين يَوْم الْحُدَيْبِيَة {ليزدادوا إِيمَاناً} يَقِينا وَتَصْدِيقًا وعلماً {مَّعَ إِيمَانِهِمْ} بِاللَّه وَرَسُوله وَهُوَ تَكْرِير الْإِيمَان مَعَ إِيمَانهم بِاللَّه وَرَسُوله {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَات} الْمَلَائِكَة {وَالْأَرْض} الْمُؤْمِنُونَ يُسَلط على من يَشَاء من أعدائه {وَكَانَ الله عَلِيماً} بِمَا صنع بك من الْفَتْح وَالْمَغْفِرَة وَالْهدى والنصرة وإنزال السكينَة فِي قُلُوب الْمُؤمنِينَ {حَكِيماً} فِيمَا صنع بك

5

فَقَالَ الْمُؤْمِنُونَ المخلصون حِين سمعُوا بكرامة الله لنَبيه هَنِيئًا لَك يَا رَسُول الله بِمَا أَعْطَاك الله من الْفَتْح وَالْمَغْفِرَة والكرامة فَمَا لنا عِنْد الله فَأنْزل الله {لِّيُدْخِلَ الْمُؤمنِينَ} المخلصين من الرِّجَال {وَالْمُؤْمِنَات} المخلصات من النِّسَاء {جنَّات} بساتين {تجْرِي من تحتهَا} من تَحت شَجَرهَا ومساكنها وغرفها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {خَالِدين فِيهَا} مقيمين فِي الْجنَّة لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا {وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} ذنوبهم فِي الدُّنْيَا {وَكَانَ ذَلِك} الَّذِي ذكرت للْمُؤْمِنين {عِندَ الله فَوْزاً عَظِيماً} نجاة وافرة فازوا بِالْجنَّةِ وَمَا فِيهَا ونجوا من النَّار وَمَا فِيهَا فجَاء عبد الله ابْن أَبى بن سلول حِين سمع بكرامة الله للْمُؤْمِنين فَقَالَ يَا رَسُول الله وَالله مَا نَحن إِلَّا كَهَيْئَتِهِمْ فَمَا لنا عِنْد الله فَأنْزل فيهم

6

{وَيُعَذِّبَ} ليعذب {الْمُنَافِقين} من الرِّجَال بإيمَانهمْ {والمنافقات} من النِّسَاء {وَالْمُشْرِكين} بِاللَّه من الرِّجَال بإيمَانهمْ {والمشركات} من النِّسَاء أَيْضا ثمَّ ذكر أَيْضا الْمُنَافِقين فَقَالَ {الظآنين بِاللَّه ظَنَّ السوء} أَن لَا ينصر الله نبيه {عَلَيْهِمْ} على الْمُنَافِقين {دَآئِرَةُ السوء} منقلبة السوء وعاقبة السوء {وَغَضِبَ الله} سخط الله {عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ} طردهم من كل خير {وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ} فِي الْآخِرَة {وَسَآءَتْ مَصِيراً} بئس الْمصير صَارُوا إِلَيْهِ فِي الْآخِرَة

7

{وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَات} الْمَلَائِكَة {وَالْأَرْض} الْمُؤْمِنُونَ ينصر بهم من يَشَاء {وَكَانَ الله عَزِيزاً} بنقمة الْكَافرين وَالْمُنَافِقِينَ {حَكِيماً} بكرامة الْمُؤمنِينَ المخلصين بإيمَانهمْ وَيُقَال عَزِيزًا فِي ملكه وسلطانه حكيماً فِي أمره وقضائه وَفِيمَا نصر نبيه على أعدائه

8

{إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ} يَا مُحَمَّد {شَاهِداً} على أمتك بالبلاغ {وَمُبَشِّراً} بِالْجنَّةِ للْمُؤْمِنين {وَنَذِيراً} من النَّار للْكَافِرِينَ

9

{لِّتُؤْمِنُواْ بِاللَّه} لكَي تؤمنوا بِاللَّه {وَرَسُولِهِ} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وتعزروه} تنصروه

بِالسَّيْفِ على عدوه {وَتُوَقِّرُوهُ} تعظموه {وَتُسَبِّحُوهُ} تصلوا لله {بُكْرَةً وَأَصِيلاً} غدْوَة وَعَشِيَّة

10

ثمَّ ذكر بيعَة الرضْوَان يَوْم الْحُدَيْبِيَة تَحت الشَّجَرَة وَهِي شَجَرَة السمرَة بِالْحُدَيْبِية وَكَانُوا نَحْو ألف وَخَمْسمِائة رجل بَايعُوا نَبِي الله على النصح والنصرة وَأَن لَا يَفروا فَقَالَ {إِنَّ الَّذين يُبَايِعُونَكَ} يَوْم الْحُدَيْبِيَة {إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله} كَأَنَّهُمْ يبايعون الله {يَدُ الله} بالثواب والنصرة {فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} بِالصّدقِ وَالْوَفَاء والتمام {فَمَن نَّكَثَ} نقض بيعَته {فَإِنَّمَا يَنكُثُ} ينْقض {على نَفْسِهِ} عُقُوبَة ذَلِك {وَمَنْ أوفى} وفى {بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ الله} بعهده بِاللَّه بِالصّدقِ وَالْوَفَاء {فَسَيُؤْتِيهِ} يُعْطِيهِ {أَجْراً عَظِيماً} ثَوابًا وافراً فِي الْجنَّة فَلم ينقص مِنْهُم أحد لأَنهم كَانُوا كلهم مُخلصين وماتوا على بيعَة الرضْوَان غير رجل مِنْهُم يُقَال لَهُ جد بن قيس وَكَانَ منافقاً اخْتَبَأَ يومئذٍ تَحت إبط بعيره وَلم يدْخل فِي بيعتهم فأماته الله على نفَاقه

11

{سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلفُونَ} من غَزْوَة الْحُدَيْبِيَة {مِنَ الْأَعْرَاب} من بني غفار وَأسلم وَأَشْجَع وديل وَقوم من مزينة وجهينة {شَغَلَتْنَآ أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا} عَن الْخُرُوج مَعَك إِلَى الْحُدَيْبِيَة خفنا عَلَيْهِم الضَّيْعَة فَمن ذَلِك تخلفنا عَنْك {فَاسْتَغْفر لَنَا} يَا رَسُول الله بتخلفنا عَنْك إِلَى غَزْوَة الْحُدَيْبِيَة {يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ} يسْأَلُون بألسنتهم الْمَغْفِرَة {مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} حَاجَة لذَلِك استغفرت لَهُم أم لم تستغفر لَهُم {قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مِّنَ الله} فَمن يقدر لكم من عَذَاب الله {شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً} قتلا وهزيمة {أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً} نصرا وغنيمة وعافية {بَلْ كَانَ الله بِمَا تَعْمَلُونَ} بتخلفكم عَن غَزْوَة الْحُدَيْبِيَة {خَبِيرا}

12

{بَلْ ظَنَنْتُمْ} يَا معشر الْمُنَافِقين {أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُول} أَن لَا يرجع من الْحُدَيْبِيَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {والمؤمنون إِلَى أَهْلِيهِمْ} إِلَى الْمَدِينَة {أَبَداً وَزُيِّنَ ذَلِك} اسْتَقر ذَلِك الظَّن {فِي قُلُوبِكُمْ} فَمن ذَلِك تخلفتم {وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السوء} أَن لَا ينصر الله نبيه {وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً} هلكى فَاسِدَة الْقُلُوب قاسية الْقُلُوب

13

{وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِاللَّه وَرَسُولِهِ} يَقُول وَمن لم يصدق بإيمانه بِاللَّه وَرَسُوله {فَإِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ} فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة {سَعِيراً} نَارا وقوداً

14

{وَللَّه مُلْكُ السَّمَاوَات وَالْأَرْض} خَزَائِن السَّمَوَات الْمَطَر وَالْأَرْض النَّبَات {يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ} من الْمُؤمنِينَ على الذَّنب الْعَظِيم وَهُوَ فضل مِنْهُ {وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ} على الذَّنب الصَّغِير وَهُوَ عدل مِنْهُ وَيُقَال يغْفر لمن يَشَاء يكرم من يَشَاء بِالْإِيمَان وَالتَّوْبَة فيغفره ويعذب من يَشَاء يُمِيت من يَشَاء على الْكفْر والنفاق فيعذبه وَيُقَال يغْفر لمن يَشَاء من كَانَ أَهلا لذَلِك ويعذب من يشآء من كَانَ أَهلا لذَلِك {وَكَانَ الله غَفُوراً} لمن تَابَ من الصَّغَائِر والكبائر {رَّحِيماً} لمن مَاتَ على التَّوْبَة

15

{سَيَقُولُ الْمُخَلفُونَ} عَن غَزْوَة الْحُدَيْبِيَة يَعْنِي بني غفار وَأسلم وَأَشْجَع وقوماً من مزينة وجهينة {إِذَا انطلقتم إِلَى مَغَانِمَ} مَغَانِم خَيْبَر {لِتَأْخُذُوهَا} لتغتنموها {ذَرُونَا} اتركونا {نَتَّبِعْكُمْ} إِلَى خَيْبَر {يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ} يُغيرُوا {كَلاَمَ الله} لنَبيه حِين قَالَ لَهُ لَا تَأذن لَهُم بِالْخرُوجِ إِلَى غَزْوَة أُخْرَى بعد تخلفهم عَن غَزْوَة الْحُدَيْبِيَة {قُل} لَهُم لبني عَامر وديل وَأَشْجَع وَقوم من مزينة وجهينة {لَّن تَتَّبِعُونَا} إِلَى غَزْوَة خَيْبَر إِلَّا مطوعين لَيْسَ لكم من الْغَنِيمَة شَيْء {كذلكم} كَمَا قُلْنَا لكم {قَالَ الله مِن قَبْلُ} هَذَا هُوَ مَا ذكرنَا فِي سُورَة التَّوْبَة {فَقل لن تخْرجُوا معي أبدا} إِلَى آخر الْآيَة أَي لَا تَأذن لَهُم بِالْخرُوجِ إِلَى غَزْوَة أُخْرَى فَقَالُوا للْمُؤْمِنين لم يَأْمُركُمْ الله بذلك وَلَكِن تحسدوننا على الْغَنِيمَة فَأنْزل الله فِي قَوْلهم {فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا} على الْغَنِيمَة {بَلْ كَانُواْ لاَ يَفْقَهُونَ} أَمر الله {إِلاَّ قَلِيلاً} لَا قَلِيلا وَلَا كثيرا

16

{قُل} يَا مُحَمَّد {لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَاب}

ديل وَأَشْجَع وَقوم من مزينة وجهينة {سَتُدْعَوْنَ} بعد النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِلَى قَوْمٍ} إِلَى قتال قوم {أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} ذَوي قتال شَدِيد أهل الْيَمَامَة بني حنيفَة قوم مُسَيْلمَة الْكذَّاب {تُقَاتِلُونَهُمْ} على الدّين {أَوْ يُسْلِمُونَ} حَتَّى يسلمُوا {فَإِن تُطِيعُواْ} تجيبوا وتوافقوا على الْقِتَال وتخلصوا بِالتَّوْحِيدِ {يُؤْتِكُمُ الله أَجْراً} يعظكم الله ثَوابًا {حَسَناً} فِي الْجنَّة {وَإِن تَتَوَلَّوْاْ} عَن التَّوْحِيد وَالتَّوْبَة وَالْإِخْلَاص والإجابة إِلَى قتال مُسَيْلمَة الْكذَّاب {كَمَا تَوَلَّيْتُم} عَن غَزْوَة الْحُدَيْبِيَة {مِّن قَبْلُ} من قبل هَذَا {يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً} وجيعاً

17

ثمَّ جَاءَ أهل الزمانة إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا يَا رَسُول الله قد أوعد الله بِعَذَاب أَلِيم لمن يتَخَلَّف عَن الْغَزْوَة فَكيف لنا وَنحن لَا نقدر على الْخُرُوج إِلَى الْغَزْو فَأنْزل الله فيهم {لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ} مأثم أَن لَا يخرج إِلَى الْغَزْو {وَلاَ عَلَى الْأَعْرَج حَرَجٌ} مأثم أَن لَا يخرج إِلَى الْغَزْو {وَلاَ عَلَى الْمَرِيض حَرَجٌ} مأثم أَن لَا يخرج إِلَى الْغَزْو {وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ} فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة والإجابة والموافاة إِلَى قتال الْعَدو {يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ} بساتين {تَجْرِي} تطرد {من تحتهَا} من تَحت شَجَرهَا ومساكنها وغرفها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {وَمَن يَتَوَلَّ} عَن طَاعَة الله وَرَسُوله والإجابة {يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً} وجيعاً

18

ثمَّ ذكر رضوانه على من بَايع من أهل بيعَة الرضْوَان فَقَالَ {لَّقَدْ رَضِيَ الله عَنِ الْمُؤمنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَة} يَوْم الْحُدَيْبِيَة شَجَرَة السمرَة وَكَانُوا نَحْو ألف وَخَمْسمِائة رجل بَايعُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْفَتْح والنصرة وَأَن لَا يَفروا من الْمَوْت {فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} من الصدْق وَالْوَفَاء {فَأنزَلَ} الله تَعَالَى {السكينَة} الطُّمَأْنِينَة {عَلَيْهِمْ} وأذهب عَنْهُم الحمية {وَأَثَابَهُمْ} أَي أَعْطَاهُم بعد ذَلِك {فَتْحاً قَرِيباً} يَعْنِي فتح خَيْبَر سَرِيعا على أثر ذَلِك

19

{ومغانم كَثِيرَة يأخذونها} يغنمونها يَعْنِي غنيمَة خَيْبَر {وَكَان الله عَزِيزاً} بنقمة أعدائه {حكيما} بالنصرة وَالْفَتْح وَالْغنيمَة للنبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه

20

{وَعَدَكُمُ الله مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا} تغتنمونها وَهِي غنيمَة فَارس لم تكن فستكون (فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِه) يَعْنِي غنيمَة خَيْبَر {وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاس عَنْكُمْ} بِالْقِتَالِ يَعْنِي أسداً وغَطَفَان وَكَانُوا حلفاء لأهل خَيْبَر {وَلِتَكُونَ آيَةً} عِبْرَة وعلامة {لِّلْمُؤْمِنِينَ} يَعْنِي فتح خَيْبَر لِأَن الْمُؤمنِينَ كَانُوا ثَمَانِيَة آلَاف وَأهل خَيْبَر كَانُوا سبعين ألفا {وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً} يثبتكم على دين قَائِم يرضاه

21

{وَأُخْرَى} غنيمَة أُخْرَى {لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا} بعد {قَدْ أَحَاطَ الله بِهَا} قد علم الله أَنَّهَا سَتَكُون وَهِي غنيمَة فَارس {وَكَانَ الله على كُلِّ شَيْءٍ} من الْفَتْح والنصرة وَالْغنيمَة {قَدِيرًا}

22

{وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذين كفَرُواْ} أسداً وغَطَفَان مَعَ أهل خَيْبَر {لَوَلَّوُاْ الأدبار} منهزمين {ثُمَّ لاَ يَجِدُونَ وَلِيّاً} عَن قتلكم {وَلاَ نَصِيراً} مَانِعا مَا يُرَاد بهم من الْقَتْل والهزيمة

23

{سُنَّةَ الله} هَكَذَا سيرة الله {الَّتِي قَدْ خَلَتْ} مَضَت {مِن قَبْلُ} فِي الْأُمَم الخالية بِالْقَتْلِ وَالْعَذَاب حِين خَرجُوا على الْأَنْبِيَاء {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله} لعذاب الله بِالْقَتْلِ {تَبْدِيلاً} تحويلا

24

{وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ} أَيدي أهل مَكَّة {عَنكُمْ} عَن قتالكم {وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم} عَن قِتَالهمْ {بِبَطْنِ مَكَّةَ} فِي وسط مَكَّة غير أَن كَانَ بَينهم رمي بِالْحِجَارَةِ {مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُم عَلَيْهِم} حَيْثُ هَزَمَهُمْ أَصْحَاب النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْحِجَارَةِ حَتَّى دخلُوا مَكَّة {وَكَانَ الله بِمَا تَعْمَلُونَ} من رمي الْحِجَارَة وَغَيره {بَصِيراً}

25

{هم الَّذين كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن يَعْنِي اهل مَكَّة {وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِد الْحَرَام} وصرفوكم عَن الْمَسْجِد الْحَرَام عَام الْحُدَيْبِيَة {وَالْهَدْي مَعْكُوفاً} مَحْبُوسًا {أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ}

منحره يَقُول لم يتْركُوا أَن تبلغوه منحره {وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ} الْوَلِيد وَسَلَمَة بن هِشَام وَعَيَّاش بن ربيعَة وَأَبُو جندل بن سُهَيْل بن عَمْرو {وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ} بِمَكَّة {لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تطؤوهم} أَن تَقْتُلُوهُمْ {فَتُصِيبَكمْ مِّنْهُمْ} من قَتلهمْ {مَّعَرَّةٌ} دِيَة وإثم لَوْلَا ذَلِك لسلطكم عَلَيْهِم بِالْقَتْلِ {بِغَيْرِ عِلْمٍ} من غير أَن تعلمُوا أَنهم مُؤمنُونَ {لِّيُدْخِلَ الله فِي رَحْمَتِهِ} لكَي يكرم الله بِدِينِهِ {مَن يَشَآءُ} من كَانَ أَهلا لذَلِك مِنْهُم {لَوْ تَزَيَّلُواْ} لَو خرج هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنُونَ من بَين أظهرهم فَتَفَرَّقُوا من عِنْدهم {لَعَذَّبْنَا الَّذين كَفَرُواْ} كفار مَكَّة {مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيمًا} بسيوفكم

26

{إِذْ جَعَلَ} أَخذ {الَّذين كَفَرُواْ} كفار مَكَّة {فِي قُلُوبِهِمُ الحمية حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّة} بمنعهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه عَن الْبَيْت {فَأَنزَلَ الله سَكِينَتَهُ} طمأنينته {على رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤمنِينَ} وأذهب عَنْهُم الحمية {وَأَلْزَمَهُمْ} ألهمهم {كَلِمَةَ التَّقْوَى} لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله {وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا} بِلَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله فِي علم الله {وَأَهْلَهَا} وَكَانُوا أَهلهَا فِي الدُّنْيَا {وَكَانَ الله بِكُلِّ شَيْءٍ} من الْكَرَامَة للْمُؤْمِنين {عليما}

27

{لَّقَدْ صَدَقَ الله رَسُولَهُ} حقق الله لرَسُوله {الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ} بِالصّدقِ حَيْثُ قَالَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأَصْحَابه {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِد الْحَرَام إِن شَآءَ الله آمِنين} من الْعَدو {مُحَلِّقِينَ رؤوسكم وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ} من الْعَدو فوفى الله على مَا قَالَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأَصْحَابه {فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ} فَعلم الله أَن يكون إِلَى السّنة الْقَابِلَة وَلم تعلمُوا أَنْتُم ذَلِك {فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِك} من قبل ذَلِك {فَتْحاً قَرِيباً} سَرِيعا يَعْنِي فتح خَيْبَر

28

{هُوَ الَّذِي أرسل رَسُوله} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {بِالْهدى} بِالتَّوْحِيدِ وَيُقَال بِالْقُرْآنِ {وَدِينِ الْحق} شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله {لِيُظْهِرَهُ} ليعليه {عَلَى الدّين كُلِّهِ} على الْأَدْيَان كلهَا فَلَا تقوم السَّاعَة حَتَّى لَا يبْقى إِلَّا مُسلم أَو مسالم {وَكفى بِاللَّه شَهِيداً} بِأَن لَا إِلَه إِلَّا الله

29

{مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ الله} من غير شَهَادَة سُهَيْل بن عَمْرو {وَالَّذين مَعَهُ} يَعْنِي أَبَا بكر أول من آمن بِهِ وَقَامَ مَعَه يَدْعُو الْكفَّار إِلَى دين الله {أَشِدَّآءُ عَلَى الْكفَّار} بالغلظة وَهُوَ عمر كَانَ شَدِيدا على أَعدَاء الله قَوِيا فِي دين الله ناصراً لرَسُول الله {رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ} متوادون فِيمَا بَينهم بارون وَهُوَ عُثْمَان بن عَفَّان كَانَ باراً على الْمُسلمين بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهِم رحِيما بهم {تَرَاهُمْ رُكَّعاً} فِي الصَّلَاة {سُجَّداً} فِيهَا وَهُوَ عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه كَانَ كثير الرُّكُوع وَالسُّجُود {يَبْتَغُونَ} يطْلبُونَ {فَضْلاً} ثَوابًا {مِّنَ الله وَرِضْوَاناً} مرضاة رَبهم بِالْجِهَادِ وهم طَلْحَة وَالزُّبَيْر كَانَا غليظين على أَعدَاء الله شديدين عَلَيْهِم {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ} عَلامَة السهر فِي وُجُوههم {مِّنْ أَثَرِ السُّجُود} من كَثْرَة السُّجُود بِاللَّيْلِ وهم سلمَان وبلال وصهيب وأصحابهم {ذَلِك مَثَلُهُمْ} هَكَذَا صفتهمْ {فِي التَّوْرَاة وَمَثَلُهُمْ} صفتهمْ {فِي الْإِنْجِيل كزرع} وَهُوَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {أَخْرَجَ} أَي الله {شَطْأَهُ} فِرَاخه وَهُوَ أَبُو بكر أول من آمن بِهِ وَخرج مَعَه على أَعدَاء الله {فَآزَرَهُ} فأعانه وَهُوَ عمر أعَان النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِسَيْفِهِ على أَعدَاء الله {فاستغلظ} فتقوى بِمَال عُثْمَان على الْغَزْو وَالْجهَاد فِي سَبِيل الله {فَاسْتَوَى على سُوقِهِ} فَقَامَ على إِظْهَار أمره فِي قُرَيْش بعلي بن أبي طَالب {يُعْجِبُ الزراع} أعجب النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بطلحة وَالزُّبَيْر {لِيَغِيظَ بِهِمُ} بطلحة وَالزُّبَيْر {الْكفَّار} وَيُقَال نزلت من قَوْله وَالَّذين مَعَهُ إِلَى هَهُنَا فِي مِدْحَة أهل بيعَة الرضْوَان وَجُمْلَة أَصْحَاب النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المخلصين المطيعين لله {وَعَدَ الله الَّذين آمَنُواْ} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {مِنْهُم مَّغْفِرَةً} أَي لَهُم مغْفرَة لذنوبهم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة {وَأَجْراً عَظِيماً} ثَوابًا وافراً فى الْجنَّة

وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الحجرات وهى كلهَا مَدَنِيَّة آياتها ثَمَان عشرَة آيَة وكلماتها ثلثمِائة وَثَلَاث وَأَرْبَعُونَ وحروفها ألف وَأَرْبَعمِائَة وَسِتَّة وَسَبْعُونَ {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

الحجرات

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ الله} لَا تتقدموا بقول وَلَا بِفعل حَتَّى إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ الَّذِي يَأْمُركُمْ وينهاكم وَيُقَال لَا بقتل وَلَا بذبيحة يَوْم النَّحْر بَين يَدي الله {وَرَسُولِهِ} دون أَمر الله وَأمر رَسُوله وَيُقَال لَا تخالفوا الله وَلَا تخالفوا الرَّسُول وَيُقَال لَا تخالفوا كتاب الله وَلَا تخالفوا سنة رَسُول الله {وَاتَّقوا الله} اخشوا الله فِي أَن تَفعلُوا وَتَقولُوا دون أَمر الله وَأمر رَسُوله وَأَن تخالفوا كتاب الله وَسنة رَسُوله {إِنَّ الله سَمِيعٌ} لمقالتكم (عَلِيمٌ) بأعمالكم نزلت هَذِه الْآيَة فِي ثَلَاثَة نفر من أَصْحَاب النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قتلوا رجلَيْنِ من بني سليم فِي صلح رَسُول الله بِغَيْر أَمر الله وَأمر رَسُوله فنهاهم الله عز وَجل وَقَالَ لَا تقدمُوا بَين يَدي الله دون أَمر الله وَأمر رَسُوله إِن الله سميع لمقالة الرجلَيْن عليم بِمَا اقترفا وَكَانَ قَوْلهم لَو كَانَ هَكَذَا لَكَانَ كَذَا فنهاهم الله عَن ذَلِك

2

{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ} نزلت فِي ثَابت بن قيس بن شماس يرفع صَوته عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين قدم وَفد بني تَمِيم فَنَهَاهُ الله عَن ذَلِك فَقَالَ يأيها الَّذين آمنُوا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن يَعْنِي ثَابتا {لاَ تَرفعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوت النَّبِي} صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تشدوا كلامكم عِنْد كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بالْقَوْل} لَا تَدعُوهُ باسمه {كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} كدعاء بَعْضكُم لبَعض باسمه وَلَكِن عظموه ووقروه وشرفوه وَقُولُوا لَهُ يَا نَبِي الله وَيَا رَسُول الله وَيَا أَبَا الْقَاسِم {أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ} لكيلا تبطل حسناتكم بترككم الْأَدَب وَحُرْمَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنْتُم لَا تشعرون لَا تعلمُونَ بحبطها

3

{إِنَّ الَّذين يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ} نزلت أَيْضا فِي ثَابت بن قيس بن شماس بعد مَا نَهَاهُ الله عَن رفع الصَّوْت {عِندَ رَسُولِ الله} صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فمدحه بعد ذَلِك بخفض صَوته عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ إِن الَّذين يَغُضُّونَ يكفون ويخفضون أَصْوَاتهم عِنْد رَسُول الله {أُولَئِكَ الَّذين امتحن الله قُلُوبَهُمْ} صفى الله وطهر الله قُلُوبهم {للتقوى} من الْمعْصِيَة وَيُقَال أخْلص الله قُلُوبهم للتوحيد {لَهُم مَّغْفِرَةٌ} لذنوبهم فِي الدُّنْيَا {وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} ثَوَاب وافر فِي الْجنَّة

4

{إَنَّ الَّذين يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ الحجرات} نزلت هَذِه الْآيَة فِي قوم من بني عنبر حى من خُزَاعَة بعث النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهِم سَرِيَّة وَأمر عَلَيْهِم عُيَيْنَة بن حصن الْفَزارِيّ فَسَار إِلَيْهِم فَلَمَّا بَلغهُمْ أَنه خرج إِلَيْهِم فروا وَتركُوا عِيَالهمْ وَأَمْوَالهمْ فسبى دراريهم وَجَاء بهم إِلَى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجَاءُوا ليفادوا ذَرَارِيهمْ فَدَخَلُوا الْمَدِينَة عِنْد القيلولة فَنَادوا النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا مُحَمَّد اخْرُج إِلَيْنَا وَكَانَ نَائِما فذمهم الله بذلك فَقَالَ إِن الَّذين يُنَادُونَك يدعونك من وَرَاء الحجرات من خلف حجرات نسَاء النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {أَكْثَرُهُمْ} كلهم {لاَ يَعْقِلُونَ} لَا يفهمون أَمر الله وتوحيده وَلَا حُرْمَة رَسُول الله

5

{وَلَوْ أَنَّهُمْ} بني عنبر

{صَبَرُواْ حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ} إِلَى الصَّلَاة {لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ} لأعتق ذَرَارِيهمْ ونساءهم كلهم ففدى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نصفهم وَأعْتق نصفهم {وَالله غَفُورٌ} لمن تَابَ مِنْهُم {رَحِيم} حِين لم يعجلهم بالعقوبة

6

{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ} نزلت هَذِه الْآيَة فى الْوَلِيد بن عقبَة ابْن أَبى معيط بَعثه النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى بني المصطلق ليجيء بِصَدَقَاتِهِمْ فَرجع من الطَّرِيق وَجَاء بِخَبَر قَبِيح وَقَالَ انهم أَرَادوا قَتْلَى فَأَرَادَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه أَن يغزوهم فنهاهم الله عَن ذَلِك فَقَالَ يأيها الَّذين آمنُوا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن إِن جَاءَكُم فَاسق مُنَافِق الْوَلِيد بن عقبَة بِنَبَأٍ بِخَبَر عَن بني المصطلق {فَتَبَيَّنُوا} قفوا حَتَّى يتَبَيَّن لكم مَا جَاءَ بِهِ أصدق هُوَ أم كذب {أَن تُصِيبُواْ} لكَي لَا تقتلُوا {قَوْمَاً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواْ} فتصيروا {على مَا فَعَلْتُمْ} بِقَتْلِهِم {نَادِمِينَ}

7

{وَاعْلَمُوا} يَا معشر الْمُؤمنِينَ {أَنَّ فِيكُمْ} مَعكُمْ {رَسُولَ الله لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمر} فِيمَا تأمرونه {لَعَنِتُّمْ} لأثمتم {وَلَكِن الله حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَان} الْإِقْرَار بِاللَّه وبالرسول {وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ} حسنه إِلَى قُلُوبكُمْ {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ} بغض إِلَيْكُم {الْكفْر} الْجُحُود بِاللَّه وَالرَّسُول {والفسوق} النِّفَاق {والعصيان} جملَة الْمعاصِي {أُولَئِكَ} أهل هَذِه الصّفة {هُمُ الراشدون} المهتدون

8

{فَضْلاً مِّنَ الله} منّا من الله عَلَيْهِم {وَنِعْمَةً} رَحْمَة {وَالله عَلِيمٌ} بكرامة الْمُؤمنِينَ {حَكِيمٌ} فِيمَا جعل فِي قُلُوبهم حب الْإِيمَان وبغض الْكفْر والفسوق والعصيان

9

{وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا} نزلت هَذِه الْآيَة فِي عبد الله بن أبي ابْن سلول الْمُنَافِق وَأَصْحَابه وَعبد الله بن رَوَاحَة المخلص وَأَصْحَابه فِي كَلَام كَانَ بَينهمَا فتنازعا واقتتل بَعضهم بَعْضًا فنهاهم الله عَن ذَلِك وَأمرهمْ بِالصُّلْحِ فَقَالَ وَإِن طَائِفَتَانِ فرقتان من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا قَاتل بَعضهم بَعْضًا {فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا} بِكِتَاب الله {فَإِن بَغَتْ} استطالت وظلمت {إِحْدَاهُمَا} قوم عبد الله بن أبي ابْن سلول {على الْأُخْرَى} على قوم عبد الله بن رَوَاحَة الْأنْصَارِيّ وَلم يرجع إِلَى الصُّلْح بِالْقُرْآنِ {فَقَاتلُوا الَّتِي تبغي} تستطيل وتظلم {حَتَّى تفيء} ترجع {إِلَى أَمْرِ الله} إِلَى الصُّلْح بِكِتَاب الله (فَإِن فَآءَتْ) رجعت إِلَى الصُّلْح بِكِتَاب الله {فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وأقسطوا} اعدلوا بَينهمَا {إِنَّ الله يُحِبُّ المقسطين} العادلين بِكِتَاب الله العاملين بِهِ

10

{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} فِي الدّين {فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} بِكِتَاب الله {وَاتَّقوا الله} اخشوا الله فِيمَا أَمركُم من الصُّلْح {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} لكَي ترحموا فَلَا تعذبوا

11

{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ} نزلت هَذِه الْآيَة فى ثَابت ابْن قيس بن شماس حَيْثُ ذكر رجلا من الْأَنْصَار بِسوء ذكر أما كَانَت لَهُ يعير بهَا فِي الْجَاهِلِيَّة فَنَهَاهُ الله عَن ذَلِك يأيها الَّذين آمنُوا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن يَعْنِي ثَابتا لَا يسخر قوم من قوم على قوم {عَسى أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِنْهُم} عِنْد الله أفضل نَصِيبا {وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ} نزلت هَذِه الْآيَة فى امْرَأتَيْنِ من نسَاء النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سخرتا بِأم سَلمَة زوج النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فنهاهم الله عَن ذَلِك فَقَالَ وَلَا نسَاء من نسَاء {عَسى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ} عِنْد الله وَأفضل نَصِيبا {وَلاَ تلمزوا أَنفُسَكُمْ} لَا تعيبوا أَنفسكُم يَعْنِي إخْوَانكُمْ من الْمُؤمنِينَ وَلَا تطعنوا بَعْضكُم بَعْضًا بالغيبة {وَلاَ تَنَابَزُواْ بِالْأَلْقَابِ} لَا تطعنوا بَعْضكُم بَعْضًا باللقب وَاسم الْجَاهِلِيَّة {بِئْسَ الِاسْم الفسوق} بئس التَّسْمِيَة لأخيك يَا يَهُودِيّ وَيَا نَصْرَانِيّ وَيَا مَجُوسِيّ {بَعْدَ الْإِيمَان} بعد مَا آمن وَترك ذَلِك {وَمَن لَّمْ يَتُبْ} من تَسْمِيَة أَخِيه يَا يَهُودِيّ وَيَا نَصْرَانِيّ وَيَا مَجُوسِيّ والتلقب والتنابز بعد الْإِيمَان {فَأُولَئِك هُمُ الظَّالِمُونَ} الضارون لأَنْفُسِهِمْ بالعقوبة نزلت هَذِه الْآيَة

فِي أبي بردة بن مَالك الْأنْصَارِيّ وَعبد الله بن حَدْرَد الْأَسْلَمِيّ إِذْ تنَازعا فِي ذَلِك فَنَهَاهُمَا الله عَن ذَلِك

12

{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {اجتنبوا كَثِيراً مِّنَ الظَّن} نزلت هَذِه الْآيَة فى رجلَيْنِ من أَصْحَاب النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اغتابا صاحبا لَهما وَهُوَ سلمَان وظنا بأسامة خَادِم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ظن السوء وتجسسا هَل عِنْده مَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأسامة أَن أعطهما فنهاهم الله عَن ذَلِك الظَّن والتجسس والغيبة فَقَالَ يأيها الَّذين آمنُوا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن اجتنبوا كثيرا من الظَّن مِمَّا تظنون بأخيكم من مدخله ومخرجه {إِنَّ بَعْضَ الظَّن} ظن السوء وتخفونه {إِثْمٌ} مَعْصِيّة وَهُوَ مَا ظن رجلَانِ بأسامة بن زيد {وَلاَ تَجَسَّسُواْ} وَلَا تبحثوا عَن عيب أخيكم وَلَا تَطْلُبُوا مَا ستر الله عَلَيْهِ وَهُوَ مَا تجسس الرّجلَانِ {وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً} وَهُوَ مَا اغتاب الرّجلَانِ بِهِ سلمَان {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً} حَرَامًا بِغَيْر الضَّرُورَة {فكرهتموه} تحرموا أكل الْميتَة بِغَيْر الضَّرُورَة وَكَذَلِكَ الْغَيْبَة فحرموها {وَاتَّقوا الله} اخشوا الله فِي أَن تَغْتَابُوا أحدا {إِنَّ الله تَوَّابٌ} متجاوز لمن تَابَ من الْغَيْبَة {رَّحِيمٌ} لمن مَاتَ على التَّوْبَة

13

{يَا أَيهَا النَّاس إِنَّا خَلَقْنَاكُم} نزلت هَذِه الْآيَة فِي ثَابت بن قيس بن شماس حَيْثُ قَالَ لرجل أَنْت ابْن فُلَانَة وَيُقَال نزلت فِي بِلَال مُؤذن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنَفر من قُرَيْش سُهَيْل بن عَمْرو والْحَارث بن هِشَام وَأبي سُفْيَان بن حَرْب قَالُوا لِبلَال عَام فتح مَكَّة حَيْثُ سمعُوا أَذَان بِلَال مَا وجد الله وَرَسُوله رَسُولا غير هَذَا الْغُرَاب فَقَالَ الله يأيها النَّاس إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ {مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى} من آدم وحواء {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً} يَعْنِي الأفخاذ {وَقَبَآئِلَ} يعْنى رُءُوس الْقَبَائِل وَيُقَال شعوباً موَالِي وقبائل عربا {لتعارفوا} لكَي تعرفوا إِذا سئلتم مِمَّن أَنْتُم فتقولوا من قُرَيْش من كِنْدَة من تَمِيم من بجيلة {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ} فِي الْآخِرَة {عَندَ الله} يَوْم الْقِيَامَة {أَتْقَاكُمْ} فِي الدُّنْيَا هُوَ بِلَال {إِنَّ الله عَلِيمٌ} بحسبكم ونسبكم {خَبِيرٌ} بأعمالكم وبإكرامكم عِنْد الله

14

{قَالَتِ الْأَعْرَاب آمَنَّا} نزلت هَذِه الْآيَة فِي بني أَسد أَصَابَتْهُم سنة شَدِيدَة فَدَخَلُوا فِي الْإِسْلَام متوافرين بِأَهَالِيِهِمْ وذراريهم وَجَاءُوا إِلَى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَدِينَةِ ليصيبوا من فَضله فغلوا أسعار الْمَدِينَة وأفسدوا طرقها بالعذرات وَكَانُوا منافقين يَقُولُونَ أطعمنَا وَأَكْرمنَا يَا رَسُول الله فَإنَّا مخلصون مصدقون فِي إيمَاننَا وَكَانُوا منافقين فِي دينهم كاذبين فِي قَوْلهم فَذكر الله مقالتهم فَقَالَ قَالَت الْأَعْرَاب بَنو أَسد آمنا صدقنا فِي إيمَاننَا بِاللَّه وَرَسُوله {قُل} لَهُم يَا مُحَمَّد {لَّمْ تُؤْمِنُواْ} لم تصدقوا فِي إيمَانكُمْ بِاللَّه وَرَسُوله {وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا} أَي استسلمنا من السَّيْف والسبي {وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَان} لم يدْخل حب الْإِيمَان وتصديق الْإِيمَان {فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ} فِي السِّرّ كَمَا أطعتموهما فِي الْعَلَانِيَة وتتوبوا من الْكفْر والسر والنفاق {لاَ يَلِتْكُمْ مِّنْ أَعْمَالِكُمْ} لَا ينقصكم من ثَوَاب حسناتكم {شَيْئاً إِنَّ الله غَفُورٌ} لمن تَابَ مِنْكُم {رَّحِيمٌ} لمن مَاتَ على التَّوْبَة

15

ثمَّ بَين نعت الْمُؤمنِينَ المصدقين فِي إِيمَانهم فَقَالَ {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ} المصدقون فِي إِيمَانهم {الَّذين آمَنُواْ بِاللَّه} صدقُوا فِي إِيمَانهم بِاللَّه {وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ} لم يشكوا فِي إِيمَانهم {وَجَاهدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وأنفسهم فِي سَبِيل الله} فِي طَاعَة الله {أُولَئِكَ هُمُ الصادقون} المصدقون فِي إِيمَانهم وجهادهم

16

{قُلْ} يَا مُحَمَّد لبني أَسد {أَتُعَلِّمُونَ الله} أتخبرون الله {بِدِينِكُمْ} الَّذِي أَنْتُم عَلَيْهِ أمصدقون بِهِ أم مكذبون {وَالله يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض} مَا فِي قُلُوب أهل السَّمَوَات وَمَا فِي قُلُوب أهل الأَرْض {وَالله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} من سر أهل السَّمَوَات وَالْأَرْض

17

{يَمُنُّونَ عَلَيْكَ} يَا مُحَمَّد بَنو أَسد {أَنْ أَسْلَمُواْ} وَهُوَ قَوْلهم أطعمنَا وَأَكْرمنَا يَا رَسُول الله فقد أسلمنَا متوافرين {قُل} لَهُم يَا مُحَمَّد {لاَّ تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلاَمَكُم} بإسلامكم {بَلِ الله يَمُنُّ عَلَيْكُمْ} بل لله الْمِنَّة عَلَيْكُم {أَنْ هَداكُمْ} أَن دعَاكُمْ {لِلإِيمَانِ} لتصديق الْإِيمَان {إِنُ كُنتُمْ صَادِقِينَ} بِأَنا

مصدقون وَلَكِن أَنْتُم كاذبون لَسْتُم بمصدقين فِي إيمَانكُمْ

18

{إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض} غيب مَا يكون فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض {وَالله بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} فِي نفاقكم يَا معشر الْمُنَافِقين وبعقوبتكم إِن لم تتوبوا وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا ق وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها خمس وَأَرْبَعُونَ آيَة وكلماتها ثَلَاثمِائَة وَخمْس وَتسْعُونَ وحروفها ألف وَأَرْبَعمِائَة وَتسْعُونَ {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

ق

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {ق} يَقُول هُوَ جبل أَخْضَر محدق بالدنيا وخضرة السَّمَاء مِنْهُ أقسم الله بِهِ {وَالْقُرْآن الْمجِيد} وَأقسم بِالْقُرْآنِ الْكَرِيم الشريف

2

{بَلْ عجبوا} قُرَيْش وَلِهَذَا كَانَ الْقسم قد عجبوا حِين قَالَ الله لَهُم تبعثون بعد الْمَوْت وَقَالَ بل عجبوا حِين قَالَ الله لَهُم تبعثون بعد الْمَوْت وَقَالَ بل عجبوا قُرَيْش مِنْهُم أبي وَأُميَّة ابْنا خلف ومنبه وَنبيه ابْنا الْحجَّاج {أَن جآءهم} بِأَن جَاءَهُم {مُنْذر} رَسُول مخوف {مِّنْهُمْ} من نسبهم {فَقَالَ الْكَافِرُونَ} كفار مَكَّة أبي وَأُميَّة ومنبه وَنبيه {هَذَا} الَّذِي يَقُول مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نبعث بعد الْمَوْت {شَيْءٌ عَجِيبٌ} إِذْ يَقُول

3

{أئذا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً} صرنا تُرَابا رميماً نبعث {ذَلِك} الذى يَقُول مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {رَجْعُ} رد {بَعِيدٌ} طَوِيل لَا يكون إنكاراً مِنْهُم للبعث قَالَ الله

4

{قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الأَرْض مِنْهُمْ} مَا تَأْكُل الأَرْض من لحومهم بعد مَوْتهمْ وَمَا تتْرك {وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ} من الشَّيْطَان وَهُوَ اللَّوْح الْمَحْفُوظ فِيهِ مَكْتُوب مَوْتهمْ ومكثهم فِي الْقَبْر ومبعثهم يَوْم الْقِيَامَة

5

{بل كذبُوا} قُرَيْش {بِالْحَقِّ} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {لما جَاءَهُم} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين جَاءَهُم وَهَذَا جَوَاب الْقسم أَن قد جَاءَهُم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْقُرْآنِ {فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَّرِيجٍ} ضلال وَيُقَال ملتبس وَيُقَال فى قَول مُخْتَلف بَعضهم مكذب وَبَعْضهمْ مُصدق

6

{أَفَلَمْ ينْظرُوا} كفار مَكَّة {إِلَى السمآء فَوْقَهُمْ} فَوق رُءُوسهم {كَيْفَ بَنَيْنَاهَا} خلقناها بِلَا عمد {وَزَيَّنَّاهَا} بالنجوم يَعْنِي سَمَاء الدُّنْيَا {وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ} من شقوق وصدوع وعيوب وخلل

7

{وَالْأَرْض مددناها} فبسطناها على المَاء {وَأَلْقَيْنَا فِيهَا} فِي الأَرْض {رَوَاسِيَ} جبالاً ثوابت أوتاداً لَهَا لكَي لَا تميد بهم {وَأَنبَتْنَا فِيهَا} فِي الأَرْض {مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} من كل لون حسن فِي المنظر

8

{تَبْصِرَةً} لكَي تبصروا {وذكرى} عظة لكَي تتعظوا بِهِ وَيُقَال تبصرة عِبْرَة وتفكراً وذكرى عظة {لكل عبد منيب} مقبل إِلَى الله إِلَى طَاعَته

9

{وَنَزَّلْنَا مِنَ السمآء مَآءً} مَطَرا {مُّبَارَكاً} بالنبات وَالْمَنْفَعَة فِيهِ حَيَاة كل شَيْء {فَأَنبَتْنَا بِهِ} بالمطر {جَنَّاتٍ} بساتين {وَحَبَّ الحصيد} الْحُبُوب كلهَا الَّتِى تحصد

10

{وَالنَّخْل بَاسِقَاتٍ} طوَالًا غلاظاً {لَّهَا طَلْعٌ} كفرى وثمر {نَّضِيدٌ} منضود مُجْتَمع

11

{رِّزْقاً لِّلْعِبَادِ} طَعَاما لِلْخلقِ يَعْنِي الْحُبُوب {وَأَحْيَيْنَا بِهِ} بالمطر {بَلْدَةً مَّيْتاً} مَكَانا لَا نَبَات فِيهِ {كَذَلِك الْخُرُوج} هَكَذَا يحيون وَيخرجُونَ من الْقُبُور يَوْم الْقِيَامَة بالمطر

12

{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ} قبل قَوْمك يَا مُحَمَّد {قَوْمُ نُوحٍ} نوحًا {وَأَصْحَابُ الرس} والرس بِئْر دون الْيَمَامَة وهم قوم شُعَيْب كذبُوا شعيباً {وَثَمُودُ} قوم صَالح صَالحا

13

{وَعَادٌ} قوم هود هوداً {وَفِرْعَوْنُ} كذب فِرْعَوْن وَقَومه مُوسَى ({وَإِخْوَانُ لُوطٍ}) قوم لوط لوطاً

14

{وَأَصْحَابُ الأيكة} الغيضة من الشّجر وهم قوم شُعَيْب كذبُوا شعيباً {وَقَوْمُ تُّبَّعٍ} تبعا وَتبع كَانَ ملك حمير وَكَانَ اسْمه أسعد بن ملكيكرب وكنيته أَبُو كرب وَسمي تبعا لِكَثْرَة تبعه وَكَانَ رجلا مُسلما {كُلٌّ} كل هَؤُلَاءِ {كَذَّبَ الرُّسُل} كَمَا كَذبك قَوْمك قُرَيْش {فَحَقَّ وَعِيدِ} فَوَجَبت عَلَيْهِم عقوبتي وعذابي عِنْد تكذيبهم الرُّسُل

15

{أَفَعَيِينَا بالخلق الأول} أفأعيانا خلقهمْ الأول حِين خلقناهم حَتَّى يعيينا خلقهمْ الآخر حِين نخلقهم للبعث بعد الْمَوْت {بَلْ هُمْ} يَعْنِي قُريْشًا {فِي لَبْسٍ} فِي شكّ {مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} بعد الْمَوْت

16

{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَان} يَعْنِي ولد آدم وَيُقَال هُوَ أَبُو جهل {وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ} مَا تحدث بِهِ {نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ} أعلم بِهِ وأقدر عَلَيْهِ {مِنْ حَبْلِ الوريد} وَهُوَ الْعرق الَّذِي بَين العلباء والحلقوم وَلَيْسَ فِي الْإِنْسَان أقرب إِلَيْهِ مِنْهُ وَالْحَبل والوريد وَاحِد

17

{إِذْ يَتَلَقَّى المتلقيان} إِذْ يكْتب الْملكَانِ الكائنان {عَنِ الْيَمين} عَن يَمِين بني آدم {وَعَنِ الشمَال} شمال بني آدم {قَعِيدٌ} قعُود هَذَا على نابه وَهَذَا على نابه

18

{مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ} مَا يتَكَلَّم العَبْد بِكَلَام حسن أَو سىء {إِلاَّ لَدَيْهِ} عَلَيْهِ {رَقِيبٌ} حَافظ {عَتِيدٌ} حَاضر لَا يزايله يكْتب لَهُ أَو عَلَيْهِ

19

{وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ} نزعات الْمَوْت {بِالْحَقِّ} بالشقاء والسعادة {ذَلِك} يَا ابْن آدم {مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ} تَفِر وَتكره

20

{وَنُفِخَ فِي الصُّور} وَهِي نفخة الْبَعْث {ذَلِك يَوْمُ الْوَعيد} وَعِيد الْأَوَّلين والآخرين أَن يجتمعوا فِيهِ

21

{وَجَآءَتْ} يَوْم الْقِيَامَة {كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَآئِقٌ} يَسُوقهَا إِلَى رَبهَا وَهُوَ الْملك الَّذِي يكْتب عَلَيْهَا السَّيِّئَات {وَشَهِيدٌ} يشْهد عَلَيْهَا عِنْد رَبهَا وَهُوَ الْملك الَّذِي يكْتب لَهَا الْحَسَنَات وَيُقَال الشَّهِيد عمله

22

{لَّقَدْ كُنتَ} يَا ابْن آدم {فِي غَفْلَةٍ} فِي جَهَالَة وعمى {مِّنْ هَذَا} الْيَوْم {فَكَشَفْنَا} فرفعنا {عَنكَ غِطَآءَكَ} عَمَلك مَا كَانَ محجوباً عَنْك فِي دَار الدُّنْيَا {فَبَصَرُكَ الْيَوْم حَدِيدٌ} حاد وَيُقَال فعملك الْيَوْم نَافِذ فِي الْبَعْث

23

{وَقَالَ قَرِينُهُ} كَاتبه الَّذِي يكْتب حَسَنَاته وَيُقَال الَّذِي يكْتب سيئاته {هَذَا مَا لَدَيَّ} هَذَا الَّذِي وكلتني عَلَيْهِ {عَتِيدٌ} حَاضر فَيَقُول الله لَهُ

24

{أَلْقِيَا} يَعْنِي ألق {فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ} كَافِر بِاللَّه وَهُوَ الْوَلِيد بن الْمُغيرَة المَخْزُومِي {عَنِيدٍ} معرض عَن الْإِيمَان

25

{مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ} لِلْإِسْلَامِ بنيه وَبني بنيه وَبني أَخِيه وَذَوِيهِ وَلحمَته وقرابته {مُعْتَدٍ} غشوم ظلوم {مُّرِيبٍ} ظَاهر الشَّك مفتر على الله

26

{الَّذِي جَعَلَ مَعَ الله إِلَهًا آخَرَ} الَّذِي قَالَ لله ولد وَشريك {فَأَلْقِيَاهُ} فَيَقُول الله للْملك كَاتبه ألقه {فِي الْعَذَاب الشَّديد} الغليظ

27

{قَالَ قرِينُهُ} كَاتبه الَّذِي يكْتب عَلَيْهِ سيئاته {رَبَّنَا مَآ أَطْغَيْتُهُ} مَا أعجلته بِالْكِتَابَةِ وَمَا كتبت عَلَيْهِ مالم يقل وَمَا لم يفعل وَهَذَا بعد مَا يَقُول الْكَافِر يَا رب كتب على هَذَا الْملك مَا لم أقل وَمَا لم أفعل وعجلني بِالْكِتَابَةِ حَتَّى نسيت وَقَالَ قرينه يَعْنِي شَيْطَانه يعْتَذر بِهِ إِلَى ربه رَبنَا يَا رَبنَا مَا أطغيته مَا أضللته {وَلَكِن كَانَ فِي ضَلاَلٍ} فِي خطأ {بَعِيدٍ} عَن الْحق وَالْهدى

28

{قَالَ} الله لَهُم {لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَيَّ} عِنْدِي {وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بالوعيد} قد أعلمتكم فِي الْكتاب مَعَ الرَّسُول من هَذَا الْيَوْم

29

{مَا يُبَدَّلُ القَوْل لَدَيَّ} مَا يُغير القَوْل عِنْدِي بِالْكَذِبِ وَيُقَال مَا يُغير الْيَوْم قضائي على عبَادي وَيُقَال لَا يثنى القَوْل عِنْدِي {وَمَآ أَنَاْ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ} أَن آخذهم بِلَا جرم مِنْهُم

30

{يَوْمَ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأت} كَمَا وعدتك {وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ} فتستزيد وَيُقَال وَتقول قد امْتَلَأت وَهل من مزِيد فَلَيْسَ فِي مَكَان رجل وَاحِد

31

{وَأُزْلِفَتِ} قربت {الْجنَّة لِلْمُتَّقِينَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش {غَيْرَ بَعِيدٍ} مِنْهُم

32

{هَذَا} الثَّوَاب والكرامة

{مَا تُوعَدُونَ} فِي الدُّنْيَا {لِكُلِّ أَوَّابٍ} مقبل إِلَى الله وَإِلَى طَاعَته {حَفِيظٍ} لأمر الله فِي الخلوات وَيُقَال على الصَّلَوَات

33

{مَّنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ} من عمل للرحمن وَإِن لم يره {وَجَآءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ} مخلص بِالْعبَادَة والتوحيد يَقُول الله لَهُم

34

{ادخلوها} يَعْنِي الْجنَّة (بِسَلاَمٍ) بسلامة من عَذَاب الله {ذَلِك يَوْمُ الخلود} خُلُود أهل الْجنَّة فى الْجنَّة

35

{لَهُم مَا يشاؤون} مَا يتمنون {فِيهَا} فِي الْجنَّة {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} يَعْنِي النّظر إِلَى وَجه الرب وَلَهُم عندنَا كل يَوْم وَسَاعَة من الْكَرَامَة وَالثَّوَاب الزِّيَادَة

36

{وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ} قبل قَوْمك {مِّن قَرْنٍ} من الْقُرُون الْمَاضِيَة {هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم} من قَوْمك {بَطْشاً} قُوَّة {فَنَقَّبُواْ فِي الْبِلَاد} فطافوا وتقلبوا فِي الْأَسْفَار بتجاراتهم {هَلْ مِن مَّحِيصٍ} هَل كَانَ لَهُم ملْجأ ومفر من عذابنا وَيُقَال هَل بَقِي أحد مِنْهُم

37

{إِنَّ فِي ذَلِك} فِي مَا صنع بهم {لذكرى} لعظة لقَوْمك {لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ} عقل حَيّ {أَوْ أَلْقَى السّمع} أَو اسْتمع إِلَى قِرَاءَة الْقُرْآن {وَهُوَ شَهِيدٌ} قلبه حَاضر غير غَائِب

38

{وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنَهُمَا} من الْخلق والعجائب {فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} من أَيَّام أول الدُّنْيَا طول كل يَوْم ألف سنة من هَذِه الْأَيَّام أول يَوْم مِنْهَا يَوْم الْأَحَد وَآخر يَوْم مِنْهَا يَوْم الْجُمُعَة {وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ} مَا أَصَابَنَا من إعياء كَمَا قَالَت الْيَهُود حَيْثُ قَالُوا لما فرغ الله مِنْهَا وضع إِحْدَى رجلَيْهِ على الْأُخْرَى واستراح يَوْم السبت كذب أَعدَاء الله على الله

39

{فاصبر} يَا مُحَمَّد {على مَا يَقُولُونَ} على مقَالَة الْيَهُود من الْكَذِب وَيُقَال اصبر على مَا يَقُولُونَ يَعْنِي على مقَالَة الْمُسْتَهْزِئِينَ وهم خَمْسَة رَهْط قد ذكرتهم فِي مَوضِع آخر {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} صل بِأَمْر رَبك {قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْس} وَهِي صَلَاة الْغَدَاة {وَقَبْلَ الْغُرُوب} وَهِي صَلَاة الظّهْر وَالْعصر

40

{وَمِنَ اللَّيْل فَسَبِّحْهُ} فصل لَهُ صَلَاة الْمغرب وَالْعشَاء أَو التَّهَجُّد {وَأَدْبَارَ السُّجُود} وَهِي رَكْعَتَانِ بعد الْمغرب

41

{واستمع} يَا مُحَمَّد حَتَّى تسمع صفة {يَوْمَ يُنَادِ المناد} وَيُقَال اعْمَلْ يَا مُحَمَّد ليَوْم يُنَادي الْمُنَادِي وَيُقَال انْتظر يَا مُحَمَّد يَوْم يُنَادي الْمُنَادِي فِي الصُّور {مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ} إِلَى السَّمَاء من صَخْرَة بَيت الْمُقَدّس وَهِي أقرب مَكَان إِلَى السَّمَاء من الأَرْض بِاثْنَيْ عشر ميلًا وَيُقَال من مَكَان قريب يسمعُونَ من تَحت أَقْدَامهم

42

{يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَة بِالْحَقِّ} بِالْخرُوجِ من الْقُبُور {ذَلِك يَوْمُ الْخُرُوج} من الْقُبُور وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة

43

{إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي} للبعث {وَنُمِيتُ} فِي الدُّنْيَا {وَإِلَيْنَا الْمصير} بعد الْمَوْت

44

{يَوْمَ تَشَقَّقُ الأَرْض} تتصدع الأَرْض {عَنْهُمْ سِرَاعاً} وخروجهم من الْقُبُور سَرِيعا {ذَلِك حَشْرٌ} فِي سوق {عَلَيْنَا يَسِيرٌ} هَين

45

{نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ} الْبَعْث وَيُقَال فِي الدُّنْيَا {وَمَآ أَنتَ} يَا مُحَمَّد {عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ} بمسلط أَن تجبرهم على الْإِيمَان ثمَّ أمره بعد ذَلِك بقتالهم {فَذَكِّرْ} عظ {بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} وَمن لَا يخَاف وَعِيد فَإِنَّمَا يقبل عظتك من يخَاف عَذَابي فِي الْآخِرَة وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الذاريات وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها سِتُّونَ وكلماتها ثلثمِائة وَسِتُّونَ وحروفها ألف ومائتان وَسَبْعَة وَثَمَانُونَ {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

الذاريات

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {والذاريات} أقسم بالرياح ذَوَات الهبوب {ذَرْواً} مَا ذرت بِهِ الرّيح فِي منَازِل الْقَوْم

2

{فَالْحَامِلَات} وَأقسم بالسحاب تحمل المَاء {وِقْراً} ثقيلاً بالمطر

3

{فَالْجَارِيَات} وَأقسم بالسفن {يُسْراً} سيراً هيناً بتيسير

4

{فَالْمُقَسِّمَات} وَأقسم بِالْمَلَائِكَةِ جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل وَملك الْمَوْت {أَمْراً} يقسمون بَين الْعباد أقسم بهؤلاء الْأَشْيَاء

5

{إِنَّمَا تُوعَدُونَ} من الْبَعْث {لَصَادِقٌ} لكائن

6

{وَإِنَّ الدّين} الْحساب وَالْقَضَاء وَالْقصاص فِيهِ {لَوَاقِعٌ} لكائن نَازل

7

{والسمآء ذَاتِ الحبك} وَهَذَا قسم آخر أقسم بالسماء ذَات الحبك ذَات الْحسن وَالْجمال والاستواء والطرق وَيُقَال ذَات النُّجُوم وَالشَّمْس وَالْقَمَر وَيُقَال ذَات الحبك كحبك المَاء إِذا ضَربته الرّيح أَو كحبك الرمل إِذا نسفته الرّيح أَو كحبك الشّعْر الْجَعْد أَو كحبك درع الْحَدِيد وَيُقَال هِيَ السَّمَاء السَّابِعَة أقسم الله بهَا

8

{إِنَّكُمْ} يَا أهل مَكَّة {لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ} مُصدق بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن مكذب بهما

9

{يؤفك عَنهُ} يصرف عَن مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {مَنْ أُفِكَ} من قد صرف عَن الْحق وَالْهدى وَهُوَ الْوَلِيد بن الْمُغيرَة المَخْزُومِي وَأَبُو جهل بن هِشَام وَأبي بن خلف وَأُميَّة بن خلف ومنبه وَنبيه ابْنا الْحجَّاج صرفُوا النَّاس عَن مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن بِالْكَذِبِ والزور فلعنهم الله فَقَالَ

10

{قُتِلَ الخراصون} لعن الكذابون بَنو مَخْزُوم الْوَلِيد بن الْمُغيرَة وَأَصْحَابه

11

{الَّذين هُمْ فِي غَمْرَةٍ} فِي جَهَالَة وعمى من أَمر الْآخِرَة {سَاهُونَ} لاهون عَن الْإِيمَان بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن

12

{يَسْأَلُونَ} يَا مُحَمَّد بَنو مَخْزُوم {أَيَّانَ يَوْمُ الدّين} مَتى يَوْم الْقِيَامَة الَّذِي نعذب فِيهِ

13

قَالَ الله {يَوْمَ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {هُمْ عَلَى النَّار يُفْتَنُونَ} يحرقون وَيُقَال ينضحون وَيُقَال فِي النَّار يُعَذبُونَ وَيُقَال على النَّار يجرونَ تَقول لَهُم الزَّبَانِيَة

14

{ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ} حرقكم وعذابكم ونضجكم {هَذَا} الْعَذَاب {الَّذِي كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} فِي الدُّنْيَا

15

ثمَّ بَين مُسْتَقر الْمُؤمنِينَ أبي بكر وَأَصْحَابه فَقَالَ {إِن الْمُتَّقِينَ} الْكفْر والشرك الْفَوَاحِش {فِي جَنَّاتٍ} بساتين {وَعُيُونٍ} مَاء طَاهِر

16

{آخِذِينَ} قابلين راضين {مَآ آتَاهُمْ} مَا أَعْطَاهُم رَبهم فِي الْجنَّة وَيُقَال عاملين بِمَا أَمرهم {رَبُّهُمْ} فِي الدُّنْيَا {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِك} الثَّوَاب والكرامة {مُحْسِنِينَ} فِي الدُّنْيَا بالْقَوْل وَالْفِعْل

17

{كَانُواْ قَلِيلاً مِّن اللَّيْل مَا يَهْجَعُونَ} يَقُول قَلما ينامون من اللَّيْل

18

{وبالأسحار هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} يصلونَ

19

{وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ} ويرون فِي أَمْوَالهم حَقًا مَعْلُوما {لَّلسَّآئِلِ} الَّذِي يسْأَل {والمحروم} الَّذِي لَا يسْأَل وَلَا يعْطى وَلَا يفْطن بِهِ وَيُقَال المحروم الَّذِي قد حرم أجره وغنيمته وَيُقَال المحروم هُوَ المحترف المقتر عَلَيْهِ معيشته وَالَّذِي لَا يلقى قوت يَوْمه

20

{وَفِي الأَرْض آيَاتٌ} عَلَامَات وعبرات مثل الشّجر وَالدَّوَاب وَالْجِبَال والبحار {للموقنين} المصدقين بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن

21

{وَفِي أَنفُسِكُمْ} أَيْضا عَلَامَات من الأوجاع والأمراض والبلايا حَتَّى يَأْكُل الرجل من مَكَان وَاحِد وَيخرج من مكانين {أَفَلاَ تُبْصِرُونَ} أَفلا تعقلون فتتفكروا فِيمَا خلق الله

22

{وَفِي السمآء رِزْقُكُمْ} وَمن السَّمَاء يَأْتِي رزقكم يَعْنِي الْمَطَر {وَمَا تُوعَدُونَ} يَعْنِي الْجنَّة وَيُقَال وَفِي السَّمَاء رزقكم على رب السَّمَاء رزقكم وَمَا توعدون من الثَّوَاب وَالْعِقَاب

23

{فَوَرَبِّ السمآء وَالْأَرْض} أقسم بِنَفسِهِ {إِنَّهُ} إِن الَّذِي قصصت لكم من أَمر الرزق {لَحَقٌّ} لصدق كَائِن {مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} تَقولُونَ لَا إِلَه إِلَّا الله

24

{هَلْ أَتَاكَ} يَا مُحَمَّد {حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ} خبر أضياف إِبْرَاهِيم {الْمُكرمين} أكْرمهم بالعجل

25

{إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ} على إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام جِبْرِيل وملكان مَعَه وَيُقَال جِبْرِيل وَاثنا عشر ملكا كَانُوا مَعَه {فَقَالُواْ سَلاَماً} سلمُوا على إِبْرَاهِيم {قَالَ سَلاَمٌ} رد عَلَيْهِم إِبْرَاهِيم السَّلَام أَنْتُم {قَوْمٌ مُّنكَرُونَ} لم يعرفهُمْ وَلم يعرف سلامهم فِي تِلْكَ الأَرْض فِي ذَلِك الزَّمَان

26

{فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ} فَرجع إِبْرَاهِيم إِلَى أَهله {فَجَآءَ} إِلَى أضيافه {بِعِجْلٍ سَمِينٍ} صَغِير مشوي

27

{فَقَرَّبَهُ} يَعْنِي الْعجل المشوي {إِلَيْهِمْ} إِلَى أضيافه فَلم يمدوا أَيْديهم إِلَى الطَّعَام {قَالَ} إِبْرَاهِيم {أَلاَ تَأْكُلُونَ} من الطَّعَام

28

{فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً} فأضمر إِبْرَاهِيم فِي نَفسه خيفة حَيْثُ لم يَأْكُلُوا من طَعَامه فَظن أَنهم لصوص وَكَانَ فِي زَمَانه إِذا

أكل الرجل من طَعَام صَاحبه أَمنه فَلَمَّا علمُوا خوف إِبْرَاهِيم {قَالُواْ لاَ تَخَفْ} منا يَا إِبْرَاهِيم إِنَّا رسل رَبك {وَبَشَّرُوهُ} من الله {بِغُلَام} بِولد {عليم} فى صغيره حَلِيم عَظِيم فى كبره وَهُوَ إِسْحَق

29

{فَأَقْبَلت امْرَأَته} أخذت امْرَأَته سارة {صَرَّةٍ} فِي صَيْحَة وولولة {فَصَكَّتْ وَجْهَهَا} فَجمعت أَطْرَاف أصابعها وَضربت على وَجههَا وجبهتها {وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ} أعجوز عقيم تَلد كَيفَ هَذَا

30

{قَالُواْ} قَالَ جِبْرِيل وَمن مَعَه {كَذَلِك} كَمَا قُلْنَا لَك يَا سارة {قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيم} يحكم بِالْوَلَدِ من الْعَقِيم وَغير الْعَقِيم {الْعَلِيم} يعلم بِمَا يكون مِنْكُمَا

31

{قَالَ} إِبْرَاهِيم {فَمَا خَطْبُكُمْ} فَمَا شَأْنكُمْ وَمَا بالكم وبماذا جئْتُمْ {أَيُّهَا المُرْسَلُونَ}

32

{قَالُوا إنآ أرسلنآ إِلَى قوم مجرمين} مُشْرِكين اجترموا الْهَلَاك على أنفسهم بعملهم الْخَبيث يعنون قوم لوط

33

{لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ} مطبوخ كالآجر

34

{مسومة} مخططة بِالسَّوَادِ الْحمرَة {عِندَ رَبِّكَ} من عِنْد رَبك تَأتي تِلْكَ الْحِجَارَة {لِلْمُسْرِفِينَ} على الْمُشْركين

35

{فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا} فِي قريات لوط {من الْمُؤمنِينَ} من الوحدين

36

{فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا} فِي قريات لوط {غَيْرَ بَيْتٍ} غير أهل بَيت {مِّنَ الْمُسلمين} من المقربين وَهُوَ لوط وابنتاه زاعورا وريثا

37

{وَتَرَكْنَا فِيهَآ} يَعْنِي وَتَركنَا فِي قريات لوط {آيَةً} عَلامَة وعبرة {لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَاب الْأَلِيم} فِي الْآخِرَة فَلَا يقتدون بفعلهم

38

{وَفِي مُوسَى} أَيْضا عِبْرَة {إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} بِحجَّة بَيِّنَة الْيَد والعصا

39

{فَتَوَلّى بِرُكْنِهِ} فَأَعْرض فِرْعَوْن عَن الْإِيمَان بِالْآيَةِ وبموسى بركنه بجُنُوده {وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} يختنق

40

{فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ} جموعه {فَنَبَذْنَاهُمْ} فأغرقناهم {فِي اليم} فِي الْبَحْر {وَهُوَ مُلِيمٌ} مَذْمُوم عِنْد الله يلوم نَفسه

41

{وَفِي عَادٍ} فِي قوم هود أَيْضا عِبْرَة {إِذْ أَرْسَلْنَا} سلطنا {عَلَيْهِمُ الرّيح الْعَقِيم} الشَّدِيدَة الَّتِي لَا فرج لَهُم فِيهَا وَهِي الرّيح الدبور

42

{مَا تَذَرُ} مَا تتْرك {مِن شَيْءٍ} مِنْهُم وَلَهُم {أَتَتْ عَلَيْهِ} مرت عَلَيْهِ الرّيح {إِلاَّ جَعَلَتْهُ كالرميم} كالتراب

43

{وَفِي ثَمُودَ} أَي فِي قوم صَالح أَيْضا عِبْرَة {إِذْ قِيلَ لَهُمْ} قَالَ لَهُم صَالح بعد عقرهم النَّاقة {تَمَتَّعُواْ} عيشوا {حَتَّى حِينٍ} إِلَى حِين الْعَذَاب

44

{فَعَتَوْاْ} فَأَبَوا {عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ} عَن قبُول أَمر رَبهم {فَأَخَذَتْهُمُ الصاعقة} الصَّيْحَة بِالْعَذَابِ {وَهُمْ يَنظُرُونَ} إِلَى الْعَذَاب نازلاً عَلَيْهِم

45

{فَمَا اسْتَطَاعُوا مِن قِيَامٍ} لم يقدروا أَن يقومُوا من عَذَاب الله {وَمَا كَانُواْ مُنتَصِرِينَ} ممتنعين بأبدانهم من الْعَذَاب

46

{وَقَوْمَ نُوحٍ} أهلكناهم {مِّن قَبْلُ} من قبل قوم صَالح {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ} كَافِرين

47

{وَالسَّمَاء بنيناها} خلقناها {بأيد} بِقُوَّة {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} لَهَا مَا نشَاء وَيُقَال إِنَّا لموسعون بالرزق

48

{وَالْأَرْض فَرَشْنَاهَا} على المَاء {فَنِعْمَ الماهدون} الفارشون

49

{وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} لونين فِي الأَرْض {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} لكَي تتعظوا فيمَ خلق الله

50

{فَفرُّوا إِلَى الله} فَفرُّوا من الله إِلَى الله وَيُقَال من مَعْصِيّة الله إِلَى طَاعَة الله وَيُقَال من طَاعَة الشَّيْطَان إِلَى طَاعَة الرَّحْمَن {إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ} من الله {نَذِيرٌ مُّبِينٌ} رَسُول مخوف مُبين بلغَة تعلمونها

51

{وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ الله إِلَهًا آخَرَ} لَا تَقولُوا لله ولد وَلَا شريك {إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ} من الله {نَذِيرٌ مُّبِينٌ} مخوف بلغَة تعلمونها

52

{كَذَلِك} كَمَا قَالَ لَك قَوْمك سَاحر

أَو مَجْنُون {مَآ أَتَى الَّذين مِن قَبْلِهِمْ} من قبل قَوْمك {مِّن رَّسُولٍ} دعاهم إِلَى الله {إِلاَّ قَالُواْ} لذَلِك الرَّسُول {سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ}

53

{أَتَوَاصَوْاْ بِهِ} أتوافق كل قوم على أَن قَالُوا لرسولهم سَاحر أَو مَجْنُون {بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} كافرون

54

{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} فَأَعْرض عَنْهُم يَا مُحَمَّد {فَمَآ أَنتَ بِمَلُومٍ} بمذموم عندنَا قد أعذرت وأبلغت ثمَّ أَمر بعد ذَلِك بِالْقِتَالِ

55

{وَذَكِّرْ} عظ بِالْقُرْآنِ {فَإِنَّ الذكرى} العظة بِالْقُرْآنِ {تَنفَعُ الْمُؤمنِينَ} تزيد الْمُؤمنِينَ صلاحاً

56

{وَمَا خلقت الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا ليعبدون} ليطيعون وَهَذَا أَمر خَاص لأهل طَاعَته وَيُقَال لَو خلقهمْ لِلْعِبَادَةِ مَا عصوا رَبهم طرفَة عين وَقَالَ عَليّ بن أبي طَالب مَا خلقتهمْ إِلَّا أَن آمُرهُم وأكلفهم وَيُقَال وَمَا خلقت الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا ليعبدون إِلَّا أَمرتهم أَن يوحدونى ويعبدونى

57

{مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ} لم أكلفهم أَن يرزقو أنفسهم {وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ} وَلم أكلفهم أَن يعينوني على أَرْزَاقهم

58

{إِنَّ الله هُوَ الرَّزَّاق} لِعِبَادِهِ {ذُو الْقُوَّة} على أعدائه {المتين} الشَّديد الْعقُوبَة لَهُم

59

{فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ} كفار مَكَّة {ذَنُوباً} عذَابا بعضه على أثر بعض {مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ} مثل عَذَاب الَّذين كَانُوا من قبلهم {فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ} بِالْعَذَابِ والهلاك

60

{فويل} شدَّة عَذَاب {للَّذين كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {مِن يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ} يخوفون فِيهِ من الْعَذَاب الَّذِي بَين فِي سُورَة الطّور وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الطّور وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها ثَمَان وَأَرْبَعُونَ وكلماتها ثَمَانمِائَة وثنتا عشرَة كلمة وحروفها ألف وَخَمْسمِائة {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

الطور

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {وَالطور} يَقُول أقسم الله بجبل زبير وكل جبل فَهُوَ طور بِلِسَان السريانية والقبط وَلَكِن عَنى الله بِهِ الْجَبَل الَّذِي كلم الله عَلَيْهِ مُوسَى وَهُوَ جبل مَدين واسْمه زبير أقسم الله بِهِ

2

{وَكِتَابٍ مُّسْطُورٍ} وَأقسم باللوح الْمَحْفُوظ مَكْتُوب فِيهِ أَعمال بني آدم

3

{فِي رَقٍّ} يَعْنِي أديماً {مَّنْشُورٍ} مَكْتُوب فِي صحف مَفْتُوحَة يَقْرَأها بَنو آدم يَوْم الْقِيَامَة وَهُوَ ديوَان الْحفظَة

4

{وَالْبَيْت الْمَعْمُور} وَأقسم بِالْبَيْتِ الْمَعْمُور بِالْمَلَائِكَةِ وَهُوَ فِي السَّمَاء السَّادِسَة بحيال الْكَعْبَة مَا بَينه وَبَين الْكَعْبَة إِلَى تخوم الْأَرْضين السَّابِعَة حرم يدْخل فِيهِ كل يَوْم سَبْعُونَ ألف ملك لَا يعودون إِلَيْهِ أبدا وَهُوَ الْبَيْت الَّذِي بناه آدم وَرفع إِلَى السَّمَاء السَّادِسَة من الطوفان وَهُوَ يُسمى الضراح وَهُوَ مُقَابل الْكَعْبَة

5

{والسقف الْمَرْفُوع} وَأقسم بالسماء المرفوعة فَوق كل شىء

6

{وَالْبَحْر الْمَسْجُور} وَأقسم بالبحر الممتلىء وَهُوَ بَحر فَوق السَّمَاء السَّابِعَة تَحت عرش الرَّحْمَن يُسمى الْحَيَوَان يحيي الله بِهِ الْخَلَائق يَوْم الْقِيَامَة وَيُقَال وَالْبَحْر الْمَسْجُور هُوَ بَحر حَار يصير نَارا وَيفتح فِي جَهَنَّم يَوْم الْقِيَامَة أقسم الله بِهَذِهِ الْأَشْيَاء

7

{إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ} يَوْم الْقِيَامَة {لَوَاقِعٌ} لكائن نَازل على قُرَيْش

8

{مَاله} للعذاب {مِن دَافِعٍ} من مَانع

9

{يَوْمَ تَمُورُ السمآء} تَدور السَّمَاء {مَوْراً} بِأَهْلِهَا دوراناً كدوران الرحا وتموج الْخَلَائق بَعضهم فِي بعض من الهول

10

{وَتَسِيرُ الْجبَال} على وَجه الأَرْض {سَيْراً} كسير السَّحَاب فِي الْهَوَاء

11

{فَوَيْلٌ} شدَّة الْعَذَاب {يَوْمَئِذٍ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {للمكذبين} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وَهُوَ أَبُو جهل وَأَصْحَابه

12

{الَّذين هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ} فِي بَاطِل يَخُوضُونَ

13

{يَوْمَ يُدَعُّونَ} يدْفَعُونَ {إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا} دفعا تدفعهم الْمَلَائِكَة وتجرهم على وُجُوههم إِلَى جَهَنَّم وَتقول لَهُم الزَّبَانِيَة

14

{هَذِه النَّار الَّتِي كُنتُم بِهَا} فِي الدُّنْيَا {تُكَذِّبُونَ} أَنَّهَا لَا تكون

15

{أَفَسِحْرٌ هَذَا} هَذَا الْيَوْم

وَهَذَا الْعَذَاب لأنكم قُلْتُمْ فِي الدُّنْيَا للأنبياء هم سحرة {أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ} لَا تعقلون يَقُول الله

16

{اصلوها} ادخلوها يَعْنِي النَّار {فَاصْبِرُوا} على عَذَابهَا {أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ} على عَذَابهَا {سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ} الْجزع وَالصَّبْر {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} وتقولون فِي الدُّنْيَا

17

ثمَّ بَين مُسْتَقر الْمُؤمنِينَ أبي بكر وَأَصْحَابه فَقَالَ {إِنَّ الْمُتَّقِينَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش {فِي جَنَّاتٍ} فِي بساتين {وَنَعِيمٍ} دَائِم

18

{فَاكِهِينَ} معجبين {بِمَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ} بِمَا أَعْطَاهُم رَبهم فِي الْجنَّة {وَوَقَاهُمْ} دفع عَنْهُم {رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيم} عَذَاب النَّار فَيَقُول الله لَهُم

19

{كُلُواْ} من ثمار الْجنَّة {وَاشْرَبُوا} من أنهارها {هَنِيئَاً} بِلَا دَاء وَلَا إِثْم وَلَا موت {بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} وتقولون فِي الدُّنْيَا

20

{مُتَّكِئِينَ} جالسين {على سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ} قد صف بَعْضهَا إِلَى بعض {وَزَوَّجْنَاهُم} قرناهم فِي الْجنَّة {بِحُورٍ} بجوار بيض {عِينٍ} عِظَام الْأَعْين حسان الْوُجُوه

21

{وَالَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وَصَدقُوا بإيمَانهمْ {وَاتَّبَعتهمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ} بِإِيمَان الذُّرِّيَّة فِي الدُّنْيَا {أَلْحَقْنَا بِهِمْ} بِالْآبَاءِ {ذُرِّيَّتَهُمْ} فِي الْآخِرَة فِي دَرَجَة آبَائِهِم وَيُقَال وَالَّذين آمنُوا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن يدخلهم الْجنَّة وأتبعتهم ذُرِّيتهمْ الصغار فِي درجاتهم بِإِيمَان الذُّرِّيَّة يَوْم الْمِيثَاق ألحقنا بهم بِالْآبَاءِ يَقُول ألحقنا بدرجات الْآبَاء ذُرِّيتهمْ المدركين إِذا كَانَت دَرَجَة آبَائِهِم أرفع {وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ} يَقُول لم ننقص من دَرَجَة الْآبَاء وثوابهم لأجل إِلْحَاق الذُّرِّيَّة بهم {كل امْرِئ بِمَا كَسَبَ} من الذُّنُوب {رَهَينٌ} مُرْتَهن فيفعل الله بهم مَا يَشَاء

22

{وَأَمْدَدْنَاهُم} أعطيناهم يَعْنِي أهل الْجنَّة فِي الْجنَّة {بِفَاكِهَةٍ} بألوان الْفَاكِهَة {وَلَحْمٍ} أَي لحم طير {مِّمَّا يَشْتَهُونَ} يتمنون

23

{يَتَنَازَعُونَ فِيهَا} يتعاطون فِي الْجنَّة {كَأْساً} خمرًا {لاَّ لَغْوٌ فِيهَا} لَا وجع للبطن من شربهَا {وَلاَ تَأْثِيمٌ} لَا إِثْم عَلَيْهِم فِي شربهَا وَيُقَال لَا لَغْو فِيهَا لَا بَاطِل فِيهَا وَلَا حلف فِي الْجنَّة وَلَا تأثيم لَا يشْتم وَلَا يكذب بَعضهم بَعْضًا

24

{وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ} فِي الْخدمَة {غِلْمَانٌ} وصفاء {لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ} فِي الصفاء {لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ} قد كن من الْحر وَالْبرد والقر

25

{وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ} فِي الزِّيَارَة {يَتَسَآءَلُونَ} يتحدثون من أَمر الدُّنْيَا

26

{قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ} قبل دُخُول الْجنَّة {فِي أَهْلِنَا} مَعَ أهلنا فِي الدُّنْيَا {مُشْفِقِينَ} خَائِفين من عَذَاب الله

27

{فَمَنَّ الله عَلَيْنَا} بالمغفرة وَالرَّحْمَة وَدخُول الْجنَّة {وَوَقَانَا} دفع عَنَّا {عَذَابَ السمُوم} عَذَاب النَّار

28

{إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ} من قبل الْمَغْفِرَة وَالرَّحْمَة {نَدْعُوهُ} نعبده ونوحده {إِنَّهُ هُوَ الْبر} الصَّادِق فِي قَوْله فِيمَا وعد لنا {الرَّحِيم} بعباده الْمُؤمنِينَ إِذْ رحمنا

29

{فَذَكِّرْ} فعظ يَا مُحَمَّد {فَمَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ} بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام {بِكَاهِنٍ} تخبر بِمَا فِي الْغَد {وَلاَ مَجْنُونٍ} لَا تختنق

30

{أَمْ يَقُولُونَ} بل يَقُولُونَ كفار مَكَّة أَبُو جهل والوليد بن الْمُغيرَة وَأَصْحَابه {شَاعِرٌ} يتقوله من تِلْقَاء نَفسه {نَّتَرَبَّصُ بِهِ} نَنْتَظِر بِهِ {رَيْبَ الْمنون} أوجاع الْمَوْت

31

{قل} يَا مُحَمَّد لأبى جهل والوليد بن الْمُغيرَة وَأَصْحَابه {تَرَبَّصُواْ} انتظروا موتِي {فَإِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ المتربصين} من المنتظرين بكم الْعَذَاب فعذبوا يَوْم بدر

32

{أم تَأْمُرهُمْ} أتأمرهم {أحلامهم} أى عُقُولهمْ {بِهَذَا} التَّكْذِيب والشتم والأذى بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهَذِه طعنة لَهُم من الله {أَمْ هُمْ} بل هم {قَوْمٌ طَاغُونَ} كافرون عالون فِي مَعْصِيّة الله

33

{أَمْ يَقُولُونَ} بل يَقُولُونَ كفار مَكَّة {تَقَوَّلَهُ} تخلق وَكذب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن من تِلْقَاء نَفسه {بَل لاَّ يُؤْمِنُونَ} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي علم الله

34

{فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ} فليجيئوا بقرآن مثل قُرْآن مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من تِلْقَاء أنفسهم {إِن كَانُواْ صَادِقِينَ} أَن مُحَمَّدًا تَقوله من تِلْقَاء

نَفسه

35

{أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ} من غير أَب وَيُقَال من غير رب {أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} غير المخلوقين

36

{أَمْ خَلَقُواْ السَّمَاوَات وَالْأَرْض} بل الله خلقهما {بل لَا يوقنون} بل لَا يصدقون بمحمدا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن

37

{أَمْ عِندَهُمْ} أعندهم {خَزَآئِنُ رَبِّكَ} مَفَاتِيح خَزَائِن رَبك بالمطر والرزق والنبات والنبوة {أَمْ هُمُ المصيطرون} المسلطون على ذَلِك

38

{أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ} يصعدون فِيهِ إِلَى السَّمَاء {فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} بِحجَّة بَيِّنَة على مَا يَقُولُونَ

39

{أَمْ لَهُ الْبَنَات} ترْضونَ لَهُ وَأَنْتُم تكرهونهن {وَلَكُمُ البنون} تختارونهم

40

{أَمْ تَسْأَلُهُمْ} يَا مُحَمَّد {أَجْراً} جعلا على الْإِيمَان {فهم من مغرم} من الْغرم {مثقلون} بالإجابة

41

{أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْب} بِأَنَّهُم لَا يبعثون {فَهُمْ يَكْتُبُونَ} أَي أم مَعَهم كتاب يَكْتُبُونَ مَا يشاءون من اللَّوْح الْمَحْفُوظ فهم يَكْتُبُونَ مِنْهُ مَا يَقُولُونَ ويعملون

42

{أَمْ يُرِيدُونَ} بل يُرِيدُونَ {كَيْداً} قَتلك يَا مُحَمَّد {فَالَّذِينَ كَفَرُواْ} كفار مَكَّة أَبُو جهل وَأَصْحَابه الَّذين أَرَادوا قتل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {هُمُ المكيدون} المقتولون يَوْم بدر

43

{أَمْ لَهُمْ إِلَه غَيْرُ الله} يمنعهُم من عَذَاب الله {سُبْحَانَ الله} نزه نَفسه {عَمَّا يُشْرِكُونَ} بِهِ من الْأَوْثَان

44

{وَإِن يَرَوْاْ} كفار مَكَّة {كِسْفاً} قطعا {مِّنَ السمآء سَاقِطاً} نازلاً {يَقُولُواْ سَحَابٌ مَّرْكُومٌ} هَذَا سَحَاب مركوم بعضه على بعض من تكذيبهم

45

{فَذَرْهُمْ} اتركهم يَا مُحَمَّد {حَتَّى يُلاَقُواْ} يعاينوا {يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ} يموتون

46

{يَوْمَ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {لاَ يُغْنِي عَنْهُمْ} عَن أبي جهل وَأَصْحَابه {كَيْدُهُمْ} لَا يَنْفَعهُمْ صنيعهم من عَذَاب الله {شَيْئاً وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} يمْنَعُونَ عَمَّا يُرَاد بهم

47

{وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ} أشركوا كفار مَكَّة {عَذَاباً} فِي الْقَبْر {دُونَ ذَلِك} دون عَذَاب جَهَنَّم {وَلَكِن أَكْثَرَهُمْ} كلهم {لاَ يَعْلَمُونَ} ذَلِك وَلَا يصدقون

48

{واصبر لِحُكْمِ رَبِّكَ} على تَبْلِيغ رِسَالَة رَبك وَيُقَال ارْض بِقَضَاء رَبك فِيمَا يصيبك فِي طَاعَة الله {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} بمنظر منا {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} صل بِأَمْر رَبك {حِينَ تَقُومُ} من فراشك صَلَاة الْفجْر

49

{وَمِنَ اللَّيْل} وَإِلَى اللَّيْل وَبعد دُخُول اللَّيْل {فَسَبِّحْهُ} فصل لَهُ صَلَاة الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء {وَإِدْبَارَ النُّجُوم} رَكْعَتَيْنِ بعد الْفجْر وإدبار النَّجْم إِذا هوى وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا النَّجْم وهى كلهَا مَكِّيَّة إِلَّا الْآيَة الَّتِى نزلت فى عُثْمَان وَعبد الله ابْن سعد بن أَبى سرح فانها مَدَنِيَّة آياتها سِتُّونَ وكلماتها ثلثمِائة وحروفها ألف وَأَرْبَعمِائَة وَخَمْسَة أحرف {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

النجم

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله جلّ ذكره {والنجم إِذَا هوى} يَقُول أقسم الله بِالْقُرْآنِ إِذا نزل بِهِ جِبْرِيل على مُحَمَّد نجوماً آيَة وآيتين وَثَلَاثًا وأربعاً وَكَانَ من أَوله إِلَى آخِره عشرُون سنة فَلَمَّا نزلت هَذِه الْآيَة سمع عتبَة بن أبي لَهب أَن مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقسم بنجوم الْقُرْآن فَقَالَ أبلغوا مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنِّي كَافِر بنجوم الْقُرْآن فَلَمَّا بلغُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ اللَّهُمَّ سلط عَلَيْهِ سبعا من سباعك فَسلط الله عَلَيْهِ أسداً قَرِيبا من حران فَأخْرجهُ من بَين أَصْحَابه غير بعيد ومزقه من رَأسه إِلَى قدمه وَلم يذقه لنجاسته وَلَكِن تَركه كَمَا كَانَ لدَعْوَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ أقسم الله بالنجوم إِذا غَابَتْ

2

{مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ} وَلِهَذَا كَانَ الْقسم مَا كذب نَبِيكُم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا قَالَ لكم {وَمَا غوى} لم يخطىء وَلم يضل فِي قَوْله

3

{وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهوى} لم يتَكَلَّم بِالْقُرْآنِ بهوى نَفسه

4

{إِنْ هُوَ} مَا هُوَ يَعْنِي الْقُرْآن

{إِلاَّ وَحْيٌ} من الله {يُوحى} إِلَيْهِ جِبْرِيل حَتَّى جَاءَ إِلَيْهِ وقرأه عَلَيْهِ

5

{عَلَّمَهُ} أَي أعلمهُ جِبْرِيل {شَدِيدُ القوى} وَهُوَ شَدِيد الْقُوَّة بِالْبدنِ

6

{ذُو مِرَّةٍ} ذُو شدَّة وَيُقَال ذُو قُوَّة وَكَانَت قوته حَيْثُ أَدخل يَده تَحت قريات لوط فقلعها من المَاء الْأسود ورفعها إِلَى السَّمَاء وقلبها فَأَقْبَلت تهوي من السَّمَاء إِلَى الأَرْض وَكَانَت شدته حَيْثُ أَخذ بِعضَادَتَيْ بَاب أنطاكية فصاح فِيهَا صَيْحَة فَمَاتَ من فِيهَا من الْخَلَائق وَيُقَال كَانَت شدته حَيْثُ نفح إِبْلِيس نفحة بريشة من جنَاحه على عقبَة من أعقاب بَيت الْمُقَدّس فمضربه على أقْصَى حجر بِالْهِنْدِ {فَاسْتَوَى} جِبْرِيل فِي صورته الَّتِي خلقه الله عَلَيْهَا وَيُقَال فَاسْتَوَى فِي صُورَة خلق حسن

7

{وَهُوَ بالأفق الْأَعْلَى} بمطلع الشَّمْس وَيُقَال فِي السَّمَاء السَّابِعَة

8

{ثمَّ دنا} جِبْرِيل إِلَى مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيُقَال مُحَمَّد إِلَى ربه {فَتَدَلَّى} فتقرب

9

{فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ} من قسي الْعَرَب {أَوْ أدنى} بل أدنى بِنصْف قَوس

10

{فَأوحى إِلَى عَبْدِهِ} جِبْرِيل {مَآ أوحى} إِلَى عَبده مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيُقَال فَأوحى جِبْرِيل إِلَى عَبده مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام مَا أوحى الَّذِي أوحى وَيُقَال فَأوحى إِلَى عَبده مُحَمَّد الَّذِي أوحى

11

{مَا كذب الْفُؤَاد} فؤاد مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {مَا أرى} الذى رأى بِهِ بِقَلْبِه وَيُقَال رأى ربه بفؤاده وَيُقَال ببصره وَهَذَا جَوَاب الْقسم

12

فَلَمَّا أخْبرهُم النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كذبوه فَنزل {أَفَتُمَارُونَهُ} أفتكذبونه {على مَا يرى} على مَا قدر أَي مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام وَإِن قَرَأت بِالْألف يَقُول أفتجادلونه على مَا قد رأى

13

{وَلَقَد رَآهُ} يَعْنِي رأى مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جِبْرِيل وَيُقَال ربه بفؤاده وَيُقَال ببصره {نَزْلَةً أُخْرَى} مرّة أُخْرَى غير الَّتِي أخْبركُم بهَا

14

{عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى} الَّتِي يَنْتَهِي إِلَيْهَا كل ملك مقرب وَنَبِي مُرْسل وَيُقَال يَنْتَهِي إِلَيْهَا علم كل ملك مقرب وَنَبِي مُرْسل وعالم راسخ

15

{عِندَهَا} عِنْد السِّدْرَة {جَنَّةُ المأوى} تأوي إِلَيْهَا أَرْوَاح الشُّهَدَاء

16

{إِذْ يغشى السِّدْرَة} يَعْلُو السِّدْرَة {مَا يغشى} مَا يَعْلُو فرَاش من ذهب وَيُقَال نور وَيُقَال مَلَائِكَة

17

{مَا زَاغَ الْبَصَر} مَا مَال الْبَصَر بصر مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَمِينا وَلَا شمالاً بِمَا رأى {وَمَا طَغى} مَا تجَاوز عَمَّا رأى جِبْرِيل لَهُ سِتّمائَة جنَاح

18

{لقد رأى} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} من عجائب ربه الْكُبْرَى أَي الْعُظْمَى

19

{أَفَرَأَيْتُمُ} أفتظنون يَا أهل مَكَّة أَن {اللات والعزى} الْأُخْرَى

20

{وَمَنَاةَ الثَّالِثَة الْأُخْرَى} تنفعكم فِي الْآخِرَة بل لَا تنفعكم وَيُقَال أفتظنون أَن عبادتكم اللات والعزى الْأُخْرَى وَمَنَاة الثَّالِثَة فِي الدُّنْيَا تنفعكم فى الْآخِرَة لَا تنفعكم أما اللات فَكَانَت صنماً بِالطَّائِف لثقيف يعبدونها وَأما الْعُزَّى فَكَانَت شَجَرَة بِبَطن نَخْلَة لغطفان يعبدونها وَمَا مَنَاة الثَّلَاثَة فَكَانَت صنماً بِمَكَّة لهذيل وخزاعة يعبدونها من دون الله

21

{أَلَكُمُ الذّكر} يَا أهل مَكَّة ترضونه لأنفسكم {وَلَهُ الْأُنْثَى} وَأَنْتُم تكرهونها وَلَا ترضونها لأنفسكم

22

{تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضيزى} جائرة

23

{إِنْ هِيَ} مَا هِيَ اللات والعزى وَمَنَاة الثَّالِثَة {إِلاَّ أَسْمَآءٌ} أصنام {سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم} الْآلهَة وَيُقَال صنعتموها أَنْتُم وآباؤكم لأنفسكم {مَّآ أَنَزَلَ الله بِهَا} بعبادتكم لَهَا وتسميتكم لَهَا {مِن سُلْطَانٍ} من كتاب فِيهِ حجتكم {إِن يَتَّبِعُونَ} مَا يعْبدُونَ اللات والعزى وَمَنَاة الثَّالِثَة وَمَا يسمونها الْآلهَة {إِلاَّ الظَّن} إِلَّا بِالظَّنِّ بِغَيْر يَقِين {وَمَا تَهْوَى الْأَنْفس} وبهوى الْأَنْفس {وَلَقَدْ جَآءَهُم} يَعْنِي أهل مَكَّة {مِّن رَّبِّهِمُ الْهدى} الْبَيَان فِي الْقُرْآن بِأَن لَيْسَ لله ولد وَلَا شريك

24

{أَمْ لِلإِنسَانِ} لأهل مَكَّة {مَا تمنى} مَا يشتهون أَن الْمَلَائِكَة والأصنام يشفعون لَهُم

25

{فَلِلَّهِ الْآخِرَة} بِإِعْطَاء الثَّوَاب والكرامة والشفاعة وَالْأولَى بِإِعْطَاء الْمعرفَة والتوفيق

26

{وَكَمْ مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَات} مِمَّن زعمتم أَنهم بَنَات الله {لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً} لَا يشفعون لأحد {إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ الله} يَأْمر الله بالشفاعة {لِمَن يَشَآءُ} لمن كَانَ أَهلا لذَلِك من الْمُؤمنِينَ {ويرضى} عَنْهُم بِالتَّوْحِيدِ

27

{إِنَّ الَّذين لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَة} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت يَعْنِي كفار مَكَّة

{لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَة تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى} يجعلونهم بَنَات الله

28

{وَمَا لَهُم بِهِ} بِمَا يَقُولُونَ {مِنْ عِلْمٍ} من حجَّة وَلَا بَيَان {إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّن} مَا يَقُولُونَ إِلَّا الظَّن يَعْنِي بِغَيْر يَقِين يفترون {وَإِنَّ الظَّن} وَإِن عبَادَة الظَّن وَقَول الظَّن {لاَ يُغْنِي مِنَ الْحق} من عَذَاب الله {شَيْئاً}

29

{فَأَعْرِضْ} وَجهك يَا مُحَمَّد {عَن مَّن تولى} أعرض {عَن ذِكْرِنَا} عَن توحيدنا وَكِتَابنَا {وَلَمْ يُرِدْ} بِعَمَلِهِ {إِلاَّ الْحَيَاة الدُّنْيَا} مَا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا يَعْنِي أَبَا جهل وَأَصْحَابه

30

{ذَلِك مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعلم} هَذَا غَايَة علمهمْ وعقلهم ورأيهم إِذْ قَالُوا إِن الْمَلَائِكَة والأصنام بَنَات الله وَإِن الْآخِرَة لَا تكون {إِنَّ رَبَّكَ} يَا مُحَمَّد {هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ} عَن دينه يَعْنِي أَبَا جهل وَأَصْحَابه {وَهُوَ أعلم بِمن اهْتَدَى} لدينِهِ يعْنى أَبَا بكر

31

{وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَات} من الْخلق {وَمَا فِي الأَرْض} من الْخلق كلهم عبيد الله {ليجزي الَّذين أساؤوا} أشركوا {بِمَا عَمِلُواْ} فِي شركهم {وَيِجْزِيَ الَّذين أَحْسَنُواْ} وحدوا {بِالْحُسْنَى} بِالتَّوْحِيدِ الْجنَّة

32

ثمَّ بَين عَمَلهم فِي الدُّنْيَا فَقَالَ {الَّذين يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْم} يَعْنِي الشّرك بِاللَّه والعظائم من الذُّنُوب {وَالْفَوَاحِش} الزِّنَا والمعاصي {إِلاَّ اللمم} إِلَّا النّظر والغمزة واللمزة يلوم بهَا نَفسه وَيَتُوب عَنْهَا وَيُقَال إِلَّا التَّزْوِيج {إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَة} لمن تَابَ من الْكَبَائِر والصغائر {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ} مِنْكُم من أَنفسكُم {إِذْ أَنشَأَكُمْ} خَلقكُم {مِّنَ الأَرْض} من آدم وآدَم من تُرَاب وَالتُّرَاب من الأَرْض {وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ} صغَار {فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} قد علم الله فِي هَذِه الْأَحْوَال مَا يكون مِنْكُم {فَلاَ تزكوا أَنفُسَكُمْ} فَلَا تبرئوا أَنفسكُم من الذُّنُوب {هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى} من الْمعْصِيَة وَأصْلح

33

{أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تولى} أعرض عَن نَفَقَته وصدقته على فُقَرَاء أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

34

{وَأعْطى قَلِيلاً} يَسِيرا فِي الله {وأكدى} قطع نَفَقَته وصدقته فِي سَبِيل الله

35

{أَعِندَهُ عِلْمُ الْغَيْب} اللَّوْح الْمَحْفُوظ {فَهُوَ يرى} صَنِيعه فِيهِ إِنَّه كَمَا صنع نزلت هَذِه الْآيَة فِي عُثْمَان بن عَفَّان وَكَانَ كثير النَّفَقَة وَالصَّدَََقَة على أَصْحَاب النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَقِيَهُ عبد الله بن سعد بن أبي سرح فَقَالَ لَهُ أَرَاك تنْفق على هَؤُلَاءِ مَالا كثيرا فَأَخَاف أَن تبقى بِلَا شَيْء فَقَالَ لَهُ عُثْمَان لي خَطَايَا وذنوب كَثِيرَة أُرِيد تكفيرها ورضا الرب فَقَالَ لَهُ عبد الله أَعْطِنِي زِمَام نَاقَتك وأحمل عَنْك مَا يكون عَلَيْك من الذُّنُوب والخطايا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَأعْطَاهُ زِمَام نَاقَته وَاقْتصر عَن نَفَقَته وصدقته فَنزلت فِيهِ هَذِه الْآيَة

36

{أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ} يخبر فِي الْقُرْآن {بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى}

37

{وَإِبْرَاهِيمَ} فِي التَّوْرَاة وصحف إِبْرَاهِيم يَقُول {الَّذِي وفى} يَعْنِي إِبْرَاهِيم الَّذِي بلغ رسالات ربه وَعمل بِمَا أَمر بِهِ وَيُقَال وَفِي رُؤْيَاهُ

38

{أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} يَقُول لَا تحمل حاملة حمل أُخْرَى مَا عَلَيْهَا من الذَّنب وَيُقَال لَا تعذب نفس بذنب نفس أُخْرَى

39

{وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ} يَوْم الْقِيَامَة {إِلاَّ مَا سعى} إِلَّا مَا عمل من الْخَيْر وَالشَّر فى الدُّنْيَا

40

{وَأَنَّ سَعْيَهُ} عمله {سَوْفَ يرى} فِي ديوانه وميزانه

41

{ثُمَّ يُجْزَاهُ الجزآء الأوفى} الأوفر بالْحسنِ حسنا وبالسيىء سَيِّئًا

42

{وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهى} مرجع الْخَلَائق بعد الْمَوْت ومصيرهم فِي الْآخِرَة

43

{وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ} أهل الْجنَّة بِمَا يسرهم من الْكَرَامَة {وأبكى} أهل النَّار بِمَا يحزنهم من الهوان

44

{وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ} فِي الدُّنْيَا {وَأَحْيَا} للبعث وَيُقَال أمات الْآبَاء وَأَحْيَا الْأَبْنَاء

45

{وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ} الصِّنْفَيْنِ {الذّكر وَالْأُنْثَى}

46

{مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تمنى} تهراق فِي رحم الْمرْآة وَيُقَال تخلق

47

{وَأَنَّ عَلَيْهِ النشأة الْأُخْرَى} الْخلق الآخر بِالْبَعْثِ

48

{وَأَنَّهُ هُوَ أغْنى} نَفسه عَن خلقه {وأقنى} أفقر خلقه إِلَى نَفسه وَيُقَال إِنَّه هُوَ أغْنى أرْضى خلقه وأقنى أقنع وَيُقَال

إِنَّه أغْنى بِالْمَالِ وأقنى أرْضى بِمَا أعْطى وَيُقَال إِنَّه أغْنى بِالذَّهَب وَالْفِضَّة وأقنى أقنع بِالْإِبِلِ وَالْبَقر وَالْغنم

49

{وَأَنه هُوَ رب الشعرى} الْكَوْكَب الْفَتى يتبع الجوزاء كَانَ يعبده خُزَاعَة

50

{وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الأولى} قوم هود

51

{وَثَمُودَ} قوم صَالح {فَمَآ أبقى} فَلم يتْرك مِنْهُم أحدا

52

{وَقَوْمَ نُوحٍ} وَأهْلك قوم نوح {مِّن قَبْلُ} من قبل قوم صَالح {إِنَّهُمْ} يَعْنِي قوم نوح {كَانُواْ هُمْ أَظْلَمَ} أَشد فِي كفرهم {وأطغى} أَشد فِي طغيانهم ومعصيتهم

53

{والمؤتفكة أَهْوى} وَأهْلك قريات لوط سدوم وصادوم وعمورا وصوائم والمؤتفكات المنخنفات وائتفكها خسفها أَهْوى هوت من السَّمَاء إِلَى الأَرْض

54

{فَغَشَّاهَا مَا غشى} يَعْنِي الْحِجَارَة

55

{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكَ} فَبِأَي نعماء رَبك أَيهَا الْإِنْسَان غير مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {تتمارى} تتجاحد أَنَّهَا لَيست من الله

56

{هَذَا نَذِير} يعْنى مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَسُول مخوف {مِّنَ النّذر الأولى} كالرسل الأولى الَّذين أرسلناهم إِلَى قَومهمْ وَيُقَال هَذَا نَذِير من النّذر رَسُول من الرُّسُل الأولى الَّذين هم مكتوبون فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ أَن أرسلهم إِلَى قَومهمْ

57

{أَزِفَتِ الآزفة} دنا قيام السَّاعَة

58

{لَيْسَ لَهَا} لقيامها {مِن دُونِ الله} غير الله {كَاشِفَةٌ} مُبين يبين قِيَامهَا ووقتها

59

{أَفَمِنْ هَذَا الحَدِيث} يَقُول أَمن هَذَا الْقُرْآن الذى يقْرَأ عَلَيْكُم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا أهل مَكَّة {تَعْجَبُونَ} تسخرون وَيُقَال تكذبون

60

{وَتَضْحَكُونَ} تهزءون وَيُقَال تسخرون {وَلاَ تَبْكُونَ} مِمَّا فِيهِ من الزّجر والوعيد والتخويف

61

{وَأَنْتُم سامدون} لَا هون عَنهُ لَا تؤمنون بِهِ

62

{فاسجدوا لله} فاخضعوا لله وبالتوحيد وَالتَّوْبَة {واعبدوا} وحدوا الله لله فقد اقْتَرَبت السَّاعَة وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْقَمَر وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها خمس وَخَمْسُونَ وكلماتها ثَلَاثمِائَة وَاثْنَتَانِ وَأَرْبَعُونَ وحروفها ألف وَأَرْبَعمِائَة وَثَلَاثَة أحرف {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

القمر

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {اقْتَرَبت السَّاعَة} يَقُول دنا قيام السَّاعَة بِخُرُوج مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونزول الدُّخان {وَانْشَقَّ الْقَمَر} نِصْفَيْنِ وَهُوَ من عَلَامَات الْقِيَامَة

2

{وَإِن يَرَوْاْ آيَةً} مثل انْشِقَاق الْقَمَر {يُعْرِضُواْ} يكذبوا بِالْآيَةِ {وَيَقُولُواْ} الْآيَة {سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ} قوي شَدِيد مَصْنُوع سيذهب

3

{وَكَذَّبُواْ} بِالْآيَةِ وَقيام السَّاعَة {وَاتبعُوا أَهْوَآءَهُمْ} بتكذيب الْآيَة وَقيام السَّاعَة وبعبادة الْأَوْثَان {وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ} وَلكُل قَول من الله أَو من رَسُوله فِي الْوَعْد والوعيد والبشرى بِالْجنَّةِ وَالنَّار أَو بِالرَّحْمَةِ أَو بِالْعَذَابِ فعل وَحَقِيقَة سنة مَا يكون فِي الدُّنْيَا فسيظهر وَمِنْه مَا يكون فِي الْآخِرَة فيتبين وَيُقَال وَلكُل فعل وَقَول من الْعباد حَقِيقَة وحقيقتهم فِي الْقلب

4

{وَلَقَدْ جَآءَهُم} أهل مَكَّة فِي الْقُرْآن {مِّنَ الأنبآء} من أَخْبَار الْأُمَم الْمَاضِيَة كَيفَ هَلَكُوا عِنْد التَّكْذِيب {مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ} نهي وازدجار

5

{حِكْمَةٌ} الْقُرْآن {بَالِغَةٌ} حِكْمَة من الله أبلغهم عَن الله {فَمَا تُغْنِ النّذر} يَعْنِي الرُّسُل عَن قوم لَا يُؤمنُونَ بِاللَّه فِي علم الله

6

{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} أعرض عَنْهُم يَا مُحَمَّد ثمَّ أَمرهم بِالْقِتَالِ {يَوْمَ يَدْعُ الداع} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {إِلَى شَيْءٍ نُّكُرٍ} مُنكر عَظِيم شَدِيد أهل الْجنَّة إِلَى الْجنَّة وَأهل النَّار إِلَى النَّار

7

{خُشَّعاً} ذليلة {أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجداث} من الْقُبُور فِي النفخة الْأُخْرَى {كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ} يَقُول يجول بَعضهم فِي بعض مثل الْجَرَاد

8

{مُّهْطِعِينَ} مُسْرِعين مقصدين ناظرين {إِلَى الداع} مَاذَا يَأْمُرهُم {يَقُولُ الْكَافِرُونَ} يَوْم الْقِيَامَة {هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} شَدِيد شدد ذَلِك الْيَوْم

عَلَيْهِم

9

{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ} قبل قَوْمك يَا مُحَمَّد {قَوْمُ نُوحٍ} نوحًا {فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا} نوحًا {وَقَالُواْ مَجْنُونٌ} يختنق {وازدجر} زجروه عَن مقَالَته وصاحوا بِهِ وَقَالُوا أَنْت مستطير الْفُؤَاد ذَاهِب الْعقل

10

{فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ} مقهور {فانتصر} فأعني بِالْعَذَابِ

11

{فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ السمآء} طرق السَّمَاء أَرْبَعِينَ يَوْمًا {بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ} مطر منصب من السَّمَاء على الأَرْض

12

{وَفَجَّرْنَا} شققنا {الأَرْض عُيُوناً} بِالْمَاءِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا {فَالْتَقَى المآء} مَاء السَّمَاء وَمَاء الأَرْض {على أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} على مِقْدَار قَدرنَا مَاء السَّمَاء وَمَاء الأَرْض وَيُقَال على قَضَاء قد قضى بِهَلَاك قوم نوح

13

{وَحَمَلْنَاهُ} يَعْنِي نوحًا وَمن آمن بِهِ {على ذَاتِ أَلْوَاحٍ} عوارض {وَدُسُرٍ} مسامير وَشرط وكل شَيْء يشد بِهِ السَّفِينَة فَهُوَ دسر

14

{تَجْرِي} تسير السَّفِينَة {بِأَعْيُنِنَا} بمنظر منا {جَزَآءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ} يَقُول جَزَاء قوم نوح بِمَا كفرُوا بِهِ

15

{وَلَقَدْ تَّرَكْنَاهَا آيَةً} عَلامَة للنَّاس يَعْنِي سفينة نوح بعد نوح وَيُقَال مثل سفينة نوح {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} فَهَل من متعظ يتعظ بِمَا صنع بِقوم نوح فَيتْرك الْمعْصِيَة

16

{فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} فَانْظُر يَا مُحَمَّد كَيفَ كَانَ عَذَابي عَلَيْهِم وَكَيف كَانَ حَال منذري لمن أَنْذرهُمْ نوح فَلم يُؤمنُوا

17

{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآن} هونا الْقُرْآن {لِلذِّكْرِ} للْحِفْظ وَالْقِرَاءَة وَالْكِتَابَة وَيُقَال هونا قِرَاءَة الْقُرْآن {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} فَهَل من طَالب علم فيعان عَلَيْهِ

18

{كَذَّبَتْ عَادٌ} قوم هود هوداً {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} انْظُر يَا مُحَمَّد كَيفَ كَانَ عَذَابي عَلَيْهِم وَنذر كَيفَ كَانَ حَال منذري لمن أَنْذرهُمْ الرَّسُول هود فَلم يُؤمنُوا

19

{إِنَّآ أَرْسَلْنَا} سلطنا {عَلَيْهِمْ} على قوم هود {رِيحاً صَرْصَراً} بَارِدًا شَدِيدا وَهُوَ ريح الدبور {فِي يَوْم نحس مُسْتَمر} مشئوم عَلَيْهِم مُسْتَمر ذَاهِب على الصَّغِير وَالْكَبِير

20

{تَنزِعُ النَّاس} تقلع قوم هود من أماكنهم {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ} كَأَنَّهُمْ أوراك نخل وَيُقَال أسافل نخل {مُّنقَعِرٍ} منقلع من أُصُولهَا

21

{فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي} انْظُر يَا مُحَمَّد كَيفَ كَانَ عَذَابي عَلَيْهِم {وَنُذُرِ} فَكيف كَانَ حَال منذري لمن أَنْذرهُمْ هود فَلم يُؤمنُوا

22

{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآن} هونا الْقُرْآن {لِلذِّكْرِ} للْحِفْظ وَالْقِرَاءَة {فَهَل من مدكر} من متعظ يتعظ بِمَا صنع بِقوم هود فَيتْرك الْمعْصِيَة

23

{كَذَّبَتْ ثَمُودُ} قوم صَالح {بِالنذرِ} صَالحا وَجُمْلَة الرُّسُل

24

{فَقَالُوا أَبَشَراً مِّنَّا} آدَمِيًّا مثلنَا {وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ} فِي دينه وَأمره {إِنَّآ إِذاً} إِن فعلنَا {لَّفِي ضَلاَلٍ} فِي خطأ بَين {وَسُعُرٍ} تَعب وعناء

25

{أؤلقي الذِّكْرُ} أخص بِالنُّبُوَّةِ {عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا} وَنحن أشرف مِنْهُ {بَلْ هُوَ كَذَّابٌ} يكذب على الله {أَشِرٌ} بطر مرح يعنون صَالحا فَقَالَ لَهُم صَالح

26

{سَيَعْلَمُونَ غَداً} يَوْم الْقِيَامَة {مَّنِ الْكذَّاب} على الله {الأشر} البطر المرح فَقَالَ الله لصالح

27

{إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقة} مخرجو النَّاقة من الصَّخْرَة {فِتْنَةً لَّهُمْ} بلية لقَوْمك {فارتقبهم} فانتظرهم إِلَى خُرُوج النَّاقة {واصطبر} اصبر على أذاهم وعَلى قَتلهمْ النَّاقة

28

{وَنَبِّئْهُمْ} أخْبرهُم {أَنَّ المآء} مَاء الْبِئْر {قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} وَبَين النَّاقة يَوْم لَهَا وَيَوْم لَهُم {كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ} كل شَارِب لحضور صَاحبه فَأخْبرهُم صَالح فرضوا بذلك ومكثوا على ذَلِك زَمَانا فغلب عَلَيْهِم الشَّقَاء

29

{فَنَادَوْاْ صَاحِبَهُمْ} نَادَى مصدع وقدار بن سالف بعد مَا رَمَاهَا مصدع بن دهر بِسَهْم {فتعاطى} فَتَنَاول قدار بِسَهْم آخر {فَعَقَرَ} فَقتلُوا النَّاقة وقسموا لَحمهَا

30

{فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} فَانْظُر يَا مُحَمَّد كَيفَ كَانَ عَذَابي عَلَيْهِم وَكَيف كَانَ حَال منذري لمن أَنْذرهُمْ صَالح فَلم يُؤمنُوا

31

{إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً} أَي صَيْحَة جِبْرِيل بِالْعَذَابِ بعد ثَلَاثَة أَيَّام من قتل النَّاقة {فَكَانُواْ كَهَشِيمِ المحتظر} فصاروا كالشيء الَّذِي داسته الْغنم فِي الحظيرة

32

{وَلَقَد يَسَّرْنَا الْقُرْآن} هونا الْقُرْآن {لِلذِّكْرِ} للعظة وَالْحِفْظ وَالْقِرَاءَة {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} فَهَل من متعظ فيتعظ بِمَا صنع بِقوم صَالح فَيتْرك الْمعْصِيَة وَيُقَال فَهَل من طَالب علم فيعان عَلَيْهِ

33

{كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنذرِ}

لوطاً وَجُمْلَة الرُّسُل

34

{إِنَّآ أَرْسَلْنَا} أنزلنَا {عَلَيْهِمْ حَاصِباً} حِجَارَة {إِلاَّ آلَ لُوطٍ} إِلَّا على لوط وابنتيه زاعورا وريثا {نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ} عِنْد السحر

35

{نِّعْمَةً} رَحْمَة {مِّنْ عِندِنَا كَذَلِك} هَكَذَا {نَجْزِي مَن شَكَرَ} من وحد وشكر نعْمَة الله بالنجاة

36

{وَلَقَدْ أَنذَرَهُمْ} خوفهم لوط {بَطْشَتَنَا} عذابنا {فَتَمَارَوْاْ بِالنذرِ} فتجاحدوا بالرسل أَي كذبُوا لوطاً بِمَا قَالَ لَهُم

37

{وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ} أَرَادوا أضيافه جِبْرِيل وَمن مَعَه من الْمَلَائِكَة بعملهم الْخَبيث {فَطَمَسْنَآ} ففقأنا {أَعْيُنَهُمْ} أعمى جِبْرِيل أَعينهم {فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ} فَقلت لَهُم ذوقوا عَذَابي وَنذر منذري

38

{وَلَقَدْ صَبَّحَهُم} أَخذهم {بُكْرَةً} وَهِي طُلُوع الْفجْر {عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ} دَائِم مَوْصُول بِعَذَاب الْآخِرَة

39

{فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ} فَقلت لَهُم ذوقوا عَذَابي وَنذر منذري من أَنْذرهُمْ لوط فَلم يُؤمنُوا

40

{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآن} هونا الْقُرْآن {لِلذِّكْرِ} للْحِفْظ وَالْقِرَاءَة وَالْكِتَابَة {فَهَلْ مِن مُدَّكِرٍ} متعظ يتعظ بِمَا صنع بِقوم لوط فَيتْرك الْمعْصِيَة

41

{وَلَقَدْ جَآءَ آلَ فِرْعَوْنَ النّذر} إِلَى فِرْعَوْن وَقَومه مُوسَى وَهَارُون

42

{كذبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا} التسع {فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عِزِيزٍ} منيع قوي بالعقوبة {مُّقْتَدِرٍ} قَادر بِالْعَذَابِ

43

{أَكُفَّارُكُمْ} يَا مُحَمَّد وَيُقَال يَا أهل مَكَّة {خَيْرٌ مِّنْ أولئكم} من الَّذين قَصَصنَا عَلَيْكُم {أَمْ لَكُم بَرَآءَةٌ فِي الزبر} نجاة فِي الْكتب من الْعَذَاب

44

{أَمْ يَقُولُونَ} كفار مَكَّة {نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ} مُمْتَنع من الْعَذَاب

45

{سَيُهْزَمُ الْجمع} جمع الْكفَّار يَوْم بدر {وَيُوَلُّونَ الدبر} منهزمين يَعْنِي أَبَا جهل وَأَصْحَابه فَمنهمْ من قتل يَوْم بدر وَمِنْهُم من هزم

46

{بَلِ السَّاعَة} بل قيام السَّاعَة {مَوْعِدُهُمْ} بِالْعَذَابِ {والساعة} بِالْعَذَابِ {أدهى} أعظم {وَأَمَرُّ} أَشد من عَذَاب يَوْم بدر

47

{إِنَّ الْمُجْرمين} الْمُشْركين أَبَا جهل وَأَصْحَابه {فِي ضَلاَلٍ} فِي خطأ بَين فِي الدُّنْيَا {وَسُعُرٍ} تَعب وعناء فِي النَّار

48

{يَوْمَ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {يُسْحَبُونَ} يجرونَ {فِي النَّار} تجرهم الزَّبَانِيَة {على وُجُوهِهِمْ} إِلَى النَّار فَتَقول لَهُم الزَّبَانِيَة {ذوقوا مس سقر} عَابَ سقر

49

{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ} من أَعمالكُم {خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} فجحدتم ذَلِك نزلت هَذِه الْآيَة فِي أهل الْقدر

50

{وَمَآ أَمْرُنَآ} بِقِيَام السَّاعَة {إِلاَّ وَاحِدَةٌ} كلمة وَاحِدَة لَا تثنى {كَلَمْحٍ بالبصر} فِي السرعة كطرف الْبَصَر وَيُقَال إِنَّا كل شَيْء خلقناه بِقدر يَقُول خلقنَا لكل شَيْء شكله وَمَا يُوَافقهُ من الثِّيَاب وَالْمَتَاع

51

{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَآ أَشْيَاعَكُمْ} أهل دينكُمْ وأشباهكم يَا أهل مَكَّة {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} متعظ يتعظ بِمَا صنع بهم فَيتْرك الْمعْصِيَة

52

{وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ} فِي الشّرك بِاللَّه من الْمعْصِيَة والجفاء بالأنبياء {فِي الزبر} فِي الْكتب مَكْتُوب وَيُقَال فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ نزلت هَذِه الْآيَة فِي أهل الْقدر أَيْضا

53

{وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ} من الْخَيْر وَالشَّر {مُّسْتَطَرٌ} مكتتب فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ نزلت هَذِه الْآيَة أَيْضا فِي أهل الْقدر وجحدوا ذَلِك

54

{إِنَّ الْمُتَّقِينَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش {فِي جَنَّاتٍ} بساتين {وَنَهَرٍ} أَنهَار كَثِيرَة وَيُقَال فِي رياض وسعة

55

{فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ} فِي أَرض كَرِيمَة أَرض الْجنَّة {عِندَ مَلِيكٍ} ملك عَلَيْهِم {مُّقْتَدِرِ} قَادر بالثواب وَالْعِقَاب على عباده وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الرَّحْمَن وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها سِتّ وَسَبْعُونَ وكلماتها ثَلَاثمِائَة وَإِحْدَى وَخَمْسُونَ وحروفها ألف وسِتمِائَة وَسِتَّة وَثَلَاثُونَ حرفا {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

الرحمن

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما نزلت هَذِه الْآيَة قل ادعوا الله أَو ادعوا الرَّحْمَن قَالَ كفار مَكَّة أَبُو جهل والوليد وَعتبَة وَشَيْبَة وأصحابهم مَا نَعْرِف الرَّحْمَن إِلَّا مُسَيْلمَة الْكذَّاب الَّذِي يكون بِالْيَمَامَةِ فَمن الرَّحْمَن يَا مُحَمَّد فَأنْزل الله {الرَّحْمَن عَلَّمَ الْقُرْآن} جِبْرِيل وَجِبْرِيل مُحَمَّدًا وَمُحَمّد أمته مَعْنَاهُ بعث الله

جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ إِلَى مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومحمداً إِلَى أمته

3

{خَلَقَ الْإِنْسَان} يَعْنِي آدم من أَدِيم الأَرْض

4

{عَلَّمَهُ الْبَيَان} ألهمه الله بَيَان كل شَيْء وَأَسْمَاء كل دَابَّة تكون على وَجه الأَرْض

5

{الشَّمْس وَالْقَمَر بِحُسْبَانٍ} منازلهما بِالْحِسَابِ وَيُقَال معلقان بَين السَّمَاء وَالْأَرْض وَيُقَال عَلَيْهِمَا حِسَاب وَلَهُمَا آجال كآجال النَّاس

6

{والنجم وَالشَّجر يَسْجُدَانِ} للرحمن والنجم مَا أنجمت الأَرْض وَهُوَ كل نبت لَا يقوم على السَّاق وَالشَّجر مَا يقوم على السَّاق

7

{والسمآء رَفَعَهَا} فَوق كل شَيْء لَا ينالها شَيْء {وَوَضَعَ الْمِيزَان} فِي الأَرْض بَين الْعدْل بالميزان

8

{أَلاَّ تَطْغَوْاْ} أَلا تَجُورُوا وَلَا تميلوا {فِي الْمِيزَان}

9

{وَأَقِيمُواْ الْوَزْن بِالْقِسْطِ} لِسَان الْمِيزَان بِالْعَدْلِ وَيُقَال لِسَان أَنفسكُم بِالصّدقِ {وَلاَ تُخْسِرُواْ الْمِيزَان} لَا تنقصوا الْمِيزَان فتذهبوا بِحُقُوق النَّاس

10

{وَالْأَرْض وَضَعَهَا} بسطها على المَاء {لِلأَنَامِ} لِلْخلقِ كُله الْأَحْيَاء والأموات مِنْهُم

11

{فِيهَا} فِي الأَرْض {فَاكِهَةٌ} ألوان الْفَاكِهَة {وَالنَّخْل} ألوان النّخل {ذَاتُ الأكمام} ذَات الغلف والكفرى مَا لم تَنْشَق فَهِيَ كم

12

{وَالْحب} الْحُبُوب كلهَا {ذُو العصف} ذُو الْوَرق {وَالريحَان} السنبلة وَالثَّمَر

13

{فَبِأَيِّ آلَاء} فَبِأَي نعماء {رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} أَيهَا الْجِنّ وَالْإِنْس غير مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تتجاحدان أَنَّهَا لَيست من الله وَهَكَذَا كل مَا فى هَذِه السُّورَة من قَول فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ

14

{خَلَقَ الْإِنْسَان} يَعْنِي آدم {مِن صَلْصَالٍ} من طين صال قد أنتن يتصلصل {كالفخار} كَالَّذي يتَّخذ مِنْهُ الفخار

15

{وَخَلَقَ الجآن} أَبَا الْجِنّ وَالشَّيَاطِين {مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ} لَا دُخان لَهَا

16

{فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ} فباي نعماء رَبكُمَا تتجاحدان

17

{رب المشرقين} مشرق الشتَاء مشرق الصَّيف {وَرَبُّ المغربين} مغرب الشتَاء ومغرب الصَّيف وهما مشرقان ومغربان مشرق الشتَاء ومشرق الصَّيف لَهما مائَة وَثَمَانُونَ منزلا وَكَذَلِكَ للمغربين كَذَلِك للقمر وَيُقَال الْمشرق الشتَاء والصيف مائَة وَسَبْعَة وَسَبْعُونَ منزلا وَكَذَلِكَ للمغربين تطلع الشَّمْس فِي سنة يَوْمَيْنِ فِي منزل وَاحِد وَكَذَلِكَ تغرب يَوْمَيْنِ فِي منزل وَاحِد

18

{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ مَرَجَ الْبَحْرين} أرسل الْبَحْرين العذب والمالح {يَلْتَقِيَانِ} لَا يختلطان

20

{بَيْنَهُمَا} بَين العذب والمالح {بَرْزَخٌ} حاجز من الله {لاَّ يَبْغِيَانِ} لَا يختلطان وَلَا يُغير كل وَاحِد مِنْهُمَا طعم صَاحبه

21

{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تِكَذِّبَانِ يَخْرُجُ مِنْهُمَا} من المالح خَاصَّة {الُّلؤْلُؤُ} مَا كبر {وَالمَرْجَانُ} مَا صغر مِنْهُ

23

{فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ وَله الْجوَار الْمُنْشَآت} السفن الْمُنْشَآت الْمَخْلُوقَات المرفوعات {فِي الْبَحْر كالأعلام} كالجبال إِذا رفع شراعهن

25

{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا} على وَجه الأَرْض {فَانٍ} يَمُوت وَيُقَال كل من عَلَيْهَا فان يفنى وَيُقَال كل من عمل لغير الله يفنى

27

{وَيبقى وَجْهُ رَبِّكَ} حَيّ لَا يَمُوت وَيُقَال مَا ابْتغى بِهِ وَجه رَبك من الْأَعْمَال الصَّالِحَة {ذُو الْجلَال} ذُو العظمة وَالسُّلْطَان {وَالْإِكْرَام} التجاوز وَالْإِحْسَان

28

{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَات} من الْمَلَائِكَة {وَالْأَرْض} من الْمُؤمنِينَ فَأهل الأَرْض يسألونه الْمَغْفِرَة والتوفيق والعصمة والكرامة والرزق {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} مِنْهُ شَأْن شَأْنه أَن يحيي وَيُمِيت ويعز ويذل ويولد مولوداً ويفك أَسِيرًا وشأنه أَكثر من أَن يُحْصى

30

{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ سَنَفْرُغُ لَكُمْ} سنحفظ عَلَيْكُم أَعمالكُم فِي الدُّنْيَا ونحاسبكم بهَا يَوْم الْقِيَامَة {أَيهَا الثَّقَلَان} الْجِنّ وَالْإِنْس

32

{فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ} وَيَقُول لكم {يَا معشر الْجِنّ وَالْإِنْس إِنِ اسْتَطَعْتُم} قدرتم {أَن تَنفُذُواْ} تخْرجُوا {مِنْ أَقْطَارِ} أَطْرَاف {السَّمَاوَات وَالْأَرْض} وصفوف الْمَلَائِكَة {فانفذوا} فاخرجوا وفروا {لاَ تَنفُذُونَ}

لَا تقدروا أَن تخْرجُوا {إِلاَّ بِسُلْطَانٍ} بِعُذْر وَحجَّة

34

{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا} إِذا خَرجْتُمْ من الْقُبُور أَيهَا الْجِنّ وَالْإِنْس {شُوَاظٌ} لَهب {مِّن نَّارٍ} لَا دُخان لَهَا {وَنُحَاسٌ} دُخان يسوقانكما إِلَى الْمَحْشَر {فَلاَ تَنتَصِرَانِ} فَلَا تمتنعان من السُّوق

36

{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فَإِذَا انشقت السمآء} بنزول الْمَلَائِكَة وهيبة الرب {فَكَانَتْ وَرْدَةً} فَصَارَت ملونة {كالدهان} كألوان الدّهن وَيُقَال وردة كألوان الْورْد وَيُقَال كالأديم المغربي أَي حمرَة مَعَ السوَاد

38

{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فَيَوْمَئِذٍ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة بعد الْفَرَاغ من الْحساب {لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ} عَن عمله {إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ} الْمُؤمن يعرف ببياض وَجهه أغر محجل وَيُقَال لَا يسئل عَن ذَنْب الْإِنْس وَالْجِنّ وَعَن ذَنْب الْجِنّ وَالْإِنْس

40

{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ يُعْرَفُ المجرمون بِسِيمَاهُمْ} الْمُشْركُونَ بسواد وُجُوههم وزرقة أَعينهم {فَيُؤْخَذُ بالنواصي والأقدام} فَيجمع النواصي بالأقدام فيطرحون فِي النَّار

42

{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} وَيَقُولُونَ لَهُم الزَّبَانِيَة {هَذِه جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا المجرمون} الْمُشْركُونَ فِي الدُّنْيَا أَنَّهَا لَا تكون

44

{يَطُوفُونَ بَيْنَهَا} بَين النَّار {وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} مَاء حَار قد انْتهى حره

45

{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ وَلِمَنْ خَافَ} عِنْد الْمعْصِيَة {مَقَامَ رَبِّهِ} بَين يَدي ربه مقَامه فَانْتهى عَن الْمعْصِيَة فَلهُ {جَنَّتَانِ} بستانان فِي بساتين جنَّة عدن وجنة الفردوس

47

{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ذَوَاتَآ أَفْنَانٍ} أَغْصَان وألوان

49

{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا} فِي الْبَسَاتِين {عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ} على أهل الْجنَّة بِالْخَيرِ وَالرَّحْمَة والكرامة وَالْبركَة وَالزِّيَادَة من الله

51

{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا} فِي الْبَسَاتِين {مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ} من ألوان كل فَاكِهَة {زَوْجَانِ} لونان فِي المنظر والمطعم

53

{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ مُتَّكِئِينَ} جالسين ناعمين {عَلَى فُرُشٍ بَطَآئِنُهَا} ظواهرها {مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} مَا ثخن من الديباج وبطائنها من سندس مَا لطف من الديباج {وَجَنَى الجنتين دَانٍ} اجتناء الْبَسَاتِين دَان قريب يَنَالهُ الْقَاعِد والقائم

55

{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِنَّ} فِي الْجنان كلهَا {قَاصِرَاتُ الطّرف} جوَار غاضات الطّرف قانعات بأزواجهن لَا ينظرن إِلَى غير أَزوَاجهنَّ {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ} لم يجامعهن وَيُقَال لم يطمثهن لم يجنبهن {إِنسٌ} للإنس إنس {قَبْلَهُمْ} قبل أَزوَاجهنَّ {وَلاَ جَآنٌّ} وَلَا للجن جن قبل أَزوَاجهنَّ

57

{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ كَأَنَّهُنَّ} فِي الصفاء {الْيَاقُوت} كالياقوت {والمرجان} كالمرجان فِي الْبيَاض

59

{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ هَلْ جَزَآءُ الْإِحْسَان إِلاَّ الْإِحْسَان} يَقُول هَل جَزَاء من أنعمنا عَلَيْهِ بِالتَّوْحِيدِ إِلَّا الْجنَّة

61

{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ وَمِن دُونِهِمَا} من دون الْبَسَاتِين الْأَوَّلين {جَنَّتَانِ} أخريان فالأوليان أفضل مِنْهُمَا وَهَاتَانِ دونهمَا جنَّة النَّعيم وجنة المأوى

63

{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ مُدْهَآمَّتَانِ} خضراوان يضْرب لونهما إِلَى السوَاد لِكَثْرَة ريهما

65

{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا} فِي الجنتين {عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} فوارتان وَيُقَال ممتلئتان بِالْخَيرِ وَالْبركَة وَالرَّحْمَة والكرامة وَالزِّيَادَة من الله

67

{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا} فِي الجنتين {فَاكِهَةٌ} ألوان الْفَاكِهَة {وَنَخْلٌ} ألوان النّخل {وَرُمَّانٌ} ألوان الرُّمَّان فِي الطّعْم والمنظر

69

{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِنَّ} فِي الْجنان الْأَرْبَع وَيُقَال فِي الْجنان كلهَا {خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} جوَار خير لِأَزْوَاجِهِنَّ حسان الْوُجُوه وَيُقَال حسان الْأَعْين

71

{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ حُورٌ} بيض {مَّقْصُورَاتٌ} محبوسات على أَزوَاجهنَّ {فِي الْخيام} فِي خيام الدّرّ المجوف

73

{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ} لم يجامعهن وَيُقَال لم يجنبهن {إِنسٌ قَبْلَهُمْ} للإنس إنس قبل أَزوَاجهنَّ {وَلاَ جَآنٌّ} وَلَا للجن جن قبل أَزوَاجهنَّ

75

{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ مُتَّكِئِينَ}

جالسين ناعمين {على رَفْرَفٍ} مجَالِس وَيُقَال رياض {خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ} طنافس مخملة ملونة {حِسَانٍ} وَيُقَال زرابي حسان ملونة

77

{فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ} فباي نعماء رَبكُمَا أَيهَا الْجِنّ وَالْإِنْس غير مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تُكَذِّبَانِ تتجاحدان أَنَّهَا لَيست من الله {تَبَارَكَ اسْم رَبِّكَ} ذُو بركَة وَرَحْمَة وَيُقَال تَعَالَى وتبرأ عَن الْوَلَد وَالشَّرِيك {ذِي الْجلَال} ذِي العظمة وَالسُّلْطَان {وَالْإِكْرَام} والتجاوز وَالْإِحْسَان إِذا قَامَت الْقِيَامَة وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْوَاقِعَة وهى كلهَا مَكِّيَّة غير قَوْله {أفبهذا الحَدِيث أَنْتُم مدهنون وتجعلون رزقكم أَنكُمْ تكذبون} وَقَوله {ثلة من الْأَوَّلين وثلة من الآخرين} فَهَؤُلَاءِ الْآيَات نزلت على النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى سَفَره إِلَى الْمَدِينَة آياتها تسع وَتسْعُونَ وكلماتها ثَمَانمِائَة وثمان وَسَبْعُونَ وحروفها ألف وَتِسْعمِائَة وَثَلَاثَة أحرف {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

الواقعة

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله جلّ ذكره {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَة} يَقُول إِذا قَامَت الْقِيَامَة

2

{لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا} لقيامها {كَاذِبَةٌ} راد وَلَا خلف وَلَا مثنوية

3

{خافضة} تخْفض قوما بأعمالهم فتدخلهم النَّار {رَّافِعَةٌ} ترفع قوما بأعمالهم فتدخلهم الْجنَّة وَيُقَال إِنَّمَا سميت الْوَاقِعَة لشدَّة صَوتهَا يسمع الْقَرِيب والبعيد

4

{إِذَا رُجَّتِ الأَرْض رَجّاً} إِذا زلزلت الأَرْض زَلْزَلَة حَتَّى يطمس كل بُنيان وجبل عَلَيْهَا فَيَعُود فِيهَا

5

{وَبُسَّتِ الْجبَال بَسّاً} سيرت الْجبَال عَن وَجه الأَرْض كسير السَّحَاب وَيُقَال قلعت قلعاً وَيُقَال جثت جثا وَيُقَال فتت فتاً كَمَا يبس السويق أَو علف الْبَعِير

6

{فَكَانَتْ} صَارَت {هَبَآءً} غباراً كالغبار الَّذِي يسطع من حوافر الدَّوَابّ أَو كشعاع الشَّمْس يدْخل فِي كوَّة تكون فِي الْبَيْت أَو خرق يكون فِي الْبَاب {مُّنبَثّاً} يحور بعضه فِي بعض

7

{وَكُنتُمْ} صرتم يَوْم الْقِيَامَة {أَزْوَاجاً} أصنافاً {ثَلاَثَةً}

8

{فَأَصْحَابُ الميمنة} وهم أهل الْجنَّة الَّذين يُعْطون كِتَابهمْ بيمينهم وهم الَّذين قَالَ الله لَهُم هَؤُلَاءِ فِي الْجنَّة وَلَا أُبَالِي {مَآ أَصْحَابُ الميمنة} يعجب نبيه بذلك يَقُول وَمَا يدْريك يَا مُحَمَّد مَا لأهل الْجنَّة من النَّعيم وَالسُّرُور والكرامة

9

{وَأَصْحَابُ المشأمة} وهم أهل النَّار الَّذين يُعْطون كِتَابهمْ بشمالهم وهم الَّذين قَالَ الله لَهُم هَؤُلَاءِ فِي النَّار وَلَا أُبَالِي {مَآ أَصْحَابُ المشأمة} يعجب نبيه بذلك وَيَقُول وَمَا يدْريك يَا مُحَمَّد مَا لأهل النَّار فِي النَّار من الهوان والعقوبة وَالْعَذَاب

10

{وَالسَّابِقُونَ} فِي الدُّنْيَا إِلَى الْإِيمَان وَالْهجْرَة وَالْجهَاد وَالتَّكْبِيرَة الأولى والخيرات كلهَا هم {السَّابِقُونَ} فِي الْآخِرَة إِلَى الْجنَّة

11

{أُولَئِكَ المقربون} إِلَى الله

12

{فِي جَنَّاتِ النَّعيم} نعيمها دَائِم

13

{ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلين} جمَاعَة من أَوَائِل الْأُمَم كلهَا قبل أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

14

{وَقَلِيلٌ مِّنَ الآخرين} من أَوَاخِر الْأُمَم كلهَا وهى أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيَقُول كلتاهما أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا نزلت هَذِه الْآيَة اغتم النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه بذلك حَتَّى نزل قَوْله تَعَالَى ثلة من الْأَوَّلين وثلة من الآخرين

15

{على سُرُرٍ} جالسين على سرر {مَّوْضُونَةٍ} مَوْصُولَة بقضبان الذَّهَب وَالْفِضَّة منسوجة بالدر والياقوت

16

{مُّتَّكِئِينَ} ناعمين {عَلَيْهَا} على السرر {مُتَقَابِلِينَ} فِي الزِّيَارَة

17

{يَطُوفُ عَلَيْهِمْ} فِي الْخدمَة {وِلْدَانٌ} وصفاء وَيُقَال هم أَوْلَاد الْكفَّار جعلُوا خدماً لأهل الْجنَّة {مُّخَلَّدُونَ} خلدوا لَا يموتون فِيهَا وَلَا يخرجُون مِنْهَا وَيُقَال يحلونَ فِي الْجنَّة يطوف عَلَيْهِم

18

{بِأَكْوَابٍ} بكيزان لَا آذان لَهَا وَلَا عراً {وأباريق} مَالهَا آذان وعراً وخراطيم {وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ} خمر طَاهِر تجرى

19

{لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا} يَقُول لَا يصدع رؤوسهم من شربهَا وَيُقَال لَا يصدع الْخمر رؤوسهم كخمر الدُّنْيَا وَيُقَال لَا يمْنَعُونَ عَنْهَا {وَلاَ يُنزِفُونَ} لَا يسكرون بشربها وَيُقَال لَا تسكرهم الْخمر وَيُقَال لَا ينْفد شرابهم إِن قَرَأت بخفض الزاى

20

{وَفَاكِهَةٍ} وألوان الْفَاكِهَة {مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ} مِمَّا يشتهون

21

{وَلَحْمِ طَيْرٍ} وألوان لحم طير {مِّمَّا يَشْتَهُونَ} مِمَّا يتمنون

22

{وَحُورٌ} وَيَطوف عَلَيْهِم جوَار بيض {عِينٌ} عِظَام الْأَعْين حسان الْوُجُوه

23

{كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤ الْمكنون} قد كن من الْحر وَالْبرد

24

{جَزَآءً} هُوَ ثَوَاب لأهل الْجنَّة {بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} وَيَقُولُونَ من الْخيرَات فِي الدُّنْيَا

25

{لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا} فِي الْجنَّة {لَغْواً} بَاطِلا وَلَا حلفا كَاذِبًا {وَلاَ تَأْثِيماً} لَا شتماً وَيُقَال لَا إِثْم عَلَيْهِم فِيهِ

26

{إِلَّا قَلِيلا} قولا {سَلاَماً سَلاَماً} يحيي بَعضهم بَعْضًا بِالسَّلَامِ والتحية من الله

27

{وَأَصْحَابُ الْيَمين} أهل الْجنَّة {مَآ أَصْحَابُ الْيَمين} مَا يدْريك يَا مُحَمَّد مَا لأهل الْجنَّة من النعم وَالسُّرُور

28

{فِي سِدْرٍ} فِي ظلال سمر ثمَّ بَين ذَلِك فَقَالَ {مَّخْضُودٍ} موقر بِلَا شوك

29

{وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ} موز مُجْتَمع وَيُقَال دَائِم لَا يَنْقَطِع

30

{وَظِلٍّ} ظلّ الشّجر وَيُقَال ظلّ الْعَرْش {مَّمْدُودٍ} دَائِم عَلَيْهِ بِلَا شمس

31

{وَمَآءٍ مَّسْكُوبٍ} مصبوب من سَاق الْعَرْش

32

{وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ} ألوان الْفَاكِهَة الْكَثِيرَة

33

{لاَّ مَقْطُوعَةٍ} لَا تَنْقَطِع عَنْهُم فِي حِين وتجيء فِي حِين {وَلاَ مَمْنُوعَةٍ} عَنْهُم إِذا نظرُوا إِلَيْهَا

34

{وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ} فِي الْهَوَاء لأَهْلهَا

35

{إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ} خلقنَا نسَاء أهل الدُّنْيَا {إِنشَآءً} خلقا بعد الْعَجز والعمش وَالْمَرَض وَالْمَوْت

36

{فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً} عذارى

37

{عُرُباً} شكلات غنجات عاشقات مُتَحَببَات إِلَى أَزوَاجهنَّ {أَتْرَاباً} مستويات فِي السن والميلاد على مِقْدَار ثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ سنة

38

{لأَصْحَاب الْيَمين} لأهل الْجنَّة وَكلهمْ أهل الْجنَّة

39

{ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلين} جمَاعَة من أَوَائِل الْأُمَم كلهَا قبل أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

40

{وَثُلَّةٌ مِّنَ الآخرين} جمَاعَة من أَوَاخِر الْأُمَم كلهَا وهى أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيُقَال كلتا الثلتين من أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

41

{وَأَصْحَابُ الشمَال} أهل النَّار {مَآ أَصْحَابُ الشمَال} مَا يدْريك يَا مُحَمَّد مَا لأهل النَّار من الهوان وَالْعَذَاب

42

{فِي سَمُومٍ} فِي لَهب النَّار وَيُقَال لفيح النَّار وَيُقَال فِي ريح بَارِدَة وَيُقَال حارة {وَحَمِيمٍ} مَاء حَار

43

{وَظِلٍّ} عَلَيْهِم {مِّن يَحْمُومٍ} من دُخان جَهَنَّم أسود

44

{لاَّ بَارِدٍ} مقيلهم {وَلاَ كَرِيمٍ} حسن وَيُقَال لَا بَارِد شرابهم وَلَا كريم عَذَاب

45

{إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ} فِي الدُّنْيَا {مُتْرَفِينَ} مسرفين وَيُقَال متنعمين وَيُقَال متحيرين

46

{وَكَانُواْ يُصِرُّونَ} فِي الدُّنْيَا يُقِيمُونَ ويمكثون {عَلَى الْحِنْث الْعَظِيم} على الذَّنب الْعَظِيم يَعْنِي الشّرك بِاللَّه وَيُقَال الْيَمين الْغمُوس

47

{وَكَانُواْ يِقُولُونَ} إِذا كَانُوا فِي الدُّنْيَا {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا} صرنا {تُرَاباً} رميماً {وَعِظَاماً} بالية {أئنا لَمَبْعُوثُونَ} لمحيون فَقَالَ لَهُم الْأَنْبِيَاء نعم فَقَالُوا للأنبياء

48

{أَوَ آبَآؤُنَا الْأَولونَ} قبلنَا

49

{قُلْ} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {إِنَّ الْأَوَّلين والآخرين}

50

{لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ} ميعاد {يَوْمٍ مَّعْلُومٍ} مَعْرُوف يجْتَمع فِيهِ الْأَولونَ وَالْآخرُونَ وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة

51

{ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضآلون} عَن الْإِيمَان وَالْهدى {المكذبون} بِاللَّه وَالرَّسُول وَالْكتاب يَعْنِي أَبَا جهل وَأَصْحَابه

52

{لأَكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ} من شجر الزقوم

53

{فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُون} من شجر الزقوم الْبُطُون وَهِي شَجَرَة نابتة فِي أصل الْجَحِيم

54

{فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ} على الزقوم {مِنَ الْحَمِيم} المَاء الْحَار

55

{فَشَارِبُونَ شُرْبَ الهيم} شرب الْإِبِل الظماء إِذا أَخذهَا الدَّاء الهيام لَا تكَاد أَن تروي وَيُقَال كشرب الْإِبِل العطاش إِذا أكلت الحمض وَيُقَال الهيم هِيَ الأَرْض السهلة

56

{هَذَا نُزُلُهُمْ} طعامهم وشرابهم {يَوْمَ الدّين} يَوْم الْحساب

57

{نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ} يَا أهل مَكَّة {فَلَوْلاَ تُصَدِّقُونَ} فَهَلا تصدقُونَ بالرسول

58

{أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ} مَا تهريقون فِي أَرْحَام النِّسَاء

59

{أأنتم} يَا أهل مَكَّة {تَخْلُقُونَهُ} نسماً فِي الْأَرْحَام ذكرا أَو أُنْثَى شقياً أَو سعيداً {أَم نَحْنُ الْخَالِقُونَ} بل نَحن الْخَالِقُونَ لَا أَنْتُم

60

{نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْت} سوينا بَيْنكُم بِالْمَوْتِ تموتون كلكُمْ وَيُقَال قسمنا بَيْنكُم الْآجَال إِلَى الْمَوْت فمنكم

من يعِيش مائَة سنة أَو ثَمَانِينَ سنة أَو خمسين سنة أَو أقل أَو أَكثر من ذَلِك {وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ} بعاجزين

61

{على أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ} نهلككم ونأتي بغيركم خيرا مِنْكُم وأطوع لله {وَنُنشِئَكُمْ} نخلقكم يَوْم الْقِيَامَة {فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ} فِي صُورَة لَا تعرفُون سود الْوُجُوه زرق الْأَعْين وَيُقَال فِي صُورَة القردة والخنازير وَيُقَال نجْعَل أرواحكم فِيمَا لَا تعلمُونَ فِيمَا لَا تصدقُونَ وَهِي النَّار

62

{وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ} يَا أهل مَكَّة {النشأة الأولى} الْخلق الأول فِي بطُون الْأُمَّهَات وَيُقَال خلق آدم {فَلَوْلاَ تَذَكَّرُونَ} فَهَلا تتعظون بالخلق الأول فتؤمنوا بالخلق الآخر

63

{أَفَرَأَيْتُم مَا تَحْرُثُونَ} تبذرون من الْحُبُوب

64

{أأنتم} يَا أهل مَكَّة {تَزْرَعُونَهُ} تنبتونه {أَمْ نَحْنُ الزارعون} المنبتون

65

{لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ} يَعْنِي الزَّرْع {حُطَاماً} يَابسا بعد خضرته {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} فصرتم تعْجبُونَ من يبوسته وهلاكه وتقولون

66

{إِنَّا لَمُغْرَمُونَ} معذبون بِهَلَاك زروعنا

67

{بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} حرمنا مَنْفَعَة زروعنا وَيُقَال محاربون

68

{أَفَرَأَيْتُمُ المآء} العذب {الَّذِي تَشْرَبُونَ} وتسقون دوابكم وجناتكم

69

{أأنتم} يَا أهل مَكَّة {أَنزَلْتُمُوهُ} المَاء العذب {مِنَ المزن} من السَّحَاب عَلَيْكُم {أَمْ نَحْنُ المنزلون} بل نَحن المنزلون عَلَيْكُم لَا أَنْتُم

70

{لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ} يَعْنِي المَاء العذب {أُجَاجاً} مراماً لحاً زعاقاً {فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ} فَلَا تشكرون عذوبته فتؤمنوا بِهِ

71

{أَفَرَأَيْتُمُ النَّار الَّتِي تُورُونَ} تقدحون عَن كل عود غير الْعنَّاب وَهُوَ الشّجر الْأَحْمَر

72

{أأنتم} يَا أهل مَكَّة {أَنشَأْتُمْ} خلقْتُمْ {شَجَرَتَهَآ} شَجَرَة النَّار {أَمْ نَحْنُ المنشئون} الْخَالِقُونَ

73

{نَحْنُ جَعَلْنَاهَا} هَذِه النَّار {تَذْكِرَةً} عظة النَّار الْآخِرَة {وَمَتَاعاً} مَنْفَعَة لِّلْمُقْوِينَ الْمُسَافِرين فِي الأَرْض القواء وَهِي القفر الَّذين فني زادهم

74

{فَسَبِّحْ باسم رَبِّكَ الْعَظِيم} فصل باسم رَبك الْعَظِيم وَيُقَال اذكر تَوْحِيد رَبك الْعَظِيم

75

{فَلاَ أُقْسِمُ} يَقُول أقسم {بِمَوَاقِعِ النُّجُوم} بنزول الْقُرْآن على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نجوماً نجوماً وَلم ينزله جملَة وَاحِدَة

76

{وَإِنَّهُ} يَعْنِي الْقُرْآن {لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} لَو تصدقُونَ وَيُقَال فَلَا أقسم يَقُول أقسم بمواقع النُّجُوم بمساقط النُّجُوم عِنْد الْغَدَاة وَإنَّهُ وَالَّذِي ذكرت لقسم عَظِيم لَو تعلمُونَ لَو تصدقُونَ

77

{إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} شرِيف حسن

78

{فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ} فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ مَكْتُوب وَلِهَذَا كَانَ الْقسم

79

{لاَّ يَمَسُّهُ} يَعْنِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ {إِلاَّ الْمُطهرُونَ} من الْأَحْدَاث والذنُوب فهم الْمَلَائِكَة وَيُقَال لَا يعْمل بِالْقُرْآنِ إِلَّا الموفقون

80

{تَنزِيلٌ} تكليم {مِّن رَّبِّ الْعَالمين} على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

81

{أفبهذا الحَدِيث} أَي الْقُرْآن الَّذِي يقْرَأ عَلَيْكُم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {أَنتُمْ} يَا أهل مَكَّة {مُّدْهِنُونَ} مكذبون أَنه لَيْسَ كَمَا قَالَ من الْجنَّة وَالنَّار والبعث والحساب

82

{وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ} تَقولُونَ للمطر الَّذِي سقيتم {أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} تَقولُونَ سقينا بالنوء الْفُلَانِيّ

83

{فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ} الرّوح {الْحُلْقُوم} يَعْنِي نفس الْجَسَد إِلَى الْحُلْقُوم

84

{وَأَنتُمْ} يَا أهل مَكَّة {حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ} مَتى تخرج نَفسه

85

{وَنحن أقرب إِلَيْهِ} ملك الْمَوْت وأعوانه أقرب إِلَى الْمَيِّت {مِنكُمْ} من أَهله {وَلَكِن لاَّ تُبْصِرُونَ} ملك الْمَوْت وأعوانه

86

{فَلَوْلاَ} فَهَلا {إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ} غير ملومين وَغير مجازين ومحاسبين

87

{تَرْجِعُونَهَآ} روح الْجَسَد إِلَى الْجَسَد {إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} أَنكُمْ غير مدينين

88

{فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ المقربين} إِلَى جنَّة عدن

89

{فَرَوْحٌ} فراحة لَهُم فِي الْقَبْر وَيُقَال رَحْمَة إِن قَرَأت بِضَم الرَّاء {وَرَيْحَانٌ} إِذا خَرجُوا من الْقُبُور وَيُقَال رزق {وجنة نَعِيمٍ} يَوْم الْقِيَامَة لَا يفنى نعيمها

90

{وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمين} من أهل الْجنَّة فكلهم اصحاب الْيَمين

91

{فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمين} فسلام لَك وَأمن لَك من أهل الْجنَّة قد سلم الله أَمرهم ونجاهم وَيُقَال يسلم عَلَيْك أهل الْجنَّة

92

{وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ المكذبين} بِاللَّه وَالرَّسُول وَالْكتاب {الضآلين} عَن الْإِيمَان

93

{فَنُزُلٌ} فطعامهم من زقوم وشرابهم

مِّنْ حَمِيمٍ مَاء حَار

94

{وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} دُخُولهمْ فِي النَّار

95

{إِنَّ هَذَا} الَّذِي وَصفنَا لَهُم {لَهُوَ حَقُّ الْيَقِين} حَقًا يَقِينا كَائِنا

96

{فَسَبِّحْ باسم رَبِّكَ الْعَظِيم} فصل بِأَمْر رَبك الْعَظِيم وَيُقَال اذكر تَوْحِيد رَبك الْعَظِيم أعظم من كل شىء وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْحَدِيد وهى كلهَا مَكِّيَّة أَو مَدَنِيَّة آياتها تسع وَعِشْرُونَ وكلماتها خَمْسمِائَة وَأَرْبع وَأَرْبَعُونَ وحروفها أَلفَانِ وَأَرْبَعمِائَة وست وَسَبْعُونَ {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

الحديد

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله جلّ ذكره {سبح لله} يَقُول صل لله وَيُقَال ذكر الله {مَا فِي السَّمَاوَات} من الْخلق {وَالْأَرْض} من الْخلق {وَهُوَ الْعَزِيز} بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ {الْحَكِيم} فِي أمره وقضائه أَمر أَن لَا يعبد غَيره

2

{لَهُ ملك السَّمَاوَات وَالْأَرْض} خَزَائِن السَّمَوَات الْمَطَر وَالْأَرْض النَّبَات {يُحْيِي} للبعث {وَيُمِيتُ} فِي الدُّنْيَا {وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ} من الْإِحْيَاء والإماتة {قدير}

3

{هُوَ الأول} قبل كل شَيْء {وَالْآخر} بعد كل شَيْء {وَالظَّاهِر} على كل شَيْء {وَالْبَاطِن} بِكُل شَيْء {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} مَعْنَاهُ هُوَ الأول الْحَيّ الْقَدِيم الأزلي كَانَ قبل كل حَيّ أَحْيَاهُ الله وَالْآخر هُوَ الْحَيّ الباق الدَّائِم يكون بعد كل حَيّ أَمَاتَهُ وَالظَّاهِر الْغَالِب على كل شَيْء وَالْبَاطِن هُوَ الْعَالم بِكُل شَيْء وَيُقَال هُوَ الأول هُوَ الْقَدِيم بِلَا إقدام أحد وَالْآخر هُوَ الْبَاقِي بِلَا إبْقَاء أحد وَالظَّاهِر هُوَ الْغَالِب بِلَا إغلاب أحد وَالْبَاطِن هُوَ الْعَالم بِالظَّاهِرِ وَالْبَاطِن بِلَا إِعْلَام أحد وَيُقَال هُوَ الأول قبل كل أول بِلَا غَايَة الأولية وَالْآخر بعد كل آخر بِلَا غَايَة الآخرية وَيُقَال هُوَ الأول مؤول كل أول وَالْآخر مُؤخر كل آخر كَانَ قبل كل شَيْء خلقه وَيكون بعد كل شَيْء أفناه وَهُوَ الْحَيّ الْبَاقِي الدَّائِم بِلَا موت وَلَا فنَاء وَلَا زَوَال وَهُوَ بِكُل شَيْء من الأول وَالْآخر وَالظَّاهِر عليم

4

{هُوَ الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّامٍ} من أَيَّام أول الدُّنْيَا طول كل يَوْم ألف سنة أول يَوْم مِنْهَا يَوْم الْأَحَد وَآخر يَوْم مِنْهَا يَوْم الْجُمُعَة {ثُمَّ اسْتَوَى} اسْتَقر وَيُقَال امْتَلَأَ {عَلَى الْعَرْش} وَكَانَ الله قبل أَن خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض على الْعَرْش بِلَا كَيفَ {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْض} مَا يدْخل فِي الأَرْض من الأمطار والكنوز والأموات {وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا} من الأَرْض من الْأَمْوَات والنبات والمياه والكنوز {وَمَا يَنزِلُ مِنَ السمآء} من الرزق والمطر وَالْمَلَائِكَة والمصائب {وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} وَمَا يصعد إِلَيْهَا من الْمَلَائِكَة والحفظة والأعمال {وَهُوَ مَعَكُمْ} عَالم بكم {أَيْنَ مَا كُنتُمْ} فِي بر أَو بَحر {وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر {بَصِيرٌ}

5

{لَهُ ملك السَّمَاوَات وَالْأَرْض} خَزَائِن السَّمَوَات الْمَطَر وَالْأَرْض النَّبَات {وَإِلَى الله تُرْجَعُ الْأُمُور} عواقب الْأُمُور فِي الْآخِرَة

6

{يُولِجُ} يدْخل وَيزِيد {اللَّيْل فِي النَّهَار وَيُولِجُ} يدْخل وَيزِيد {النَّهَار فِي اللَّيْل وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور} بِمَا فِي الْقُلُوب من الْخَيْر وَالشَّر

7

{آمِنُواْ بِاللَّه} يَا أهل مَكَّة {وَرَسُولِهِ} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} مالكين عَلَيْهِ فِي سَبِيل الله {فَالَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ} يَا أهل مَكَّة {وأنفقوا} مَالهم فِي سَبِيل الله {لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} ثَوَاب عَظِيم فِي الْجنَّة بِالْإِيمَان وَالنَّفقَة

8

{وَمَا لَكُمْ} يَا أهل مَكَّة {لاَ تُؤْمِنُونَ بِاللَّه} لَا توحدون بِاللَّه {وَالرَّسُول} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {يَدْعُوكُمْ} إِلَى التَّوْحِيد {لِتُؤْمِنُواْ بِرَبِّكُمْ} لكَي توحدوا

بربكم {وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ} إقراركم بِالتَّوْحِيدِ {إِن كُنتُم} إِذْ كُنْتُم {مُّؤْمِنِينَ} يَوْم الْمِيثَاق

9

{هُوَ الَّذِي ينزل على عَبده} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} جِبْرِيل بآيَات مبينات بِالْأَمر وَالنَّهْي والحلال وَالْحرَام {ليخرجكم} بِالْقُرْآنِ ودعوة النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {من الظُّلُمَات إِلَى النُّور} من الْكفْر إِلَى الْإِيمَان وَيُقَال قد أخرجكم من الْكفْر إِلَى الْإِيمَان {وَإِنَّ الله بِكُمْ} يَا معشر الْمُؤمنِينَ {لرؤوف رَّحِيمٌ} حِين أخرجكم من الْكفْر إِلَى الْإِيمَان

10

{وَمَا لَكُمْ} يَا معشر الْمُؤمنِينَ {أَلاَّ تُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ الله} فِي طَاعَة الله {وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَات وَالْأَرْض} مِيرَاث أهل السَّمَوَات وَأهل الأَرْض يَمُوت أَهلهَا وَيبقى هُوَ وَيرجع الْأَمر كُله إِلَيْهِ {لاَ يَسْتَوِي مِنكُم} يَا معشر الْمُؤمنِينَ عِنْد الله فى الْفضل وَالطَّاعَة وَالثَّوَاب {مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْح} فتح مَكَّة {وَقَاتل} الْعَدو مَعَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {أُولَئِكَ} أهل هَذِه الصّفة {أَعْظَمُ دَرَجَةً} فَضِيلَة ومنزلة عِنْد الله بِالطَّاعَةِ وَالثَّوَاب وَهُوَ أَبُو بكر الصّديق {مِّنَ الَّذين أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ} من بعد فتح مَكَّة {وَقَاتَلُواْ} الْعَدو فِي سَبِيل الله مَعَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وكلا} كلا لفريقين من أنْفق وَقَاتل من قبل الْفَتْح وَبعد الْفَتْح {وَعَدَ الله الْحسنى} الْجنَّة بِالْإِيمَان {وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ} بِمَا تنفقون {خَبِيرٌ}

11

{مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ الله} فِي الصَّدَقَة {قَرْضاً حَسَناً} محتسباً صَادِقا من قلبه {فَيُضَاعِفَهُ لَهُ} يقبله ويضاعف لَهُ فِي الْحَسَنَات مَا بَين سبع إِلَى سبعين إِلَى سَبْعمِائة إِلَى ألفي ألف إِلَى مَا شَاءَ من الْأَضْعَاف {وَلَهُ} عِنْده {أَجْرٌ كَرِيمٌ} ثَوَاب حسن فِي الْجنَّة نزلت هَذِه الْآيَة فِي أبي الدحداح

12

{يَوْمَ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {تَرَى} يَا مُحَمَّد {الْمُؤمنِينَ} المصدقين {وَالْمُؤْمِنَات} المصدقات بِالْإِيمَان {يسْعَى نُورُهُم} يضيء نورهم {بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} على الصِّرَاط {وَبِأَيْمَانِهِم} وشمائلهم {بُشْرَاكُمُ الْيَوْم} تَقول لَهُم الْمَلَائِكَة على الصِّرَاط لكم الْيَوْم {جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا} من تَحت شَجَرهَا ومساكنها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {خَالِدين فِيهَا} مقيمين فِي الْجنَّة لَا يموتون فِيهَا وَلَا يخرجُون مِنْهَا {ذَلِك هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم} النجَاة الوافرة فازوا بِالْجنَّةِ وَمَا فِيهَا ونجوا من النَّار وَمَا فِيهَا

13

{يَوْم} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة بعد مَا طفىء نور الْمُنَافِقين على الصِّرَاط {يَقُولُ المُنَافِقُونَ} من الرِّجَال {والمنافقات} من النِّسَاء {لِلَّذِينَ آمَنُواْ} للْمُؤْمِنين المخلصين على الصِّرَاط {انظرونا} ارقبونا وانتظرونا يَا معشر الْمُؤمنِينَ {نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ} نستضيء بنوركم ونجوز بِهِ على الصِّرَاط مَعكُمْ {قِيلَ} يَقُول لَهُم الْمُؤْمِنُونَ وَيُقَال يَقُول لَهُم الْمَلَائِكَة وَيُقَال يَقُول الله لَهُم {ارْجعُوا وَرَآءَكُمْ} خلفكم إِلَى الدُّنْيَا وَيُقَال إِلَى الْموقف حَيْثُ أعطينا النُّور {فالتمسوا} فَاطْلُبُوا {نُوراً} وَهَذَا استهزاء من الله على الْمُنَافِقين وَيُقَال من الْمُؤمنِينَ على الْمُنَافِقين فيرجعون فِي طلب النُّور {فَضُرِبَ بَيْنَهُم} يَقُول بني بَينهم وَبَين الْمُؤمنِينَ {بِسُورٍ} بحائط {لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَة} الْجنَّة {وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَاب} من نَحوه النَّار

14

{يُنَادُونَهُمْ} من وَرَاء السُّور {أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ} على دينكُمْ يَا معشر الْمُؤمنِينَ {قَالُواْ بلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ} أهلكتم أَنفسكُم بِكفْر السِّرّ والنفاق {وَتَرَبَّصْتُمْ} تركْتُم التَّوْبَة من الْكفْر والنفاق وَيُقَال انتظرتم موت مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِظْهَار الْكفْر {وارتبتم} شَكَكْتُمْ بِاللَّه وبالكتاب وَالرَّسُول {وَغرَّتْكُمُ الْأَمَانِي} الأباطيل وَالتَّمَنِّي {حَتَّى جَآءَ أَمْرُ الله} وعد الله بِالْمَوْتِ على غير التَّوْبَة من الْكفْر والنفاق {وَغَرَّكُم بِاللَّه} عَن طَاعَة الله {الْغرُور} يَعْنِي الشَّيْطَان وَيُقَال أباطيل الدُّنْيَا إِن قَرَأت بِضَم الْغَيْن

15

{فاليوم} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ} لَا يقبل مِنْكُم يَا معشر الْمُنَافِقين {فِدْيَةٌ} فدَاء {وَلَا من الَّذين كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وَلم يُؤمنُوا {مَأْوَاكُمُ النَّار} مصيركم النَّار {هِيَ مولاكم}

أولى بكم النَّار {وَبِئْسَ الْمصير} صَارُوا إِلَيْهِ النَّار قرناؤهم الشَّيَاطِين وجيرانهم الْكفَّار وطعامهم الزقوم وشرابهم الْحَمِيم ولباسهم مقطعات النيرَان وزوارهم الْحَيَّات والعقارب

16

ثمَّ ذكر قُلُوبهم إِذا كَانُوا فِي الدُّنْيَا فَقَالَ {أَلَمْ يَأْنِ} ألم يحن وَقت {لِلَّذِينَ آمنُوا} بالعلانية {أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ} أَن تلين وتذل وتخلص قُلُوبهم {لِذِكْرِ الله} وعد الله ووعيده وَيُقَال لتوحيد الله {وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحق} من الْأَمر وَالنَّهْي والحلال وَالْحرَام فِي الْقُرْآن {وَلاَ يَكُونُواْ كَالَّذِين أُوتُواْ الْكتاب} أعْطوا الْعلم بِالتَّوْرَاةِ {من قبل} من قبل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن فهم أهل التَّوْرَاة {فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأمد} الْأَجَل {فَقَسَتْ} غشيت ويبست وجفت {قُلُوبُهُمْ} عَن الْإِيمَان وهم الَّذين خالفوا دين مُوسَى {وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ} من أهل التَّوْرَاة {فَاسِقُونَ} كافرون لَا يُؤمنُونَ بِاللَّه فِي علم الله

17

{اعلموا أَنَّ الله يُحْيِي الأَرْض} بالمطر {بَعْدَ مَوْتِهَا} بعد قحطها ويبوستها كَذَلِك يحيي الله بالمطر الْمَوْتَى {قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَات} إحْيَاء الْمَوْتَى {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} لكَي تصدقوا بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت

18

{إِنَّ المصدقين} من الرِّجَال {والمصدقات} من النِّسَاء بِالْإِيمَان وَيُقَال المصدقين من الرِّجَال والمتصدقات من النِّسَاء {وَأَقْرَضُواْ الله} فِي الصَّدقَات {قَرْضاً حَسَناً} محتسباً صَادِقا من قُلُوبهم {يُضَاعَفُ لَهُمْ} يقبل مِنْهُم ويضاعف لَهُم فِي الْحَسَنَات مَا بَين سبع إِلَى سبعين إِلَى سَبْعمِائة إِلَى ألفي ألف إِلَى مَا شَاءَ الله من الْأَضْعَاف {وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ} ثَوَاب حسن فِي الْجنَّة

19

{وَالَّذين آمَنُواْ بِاللَّه وَرُسُلِهِ} من جَمِيع الْأُمَم {أُولَئِكَ هُمُ الصديقون} فِي إِيمَانهم {والشهدآء عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ} ثوابهم {وَنُورُهُمْ} على الصِّرَاط وَيُقَال وَالشُّهَدَاء مفصول من الْكَلَام الأول وهم الْأَنْبِيَاء الَّذين يشْهدُونَ على قَومهمْ بالتبليغ وَيُقَال هم الشُّهَدَاء للأنبياء على قَومهمْ وَيُقَال هم الشُّهَدَاء الَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله لَهُم أجرهم ثوابهم ثَوَاب النَّبِيين بتبليغ الرسَالَة ونورهم على الصِّرَاط يَمْشُونَ بِهِ {وَالَّذين كفرُوا وكذبوا بآياتنآ} بِالْكتاب وَالرَّسُول {أُولَئِكَ أَصْحَاب الْجَحِيم} أهل النَّار

20

{اعلموا أَنَّمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا} مَا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا {لَعِبٌ} فَرح {وَلَهْوٌ} بَاطِل {وَزِينَةٌ} منظر {وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ} فِي الْحسب وَالنّسب {وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد} يذهب وَلَا يبْقى {كَمَثَلِ غَيْثٍ} مطر {أَعْجَبَ الْكفَّار} الزراع {نَبَاتُهُ} نَبَات الْمَطَر {ثُمَّ يَهِيجُ} يتَغَيَّر بعد خضرته {فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً} بعد خضرته {ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً} يَابسا بعد صفرته كَذَلِك الدُّنْيَا لَا تبقى كَمَا لَا يبْقى هَذَا النَّبَات {وَفِي الْآخِرَة عَذَابٌ شَدِيدٌ} لمن ترك طَاعَة الله وَمنع حق الله {وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ الله وَرِضْوَانٌ} فِي الْآخِرَة لمن أطَاع الله وَأدّى حق الله من مَاله {وَمَا الْحَيَاة الدنيآ} مَا فِي بَقَائِهَا وفنائها {إِلاَّ مَتَاعُ الْغرُور} كمتاع الْبَيْت من الْقدر والقصعة والسكرجة ثمَّ قَالَ لجَمِيع الْخلق

21

{سابقوا} بِالتَّوْبَةِ من ذنوبكم {إِلَى مَغْفِرَةٍ} إِلَى تجَاوز {مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ} وَإِلَى جنَّة بِالْعَمَلِ الصَّالح {عَرْضُهَا كَعَرْضِ السمآء وَالْأَرْض} لَو وصلت بَعْضهَا إِلَى بعض {أُعِدَّتْ} خلقت وهيئت {لِلَّذِينَ آمَنُواْ بِاللَّه وَرُسُلِهِ} من جَمِيع الْأُمَم {ذَلِكَ} الْمَغْفِرَة والرضوان وَالْجنَّة {فَضْلُ الله} من الله {يُؤْتِيهِ} يُعْطِيهِ {مَن يَشَآءُ} من كَانَ أَهلا لذَلِك {وَالله ذُو الْفضل} ذُو الْمَنّ {الْعَظِيم} بِالْجنَّةِ

22

{مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْض} من الْقَحْط والجدوبة وَغَلَاء السّعر وتتابع الْجُوع {وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ} من الْأَمْرَاض والأوجاع والبلايا وَمَوْت الْأَهْل وَالْولد وَذَهَاب المَال {إِلاَّ فِي كِتَابٍ} يَقُول مَكْتُوب عَلَيْكُم فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ {مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ} أَن نخلقها تِلْكَ الْأَنْفس وَالْأَرْض {إِنَّ ذَلِك} حفظ ذَلِك {عَلَى الله يَسِيرٌ} هَين من غير كتاب وَلَكِن كتب

23

{لكَي لَا تأسوا}

لَا تحزنوا {على مَا فَاتَكُمْ} من الرزق والعافية فتقولوا لم يكْتب لنا {وَلاَ تَفْرَحُواْ} لَا تبطروا {بِمَآ آتَاكُمْ} بِمَا أَعْطَاكُم فتقولوا هُوَ أَعْطَانَا {وَالله لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ} فِي مشيته {فَخُورٍ} بنعم الله وَيُقَال مختال فِي الْكفْر فخور فِي الشّرك وهم الْيَهُود

24

{الَّذين يَبْخلُونَ} يكتمون صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته فِي التَّوْرَاة {وَيَأْمُرُونَ النَّاس بالبخل} فِي التَّوْرَاة بكتمان صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته {وَمَن يَتَوَلَّ} عَن الْإِيمَان {فَإِنَّ الله هُوَ الْغَنِيّ} عَن الْإِيمَان {الحميد} لمن وحدوه وَيُقَال الْمَحْمُود فِي فعاله يشْكر الْيَسِير وَيجْزِي الجزيل

25

{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ} بِالْأَمر وَالنَّهْي والعلامات {وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكتاب} وأنزلنا عَلَيْهِم جِبْرِيل بِالْكتاب {وَالْمِيزَان} بَينا فِيهِ الْعدْل {لِيَقُومَ} ليَأْخُذ {النَّاس بِالْقِسْطِ} بِالْعَدْلِ {وَأَنزْلْنَا الْحَدِيد} خلقنَا الْحَدِيد {فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} قُوَّة شَدِيدَة لَا تلينه إِلَّا النَّار وَيُقَال فِيهِ بَأْس شَدِيد الْحَرْب والقتال {وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} لأمتعتهم مثل السكاكين والفأس والمبرد وَغير ذَلِك {وَلِيَعْلَمَ الله} لكَي يرى الله {مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ} بِهَذِهِ الأسلحة {إِنَّ الله قَوِيٌّ} بنصرة أوليائه {عَزِيزٌ} بنقمة أعدائه

26

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً} إِلَى قومه بعد آدم بثمانمائة سنة فَلبث فِي قومه ألف سنة إِلَّا خمسين عَاما فَلم يُؤمنُوا فأهلكهم الله بالطوفان {وَإِبْرَاهِيمَ} وَأَرْسَلْنَا إِبْرَاهِيم إِلَى قومه بعد نوح بِأَلف ومائتي عَام واثنتين وَأَرْبَعين سنة {وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا} فِي نسلهما نسل نوح وَإِبْرَاهِيم {النُّبُوَّة وَالْكتاب} وَكَانَ فيهم الْأَنْبِيَاء وَفِيهِمْ الْكتاب {فَمِنْهُمْ مُّهْتَدٍ} مُؤمن بِالْكتاب وَالرَّسُول {وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} كافرون بِالْكتاب وَالرَّسُول

27

{ثُمَّ قَفَّيْنَا على آثَارِهِم} أتبعنا وأردفنا بعد نوح وَإِبْرَاهِيم فِي ذريتهما {بِرُسُلِنَا} بَعضهم على أثر بعض {وَقَفَّيْنَا على آثَارهم} اتَّبعنَا وأردفنا بعد هَؤُلَاءِ الرُّسُل غير مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {بِعِيسَى ابْن مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ} أعطيناه {الْإِنْجِيل وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذين اتَّبعُوهُ} اتبعُوا دين عِيسَى {رَأْفَةً} رقة وتعطفاً يعْطف بَعضهم على بعض {وَرَحْمَةً} يرحم بَعضهم بَعْضًا {وَرَهْبَانِيَّةً ابتدعوها} أعدُّوا لَهَا الصوامع والديور ليترهبوا فِيهَا وينجوا من فتْنَة بولس الْيَهُودِيّ {مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} مَا فَرضنَا عَلَيْهِم الرهبانية {إِلاَّ ابتغآء رِضْوَانِ الله} إِلَّا طلب رضَا الله وَيُقَال ابتدعوها إِلَّا ابْتِغَاء رضوَان الله مَا كتبناها عَلَيْهِم مَا فَرضنَا عَلَيْهِم الرهبانية وَلَو فَرضنَا عَلَيْهِم الرهبانية {فَمَا رَعَوْهَا} فَمَا حفظوا الرهبانية {حَقَّ رِعَايَتِهَا} حق حفظهَا {فَآتَيْنَا} فأعطينا {الَّذين آمَنُواْ مِنْهُمْ} من الرهبان {أَجْرَهُمْ} ثوابهم مرَّتَيْنِ بِالْإِيمَان وَالْعِبَادَة وهم الَّذين لم يخالفوا دين عِيسَى بن مَرْيَم وَبَقِي مِنْهُم أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ رجلا فِي أهل الْيمن جَاءُوا إِلَى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وآمنوا بِهِ ودخلوا فِي دينه {وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ} من الرهبان {فَاسِقُونَ} كافرون وهم الَّذين خالفوا دين عِيسَى

28

{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ اتَّقوا الله} اخشوا الله {وَآمِنُواْ بِرَسُولِهِ} اثبتوا على إيمَانكُمْ بِاللَّه وَرَسُوله {يُؤْتِكُمْ} يعطكم {كِفْلَيْنِ} ضعفين {مِن رَّحْمَتِهِ} من ثَوَابه وكرامته {وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ} بَين النَّاس وعَلى الصِّرَاط {وَيَغْفِرْ لَكُمْ} ذنوبكم فِي الْجَاهِلِيَّة {وَالله غَفُورٌ} لمن تَابَ {رَّحِيمٌ} لمن مَاتَ على التَّوْبَة

29

{لِّئَلاَّ يَعْلَمَ} لكَي يعلم {أَهْلُ الْكتاب} عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه {أَلاَّ يَقْدِرُونَ على شَيْءٍ مِّن فَضْلِ الله} من ثَوَاب الله {وَأَنَّ الْفضل} الثَّوَاب والكرامة {بِيَدِ الله يُؤْتِيهِ} يُعْطِيهِ {مَن يَشَآءُ} من كَانَ أَهلا لذَلِك {وَالله ذُو الْفضل} ذُو الْمَنّ {الْعَظِيم} على الْمُؤمنِينَ بالثواب والكرامة نزلت من قَوْله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} إِلَى هَهُنَا فِي شَأْن عبد الله بن سَلام حَيْثُ افتخر على أبي بن كَعْب وَأَصْحَابه بِأَن لنا أَجْرَيْنِ وَلكم أجر وَاحِد

وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا المجادلة وهى كلهَا مَدَنِيَّة غير قَوْله {مَا يكون من نجوى ثَلَاثَة إِلَّا هُوَ رابعهم} فانها مَكِّيَّة آياتها اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ وكلماتها أَرْبَعمِائَة وَثَلَاثَة وَسَبْعُونَ وحروفها ألف وَتِسْعمِائَة وَاثْنَانِ وَتسْعُونَ {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

المجادلة

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {قَدْ سَمِعَ الله} يَقُول قد سمع الله قبل أَن أخْبرك يَا مُحَمَّد {قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ} تخاصمك وتكلمك {فِي زَوْجِهَا} فِي شَأْن زَوجهَا {وتشتكي إِلَى الله} تتضرع إِلَى الله تَعَالَى لتبيان أمرهَا {وَالله يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمآ} محاورتكما ومراجعتكما {إِنَّ الله سَمِيعٌ} لمقالتها {بَصِيرٌ} بأمرها وَذَلِكَ أَن خَوْلَة بنت ثَعْلَبَة بن مَالك ابْن الدخشم الْأَنْصَارِيَّة كَانَت تَحت أَوْس بن الصَّامِت الْأنْصَارِيّ وَكَانَ بِهِ لمَم أَي مس من الْجِنّ فَأَرَادَ أَن يَأْتِيهَا على حَال لَا تُؤْتى عَلَيْهَا النِّسَاء فَأَبت عَلَيْهِ فَغَضب وَقَالَ إِن خرجت من الْبَيْت قبل أَن أفعل بك فَأَنت عَليّ كَظهر أُمِّي

2

{الَّذين يُظَاهِرُونَ مِنكُمْ مِّن نِّسَآئِهِمْ} وَهُوَ أَن يَقُول الرجل لامْرَأَته أَنْت عليَّ كَظهر أُمِّي {مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} كأمهاتهم {إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ} مَا أمهاتهم فِي الْحُرْمَة {إِلاَّ اللائي وَلَدْنَهُمْ} أَو أرضعنهم {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً} قبيحاً {مِّنَ القَوْل} فِي الظِّهَار {وَزُوراً} كذبا {وَإِنَّ الله لَعَفُوٌّ} متجاوز إِذْ لم يُعَاقِبهُ بِتَحْرِيم مَا أحل الله لَهُ {غَفُورٌ} بعد تَوْبَته وندامته

3

ثمَّ بَين كَفَّارَة الظِّهَار فَقَالَ {وَالَّذين يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ} يحرمُونَ على أنفسهم مناكحة نِسَائِهِم {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ} يرجعُونَ إِلَى تَحْلِيل مَا حرمُوا على أنفسهم من المناكحة {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} فَعَلَيهِ تَحْرِير رَقَبَة {مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا} يجامعا {ذَلِكُم} التَّحْرِير {تُوعَظُونَ بِهِ} تؤمرون بِهِ لكفارة الظِّهَار {وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ} فِي الظِّهَار من الْكَفَّارَة وَغَيرهَا {خَبِيرٌ}

4

{فَمَن لَّمْ يَجِدْ} التَّحْرِير {فَصِيَامُ} فصوم {شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} متصلين {مِن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا} يجامعا {فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ} الصّيام من ضعفه {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً} لكل مِسْكين نصف صَاع من حِنْطَة أَو صَاع من شعير أَو تمر {ذَلِك} الَّذِي بيّنت من كَفَّارَة الظِّهَار {لِتُؤْمِنُواْ بِاللَّه وَرَسُولِهِ} لكَي تقروا بفرائض الله وَسنة رَسُوله {وَتِلْكَ حُدُودُ الله} هَذِه أَحْكَام الله وفرائضه فِي الظِّهَار {وَلِلْكَافِرِينَ} بحدود الله {عَذَابٌ أَلِيمٌ} وجيع يخلص وَجَعه إِلَى قُلُوبهم نزل من أول السُّورَة إِلَى هَهُنَا فِي خَوْلَة بنت ثَعْلَبَة بن مَالك الْأَنْصَارِيَّة وَزوجهَا أَوْس بن الصَّامِت أخي عبَادَة بن الصَّامِت غضب عَلَيْهَا فِي بعض شَيْء من أمرهَا فَلم تفعل فَجَعلهَا على نَفسه كَظهر أمه فندم على ذَلِك فَبين الله لَهُ كَفَّارَة الظِّهَار وَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعتق رَقَبَة فَقَالَ المَال قَلِيل والرقبة غَالِيَة فَقَالَ صم شَهْرَيْن مُتَتَابعين فَقَالَ لَا أَسْتَطِيع وَإِنِّي إِن لم آكل فِي الْيَوْم مرّة ومرتين كل بَصرِي وَخفت أَن أَمُوت فَقَالَ لَهُ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أطْعم سِتِّينَ مِسْكينا فَقَالَ لَا أجد فَأمر النبى من التَّمْر وَأمره أَن يَدْفَعهُ للْمَسَاكِين فَقَالَ لَا أعلم أحدا بَين لابتي الْمَدِينَة أحْوج إِلَيْهِ مني فَأمره بِأَكْلِهِ وَأطْعم سِتِّينَ مِسْكينا فَرجع إِلَى تَحْلِيل مَا حرم على نَفسه أَعَانَهُ على ذَلِك النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرجل آخر

5

{إِنَّ الَّذين يُحَآدُّونَ الله وَرَسُولَهُ} يخالفون الله وَرَسُوله فِي الدّين ويعادونه {كُبِتُواْ} عذبُوا وأخزوا يَوْم الخَنْدَق بِالْقَتْلِ والهزيمة وهم أهل مَكَّة {كَمَا كُبِتَ} عذب وأخزى {الَّذين مِن قَبْلِهِمْ} يَعْنِي الَّذين قَاتلُوا الْأَنْبِيَاء قبل أهل مَكَّة {وَقَدْ أَنزَلْنَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} جِبْرِيل بآيَات مبينات بِالْأَمر والنهى

والحلال وَالْحرَام {وَلِلْكَافِرِينَ} بآيَات الله {عَذَابٌ مُّهِينٌ} يهانون بِهِ وَيُقَال عَذَاب شَدِيد

6

{يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ الله جَمِيعاً} جَمِيع أهل الْأَدْيَان {فَيُنَبِّئُهُمْ} ويخبرهم {بِمَا عمِلُوا} فِي الدُّنْيَا (أَحْصَاهُ الله) حفظ الله عَلَيْهِم أَعْمَالهم {وَنَسُوهُ} تركُوا طَاعَة الله الَّتِي أَمرهم الله بهَا {وَالله على كُلِّ شَيْءٍ} من أَعْمَالهم {شَهِيدٌ}

7

{أَلَمْ تَرَ} ألم تخبر فِي الْقُرْآن يَا مُحَمَّد {أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض} من الْخلق {مَا يَكُونُ مِن نجوى} تناجى {ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ} إِلَّا الله عَالم بهم وبأعمالهم وبمناجاتهم {وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ} إِلَّا الله عَالم بهم وبمناجاتهم {وَلاَ أدنى مِن ذَلِك} وَلَا أقل من ذَلِك {وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ} عَالم بهم وبمناجاتهم {أَيْنَ مَا كَانُواْ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم} يُخْبِرهُمْ {بِمَا عَمِلُواْ} فِي الدُّنْيَا {يَوْمَ الْقِيَامَة إِنَّ الله بِكُلِّ شَيْءٍ} من أَعْمَالهم ومناجاتهم {عَلِيمٌ} نزلت هَذِه الْآيَة فِي صَفْوَان بن أُميَّة وَخَتنه وقصتهم مَذْكُورَة فِي سُورَة حم السَّجْدَة

8

{أَلَمْ تَرَ} ألم تنظر يَا مُحَمَّد {إِلَى الَّذين نُهُواْ عَنِ النَّجْوَى} دون الْمُؤمنِينَ المخلصين {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ} من النَّجْوَى دون الْمُؤمنِينَ المخلصين {وَيَتَنَاجَوْنَ} فِيمَا بَينهم {بالإثم} بِالْكَذِبِ {والعدوان} وَالظُّلم {ومعصية الرَّسُول} بمخالفة الرَّسُول بعد مَا نَهَاهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهم المُنَافِقُونَ كَانُوا يتناجون فِيمَا بَينهم مَعَ الْيَهُود فِي خبر سَرَايَا الْمُؤمنِينَ لكَي يحزن بذلك الْمُؤْمِنُونَ {وَإِذا جاؤوك} يَعْنِي الْيَهُود {حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ الله} سلمُوا عَلَيْك سَلاما لم يُسلمهُ الله عَلَيْك وَلم يَأْمُرك بِهِ وَكَانُوا يجيئون إِلَى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَيَقُولُونَ} السام عَلَيْك فَيرد عَلَيْهِم النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْكُم السام وَكَانَ السام بلغتهم الْمَوْت وَيَقُولُونَ {فِي أَنفُسِهِمْ} فِيمَا بَينهم {لَوْلاَ} هلا {يُعَذِّبُنَا الله بِمَا نَقُولُ} لنَبيه لَو كَانَ نَبيا كَمَا يزْعم لَكَانَ دعاؤه مستجاباً علينا حَيْثُ نقُول السام عَلَيْك فَيرد علينا عَلَيْكُم السام فَأنْزل الله فيهم {حَسْبُهُمْ} مصيرهم مصير الْيَهُود فِي الْآخِرَة {جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا} يدْخلُونَهَا {فَبِئْسَ الْمصير} صَارُوا إِلَيْهِ النَّار

9

{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {إِذَا تَنَاجَيْتُمْ} فِيمَا بَيْنكُم {فَلاَ تَتَنَاجَوْاْ بالإثم} بِالْكَذِبِ {والعدوان} بالظلم {ومعصية الرَّسُول} بِخِلَاف أَمر الرَّسُول كمناجاة الْمُنَافِقين مَعَ الْيَهُود دون الْمُؤمنِينَ المخلصين {وَتَنَاجَوْاْ بِالْبرِّ} بأَدَاء فَرَائض الله وإحسان بَعْضكُم إِلَى بعض {وَالتَّقوى} ترك الْمعاصِي والجفاء {وَاتَّقوا الله} اخشوا الله فِي أَن تتناجوا دون الْمُؤمنِينَ المخلصين {الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} فِي الْآخِرَة

10

{إِنَّمَا النَّجْوَى} نجوى الْمُنَافِقين مَعَ الْيَهُود دون الْمُؤمنِينَ {مِنَ الشَّيْطَان} من طَاعَة الشَّيْطَان وبأمر الشَّيْطَان {ليحزن الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَلَيْسَ بِضَآرِّهِمْ} بضار الْمُؤمنِينَ مُنَاجَاة الْمُنَافِقين {شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ الله} بِإِرَادَة الله {وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} وعَلى الْمُؤمنِينَ أَن يتوكلوا على الله لَا على غَيره

11

{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ} إِذا قَالَ لكم النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {تَفَسَّحُواْ} توسعوا {فِي الْمجَالِس فافسحوا} وَسعوا {يَفْسَحِ الله} يُوسع الله {لَكُمْ} فِي الْآخِرَة فِي الْجنَّة نزلت هَذِه الْآيَة فِي شَأْن ثَابت بن قيس بن شماس وقصته فِي سُورَة الحجرات وَيُقَال نزلت فِي نفر من أهل بدر مِنْهُم ثَابت بن قيس ابْن شماس جَاءُوا إِلَى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ النَّبِي جَالِسا فِي صفة صَفِيَّة يَوْم الْجُمُعَة فَلم يَجدوا مَكَانا يَجْلِسُونَ فِيهِ فَقَامُوا على رَأس الْمجْلس فَقَالَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لمن لم يكن من أهل بدر يَا فلَان قُم وَيَا فلَان قُم من مَكَانك ليجلس فِيهِ من كَانَ من أهل بدر وَكَانَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكرم أهل بدر فَعرف النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْكَرَاهِيَة لمن أَقَامَهُ من الْمجْلس فَأنْزل الله فيهم هَذِه الْآيَة {وَإِذَا قِيلَ انشزوا} ارتفعوا فى الصَّلَاة وَالْجهَاد وَالذكر

{فَانشُزُواْ} فَارْتَفعُوا {يَرْفَعِ الله الَّذين آمَنُواْ مِنكُمْ} فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة فِي الدَّرَجَات {وَالَّذين أُوتُواْ الْعلم} أعْطوا الْعلم مَعَ الْإِيمَان {دَرَجَاتٍ} فَضَائِل فِي الْجنَّة فَوق دَرَجَات الَّذين أُوتُوا الْإِيمَان بِغَيْر علم إِذْ الْمُؤمن الْعَالم أفضل من الْمُؤمن الَّذِي لَيْسَ بعالم {وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر {خَبِير}

12

{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {إِذَا نَاجَيْتُمُ} إِذا كلمتم {الرَّسُول فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} نزلت هَذِه الْآيَة فى أهل الميسرة مِنْهُم من كَانُوا يكثرون الْمُنَاجَاة مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دون الْفُقَرَاء حَتَّى تأذى بذلك النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والفقراء فنهاهم الله عَن ذَلِك وَأمرهمْ بِالصَّدَقَةِ قبل أَن يتناجوا مَعَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِكُل كلمة أَن يتصدقوا بدرهم على الْفُقَرَاء فَقَالَ يأيها الَّذين آمنُوا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن إِذا نَاجَيْتُم إِذا كلمتم الرَّسُول مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقدموا بَين يَدي نَجوَاكُمْ صَدَقَة قبل أَن تكلمُوا نَبِيكُم تصدقوا بِكُل كلمة درهما {ذَلِك} الصَّدَقَة {خَيْرٌ لَّكُمْ} من الْإِمْسَاك {وَأَطْهَرُ} لقلوبكم من الذُّنُوب وَيُقَال لقلوب الْفُقَرَاء من الخشونة {فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ} الصَّدَقَة يَا أهل الْفقر فتكلموا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَا شِئْتُم بِغَيْر التَّصَدُّق {فَإِنَّ الله غَفُورٌ} متجاوز لذنوبكم {رَّحِيمٌ} لمن تَابَ مِنْكُم فَانْتَهوا عَن الْمُنَاجَاة لقبل الصَّدَقَة فَلَامَهُمْ الله بذلك فَقَالَ

13

{أَأَشْفَقْتُم} أبخلتم يَا أهل الميسرة {أَن تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ} أَن تصدقوا قبل أَن تكلمُوا النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْفُقَرَاء {فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُواْ} إِن لم تعطوا الصَّدَقَة {وَتَابَ الله عَلَيْكُمْ} تجَاوز الله عَنْكُم أَمر الصَّدَقَة {فأقيموا الصَّلَاة} أَتموا الصَّلَوَات الْخمس {وَآتوا الزَّكَاة} أعْطوا زَكَاة أَمْوَالكُم {وَأَطِيعُواْ الله} فِيمَا أَمركُم {وَرَسُولَهُ} فِيمَا يَأْمُركُمْ {وَالله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر فَلم يتَصَدَّق مِنْهُم أحد غير عَليّ بن أبي طَالب تصدق بِدِينَار بَاعه بِعشْرَة دَرَاهِم بِعشر كَلِمَات سَأَلَهُنَّ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

14

ثمَّ نزل فِي شَأْن عبد الله بن أَبى وَأَصْحَابه بولايتهم مَعَ الْيَهُود فَقَالَ {أَلَمْ تَرَ} ألم تنظر يَا مُحَمَّد {إِلَى الَّذين تَوَلَّوْاْ} فِي العون والنصرة {قَوْماً} يَعْنِي الْيَهُود {غَضِبَ الله عَلَيْهِم} سخط الله عَلَيْهِم {مَّا هُم} يَعْنِي الْمُنَافِقين {مِّنكُمْ} فِي السِّرّ فَيجب لَهُم مَا يجب لكم {وَلاَ مِنْهُمْ} يَعْنِي الْيَهُود فِي الْعَلَانِيَة فَيجب عَلَيْهِم مَا يجب على الْيَهُود {وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِب} بِالْكَذِبِ بِأَنا مُؤمنُونَ مصدقون بإيماننا {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} أَنهم كاذبون فِي حلفهم

15

{أعد الله لَهُم} لِلْمُنَافِقين عبد الله ابْن أبي وَأَصْحَابه {عَذَاباً شَدِيداً} فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة {إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} بئْسَمَا كَانُوا يصنعون فِي نفاقهم

16

{اتَّخذُوا أَيْمَانَهُمْ} حلفهم بِاللَّه الكاذبة {جُنَّةً} من الْقَتْل {فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله} صرفُوا النَّاس عَن دين الله وطاعته فِي السِّرّ {فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} يهانون بِهِ فِي الْآخِرَة

17

{لَّن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ} كَثْرَة أَمْوَالهم أَمْوَال الْمُنَافِقين وَالْيَهُود {وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ} كَثْرَة أَوْلَادهم {مِّنَ الله} من عَذَاب الله {شَيْئاً أُولَئِكَ} المُنَافِقُونَ وَالْيَهُود {أَصْحَابُ النَّار} أهل النَّار {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} دائمون فِي النَّار لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا

18

{يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ الله جَمِيعاً} يَعْنِي الْمُنَافِقين وَالْيَهُود وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {فَيَحْلِفُونَ لَهُ} بَين يَدي الله مَا كُنَّا كَافِرين وَلَا منافقين {كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ} فِي الدُّنْيَا {وَيَحْسَبُونَ} يظنون {أَنَّهُمْ على شَيْءٍ} من الدّين {أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ} عِنْد الله فِي حلفهم

19

{استحوذ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَان} غلب عَلَيْهِم الشَّيْطَان فَأَمرهمْ بِطَاعَتِهِ فأطاعوه {فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ الله} حَتَّى تركُوا ذكر الله طَاعَة الله فِي السِّرّ {أُولَئِكَ} يَعْنِي الْيَهُود وَالْمُنَافِقِينَ {حِزْبُ الشَّيْطَانِ} جند الشَّيْطَان {أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ} جند الشَّيْطَان {هُمُ الخَاسِرُونَ} المغبونون بذهاب الدُّنْيَا وَالْآخِرَة

20

{إِنَّ الَّذِينَ يُحَآدُّونَ} يخالفون {الله وَرَسُولَهُ}

فِي الدّين {أُولَئِكَ فِي الأذلين} مَعَ الأسفلين فِي النَّار يَعْنِي الْمُنَافِقين وَالْيَهُود

21

{كَتَبَ الله} قضى الله {لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ ورسلي} يعْنى مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على فَارس وَالروم وَالْيَهُود وَالْمُنَافِقِينَ {إِنَّ الله قَوِيٌّ} بنصرة أنبيائه {عَزِيزٌ} بنقمة أعدائه نزلت هَذِه الْآيَة فِي عبد الله بن أبي بن سلول حَيْثُ قَالَ للْمُؤْمِنين المخلصين أتظنون أَن يكون لكم فتح فَارس وَالروم

22

ثمَّ نزلت فِي حَاطِب بن أبي بلتعة رجل من أهل الْيمن الَّذِي كتب كتابا إِلَى أهل مَكَّة بسر النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ {لاَّ تَجِدُ} يَا مُحَمَّد {قَوْماً} يَعْنِي حَاطِبًا {يُؤْمِنُونَ بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت {يُوَآدُّونَ} يناصحون ويوافقون فِي الدّين {مَنْ حَآدَّ الله} من خَالف الله {وَرَسُولَهُ} فِي الدّين يَعْنِي أهل مَكَّة {وَلَوْ كَانُوا آبَآءَهُمْ} فِي النّسَب {أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ} فِي النّسَب {أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} أَو قَومهمْ أَو قرابتهم {أُولَئِكَ} يَعْنِي حَاطِبًا وَأَصْحَابه {كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ} جعل فى قُلُوبهم تَصْدِيق {الْأَيْمَان} وَحب الْإِيمَان {وَأَيَّدَهُمْ} أعانهم {بِرُوحٍ مِّنْهُ} برحمة مِنْهُ وَيُقَال أعانهم بعون مِنْهُ {وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ} بساتين {تجْرِي من تحتهَا} من تَحت شَجَرهَا ومساكنها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {خَالِدِينَ فِيهَا} مقيمين فِي الْجنَّة لَا يموتون وَلَا يخرجُون {رَضِيَ الله عَنْهُمْ} بإيمَانهمْ وأعمالهم وتوبتهم {وَرَضُواْ عَنْهُ} بالثواب والكرامة من الله {أُولَئِكَ} يَعْنِي حَاطِبًا وَأَصْحَابه {حِزْبُ الله} جند الله {أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الله} جند الله {هُمُ المفلحون} الناجون من السخط وَالْعَذَاب وهم الَّذين أدركوا ووجدوا مَا طلبُوا ونجوا من شَرّ مَا مِنْهُ هربوا وَكَانَ حَاطِب بن أبي بلتعة بَدْرِيًّا وقصته فى سُورَة الممتحنة وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْحَشْر وهى كلهَا مَكِّيَّة أَو مَدَنِيَّة آياتها أَربع وَعِشْرُونَ وكلماتها سَبْعمِائة وَخمْس وَأَرْبَعُونَ وحروفها ألف وَسَبْعمائة وَاثنا عشر حرفا {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

الحشر

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {سبح لله} يَقُول صلى الله وَيَقُول ذكر الله {مَا فِي السَّمَاوَات} من الْخلق {وَمَا فِي الأَرْض} من الْخلق {وَهُوَ الْعَزِيز} فِي ملكه وسلطانه {الْحَكِيم} فِي أمره وقضائه أَمر أَن لَا يعبد غَيره

2

{هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكتاب} يَعْنِي بني النَّضِير {مِن دِيَارِهِمْ} من مَنَازِلهمْ وحصونهم {لأَوَّلِ الْحَشْر} لأَنهم أول من حشر وَأخرج من الْمَدِينَة إِلَى الشَّام إِلَى أريحاء وَأَذْرعَات بعد مَا نقضوا عهودهم مَعَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد وقْعَة أحد {مَا ظَنَنتُمْ} مَا رجوتم يَا معشر الْمُؤمنِينَ {أَن يَخْرُجُواْ} يَعْنِي بني النَّضِير من الْمَدِينَة إِلَى الشَّام {وظنوا} يَعْنِي بني النَّضِير {أَنَّهُمْ مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم} أَن حصونهم تمنعهم {مِّنَ الله} من عَذَاب الله {فَأَتَاهُمُ الله} عذبهم الله وأخزاهم وأذلهم بقتل كَعْب بن الْأَشْرَف {مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ} لم يَظُنُّوا أَو لم يخَافُوا أَن ينزل بهم مَا نزل بهم من قتل كَعْب بن الْأَشْرَف {وَقَذَفَ} جعل {فِي قُلُوبِهِمُ الرعب} الْخَوْف من مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه وَكَانُوا لَا يخَافُونَ قبل ذَلِك {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ} يهدمون بعض بُيُوتهم {بِأَيْدِيهِمْ} ويرمون بهَا إِلَى الْمُؤمنِينَ {وَأَيْدِي الْمُؤمنِينَ} ويتركون بعض بُيُوتهم على الْمُؤمنِينَ حَتَّى هدموا ورموا بهَا إِلَيْهِم {فاعتبروا يَا أولي الْأَبْصَار} فِي الدّين وَيُقَال بالبصر بِمَا فعل الله بهم من الاجلاء

3

{وَلَوْلاَ أَن كَتَبَ الله} قضى الله {عَلَيْهِمُ} على بني النَّضِير {الْجلاء} الْخُرُوج من الْمَدِينَة إِلَى الشَّام {لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا}

بِالْقَتْلِ {وَلَهُمْ فِي الْآخِرَة عَذَابُ النَّار} أَشد من الْقَتْل

4

{ذَلِك} الْجلاء وَالْعَذَاب {بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ الله} خالفوا الله {وَرَسُولَهُ} فِي الدّين {وَمَن يُشَآقِّ الله} يُخَالف الله فِي الدّين ويعاده {فَإِنَّ الله شَدِيدُ الْعقَاب} لَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة

5

وَأمر النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه بِقطع نخيلهم بعد مَا حَاصَرَهُمْ غير الْعَجْوَة فَإِنَّهُ لم يَأْمُرهُم بقطعها فَلَامَهُمْ بذلك بَنو النَّضِير فَقَالَ الله {مَا قَطَعْتُمْ مِّن لِّينَةٍ} غير الْعَجْوَة {أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً على أُصُولِهَا} فَلم تقطعوها يَعْنِي الْعَجْوَة {فَبِإِذْنِ الله} فبأمر الله الْقطع وَالتّرْك {وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقين} لكَي يذل الْكَافرين يَعْنِي يهود بني النَّضِير بِمَا قطعْتُمْ من نخيلهم

6

{وَمَآ أَفَآءَ الله على رَسُولِهِ} مَا فتح الله لرَسُوله {مِنْهُمْ} من بني النَّضِير فَهُوَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاصَّة دونكم {فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ} فَمَا أجريتم إِلَيْهِ {مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ} إبل وَلَكِن مشيتم إِلَيْهِ مشياً لِأَنَّهُ كَانَ قَرِيبا إِلَى الْمَدِينَة {وَلَكِن الله يُسَلِّطُ رُسُلَهُ} يَعْنِي مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {على مَن يَشَآءُ} يَعْنِي بني النَّضِير {وَالله على كُلِّ شَيْءٍ} من النُّصْرَة وَالْغنيمَة {قَدِيرٌ}

7

{مَّآ أَفَآءَ الله على رَسُولِهِ} مَا فتح الله لرَسُوله {مِنْ أَهْلِ الْقرى} قرى عرينة وَقُرَيْظَة وَالنضير وفدك وخيبر {فَلِلَّهِ} خَاصَّة دونكم {وَلِلرَّسُولِ} وَأمر الرَّسُول فِيهَا جَائِز فَجعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فدك وخيبر وَقفا لله على الْمَسَاكِين فَكَانَ فِي يَده فِي حَيَاته وَكَانَ فِي يَد أَبى بكر بعد موت النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَذَلِكَ كَانَ فِي يَد عمر وَعُثْمَان وَعلي بن أبي طَالب على مَا كَانَ فِي يَد النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهَكَذَا الْيَوْم وَقسم النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غنيمَة قُرَيْظَة وَالنضير على فُقَرَاء الْمُهَاجِرين أَعْطَاهُم على قدر احتياجهم وعيالهم {وَلِذِي الْقُرْبَى} وَأعْطى بعضه لفقراء بني عبد الْمطلب {واليتامى} وَأعْطى بعضه لِلْيَتَامَى غير يتامى بني عبد الْمطلب {وَالْمَسَاكِين} وَأعْطى بعضه للْمَسَاكِين غير مَسَاكِين بني عبد الْمطلب {وَابْن السَّبِيل} الضَّيْف النَّازِل ومار الطَّرِيق {كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً} قسْمَة {بَيْنَ الأغنيآء مِنكُمْ} بَين الأقوياء مِنْكُم {وَمَآ آتَاكُمُ الرَّسُول} من الْغَنِيمَة {فَخُذُوهُ} فاقبلوه وَيُقَال مَا أَمركُم الرسولفاعملوا بِهِ {وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهوا وَاتَّقوا الله} اخشوا الله فِيمَا أَمركُم {إِنَّ الله شَدِيدُ الْعقَاب} إِذا عاقب وَذَلِكَ لأَنهم قَالُوا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خُذ نصيبك من الْغَنِيمَة وَدعنَا وَإِيَّاهَا فَقَالَ الله لَهُم هَذِه الْغَنَائِم يَعْنِي سَبْعَة من الْحِيطَان من بني النَّضِير

8

{لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ} لأَنهم {الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ} مَكَّة {وَأَمْوَالِهِمْ} أخرجهم أهل مَكَّة وَكَانُوا نَحْو مائَة رجل {يَبْتَغُونَ فَضْلاً} يطْلبُونَ ثَوابًا {مِّنَ الله وَرِضْوَاناً} مرضاة رَبهم بِالْجِهَادِ {وَيَنصُرُونَ الله وَرَسُولَهُ} بِالْجِهَادِ {أُولَئِكَ هُمُ الصادقون} المصدقون بإيمَانهمْ وجهادهم

9

فَقَالَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للْأَنْصَار هَذِه الْغَنَائِم والحيطان للْفُقَرَاء الْمُهَاجِرين خَاصَّة دونكم إِن شِئْتُم قسمتم أَمْوَالكُم ودياركم للمهاجرين وَأقسم لكم من الْغَنَائِم وَإِن شِئْتُم لكم أَمْوَالكُم ودياركم وَأقسم الْغَنِيمَة بَين فُقَرَاء الْمُهَاجِرين فَقَالُوا يَا رَسُول الله نقسمهم أَمْوَالنَا ومنازلنا وَنُؤْثِرهُمْ على أَنْفُسنَا بِالْغَنِيمَةِ فَأثْنى الله عَلَيْهِم فَقَالَ {وَالَّذين تبوؤوا الدَّار} وطنوا دَار الْهِجْرَة للنبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه {وَالْإِيمَان مِن قَبْلِهِمْ} وَكَانُوا مُؤمنين من قبل مَجِيء الْمُهَاجِرين إِلَيْهِم {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِم} إِلَى الْمَدِينَة من أَصْحَاب النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ} فِي قُلُوبهم {حَاجَةً} حسداً وَيُقَال حزازة {مِّمَّآ أُوتُواْ} مِمَّا أعْطوا من الْغَنَائِم دونهم {وَيُؤْثِرُونَ على أَنفُسِهِمْ} بِأَمْوَالِهِمْ ومنازلهم {وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} فقر وحاجة {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ} من دفع عَنهُ بخل نَفسه {فَأُولَئِك هُمُ المفلحون} الناجون من السخط وَالْعَذَاب

10

{وَالَّذين جاؤوا مِن بَعْدِهِمْ} من بعد الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين {يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِر لَنَا} ذنوبنا {وَلإِخْوَانِنَا الَّذين سَبَقُونَا بِالْإِيمَان}

وَالْهجْرَة {وَلَا تجْعَل فِي قُلُوبنَا غلا} بغضا وحسداً {لِّلَّذِينَ آمَنُواْ} من الْمُهَاجِرين {رَبَّنَآ إِنَّكَ رؤوف رَّحِيمٌ} خَافُوا على أنفسهم أَن يَقع فِي قُلُوبهم الْحَسَد لقبل مَا أعْطى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين دونهم فدعوا بِهَذِهِ الدَّعْوَات

11

{أَلَمْ تَرَ} ألم تنظر يَا مُحَمَّد {إِلَى الَّذين نَافَقُواْ} فِي دينهم وهم قوم من الْأَوْس تكلمُوا بِالْإِيمَان عَلَانيَة وأسروا النِّفَاق {يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ} فِي السِّرّ {الَّذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكتاب} يَعْنِي بني قُرَيْظَة قَالُوا لَهُم بعد مَا حَاصَرَهُمْ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أثبتوا فِي حصونكم على دينكُمْ {لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ} من الْمَدِينَة كَمَا أخرج بَنو النَّضِير {لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ فيكُمْ أَحَداً أَبَداً} لَا نعين عَلَيْكُم أحدا من أهل الْمَدِينَة {وَإِن قوتلتم} وَإِن قاتلكم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه {لَنَنصُرَنَّكُمْ} عَلَيْهِم {وَالله يَشْهَدُ} يعلم {إِنَّهُمْ} يَعْنِي الْمُنَافِقين {لَكَاذِبُونَ} فِي مقالتهم

12

{لَئِنْ أُخْرِجُواْ} من الْمَدِينَة يَعْنِي بني قُرَيْظَة {لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ} المُنَافِقُونَ {وَلَئِن قُوتِلُواْ} قَاتلهم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {لَا ينصرونهم} على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَلَئِن نصروهم} على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {لَيُوَلُّنَّ الأدبار} منهزمين {ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ} لَا يمْنَعُونَ مِمَّا نزل بهم

13

ثمَّ قَالَ للْمُؤْمِنين {لأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِّنَ الله} يَقُول خوف الْمُنَافِقين وَالْيَهُود من سيف مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه أَشد من خوفهم من الله {ذَلِك} الْخَوْف {بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ} أَمر الله وتوحيد الله

14

{لَا يقاتلونكم} يعْنى بنى قُرَيْظَة وَالنضير {جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ} فِي مَدَائِن وقصور حَصِينَة {أَوْ مِن وَرَآءِ جُدُرٍ} أَو بَيْنكُم وَبينهمْ حَائِط {بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ} يَقُول قِتَالهمْ فِيمَا بَينهم شَدِيد إِذا قَاتلُوا قَومهمْ لَا مَعَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه {تَحْسَبُهُمْ} يَا مُحَمَّد يَعْنِي الْمُنَافِقين وَالْيَهُود من بني قُرَيْظَة وَالنضير {جَمِيعاً} على أَمر وَاحِد {وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} مُخْتَلفَة {ذَلِك} الْخلاف والخيانة {بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ} أَمر الله وتوحيده

15

{كَمَثَلِ الَّذين مِن قَبْلِهِمْ} يَقُول مثل بني قُرَيْظَة فِي نقض الْعَهْد والعقوبة كَمثل الَّذين من قبلهم من قبل بنى قُرَيْظَة {قَرِيباً} بِسنتَيْنِ {ذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ} عُقُوبَة أَمرهم بِنَقْض الْعَهْد وهم بَنو النَّضِير {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وجيع فِي الْآخِرَة

16

{كَمَثَلِ الشَّيْطَان} يَقُول مثل الْمُنَافِقين مَعَ بني قُرَيْظَة حَيْثُ خذلوهم كَمثل الشَّيْطَان مَعَ الراهب {إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ} الراهب برصيصا {اكفر} بِاللَّه {فَلَمَّا كفر} بِاللَّه خذله {قَالَ إِنِّي بَرِيء مِّنكَ} وَمن دينك {إِنِّي أَخَافُ الله رَبَّ الْعَالمين}

17

{فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ} عَاقِبَة الشَّيْطَان والراهب {أَنَّهُمَا فِي النَّار خَالِدِينَ فِيهَا} مقيمين فِي النَّار {وَذَلِكَ} الخلود فِي النَّار {جَزَآءُ الظَّالِمين} عُقُوبَة الْكَافرين

18

{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {اتَّقوا الله} خَشوا الله {وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ} كل نفس برة أَو فاجرة {مَا قدمت لغد} مَا عملت ليَوْم الْقِيَامَة فَإِنَّمَا تَجِد يَوْم الْقِيَامَة مَا عملت فِي الدُّنْيَا إِن كَانَ خيرا فَخير وَإِن كَانَ شرا فشر {وَاتَّقوا الله} اخشوا الله فِيمَا تَعْمَلُونَ {إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر

19

{وَلاَ تَكُونُواْ} يَا معشر الْمُؤمنِينَ فِي الْمعْصِيَة {كَالَّذِين نَسُواْ الله} تركُوا طَاعَة الله فِي السِّرّ وهم المُنَافِقُونَ وَيُقَال تركُوا طَاعَة الله فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة وهم الْيَهُود {فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ} فخذلهم الله حَتَّى تركُوا طَاعَة الله {أُولَئِكَ هم الْفَاسِقُونَ} الْكَافِرُونَ بِاللَّه فى السِّرّ بعنى الْمُنَافِقين وَإِن فسرت على الْيَهُود يُقَال هم الْكَافِرُونَ بِاللَّه فى السِّرّ وَالْعَلَانِيَة

20

{لَا يَسْتَوِي} فِي الطَّاعَة وَالثَّوَاب {أَصْحَابُ النَّار} أهل النَّار {وَأَصْحَابُ الْجنَّة} أهل الْجنَّة {أَصْحَابُ الْجنَّة هُمُ الفآئزون} فازوا بِالْجنَّةِ ونجوا من النَّار

21

{لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآن} الَّذِي يَقْرَؤُهُ عَلَيْكُم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {على جَبَلٍ} أَصمّ رَأسه فِي السَّمَاء وعرقه فِي الأَرْض السَّابِعَة السُّفْلى {لَّرَأَيْتَهُ}

ذَلِك الْجَبَل بقوته {خَاشِعاً} خاضعاً مستكيناً مِمَّا فِي الْقُرْآن من الْوَعْد والوعيد {مُّتَصَدِّعاً} متكسراً متفشخاً متشققاً {مِّنْ خَشْيَةِ الله} من خوف الله {وَتِلْكَ} هَذِه {الْأَمْثَال نَضْرِبُهَا} نبينها {لِلنَّاسِ} فِي الْقُرْآن {لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} لكَي يتفكروا فِي أَمْثَال الْقُرْآن

22

{هُوَ الله الَّذِي لاَ إِلَه إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْب} مَا غَابَ عَن الْعباد وَمَا يكون {وَالشَّهَادَة} مَا علمه الْعباد وَمَا كَانَ {هُوَ الرَّحْمَن} العاطف على الْعباد الْبر والفاجر بالرزق لَهُم {الرَّحِيم} خَاصَّة على الْمُؤمنِينَ بالمغفرة وَدخُول الْجنَّة

23

{هُوَ الله الَّذِي لاَ إِلَه إِلاَّ هُوَ الْملك} الدَّائِم الَّذِي لَا يَزُول ملكه {القدوس} الطَّاهِر بِلَا ولد وَلَا شريك {السَّلَام} سلم خلقه من زِيَادَة عَذَابه على مَا يجب عَلَيْهِم بفعلهم {الْمُؤمن} يَقُول أَمن خلقه من ظلم نَفسه وَيُقَال السَّلَام سلم أولياءه من عَذَابه الْمُؤمن يَقُول هُوَ آمن على أَعمال الْعباد وآمن على مقدوره أى مَقْدُور الله فِي خلقه {الْمُهَيْمِن} الشَّهِيد {الْعَزِيز} بالنقمة لمن لَا يُؤمن {الْجَبَّار} الْغَالِب على عباده {المتكبر} على أعدائه يُقَال المتبرىء عَمَّا تخيلوه {سُبْحَانَ الله} نزه نَفسه {عَمَّا يُشْرِكُونَ} بِهِ من الْأَوْثَان

24

{هُوَ الله الْخَالِق} للنطف فِي أصلاب الْآبَاء {البارئ} المحول من حَال إِلَى حَال {المصور} مَا فِي الْأَرْحَام ذكرا أَو أُنْثَى شقياً أَو سعيدا وَيُقَال البارىء الْجَاعِل الرّوح فِي النَّسمَة {لَهُ الأسمآء الْحسنى} الصِّفَات العلى الْعلم وَالْقُدْرَة والسمع وَالْبَصَر وَغير ذَلِك فَادعوهُ بهَا {يُسَبِّحُ لَهُ} يُصَلِّي لَهُ وَيُقَال يذكرهُ {مَا فِي السَّمَاوَات} من الْخلق {وَالْأَرْض} من كل شَيْء حَيّ {وَهُوَ الْعَزِيز} المنيع بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ {الْحَكِيم} فِي أمره وقضائه أَمر أَن لَا يعبد غَيره وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الممتحنة وهى كلهَا مَدَنِيَّة آياتها ثَلَاثَة عشر وكلماتها ثلثمِائة وثمان وَأَرْبَعُونَ وحروفها ألف وَخَمْسمِائة وَعشرَة أحرف {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

الممتحنة

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ} يَعْنِي حَاطِبًا {لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي} فِي الدّين {وَعَدُوَّكُمْ} فِي الْقَتْل يَعْنِي كفار مَكَّة {أَوْلِيَآءَ} فِي العون والنصرة {تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بالمودة} توجهون إِلَيْهِم الْكتاب بالعون والنصرة {وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُمْ} يَعْنِي حَاطِبًا {مِّنَ الْحق} من الْكتاب وَالرَّسُول {يُخْرِجُونَ الرَّسُول} يَعْنِي مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مَكَّة {وَإِيَّاكُمْ} وَإِيَّاك يَا حَاطِب {أَن تُؤْمِنُواْ} لقبل إيمَانكُمْ {بِاللَّه رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ} إِذْ كُنْتُم {خَرَجْتُمْ جِهَاداً} إِن كنت يَا حَاطِب خرجت من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة للْجِهَاد {فِي سَبِيلِي} فِي طَاعَتي {وابتغآء مَرْضَاتِي} طلب رضائي {تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بالمودة} لَا تسروا إِلَيْهِم الْكتاب بالعون والنصرة {وَأَنَاْ أَعْلَمُ بِمَآ أَخْفَيْتُمْ} يَعْنِي بِمَا أخفيت يَا حَاطِب من الْكتاب وَيُقَال من التَّصْدِيق {وَمَآ أَعْلَنتُمْ} يَقُول وَمَا أعلنت يَا حَاطِب من الْعذر وَيُقَال من التَّوْحِيد {وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ} يَا معشر الْمُؤمنِينَ مثل مَا فعل حَاطِب {فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ السَّبِيل} فقد ترك قصد طَرِيق الْهدى

2

{إِن يَثْقَفُوكُمْ} إِن يغلب عَلَيْكُم أهل مَكَّة {يَكُونُواْ لَكُمْ أَعْدَآءً} يتَبَيَّن لكم أَنهم أَعدَاء لكم فِي الْقَتْل {ويبسطوا إِلَيْكُمْ} يمدوا إِلَيْكُم {أَيْديهم} بِالضَّرْبِ {وألسنتهم بالسوء} بالشتم والطعن {وَوَدُّواْ} تمنوا كفار مَكَّة {لَوْ تَكْفُرُونَ} أَن تكفرُوا بِاللَّه بعد إيمَانكُمْ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وهجرتكم إِلَى رَسُول الله

3

{لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ} بِمَكَّة إِن كَفرْتُمْ بِاللَّه {وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَة} من عَذَاب الله {يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ} يفرق بَيْنكُم وَبَين الْمُؤمنِينَ يَوْم الْقِيَامَة وَيُقَال يقْضِي بَيْنكُم على هَذَا {وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر {بَصِيرٌ}

4

{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ} قد كَانَت لَك

يَا حَاطِب {أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} اقْتِدَاء صَالح {فِي إِبْرَاهِيمَ} فِي قَول إِبْرَاهِيم {وَالَّذين مَعَهُ} وَفِي قَول الَّذين مَعَه من الْمُؤمنِينَ {إِذْ قَالُواْ لِقَوْمِهِمْ} لقرابتهم الْكفَّار {إِنَّا بُرَآء مِّنْكُمْ} من قرابتكم ودينكم {وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} من الْأَوْثَان {كَفَرْنَا بِكُمْ} تبرأنا مِنْكُم وَمن دينكُمْ {وَبَدَا} ظهر {بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَة} بِالْقَتْلِ وَالضَّرْب {والبغضآء} فِي الْقلب {أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُواْ بِاللَّه وَحْدَهُ} حَتَّى تقروا بوحدانية الله {إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ} غير قَول إِبْرَاهِيم {لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ} لِأَنَّهُ كَانَ عَن موعدة وعدها إِيَّاه فَلَمَّا مَاتَ على الْكفْر تَبرأ مِنْهُ فَقَالَ لَهُ {وَمَآ أَمْلِكُ لَكَ مِنَ الله} من عَذَاب الله {مِن شَيْءٍ} ثمَّ علمهمْ كَيفَ يَقُولُونَ فَقَالَ قُولُوا {رَّبَّنَا} يَا رَبنَا {عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا} وثقنا {وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا} أَقبلنَا إِلَى طَاعَتك {وَإِلَيْكَ الْمصير} الْمرجع فِي الْآخِرَة

5

{رَبَّنَا} قُولُوا يَا رَبنَا {لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً} بلية {لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ} كفار مَكَّة يَقُولُونَ لَا تسلطهم علينا فيظنوا أَنهم على الْحق وَنحن على الْبَاطِل فتزيدهم بذلك جَرَاءَة علينا {واغفر لَنَا} ذنوبنا {رَبَّنَآ} يَا رَبنَا {إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيز} بالنقمة لمن لَا يُؤمن بك {الْحَكِيم} بالنصرة لمن آمن بك

6

{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ} لقد كَانَ لَك يَا حَاطِب {فِيهِمْ} فِي قَول إِبْرَاهِيم وَفِي قَول الَّذين مَعَه من الْمُؤمنِينَ {أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} اقْتِدَاء صَالح {لِّمَن كَانَ يَرْجُو الله} يخَاف الله {وَالْيَوْم الآخر} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت فَهَلا قلت يَا حَاطِب مثل مَا قَالَ إِبْرَاهِيم وَمن آمن بِهِ {وَمَن يَتَوَلَّ} يعرض عَمَّا أمره الله {فَإِنَّ الله هُوَ الْغَنِيّ} عَنهُ وَعَن خلقه {الحميد} لمن وَحده وَيُقَال الحميد يشْكر الْيَسِير من أَعْمَالهم وَيجْزِي الجزيل من ثَوَابه

7

{عَسَى الله} عَسى من الله وَاجِب {أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذين عَادَيْتُم} خالفتم فِي الدّين {مِّنْهُم} من أهل مَكَّة {مَّوَدَّةً} صلَة وتزويجا فَتزَوج النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام فتح مَكَّة أم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان فَهَذَا كَانَ صلَة بَينهم وَبَين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَالله قَدِيرٌ} بِظُهُور نبيه على كفار قُرَيْش {وَالله غَفُورٌ} متجاوز لمن تَابَ مِنْهُم من الْكفْر وآمن بِاللَّه {رَّحِيمٌ} لمن مَاتَ مِنْهُم على الْإِيمَان وَالتَّوْبَة

8

{لاَّ يَنْهَاكُمُ الله عَنِ الَّذين} عَن صلَة ونصرة الَّذين {لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدّين وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ} مَكَّة وَلم يعينوا أحدا على إخراجكم من مَكَّة {أَن تَبَرُّوهُمْ} أَن تصلوهم وتنصروهم {وتقسطوا إِلَيْهِمْ} تعدلوا بَينهم بوفاء الْعَهْد {إِنَّ الله يُحِبُّ المقسطين} العادلين بوفاء الْعَهْد وهم خُزَاعَة قوم هِلَال ابْن عُوَيْمِر وَخُزَيْمَة وَبَنُو مُدْلِج صَالحُوا النَّبِي قبل عَام الْحُدَيْبِيَة على أَلا يقاتلوه وَلَا يخرجوه من مَكَّة وَلَا يعينوا أحدا على إِخْرَاجه فَلذَلِك لم ينْه الله عَن صلتهم

9

{إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ الله عَنِ الَّذين} عَن صلَة الَّذين {قَاتَلُوكُمْ فِي الدّين} وهم أهل مَكَّة {وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ} من مَكَّة {وَظَاهَرُواْ} عاونوا {على إِخْرَاجِكُمْ} من مَكَّة {أَن تَوَلَّوْهُمْ} أَن تصلوهم {وَمَن يَتَوَلَّهُمْ} فِي العون والنصرة {فَأُولَئِك هم الظَّالِمُونَ} الضارون لأَنْفُسِهِمْ

10

{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ إِذَا جَآءَكُمُ الْمُؤْمِنَات} المقرات بِاللَّه {مُهَاجِرَاتٍ} من مَكَّة إِلَى الْحُدَيْبِيَة أَو إِلَى الْمَدِينَة {فامتحنوهن} فاسئلوهن واستحلفوهن لماذا جئتن {الله أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ} بمستقر قلوبهن على الْإِيمَان {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} بالامتحان {فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ} لَا تردوهن {إِلَى الْكفَّار} إِلَى أَزوَاجهنَّ الْكفَّار {لاَ هُنَّ} يَعْنِي الْمُؤْمِنَات {حِلٌّ لَّهُمْ} لِأَزْوَاجِهِنَّ الْكفَّار {وَلاَ هُمْ} يَعْنِي الْكفَّار {يَحِلُّونَ لَهُنَّ} للمؤمنات يَقُول لَا تحل مُؤمنَة لكَافِر وَلَا كَافِرَة لمُؤْمِن {وَآتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ} أعْطوا أَزوَاجهنَّ مَا أَنْفقُوا عَلَيْهِنَّ من الْمهْر نزلت هَذِه الْآيَة فِي سبيعة بنت الْحَرْث الأسْلَمِيَّة جَاءَت إِلَى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام الْحُدَيْبِيَة مسلمة وَجَاء زَوجهَا مُسَافر فِي طلبَهَا فَأعْطى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لزَوجهَا مهرهَا وَكَانَ قد صَالح النبى

صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهل مَكَّة عَام الْحُدَيْبِيَة قبل هَذِه الْآيَة على أَن من دخل منا فِي دينكُمْ فَهُوَ لكم وَمن دخل فى ديننَا فَهُوَ رد إِلَيْكُم وَأَيّمَا امْرَأَة دخلت منا فى دينكُمْ فهى لكم وتؤدون مهرهَا إِلَى زَوجهَا وَأَيّمَا امْرَأَة مِنْكُم دخلت فِي ديننَا فيؤدى مهرهَا إِلَى زَوجهَا فَلذَلِك أعْطى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مهر سبيعة لزَوجهَا مُسَافر {وَلاَ جُنَاحَ} لَا حرج {عَلَيْكُمْ} يَا معشر الْمُؤمنِينَ {أَن تَنكِحُوهُنَّ} أَن تتزوجوهن يَعْنِي اللَّاتِي دخلن فِي دينكُمْ من الْكفَّار {إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ} أعطيتموهن {أُجُورَهُنَّ} مهورهن يَقُول أَيّمَا امْرَأَة أسلمت وَزوجهَا كَافِر فقد انْقَطع مَا بَينهَا وَبَين زَوجهَا من عصمَة وَلَا عدَّة عَلَيْهَا من زَوجهَا الْكَافِر وَجَاز لَهَا أَن تتَزَوَّج إِذا استبرأت {وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الكوافر} لَا تَأْخُذُوا بِعقد الكوافر يَقُول أَيّمَا امْرَأَة كفرت بِاللَّه فقد انْقَطع مَا بَينهَا وَبَين زَوجهَا الْمُؤمن من الْعِصْمَة وَلَا تَعْتَدوا بهَا من أزواجكم {واسألوا مَآ أَنفَقْتُمْ} يَقُول اطْلُبُوا من أهل مَكَّة مَا أنفقتم على أزواجكم إِن دخلن دينهم {وليسألوا} ليطلبوا مِنْكُم {مَا أَنْفقُوا} على أَزوَاجهم من الْمهْر إِن دخلن فِي دينكُمْ وعَلى هَذَا صَالحهمْ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يؤدوا بَعضهم إِلَى بعض مُهُور نِسَائِهِم إِن أسلمن أَو كفرن {ذَلِكُم حُكْمُ الله} فَرِيضَة الله {يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ} وَبَين أهل مَكَّة {وَالله عَلِيمٌ} بصلاحكم {حَكِيمٌ} فِيمَا حكم بَيْنكُم وَهَذِه الْآيَة مَنْسُوخَة بِالْإِجْمَاع إِلَى

11

{وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ} يَقُول إِن رجعت وَاحِدَة من أزواجكم {إِلَى الْكفَّار} لَيْسَ بَيْنكُم وَبينهمْ الْعَهْد والميثاق {فَعَاقَبْتُمْ} فغنمتم من الْعَدو {فَآتُواْ} فأعطوا {الَّذين ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ} رجعت أَزوَاجهم إِلَى الْكفَّار {مِّثْلَ مَآ أَنفَقُواْ} عَلَيْهِنَّ من الْمهْر وَالْغنيمَة قبل الْخمس {وَاتَّقوا الله} اخشوا الله فِيمَا أَمركُم {الَّذِي أَنتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ} مصدقون وَجَمِيع من ارْتَدَّت من نسَاء الْمُؤمنِينَ سِتّ نسْوَة مِنْهُنَّ امْرَأَتَانِ من نسَاء عمر بن الْخطاب أم سَلمَة وَأم كُلْثُوم بنت جَرْوَل وَأم الحكم بنت أبي سُفْيَان كَانَت تَحت عباد بن شَدَّاد الفِهري وَفَاطِمَة بنت أبي أُميَّة بن الْمُغيرَة وَبرْوَع بنت عقبَة كَانَت تَحت شماس بن عُثْمَان من بنى مَخْزُوم وَعَبدَة بنت عبد الْعُزَّى ابْن نَضْلَة وَزوجهَا عَمْرو بن عبدود وَهِنْد بنت أَبى جهل ابْن هِشَام كَانَت تَحت هَاشم بن الْعَاصِ بن وَائِل السهمى فَأَعْطَاهُمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مهر نِسَائِهِم من الْغَنِيمَة

12

{يَا أَيهَا النَّبِي} يَعْنِي مُحَمَّدًا {إِذَا جَآءَكَ الْمُؤْمِنَات} نسَاء أهل مَكَّة بعد فتح مَكَّة {يُبَايِعْنَكَ} يشارطنك {على أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِاللَّه شَيْئاً} من الْأَصْنَام وَلَا يستحللن ذَلِك {وَلاَ يَسْرِقْنَ} وَلَا يستحللن {وَلاَ يَزْنِينَ} وَلَا يستحللن الزِّنَا {وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ} وَلَا يدْفن بناتهن أَحيَاء وَلَا يستحللن ذَلِك {وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ} وَلَا يجئن بِولد من الزِّنَا {يَفْتَرِينَهُ} على الزَّوْج ويضعنه {بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ} لتقول لزَوجهَا هُوَ مِنْك وَأَنا وَلدته {وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} فِي جَمِيع مَا تأمرهن وتنهاهن من ترك النوح وجز الشّعْر وتمزيق الثِّيَاب وخمش الْوُجُوه وشق الْجُيُوب وَحلق الرُّءُوس وَأَن لَا يخلون مَعَ غَرِيب وَأَن لَا يسافرن سفر ثَلَاثَة ايام أَو أقل من ذَلِك مَعَ غير ذِي محرم مِنْهُنَّ {فَبَايِعْهُنَّ} على هَذَا فشارطهن على هَذَا {واستغفر لَهُنَّ الله} فِيمَا كَانَ مِنْهُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّة {إِنَّ الله غَفُورٌ} متجاوز بعد فتح مَكَّة بِمَا كَانَ مِنْهُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّة {رَّحِيمٌ} بِمَا يكون مِنْهُنَّ فِي الْإِسْلَام

13

{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ} يَعْنِي عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه {لَا تَتَوَلَّوْا} فى العون والنصرة وإفشاء سر مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {قوْماً غَضِبَ الله عَلَيْهِمْ} سخط الله عَلَيْهِم مرَّتَيْنِ وهم الْيَهُود حِين قَالُوا يَد الله مغلولة وَمرَّة أُخْرَى بتكذيبهم مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {قَدْ يَئِسُواْ مِنَ الْآخِرَة} من نعيم الْجنَّة {كَمَا يَئِسَ الْكفَّار} كفار مَكَّة {مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُور} من رُجُوع أهل الْمَقَابِر وَيُقَال من سُؤال مُنكر وَنَكِير وَيُقَال لَا تَتَوَلَّوْا قوما غضب الله عَلَيْهِم وَلَكِن كونُوا مِمَّن سبح الله وَصلى

وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الصَّفّ وهى كلهَا مَدَنِيَّة آياتها أَربع عشرَة وكلماتها مِائَتَان وَإِحْدَى وَعِشْرُونَ وحروفها تِسْعمائَة وَسِتَّة وَعِشْرُونَ {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

الصف

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {سَبَّحَ لِلَّهِ} يَقُول صلى لله وَيُقَال ذكر الله {مَا فِي السَّمَاوَات} من الْخلق {وَمَا فِي الأَرْض} من الْخلق وكل شَيْء حَيّ {وَهُوَ الْعَزِيز} بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ {الْحَكِيم} فِي أمره وقضائه أَمر أَن لَا يعبد غَيره

2

{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ} لم تتكلمون بِمَا لَا تَعْمَلُونَ بِهِ وَذَلِكَ أَنهم قَالُوا لَو نعلم يَا رَسُول الله أَي عمل أحب إِلَى الله لفعلناه فدلهم الله على ذَلِك وَقَالَ يأيها الَّذين آمنُوا هَل أدلكم على تِجَارَة تنجيكم فِي الْآخِرَة من عَذَاب أَلِيم وجيع يخلص وَجَعه إِلَى قُلُوبكُمْ فَمَكَثُوا بعد ذَلِك مَا شَاءَ الله وَلم يبين لَهُم مَا هِيَ فَقَالُوا ليتنا نعلم مَا هِيَ لنبذل فِيهَا أَمْوَالنَا وأنفسنا وأهلينا فَبين الله تَعَالَى لَهُم فَقَالَ تؤمنون بِاللَّه وَرَسُوله تستقيمون على إيمَانكُمْ بِاللَّه وَرَسُوله وتجاهدون فِي سَبِيل الله فِي طَاعَة الله بأموالكم وَأَنْفُسكُمْ الْآيَة فابتلوا بذلك يَوْم أحد فَفرُّوا من النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَامَهُمْ على ذَلِك فَقَالَ يأيها الَّذين آمنُوا لم تَقولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ لم تَعدونَ مَالا توفون وتتكلمون بِمَا لَا تَعْمَلُونَ

3

{كَبُرَ مَقْتاً} عظم بغضاً {عِندَ الله أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ} أَن تعدوا بِمَا لَا توفون وتتكلموا بِمَا لَا تَعْمَلُونَ

4

ثمَّ حرضهم على الْجِهَاد فِي سَبيله فَقَالَ {إِنَّ الله يُحِبُّ الَّذين يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ} فِي طَاعَته {صَفّاً} فِي الْقِتَال {كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ} ملتزق قد رص بعضه إِلَى بعض

5

{وَ} اذكر يَا مُحَمَّد {إِذْ قَالَ} قد قَالَ {مُوسَى لِقَوْمِهِ} الْمُنَافِقين {يَا قوم لِمَ تُؤْذُونَنِي} بِمَا تَقولُونَ عَليّ وَكَانُوا يَقُولُونَ إِنَّه آدر وَقد بَين قصَّته فِي سُورَة الْأَحْزَاب {وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زاغوا} مالوا عَن الْحق وَالْهدى {أزاغ الله} أمال الله {قُلُوبَهُمْ} عَن الْحق وَالْهدى وَيُقَال فَلَمَّا زاغوا كذبُوا مُوسَى أزاغ الله صرف الله قُلُوبهم عَن التَّوْحِيد وَيُقَال فَلَمَّا زاغوا مالوا عَن الْحق وَالْهدى أزاغ الله قُلُوبهم زَاد الله زيغ قُلُوبهم {وَالله لاَ يهدي} لَا يرشد إِلَّا دينه {الْقَوْم الْفَاسِقين} الْكَافرين من كَانَ فِي علم الله أَنه لَا يُؤمن

6

{وَإِذ قَالَ عِيسَى ابْن مَرْيَم يَا بني إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً} مُوَافقا بِالتَّوْحِيدِ وَبَعض الشَّرَائِع {لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاة} لما قبلي من التَّوْرَاة {وَمُبَشِّراً} وجئتكم مبشراً أبشركم {بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمه أَحْمَدُ} يُسمى أَحْمد الَّذِي لَا يذم وَمُحَمّد الذى يحمد {فَلَمَّا جَاءَهُم} عِيسَى وَيُقَال مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {بِالْبَيِّنَاتِ} بِالْأَمر وَالنَّهْي والعجائب الَّتِي أَرَاهُم {قَالُواْ هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ} بَين السحر وَالْكذب

7

{وَمَنْ أَظْلَمُ} فِي كفره {مِمَّنِ افترى} اختلق {عَلَى الله الْكَذِب} فَجعل لَهُ ولدا وصاحبة {وَهُوَ يدعى إِلَى الْإِسْلَام} إِلَى التَّوْحِيد وهم الْيَهُود دعاهم النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى التَّوْحِيد {وَالله لاَ يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمين} لَا يرشد إِلَى دينه الْيَهُود من كَانَ فِي علم الله أَنه يَمُوت يَهُودِيّا

8

{يُرِيدُونَ} يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى {لِيُطْفِئُواْ نُورَ الله} ليبطلوا دين الله وَيُقَال كتاب الله

الْقُرْآن {بِأَفْوَاهِهِمْ} بألسنتهم وكذبهم {وَالله مُتِمُّ نُورِهِ} مظهر نور كِتَابه وَدينه {وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} وَإِن كره الْيَهُود وَالنَّصَارَى ومشركو الْعَرَب أَن يكون ذَلِك

9

{هُوَ الَّذِي أرسل رَسُوله} مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {بِالْهدى} بِالتَّوْحِيدِ وَيُقَال بِالْقُرْآنِ {وَدِينِ الْحق} شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّين كُلِّهِ} على الْأَدْيَان كلهَا فَلَا تقوم السَّاعَة حَتَّى لَا يبْقى أحد إِلَّا دخل فِي الْإِسْلَام أَو أدّى إِلَيْهِم الْجِزْيَة {وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْركُونَ} وَإِن كره الْيَهُود وَالنَّصَارَى ومشركو الْعَرَب أَن يكون ذَلِك

10

{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ} وَقد بَينهم فِي أول السُّورَة {هَلْ أَدُلُّكمْ على تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} وجيع فِي الْآخِرَة باللظى

11

{تُؤْمِنُونَ بِاللَّه وَرَسُولِهِ} تصدقُونَ بإيمانكم بِاللَّه وَرَسُوله إِن فسرت على الْمُنَافِقين {وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله} فِي طَاعَة الله {بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ} بِنَفَقَة أَمْوَالكُم وَخُرُوج أَنفسكُم {ذَلِكُم} الْجِهَاد {خَيْرٌ لَّكُمْ} من الْأَمْوَال {إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} تصدقُونَ بِثَوَاب الله

12

{يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} بِالْجِهَادِ وَالنَّفقَة فِي سَبِيل الله {وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ} بساتين {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا} من تَحت شَجَرهَا ومساكنها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً} حَلَالا لكم وَيُقَال طَاهِرَة وَيُقَال حَسَنَة جميلَة وَيُقَال طيبَة قد طيبها الله بالمسك وَالريحَان {فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ} فِي دَار الرَّحْمَن {ذَلِك} الَّذِي ذكرت {الْفَوْز الْعَظِيم} النجَاة الوافرة فازوا بِالْجنَّةِ ونجوا من النَّار

13

{وَأُخْرَى} وتجارة أُخْرَى {تُحِبُّونَهَا} تتمنون وتشتهون أَن تكون لكم {نصر من الله} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على كفار قُرَيْش {وَفَتْحٌ قَرِيبٌ} عَاجل فتح مَكَّة {وَبَشِّرِ الْمُؤمنِينَ} المخلصين بِالْجنَّةِ إِن كَانُوا كَذَلِك

14

{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {كونُوا أنصار الله} لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على عدوه وَيُقَال أعوان الله على أعدائه {كَمَا قَالَ عِيسَى ابْن مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ} لأصفيائه {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى الله} من أعواني مَعَ الله على أعدائه {قَالَ الحواريون} أصفياؤه {نَحْنُ أنصار الله} أعوانك مَعَ الله على أعدائه وَكَانُوا اثْنَي عشر رجلا أول من آمنُوا بِهِ ونصروه على أعدائه وَكَانُوا قصارين {فَآمَنَت طَّآئِفَةٌ} جمَاعَة {مِّن بني إِسْرَائِيلَ} بِعِيسَى ابْن مَرْيَم {وَكَفَرَت طَّآئِفَةٌ} جمَاعَة بِعِيسَى ابْن مَرْيَم وهم الَّذين أضلهم بولس وَالَّذين لم يُؤمنُوا بِهِ {فَأَيَّدْنَا} أعنا وقوينا {الَّذين آمَنُواْ} بِعِيسَى ابْن مَرْيَم وهم الَّذين لم يخالفوا دين عِيسَى {على عَدُوِّهِمْ} الَّذين خالفوا دين عِيسَى {فَأَصْبَحُواْ} فصاروا {ظَاهِرِينَ} غَالِبين بِالْحجَّةِ على أعدائهم لصلاتهم لله وَيُقَال لأَنهم مِمَّن يسبح وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْجُمُعَة وهى كلهَا مَدَنِيَّة آياتها إِحْدَى عشرَة وكلماتها مائَة وَثَمَانُونَ وحروفها سَبْعمِائة وَثَمَانِية وَأَرْبَعُونَ {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

الجمعة

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {يُسَبِّحُ لِلَّهِ} يَقُول يُصَلِّي لله وَيُقَال يذكر الله {مَا فِي السَّمَاوَات} من الْخلق {وَمَا فِي الأَرْض} من الْخلق وكل شَيْء حَيّ {الْملك} الدَّائِم الَّذِي لَا يَزُول ملكه {القدوس} الطَّاهِر بِلَا ولد وَلَا شريك {الْعَزِيز} الْغَالِب فِي ملكه بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ {الْحَكِيم} فِي أمره وقضائه أَمر أَن لَا يعبد غَيره

2

{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيين} فِي الْعَرَب {رَسُولا مِنْهُم} من نسبهم يعْنى مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {يَتْلُو} يقْرَأ {عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ} الْقُرْآن بِالْأَمر وَالنَّهْي {وَيُزَكِّيهِمْ} يطهرهم بِالتَّوْحِيدِ من الشّرك وَيُقَال بِالزَّكَاةِ وَالتَّوْبَة من الذُّنُوب أَي يَدعُوهُم إِلَى ذَلِك {وَيُعلمهُم الْكتاب}

يَعْنِي الْقُرْآن {وَالْحكمَة} الْحَلَال وَالْحرَام وَيُقَال الْعلم ومواعظ الْقُرْآن {وَإِن كَانُواْ} وَقد كَانُوا يَعْنِي الْعَرَب {مِن قَبْلُ} من قبل مَجِيء مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهِم بِالْقُرْآنِ {لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} فِي كفر بَين

3

{وَآخَرِينَ مِنْهُمْ} وَفِي الآخرين مِنْهُم من الْعَرَب وَيُقَال من الموَالِي {لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ} بالعرب الأول يَقُول لم يَكُونُوا بعد فسيكونون يَقُول بعث الله مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَسُولا إِلَى الْأَوَّلين والآخرين من الْعَرَب والموالي {وَهُوَ الْعَزِيز} المنيع بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ وبكتابه وبرسوله مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {الْحَكِيم} فِي أمره وقضائه أَمر أَن لَا يعبد غَيره

4

{ذَلِك} الَّذِي ذكرت من النُّبُوَّة وَالْكتاب والتوحيد {فَضْلُ الله} من الله {يُؤْتِيهِ} يُعْطِيهِ وَيكرم بِهِ {مَن يَشَآءُ} من كَانَ أَهلا لذَلِك {وَالله ذُو الْفضل} الْمَنّ {الْعَظِيم} بِالْإِسْلَامِ والنبوة على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيُقَال بِالْإِسْلَامِ على الْمُؤمنِينَ وَيُقَال بالرسول وَالْكتاب على خلقه

5

{مَثَلُ الَّذين} صفة الَّذين {حُمِّلُواْ التَّوْرَاة} أمروا أَن يعملوا بِمَا فِي التَّوْرَاة أَي أمروا أَن يظهروا صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته فِي التَّوْرَاة {ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا} لم يعملوا بِمَا أمروا فِيهَا أَي لم يظهروا مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته فِي التَّوْرَاة {كَمَثَلِ الْحمار} كشبه الْحمار {يَحْمِلُ أَسْفَاراً} كتبا لَا ينْتَفع بِحمْلِهِ كَذَلِك الْيَهُود لَا يَنْتَفِعُونَ بِالتَّوْرَاةِ كَمَا لَا ينْتَفع الْحمار بِمَا عَلَيْهِ من الْكتب {بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْم} صفة الْقَوْم {الَّذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِ الله} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن يَعْنِي الْيَهُود {وَالله لاَ يَهْدِي} لَا يرشد إِلَى دينه {الْقَوْم الظَّالِمين} الْيَهُود من كَانَ فِي علم الله أَنه يَمُوت على الْيَهُودِيَّة

6

{قل} يَا مُحَمَّد {يَا أَيهَا الَّذين هادوا} مالوا عَن الْإِسْلَام وتهودوا وهم بَنو يهوذا {إِن زَعمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَآءُ لِلَّهِ} أحباء لله {مِن دُونِ النَّاس} من دون مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه {فتمنوا الْمَوْت} فاسألوا الْمَوْت {إِن كُنْتُم صَادِقِينَ} أَنكُمْ أَوْلِيَاء لله من دون النَّاس

7

فَقَالَ لَهُم النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُولُوا اللَّهُمَّ أمتنَا فوَاللَّه لَيْسَ مِنْكُم أحد يَقُول ذَلِك إِلَّا غص بريقه وَيَمُوت فكرهوا ذَلِك وَلم يسْأَلُوا الْمَوْت فَقَالَ الله {وَلاَ يَتَمَنَّونَهُ أَبَداً} لَا يسْأَلُون الْمَوْت يَعْنِي الْيَهُود أبدا {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْديهِمْ} بِمَا عملت أَيْديهم فِي الْيَهُودِيَّة {وَالله عَلِيمٌ بالظالمين} باليهود على أَنهم لَا يسْأَلُون الْمَوْت

8

{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {إِنَّ الْمَوْت الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ} تكرهونه {فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ} نَازل بكم لَا محَالة {ثُمَّ تُرَدُّونَ} فِي الْآخِرَة {إِلَى عَالِمُ الْغَيْب} مَا غَابَ عَن الْعباد وَمَا يكون {وَالشَّهَادَة} مَا علمه الْعباد وَمَا كَانَ {فينبئكم} يُخْبِركُمْ {بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} وتقولون من الْخَيْر وَالشَّر

9

{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ} إِذا دعيتم إِلَى الصَّلَاة بِالْأَذَانِ {مِن يَوْمِ الْجُمُعَة فَاسْعَوْا} فامضوا {إِلَى ذِكْرِ الله} إِلَى خطْبَة الإِمَام وَالصَّلَاة مَعَه {وَذَرُواْ البيع} اتْرُكُوا البيع بعد الْأَذَان {ذَلِكُم} الِاسْتِمَاع إِلَى خطْبَة الإِمَام وَالصَّلَاة {خَيْرٌ لَّكُمْ} من الْكسْب وَالتِّجَارَة {إِن كُنتُمْ} إِذْ كُنْتُم {تَعْلَمُونَ} تصدقُونَ بِثَوَاب الله

10

ثمَّ رخص لَهُم بعد مَا حرم عَلَيْهِم بقوله وذروا البيع فَقَالَ {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاة} إِذا فرغ الإِمَام من صَلَاة الْجُمُعَة {فَانْتَشرُوا فِي الأَرْض} فاخرجوا من الْمَسْجِد إِن شِئْتُم {وابتغوا مِن فَضْلِ الله} اطْلُبُوا من رزق الله إِن شِئْتُم فَهَذِهِ رخصَة بعد النَّهْي وَلها وَجه آخر يَقُول فَإِذا قضيت الصَّلَاة إِذا فرغ الإِمَام من صَلَاة الْجُمُعَة فَانْتَشرُوا فِي الأَرْض فَتَفَرَّقُوا فِي الْمَسْجِد وابتغوا من فضل الله اطْلُبُوا مَا هُوَ أفضل لكم يَعْنِي على السِّرّ والتوحيد والزهد والتوكل {واذْكُرُوا الله} بِالْقَلْبِ وَاللِّسَان {كَثِيراً} على كل حَال {لَعَلَّكُمْ تفلحون} لكَي تنجوا من السخط وَالْعَذَاب

11

{وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة} دحْيَة بن خَليفَة الْكَلْبِيّ {أَوْ لَهْواً} أَو سمعُوا صَوت الطبل

{انْفَضُّوا} تفَرقُوا وَخَرجُوا من الْمَسْجِد {إِلَيْهَا} غير ثَمَانِيَة رَهْط وَيُقَال غير اثْنَي عشر رجلا وَامْرَأَتَيْنِ لم يخرجُوا إِلَيْهَا {وَتَرَكُوكَ قَآئِماً} على الْمِنْبَر تخْطب {قُلْ} يَا مُحَمَّد لَهُم {مَا عِندَ الله} من الثَّوَاب {خَيْرٌ} لكم {مِّنَ اللَّهْو} من صَوت الطبل {وَمِنَ التِّجَارَة} تِجَارَة دحْيَة الْكَلْبِيّ يَقُول لَو ثبتمْ مَعَ نَبِيكُم حَتَّى صليتم الصَّلَاة ودعوتم ثمَّ خَرجْتُمْ لَكَانَ خيرا لكم بالثواب والكرامة عِنْد الله من الْخُرُوج {وَالله خَيْرُ الرازقين} أفضل المعطين أَي قل هَذِه الْمقَالة إِذا جَاءَك المُنَافِقُونَ وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا المُنَافِقُونَ وهى كلهَا مَدَنِيَّة غير قَوْله {لَئِن رَجعْنَا} إِلَى آخر الْآيَة فانها نزلت عَلَيْهِ فى طرق بني المصطلق آياتها إِحْدَى عشرَة وكلماتها مائَة وَثَمَانُونَ وحروفها سَبْعمِائة وَسِتَّة وَسَبْعُونَ حرفا {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

المنافقون

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {إِذَا جَآءَكَ المُنَافِقُونَ} يَقُول إِذا جَاءَك مُنَافِقُو أهل الْمَدِينَة عبد الله بن أبي ومعتب بن قُشَيْر وجد بن قيس وَكَانُوا بني عَم {قَالُواْ نَشْهَدُ} نحلف بِاللَّه {إِنَّكَ} يَا مُحَمَّد {لَرَسُولُ الله} نعلم ذَلِك وضميرنا على ذَلِك {وَالله يَعْلَمُ} يشْهد {إِنَّكَ لَرَسُولُهُ} من غير شَهَادَة الْمُنَافِقين {وَالله يَشْهَدُ} يعلم {إِنَّ الْمُنَافِقين لَكَاذِبُونَ} فِي حلفهم لَا يعلمُونَ ذَلِك وَضمير قُلُوبهم على غير ذَلِك

2

{اتَّخذُوا أَيْمَانَهُمْ} حلفهم بِاللَّه {جُنَّةً} من الْقَتْل {فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله} فصرفوا النَّاس عَن دين الله وطاعته فِي السِّرّ {إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} بئس مَا كَانُوا يصنعون فِي كفرهم ونفاقهم من الْمَكْر والخيانة وَصد النَّاس

3

{ذَلِك} الَّذِي ذكرت من أَمر الْمُنَافِقين {بِأَنَّهُمْ آمَنُواّ} بالعلانية {ثُمَّ كَفَرُوا} وثبتوا على الْكفْر فِي السِّرّ {فَطُبِعَ} فختم {على قُلُوبِهِمْ} عُقُوبَة لكفرهم ونفاقهم {فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ} الْحق وَالْهدى

4

{وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ} يَا مُحَمَّد عبد الله بن أبي وصاحبيه {تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ} صور أجسامهم وَحسن منظرهم {وَإِن يَقُولُواْ} إِنَّا لنعلم أَنَّك لرَسُول الله {تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} تصدق قَوْلهم وتظن أَنهم صَادِقُونَ وَلَيْسوا بصادقين {كَأَنَّهُمْ} يَعْنِي كَأَن أجسامهم {خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ} إِلَى الْحَائِط يَقُول لَيْسَ فِي قُلُوبهم نور وَلَا خير كَمَا أَن الْخشب الْيَابِس لَيْسَ فِيهِ روح وَلَا رُطُوبَة {يَحْسَبُونَ كل صَيْحَة} كل صَوت فى الْمَدِينَة {عَلَيْهِمْ} من الْجُبْن {هُمُ الْعَدو فَاحْذَرْهُمْ} وَلَا تَأْمَنهُمْ {قَاتَلَهُمُ الله} لعنهم الله {أَنَّى يُؤْفَكُونَ} كَيفَ يكذبُون وَيُقَال كَيفَ يصرفون بِالْكَذِبِ

5

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ} قَالَ لَهُم عَشَائِرهمْ بعد مَا افتضحوا {تَعَالَوْاْ} إِلَى رَسُول الله وتوبوا من الْكفْر والنفاق {يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ الله لووا رؤوسهم} عكفوا وعطفوا وغطوا رؤوسهم {وَرَأَيْتَهُمْ} يَا مُحَمَّد {يَصُدُّونَ} يصرفون عَن الاسْتِغْفَار وَالتَّوْبَة والإتيان إِلَيْك {وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ} متعظمون عَن التَّوْبَة وَالِاسْتِغْفَار

6

{سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ} على الْمُنَافِقين {أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} لَن يَغْفِرَ الله لَهُمْ على مَا أَقَامُوا على ذَلِك {إِنَّ الله لاَ يَهْدِي} لَا يغْفر {الْقَوْم الْفَاسِقين} الْمُنَافِقين من كَانَ فِي علم الله أَنه يَمُوت على النِّفَاق

7

{هُمُ الَّذين يَقُولُونَ} قَالَ هَذَا عبد الله بن أبي خَاصَّة لأَصْحَابه فِي غَزْوَة تَبُوك {لاَ تُنفِقُواْ على مَنْ عِندَ رَسُولِ الله} من ذَوي الْحَاجة والفقر {حَتَّى يَنفَضُّواْ} يتفرقوا من عِنْده ويلحقوا بعشائرهم

{وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ السَّمَاوَات وَالْأَرْض} مَفَاتِيح خَزَائِن السَّمَوَات بالرزق الْمَطَر وَالْأَرْض النَّبَات {وَلَكِن الْمُنَافِقين} عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه {لاَ يَفْقَهُونَ} أَن الله يرزقهم

8

{يَقُولُونَ} قَالَ هَذَا أَيْضا عبد الله بن أبي خَاصَّة لأَصْحَابه فِي غَزْوَة تَبُوك {لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى الْمَدِينَة} من غزوتنا هَذِه {لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَز} الْقوي يعنون عبد الله بن أبي {مِنْهَا} من الْمَدِينَة {الْأَذَل} الذَّلِيل الضَّعِيف مِنْهُم يعنون مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَلِلَّهِ الْعِزَّة وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} المنعة وَالْقُدْرَة على الْمُنَافِقين عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه {وَلَكِن الْمُنَافِقين لاَ يَعْلَمُونَ} ذَلِك وَلَا يصدقون وَفِيه قصَّة زيد بن أَرقم

9

{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {لاَ تُلْهِكُمْ} لَا تشغلكم {أَمْوَالُكُمْ} بِمَكَّة {وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ} بِمَكَّة {عَن ذِكْرِ الله} عَن الْهِجْرَة وَالْجهَاد {وَمَن يَفْعَلْ ذَلِك} من يَله بِالْمَالِ وَالْولد عَن الْهِجْرَة وَالْجهَاد {فَأُولَئِك هُمُ الخاسرون} المغبونون بالعقوبة

10

{وَأَنفِقُواْ} تصدقوا فِي سَبِيل الله {مِن مَّا رَزَقْنَاكُمْ} أعطيناكم من الْأَمْوَال وَيُقَال أَدّوا زَكَاتكُمْ {مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْت} سُلْطَان الْمَوْت {فَيَقُول رب لَوْلَا أخرتني} هلا أجلتني {إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} مثل أجل الدُّنْيَا {فَأَصَّدَّقَ} من مَالِي وأزكي من مَالِي {وأكن من الصَّالِحين} أحج بِهِ وأكن من الحاجين

11

{وَلَن يُؤَخِّرَ الله نَفْساً إِذَا جَآءَ أَجَلُهَآ} {وَالله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر وَيُقَال نزل من قَوْله يأيها الَّذين آمنُوا إِلَى هَهُنَا فِي شَأْن الْمُنَافِقين وَأما قَوْله فَأَصدق إِن فسرت على الْمُنَافِقين يَقُول فَأَصدق إيماني وأكن من الصَّالِحين يَقُول أفعل بِمَالي كَفعل الْمُؤمنِينَ والمصدقين بإيمَانهمْ وَمن السُّورَة الَّتِي يذكر فِيهَا التغابن مَكِّيَّة ومدنية آياتها ثَمَانِيَة عشرَة وكلماتها مِائَتَان وَإِحْدَى وَأَرْبَعُونَ وحروفها ألف وَسَبْعُونَ {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

التغابن

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {يُسَبِّحُ لِلَّهِ} يَقُول يُصَلِّي لله وَيُقَال يذكر الله {مَا فِي السَّمَاوَات} من الْخلق {وَمَا فِي الأَرْض} من الْخلق وكل شَيْء حَيّ {لَهُ الْملك} الدَّائِم لَا يَزُول ملكه {وَلَهُ الْحَمد} الشُّكْر والْمنَّة على أهل السَّمَوَات وَالْأَرْض وَيُقَال على أهل الدُّنْيَا وَالْآخِرَة {وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ} من أَمر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وتزيين أهل السَّمَوَات وَالْأَرْض {قَدِيرٌ}

2

{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ} من آدم وآدَم من تُرَاب {فَمِنكُمْ كَافِرٌ} بالعلانية {وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ} بالعلانية وَيُقَال فمنكم كَافِر يُؤمن وَهُوَ تحضيض مِنْهُ على الْإِيمَان ومنكم مُؤمن يكفر وَهُوَ تحذير مِنْهُ عَن الْكفْر وَيُقَال مِنْكُم كَافِر السريرة كَافِر الْعَلَانِيَة وَهُوَ الْكَافِر ومنكم مُؤمن السريرة مُؤمن الْعَلَانِيَة وَهُوَ الْمُؤمن المخلص بإيمانه ومنكم كَافِر السريرة مُؤمن الْعَلَانِيَة وَهُوَ الْمُنَافِق بإيمانه {وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر {بَصِيرٌ}

3

{خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِالْحَقِّ} لتبيان الْحق وَالْبَاطِل وَيُقَال للزوال والفناء {وَصَوَّرَكُمْ} فِي الْأَرْحَام {فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} من صور الدَّوَابّ وَيُقَال أحكم صوركُمْ باليدين وَالرّجلَيْنِ والعينين والأذنين وَسَائِر الْأَعْضَاء {وَإِلَيْهِ الْمصير} الْمرجع فِي الْآخِرَة

4

{يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَات} من الْخلق {وَالْأَرْض} من الْخلق {وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ} مَا تخفون من الْعَمَل {وَمَا تُعْلِنُونَ} وَمَا تظْهرُونَ من الْعَمَل {وَالله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور} بِمَا فِي الْقُلُوب من الْخَيْر وَالشَّر

5

{أَلَمْ يَأْتِكُمْ} يَا أهل مَكَّة فِي الْكتاب {نَبَأُ} خبر {الَّذين كَفَرُواْ مِن قَبْلُ} من قبلكُمْ من الْأُمَم الْمَاضِيَة كَيفَ فعل بهم {فَذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ} عُقُوبَة أَمرهم فِي الدُّنْيَا بِالْعَذَابِ والهلاك {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وجيع فِي الْآخِرَة

6

{ذَلِك} الْعَذَاب {بِأَنَّهُ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ} بِالْأَمر وَالنَّهْي والعلامات {فَقَالُوا أَبَشَرٌ} آدَمِيّ مثلنَا {يَهْدُونَنَا} يدعوننا إِلَى التَّوْحِيد

{فَكَفَرُواْ} بالكتب وَالرسل والآيات {وَتَوَلَّواْ} أَعرضُوا عَن الْإِيمَان بالكتب وَالرسل والآيات {وَاسْتغْنى الله} عَن إِيمَانهم {وَالله غَنِيٌّ} عَن إِيمَانهم {حَمِيدٌ} مَحْمُود فِي فعاله وَيُقَال حميد لمن وَحده

7

{زَعَمَ الَّذين كفرُوا} كفار مَكَّة {أَن لَّن يُبْعَثُواْ} من بعد الْمَوْت {قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {بلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} بعد الْمَوْت {ثُمَّ لتنبؤن} للتخبرن {بِمَا عَمِلْتُمْ} فِي الدُّنْيَا من الْخَيْر وَالشَّر {وَذَلِكَ} الْبَعْث {عَلَى الله يَسِيرٌ} هَين

8

{فَآمِنُواْ} يَا أهل مَكَّة {بِاللَّه وَرَسُولِهِ} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت {والنور} الْكتاب {الَّذِي أَنزَلْنَا} جِبْرِيل على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر {خَبِيرٌ}

9

{يَوْمَ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجمع} يَوْم يجْتَمع فِيهِ الْأَولونَ وَالْآخرُونَ {ذَلِك يَوْمُ التغابن} يغبن الْكَافِر بِنَفسِهِ وَأَهله وخدمه ومنازله فِي الْجنَّة ويرثه الْمُؤمن وَيُقَال يغبن الْمُؤمن الْكَافِر بأَهْله ومنازله ويغبن فِيهِ الْكَافِر بِنَفسِهِ فِي الْجنَّة ويرثه الْمُؤمن دون الْكَافِر ويغبن الْمَظْلُوم الظَّالِم بِأخذ حَسَنَاته وَوضع سيئاته على ظالمه {وَمن يُؤمن بِاللَّه} وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَيَعْمَلْ صَالِحاً} خَالِصا فِيمَا بَينه وَبَين ربه {يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ} يغْفر ذنُوبه بِالتَّوْحِيدِ {وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ} بساتين {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا} من تَحت شَجَرهَا ومساكنها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {خَالِدين فِيهَا} مقيمين فِي الْجنَّة لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا {أَبَداً ذَلِك الْفَوْز الْعَظِيم} النجَاة الوافرة فازوا بِالْجنَّةِ ونجوا من النَّار

10

{وَالَّذين كَفَرُواْ} بِاللَّه كفار مَكَّة {وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّار} أهل النَّار {خَالِدِينَ فيهآ} مقيمين فِي النَّار لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا {وَبِئْسَ الْمصير} الْمرجع فِي الْآخِرَة الَّذِي صَارُوا إِلَيْهِ النَّار

11

{مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ} فِي بدنكم وأهلكم وَأَمْوَالكُمْ {إِلاَّ بِإِذْنِ الله} وقضائه {وَمَن يُؤْمِن بِاللَّه} يرى الْمُصِيبَة من الله {يَهْدِ قَلْبَهُ} للرضا وَالصَّبْر وَيُقَال إِذا أعْطى شكر وَإِذا ابتلى صَبر وَإِذا ظلم غفر وَإِذا أَصَابَته مُصِيبَة اسْترْجع يهد قلبه للاسترجاع {وَالله بِكُلِّ شَيْءٍ} يُصِيبكُم من الْمُصِيبَة وَغَيرهَا {عَلِيمٌ وَأَطِيعُواْ الله} فِي الْفَرَائِض

12

{وَأَطِيعُواْ الرَّسُول} فِي السّنَن وَيُقَال أطِيعُوا الله فِي التَّوْحِيد وَأَطيعُوا الرَّسُول بالإجابة {فَإِن تَولَّيْتُمْ} عَن طاعتهما {فَإِنَّمَا على رَسُولنَا} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {الْبَلَاغ} التَّبْلِيغ عَن الله لرسالته {الْمُبين} يبين لكم بلغَة تعلمونها

13

{الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ} لَا ولد لَهُ وَلَا شريك لَهُ {وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} وعَلى الْمُؤمنِينَ أَن يتوكلوا على الله لَا على غَيره

14

{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ} الَّذين بِمَكَّة {عدوا لكم} أَن صدوكم عَن الْهِجْرَة وَالْجهَاد {فاحذروهم} أَن تقعدوا عَن الْهِجْرَة وَالْجهَاد {وَإِن تَعْفُواْ} عَن صدهم إيَّاكُمْ {وَتَصْفَحُواْ} تعرضوا فَلَا تعاقبوهم {وَتَغْفِرُواْ} تجاوزوا ذنوبهم بعد مَا هَاجرُوا من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة {فَإِنَّ الله غَفُورٌ} لمن تَابَ {رَّحِيمٌ} لمن مَاتَ على التَّوْبَة

15

{إِنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ} الَّذين بِمَكَّة {فِتْنَةٌ} بلية لكم إِذْ منعوكم عَن الْهِجْرَة وَالْجهَاد {وَالله عِنْدَهُ أَجْرٌ} ثَوَاب {عَظِيمٌ} لمن هَاجر وجاهد فِي سَبِيل الله وَلم يَله بِمَالِه وَولده عَن الْهِجْرَة وَالْجهَاد

16

{فَاتَّقُوا الله} فأطيعوا الله {مَا اسْتَطَعْتُم} بِالَّذِي أطقتم {واسمعوا} مَا تؤمرون {وَأَطِيعُواْ} مَا أَمركُم الله وَرَسُوله {وَأَنْفِقُواْ} تصدقوا بأموالكم فِي سَبِيل الله {خَيْراً لأَنفُسِكُمْ} يَقُول الصَّدَقَة خير لكم من إِِمْسَاكهَا {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ} من دفع عَنهُ بخل نَفسه وَيُقَال من أدّى زَكَاة مَاله {فَأُولَئِك هُمُ المفلحون} الناجون من السخط وَالْعَذَاب

17

{إِن تُقْرِضُواْ الله} فِي الصَّدَقَة {قَرْضاً حَسَناً} محتسباً صَادِقا من قُلُوبكُمْ {يُضَاعِفْهُ لَكُمْ}

يقبله ويضاعفه لكم فِي الْحَسَنَات مَا بَين سبع إِلَى سبعين إِلَى سَبْعمِائة إِلَى ألفي ألف إِلَى مَا شَاءَ الله من الْأَضْعَاف {وَيَغْفِرْ لَكُمْ} بِالصَّدَقَةِ {وَالله شَكُورٌ} لصدقاتكم حِين قبلهَا وأضعفها وَيُقَال شكور يشْكر الْيَسِير من صَدقَاتكُمْ وَيجْزِي الجزيل من ثَوَابه {حَلِيمٌ} لَا يعجل بالعقوبة على من يمن بِصَدَقَتِهِ أَو يمْنَع

18

{عَالِمُ الْغَيْب} مَا فِي قُلُوب المتصدقين من الْمَنّ أَو الخشية {وَالشَّهَادَة} عَالم بِصَدَقَاتِهِمْ {الْعَزِيز} بالنقمة لمن يمن بِصَدَقَتِهِ أَو لَا يُعْطي الصَّدَقَة {الْحَكِيم} فِي أمره وقضائه وَيُقَال الْحَكِيم فِي قبُول الصَّدقَات وأضعافها وَيُقَال الْحَكِيم حَيْثُ حكم بِطَلَاق السّنة للنبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأمته وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الطَّلَاق وهى كلهَا مَدَنِيَّة آياتها إِحْدَى عشر آيَة وكلماتها مِائَتَان وَسبع وَأَرْبَعُونَ وحروفها ألف وَمِائَة وَسَبْعُونَ {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

الطلاق

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّبِي} وَأمته {إِذَا طَلَّقْتُمُ النسآء} يَقُول قل لقَوْمك إِذا أردتم أَن تطلقوا النِّسَاء {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} عِنْد طهورهن طواهر من غير جماع {وَأَحْصُواْ الْعدة} احْفَظُوا طهرهن من ثَلَاث حيض وَالْغسْل مِنْهَا بِانْقِضَاء الْعدة {وَاتَّقوا الله} اخشوا الله {رَبَّكُمْ} وَلَا تطلقوهن غير طواهر بِغَيْر السّنة {لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ} الَّتِي طلقن فِيهَا حَتَّى تَنْقَضِي الْعدة {وَلاَ يَخْرُجْنَ} حَتَّى تَنْقَضِي الْعدة {إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ} إِلَّا أَن يجئن بِمَعْصِيَة بَيِّنَة وَهِي أَن تخرج فِي الْعدة بِغَيْر إِذن زَوجهَا فإخراجهن فِي الْعدة مَعْصِيّة وخروجهن فِي عدتهن مَعْصِيّة وَيُقَال إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة بِالزِّنَا مبينَة بأَرْبعَة شُهُود فَتخرج فترجم {وَتِلْكَ حُدُودُ الله} هَذِه أَحْكَام الله وفرائضه فِي النِّسَاء للطَّلَاق من النَّفَقَة وَالسُّكْنَى {وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ الله} يتَجَاوَز أَحْكَام الله وفرائضه مَا أَمر بِهِ من النَّفَقَة وَالسُّكْنَى {فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} ضرّ نَفسه {لاَ تَدْرِى} لَا تعلم يَعْنِي بِهِ الزَّوْج {لَعَلَّ الله يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِك} بعد التطليقة الْوَاحِدَة وَقبل الْخُرُوج من الْعدة {أَمْراً} حبا ومراجعة

2

{فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} فَإِذا انْقَضتْ عدتهن من ثَلَاث قبل أَن يغتسلن من الْحَيْضَة الثَّالِثَة {فَأَمْسِكُوهُنَّ} فراجعوهن {بِمَعْرُوفٍ} بِإِحْسَان قبل الِاغْتِسَال وَأَن يحسن صحبتهَا ومعاشرتها {أَوْ فَارِقُوهُنَّ} أَو اتركوهن {بِمَعْرُوفٍ} بِإِحْسَان لَا تطولوا عَلَيْهِنَّ الْعدة وتؤدوا حَقّهَا {وَأَشْهِدُواْ} على الطَّلَاق والمراجعة {ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُم} رجلَيْنِ حُرَّيْنِ مُسلمين عَدْلَيْنِ مرضين {وَأَقِيمُواْ الشَّهَادَة لِلَّهِ} وَقومُوا بِالشَّهَادَةِ لله عِنْد الْحُكَّام (ذَلِكُم) الَّذِي ذكرت من النَّفَقَة وَالسُّكْنَى وَإِقَامَة الشَّهَادَة وَغَيرهَا {يُوعَظُ بِهِ} يُؤمر بِهِ {مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت وَيُقَال نزلت من أول السُّورَة إِلَى هَهُنَا فى شَأْن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين طلق حَفْصَة وَفِي سِتَّة نفر من أَصْحَابه ابْن عمر وَأَصْحَابه طلقوا نِسَاءَهُمْ غير طواهر فنهاهم الله عَن ذَلِك لِأَنَّهُ لغير السّنة وعلمهم طَلَاق السّنة إِذا طلقوا نِسَاءَهُمْ كَيفَ يطلقون {وَمَن يَتَّقِ الله} عِنْد الْمعْصِيَة فيصبر {يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً} من الشدَّة وَيُقَال من الْمعْصِيَة إِلَى الطَّاعَة وَيُقَال من النَّار إِلَى الْجنَّة

3

{وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ} لَا يأمل نزلت هَذِه الْآيَة فِي عَوْف بن مَالك الْأَشْجَعِيّ الَّذِي اسر الْعَدو ابْنا لَهُ فجَاء بعد ذَلِك مَعَ إبل كَثِيرَة {وَمَن يَتَوَكَّلْ على الله} وَمن يَثِق بِاللَّه فِي الرزق {فَهُوَ حَسْبُهُ} كافيه {إِنَّ الله بَالِغُ أَمْرِهِ} مَاض أمره وقضاؤه فِي الشدَّة والرخاء وَيُقَال نَافِذ أمره وتدبيره

{قَدْ جَعَلَ الله لِكُلِّ شَيْءٍ} من الشدَّة والرخاء {قَدْراً} أَََجَلًا يَنْتَهِي

4

فَلَمَّا بَين الله عدَّة النِّسَاء اللَّاتِي يحضن قَامَ معَاذ فَقَالَ أَرَأَيْت يَا رَسُول الله مَا عدَّة النِّسَاء اللَّاتِي يئسن من الْمَحِيض فَنزل {واللائي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيض} من الْكبر {مِن نِّسَآئِكُمْ إِنِ ارتبتم} شَكَكْتُمْ فِي عدتهن {فَعِدَّتُهُنَّ} فِي الطَّلَاق {ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ} فَقَامَ رجل آخر فَقَالَ أَرَأَيْت يَا رَسُول الله فِي اللائي لم يحضن للصغر مَا عدتهن فَنزل {واللائي لَمْ يَحِضْنَ} من الصغر فعدتهن أَيْضا ثَلَاثَة أشهر فَقَامَ رجل آخر فَقَالَ أَرَأَيْت يَا رَسُول الله مَا عدَّة الْحَوَامِل فَنزل {وَأُوْلاَتُ الْأَحْمَال} يَعْنِي الحبالى {أَجَلُهُنَّ} عدتهن {أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} ولدهن {وَمَن يَتَّقِ الله} فِيمَا أمره {يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} يهون عَلَيْهِ أمره وَيُقَال يرزقه عبَادَة حَسَنَة فِي سريرة حَسَنَة

5

{ذَلِك أَمْرُ الله} هَذِه أَحْكَام الله وفرائضه {أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ} بَينه لكم فِي الْقُرْآن {وَمَن يَتَّقِ الله} فِيمَا أمره {يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ} يغْفر لَهُ ذنُوبه {وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً} ثَوابًا فى الْجنَّة

6

ثمَّ رَجَعَ إِلَى المطلقات فَقَالَ {أَسْكِنُوهُنَّ} أنزلوهن يَعْنِي المطلقات يَقُول للأزواج {مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم} من أَيْن سكنتم {مِّن وُجْدِكُمْ} من سعتكم على قدر ذَلِك من النَّفَقَة وَالسُّكْنَى {وَلاَ تُضَآرُّوهُنَّ} يَعْنِي المطلقات فِي النَّفَقَة وَالسُّكْنَى {لِتُضَيِّقُواْ عَلَيْهِنَّ} بِالنَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى فتظلموهن بذلك {وَإِن كُنَّ} المطلقات {أُوْلاَتِ حَمْلٍ} حبالى {فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ} يَعْنِي الزَّوْج {حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} ولدهن {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ} الْأُمَّهَات ولدا لكم {فَآتُوهُنَّ} أعطوهن يَعْنِي الْأُمَّهَات {أُجُورَهُنَّ} يَعْنِي النَّفَقَة على الرَّضَاع {وَأْتَمِرُواْ بَيْنَكُمْ} وأنفقوا يَعْنِي الزَّوْج وَالْمَرْأَة فِيمَا بَيْنكُم {بِمَعْرُوفٍ} على أَمر مَعْرُوف من النَّفَقَة على الرَّضَاع بِغَيْر إِسْرَاف وتقتير {وَإِن تَعَاسَرْتُمْ} فِي النَّفَقَة وأبت الْأُم {فَسَتُرْضِعُ لَهُ} للْوَلَد {أُخْرَى} فتطلب لَهُ أُخْرَى غير الْأُم

7

{لِيُنفِقْ} الْأَب {ذُو سَعَةٍ} ذُو غنى {مِّن سَعَتِهِ} على قدر غناهُ {وَمَن قُدِرَ} قتر {عَلَيْهِ رِزْقُهُ} معيشته {فَلْيُنفِقْ} على الْمُرْضع {مِمَّآ آتَاهُ الله} على قدر مَا أعطَاهُ الله من المَال {لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْساً} من النَّفَقَة على الرَّضَاع {إِلاَّ مَآ آتَاهَا} إِلَّا على قدر مَا أعطَاهُ من المَال {سَيَجْعَلُ الله بَعْدَ عُسْرٍ} فِي النَّفَقَة {يُسْراً} بعد الْفقر غنى فالمعسر ينْتَظر الرزق من الله

8

{وكأين من قَرْيَة} وَكم من أهل قَرْيَة {عَتَتْ} عَصَتْ وأبت {عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا} عَن قبُول أَمر رَبهَا وَطَاعَة رَبهَا {وَرُسُلِهِ} عَن إِجَابَة الرُّسُل وَعَما جَاءَت بِهِ الرُّسُل {فَحَاسَبْنَاهَا} فِي الْآخِرَة {حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا} فِي الدُّنْيَا {عَذَاباً نُّكْراً} شَدِيدا مقدم ومؤخر

9

{فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا} عُقُوبَة أمرهَا فِي الدُّنْيَا بِالْهَلَاكِ {وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا} فِي الْآخِرَة {خُسْراً} إِلَى خسران

10

{أَعَدَّ الله لَهُمْ} فِي الْآخِرَة {عَذَاباً شَدِيداً} غليظاً لوناً بعد لون {فَاتَّقُوا الله} فاخشوا الله {يَا أولي الْأَلْبَاب} يَا ذَوي الْعُقُول من النَّاس {الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {قَدْ أَنزَلَ الله إِلَيْكُمْ ذِكْراً}

11

{رَّسُولاً} ذكرا مَعَ الرَّسُول {يَتْلُو عَلَيْكُمْ} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {آيَاتِ الله} الْقُرْآن {مُبَيِّنَاتٍ} واضحات بَيِّنَات بِالْأَمر وَالنَّهْي {لِّيُخْرِجَ الَّذين آمَنُواْ} قد أخرج الَّذين آمنُوا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {مِنَ الظُّلُمَات إِلَى النُّور} من الْكفْر إِلَى الْإِيمَان {وَمن يُؤمن بِاللَّه} وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَيَعْمَلْ صَالِحاً} خَالِصا فِيمَا بَينه وَبَين ربه {يُدْخِلْهُ} فِي الْآخِرَة {جَنَّاتٍ} بساتين {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا} من تَحت شَجَرهَا وغرفها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {خَالِدين فِيهَا} مقيمين فِي الْجنَّة لَا يموتون فِيهَا وَلَا يخرجُون مِنْهَا {أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ الله لَهُ رِزْقاً} قد أعد الله لَهُ ثَوابًا فِي الْجنَّة

12

{الله الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} بَعْضهَا فَوق بعض مثل الْقبَّة {وَمِنَ الأَرْض مِثْلَهُنَّ} سبعا وَلكنهَا منبسطة {يَتَنَزَّلُ الْأَمر بَيْنَهُنَّ} يَقُول تتنزل الْمَلَائِكَة بِالْوَحْي والتنزيل والمصيبة من السَّمَوَات من عِنْد الله {لِتَعْلَمُوا} لكَي تعلمُوا وتقروا {أَنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ} من أهل السَّمَوَات وَالْأَرضين {قَدِيرٌ وَأَنَّ الله قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمَاً} أَي قد أحَاط علمه بِكُل شىء

وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا التَّحْرِيم وهى كلهَا مَدَنِيَّة آياتها ثَلَاث عشرَة وكلماتها مِائَتَان وتسع وَأَرْبَعُونَ وحروفها ألف وَسِتُّونَ حرفا {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

التحريم

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّبِي} يعْنى مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ الله لَكَ} نِكَاحه يعْنى نِكَاح مَارِيَة الْقبْطِيَّة أم إِبْرَاهِيم ابْن مُحَمَّد رَسُول الله حرمهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على نَفسه {تبتغي مرضات أَزْوَاجِكَ} تطلب رِضَاء أَزوَاجك عَائِشَة وَحَفْصَة بِتَحْرِيم مَارِيَة الْقبْطِيَّة {وَالله غَفُورٌ} لَك {رَّحِيمٌ} بِتِلْكَ الْيَمين

2

{قَدْ فَرَضَ الله} قد بيَّن الله {لَكُمْ تَحِلَّة أَيْمَانكُم} كَفَّارَة أَيْمَانكُم فَكفر النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَمِينه وَضمّهَا إِلَى نَفسه {وَالله مَوْلاَكُمْ} حافظكم وناصرك {وَهُوَ الْعَلِيم} بتحريمك مَارِيَة الْقبْطِيَّة {الْحَكِيم} فِيمَا حكم من الْكَفَّارَة

3

{وَإِذَ أَسَرَّ النَّبِي إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ} يَعْنِي حَفْصَة {حَدِيثاً} كلَاما أخْبرهَا فِي السِّرّ {فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ} فَلَمَّا أخْبرت حَفْصَة بسر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَائِشَة {وَأَظْهَرَهُ الله عَلَيْهِ} أطلع الله نبيه على مَا أخْبرت حَفْصَة عَائِشَة {عَرَّفَ بَعْضَهُ} بيَّن النَّبِي لحفصة بعض مَا قَالَت لعَائِشَة من خلَافَة أبي بكر وَعمر وَيُقَال من خلوته مَعَ مَارِيَة الْقبْطِيَّة {وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ} سكت عَن بعض تَحْرِيمه مَارِيَة الْقبْطِيَّة على نَفسه وَعَما أخْبرهَا من خلَافَة أبي بكر وَعمر من بعده وَلم يعلمهَا بذلك {فَلَمَّا نبأها بِهِ} أخبر النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَفْصَة بِمَا قَالَت لعَائِشَة {قَالَتْ} حَفْصَة {مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا} أخْبرك بِهَذَا أَنِّي قلت لعَائِشَة {قَالَ} النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {نَبَّأَنِيَ} أَخْبرنِي {الْعَلِيم} بِمَا قلت لعَائِشَة {الْخَبِير} بِمَا قلت لَك

4

{إِن تَتُوبَآ إِلَى الله} توبا إِلَى الله يَا عَائِشَة وَيَا حَفْصَة من إيذائكما رَسُول الله ومعصيتكما لَهُ {فَقَدْ صَغَتْ} مَالَتْ {قُلُوبُكُمَا} عَن الْحق {وَإِن تَظَاهَرَا} تعاونا {عَلَيْهِ} على إيذائه ومعصيته {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ} حافظه وناصره ومعينه عَلَيْكُمَا {وَجِبْرِيلُ} معينه عَلَيْكُمَا {وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} جملَة الْمُؤمنِينَ المخلصين أعوان لَهُ عَلَيْكُمَا مثل أَبى بكر وَعمر وَعُثْمَان وعَلى رضى الله عَنْهُم وَمن دونهم {وَالْمَلَائِكَة بَعْدَ ذَلِك} مَعَ هَؤُلَاءِ {ظَهِيرٌ} أعوان لَهُ عَلَيْكُمَا

5

{عَسى رَبُّهُ} وَعَسَى من الله وَاجِب {إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ} يُزَوجهُ {أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ} فِي الطَّاعَة {مُسْلِمَاتٍ} مقرات بالألسن {مُّؤْمِنَاتٍ} مصدقات بالألسن والقلوب بإيمانهن {قَانِتَاتٍ} مطيعات لله ولأزواجهن {تَائِبَاتٍ} من الذُّنُوب {عَابِدَاتٍ} موحدات الله {سَائِحَاتٍ} صائمات {ثَيِّبَاتٍ} أيمات مثل آسِيَة بنت مُزَاحم امْرَأَة فِرْعَوْن {وَأَبْكَاراً} مَرْيَم بنت عمرَان أم عِيسَى

6

{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {قوا أَنفُسَكُمْ} ادفعوا عَن أَنفسكُم وقومكم {وَأَهْلِيكُمْ} وَأَوْلَادكُمْ ونسائكم {نَاراً} يَقُول أدبوهم وعلموهم الْخَيْر تقوهم بذلك نَارا {وَقُودُهَا} حطبها {النَّاس وَالْحِجَارَة} حِجَارَة الكبريت وَهِي أَشد الْأَشْيَاء حرا {عَلَيْهَا} على النَّار {مَلَائِكَة} يَعْنِي الزَّبَانِيَة {غِلاَظٌ} عُظَمَاء {شِدَادٌ} أقوياء {لاَّ يَعْصُونَ الله مَآ أَمَرَهُمْ} فِيمَا أَمرهم من عَذَاب أهل النَّار {ويفعلون} يعْنى الزَّبَانِيَة {مَا يؤمرون}

7

{يَا أَيهَا الَّذين كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {لاَ تَعْتَذِرُواْ الْيَوْم} فَإِنَّهُ لَا يقبل معذرتكم {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} وتقولون فى الدُّنْيَا

8

{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {تُوبُوا إِلَى الله} من الذُّنُوب {تَوْبَةً نصُوحًا} خَالِصا صَادِقا من قُلُوبكُمْ وَهُوَ النَّدَم بِالْقَلْبِ وَالِاسْتِغْفَار بِاللِّسَانِ والإقلاع بِالْبدنِ وَالضَّمِير على أَن لَا يعود إِلَيْهِ أبدا {عَسى ربكُم} عَسى من الله وَاجِب {أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} أَن يغْفر لكم ذنوبكم بِالتَّوْبَةِ {وَيُدْخِلَكُمْ} فِي الْآخِرَة {جَنَّاتٍ} بساتين {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا} من تَحت شَجَرهَا ومساكنها {الْأَنْهَار} أَنهَار

الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {يَوْمَ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {لاَ يُخْزِى الله النَّبِي} كَمَا يخزي الْكفَّار يَقُول لَا يعذب الله النَّبِي {وَالَّذين آمَنُواْ مَعَهُ} وَلَا يعذب الَّذين آمنُوا بِهِ مثل أبي بكر وَأَصْحَابه {نُورُهُمْ يسْعَى} يضيء {بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} على الصِّرَاط {وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ} بعد مَا ذهب نور الْمُنَافِقين {رَبَّنَآ أَتْمِمْ لَنَا} على الصِّرَاط {نُورَنَا واغفر لَنَآ} ذنوبنا {إِنَّكَ على كُلِّ شَيْءٍ} من إتْمَام النُّور والغفران {قدير}

9

{يَا أَيهَا النَّبِي جَاهِدِ الْكفَّار} كفار مَكَّة بِالسَّيْفِ حَتَّى يسلمُوا {وَالْمُنَافِقِينَ} منافقي أهل الْمَدِينَة بِاللِّسَانِ بالزجر والوعيد {وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} وَاشْدُدْ على كلا الْفَرِيقَيْنِ بالْقَوْل وَالْفِعْل {وَمَأْوَاهُمْ} مصير الْمُنَافِقين وَالْكفَّار {جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمصير} صَارُوا إِلَيْهِ جَهَنَّم

10

ثمَّ خوف عَائِشَة وَحَفْصَة لإيذائهما النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِامْرَأَة نوح وَامْرَأَة لوط فَقَالَ {ضَرَبَ الله} بيَّن الله {مَثَلاً} صفة {لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ} بالمرأتين الكافرتين {امْرَأَة نوح} وَاهِلَة {وَامْرَأَة لُوطٍ} واعلة {كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ} مرسلين {فَخَانَتَاهُمَا} فخالفتاهما فِي الدّين وأظهرتا الْإِيمَان بِاللِّسَانِ وأسرتا النِّفَاق بِالْقَلْبِ وَلم تخونا بِالْفُجُورِ لِأَنَّهُ لم تفجر امْرَأَة نَبِي قطّ {فَلم يغنيا عَنْهُمَا} لم ينفعهما {مِنَ الله} من عَذَاب الله {شَيْئاً} صَلَاح زوجيهما مَعَ كفرهما {وَقِيلَ ادخلا النَّار} فِي الْآخِرَة {مَعَ الداخلين} فِي النَّار ثمَّ حثهما على التَّوْبَة وَالْإِحْسَان بِامْرَأَة فِرْعَوْن آسِيَة بنت مُزَاحم وَمَرْيَم بنت عمرَان فَقَالَ

11

{وَضَرَبَ الله مَثَلاً} بَين الله صفة {لِّلَّذِينَ آمنُوا} بامرأتين مسلمتين {امْرَأَة فِرْعَوْنَ} آسِيَة بنت مُزَاحم {إِذْ قَالَتْ} فِي عَذَاب فِرْعَوْن لَهَا {رَبِّ ابْن لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجنَّة} لكَي يهون عليَّ عَذَاب فِرْعَوْن {وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ} من دين فِرْعَوْن {وَعَمَلِهِ} عَذَابه {وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْم الظَّالِمين} الْكَافرين فَلم يَضرهَا كفر زَوجهَا مَعَ إيمَانهَا وإخلاصها

12

{وَمَرْيَم ابْنة عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} حفظت فرجهَا يَعْنِي جيب درعها من الْفَوَاحِش {فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا} فَنفخ جِبْرِيل فِي جيب قميصها بأمرنا فَحملت بِعِيسَى {وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبَّهَا} بِمَا قَالَ لَهَا جِبْرِيل {إنمآ أَنا رَسُول رَبك لأهب لَك غُلَاما زكياً} {وَكُتُبِهِ} وبكتبه التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَسَائِر الْكتب وَيُقَال بِكَلِمَات رَبهَا بِعِيسَى ابْن مَرْيَم أَن يكون بِكَلِمَة من الله كن فَصَارَ مخلوقاً وبكتابه الْإِنْجِيل {وَكَانَتْ مِنَ القانتين} من المطيعين لله فى الشدَّة والرخاء وَيُقَال وَكَانَت من القانتين الذى تَعَالَى وتعاظم وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْملك وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها ثَلَاثُونَ وكلماتها ثَلَاثمِائَة وَخمْس وَثَلَاثُونَ وحروفها ألف وثلاثمائة وَثَلَاثَة عشر {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

الملك

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {تَبَارَكَ} يَقُول ذُو بركَة وَيُقَال تَعَالَى وتعظم وتقدس وارتفع وتبرأ عَن الْوَلَد وَالشَّرِيك {الَّذِي بِيَدِهِ الْملك} ملك الْعِزّ والذل وخزائن كل شَيْء {وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ} من الْعِزّ والذل {قدير}

2

{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْت} شبه كَبْش أَمْلَح لَا يمر على شَيْء وَلَا يشم رِيحه شَيْء وَلَا يطَأ على شَيْء حَيّ إِلَّا مَاتَ {والحياة} وَخلق الْحَيَاة شبه فرس بلقاء أُنْثَى لَا تمر على شَيْء وَلَا يشم رِيحهَا شَيْء وَلَا تطَأ على شَيْء وَلَا يطْرَح من أَثَرهَا على شَيْء إِلَّا يحيى وَهِي دَابَّة دون الْبَغْل وَفَوق الْحمار خطوها مد الْبَصَر ويركبها الْأَنْبِيَاء وَيُقَال خلق الْمَوْت يَعْنِي النُّطْفَة والحياة يَعْنِي النَّسمَة وَيُقَال خلق الْحَيَاة وَالْمَوْت مقدم ومؤخر {لِيَبْلُوَكُمْ} ليختبركم بَين الْحَيَاة وَالْمَوْت {أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} أخْلص عملا {وَهُوَ الْعَزِيز} بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ {الغفور} لمن تَابَ وآمن بِهِ

3

{الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً} مطبقة بَعْضهَا على بعض مثل الْقبَّة ملتزقة أطرافها {مَّا ترى} يَا مُحَمَّد {فِي خَلْقِ الرَّحْمَن} فِي خلق السَّمَوَات {مِن تَفَاوُتِ} من اعوجاج {فَارْجِع الْبَصَر} رد الْبَصَر بِالنّظرِ إِلَى السَّمَاء

{هَلْ ترى مِن فُطُورٍ} من شقوق وصدوع وعيوب وخلل

4

{ثُمَّ ارجِعِ البَصَرَ} رد الْبَصَر إِلَى السَّمَاء وتفكر بِالنّظرِ إِلَى السَّمَاء {كَرَّتَيْنِ} مرَّتَيْنِ {يَنْقَلِبْ} برجع {إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئاً} صاغراً ذليلاً قبل أَن ترى شَيْئا {وَهُوَ حَسِيرٌ} عي كليل مُنْقَطع

5

{وَلَقَد زينا السَّمَاء الدُّنْيَا} الأولى {بِمَصَابِيحَ} بالنجوم {وَجَعَلْنَاهَا} يَعْنِي النُّجُوم {رُجُوماً} رمياً {للشياطين} يرجمون بهَا فبعضهم يخبل وَبَعْضهمْ يفتل وَبَعْضهمْ يحرق {وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ} للشياطين فِي الْآخِرَة {عَذَابَ السعير} الْوقُود

6

{وَلِلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمصير} صَارُوا إِلَيْهِ جَهَنَّم

7

{إِذَآ أُلْقُواْ فِيهَا} طرحوا فِي جَهَنَّم أمة من الْأُمَم مِمَّن يدْخلُونَهَا يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس ومشركي الْعَرَب {سَمِعُواْ لَهَا} لِجَهَنَّم {شَهِيقاً} صَوتا كصوت الْحمار {وَهِيَ تَفُورُ} تغلي

8

{تَكَادُ تَمَيَّزُ} تتفرق {مِنَ الغَيْظِ} على الْكفَّار {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا} طرح فِي جَهَنَّم {فَوْجٌ} جمَاعَة من الْكفَّار يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس وَسَائِر الْكفَّار {سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ} يَعْنِي خَزَنَة النَّار {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ} رَسُول مخوف

9

{قَالُواْ بلَى قَدْ جَآءَنَا نَذِيرٌ} رَسُول مخوف {فَكَذَّبْنَا} الرُّسُل {وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ الله مِن شَيْءٍ} من كتاب وَلَا بعث إِلَيْنَا رَسُولا {إِنْ أَنتُمْ} وَقُلْنَا للرسل مَا أَنْتُم {إِلاَّ فِي ضلال كَبِير} فِي خطأ عَظِيم الشّرك بِاللَّه وَيُقَال تَقول لَهُم الزَّبَانِيَة إِن أَنْتُم مَا أَنْتُم فِي الدُّنْيَا إِلَّا فِي ضلال كَبِير فِي خطأ عَظِيم الشّرك بِاللَّه

10

{وَقَالُواْ} للخزنة {لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ} نستمع إِلَى الْحق وَالْهدى {أَوْ نَعْقِلُ} أَو نرغب فِي الْحق فِي الدُّنْيَا {مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السعير} مَعَ أهل الْوقُود فِي النَّار الْيَوْم

11

{فَاعْتَرفُوا بذنبهم} فأقروا بشركهم {فسحقا} فَبعد من رَحْمَة الله ونكساً {لأَصْحَابِ السعير} لأهل الْوقُود فِي النَّار الْيَوْم

12

{إِنَّ الَّذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُم} يعْملُونَ لرَبهم {بِالْغَيْبِ} وَإِن لم يروه {لَهُم مَّغْفِرَةٌ} لذنوبهم فِي الدُّنْيَا {وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} ثَوَاب عَظِيم فِي الْجنَّة

13

{وأسروا قَوْلكُم} فى مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالمكر والخيانة {أَوِ اجهروا بِهِ} أَو أعْلنُوا بِهِ بِالْحَرْبِ والقتال {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور} بِمَا فِي الْقُلُوب من الْخَيْر وَالشَّر

14

{أَلاَ يَعْلَمُ} السِّرّ {مَنْ خَلَقَ} السِّرّ {وَهُوَ اللَّطِيف} لطف علمه بِمَا فِي الْقُلُوب {الْخَبِير} بِمَا فِيهَا من الْخَيْر وَالشَّر وَيُقَال علمه نَافِذ بِكُل شَيْء من الْخَيْر وَالشَّر الْخَبِير بهما

15

{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْض ذَلُولاً} مذللاً لينها بالجبال {فامشوا فِي مناكبها} امضوا وهزوا فِي نَوَاحِيهَا وأطرافها وَيُقَال طرقها وَيُقَال فِي جبالها وآكامها وفجاجها {وَكُلُواْ مِن رِّزْقِهِ} تَأْكُلُونَ من رزقه {وَإِلَيْهِ النشور} الْمرجع فِي الْآخِرَة

16

{أأمنتم} يَا أهل مَكَّة إِذْ عصيتموه {مَّن فِي السمآء} عَذَاب من فِي السَّمَاء على الْعَرْش {أَن يخسف بكم الأَرْض} أَن يغور بِكُمُ الأَرْض {فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} تَدور بكم إِلَى الأَرْض السَّابِعَة السُّفْلى كَمَا خسف بقارون

17

{أَمْ أَمِنتُمْ مِّن فِي السمآء} عَذَاب من فِي السَّمَاء على الْعَرْش إِذْ عصيتموه {أَن يُرْسل عَلَيْكُم حاصبا} حِجَارَة كَمَا أرسل على قوم لوط {فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} كَيفَ تغييري عَلَيْكُم بِالْعَذَابِ

18

{وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذين مِن قَبْلِهِمْ} من قبل قَوْمك يَا مُحَمَّد {فَكَيْفَ كَانَ نكِيرِ} انْظُر كَيفَ كَانَ تغييرى عَلَيْهِم بِالْعَذَابِ

19

{أَو لم يَرَوْا} كفار مَكَّة {إِلَى الطير فَوْقَهُمْ} فَوق رؤوسهم {صافات} مفتوحات الأجنحة {ويقبضن} ويضممن {مَا يُمْسِكُهُنَّ} بعد الْبسط {إِلاَّ الرَّحْمَن إِنَّهُ بِكُل شَيْء} من الْبسط وَالْقَبْض {بَصِير}

20

{أم من هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ} مَنْعَة لكم {يَنصُرُكُم} يمنعكم {مِّن دُونِ الرَّحْمَن} من عَذَاب الرَّحْمَن {إِنِ الْكَافِرُونَ} مَا الْكَافِرُونَ {إِلاَّ فِي غرور} فى أباطيل الدُّنْيَا وغرورها

21

{أم من هَذَا الَّذِي} هُوَ {يَرْزُقُكُمْ} من السَّمَاء بالمطر وَالْأَرْض بالنبات {إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ} فَمن ذَا الَّذِي يرزقكم {بَل لَّجُّواْ} تَمَادَوْا {فِي عُتُوٍّ} فِي إباء عَن الْحق {وَنُفُورٍ} تبَاعد عَن الْإِيمَان

22

{أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً على وَجْهِهِ}

ناكساً على ضلالته وكفره وَهُوَ أَبُو جهل بن هِشَام {أهْدى} أصوب دينا {أم من يَمْشِي سَوِيّاً} عادلاً {عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} دين قَائِم يرضاه وَهُوَ الاسلام يعْنى مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

23

{قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ} خَلقكُم {وَجَعَلَ لَكُمُ السّمع} لكَي تسمعوا بِهِ الْحق وَالْهدى {والأبصار} لكَي تبصروا بِهِ الْحق وَالْهدى {والأفئدة} يَعْنِي الْقُلُوب لكَي تعقلوا بهَا الْحق وَالْهدى {قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ} يَقُول شكركم فِيمَا صنع إِلَيْكُم قَلِيل وَيُقَال مَا تشكرون بِقَلِيل وَلَا بِكَثِير

24

{قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ} خَلقكُم {فِي الأَرْض} من آدم وآدَم من تُرَاب وَالتُّرَاب من الأَرْض {وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} فِي الْآخِرَة فيجزيكم بأعمالكم

25

{وَيَقُولُونَ} يَعْنِي كفار مَكَّة {مَتى هَذَا الْوَعْد} الَّذِي تعدنا {إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} إِن كنت من الصَّادِقين أَن يكون ذَلِك

26

{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {إِنَّمَا الْعلم} علم قيام السَّاعَة ونزول الْعَذَاب {عِنْدَ الله وَإِنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ} رَسُول مخوف {مُّبِينٌ} للغة تعلمونها

27

{فَلَمَّا رَأَوْهُ} يَعْنِي الْعَذَاب فِي النَّار {زُلْفَةً} قَرِيبا وَيُقَال مُعَاينَة {سِيئَتْ} سَاءَ الْعَذَاب {وُجُوهُ الَّذين كَفَرُواْ} وَيُقَال أحرقت وُجُوه الَّذين كفرُوا {وَقِيلَ} لَهُم {هَذَا} الْعَذَاب {الَّذِي كُنتُم بِهِ} فِي الدُّنْيَا {تَدَّعُونَ} تسْأَلُون وتقولون إِنَّه لَا يكون

28

{قل أَرَأَيْتُم} يَا أهل مَكَّة {إِنْ أَهْلَكَنِيَ الله} بِالْعَذَابِ {وَمَن مَّعِيَ} من الْمُؤمنِينَ {أَوْ رَحِمَنَا} من الْعَذَاب يَقُول غفر لنا فَلم يعذبنا وَهُوَ الَّذِي يَرْحَمنَا ويهلكنا {فَمَن يُجِيرُ الْكَافرين مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} وجيع

29

{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {هُوَ الرَّحْمَن} ينجينا ويرحمنا {آمَنَّا بِهِ} صدقنا بِهِ {وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا} وثقنا {فَسَتَعْلَمُونَ} عِنْد نزُول الْعَذَاب {مَنْ هُوَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} فِي كفر بَين

30

{قل} لَهُم يَا مُحَمَّد {أَرَأَيْتُمْ} مَا تَقولُونَ يَا أهل مَكَّة {إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ} صَار ماؤكم مَاء زَمْزَم {غَوْراً} غائراً فِي الأَرْض لَا تناله الدلاء {فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَآءٍ مَّعِينٍ} ظَاهر تناله الدلاء وَيُقَال فَمن يأتيكم بِمَاء معِين سوى خَالق النُّون والقلم وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا ن وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها اثْنَتَانِ وَخَمْسُونَ آيَة وكلماتها ثَلَاثمِائَة وحروفها ألف ومائتان وَسِتَّة وَخَمْسُونَ {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

القلم

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {ن} يَقُول أقسم الله بالنُّون وَهِي السَّمَكَة الَّتِي تحمل الْأَرْضين على ظهرهَا وَهِي فِي المَاء وتحتها الثور وَتَحْت الثور الصَّخْرَة وَتَحْت الصَّخْرَة الثرى وَلَا يعلم مَا تَحت الثرى إِلَّا الله وَاسم السَّمَكَة ليواش وَيُقَال لويهاء وَاسم الثور بهموت وَقَالَ بَعضهم تلهوت وَيُقَال ليوتا وَذَلِكَ الْحُوت فِي بَحر يُقَال لَهُ عضواص وَهُوَ كالثور الصَّغِير فِي الْبَحْر الْعَظِيم وَذَلِكَ الْبَحْر فِي صَخْرَة جوفاء وَفِي تِلْكَ الصَّخْرَة أَرْبَعَة آلَاف خرق مِنْهَا خرق يخرج الْمِيَاه إِلَى الأَرْض وَيُقَال هُوَ اسْم من أَسمَاء الرب وَهُوَ نون الرَّحْمَن وَيُقَال النُّون هُوَ الدواة {والقلم} أقسم الله بالقلم وَهُوَ قلم من نور طوله مَا بَين السَّمَاء إِلَى الأَرْض وَهُوَ الَّذِي كتب بِهِ الذّكر الْحَكِيم يَعْنِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ وَيُقَال الْقَلَم هُوَ ملك من الْمَلَائِكَة أقسم الله بِهِ {وَمَا يَسْطُرُونَ} وَأقسم الله بِمَا تكْتب الْمَلَائِكَة من أَعمال بني آدم

2

{مَآ أَنتَ} يَا مُحَمَّد {بِنِعْمَةِ رَبِّكَ} بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام {بِمَجْنُونٍ} يختنق وَلِهَذَا كَانَ الْقسم

3

{وَإِنَّ لَكَ} يَا مُحَمَّد {لأَجْراً} ثَوابًا فِي الْجنَّة بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام {غَيْرَ مَمْنُونٍ} غير مَنْقُوص وَلَا مكدر وَلَا يمن عَلَيْك بذلك

4

{وَإِنَّكَ} يَا مُحَمَّد {لعلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} على دين كريم شرِيف على الله وَيُقَال على منَّة عَظِيمَة وَهِي الْأَخْلَاق الْحَسَنَة الَّتِي أكْرمه الله بهَا إِن قَرَأت بِضَم الْخَاء وَاللَّام

5

{فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ} فسترى وَتعلم ويرون ويعلمون عِنْد نزُول الْعَذَاب بهم

6

{بِأَيِّكُمُ الْمفْتُون} الْمَجْنُون

7

{إِنَّ رَبَّكَ} يَا مُحَمَّد

{هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ} عَن دينه وَهُوَ أَبُو جهل وَأَصْحَابه {وَهُوَ أَعْلَمُ بالمهتدين} لدينِهِ وَهُوَ أَبُو بكر وَأَصْحَابه

8

{فَلاَ تُطِعِ} يَا مُحَمَّد {المكذبين} بِاللَّه وَالْكتاب وَالرَّسُول يَعْنِي رُؤَسَاء أهل مَكَّة

9

{وَدُّواْ} تمنوا {لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} تلين لَهُم فيلينون لَك وَيُقَال تطابقهم فيطابقونك وتصانعهم فيصانعونك

10

{وَلاَ تُطِعْ} يَا مُحَمَّد {كُلَّ حَلاَّفٍ} كَذَّاب على الله {مَّهِينٍ} ضَعِيف فِي دين الله هُوَ الْوَلِيد بن الْمُغيرَة المخزومى

11

{هَمَّازٍ} طعان لعان مغتاب للنَّاس مُقْبِلين ومدبرين {مَّشَّآءِ بِنَمِيمٍ} يمشي بالنميمة بَين النَّاس ليفسد بَينهم

12

{مناع للخير} للاسلام بَينه وَبَين نبيه وَبَين أَخِيه وقرابته {مُعْتَدٍ} يَا مُحَمَّد للحق غشوم ظلوم عَلَيْهِم {أَثِيمٍ} فَاجر

13

{عُتُلٍّ} شَدِيد الْخُصُومَة بِالْبَاطِلِ وَالْكذب وَيُقَال عتل أكول وشروب صَحِيح الْجِسْم رحيب الْبَطن {بَعْدَ ذَلِك} مَعَ ذَلِك {زَنِيمٍ} ملصق بالقوم لَيْسَ مِنْهُم وَيُقَال مَعْرُوف فِي الْكفْر والشرك والفجور والفسوق وَالشَّر وَيُقَال لَهُ زنمة كزنمة العنز

14

{أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ} يَقُول لَا تطعه وَإِن كَانَ ذَا مَال وبنين وَكَانَ مَاله نَحْو تِسْعَة آلَاف مِثْقَال من فضَّة وبنوة عشرَة

15

{إِذَا تتلى عَلَيْهِ} يقْرَأ عَلَيْهِ {آيَاتُنَا} الْقُرْآن بِالْأَمر وَالنَّهْي {قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلين} أَحَادِيث الْأَوَّلين فِي دهرهم وكذبهم

16

{سَنَسِمُهُ عَلَى الخرطوم} سنضربه على الْوَجْه وَيُقَال على الْأنف وَيُقَال سيسود وَجهه

17

{إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ} اختبرنا أهل مَكَّة بِالْقَتْلِ والسبي والهزيمة يَوْم بدر بتركهم الاسْتِغْفَار وبالجوع والقحط سبع سِنِين لدَعْوَة النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِم بعد يَوْم بدر {كَمَا بَلَوْنَآ} اختبرنا بِالْجُوعِ وَحرق الْبَسَاتِين {أَصْحَابَ الْجنَّة} أهل الْبَسَاتِين بني ضروان {إِذْ أَقْسَمُواْ} حلفوا بِاللَّه {لَيَصْرِمُنَّهَا} ليجدنها {مُصْبِحِينَ} عِنْد طُلُوع الْفجْر

18

{وَلاَ يَسْتَثْنُونَ} لم يَقُولُوا إِن شَاءَ الله

19

{فَطَافَ عَلَيْهَا} على الْجنَّة {طَآئِفٌ} عَذَاب {مِّن رَّبِّكَ} بِاللَّيْلِ {وَهُمْ نَآئِمُونَ}

20

{فَأَصْبَحَتْ} فَصَارَت الْجنَّة محترقة {كالصريم} كالليل المظلم

21

{فَتَنَادَوْاْ} فَنَادَى بَعضهم بَعْضًا {مُصْبِحِينَ} عِنْد طُلُوع الْفجْر

22

{أَنِ اغدوا على حَرْثِكُمْ} يَعْنِي الْبَسَاتِين {إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ} جاذين قبل علم الْمَسَاكِين

23

{فَانْطَلقُوا} إِلَى الْبَسَاتِين {وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ} يتسارون فِيمَا بَينهم كلَاما خفِيا

24

{أَن لاَّ يَدْخُلَنَّهَا} يَعْنِي الْجنَّة {الْيَوْم عَلَيْكُمْ مِسْكين}

25

{وَغَدَوْاْ على حَرْدٍ} على حقد وَيُقَال إِلَى بستانهم {قَادِرِينَ} على غَلَّتهَا

26

{فَلَمَّا رَأَوْهَا} يَعْنِي الْبَسَاتِين محترقة {قَالُوا إِنَّا لَضَآلُّونَ} الطَّرِيق ظنُّوا أَنهم ضلوا الطَّرِيق ثمَّ قَالُوا

27

{بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} حرمنا مَنْفَعَة الْبُسْتَان لسوء نياتنا

28

{قَالَ أَوْسَطُهُمْ} فِي السن وَيُقَال أعدلهم فِي القَوْل وَيُقَال أفضلهم فِي الْعقل والرأي {أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ} هلا تستثنون وَقد قَالَ لَهُم ذَلِك عِنْدَمَا أَقْسمُوا

29

{قَالُواْ سُبْحَانَ رَبِّنَآ} نَسْتَغْفِر رَبنَا {إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} ضارين لأنفسنا بمعصيتنا وَتَركنَا الِاسْتِثْنَاء ومنعنا الْمَسَاكِين

30

{فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَلاَوَمُونَ} يلوم بَعضهم بَعْضًا يَقُول وَاحِد مِنْهُم أَنْت فعلت هَذَا يَا فلَان بِنَا وَيَقُول الآخر أَنْت فعلت هَذَا بِنَا

31

{قَالُوا} بِالْجُمْلَةِ {يَا ويلنا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ} عاصين بمنعنا الْمَسَاكِين

32

{عَسى رَبُّنَآ} وَعَسَى من الله وَاجِب {أَن يُبْدِلَنَا} أَن يعوضنا رَبنَا فِي الْآخِرَة {خَيْراً مِّنْهَآ} من هَذِه الْجنَّة {إِنَّآ إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ} رغبتنا إِلَى الله

33

{كَذَلِك الْعَذَاب} فِي الدُّنْيَا لمن منع حق الله من مَاله كَمَا كَانَ لَهُم حرق الْبُسْتَان والجوع بعد ذَلِك وَيُقَال كَذَلِك الْعَذَاب هَكَذَا عَذَاب الدُّنْيَا كَمَا كَانَ لأهل مَكَّة بِالْقَتْلِ والجوع {وَلَعَذَابُ الْآخِرَة} لمن لَا يَتُوب {أَكْبَرُ} من عَذَاب الله فِي الدُّنْيَا {لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} أهل مَكَّة وَلَكِن لَا يعلمُونَ ذَلِك وَلَا يصدقون بِهِ

34

{إِنَّ لِّلْمُتَّقِينَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش {عِنْدَ رَبِّهِمْ} فِي الْآخِرَة {جَنَّاتِ النَّعيم} نعيمها دَائِم لَا يفنى وَيُقَال قَالَ عتبَة بن ربيعَة لَئِن كَانَ مَا يَقُول مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأَصْحَابه من الْجنَّة وَالنَّعِيم حَقًا لنَحْنُ أفضل مِنْهُم فِي الْآخِرَة كَمَا نَحن أفضل مِنْهُم

فِي الدُّنْيَا فَنزل

35

{أَفَنَجْعَلُ الْمُسلمين} ثَوَاب الْمُسلمين فِي الْجنَّة {كالمجرمين} كثواب الْمُشْركين وهم أهل النَّار وَيُقَال أفنجعل ثَوَاب الْمُشْركين فِي الْآخِرَة كثواب الْمُسلمين

36

{مَا لَكُمْ} يَا أهل مَكَّة {كَيْفَ تَحْكُمُونَ} بئس مَا تقضون لأنفسكم

37

{أم لكم كتاب فِيهِ تدرسون} تقرءون

38

{إِنَّ لَكُمْ فِيهِ} فِي الْكتاب {لَمَا تَخَيَّرُونَ} تشتهون فِي الْآخِرَة من الْجنَّة

39

{أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ} عهود {عَلَيْنَا} بالأيمان {بَالِغَةٌ} وَثِيقَة {إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ} تقضون لأنفسكم فِي الْآخِرَة من الْجنَّة

40

{سَلْهُمْ} يَا مُحَمَّد {أَيُّهُم بذلك} بِمَا يَقُولُونَ {زعيم} كَفِيل

41

{أَمْ لَهُمْ شُرَكَآءُ} آلِهَة {فَلْيَأتُواْ بِشُرَكَآئِهِمْ} بآلهتهم {إِن كَانُواْ صَادِقِينَ} أَن لَهُم مَا قَالُوا وَمَا يَقُولُونَ

42

{يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ} عَن أَمر كَانُوا فِي عمى مِنْهُ فِي الدُّنْيَا وَيُقَال عَن أَمر شَدِيد فظيع وَيُقَال عَن عَلامَة بَينهم وَبَين رَبهم {وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُود} بعد مَا قَالُوا وَالله رَبنَا مَا كُنَّا مُشْرِكين وَلَا منافقين {فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ} السُّجُود وَبقيت صلابهم كالصياصي مثل حصون الْحَدِيد

43

{خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ} ذليلة أَبْصَارهم لَا يرَوْنَ خيرا {تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} تعلوهم كآبة وكسوف وَهُوَ السوَاد على الْوُجُوه {وَقَدْ كَانُواْ يُدْعَوْنَ} فِي الدُّنْيَا {إِلَى السُّجُود} إِلَى الخضوع لله بِالتَّوْحِيدِ فَلم يخضعوا لله بِالتَّوْحِيدِ {وَهُمْ سَالِمُونَ} أصحاء معافون

44

{فَذَرْنِي} يَا مُحَمَّد {وَمَن يُكَذِّبُ بِهَذَا الحَدِيث} بِهَذَا الْكتاب {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ} سنأخذهم يَعْنِي الْمُسْتَهْزِئِينَ بِالْقُرْآنِ {مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ} لَا يَشْعُرُونَ فأهلكهم الله فِي يَوْم وَلَيْلَة وَكَانُوا خَمْسَة نفر

45

{وَأُمْلِي لَهُمْ} أمهلهم {إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} عَذَابي شَدِيد

46

{أَمْ تَسْأَلُهُمْ} تسْأَل أهل مَكَّة {أَجْراً} جعلا وَرِزْقًا على الْإِيمَان {فَهُمْ مِّن مَّغْرَمٍ} من الْغرم {مُّثْقَلُونَ} بالإجابة

47

{أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْب} اللَّوْح الْمَحْفُوظ {فَهُمْ يَكْتُبُونَ} مِنْهُ مَا يخاصمونك بِهِ

48

{فاصبر لِحُكْمِ رَبِّكَ} على تَبْلِيغ رِسَالَة رَبك وَيُقَال ارْض بِقَضَاء رَبك {وَلاَ تَكُن} ضجوراً ضيق الْقلب فِي أَمر الله {كَصَاحِبِ الْحُوت} كضجر يُونُس بن مَتى {إِذْ نَادَى} دَعَا ربه فِي بطن الْحُوت {وَهُوَ مَكْظُومٌ} مجهود مغموم

49

{لَّوْلاَ أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّه} رَحْمَة من ربه {لَنُبِذَ} لطرح {بالعرآء} على الصَّحرَاء {وَهُوَ مَذْمُومٌ} ملوم مذنب

50

{فاجتباه رَبُّهُ} فاصطفاه ربه بِالتَّوْبَةِ {فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحين} من الْمُرْسلين

51

{وَإِن يَكَادُ الَّذين كَفَرُواْ} كفار مَكَّة {لَيُزْلِقُونَكَ} ليصرعونك {بِأَبْصَارِهِمْ} وَيُقَال يعينونك بأعينهم {لَمَّا سَمِعُواْ الذّكر} قراءتك الْقُرْآن {وَيَقُولُونَ} يَعْنِي كفار مَكَّة {إِنَّهُ} يعنون مُحَمَّدًا {لَمَجْنُونٌ} يختنق

52

{وَمَا هُوَ} يَعْنِي الْقُرْآن {إِلاَّ ذِكْرٌ} عظة {للْعَالمين} للجن وَالْإِنْس وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الحاقة وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها خَمْسُونَ آيَة وكلماتها مِائَتَان وست وَخَمْسُونَ وحروفها ألف وَأَرْبَعمِائَة وَثَمَانُونَ {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

الحاقة

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {الحاقة مَا الحآقة} يَقُول السَّاعَة مَا السَّاعَة يُعجبهُ بذلك

3

{وَمَآ أَدْرَاكَ} يَا مُحَمَّد {مَا الحاقة} وَإِنَّمَا سميت الحاقة لحقائق الْأُمُور تحق لِلْمُؤمنِ بإيمانه الْجنَّة وتحق للْكَافِرِ بِكُفْرِهِ النَّار

4

{كَذَّبَتْ ثَمُودُ} قوم صَالح {وَعَادٌ} قوم هود {بالقارعة} بِقِيَام السَّاعَة وَإِنَّمَا سميت القارعة لِأَنَّهَا تقرع قُلُوبهم

5

{فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بالطاغية} بطغيانهم وشركهم أهلكوا وَيُقَال طغيانهم حملهمْ على التَّكْذِيب حَتَّى أهلكوا

6

{وَأَمَا عَادٌ} قوم هود {فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ}

بَارِد {عَاتِيَةٍ} شَدِيدَة عَتَتْ عَصَتْ وأبت على خزانها

7

{سَخَّرَهَا} سلطها {عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً} دَائِما مُتَتَابِعًا لَا يفتر عَنْهُم {فَتَرَى الْقَوْم} قوم هود {فِيهَا} فِي الْأَيَّام وَيُقَال فِي الرّيح {صرعى} هلكى مطروحين {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ} أوراك نخل {خَاوِيَةٍ} سَاقِطَة

8

{فَهَلْ ترى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ} يَقُول لم يبْق مِنْهُم أحد إِلَّا أهلكته الرّيح

9

{وَجَآءَ فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ} من مَعَه من جُنُوده إِلَى الْبَحْر فَغَرقُوا فِي الْبَحْر وَيُقَال وَجَاء فِرْعَوْن تكلم فِرْعَوْن بِكَلِمَة الشّرك وَمن قبله وَمن كَانَ من قبل فِرْعَوْن من الْأُمَم الْمَاضِيَة {والمؤتفكات} المنخسفات أَيْضا قريات لوط وائتفكها خسفها {بِالْخَاطِئَةِ} تكلمُوا بِكَلِمَة الشّرك

10

{فَعَصَوْاْ رَسُولَ رَبِّهِمْ} مُوسَى {فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً} فعاقبهم عُقُوبَة شَدِيدَة

11

{إِنَّا لما طَغى المآء} ارْتَفع المَاء فِي زمَان نوح {حَمَلْنَاكُمْ} يَا أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسَائِر الْخلق فِي أصلاب آبائكم {فِي الْجَارِيَة} فِي سفينة نوح

12

{لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ} يَعْنِي سفينة نوح وَيُقَال هَذِه الْقِصَّة لكم {تذكرة} عظة تتعظون بهَا {وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} يحفظها قلب حَافظ وَيُقَال تسمع هَذَا الْأَمر أذن سامعة فتنتفع بِمَا سَمِعت

13

{فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّور نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} لَا تثنى وَهِي نفخة الْبَعْث

14

{وَحُمِلَتِ الأَرْض وَالْجِبَال} يُقَال مَا على الأَرْض من الْبُنيان وَالْجِبَال {فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً} فكسرتا كسرة وَاحِدَة

15

{فَيَوْمَئِذٍ} يَوْم حملت الأَرْض وَالْجِبَال {وَقَعَتِ الْوَاقِعَة} قَامَت الْقِيَامَة

16

{وانشقت السمآء} لهيبة الرَّحْمَن ونزول الْمَلَائِكَة {فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ} منشقة ضَعِيفَة

17

{وَالْملك} يَعْنِي الْمَلَائِكَة {على أَرْجَآئِهَآ} حروفها وجوانبها ونواحيها وأطرافها {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ} سَرِير رَبك {فَوْقَهُمْ} على أَعْنَاقهم {يَوْمَئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {ثَمَانِيَةٌ} يَقُول ثَمَانِيَة رَهْط من الْمَلَائِكَة لكل ملك أَرْبَعَة وُجُوه وَجه إِنْسَان وَوجه نسر وَوجه أَسد وَوجه ثَوْر وَيُقَال ثَمَانِيَة صُفُوف وَيُقَال ثَمَانِيَة أَجزَاء من الكروبيين وهم أهل السَّمَاء السَّابِعَة

18

{يَوْمَئِذٍ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {تُعْرَضُونَ} على الله ثَلَاث عرضات عرض لِلْحسابِ والمعاذير وَعرض للخصومات وَالْقصاص وَعرض لتطاير الْكتب وَالْقِرَاءَة {لاَ تخفى مِنكُمْ خَافِيَةٌ} لَا يتْرك مِنْكُم أحد وَيُقَال لَا تخفى على الله مِنْكُم خافية أحد وَيُقَال لَا يخفى على الله من أَعمالكُم شىء

19

{فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ} أعطي {كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} وَهُوَ أَبُو سَلمَة بن عبد الْأسد زوج أم سَلمَة وَكَانَ مُسلما {فَيَقُولُ} لأَصْحَابه {هَآؤُمُ} تَعَالَوْا {اقرؤوا كِتَابيَهْ} انْظُرُوا مَا فِي كتابي من الثَّوَاب والكرامة

20

{إِنِّي ظَنَنتُ} علمت وأيقنت {أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ} معاين حسابى

21

{فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} فِي عَيْش قد رضيه لنَفسِهِ أَي مرضية

22

{فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ} مُرْتَفعَة

23

{قُطُوفُهَا} ثَمَرهَا واجتناؤها {دَانِيَةٌ} قريبَة يَنَالهُ الْقَاعِد والقائم

24

{كُلُواْ} يَقُول الله لَهُم كلوا من الثِّمَار {وَاشْرَبُوا} من الْأَنْهَار {هَنِيئَاً} بِلَا دَاء وَلَا موت {بِمَآ أَسْلَفْتُمْ} بِمَا قدمتم من الْعَمَل الصَّالح وَيُقَال من الصَّوْم وَالصَّلَاة {فِي الْأَيَّام الخالية} الْمَاضِيَة يَعْنِي أَيَّام الدُّنْيَا

25

{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ} أعطي {كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ} وَهُوَ الْأسود بن عبد الْأسد أَخُو أبي سَلمَة وَكَانَ كَافِرًا {فَيَقُول يَا لَيْتَني لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ} لم أعْط كتابي هَذَا

26

{وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ} لم أعلم حسابي

27

{يَا ليتها كَانَتِ القاضية} يتَمَنَّى الْمَوْت يَقُول يَا لَيْتَني بقيت على موتِي الأول

28

{مَآ أغْنى عَنِّي} من عَذَاب الله {مَالِيَهْ} مالى الذى جمعت فى الدُّنْيَا

29

{هَّلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} بَطل عني حجتي وعذري

30

فَيَقُول الله للْمَلَائكَة {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ}

31

{ثُمَّ الْجَحِيم صَلُّوهُ}

أدخلوه

32

{ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا} طولهَا وباعها {سَبْعُونَ ذِرَاعاً} بِذِرَاع الْملك وَيُقَال باعاً {فَاسْلُكُوهُ} فأدخلوه فِي دبره وأخرجوه من فَمه والووا مَا فضل على عُنُقه

33

{إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِاللَّه الْعَظِيم} إِذْ كَانَ فِي الدُّنْيَا

34

{وَلاَ يَحُضُّ} لَا يحث {على طَعَامِ الْمِسْكِين} على صَدَقَة الْمِسْكِين

35

{فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْم هَا هُنَا حَمِيمٌ} قريب يَنْفَعهُ

36

{وَلاَ طَعَامٌ} فِي النَّار {إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ} من عصارة أهل النَّار وَهِي مَا يسيل من بطونهم وجلودهم من الْقَيْح وَالدَّم والصديد

37

{لاَّ يَأْكُلُهُ} يَعْنِي الغسلين {إِلاَّ الخاطئون} الْمُشْركُونَ

38

{فَلاَ أُقْسِمُ} يَقُول أقسم {بِمَا تُبْصِرُونَ} من شىء

39

{وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ} من شَيْء يَا أهل مَكَّة وَيُقَال بِمَا تبصرون يَعْنِي السَّمَاء وَالْأَرْض وَمَا لَا تبصرون يَعْنِي الْجنَّة وَالنَّار وَيُقَال بِمَا تبصرون يَعْنِي الشَّمْس وَالْقَمَر وَمَا لَا تبصرون الْعَرْش والكرسي وَيُقَال بِمَا تبصرون يَعْنِي مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا لَا تبصرون يَعْنِي جِبْرِيل أقسم الله بهؤلاء الْأَشْيَاء

40

{إِنَّهُ} يَعْنِي الْقُرْآن {لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} يَقُول الْقُرْآن قَول الله نزل بِهِ جِبْرِيل على رَسُول كريم يعْنى مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

41

{وَمَا هُوَ} يَعْنِي الْقُرْآن {بِقَوْلِ شَاعِرٍ} ينشئه {قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ} يَقُول مَا تؤمنون بِقَلِيل وَلَا بِكَثِير

42

{وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ} يخبر بِمَا فِي الْغَد {قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ} مَا تتعظون بِقَلِيل وَلَا بِكَثِير

43

{تَنْزِيل} يَقُول الْقُرْآن تَنْزِيل على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {مِّن رَّبِّ الْعَالمين}

44

{وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا} وَلَو اختلق علينا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {بعض الْأَقَاوِيل} من الْكَذِب فَقَالَ علينا مالم نَقله

45

{لأخذنا} لانتقمنا {مِنْهُ بِالْيَمِينِ} بِالْحَقِّ وَالْحجّة وَيُقَال أخذناه بِالْقُوَّةِ

46

{ثمَّ لقطعنا مِنْهُ} من مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {الوتين} عرق قلبه وَهُوَ نِيَاط قلبه

47

{فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} يَقُول فَلَيْسَ مِنْكُم أحد يحجزنا عَن مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

48

{وَإِنَّهُ} يَعْنِي الْقُرْآن {لَتَذْكِرَةٌ} عظة {لِّلْمُتَّقِينَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش

49

{وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُمْ مُّكَذِّبِينَ} بِالْقُرْآنِ ومصدقين بِهِ

50

{وَإِنَّهُ} يَعْنِي الْقُرْآن {لَحَسْرَةٌ} ندامة {عَلَى الْكَافرين} يَوْم الْقِيَامَة

51

{وَإِنَّهُ} يَعْنِي الْقُرْآن {لَحَقُّ الْيَقِين} حَقًا يَقِينا إِنَّه كَلَامي نزل بِهِ جِبْرِيل على رَسُول كريم وَيُقَال إِنَّه الَّذِي ذكرت من الْحَسْرَة والندامة على الْكَافرين لحق الْيَقِين يَقُول حَقًا يَقِينا أَن تكون عَلَيْهِم الْحَسْرَة والندامة يَوْم الْقِيَامَة

52

{فَسَبِّحْ باسم رَبِّكَ} فصل بِأَمْر رَبك {الْعَظِيم} وَيُقَال اذكر تَوْحِيد رَبك الْعَظِيم أعظم من كل شَيْء وَمن السُّورَة الَّتِي يذكر فِيهَا المعارج وَهِي كلهَا مَكِّيَّة آياتها أَربع وَأَرْبَعُونَ وكلماتها مِائَتَان وست عشر وحروفها ثَمَانمِائَة وَأحد وَسِتُّونَ {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

المعارج

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {سَأَلَ سَآئِلٌ} يَقُول دَعَا دَاع وَهُوَ النَّضر بن الْحَارِث {بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} نَازل

2

{لِّلْكَافِرِينَ} على الْكَافرين وَهُوَ من الْكَافرين {لَيْسَ لَهُ} للعذاب {دَافِعٌ} مَانع فَقتل يَوْم بدر صبرا

3

{من الله} يَأْتِي هَذَا الْعَذَاب على الْكَافرين {ذِي المعارج} خَالق السَّمَوَات

4

{تَعْرُجُ الْمَلَائِكَة وَالروح} يَعْنِي جِبْرِيل {إِلَيْهِ} إِلَى الله {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ} مِقْدَار الصعُود على غير الْمَلَائِكَة

{خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} وَيُقَال من الله يَأْتِي هَذَا الْعَذَاب على الْكَافرين فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خمسين ألف سنة وَيُقَال لَو ولي محاسبة الْخَلَائق إِلَى أحد غير الله لم يفرغ مِنْهُ خمسين ألف سنة

5

{فاصبر} على أذاهم يَا مُحَمَّد {صَبْراً جَمِيلاً} بِلَا جزع وَلَا فحش وَيُقَال فاعتزل عَنْهُم اعتزالاً جميلاً بِلَا جزع وَلَا فحش فَأمر بعد ذَلِك بِالْقِتَالِ

6

{إِنَّهُمْ} كَانُوا يَعْنِي كفار مَكَّة {يَرَوْنَهُ} يَعْنِي الْعَذَاب يَوْم الْقِيَامَة {بَعِيداً} غير كَائِن

7

{وَنَرَاهُ قَرِيباً} كَائِنا لِأَن كل آتٍ كَائِن قريب

8

ثمَّ بيَّن عَذَابهمْ مَتى يكون فَقَالَ {يَوْمَ تَكُونُ السمآء} تصير السَّمَاء {كَالْمهْلِ} كدردي الزَّيْت وَيُقَال كالفضة المذابة

9

{وَتَكُونُ} تصير {الْجبَال كالعهن} كالصوف المندوف

10

{وَلاَ يسْأَل حَمِيمٌ حَمِيماً} قرَابَة عَن قرَابَة

11

{يُبَصَّرُونَهُمْ} يرونهم وَلَا يعرفونهم اشتغالاً بِأَنْفسِهِم {يَوَدُّ} يتَمَنَّى {المجرم} يَعْنِي الْمُشرك أَبَا جهل وَأَصْحَابه وَيُقَال النَّضر وَأَصْحَابه {لَوْ يَفْتَدِي} يفادي نَفسه {مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {بِبَنِيهِ} أَوْلَاده

12

{وَصَاحِبَتِهِ} زَوجته {وَأَخِيهِ} من أَبِيه وَأمه

13

{وَفَصِيلَتِهِ} وبقرابته وعشيرته {الَّتِي تُؤْوِيهِ} ينتمي إِلَيْهَا

14

{وَمَن فِي الأَرْض جَمِيعاً} وبمن فِي الأَرْض جَمِيعًا {ثُمَّ يُنجِيهِ} أَي الله من الْعَذَاب

15

{كَلاَّ} حَقًا وَهُوَ رد عَلَيْهِ لَا ينجيه الله من الْعَذَاب {إِنَّهَا لظى} يَعْنِي اسْما من أَسمَاء النَّار

16

{نَزَّاعَةً للشوى} قلاعة لأعضاء الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ وَسَائِر الْأَعْضَاء وَيُقَال حراقة للبدن

17

{تدعوا} إِلَى نَفسهَا إِلَيّ أَيهَا الْكَافِر وإلي أَيهَا الْمُنَافِق {مَنْ أَدْبَرَ} عَن التَّوْحِيد {وَتَوَلَّى} عَن الْإِيمَان وَلم يتب من الْكفْر

18

{وَجَمَعَ} المَال فِي الدُّنْيَا {فأوعى} جعله فِي الْوِعَاء فَمنع حق الله مِنْهُ

19

{إِن الْإِنْسَان} يعْنى الْكَافِر {خلق هلوعا} ضجور بَخِيلًا حَرِيصًا ممسكاً

20

{إِذَا مَسَّهُ الشَّرّ} الْفقر والشدة {جَزُوعاً} جازعاً لَا يصبر

21

{وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْر} المَال وَالسعَة {مَنُوعاً} منع حق الله مِنْهُ وَلَا يشْكر

22

{إِلاَّ الْمُصَلِّين} أهل الصَّلَوَات الْخمس فَإِنَّهُم لَيْسُوا كَذَلِك

23

ثمَّ بيَّن نعتهم فَقَالَ {الَّذين هُمْ على صَلاَتِهِمْ} الْمَكْتُوبَة {دَآئِمُونَ} يديمون عَلَيْهَا بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار فَلَا يدعونها

24

{وَالَّذين فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ} يرَوْنَ فِي أَمْوَالهم حَقًا مَعْلُوما غير الزَّكَاة

25

{لِّلسَّآئِلِ} الَّذِي يسْأَل مَالك {والمحروم} الَّذِي حرم أجره وغنيمته وَيُقَال هُوَ المحترف الَّذِي لَا تفي حرفته بمعيشته وقوته وَيُقَال هُوَ الْفَقِير الَّذِي لَا يسْأَل وَلَا يعْطى وَلَا يفْطن بِهِ

26

{وَالَّذين يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدّين} بِيَوْم الْحساب بِمَا فِيهِ

27

{وَالَّذين هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ} خائفون

28

{إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ} لم يَأْتهمْ الْأمان من رَبهم

29

{وَالَّذين هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} يعفون عَن الْحَرَام

30

{إِلاَّ على أَزْوَاجِهِمْ} الْأَرْبَع

31

{أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} من الولائد بِغَيْر عدد {فَأِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} وَلَا آثمين بذلك لَا يلامون بذلك الْحَلَال {فَمَنِ ابْتغى وَرَآءَ ذَلِك} طلب سوى مَا ذكرت من الْأزْوَاج والولائد {فَأُولَئِك هُمُ العادون} المعتدون من الْحَلَال إِلَى الْحَرَام

32

{وَالَّذين هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ} لما ائتمنوا عَلَيْهِ من أَمر الدّين وَغَيره {وَعَهْدِهِمْ} فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم أَو فِيمَا بَينهم وَبَين النَّاس وَيُقَال بحلفهم بِاللَّه {رَاعُونَ} حافظون لَهُ بِالْوَفَاءِ والتمام إِلَى أَجله

33

{وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِم قَائِمُونَ} عِنْد الْحُكَّام إِذا دعوا وَلَا يكتمونها

34

{وَالَّذِينَ هُمْ على صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ} على أَوْقَات صلَاتهم الْخمس يُحَافِظُونَ

35

{أُولَئِكَ} أهل هَذِه الصّفة {فِي جَنَّاتٍ} بساتين {مُّكْرَمُونَ} بالثواب والتحف والهدايا

36

{فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُواْ} كفار مَكَّة الْمُسْتَهْزِئِينَ وَغَيرهم {قِبَلَكَ} حولك {مُهْطِعِينَ} ناظرين إِلَيْك لَا يدنون إِلَيْك مُتَفَرّقين

37

{عَنِ الْيَمين وَعَنِ الشمَال عِزِينَ} حلقا حلقا

38

{أيطمع كل امْرِئ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ كَلاَّ} وَهُوَ رد عَلَيْهِم لَا يدخلهم وَيُقَال كلا حَقًا {إِنَّا خَلَقْنَاهُم} يَعْنِي كفار مَكَّة {مِّمَّا يَعْلَمُونَ} يعْنى النُّطْفَة

40

{فَلاَ أُقْسِمُ} يَقُول أقسم {بِرَبِّ الْمَشَارِق} مَشَارِق الشتَاء والصيف {والمغارب} مغارب الشتَاء والصيف وهما مشرقان ومغربان لمشرق الشتَاء والصيف مائَة وَثَمَانُونَ منزلا وَكَذَلِكَ للمغربين وَيُقَال لمشرق الشتَاء والصيف مائَة وَسَبْعَة وَسَبْعُونَ منزلا وَكَذَلِكَ للمغربين تطلع الشَّمْس فِي سنة يَوْمَيْنِ فِي منزل وَاحِد وَكَذَلِكَ تغرب فِي يَوْمَيْنِ فِي منزل وَاحِد {إِنَّا لَقَادِرُونَ} وَلِهَذَا كَانَ الْقسم

41

{على أَن نُّبَدِّلَ خَيْراً مِّنْهُمْ} يَقُول نهلكهم ونأتي بغيرهم خيرا مِنْهُم وأطوع لله مِنْهُم {وَمَا نَحن بمسبوقين} بعاجزين على أَن نبدل خيرا مِنْهُم

42

{فَذَرْهُمْ} اتركهم يَا مُحَمَّد يَعْنِي الْمُسْتَهْزِئِينَ وَغَيرهم {يخوضوا} فى الْبَاطِل {ويلعبوا} يهزءوا فِي كفرهم {حَتَّى يُلاَقُواْ} يعاينوا {يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ} فِيهِ الْعَذَاب

43

ثمَّ بيَّن مَتى يكون فَقَالَ {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجداث} من الْقُبُور {سِرَاعاً} يَقُول خُرُوجهمْ من الْقُبُور سَرِيعا إِلَى الصَّوْت {كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ} أَي راية وَغَايَة وَعلم {يُوفِضُونَ} يمضون وينطلقون

44

{خَاشِعَةً} ذليلة {أَبْصَارُهُمْ} لَا يرَوْنَ خيرا {تَرْهَقُهُمْ} تعلوهم وتغشاهم {ذِلَّةٌ} كآبة وكسوف وَهُوَ السوَاد على الْوُجُوه {ذَلِك الْيَوْم الَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ} فِيهِ الْعَذَاب وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة كوعد نوح وإنذاره وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا نوح وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها سبع وَعِشْرُونَ وكلماتها مِائَتَيْنِ وَأَرْبع وَعِشْرُونَ وحروفها تِسْعمائَة وتسع وَعِشْرُونَ {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

نوح

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّآ أَرْسَلْنَا} بعثنَا {نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ} خوف {قَوْمَكَ} من السخط وَالْعَذَاب {مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وجيع وَهُوَ الْغَرق فَلَمَّا جَاءَهُم

2

{قَالَ يَا قوم إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ} رَسُول مخوف {مُّبِينٌ} بلغَة تعلمونها

3

{أَنِ اعبدوا الله} وحدوا الله {واتقوه} اخشوه وتوبوا من الْكفْر والشرك {وَأَطِيعُونِ} اتبعُوا امري وديني ووصيتي واقبلوا نصيحتي

4

{يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ} يغْفر ذنوبكم بِالتَّوْبَةِ والتوحيد {وَيُؤَخِّرْكُمْ} يؤجلكم بِلَا عَذَاب {إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى} إِلَى الْمَوْت {إِنَّ أَجَلَ الله} عَذَاب الله {إِذَا جَآءَ لاَ يُؤَخَّرُ} لَا يُؤَجل {لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} تصدقُونَ بِمَا أَقُول لكم فَلَمَّا أيس مِنْهُم بعد مَا دعاهم ألف سنة إِلَّا خمسين عَاما فَلم يُؤمنُوا وَلم يقبلُوا نصيحته

5

{قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي} إِلَى التَّوْبَة والتوحيد {لَيْلاً وَنَهَاراً} فِي اللَّيْل وَالنَّهَار

6

{فَلَمْ يَزِدْهُمْ دعآئي} إيَّاهُم إِلَى التَّوْبَة والتوحيد {إِلاَّ فِرَاراً} تباعداً عَن الْإِيمَان وَالتَّوْبَة

7

{وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ} إِلَى التَّوْبَة والتوحيد {لِتَغْفِرَ لَهُمْ} بِالتَّوْبَةِ والتوحيد {جعلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} لكَي لَا يسمعوا كَلَامي ودعوتي {واستغشوا ثِيَابَهُمْ} غطوا رُءُوسهم بثيابهم لكَي لَا يسمعوا صوتي وَلَا يروني

{وَأَصَرُّواْ} أَقَامُوا وَسَكنُوا على الْكفْر وَعبادَة الْأَوْثَان وَيُقَال صاحوا جَمِيعًا أَن لَا نؤمن بك يَا نوح {واستكبروا} عَن الْإِيمَان وَالتَّوْبَة {استكبارا} تجبرا

8

{ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ} إِلَى التَّوْبَة والتوحيد {جِهَاراً} عَلَانيَة بِغَيْر سر

9

{ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ} أظهرت لَهُم دَعْوَتِي وأوضحت لَهُم {وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً} دعوتهم فِي السِّرّ خُفْيَة

10

{فَقُلْتُ} لَهُم {اسْتَغْفرُوا رَبَّكُمْ} وحدوا ربكُم بِالتَّوْبَةِ من الْكفْر والشرك {إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً} لمن تَابَ من الْكفْر وآمن بِهِ

11

{يُرْسِلِ السمآء عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً} مطر دَائِما دريراً كلما تحتاجون إِلَيْهِ فَكَانَ قد حبس الله عَنْهُم الْمَطَر أَرْبَعِينَ سنة

12

{ويمددكم بأموال وبنين} يعطكم أَمْوَالًا إبِلا وبقراً وَغنما وبنين الذُّكُور وَالْإِنَاث وَقد كَانَ الله قطع نسل دوابهم وَنِسَائِهِمْ أَرْبَعِينَ سنة {وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ} بساتين {وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً} تجْرِي لمنافعكم وَقد كَانَ الله أهلك جناتهم وأيبس أنهارهم قبل ذَلِك بِأَرْبَعِينَ سنة

13

{مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً} لَا تخافون لله عَظمَة وسلطانا وَيُقَال مالكم لَا تعظمون الله حق عَظمته فتوحدونه

14

{وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً} أصنافاً حَالا بعد حَال النُّطْفَة والعلقة والمضغة وَالْعِظَام

15

{أَلَمْ تَرَوْاْ} ألم تخبروا يَا كفار مَكَّة {كَيْفَ خَلَقَ الله سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً} بَعْضهَا فَوق بعض مثل الْقبَّة ملتزقة أطرافها

16

{وَجَعَلَ الْقَمَر فِيهِنَّ} مَعَهُنَّ {نُوراً} مضيئاً {وَجَعَلَ الشَّمْس سِرَاجاً} ضِيَاء لبني آدم

17

{وَالله أَنبَتَكُمْ مِّنَ الأَرْض نَبَاتاً} خَلقكُم من آدم وآدَم من تُرَاب وَالتُّرَاب من الأَرْض

18

{ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا} يقبركم فِي الأَرْض {وَيُخْرِجُكُمْ} من الْقُبُور يَوْم الْقِيَامَة {إِخْرَاجاً}

19

{وَالله جَعَلَ لَكُمُ الأَرْض بِسَاطاً} فراشا ومناماً

20

{لِّتَسْلُكُواْ مِنْهَا} لِتَأْخُذُوا فِيهَا {سُبُلاً فِجَاجاً} طرقاً وَاسِعَة

21

{قَالَ نُوحٌ رَّبِّ} يَا رب {إِنَّهُمْ عَصَوْنِي} فِيمَا أَمرتهم من التَّوْبَة والتوحيد {وَاتبعُوا} أطاعوا {مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ} كَثْرَة مَاله {وَوَلَدُهُ} كَثْرَة أَوْلَاده {إِلاَّ خَسَاراً} غبناً فِي الْآخِرَة وهم الرؤساء

22

{وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراً} وَقَالُوا قولا عَظِيما من الْفِرْيَة

23

{وَقَالُواْ} يَعْنِي الرؤساء للسفلة {لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ} عبَادَة آلِهَتكُم {وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً} عبَادَة الود {وَلَا سواعا} وَلَا عبَادَة السواع {وَلاَ يَغُوثَ} وَلَا عبَادَة اليغوث {وَيَعُوقَ} وَلَا عبَادَة اليعوق {وَنَسْراً} وَلَا عبَادَة النسْر وكل هَؤُلَاءِ آلِهَتهم الَّتِي كَانُوا يعبدونها

24

{وَقَدْ أَضَلُّواْ كَثِيراً} يَقُول قد أَضَلُّوا بِهن كثيرا من النَّاس وَيُقَال ضل بِهن كثير من النَّاس {وَلاَ تَزِدِ الظَّالِمين} الْكَافرين الْمُشْركين بِعبَادة الْأَوْثَان {إِلاَّ ضَلاَلاً} خساراً وضلالة وهلاكاً

25

{مِمَّا خطيئاتهم} يَقُول بخطيئاتهم {أُغْرِقُواْ} بالطوفان فِي الدُّنْيَا {فَأُدْخِلُواْ} فِي الْآخِرَة {نَاراً فَلَمْ يَجِدُواْ لَهُمْ مِّن دُونِ الله} من عَذَاب الله {أَنصَاراً} أعواناً يمْنَعُونَ عَذَاب الله عَنْهُم

26

{وَقَالَ نُوحٌ} بعد مَا قَالَ لَهُ ربه أَنه لن يُؤمن من قَوْمك إِلَّا من قد آمن {رَّبِّ} يَا رب {لاَ تَذَرْ} لاتترك {عَلَى الأَرْض مِنَ الْكَافرين دَيَّاراً} أحدا

27

{إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ} تتركهم {يُضِلُّواْ عِبَادَكَ} عَن دينك من آمن بك وَمن أَرَادَ أَن يُؤمن بك {وَلاَ يلدوا} لَا يلد مِنْهُم {إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً} إِلَّا من يكون فَاجِرًا كَافِرًا بعد الْإِدْرَاك وَيُقَال إِلَّا من قدرت عَلَيْهِ الْكفْر والفجور بعد الْبلُوغ وَيُقَال لم يكن فيهم صبي لِأَن الله قد حبس عَنْهُم الْوَلَد أَرْبَعِينَ سنة فَلم يكن فيهم غير مدرك وَلم يُولد فيهم أَرْبَعِينَ سنة وَكلهمْ كَانُوا مدركين فجارا كفَّارًا

28

{رَّبِّ} يَا رب {اغْفِر لِي وَلِوَالِدَيَّ} لآبائي الْمُؤمنِينَ {وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ} ديني وَيُقَال مَسْجِدي وَيُقَال سفينى

{مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ} المصدقين من الرِّجَال {وَالْمُؤْمِنَات} المصدقات من النِّسَاء بِالْإِيمَان الَّذين يكونُونَ من بعدِي {وَلاَ تَزِدِ الظَّالِمين} الْكَافرين الْمُشْركين {إِلاَّ تَبَاراً} خساراً وهلاكاً كخسار من أُوحِي إِلَى نَبِيّهم فَلم يُؤمنُوا بِهِ وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْجِنّ وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها ثَمَان وَعِشْرُونَ وكلماتها مِائَتَان وَخمْس وَثَمَانُونَ وحروفها ثَمَانمِائَة وَسَبْعُونَ {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

الجن

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ} يَقُول قل لَهُم لكفار مَكَّة يَا مُحَمَّد أُوحِي إِلَيّ أنزل إِلَيّ جِبْرِيل فَأَخْبرنِي {أَنَّهُ اسْتمع نَفَرٌ} تِسْعَة نفر {من الْجِنّ} من جن نَصِيبين بِالْيمن {فَقَالُوا} بَعْدَمَا آمنُوا وَرَجَعُوا إِلَى قَومهمْ يَا قَومنَا {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً} تِلَاوَة قُرْآن عَجِيب كريم شرِيف يشبه كتاب مُوسَى وَكَانُوا أهل توراة

2

{يهدي إِلَى الرشد} إِلَى الْحق وَالْهدى وَالصَّوَاب لَا إِلَه إِلَّا الله {فَآمَنَّا بِهِ} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَلَن نُّشرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَداً} يعنون إِبْلِيس

3

{وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا} ملك رَبنَا وَيُقَال ارْتَفع عَظمَة رَبنَا وسلطان رَبنَا وغنى رَبنَا وَصفَة رَبنَا {مَا اتخذ} من أَن يتَّخذ {صَاحِبَةً} زَوْجَة {وَلاَ وَلَداً} كَمَا يَجعله الْكفَّار

4

{وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا} جاهلنا يعنون إِبْلِيس {عَلَى الله شَطَطاً} كذبا وزوراً

5

{وَأَنَّا ظَنَنَّآ} حَسبنَا {أَن لَّن تَقُولَ الْإِنْس وَالْجِنّ عَلَى الله كَذِباً} أَن مَا يَقُول الْإِنْس وَالْجِنّ على الله لَيْسَ بكذب واستبان لنا أَنه كذب وكل هَذَا من أول السُّورَة إِلَى هَهُنَا حِكَايَة من الله عَن كَلَام الْجِنّ ثمَّ قَالَ

6

{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنْس يَعُوذُونَ} يتعوذون {بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنّ فَزَادُوهُمْ} بذلك {رَهَقاً} عَظمَة وتكبرا وفتنة وَفَسَادًا وَذَلِكَ أَنهم إِذا سافروا سفرا أَو اصطادوا صيدا من صيدهم أَو نزلُوا وادياُ خَافُوا مِنْهُم فَقَالُوا نَعُوذ بِسَيِّد هَذَا الْوَادي من سُفَهَاء قومه فيأمنون بذلك مِنْهُم فيزيد رُؤَسَاء الْجِنّ بذلك عَظمَة وتكبراً على سفلتهم وَالْجِنّ هم ثَلَاثَة أَجزَاء جُزْء فِي الْهَوَاء وجزء ينزلون ويصعدون حَيْثُمَا يشاءون وجزء مثل الْكلاب والحيات

7

{وَأَنَّهُمْ} يَعْنِي كفار الْجِنّ قبل أَن آمنُوا {ظَنُّواْ} حسبوا {كَمَا ظَنَنتُمْ} حسبتم يَا أهل مَكَّة {أَن لَّن يَبْعَثَ الله أَحَداً} بعد الْمَوْت وَيُقَال أَن لن يبْعَث الله أحدا رَسُولا

8

ثمَّ رَجَعَ إِلَى كَلَام الْجِنّ فَقَالَ {وَأَنَّا لَمَسْنَا السمآء} انتهينا إِلَى السَّمَاء قبل أَن آمنا {فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً} من الْمَلَائِكَة {شَدِيداً} كثيرا {وَشُهُباً} نجماً مضيئاً يدحرهم عَن الِاسْتِمَاع

9

{وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا} من السَّمَاء {مَقَاعِدَ للسمع} للاستماع قبل أَن يبْعَث مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فَمن يستمع الْآن} بعد مَا بعث مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {يَجِدْ لَهُ شِهَاباً} نجماً مضيئاً {رَّصَداً} من الْمَلَائِكَة يدحرونهم عَن الِاسْتِمَاع

10

{وَأَنا لَا نَدْرِي} لَا نعلم {أشر أُرِيد بِمَن فِي الأَرْض} حِين منعنَا عَن الِاسْتِمَاع {أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً} هدى وصواباً وَخيرا وَيُقَال وَأَنا لَا نَدْرِي لَا نعلم أشر أُرِيد بِمن فى الأَرْض حِين بعث مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ لم يُؤمنُوا بِهِ فيهلكهم الله أم أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً هدى وصواباً وَخيرا إِذا آمنُوا بِهِ

11

{وَأَنَّا مِنَّا الصالحون} الموحدون هم الَّذين آمنُوا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَمِنَّا دُونَ ذَلِك}

كافرون وهم كفرة الْجِنّ {كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَداً} أهواء مُخْتَلفَة الْيَهُودِيَّة والنصرانية قبل أَن آمنا بِاللَّه

12

{وَأَنَّا ظَنَنَّآ} علمنَا وأيقنا {أَن لَّن نُّعْجِزَ الله فِي الأَرْض} أَن لن نفوت من الله فِي الأَرْض حَيْثُمَا كُنَّا يدركنا {وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَباً} أَن لَا نفوت مِنْهُ بالهرب

13

{وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهدى} تِلَاوَة الْقُرْآن من مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {آمنا بِهِ} بِالْقُرْآنِ وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلاَ يَخَافُ بَخْساً} ذهَاب عمله كُله {وَلاَ رَهَقاً} نُقْصَان عمله

14

{وَأَنَّا مِنَّا الْمُسلمُونَ} المخلصون بِالتَّوْحِيدِ وهم الَّذين آمنُوا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَمنا القاسطون} العاصون المائلون عَن الْحق وَالْهدى وهم كفرة الْجِنّ {فَمَنْ أَسْلَمَ} أخْلص بِالتَّوْحِيدِ {فَأُولَئِك تَحَرَّوْاْ رَشَداً} نووا صَوَابا وَخيرا

15

{وَأَمَّا القاسطون} الْكَافِرُونَ {فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً} شَجرا

16

{وَأَن لَو استقاموا عَلَى الطَّرِيقَة} طَريقَة الْكفْر وَيُقَال طَريقَة الْإِسْلَام {لأَسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً} لأعطيناهم مَالا كثيرا وعيشاً رغداً وَاسِعًا

17

{لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} لنختبرهم فِيهِ حَتَّى يرجِعوا إِلَى مَا قدرت عَلَيْهِم {وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ} عَن تَوْحِيد ربه وَكتاب ربه الْقُرْآن وَهُوَ الْوَلِيد بن الْمُغيرَة المخزومى {نسلكه} يكلفه {عَذَاباً صَعَداً} الصعُود على جبل أملس من صَخْرَة وَيُقَال من نُحَاس فِي النَّار

18

{وَأَنَّ الْمَسَاجِد لِلَّهِ} بنيت لذكر الله {فَلاَ تَدْعُواْ} فَلَا تعبدوا {مَعَ الله أَحَداً} فِي الْمَسَاجِد وَيُقَال الْمَسَاجِد مَسَاجِد الرجل الْجَبْهَة وَالرُّكْبَتَانِ وَالْيَدَانِ وَالرجلَانِ

19

{وَأَنه لما قَامَ عبد الله} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِبَطن نخل {يَدْعُوهُ} يعبد ربه بِالصَّلَاةِ {كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} كَاد الْجِنّ أَن يركبُوا عَلَيْهِ جَمِيعًا لحبهم الْقُرْآن ومحمدا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين سمعُوا قِرَاءَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِبَطن نخل

20

{قُلْ إِنَّمَآ أَدْعُو} أعبد {رَبِّي} وأدعو الْخلق إِلَيْهِ {وَلاَ أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً}

21

{قُلْ} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {إِنِّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً} دفع الضّر والخذلان وَالْعَذَاب {وَلَا رشدا} ولآجر النَّفْع وَالْهدى

22

{قل} لَهُم يَا مُحَمَّد {إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ الله} من عَذَاب الله {أَحَدٌ} إِن عصيته {وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ} من عَذَاب الله {مُلْتَحَداً} ملْجأ وسرباً فِي الأَرْض

23

{إِلاَّ بَلاَغاً مِّنَ الله وَرِسَالاَتِهِ} يَقُول لَا ينجيني إِلَّا التَّبْلِيغ عَن الله ورسالاته {وَمَن يَعْصِ الله} فِي التَّوْحِيد {وَرَسُولَهُ} فِي التَّبْلِيغ {فَإِنَّ لَهُ} فِي الْآخِرَة {نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فيهآ} مقيمين فِي النَّار لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا {أَبَداً}

24

{حَتَّى} يَقُول انظرهم يَا مُحَمَّد حَتَّى {إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ} من الْعَذَاب {فَسَيَعْلَمُونَ} وَهَذَا وَعِيد من الله لَهُم {مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً} مَانِعا {وَأَقَلُّ عَدَداً} أعواناً

25

{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد حِين تعجلوا بِالْعَذَابِ {إِنْ أَدْرِي} مَا أَدْرِي {أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ} من الْعَذَاب {أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً} أَََجَلًا

26

{عَالِمُ الْغَيْب} بنزول الْعَذَاب يعلم ذَلِك {فَلاَ يُظْهِرُ} فَلَا يطلع {على غَيْبِهِ أَحَداً}

27

{إِلاَّ مَنِ ارتضى مِن رَّسُولٍ} إِلَّا من اخْتَار من الرُّسُل فَإِنَّهُ يطلعه على بعض الْغَيْب {فَإِنَّهُ يَسْلُكُ} يَجْعَل {مِن بَيْنِ يَدَيْهِ} من بَين يَدي الرَّسُول {وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً} حرساً من الْمَلَائِكَة يَحْفَظُونَهُ من الْجِنّ وَالشَّيَاطِين وَالْإِنْس لكى لَا يستمعوا قِرَاءَة جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام

28

{ليعلم} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {أَن قَدْ أَبْلَغُواْ} عَن الله يَعْنِي الرُّسُل {رِسَالاَتِ رَبِّهِمْ} هَكَذَا تحفظهم الْمَلَائِكَة كَمَا حفظك وَيُقَال ليعلم الرُّسُل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَغَيره أَن قد أبلغوا يَعْنِي الْمَلَائِكَة رسالات رَبهم عَن الله وَيُقَال ليعلم لكَي يعلم الْجِنّ وَالْإِنْس أَن أبلغوا يَعْنِي الرُّسُل رسالات رَبهم قبل أَن علمنَا {وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ} بِمَا عِنْدهم من الْمَلَائِكَة {وأحصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً} أَحْصَاهُ وَيُقَال عَالم بعددهم كَمَا علم بِحَال المزمل بثيابه

وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا المزمل وهى مَكِّيَّة غير قَوْله {وذرني والمكذبين أولي النِّعْمَة ومهلهم قَلِيلا} فانها مَدَنِيَّة آياتها تسع عشرَة كلماتها مِائَتَان وَخمْس وَثَمَانُونَ وحروفها ثَمَانمِائَة وثمان وَثَلَاثُونَ {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

المزمل

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا المزمل} المتزمل يعْنى بِهِ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد تزمل بثيابه ليلبسها للصَّلَاة

2

{قُمِ اللَّيْل} بِالصَّلَاةِ ثمَّ قَالَ {إِلاَّ قَلِيلاً}

3

ثمَّ بيَّن فَقَالَ {نِّصْفَهُ} أَي قُم نصف اللَّيْل للصَّلَاة {أَوِ انقص مِنْهُ} من النّصْف {قَلِيلاً} إِلَى الثُّلُث

4

{أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} على النّصْف إِلَى الثُّلثَيْنِ فخيره فِي قيام اللَّيْل ثمَّ قَالَ {وَرَتِّلِ الْقُرْآن تَرْتِيلاً} اقْرَأ الْقُرْآن على رسلك وهينتك وتؤدة ووقار تقْرَأ آيَة وآيتين وَثَلَاثًا ثمَّ كَذَلِك حَتَّى تقطع

5

{إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ} سننزل عَلَيْك جِبْرِيل {قَوْلاً ثَقِيلاً} بِكَلَام شَدِيد بِالْأَمر وَالنَّهْي والوعد والوعيد والحلال وَالْحرَام وَيُقَال عَظِيما وَيُقَال ثقيلاً على من خَالفه وَيُقَال ثقيلاً بِصَلَاة اللَّيْل

6

{إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْل} قيام اللَّيْل بِالصَّلَاةِ {هِيَ أَشَدُّ وَطْأً} نشاطاً للرجل إِذا كَانَ محتسباً للصَّلَاة وَيُقَال أرق وأرفق للقلب {وَأَقْوَمُ قِيلاً} أبين قِرَاءَة لِلْقُرْآنِ وَأثبت

7

{إِنَّ لَكَ} يَا مُحَمَّد {فِي النَّهَار سَبْحَاً طَوِيلاً} فراغاً طَويلا لقَضَاء حوائجك

8

{وَاذْكُر اسْم رَبِّكَ} صل بِأَمْر رَبك وَيُقَال اذكر تَوْحِيد رَبك {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً} أخْلص لله إخلاصاً فِي صَلَاتك ودعائك وعبادتك

9

{رَّبُّ الْمشرق وَالْمغْرب} هُوَ الله {لاَ إِلَه إِلاَّ هُوَ فاتخذه وَكِيلاً} فاعبده رَبًّا وَيُقَال فاتخذه كَفِيلا فِيمَا وَعدك من النُّصْرَة والدولة وَالثَّوَاب

10

{واصبر} يَا مُحَمَّد {على مَا يَقُولُونَ} من الشتم والتكذيب {واهجرهم هَجْراً جَمِيلاً} اعتزلهم اعتزالاً جميلاً بِلَا جزع وَلَا فحش

11

{وَذَرْنِي والمكذبين} بِالْقُرْآنِ وَهَذَا وَعِيد من الله لَهُم وهم المطعمون يَوْم بدر {أُوْلِي النِّعْمَة} ذَوي المَال لَهُم والغنى {وَمَهِّلْهُمْ} أَجلهم {قَلِيلاً} إِلَى يَوْم بدر

12

{إِنَّ لَدَيْنَآ} عندنَا لَهُم فِي الْآخِرَة {أَنكَالاً} قيوداً تقيد بهَا أَرجُلهم وأغلالاً تغل بهَا أَيْمَانهم إِلَى أَعْنَاقهم وسلاسل تُوضَع فِي أَعْنَاقهم {وَجَحِيماً} نَارا يدْخلُونَهَا

13

{وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ} يسْتَمْسك فِي حلقهم وَهُوَ الزقوم {وَعَذَاباً أَلِيماً} وجيعاً يخلص وَجَعه إِلَى قُلُوبهم

14

ثمَّ بيَّن مَتى يكون فَقَالَ {يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْض} تزلزل الأَرْض {وَالْجِبَال} وتزلزل الْجبَال {وَكَانَتِ} وَصَارَت {الْجبَال كَثِيباً} تُرَابا {مَّهِيلاً} وَهُوَ الشَّيْء الَّذِي إِذا رفعت أَسْفَله سقط عَلَيْك أَعْلَاهُ مثل الرمل

15

{إِنَّآ أَرْسَلْنَآ} بعثنَا {إِلَيْكُمْ رَسُولاً} يَعْنِي مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {شَاهِداً عَلَيْكُمْ} بالبلاغ {كَمَآ أَرْسَلْنَآ} بعثنَا {إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً} يَعْنِي مُوسَى

16

{فعصى فِرْعَوْنُ الرَّسُول} يَعْنِي مُوسَى لم يجبهُ {فأخذناه أخذا وبيلا} فعاقبناه عُقُوبَة شَدِيدَة وَهِي الْغَرق

17

{فَكَيْفَ تَتَّقُونَ} الْكفْر والشرك وتؤمنون بِاللَّه يَا أهل مَكَّة {إِن كَفَرْتُمْ} إِذا كَفرْتُمْ فِي الدُّنْيَا {يَوْماً} يَوْم الْقِيَامَة {يَجْعَلُ} ذَلِك الْيَوْم {الْولدَان شِيباً} شُمْطًا إِذا سمعُوا حَيْثُ يَقُول الله لآدَم يَا آدم ابْعَثْ بعثاً من ذريتك إِلَى النَّار قَالَ آدم يَا رب من كم قَالَ الله تَعَالَى من كل ألف تِسْعمائَة وَتِسْعَة وَتسْعُونَ إِلَى النَّار وَوَاحِد إِلَى الْجنَّة

18

{السمآء مُنفَطِرٌ} منشق {بِهِ} بذلك الزَّمَان الَّذِي يَجْعَل الْولدَان شيباً وَيُقَال بنزول أَمر الرب وَالْمَلَائِكَة {كَانَ وَعْدُهُ} فِي الْبَعْث {مَفْعُولاً} كَائِنا

19

{إِنَّ هَذِه} السُّورَة {تَذْكِرَةٌ} عظة وَبَيَان لكم {فَمَن شَآءَ اتخذ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً}) طَرِيقا يَأْتِي بِهِ إِلَى ربه وَيُقَال فَمن شَاءَ وحد وَاتخذ بذلك إِلَى ربه سَبِيلا مرجعا

20

{إِن رَبك}

يَا مُحَمَّد {يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أدنى} أقل {مِن ثُلُثَيِ اللَّيْل} إِلَى النّصْف {وَنِصْفَهُ} وَتقوم نصف اللَّيْل {وَثُلُثَهُ} وَتقوم ثلث اللَّيْل وَيُقَال وَنصفه أقل من نصف اللَّيْل وَثلثه إِذا قَرَأت بالخفض {وَطَآئِفَةٌ مِّنَ الَّذين مَعَكَ} وَجَمَاعَة من الْمُؤمنِينَ مَعَك فِي الصَّلَاة {وَالله يُقَدِّرُ اللَّيْل وَالنَّهَار} يعلم سَاعَات اللَّيْل وَالنَّهَار {عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ} أَن لن تحفظُوا سَاعَات اللَّيْل وَيُقَال مَا أمرْتُم فِي اللَّيْل من الصَّلَاة {فَتَابَ عَلَيْكُمْ} فَتَجَاوز عَنْكُم صَلَاة اللَّيْل {فاقرؤوا مَا تَيَسَّرَ} عَلَيْكُم {مِنَ الْقُرْآن} فِي الصَّلَاة مائَة آيَة فَصَاعِدا وَيُقَال مَا شِئْتُم من الْقُرْآن {عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مرضى} جرحى لَا تَسْتَطِيعُونَ الصَّلَاة بِاللَّيْلِ {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ} يسافرون {فِي الأَرْض} بِالتِّجَارَة وَغَيرهَا {يَبْتَغُونَ} يطْلبُونَ {مِن فَضْلِ الله} من رزق الله وَغَيره يشق عَلَيْهِم صَلَاة اللَّيْل {وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ} يجاهدون {فِي سَبِيلِ الله} فِي طَاعَة الله يشق عَلَيْهِم صَلَاة اللَّيْل {فاقرؤوا مَا تَيَسَّرَ} عَلَيْكُم {مِنْهُ} من الْقُرْآن فِي الصَّلَاة {وَأَقِيمُواْ الصَّلَاة} أَتموا الصَّلَوَات الْخمس بوضوئها وركوعها وسجودها وَمَا يجب فِيهَا من مواقيتها {وَآتُواْ الزَّكَاة} أعْطوا زَكَاة أَمْوَالكُم {وَأَقْرِضُواُ الله} فِي الصَّدَقَة وَيُقَال فِي الْعَمَل الصَّالح {قَرْضاً حسنا} محتسبا صَادِقا من قُلُوبكُمْ {وَمَا تُقَدِّمُواْ} تسلفوا {لأَنفُسِكُمْ مِّنْ خَيْرٍ} من صَدَقَة أَو عمل صَالح {تَجِدُوهُ} تَجدوا ثَوَابه {عِندَ الله} فِي الْجنَّة مَحْفُوظًا لكم لَا سرق وَلَا غرق وَلَا حرق وَلَا يَأْكُلهُ السوس {هُوَ خَيْراً} مِمَّا بَقِي عنْدكُمْ فِي الدُّنْيَا {وَأَعْظَمَ أَجْراً} ثَوابًا مِمَّا عنْدكُمْ {وَاسْتَغْفرُوا الله} من الذُّنُوب {إِنَّ الله غَفُورٌ} لمن تَابَ {رَحِيم} لمن مَاتَ على التَّوْبَة لرحمة المدثر بثيابه وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا المدثر وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها سِتّ وَخَمْسُونَ وكلماتها مِائَتَان وَخمْس وَخَمْسُونَ وحروفها ألف وَعشرَة {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

المدثر

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس رضى الله عَنْهُمَا فى قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا المدثر} يَعْنِي بِهِ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد تدثر بثيابه ونام

2

{قُمْ فَأَنذِرْ} فخوف النَّاس وادعهم إِلَى التَّوْحِيد

3

{وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} فَعظم عَمَّا يَقُوله عَبدة الْأَوْثَان

4

{وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} قَلْبك من الْغدر والخيانة والضجر أَي كن طَاهِر الْقلب وَيُقَال ثِيَابك فطهر فقصر وَيُقَال وثيابك فطهر من الدنس

5

{وَالرجز فاهجر} المآثم فاترك وَلَا تقربنه

6

{وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ} لَا تعط شَيْئا قَلِيلا فتعطى أفضل من ذَلِك وَأكْثر مِنْهُ فِي الدُّنْيَا وَيُقَال وَلَا تمنن بعملك على الله تستكثر

7

{وَلِرَبِّكَ} على طَاعَة رَبك وَعبادَة رَبك {فاصبر}

8

{فَإِذَا نُقِرَ فِي الناقور} فَإِذا نفخ فِي الصُّور وَهِي نفخة الْبَعْث

9

{فَذَلِك يَوْمَئِذٍ} يَعْنِي يَوْم الْقِيَامَة {يَوْمٌ عَسِيرٌ} شَدِيد

10

{عَلَى الْكَافرين} هوله وعذابه {غَيْرُ يَسِيرٍ} غير هَين عَلَيْهِم

11

{ذَرْنِي} يَا مُحَمَّد {وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً} بِلَا مَال وَلَا ولد وَلَا زوج وَهَذَا وَعِيد من الله للوليد بن الْمُغيرَة المَخْزُومِي

12

{وَجَعَلْتُ لَهُ} بعد ذَلِك {مَالاً مَّمْدُوداً} كثيرا من كل نوع لم يزل فِي الزِّيَادَة فَكَانَ مَاله نَحْو تِسْعَة أُلَّاف مِثْقَال فضَّة

13

{وَبَنِينَ شُهُوداً} حضوراً لَا يغيبون عَنهُ وَكَانَ بنوه عشرَة

14

{وَمَهَّدتُّ لَهُ} المَال بعضه على بعض {تَمْهِيداً} مثل الْفرش بَعْضهَا على بعض

15

{ثُمَّ يَطْمَعُ} الْوَلِيد {أَنْ أَزِيدَ} فِي مَاله وَهُوَ يعصيني وَيكفر بِي

16

{كَلاَّ} حَقًا لَا أزيده فَلم يزل بعد ذَلِك فِي نُقْصَان مَاله {إِنَّهُ} يَعْنِي الْوَلِيد بن الْمُغيرَة {كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيداً} لكتابنا ورسولنا عنيداً معرضًا مُكَذبا بهما

17

{سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً} سأكلفه الصعُود على جبل أملس فِي النَّار من الصَّخْرَة كلما وضع يَده ذاب ثمَّ عَاد كَمَا كَانَ وَيُقَال من نُحَاس يجذب من أَمَامه وَيضْرب من خَلفه

18

{إِنَّهُ} يَعْنِي الْوَلِيد بن الْمُغيرَة {فَكَّرَ} يَعْنِي تفكر فى نَفسه فى أَمر مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَقَدَّرَ} أَوله قَالَ حَتَّى إِنَّه سَاحر

19

{فَقُتِلَ} لعن {كَيْفَ قَدَّرَ} قَوْله فِي أَمر مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

20

{ثُمَّ قُتِلَ} ثمَّ لعن {كَيْفَ قَدَّرَ} قَوْله فى أَمر مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

21

{ثُمَّ نَظَرَ} فِي قَوْله حَتَّى قَالَ إِنَّه سَاحر وَيُقَال نظر إِلَى أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيْثُ قَالُوا لَهُ هَلُمَّ إِلَى الْخَيْر يَا ابْن الْمُغيرَة

22

{ثُمَّ عَبَسَ} كلح وَجهه {وَبَسَرَ} قبض جَبينه

23

{ثمَّ أدبر} عَن أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أَهله {واستكبر} تعظم عَن الْإِيمَان أَن يُجِيبهُمْ

24

{فَقَالَ إِنْ هَذَا} مَا هَذَا الَّذِي يَقُول مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ} يأثره وَيَرْوِيه عَن مُسَيْلمَة الْكذَّاب الَّذِي يكون بِالْيَمَامَةِ وَيُقَال عَنى بِهِ جبرا ويسارا

25

{إِنْ هَذَا} مَا هَذَا الَّذِي يَقُول مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِلاَّ قَوْلُ الْبشر} قَول جبر ويسار

26

{سَأُصْلِيهِ} سأدخله فِي الْآخِرَة يَعْنِي الْوَلِيد بن الْمُغيرَة {سَقَرَ} وَهُوَ الْبَاب الرَّابِع من النَّار

27

{وَمَآ أَدْرَاكَ} يَا مُحَمَّد {مَا سَقَرُ}

28

{لاَ تُبْقِي} لَهُم لَحْمًا إِلَّا أَكلته {وَلاَ تَذَرُ} إِذا أعيدوا خلقا جَدِيدا أكلتهم أَيْضا

29

{لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ} شواهة لأبدانهم وَيُقَال مسودة لوجوههم

30

{عَلَيْهَا} على النَّار {تِسْعَةَ عَشَرَ} ملكا خزان النَّار

31

{وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَابَ النَّار} مَا سلطنا على أهل النَّار {إِلاَّ مَلاَئِكَةً} يَعْنِي الزَّبَانِيَة {وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ} مَا ذكرنَا قلتهم قلَّة خزان {إِلاَّ فِتْنَةً} بلية {لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ} كفار مَكَّة يَعْنِي أَبَا الأشد بن أسيد بن كلدة حَيْثُ قَالَ أَنا أكفيكم سَبْعَة عشر تِسْعَة على ظَهْري وَثَمَانِية على صَدْرِي فاكفوا أَنْتُم على اثْنَيْنِ {لِيَسْتَيْقِنَ} لكَي يستيقن {الَّذين أُوتُواْ الْكتاب} أعْطوا الْكتاب التَّوْرَاة يعْنى أَبَا عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه لِأَن فِي كِتَابهمْ كَذَلِك عدَّة خزان النَّار {وَيَزْدَادَ الَّذين آمنُوا إِيمَاناً} يَقِينا إِذا علمُوا أَن مَا فِي كتَابنَا مثل مَا فِي التَّوْرَاة {وَلاَ يَرْتَابَ الَّذين} لَا يشك الَّذين {أُوتُوا الْكتاب} عبد الله ابْن سَلام وَأَصْحَابه إِذا لم يكن خلاف مَا فى كِتَابهمْ التَّوْرَاة {والمؤمنون} أَيْضا إِذْ لم يكن خلاف مَا فِي التَّوْرَاة {وَلِيَقُولَ} لكَي يَقُول {الَّذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} شكّ ونفاق {والكافرون} يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَيُقَال كفار مَكَّة {مَاذَآ أَرَادَ الله بِهَذَا مَثَلاً} بِهَذَا الْمثل إِذْ ذكر قلَّة الْمَلَائِكَة {كَذَلِك} هَكَذَا {يضل الله من يَشَاء} بهذ الْمثل من كَانَ أَهلا لذَلِك {وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ} بِهَذَا الْمثل من كَانَ أَهلا لذَلِك {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ} من الْمَلَائِكَة {إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ} يَعْنِي سقر {إِلاَّ ذكرى لِلْبَشَرِ} عظة لِلْخلقِ أنذرتهم

32

{كَلاَّ وَالْقَمَر} أقسم بالقمر

33

{وَاللَّيْل إِذْ أَدْبَرَ} ذهب

34

{وَالصُّبْح إِذَآ أَسْفَرَ} أقبل وَيُقَال استضاء

35

{إِنَّهَا} يَعْنِي سقر {لإِحْدَى الْكبر} بَاب من أَبْوَاب النَّار مِنْهَا جَهَنَّم وسقر ولظى والحطمة والسعير والجحيم والهاوية

36

{نذيرا للبشر} أنذرتهم وَيُقَال مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَذِير للبشر يرجع إِلَى أول السُّورَة إِلَى قَوْله قُم فَأَنْذر نَذِير للبشر مقدم ومؤخر

37

{لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ} إِلَى خير فَيُؤمن {أَوْ يَتَأَخَّرَ} عَن شَرّ فَيتْرك وَيُقَال أَو يتَأَخَّر عَن خير فيكفر وَهَذَا وَعِيد لَهُم

38

{كُلُّ نَفْسٍ} كَافِرَة {بِمَا كَسَبَتْ} فِي الْكفْر {رَهِينَةٌ} مرتهنة فِي النَّار أبدا

39

{إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمين} أهل الْجنَّة فَإِنَّهُم لَيْسُوا كَذَلِك وَلَكنهُمْ

40

{فِي جَنَّاتٍ} فِي بساتين {يَتَسَآءَلُونَ}

41

{عَنِ الْمُجْرمين} يسْأَلُون أهل النَّار وَيَقُولُونَ يَا فلَان

42

{مَا سَلَكَكُمْ} مَا الَّذِي أدخلكم {فِي سَقَرَ}

43

{قَالُواْ} يَعْنِي أهل النَّار {لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّين} من أهل الصَّلَوَات الْخمس الْمُسلمين

44

{وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِين} لم نحث على صَدَقَة الْمَسَاكِين وَلم نك من أهل الزَّكَاة وَالصَّدَََقَة

45

{وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الخآئضين} مَعَ أهل الْبَاطِل

46

{وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدّين} بِيَوْم الْحساب أَن لَا يكون

47

{حَتَّى أَتَانَا الْيَقِين} الْمَوْت

48

{فَمَا تَنفَعُهُمْ} يَقُول الله لَا تنالهم {شَفَاعَةُ الشافعين} يَعْنِي شَفَاعَة الْمَلَائِكَة والأنبياء وَالصَّالِحِينَ

49

{فَمَا لَهُمْ} لأهل مَكَّة {عَنِ التَّذْكِرَة} عَن الْقُرْآن {مُعْرِضِينَ} مكذبين بِهِ

50

{كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ} مَذْعُورَة وَيُقَال ذاعرة إِن قَرَأت بخفض الْفَاء

51

{فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ} من أَسد وَيُقَال من الرُّمَاة وَيُقَال من عصبَة الرِّجَال

52

{بل يُرِيد كل امْرِئ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتى} يعْطى {صُحُفاً مُّنَشَّرَةً} كتابا فِيهِ جرمه وتوبته حَيْثُ قَالُوا ائتنا بِكِتَاب فِيهِ جرمنا وتوبتنا حَتَّى نؤمن بك

53

{كَلاَّ} حَقًا لَا يعْطى ذَلِك {بَل لاَّ يَخَافُونَ الْآخِرَة} عَذَاب الْآخِرَة

54

{كَلاَّ} حَقًا يَا مُحَمَّد {إِنَّهُ} يَعْنِي الْقُرْآن {تَذْكِرَةٌ} عظة من الله

55

{فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ} فَمن شَاءَ الله أَن يتعظ بِالْقُرْآنِ اتعظ

56

{وَمَا يَذْكُرُونَ} مَا يتعظون {إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى} أهل أَن يتقى فَلَا يعْصى {وَأَهْلُ الْمَغْفِرَة} أهل أَن يغْفر لمن اتَّقى وَتَابَ أهل الْمَغْفِرَة إِذا قَامَت الْقِيَامَة وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْقِيَامَة وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها تسع وَثَلَاثُونَ وكلماتها تسع وَتسْعُونَ وحروفها سِتّمائَة وَاثْنَانِ وَخَمْسُونَ {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

القيامة

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَة} يَقُول أقسم بِيَوْم الْقِيَامَة أَنَّهَا كائنة

2

{وَلاَ أُقْسِمُ بِالنَّفسِ اللوامة} وَأقسم بِكُل نفس برة أَو فاجرة أَنَّهَا تلوم نَفسهَا يَوْم الْقِيَامَة أما المحسنة فَتَقول يَا لَيْتَني ازددت إحساناً وَأما السَّيئَة فَتَقول يَا لَيْتَني نزعت من الذُّنُوب وَذَلِكَ عِنْد مُعَاينَة الثَّوَاب وَالْعِقَاب وَيُقَال هِيَ النَّفس النادمة وَيُقَال هِيَ النَّفس للائمة النادمة الَّتِي تتوب من الذُّنُوب ولامت نَفسهَا على ذَلِك وَيُقَال هِيَ النَّفس الْكَافِرَة والفاجرة

3

{أَيَحْسَبُ الْإِنْسَان} أيظن الْكَافِر عدي بن ربيعَة إنكاراً مِنْهُ للبعث {أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ} أَن لن فَقدر أَن نجمع عِظَامه بعد بلائها وتبديلها وتفريقها

4

{بلَى قَادِرِينَ} يَقُول أَنا قَادر على ذَلِك {على أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ} نجمع أَصَابِعه فَيكون كَفه كخف الْبَعِير أَو كحافر الدَّوَابّ يَقُول إِنَّا قادرون على أَن نجْعَل كَفه كخف الْبَعِير فَكيف لَا نقدر على أَن نجمع عِظَامه

5

{بل يُرِيد الْإِنْسَان} الْكَافِر عدى ابْن ربيعَة {لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ} ليقدم شَره وَيُؤَخر تَوْبَته وَيُقَال ليعْمَل بِالْفِسْقِ والفجور فِيمَا يستقبله

6

{يَسْأَلُ} عدي بن ربيعَة إنكاراً مِنْهُ للبعث {أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَة} مَتى يكون يَوْم الْقِيَامَة فَقَالَ الله

7

{فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَر} أعجب الْبَصَر وَيُقَال شخص الْبَصَر

8

{وَخَسَفَ الْقَمَر} ذهب ضوء الْقَمَر

9

{وَجُمِعَ الشَّمْس وَالْقَمَر} كالثورين المقرونين العقيرين الأسودين فَيَرْمِي بهما فِي حجاب النُّور

10

{يَقُول الْإِنْسَان} الْكَافِر عدى ابْن ربيعَة وَأَصْحَابه {يَوْمَئِذٍ} إِذا رَأَوْا النَّار {أَيْنَ المفر} من النَّار والمهرب والملجأ

11

{كَلاَّ} حَقًا {لاَ وَزَرَ} لَا جبل يواريه من النَّار وَهِي بلغَة حمير يسمون الْجَبَل وزرا وَيُقَال لاوزر وَلَا شجر وَلَا ستر وَلَا حرز وَلَا حصن وَلَا ملْجأ وَلَا منجى لَهُم من الله

12

{إِلَى رَبك}

{يَوْمَئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {المستقر} مُسْتَقر الْخَلَائق والمرجع

13

{يُنَبَّأُ الْإِنْسَان} يخبر الْإِنْسَان عدي بن ربيعَة وَغَيره {يَوْمَئِذِ} يَوْم الْقِيَامَة {بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} بِمَا قدم من خير أَو شَرّ وَأخر بِمَا ترك من سنة صَالِحَة أَو سنة سَيِّئَة وَيُقَال بِمَا قدم من الطَّاعَة وَأخر من الْمعْصِيَة

14

{بَلِ الْإِنْسَان} عدي بن ربيعَة وَغَيره {على نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} يَقُول من نَفسه شَاهد

15

{وَلَوْ ألْقى مَعَاذِيرَهُ} وَلَو تكلم بالعذر مَا فعلت ذَلِك وَمَا قلت وَيُقَال هِيَ بَصِيرَة بعيوب غَيرهَا جاهلة غافلة عَن عُيُوب نَفسهَا

16

{لاَ تُحَرِّكْ بِهِ} بِقِرَاءَة الْقُرْآن يَا مُحَمَّد {لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} بِقِرَاءَة الْقُرْآن قبل أَن يفرغ جِبْرِيل من قِرَاءَته عَلَيْك وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا نزل جِبْرِيل عَلَيْهِ بِشَيْء من الْقُرْآن لم يفرغ جِبْرِيل من آخِره حَتَّى يتَكَلَّم النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بأوله مَخَافَة أَن ينساه فَنَهَاهُ الله عَن ذَلِك

17

{إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ} جمع حفظه فِي قَلْبك {وَقُرْآنَهُ} وَحفظ قِرَاءَة جِبْرِيل عَلَيْك وَيُقَال تأليفه بالحلال وَالْحرَام

18

{فَإِذَا قَرَأْنَاهُ} قَرَأَهُ جِبْرِيل عَلَيْك {فَاتبع قُرْآنَهُ} فاقرأ أَنْت يَا مُحَمَّد خَلفه وَيُقَال إِذا ألفناه بالحلال وَالْحرَام فَاتبع تأليفه

19

{ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} بالحلال وَالْحرَام وَالْأَمر والنهى

20

{كَلاَّ} حَقًا {بَلْ تُحِبُّونَ العاجلة} الْعَمَل للدنيا

21

{وَتَذَرُونَ الْآخِرَة} تتركون الْعَمَل لثواب الْآخِرَة

22

{وُجُوهٌ} وُجُوه الْمُؤمنِينَ المصدقين فِي إِيمَانهم {يَوْمَئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {نَّاضِرَةٌ} حَسَنَة جميلَة ناعمة

23

{إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} ينظرُونَ إِلَى وَجه رَبهم لَا يحجبون عَنهُ

24

{وَوُجُوهٌ} وُجُوه الْكَافرين وَالْمُنَافِقِينَ {يَوْمَئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {بَاسِرَةٌ} كالحة يحجبون عَن رُؤْيَة رَبهم لَا ينظرُونَ إِلَيْهِ

25

{تَظُنُّ} تعلم تِلْكَ الْوُجُوه {أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ} شدَّة ومنكرة من الْعَذَاب

26

{كَلاَّ} حَقًا {إِذَا بَلَغَتِ التراقي} إِذا بلغت نفس الْجَسَد إِلَى التراقي

27

{وَقِيلَ} قَالَ من بِحَضْرَتِهِ من أَهله وَغَيرهم {مَنْ رَاقٍ} هَل من طَبِيب فيداويه وَيُقَال قَالَ الْمَلَائِكَة بَعضهم لبَعض من راق بِرُوحِهِ إِلَى الله

28

{وَظَنَّ} علم الْمَيِّت حِينَئِذٍ {أَنَّهُ الْفِرَاق} أَن لَهُ الْفِرَاق من الدُّنْيَا

29

{والتفت السَّاق بالساق} الشدَّة بالشدة شدَّة آخر يَوْم من الدُّنْيَا وَشدَّة أول يَوْم من الْآخِرَة وَيُقَال والتفت السَّاق بالساق أَي يلتوي سَاقه بالساق

30

{إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {المساق} الْمرجع مرجع الْخَلَائق

31

{فَلاَ صَدَّقَ} يَعْنِي أَبَا جهل بتوحيد الله {وَلاَ صلى} وَلَا أسلم أَي لم يكن مُسلما من أهل الصَّلَاة

32

{وَلَكِن كَذَّبَ} بتوحيد الله {وَتَوَلَّى} عَن الْإِيمَان

33

{ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ} فِي الدُّنْيَا {يتمطى} بتبختر ويتبطر فَاسْتَقْبلهُ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخذه فهزه هزة أَو هزتين أَو مرّة أَو مرَّتَيْنِ

34

وَقَالَ {أولى لَكَ فَأولى} وعيداً لَك يَا أَبَا جهل وعيداً لَك

35

{ثُمَّ أولى لَكَ فَأولى} احذر أَبَا جهل فَنزل الْقُرْآن كَذَلِك

36

{أَيَحْسَبُ الْإِنْسَان} الْكَافِر يَعْنِي أَبَا جهل {أَن يُتْرَكَ سُدًى} مهملاً بِلَا أَمر وَلَا نهي وَلَا عظة

37

{أَلَمْ يَكُ} أَبُو جهل {نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ} مني الرجل {يمنى} يهراق فِي رحم الْمَرْأَة وَيُقَال يخلق

38

{ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً} ثمَّ صَار دَمًا عبيطاً {فَخَلَقَ} نسمَة {فسوى} خلقه باليدين وَالرّجلَيْنِ والعينين والأذنين وَسَائِر الْأَعْضَاء وَجعل فِيهِ الرّوح

39

{فَجَعَلَ مِنْهُ} بعد ذَلِك {الزَّوْجَيْنِ الذّكر وَالْأُنْثَى} وَكَانَ لَهُ ابْن عِكْرِمَة بن أبي جهل وَابْنَة جويرة بنت أبي جهل

40

{أَلَيْسَ ذَلِك} أَي فعل ذَلِك {بِقَادِرٍ على أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى} للبعث بلَى قَادر رَبنَا على ذَلِك أَن يحيي الْمَوْتَى كَمَا خلق آدم من التُّرَاب

وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الانسان وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها ثَلَاثُونَ آيَة وكلماتها مِائَتَان وَأَرْبَعُونَ كلمة وحروفها ألف وَأَرْبع وَخَمْسُونَ {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

الإنسان

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَان} يَقُول أَتَى على آدم {حِينٌ مِّنَ الدَّهْر} أَرْبَعُونَ سنة مخلوقاً مصوراً {لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً} يذكر وَلَا يدرى مَا هُوَ وَمَا اسْمه وَمَا يُرَاد بِهِ إِلَّا الله

2

{إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَان} يَعْنِي ولد آدم {مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ} من نُطْفَة آدم وحواء وَيُقَال أمشاج يَعْنِي الألوان مختلطاً مَاء الرجل أَبيض غليظ وَمَاء الْمَرْأَة أصفر رَقِيق فَالْوَلَد يكون مِنْهُمَا {نَّبْتَلِيهِ} نختبره بالشدة والرخاء وَيُقَال نختبره بِالْخَيرِ وَالشَّر {فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} فَجعلنَا لَهُ السّمع لكَي يسمع بِهِ الْحق وَالْهدى وَالْبَصَر لكَي يبصر بِهِ الْحق وَالْهدى وَيُقَال نبتليه نختبره بِالْخَيرِ وَالشَّر وَالْكفْر وَالْإِيمَان مقدم ومؤخر

3

{إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيل} بَينا لَهُ طَرِيق الْإِيمَان وَالْكفْر وَالْخَيْر وَالشَّر {إِمَّا شَاكِراً} مُؤمنا {وَإِمَّا كَفُوراً} كَافِرًا وَيُقَال إِنَّا هديناه السَّبِيل إِمَّا شاكرا وَإِمَّا كفورا

4

{إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ} أبي جهل وَأَصْحَابه {سَلاَسِلَ وَأَغْلاَلاً} فِي النَّار {وَسَعِيراً} نَارا وقوداً

5

{إِنَّ الْأَبْرَار} المصدقين فِي إِيمَانهم المطيعين لله {يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ} يشربون فِي الْجنَّة من خمر {كَانَ مِزَاجُهَا} خلطها {كَافُوراً}

6

{عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا} مِنْهَا {عِبَادُ الله} أَوْلِيَاء الله {يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً} يمزجونها تمزيجاً وَيُقَال يفجرون عين الكافور حَيْثُمَا يشاءون فِي الْجنَّة إِلَى مَنَازِلهمْ وقصورهم

7

ثمَّ وصف نعتهم إِذا كَانُوا فِي الدُّنْيَا فَقَالَ الله {يُوفُونَ بِالنذرِ} بالعهد وَالْحلف بِاللَّه وَيُقَال يتمون الْفَرَائِض {وَيَخَافُونَ يَوْماً} عَذَاب يَوْم {كَانَ شَرُّهُ} عَذَابه {مُسْتَطِيراً} فاشياً

8

{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَام على حُبِّهِ} على قلته وشهوته {مِسْكِيناً وَيَتِيماً} من الْمُسلمين {وَأَسِيراً} من الْمُسلمين فِي أَيدي الْمُشْركين وَيُقَال أهل السجْن

9

{إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله} فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم وَلم يتكلموا بِهِ وَلَكِن أخبر الله عَن صدق قُلُوبهم فَقَالَ إِنَّمَا نطعمكم لوجه الله لثواب الله وكرامته {لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً} مُكَافَأَة تجازوننا بِهِ {وَلاَ شُكُوراً} محمدة تحمدوننا بِهِ

10

{إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا} من عَذَاب رَبنَا {يَوْماً عَبُوساً} كلوحاً {قَمْطَرِيراً} شَدِيدا يَقُول شَدِيد عَذَاب ذَلِك الْيَوْم وهوله وَيُقَال هُوَ تعبس الْوَجْه

11

{فَوَقَاهُمُ الله} دفع عَنْهُم {شَرَّ ذَلِك الْيَوْم} عَذَاب ذَلِك الْيَوْم {وَلَقَّاهُمْ} أَعْطَاهُم {نَضْرَةً} حسن الْوُجُوه والبهاء {وَسُرُوراً} فَرحا فِي الْقلب

12

{وَجَزَاهُمْ} أَعْطَاهُم {بِمَا صَبَرُواْ} فِي الدُّنْيَا على الْفقر والمرازي {جَنَّةً وَحَرِيراً}

13

{مُّتَّكِئِينَ فِيهَا} جالسين ناعمين فِي الْجنَّة {على الأرائك} على السرر فِي الحجال فَلَا تكون أريكة إِلَّا إِذا اجْتمعَا فَإِذا تفَرقا فَلَيْسَ بأريكة {لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً} يَقُول لَا يصيبهم حر الشَّمْس وَلَا برد الزَّمْهَرِير

14

{وَدَانِيَةً} قريبَة {عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا} ظلال الشّجر {وَذُلِّلَتْ} سخرت وَقربت {قُطُوفُهَا} ثَمَرهَا {تَذْلِيلاً} تسخيراً

15

{وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ} فِي الْخدمَة {بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ} كيزان بِلَا آذان وَلَا عرا {كَانَتْ قواريرا}

16

{قَوَارِير مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا} على أكف الغلمان {تَقْدِيراً} وَيُقَال قدرُوا الشَّرَاب فِيهَا تَقْديرا لَا يفضل وَلَا يعجز

17

{وَيُسْقَوْنَ فِيهَا} فِي الْجنَّة {كَأْساً} خمرًا {كَانَ مِزَاجُهَا} خلطها {زَنجَبِيلاً}

18

{عَيْناً فِيهَا} فِي الْجنَّة {تسمى} تِلْكَ الْعين {سَلْسَبِيلاً} وَيُقَال سل الله إِلَيْهَا سَبِيلا

19

{وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ} فِي الْخدمَة {وِلْدَانٌ} وصفاء {مُّخَلَّدُونَ} فِي الْجنَّة لَا يموتون وَلَا يخرجُون وَيُقَال محلون {إِذَا رَأَيْتَهُمْ} لَو رَأَيْتهمْ يَا مُحَمَّد {حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً} فِي الصفاء وَيُقَال كثيرا قد نثر عَلَيْهِم

20

{وَإِذَا رَأَيْتَ} يَا مُحَمَّد {ثَمَّ} فِي الْجنَّة {رَأَيْتَ} لأَهْلهَا {نَعِيماً} دَائِما {وَمُلْكاً كَبِيراً} لَا يدْخل عَلَيْهِم أحد إِلَّا بِالسَّلَامِ والاستئذان

21

{عَالِيَهُمْ} على أكتافهم إِن قَرَأت بِالْألف {ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ} مَا لطف من الديباج {وَإِسْتَبْرَقٌ} مَا ثخن من الديباج {وحلوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ} ألبسوا أقبية من فضَّة {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً} من الدنس وَيُقَال يطهرهم من الغل والغش والعداوة

22

{إِنَّ هَذَا} الَّذِي وصفت من الطَّعَام وَالشرَاب واللباس {كَانَ لَكُمْ جَزَآءً} ثَوابًا من الله {وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً} عَمَلكُمْ مَقْبُولًا فِي الزِّيَادَة

23

{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآن} جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ {تَنزِيلاً} مُتَفَرقًا آيَة وآيتين وَسورَة

24

{فاصبر لِحُكْمِ رَبِّكَ} على قَضَاء رَبك وَيُقَال على تَبْلِيغ رِسَالَة رَبك {وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ} من كفار قُرَيْش {آثِماً} فَاجِرًا كذابا يَعْنِي الْوَلِيد بن الْمُغيرَة {أَو كفورا} كَافِر بِاللَّه وَهُوَ عتبَة بن ربيعَة

25

{وَاذْكُر اسْم رَبِّكَ} صل بِأَمْر رَبك {بُكْرَةً وَأَصِيلاً} غدْوَة وعشياً يَعْنِي صَلَاة الْفجْر وَالظّهْر وَالْعصر

26

{وَمِنَ اللَّيْل فاسجد لَهُ} فصل صَلَاة الْمغرب وَالْعشَاء {وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً} صل لَهُ فِي اللَّيْل وَهُوَ التَّطَوُّع وَيُقَال كَانَ خَاصَّة عَلَيْهِ دون أَصْحَابه صَلَاة اللَّيْل

27

{إِنَّ هَؤُلَاءِ} أهل مَكَّة {يُحِبُّونَ العاجلة} الْعَمَل للدنيا {وَيَذَرُونَ وَرَآءَهُمْ} يتركون الْعَمَل لما أمامهم {يَوْمًا ثقيلا} شَدِيدا هُوَ لَهُ وعذابه

28

{نَّحْنُ خَلَقْنَاهُمْ} يَعْنِي أهل مَكَّة {وَشَدَدْنَآ أَسْرَهُمْ} قوينا خلقهمْ {وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَآ أَمْثَالَهُمْ} يَعْنِي أهلكناهم {تبديلا} إهلاكا يَقُول لوشئنا لأهلكنا هَؤُلَاءِ الْكَفَرَة الفجرة وبدلنا خيرا مِنْهُم وأطوع لله

29

{إِنَّ هَذِه} السُّورَة {تَذْكِرَةٌ} عظة من الله {فَمَن شَآءَ اتخذ إِلَى رَبِّهِ} فَمن شَاءَ وحد وَاتخذ بذلك إِلَى ربه {سَبِيلا} مرجعا

30

{وَمَا تشاؤون} من الْخَيْر وَالشَّر وَالْكفْر وَالْإِيمَان {إِلاَّ أَن يَشَاء الله} لكم أَن تشاءوا ذَلِك {إِن الله كَانَ عليما} بِمَا تشاءون من الْخَيْر وَالشَّر {حَكِيماً} حكم أَن لَا تشاءوا من الْخَيْر وَالشَّر إِلَّا مَا يَشَاء

31

{يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ} يكرم من يَشَاء بدين الْإِسْلَام من كَانَ أَهلا لذَلِك {والظالمين} الْكَافرين الْمُشْركين {أَعَدَّ لَهُمْ} عذَابا قَرِيبا فِي الْآخِرَة {عَذَاباً أَلِيماً} وجيعاً يخلص وَجَعه إِلَى قُلُوبهم

وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا المرسلات وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها خَمْسُونَ وكلماتها مائَة وَإِحْدَى وَثَمَانُونَ وحروفها ثَمَانمِائَة وَسِتَّة عشر حرفا {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

المرسلات

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {والمرسلات عُرْفاً} يَقُول أقسم الله بِالْمَلَائِكَةِ كثيرا كعرف الْفرس وَيُقَال هم الْمَلَائِكَة الَّذين أرْسلُوا بِالْمَعْرُوفِ يَعْنِي جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل

2

{فالعاصفات عَصْفاً} وَأقسم بالرياح العواصف الشَّدِيدَة والعصف مَا ذرت من منَازِل الْقَوْم

3

{والناشرات نَشْراً} بالمطر يَعْنِي وَأقسم بالمطر وَيُقَال بالسحاب الناشرات بالمطر وَيُقَال هم الْمَلَائِكَة الَّذين ينشرون الْكتاب

4

{فالفارقات فَرْقاً} وَأقسم بِالْمَلَائِكَةِ الَّذين يفرقون بَين الْحق وَالْبَاطِل وَيُقَال هِيَ آيَات الْقُرْآن الَّتِي تفرق بَين الْحق وَالْبَاطِل والحلال وَالْحرَام وَيُقَال هَؤُلَاءِ الثَّلَاث هن الرِّيَاح

5

{فالملقيات ذِكْراً} وَأقسم بالمنزلات وَحيا

6

{عُذْراً} لله من جوره وظلمه {أَوْ نُذْراً} لخلقه من عَذَابه وَيُقَال عذرا حَلَالا أَو نذرا حَرَامًا وَيُقَال عذرا أمرا أَو نذرا نهيا وَيُقَال عذرا وَعدا أَو نذرا وعيداً أقسم بِهَذِهِ الْأَشْيَاء

7

{إِن مَا تُوعَدُونَ} من الثَّوَاب وَالْعِقَاب فِي الْآخِرَة {لَوَاقِعٌ} لكائن نَازل بكم

8

ثمَّ بيَّن مَتى يكون فَقَالَ {فَإِذَا النُّجُوم طُمِسَتْ} ذهب ضوؤها

9

{وَإِذَا السمآء فُرِجَتْ} انشقت

10

{وَإِذَا الْجبَال نُسِفَتْ} قلعت من أماكنها

11

{وَإِذَا الرُّسُل أُقِّتَتْ} جمعت

12

{لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ} هَذِه الْأَشْيَاء يَقُول لأي يَوْم أجلهَا صَاحبهَا ثمَّ بَين فَقَالَ عز وَجل

13

{لِيَوْمِ الْفَصْل} من الْخَلَائق

14

{وَمَآ أَدْرَاكَ} يَا مُحَمَّد {مَا يَوْمُ الْفَصْل} مَا أعلمك بِيَوْم الْفَصْل

15

{ويل} وَاد فِي جَهَنَّم من قيح وَدم وَيُقَال جب فِي النَّار وَيُقَال ويل شدَّة عَذَاب {يَوْمَئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {لِّلْمُكَذِّبِينَ} بِاللَّه وَالْكتاب وَالرَّسُول والبعث بعد الْمَوْت

16

{أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلين} بِالْعَذَابِ وَالْمَوْت

17

{ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخرين} ثمَّ نلحق بالأولين الآخرين البَاقِينَ بعدهمْ بِالْمَوْتِ وَالْعَذَاب

18

{كَذَلِك نَفْعَلُ بالمجرمين} بالمشركين من قَوْمك

19

{وَيْلٌ} شدَّة عَذَاب {يَوْمئِذٍ} يو م الْقِيَامَة {لِّلْمُكَذِّبِينَ} من قَوْمك بِالْإِيمَان والبعث

20

{أَلَمْ نَخْلُقكُّم} يَا معشر المكذبين {مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ} من نُطْفَة ضَعِيفَة

21

{فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ} فِي مَكَان حريز رحم الْمَرْأَة

22

{إِلَى قَدَرٍ مَّعْلُومٍ} إِلَى وَقت خُرُوجه تِسْعَة أشهر أَو أقل أَو أَكثر

23

{فَقَدَرْنَا} خلقه وَيُقَال ملكنا على خلقه وَيُقَال فصورنا خلقه فِي رحم الْمَرْأَة {فَنِعْمَ القادرون} فَنعم مَا قَدرنَا وصورنا خلقه

24

{ويل} شدَّة عَذَاب {يَوْمئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {للمكذبين} بِالْإِيمَان والبعث

25

ثمَّ ذكر منته على عباده فَقَالَ {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْض كِفَاتاً} تكفتهم

26

{أَحْيَآءً} على ظهرهَا {وَأَمْواتاً} فِي بَطنهَا وَيُقَال أوعية للأحياء والأموات

27

{وَجَعَلْنَا فِيهَا} فِي الأَرْض {رَوَاسِيَ} جبالاً ثوابت فِي مَكَانهَا أوتاداً لَهَا {شَامِخَاتٍ} طوَالًا {وَأَسْقَيْنَاكُم} يَا معشر المكذبين {مَّآءً فُرَاتاً} عذباً حلواً وَيُقَال لينًا

28

{ويل} شدَّة عَذَاب {يَوْمئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {للمكذبين} بِالْإِيمَان والبعث

29

{انْطَلقُوا} يَا معشر المكذبين {إِلَى مَا كُنتُم بِهِ} فِي الدُّنْيَا {تكذبون} أَنه لَا يكون وَهُوَ عَذَاب النَّار تَقول لَهُم الزَّبَانِيَة بعد الْفَرَاغ من الْحساب

30

{انْطَلقُوا} يَا معشر المكذبين {إِلَى ظِلٍّ} من دُخان النَّار {ذِي ثَلاَثِ شُعَبٍ} فرق

31

{لاَّ ظَلِيلٍ} لَا كنين من حر النَّار {وَلاَ يُغْنِي مِنَ اللهب} من لَهب النَّار

32

{إِنَّهَا} يعْنى النَّار {تَرْمِي بِشَرَرٍ} تقذف بالشرر {كالقصر} كأسافل الشّجر الْعِظَام

33

{كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ} سود

34

{ويل} شدَّة عَذَاب {يَوْمئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {للمكذبين} بِالْإِيمَان والبعث

35

{هَذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ} فِي بعض المواطن وينطقون فِي بعض المواطن

36

{وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ} بالْكلَام {فَيَعْتَذِرُونَ}

37

{ويل} شدَّة عَذَاب {يَوْمئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {للمكذبين} بِالْإِيمَان والبعث

38

{هَذَا يَوْمُ الْفَصْل} بَين الْخَلَائق {جَمَعْنَاكُمْ} يَا معشر المكذبين {والأولين} قبلكُمْ والآخرين بعدكم

39

{فَإِن كَانَ لَكمُ} يَا معشر المكذبين {كَيْدٌ} مقدرَة أَن تصنعوا بِي شَيْئا {فَكِيدُونِ} فَاصْنَعُوا بِي وَيُقَال فَإِن كَانَ لكم كيد حِيلَة فكيدوني فاحتالوا بِي

40

{ويل} شدَّة عَذَاب {يَوْمئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {للمكذبين} بِالْإِيمَان والبعث

41

ثمَّ بيَّن مُسْتَقر الْمُؤمنِينَ فَقَالَ {إِنَّ الْمُتَّقِينَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش {فِي ظِلاَلٍ} ظلال الشَّجَرَة {وَعُيُونٍ} مَاء ظَاهر جَار

42

{وَفَوَاكِهَ} وألوان الْفَوَاكِه {مِمَّا يَشْتَهُونَ} يتمنون

43

{كُلُواْ} فَيَقُول الله تبَارك وَتَعَالَى لَهُم كلوا من الثِّمَار {وَاشْرَبُوا} من الْأَنْهَار {هَنِيئًا} سائغاً بِلَا دَاء وَلَا موت {بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} وتقولون من الْخيرَات فِي الدُّنْيَا

44

{إِنَّا كَذَلِك} هَكَذَا {نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} بالْقَوْل وَالْفِعْل

45

{ويل} شدَّة عَذَاب {يَوْمئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {للمكذبين} بِالْإِيمَان والبعث

46

{كُلُواْ} يَا معشر المكذبين {وَتَمَتَّعُواْ} عيشوا {قَلِيلاً} يَسِيرا فِي الدُّنْيَا {إِنَّكُمْ مُّجْرِمُونَ} مشركون مصيركم النَّار فِي الْآخِرَة وَهَذَا وَعِيد من الله لَهُم

47

{ويل} شدَّة عَذَاب {يَوْمئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {للمكذبين} بِالْإِيمَان والبعث

48

{وَإذَا قِيلَ لَهُمُ} للمكذبين إِذا كَانُوا فِي الدُّنْيَا {ارْكَعُوا} اخضعوا لله بِالتَّوْحِيدِ {لاَ يَرْكَعُونَ} لَا يخضعون لله بِالتَّوْحِيدِ وَيُقَال هَذَا فِي الْآخِرَة حِين يَقُول الله تبَارك وَتَعَالَى لَهُم اسجدوا إِن كُنْتُم مُصدقين بِمَا تَقولُونَ وَالله رَبنَا مَا كُنَّا مُشْرِكين فَلم يقدروا على السُّجُود وَبقيت أصلابهم كالصياصي وَيُقَال نزلت هَذِه الْآيَة فِي ثَقِيف حَيْثُ قَالُوا لَا نحني ظُهُورنَا بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُود

49

{ويل} شدَّة عَذَاب {يَوْمئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {للمكذبين} بِاللَّه وَالرَّسُول وَالْكتاب والبعث

50

{فَبِأَيِّ حَدِيثٍ} كتاب {بَعْدَهُ} بعد كتاب الله {يُؤمنُونَ} إِن لم يُؤمنُوا بِهَذَا النبأ وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا النبأ وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها أَرْبَعُونَ وكلماتها مائَة وَثَلَاثُونَ وحروفها سِتّمائَة وَتسْعُونَ حرفا {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

النبأ

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ} يَقُول عماذا يتحدثون يَعْنِي قُريْشًا

2

{عَنِ النبإ الْعَظِيم} عَن خبر الْقُرْآن الْعَظِيم الْكَرِيم الشريف

3

{الَّذِي هم فِيهِ مُخْتَلفُونَ} مكذبون بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ومصدقون بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وَذَلِكَ إِذا نزل جِبْرِيل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بشىء من الْقُرْآن فقرأه عَلَيْهِ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيتحدثون فِيمَا بَينهم عَن ذَلِك فَمنهمْ من صدق بِهِ وَمِنْهُم من كذب بِهِ

4

{كَلاَّ} وَهُوَ رد على المكذبين {سَيَعْلَمُونَ} سَوف يعلمُونَ عِنْد نزُول الْمَوْت مَاذَا يفعل بهم

5

{ثُمَّ كَلاَّ} حَقًا {سَيَعْلَمُونَ} سَوف يعلمُونَ فِي الْقَبْر مَاذَا يفعل بهم وَهَذَا وَعِيد من الله للمكذبين بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن

6

ثمَّ ذكر منته عَلَيْهِم فَقَالَ {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْض مِهَاداً} فراشا ومناماً

7

{وَالْجِبَال أَوْتَاداً} لَهَا لكَي لَا تميد بهم

8

{وخلقناكم أَزْوَاجًا} ذكرا وَأُنْثَى

9

{وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً} استراحة لأبدانكم وَيُقَال حسنا جميلاً

10

{وَجَعَلْنَا اللَّيْل لِبَاساً} مسكنا وَيُقَال ملبساً

11

{وَجَعَلْنَا النَّهَار مَعَاشاً} مطلباً

12

{وبنينا} خلقنَا {فَوْقكُم} فَوق رءوسكم {سَبْعاً} سبع سموات {شِدَاداً} غلاظاً

13

{وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً} شمساً مضيئة لبني آدم

14

{وَأَنزَلْنَا مِنَ المعصرات} بالرياح من السَّحَاب

{مَآءً ثَجَّاجاً} مَطَرا كثيرا مُتَتَابِعًا

15

{لِّنُخْرِجَ بِهِ} لننبت بِهِ {حَبّاً وَنَبَاتاً} بالمطر الْحُبُوب كلهَا ونباتاً وَسَائِر النَّبَات

16

{وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً} بساتين ملتفة وَيُقَال ألواناً

17

{إِنَّ يَوْم الْفَصْل كَانَ ميقاتا} ميعادا للأولين والآخرين أَن يجتمعوا فِيهِ

18

{يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّور} نفخة الْبَعْث {فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً} فوجاً فوجاً جمَاعَة جمَاعَة

19

{وَفُتِحَتِ السمآء} أَبْوَاب السَّمَاء {فَكَانَتْ أَبْوَاباً} فَصَارَت طرقا

20

{وَسُيِّرَتِ الْجبَال} عَن وَجه الأَرْض {فَكَانَتْ سَرَاباً} فَكَانَت كالسراب

21

{إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً} محبساً أَو مسجناً

22

{لِّلطَّاغِينَ} للْكَافِرِينَ {مَآباً} مرجعاً

23

{لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً} مقيمين فِي جَهَنَّم أحقاباً حقباً بعد حقب والحقب الْوَاحِد ثَمَانُون سنة وَالسّنة ثلثمِائة وَسِتُّونَ يَوْمًا وَالْيَوْم الْوَاحِد ألف سنة مِمَّا تعد أهل الدُّنْيَا وَيُقَال لَا يعلم عدد تِلْكَ الأحقاب إِلَّا الله فَلَا يَنْقَطِع عَنْهُم

24

{لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا} فِي النَّار {بَرْداً} مَاء بَارِدًا وَيُقَال نوماً {وَلاَ شَرَاباً} بَارِدًا

25

{إِلاَّ حَمِيماً} مَاء حاراً قد انْتهى حره {وَغَسَّاقاً} زمهريراً وَيُقَال مَاء منتناً

26

{جَزَآءً وِفَاقاً} مُوَافقَة أَعْمَالهم

27

{إِنَّهُمْ كَانُواْ} فِي الدُّنْيَا {لاَ يَرْجُونَ حِسَاباً} لَا يخَافُونَ عذَابا فِي الْآخِرَة وَلَا يُؤمنُونَ بِهِ

28

{وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا} بكتابنا ورسولنا {كِذَّاباً} تَكْذِيبًا

29

{وَكُلَّ شَيْءٍ} من أَعمال بني آدم {أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً} كتبناه فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ

30

{فَذُوقُواْ} الْعَذَاب فِي النَّار {فَلَن نَّزِيدَكُمْ} فِي النَّار {إِلاَّ عَذَاباً} لوناً بعد لون

31

ثمَّ بيَّن كَرَامَة الْمُؤمنِينَ فَقَالَ {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش {مَفَازاً} نجاة من النَّار وقربى إِلَى الله

32

{حَدَآئِقَ} وَهِي مَا أحيط عَلَيْهَا من الشّجر وَالنَّخْل {وَأَعْنَاباً} كروماً

33

{وَكَوَاعِبَ} جواري مفلكات الثديين {أَتْرَاباً} مستويات فِي السن والميلاد على ثَلَاث وَثَلَاثِينَ سنة

34

{وَكَأْساً دِهَاقاً} ملأى متتابعة

35

{لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا} أهل الْجنَّة فِي الْجنَّة {لَغْواً} حلفا وباطلاً {وَلاَ كِذَّاباً} لَا يكذب بَعضهم على بعض

36

{جَزَآءً} ثَوابًا {مِّن رَّبِّكَ عَطَآءً} أَعْطَاهُم فِي الْجنَّة {حِسَاباً} بِوَاحِد عشرَة وَيُقَال مُوَافقَة أَعْمَالهم

37

{رَّبِّ السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنَهُمَا} من الْخلق والعجائب {الرَّحْمَن} والرَّحْمَن {لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ} عِنْده يَعْنِي الْمَلَائِكَة وَغَيرهم {خِطَاباً} كلَاما فِي الشَّفَاعَة حَتَّى يَأْذَن الله لَهُم

38

{يَوْمَ يَقُومُ الرّوح} يَعْنِي جِبْرِيل وَيُقَال هُوَ خلق لَا يعلم عَظمته إِلَّا الله وَقَالَ ابْن مَسْعُود الرّوح ملك أعظم من كل شَيْء غير الْعَرْش يسبح الله فِي كل يَوْم اثْنَي عشر ألف تَسْبِيحَة فيخلق الله من كل تَسْبِيحَة ملكا يسْتَغْفر للْمُؤْمِنين إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فَيَجِيء يَوْم الْقِيَامَة وَهُوَ صف وَاحِد وَيُقَال هم خلق من الْمَلَائِكَة لَهُم أرجل وأيد مثل بني آدم {وَالْمَلَائِكَة} وَيَوْم يقوم الْمَلَائِكَة {صَفّاً لاَّ يَتَكَلَّمُونَ} بالشفاعة يَعْنِي الْمَلَائِكَة {إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَن} فِي الشَّفَاعَة {وَقَالَ صَوَاباً} حَقًا لَا إِلَه إِلَّا الله

39

{ذَلِك الْيَوْم الْحق} الْكَائِن يكون فِيهِ مَا وصفت {فَمَن شَآءَ اتخذ إِلَى رَبِّهِ} وَحده وَاتخذ بذلك التَّوْحِيد إِلَى ربه {مَآباً} مرجعاً

40

{إِنَّآ أَنذَرْنَاكُمْ} خوفناكم يَا أهل مَكَّة {عَذَاباً قَرِيباً} كَائِنا {يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْء} يبصر الْمُؤمن وَيُقَال الْكَافِر {مَا قَدَّمَتْ} مَا عملت {يَدَاهُ} من خير أَو شَرّ {وَيَقُول الْكَافِر يَا لَيْتَني كُنتُ تُرَاباً} مَعَ الْبَهَائِم من الهول والشدة وَالْعَذَاب يتَمَنَّى الْكَافِر أَن يكون تُرَابا مَعَ الْبَهَائِم وَذَلِكَ يَوْم ترجف الراجفة

وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا النازعات وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها خمس وَأَرْبَعُونَ وكلماتها مائَة وَثَلَاث وَسَبْعُونَ وحروفها تِسْعمائَة وَثَلَاثَة وَخَمْسُونَ {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

النازعات

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {والنازعات} يَقُول أقسم الله بِالْمَلَائِكَةِ الَّذين ينزعون نفوس الْكَافرين {غَرْقاً} غرقت نَفسه فِي صَدره وَهِي أَرْوَاح الْكَافرين

2

{والناشطات} وَأقسم بِالْمَلَائِكَةِ الَّذين ينشطون نفوس الْكَافرين بالكرب وَالْغَم {نَشْطاً} كنشط السفود كثير الشّعب من الصُّوف وَيُقَال هِيَ أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ تنشط بِالْخرُوجِ إِلَى الْجنَّة

3

{والسابحات سَبْحاً} وَأقسم بِالْمَلَائِكَةِ الَّذين ينزعون نفوس الصَّالِحين يسلونها سلا رَقِيقا رويدا ثمَّ يتركونها حَتَّى تستريح وَيُقَال أراوح الْمُؤمنِينَ

4

{فالسابقات سَبْقاً} وَأقسم بِالْمَلَائِكَةِ الَّذين يسبقون بأرواح الْمُؤمنِينَ إِلَى الْجنَّة وأرواح الْكَافرين إِلَى النَّار وَيُقَال هِيَ أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ تسبق إِلَى الْجنَّة

5

{فالمدبرات أَمْراً} وَأقسم بِالْمَلَائِكَةِ الَّذين يدبرون أُمُور الْعباد يَعْنِي جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل وَملك الْمَوْت وَيُقَال والنازعات غرقاً والناشطات نشطاً والسابحات سبحاً فالسابقات سبقاً كل هَؤُلَاءِ النُّجُوم فالمدبرات أمرا هم الْمَلَائِكَة وَيُقَال والنازعات غرقاً هِيَ قسي الْغُزَاة والناشطات نشطاً هِيَ أوهاق الْغُزَاة والسابحات سبحاهى سفن غزَاة الْبَحْر والسابقات سبقاً هِيَ خُيُول الْغُزَاة فالمدبرات أمرا هم قواد الْغُزَاة وَيُقَال والسابحات سبحاً هِيَ الشَّمْس وَالْقَمَر وَاللَّيْل وَالنَّهَار أقسم الله بهؤلاء الْأَشْيَاء أَن النفختين لكائنتان بَينهمَا أَرْبَعُونَ سنة

6

ثمَّ بيَّنهما فَقَالَ {يَوْمَ تَرْجُفُ الراجفة} وَهِي النفخة الأولى يتزلزل كل شَيْء

7

{تَتْبَعُهَا الرادفة} وَهِي النفخة الْأَخِيرَة

8

{قُلُوب يَوْمئِذٍ} يَوْم الْقيام {واجفة} خائفة

9

{أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ} ذليلة

10

{يَقُولُونَ} كفار مَكَّة النَّضر بن الْحَارِث وَأَصْحَابه {أئنا لَمَرْدُودُونَ فِي الحافرة} إِلَى الدُّنْيَا وَيُقَال من الْقُبُور

11

{أئذا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً} ناخرة بالية وَيُقَال ميتَة إِن قَرَأت بِالْألف كَيفَ يبعثنا فَقَالَ لَهُم النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بلَى يبعثكم

12

{قَالُواْ تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ} رَجْعَة خائبة لَا تكون فَقَالَ الله

13

{فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ} نفخة وَاحِدَة لَا تثنى وَهِي نفخة الْبَعْث

14

{فَإِذَا هُم بالساهرة} على وَجه الأَرْض وَيُقَال بِأَرْض الْمَحْشَر

15

{هَلْ أَتَاكَ} يَا مُحَمَّد استفهاماً مِنْهُ يَعْنِي قد أَتَاك وَيُقَال مَا أَتَاك ثمَّ أَتَاك {حَدِيثُ مُوسَى} خبر مُوسَى

16

{إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ} دَعَاهُ ربه {بالواد الْمُقَدّس} المطهر {طُوًى} اسْم الْوَادي وَإِنَّمَا سمي طوى لِكَثْرَة مَا مشت عَلَيْهِ الْأَنْبِيَاء وَيُقَال قد طوي وَيُقَال طأ يَا مُوسَى هَذَا الْوَادي بقدميك لخيره وبركته

17

{اذْهَبْ} يَا مُوسَى {إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى} علا وتكبر وَكفر بِاللَّه

18

{فَقُلْ هَل لَّكَ} يَا فِرْعَوْن {إِلَى أَن تزكّى} تصلح وتسلم فتوحد بِاللَّه

19

{وَأَهْدِيَكَ} وأدعوك {إِلَى رَبِّكَ فتخشى} مِنْهُ فتسلم

20

{فَأَرَاهُ} مُوسَى {الْآيَة الْكُبْرَى} الْعَلامَة الْعُظْمَى الْيَد والعصا

21

{فَكَذَّبَ} وَقَالَ لَيْسَ هَذَا من الله {وَعصى} لم يقبل

22

{ثُمَّ أَدْبَرَ} أعرض عَن الْإِيمَان وَيُقَال عَن مُوسَى {يسْعَى} يعْمل فِي أَمر مُوسَى وَيُقَال أسْرع إِلَى أَهله

23

{فَحَشَرَ} قومه بِالشّرطِ {فَنَادَى} فخطبهم

24

{فَقَالَ} لَهُم {أَنَاْ رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} أَنا ربكُم وَرب أصنامكم الْأَعْلَى فَلَا تتركوا عبادتها

25

{فَأَخَذَهُ الله} فعاقبة الله {نَكَالَ الْآخِرَة وَالْأولَى} عُقُوبَة الدُّنْيَا بِالْغَرَقِ وعقوبة الْآخِرَة بالنَّار وَيُقَال عاقبه الله بكلمته الأولى وَالْأُخْرَى وكلمته الأولى قَوْله مَا علمت لكم من إِلَه غَيْرِي وكلمته الْأُخْرَى قَوْله أَنا ربكُم الْأَعْلَى وَكَانَ بَينهمَا أَرْبَعُونَ سنة

26

{إِنَّ فِي ذَلِك} فِيمَا فعلنَا بهم بفرعون وَقَومه {لَعِبْرَةً} لعظة {لِّمَن يخْشَى} لمن يخَاف مَا صنع بهم

27

{أأنتم} يَا أهل مَكَّة {أَشَدُّ خَلْقاً} بعثاً وَأحكم صَنْعَة {أَمِ السمآء بَنَاهَا}

28

{رَفَعَ سَمْكَهَا} سقفها {فَسَوَّاهَا} على الأَرْض

29

{وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا} أظلم لَيْلهَا {وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا} أبرز نَهَارهَا وشمسها

30

{وَالْأَرْض بَعْدَ ذَلِك دَحَاهَا} مَعَ ذَلِك بسطها على المَاء وَيُقَال بعد ذَلِك بسطها على المَاء بألفي سنة

31

{أَخْرَجَ مِنْهَا} من الأَرْض {مَآءَهَا} الْجَارِي والغائر {ومرعاها} كلأها

32

{وَالْجِبَال أَرْسَاهَا} أوتدها

33

{مَتَاعاً لَّكُمْ} مَنْفَعَة لكم {وَلأَنْعَامِكُمْ} المَاء والكلأ

34

{فَإِذَا جَآءَتِ الطآمة الْكُبْرَى} وَهِي قيام السَّاعَة طمت وعلت على كل شَيْء فَلَيْسَ فَوْقهَا شىء

35

{يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَان} يتعظ وَيعلم الْكَافِر النَّضر وَأَصْحَابه {مَا سعى} الَّذِي عمل فِي كفره

36

{وَبُرِّزَتِ الْجَحِيم} أظهرت الْجَحِيم {لِمَن يرى} لمن يجب لَهُ دُخُولهَا

37

{فَأَمَّا مَن طَغى} علا وتكبر وَكفر بِاللَّه هُوَ النَّضر بن الْحَارِث بن عَلْقَمَة

38

{وَآثَرَ الْحَيَاة الدُّنْيَا} اخْتَار الدُّنْيَا على الْآخِرَة وَالْكفْر على الْإِيمَان

39

{فَإِنَّ الْجَحِيم هِيَ المأوى} مأوى من كَانَ هَكَذَا

40

{وَأَمَّا مَنْ خَافَ} عِنْد الْمعْصِيَة {مَقَامَ رَبِّهِ} مقَامه بَين يَدي ربه فَانْتهى عَن الْمعْصِيَة {وَنَهَى النَّفس عَنِ الْهوى} عَن الْحَرَام الَّذِي يشتهيه وَهُوَ مُصعب بن عُمَيْر

41

{فَإِنَّ الْجنَّة هِيَ المأوى} مأوى من كَانَ هَكَذَا

42

{يَسْأَلُونَك} يَا مُحَمَّد كفار مَكَّة {عَنِ السَّاعَة} عَن قيام السَّاعَة {أَيَّانَ مُرْسَاهَا} مَتى قِيَامهَا إِنْكَار مِنْهُم لَهَا

43

{فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا} مَا أَنْت وَذَاكَ أَن تذكرها لَهُم

44

{إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَآ} مُنْتَهى علم قِيَامهَا

45

{إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ} رَسُول مخوف بِالْقُرْآنِ {مَن يَخْشَاهَا} من يخَاف قِيَامهَا

46

{كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا} يَعْنِي السَّاعَة {لَمْ يَلْبَثُوا} فِي الْقُبُور فِي الدُّنْيَا {إِلاَّ عَشِيَّةً} قدر عَشِيَّة {أَوْ ضُحَاهَا} أَو قدر غدْوَة من أول النَّهَار وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْأَعْمَى وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها أَرْبَعُونَ وكلماتها مائَة وَثَلَاث وَثَلَاثُونَ وحروفها خَمْسمِائَة وَثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

عبس

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {عبس} يَقُول كلح مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجهه {وَتَوَلَّى} أعرض بِوَجْهِهِ

2

{أَن جَآءَهُ الْأَعْمَى} إِذْ جَاءَهُ عبد الله ابْن أم مَكْتُوم وَهُوَ عبد الله بن شُرَيْح وَأم مَكْتُوم كَانَت أم أَبِيه وَذَلِكَ أَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ جَالِسا مَعَ ثَلَاثَة نفر من أَشْرَاف قُرَيْش مِنْهُم الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب عَمه وَأُميَّة بن خلف الجمحى وَصَفوَان ابْن أُميَّة وَكَانُوا كفَّارًا فَكَانَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَعِظهُمْ ويدعوهم إِلَى الْإِسْلَام فجَاء ابْن أم مَكْتُوم فَقَالَ يَا رَسُول الله عَلمنِي مِمَّا علمك الله فَأَعْرض النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِوَجْهِهِ عَنهُ اشتغالاً بهؤلاء النَّفر فَنزل فِيهِ عبس كلح مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِوَجْهِهِ وَتَوَلَّى أعرض بِوَجْهِهِ عَن عبد الله أَن جَاءَهُ الْأَعْمَى ابْن أم مَكْتُوم

3

{وَمَا يُدْرِيكَ} يَا مُحَمَّد {لَعَلَّهُ} أَي الْأَعْمَى {يزكّى} يصلح بِالْقُرْآنِ

4

{أَوْ يَذَّكَّرُ} يتعظ بِالْقُرْآنِ {فَتَنفَعَهُ الذكرى} أَي العظة بِالْقُرْآنِ وَيُقَال وَمَا يدْريك يَا مُحَمَّد لَعَلَّه يزكّى أَن لَا يصلح أَو يذكر أَو لَا يتعظ فتنفعه الذكرى أَو لَا تَنْفَعهُ أَي العظة

5

{أَمَّا مَنِ اسْتغنى} عَن الله فِي نَفسه وهم هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة

6

{فَأَنتَ لَهُ تصدى} تقبل عَلَيْهِ بِوَجْهِك

7

{وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يزكّى} أَلا يوحد هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة

8

{وَأَمَّا مَن جَآءَكَ يسْعَى} يسْرع فِي الْخَيْر

9

{وَهُوَ يخْشَى} من الله وَهُوَ مُسلم وَكَانَ قد أسلم قبل ذَلِك ابْن أم مَكْتُوم

10

{فَأَنتَ عَنْهُ} يَا مُحَمَّد {تلهى} تعرض مشتغلاً بهؤلاء الثَّلَاثَة

11

{كَلاَّ} لَا تفعل هَكَذَا يَقُول لَا تقبل على الَّذِي اسْتغنى عَن الله فِي نَفسه وَتعرض عَمَّن يخْشَى الله فَكَانَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكرم ابْن أم مَكْتُوم بعد ذَلِك وَيحسن إِلَيْهِ كلا حَقًا {إِنَّهَا} يَعْنِي هَذِه السُّورَة {تَذْكِرَةٌ} عظة من الله للغني وَالْفَقِير

12

{فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ} فَمن شَاءَ الله لَهُ أَن يتعظ اتعظ

13

{فَي صُحُفٍ} يَقُول الْقُرْآن مَكْتُوب فِي كتب من أَدَم {مُّكَرَّمَةٍ} كَرِيمَة على الله

14

{مَّرْفُوعَةٍ} مُرْتَفعَة فِي السَّمَاء {مُّطَهَّرَةٍ} من الأدناس والشرك

15

{بِأَيْدِي سَفَرَةٍ} كتبة

16

{كِرَامٍ} هم كرام على الله مُسلمُونَ {بَرَرَةٍ} صَدَقَة وهم الْحفظَة أهل السَّمَاء الدُّنْيَا

17

{قُتِلَ الْإِنْسَان} لعن الْكَافِر عتبَة بن أبي لَهب {مَآ أَكْفَرَهُ} مَا الَّذِي أكفره بِاللَّه وبنجوم الْقُرْآن يَعْنِي وبالنجم إِذا هوى وَيُقَال مَا أَشد كفره

18

{مِنْ أَيِّ شَيءٍ خَلَقَهُ}

يَقُول فليتفكر فِي نَفسه من أَي شَيْء خلقه نسمَة

19

ثمَّ بيَّن لَهُ فَقَالَ {مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ} نسمَة {فَقَدَّرَهُ} قدر خلقه باليدين وَالرّجلَيْنِ والعينين والأذنين وَسَائِر الْأَعْضَاء

20

{ثُمَّ السَّبِيل يَسَّرَهُ} طَرِيق الْخَيْر وَالشَّر بَينه وَيُقَال سَبِيل الرَّحِم يسره بِالْخرُوجِ

21

{ثُمَّ أَمَاتَهُ} بعد ذَلِك {فَأَقْبَرَهُ} فَأمر بِهِ فقبر

22

{ثُمَّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُ} بَعثه من الْقَبْر

23

{كَلاَّ} حَقًا يَا مُحَمَّد {لَمَّا} لم {يَقْضِ} وَالْألف هَهُنَا صلَة لم يزدْ {مَآ أَمَرَهُ} الَّذِي أمره الله من التَّوْحِيد وَغَيره

24

{فَلْيَنظُرِ الْإِنْسَان} فليتفكر الْكَافِر عتبَة بن أبي لَهب {إِلَى طَعَامِهِ} فِي رزقه الَّذِي يَأْكُلهُ كَيفَ يحول من حَال إِلَى حَال حَتَّى يَأْكُلهُ

25

ثمَّ بيَّن لَهُ تحويله فَقَالَ {أَنَّا صَبَبْنَا المآء صَبّاً} يَعْنِي الْمَطَر على الأَرْض صبا

26

{ثُمَّ شَقَقْنَا} صدعنا {الأَرْض شَقّاً} صدعاً بالنبات

27

{فَأَنبَتْنَا فِيهَا} فِي الأَرْض {حَبّاً} الْحُبُوب كلهَا

28

{وَعِنَباً} يَعْنِي الكروم {وَقَضْباً} قتاً وَيُقَال هُوَ الرّطبَة

29

{وَزَيْتُوناً} شَجَرَة الزَّيْتُون {وَنَخْلاً} يَعْنِي النخيل

30

{وَحَدَآئِقَ} مَا أحيط عَلَيْهَا من الشّجر والنخيل {غُلْباً} غلاظا طوَالًا

31

{وَفَاكِهَةً} وألوان الْفَاكِهَة {وَأَبّاً} يَعْنِي الْكلأ وَيُقَال وَهُوَ التِّبْن

32

{مَّتَاعاً لَّكُمْ} مَنْفَعَة الْحُبُوب وَغَيرهَا {وَلأَنْعَامِكُمْ} الْكلأ

33

{فَإِذَا جَآءَتِ الصآخة} وَهُوَ قيام السَّاعَة صَاح وخضع وانقاد وَأجَاب لَهَا كل شَيْء وتذل الْخَلَائق ويعلمون أَنَّهَا كائنة

34

ثمَّ بيَّن مَتى تكون فَقَالَ {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْء} الْمُؤمن {مِنْ أَخِيهِ} الْكَافِر

35

{وَأُمِّهِ} ويفر من أمه {وَأَبِيهِ} ويفر من أَبِيه

36

{وَصَاحِبَتِهِ} ويفر من زَوجته {وَبَنِيهِ} ويفر من بنيه وَيُقَال يفر هابيل من قابيل وَمُحَمّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أمه آمِنَة وَإِبْرَاهِيم من أَبِيه ولوطاً من زَوجته واعلة ونوح من ابْنه كنعان

37

{لكل امْرِئ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {شَأْنٌ يُغْنِيهِ} عمل يشْغلهُ عَن غَيره

38

{وُجُوهٌ} وُجُوه الْمُؤمنِينَ المصدقين فِي إِيمَانهم {يَوْمَئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {مُّسْفِرَةٌ} مشرقة بِرِضا الله عَنْهَا

39

{ضَاحِكَةٌ} معجبة بكرامة الله لَهَا {مُّسْتَبْشِرَةٌ} مسرورة بِثَوَاب الله

40

{وَوُجُوهٌ} وُجُوه الْمُنَافِقين وَالْكفَّار {يَوْمَئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {عَلَيْهَا غَبَرَةٌ} غُبَار

41

{تَرْهَقُهَا} تعلوها وتغشاها {قَتَرَةٌ} كآبة وكسوف

42

{أُولَئِكَ} أهل هَذِه الصّفة {هُمُ الْكَفَرَة} بِاللَّه {الفجرة} الكذبة على الله وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا إِذا الشَّمْس كورت وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها تسع وَعِشْرُونَ وكلماتها مائَة وَأَرْبع وحروفها خَمْسمِائَة وَثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ حرفا {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

التكوير

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {إِذَا الشَّمْس كُوِّرَتْ} يَقُول تكور كَمَا تكور الْعِمَامَة ويرمى بهَا فِي حجاب النُّور وَيُقَال دهورت وَيُقَال ذهب ضوؤها

2

{وَإِذَا النُّجُوم انكدرت} تساقطت على وَجه الأَرْض

3

{وَإِذَا الْجبَال سُيِّرَتْ} ذهبت عَن وَجه الأَرْض

4

{وَإِذَا العشار} النوق الْحَوَامِل {عُطِّلَتْ} عطلها أَرْبَابهَا اشتغالا بِأَنْفسِهِم

5

{وَإِذَا الوحوش حُشِرَتْ} الْبَهَائِم للْقصَاص وَيُقَال حشرها مَوتهَا

6

{وَإِذَا الْبحار سُجِّرَتْ} فتحت بَعْضهَا فِي بعض المالح فِي العذب فَصَارَت بحراً وَاحِدًا وَيُقَال صيرت نَارا

7

{وَإِذَا النُّفُوس زُوِّجَتْ} قرنت بالأزواج وَيُقَال قرنت بقرينها الْمُؤمن بحور الْعين وَالْكَافِر بالشيطان والصالح بالصالح والفاجر بالفاجر

8

{وَإِذا الموؤودة} المقتولة المدفونة {سُئِلَتْ} أَي سَأَلت أَبَاهَا

9

{بِأَىِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ} بِأَيّ ذَنْب قتلتني وَيُقَال وَإِذا الوائد يَعْنِي الْقَاتِل سُئِلَ بِأَيّ ذَنْب قتلتها

10

{وَإِذَا الصُّحُف} ديوَان الْحَسَنَات والسيئات {نُشِرَتْ} لِلْحسابِ وَيُقَال تطايرت فِي الأكف

11

{وَإِذَا السمآء كُشِطَتْ} نزعت من أماكنها وطويت

12

{وَإِذَا الْجَحِيم سُعِّرَتْ} أوقدت للْكَافِرِينَ

13

{وَإِذَا الْجنَّة أُزْلِفَتْ} قربت لِلْمُتقين

14

{عَلِمَتْ نَفْسٌ} علمت كل نفس برة أَو فاجرة عِنْد ذَلِك {مَّآ أَحْضَرَتْ} مَا قدمت من خير أَو شَرّ

15

(فَلاَ أُقْسِمُ) يَقُول أقسم {بالخنس} وَهِي النُّجُوم الَّتِي يخنسن بِالنَّهَارِ ويظهرن بِاللَّيْلِ

16

{الْجوَار الكنس} ويجرين بِاللَّيْلِ إِلَى المجرة يكنسن بِالنَّهَارِ ثمَّ يرجعن إِلَى أماكنهن ويغبن وكنوسهن غيبوبتهن وسقوطهن رجوعهن إِلَى أماكنهن وَهِي هَذِه الأنجم الْخَمْسَة زهرَة وزحل ومريخ ومشتري وَعُطَارِد

17

{وَاللَّيْل إِذَا عَسْعَسَ} إِذا أدبر وَذهب

18

{وَالصُّبْح إِذَا تَنَفَّسَ} إِذا أقبل واستضاء أقسم الله بِهَذِهِ الْأَشْيَاء

19

{إِنَّهُ} يَعْنِي الْقُرْآن {لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} يَقُول الله نزل بِهِ جِبْرِيل على رَسُول كريم على الله يعْنى مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

20

{ذِي قُوَّةٍ} على أعدائه يَعْنِي بِهِ جِبْرِيل {عِندَ ذِي الْعَرْش مَكِينٍ} عِنْد الله لَهُ الْقدر والمنزلة

21

{مُّطَاعٍ} يَعْنِي جِبْرِيل مُطَاع {ثَمَّ} فِي السَّمَاء يطيعه الْمَلَائِكَة {أَمِينٍ} على الرسَالَة إِلَى أنبيائه

22

{وَمَا صَاحِبُكُمْ} نَبِيكُم مُحَمَّد يَا معشر قُرَيْش {بِمَجْنُونٍ} يختنق كَمَا تَقولُونَ

23

{وَلَقَد رَآهُ} رأى مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جِبْرِيل {بالأفق الْمُبين} بمطلع الشَّمْس الْمُرْتَفع

24

{وَمَا هُوَ} يعْنى مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {عَلَى الْغَيْب} على الْوَحْي {بِضَنِينٍ} بمتهم وَيُقَال ببخيل إِن قَرَأت بالضاد

25

{وَمَا هُوَ} يَعْنِي الْقُرْآن {بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ} متمرد لعين واسْمه المرمي

26

{فَأيْنَ تَذْهَبُونَ} من عَذَاب الله يَا معشر الْكفَّار وَأمره وَنَهْيه وَيُقَال فاين تذهبون من أَيْن تكذبون وَيُقَال فَأَيْنَ تميلون عَن الْقُرْآن فَلَا تؤمنون بِهِ

27

{إِنْ هُوَ} مَا هُوَ يَعْنِي الْقُرْآن {إِلاَّ ذِكْرٌ} عظة من الله {لِّلْعَالَمِينَ} الْجِنّ وَالْإِنْس

28

{لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ} على مَا أمره الله من التَّوْحِيد وَغَيره

29

{وَمَا تشاؤون} من الاسْتقَامَة والتوحيد {إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله} لكم ذَلِك {رَبُّ الْعَالمين} رب كل ذِي روح دب على وَجه الأَرْض من أهل السَّمَاء وَالْأَرْض وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الانفطار وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها تسع عشرَة وكلماتها ثَمَانُون كلمة وحروفها مائَة وَسَبْعَة {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

الانفطار

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {إِذَا السمآء انفطرت} انشقت بنزول الرب بِلَا كَيفَ وَالْمَلَائِكَة وَمَا يَشَاء من أمره

2

{وَإِذَا الْكَوَاكِب انتثرت} تساقطت على وَجه الأَرْض

3

{وَإِذَا الْبحار فُجِّرَتْ} فتحت بَعْضهَا فِي بعض عذبها فِي مالحها ومالحها فِي عذبها فَصَارَت بحرا وَاحِدًا

4

{وَإِذَا الْقُبُور بُعْثِرَتْ} بحثت وَأخرج مَا فِيهَا من الْأَمْوَات

5

{عَلِمَتْ نَفْسٌ} كل نفس عِنْد ذَلِك {مَّا قَدَّمَتْ} من خير أَو شَرّ {وَأَخَّرَتْ} مَا أثرت من سنة صَالِحَة أَو سنة سَيِّئَة وَيُقَال مَا قدمت أَي أدَّت من طَاعَة وَمَا أخرت أى ضيعت

6

{يَا أَيهَا الْإِنْسَان} يَعْنِي الْكَافِر كلدة بن أسيد {مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ} حِين كفرت بِرَبِّك {الْكَرِيم} المتجاوز

7

{الَّذِي خَلَقَكَ} نسمَة من نُطْفَة {فَسَوَّاكَ} فِي بطن أمك {فَعَدَلَكَ} فجعلك معتدل الْقَامَة

8

{فِي أَىِّ صُورَةٍ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ} إِن شَاءَ شبهك فِي صُورَة الْأَعْمَام أَو صُورَة الأخوال وَإِن شَاءَ حسنا وَإِن شَاءَ دميماً وَإِن شَاءَ صورك فِي صُورَة القردة والخنازير وَأَشْبَاه ذَلِك

9

{كَلاَّ} حَقًا {بَلْ تُكَذِّبُونَ} يَا معشر قُرَيْش {بِالدينِ} بِالْحِسَابِ وَالْقَضَاء

10

{وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ} من الْمَلَائِكَة يحفظونكم ويحفظون أَعمالكُم

11

{كِرَاماً} هم كرام على الله مُسلمُونَ {كَاتِبِينَ} يَكْتُبُونَ أَعمالكُم

12

{يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} وَمَا تَقولُونَ من الْخَيْر وَالشَّر ويكتبون ذَلِك كُله

13

{إِنَّ الْأَبْرَار} الصَّادِقين فِي إِيمَانهم أَبَا بكر وَأَصْحَابه {لَفِي نَعِيمٍ} فِي جنَّة دَائِم نعيمها

14

{وَإِنَّ الْفجار} الْكفَّار كلدة وَأَصْحَابه {لَفِي جَحِيمٍ} فى نَار

15

{يَصْلَوْنَهَا} يدْخلُونَهَا {يَوْمَ الدّين} يَوْم الْحساب وَالْقَضَاء فِيهِ بَين الْخَلَائق

16

{وَمَا هُمَ} يَعْنِي الْكفَّار {عَنْهَا} عَن النَّار {بِغَآئِبِينَ} إِذا دخلُوا فِيهَا

17

{وَمَآ أَدْرَاكَ} يَا مُحَمَّد {مَا يَوْمُ الدّين} مَا يَوْم الْحساب

18

{ثُمَّ مَآ أَدْرَاكَ} يَا مُحَمَّد {مَا يَوْمُ الدّين} مَا يَوْم الْحساب يُعجبهُ بذلك تَعْظِيمًا لَهُ

19

ثمَّ بيَّن لَهُ فَقَالَ {يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ} لَا تقدر {نَفْسٌ} مُؤمنَة {لِنَفْسٍ} كَافِرَة {شَيْئاً} من النجَاة والشفاعة {وَالْأَمر} الحكم وَالْقَضَاء بَين الْعِبَادَة {يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} بيد الله لَا يملكهُ يَوْمئِذٍ غَيره وَلَا ينازعه أحد وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا المطففين بَين مَكَّة وَالْمَدينَة نزلت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى مهاجرته إِلَى الْمَدِينَة فاستتمت بِالْمَدِينَةِ آياتها سِتّ وَثَلَاثُونَ وكلماتها مائَة وتسع وَسِتُّونَ وحروفها سَبْعمِائة وَثَلَاثُونَ حرفا {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

المطففين

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {وَيْلٌ} شدَّة الْعَذَاب {لِّلْمُطَفِّفِينَ} بِالْكَيْلِ وَالْوَزْن وهم أهل الْمَدِينَة كَانُوا مسيئين بِالْكَيْلِ وَالْوَزْن قبل مجىء مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهِم فَنزلت على النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مسيره بِالْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَة هَذِه السُّورَة ويل شدَّة الْعَذَاب لِلْمُطَفِّفِينَ المسيئين بِالْكَيْلِ وَالْوَزْن

2

ثمَّ بيَّنهم فَقَالَ {الَّذين إِذَا اكتالوا عَلَى النَّاس} إِذا اشْتَروا من النَّاس وكالوا لأَنْفُسِهِمْ أَو وزنوا لأَنْفُسِهِمْ {يَسْتَوْفُونَ} يتمون الْكَيْل وَالْوَزْن جدا

3

{وَإِذَا كَالُوهُمْ} كالوا لغَيرهم {أَوْ وَّزَنُوهُمْ} أَو وزنوا لغَيرهم {يُخْسِرُونَ} ينقصُونَ فِي الْكَيْل وَالْوَزْن ويسيئون جدا وَيُقَال ويل شدَّة الْعَذَاب يَوْمئِذٍ لِلْمُطَفِّفِينَ من الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالصِّيَام وَغير ذَلِك من الْعِبَادَات

4

{أَلا يَظُنُّ} أَلا يعلم ويستيقن {أُولَئِكَ} المطففون بِالْكَيْلِ وَالْوَزْن {أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ} محيون

5

{لِيَوْمٍ عَظِيمٍ} شَدِيد هوله وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة

6

{يَوْمَ يَقُومُ النَّاس} من الْقُبُور {لِرَبِّ الْعَالمين} رب كل ذِي روح دب على وَجه الأَرْض وَمن أهل السَّمَاء فَلَمَّا قَرَأَ عَلَيْهِم النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه السُّورَة تَابُوا وَرَجَعُوا إِلَى وَفَاء الْكَيْل وَالْوَزْن

7

{كَلاَّ} حَقًا يَا مُحَمَّد {إِنَّ كِتَابَ الْفجار} أَعمال الْكفَّار {لَفِي سِجِّينٍ}

8

{وَمَا أَدْرَاك} يَا مُحَمَّد {مَا سِجِّين} مافى السجين تَعْظِيمًا لَهَا

9

{كِتَابٌ مَّرْقُومٌ} يَقُول أَعمال بني آدم مَكْتُوب فِي صَخْرَة خضراء تَحت الأَرْض السَّابِعَة السُّفْلى وهى سِجِّين

10

{وَيْلٌ} شدَّة الْعَذَاب {يَوْمَئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {لِّلْمُكَذِّبِينَ} بالايمان والبعث

11

{الَّذين يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدّين} بِيَوْم الْحساب وَالْقَضَاء فِيهِ

12

{وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ} بِيَوْم الدّين {إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ} عَن الْحق غشوم ظلوم {أَثِيمٍ} فَاجر مثل الْوَلِيد بن الْمُغيرَة المَخْزُومِي

13

{إِذَا تتلى} تقْرَأ {عَلَيْهِ} على الْوَلِيد بن الْمُغيرَة {آيَاتُنَا} الْقُرْآن بِالْأَمر وَالنَّهْي {قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلين} هَذِه أَحَادِيث الْأَوَّلين فِي دهرهم وكذبهم

14

{كَلاَّ} حَقًا يَا مُحَمَّد {بَلْ رَانَ} بل طبع الله {على قُلُوبِهِمْ} على قُلُوب المكذبين بِيَوْم الدّين وَيُقَال الذَّنب على الذَّنب حَتَّى يسود الْقلب وَهُوَ رين الْقلب {مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} بِمَا كَانُوا يَقُولُونَ ويعملون فِي الشّرك

15

{كَلاَّ} حَقًا يَا مُحَمَّد {إِنَّهُمْ} يَعْنِي المكذبين بِيَوْم الدّين

{عَن رَّبِّهِمْ} عَن النّظر إِلَى رَبهم {يَوْمَئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {لَّمَحْجُوبُونَ} لممنوعون والمؤمنون لَا يحجبون عَن النّظر إِلَى رَبهم

16

{ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُواْ الْجَحِيم} لداخلو النَّار

17

{ثُمَّ يُقَالُ} يَقُول لَهُم الزَّبَانِيَة إِذا دخلُوا فِيهَا {هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ} هَذَا الْعَذَاب هُوَ الَّذِي كُنْتُم بِهِ فِي الدُّنْيَا {تكذبون} أَنه لَا يكون

18

{كَلاَّ} حَقًا يَا مُحَمَّد {إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَار} أَعمال الصَّادِقين فِي إِيمَانهم {لَفِي عِلِّيِّينَ}

19

{وَمَآ أَدْرَاكَ} يَا مُحَمَّد {مَا عِلِّيُّونَ} مَا فِي عليين

20

{كتاب مرقوم} يَقُول أَعمال الأبرارمكتوبة فِي لوح من زبرجدة خضراء فَوق السَّمَاء السَّابِعَة تَحت عرش الرَّحْمَن وَهُوَ عليون

21

{يَشْهَدُهُ المقربون} مقربو أهل كل سَمَاء أَعمال الْأَبْرَار

22

{إِنَّ الْأَبْرَار} الصَّادِقين فِي إِيمَانهم وهم الَّذين لَا يُؤْذونَ الذَّر {لَفِي نَعِيمٍ} فِي جنَّة دَائِم نعيمها

23

{عَلَى الأرآئك} على السرر فِي الحجال {يَنظُرُونَ} إِلَى أهل النَّار

24

{تَعْرِفُ} يَا مُحَمَّد {فِي وُجُوهِهِمْ} وُجُوه أهل الْجنَّة {نَضْرَةَ النَّعيم} حسن النَّعيم

25

{يُسْقَوْنَ} فِي الْجنَّة {مِن رَّحِيقٍ} من خمر {مختوم} ممزوج

26

{خِتَامُهُ} عاقبته {مِسْكٌ وَفِي ذَلِك} فِيمَا ذكرت فِي الْجنَّة {فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافسُونَ} فليعمل الْعَامِلُونَ وليجتهد المجتهدون وليبادر المبادرون وليباذل المباذلون

27

{وَمِزَاجُهُ} خلطه {مِن تَسْنِيمٍ}

28

{عَيْناً} يصب عَلَيْهِم من جنَّة عدن {يَشْرَبُ بِهَا} مِنْهَا من عين التسنيم {المقربون} إِلَى جنَّة عدن صرفا بِلَا خلط

29

{إِنَّ الَّذين أَجْرَمُواْ} أشركوا أَبُو جهل وَأَصْحَابه {كَانُواْ مِنَ الَّذين آمَنُواْ} على الَّذين آمنُوا على وَأَصْحَابه {يَضْحَكُونَ} يهزءون ويسخرون

30

{وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ} بالكفار يأْتونَ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {يتغامزون} يطعنون

31

{وَإِذَا انقلبوا} وَإِذا رَجَعَ الْكفَّار {إِلَى أَهْلِهِمْ انقلبوا} رجعُوا {فَكِهِينَ} معجبين بشركهم واستهزائهم على الْمُؤمنِينَ

32

{وَإِذا رَأَوْهُمْ} رَأَوْا أَصْحَاب النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {قَالُوا} يَعْنِي الْكفَّار {إِنَّ هَؤُلَاءِ} أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {لَضَالُّونَ} عَن الْهدى

33

{وَمَآ أُرْسِلُواْ عَلَيْهِمْ} مَا سلطوا على الْمُؤمنِينَ {حافظين} لَهُم ولأعمالهم

34

{فاليوم} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وَهُوَ عَليّ وَأَصْحَابه {مِنَ الْكفَّار} على الْكفَّار {يَضْحَكُونَ}

35

{عَلَى الأرآئك} على السرر فِي الحجال {يَنظُرُونَ} إِلَى أهل النَّار يسْحَبُونَ فِي النَّار

36

{هَلْ ثُوِّبَ الْكفَّار} هَل جوزي الْكفَّار فِي الْآخِرَة {مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} إِلَّا بِمَا كَانُوا يعْملُونَ وَيَقُولُونَ فى الدُّنْيَا وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الانشقاق وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها ثَلَاث وَعِشْرُونَ وكلماتها مائَة وتسع وحروفها سَبْعمِائة وَثَلَاثُونَ {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

الانشقاق

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {إِذَا السمآء انشقت} يَقُول انشقت بالغمام والغمام مثل السَّحَاب الْأَبْيَض لنزول الرب بِلَا كَيفَ وَالْمَلَائِكَة وَمَا يَشَاء من أمره

2

{وَأَذِنَتْ} سَمِعت وأطاعت {لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} حق لَهَا أَن تفعل

3

{وَإِذَا الأَرْض مُدَّتْ} مد الْأَدِيم العكاظي وَبسطت وَيُقَال نزعت من أماكنها وسويت

4

{وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا} من الْأَمْوَات والكنوز {وَتَخَلَّتْ} عَن ذَلِك فَصَارَت خَالِيَة من ذَلِك

5

{وَأَذِنَتْ} سَمِعت وأطاعت {لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} وَحقّ لَهَا ذَلِك

6

{يَا أَيهَا الْإِنْسَان} وَهُوَ الْكَافِر أَبُو الْأسود بن كلدة بن أسيد بن خلف {إِنَّكَ كَادِحٌ} يَقُول عَامل عملا فِي كفرك فترجع بذلك {إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً} فِي الْآخِرَة وَيُقَال ساع سعياً {فَمُلاَقِيهِ} عَمَلك من خير أَو شَرّ

7

{فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ} أعطي {كِتَابَهُ} كتاب حَسَنَاته {بِيَمِينِهِ} وَهُوَ أَبُو سَلمَة بن عبد الْأسد

8

{فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً} هيناً وَهُوَ الْعرض

9

{وَيَنقَلِبُ} يرجع فِي الْآخِرَة {إِلَى أَهْلِهِ} الَّذِي أعد الله لَهُ فِي الْجنَّة {مَسْرُوراً} بهم

10

{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ} أعطي كتاب سيئاته {وَرَآءَ ظَهْرِهِ} خلف ظَهره بِشمَالِهِ وَهُوَ الْأسود بن عبد الْأسد أَخُو أبي سَلمَة

11

{فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً} يَقُول واويلاه واثبوراه

12

{وَيصلى سَعِيراً} يدْخل نَارا وقوداً

13

{إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً} بهم

14

{إِنَّهُ ظَنَّ} حسب {أَن لَّن يَحُورَ} يَعْنِي أَن لن يرجع إِلَى ربه فِي الْآخِرَة وَهُوَ بِلِسَان الْحَبَشَة يحور يرجع

15

{بلَى} ليحورن إِلَى ربه فِي الْآخِرَة {إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ} من يَوْم خلقه {بَصِيراً} عَالما بِأَن يَبْعَثهُ بعد الْمَوْت

16

{فَلاَ أُقْسِمُ} يَقُول أقسم {بالشفق} وَهُوَ حمرَة الْمغرب بعد غرُوب الشَّمْس

17

{وَاللَّيْل وَمَا وَسَقَ} وَأقسم بِاللَّيْلِ وَمَا وسق جمع وَرجع إِلَى وَطنه إِذا جن اللَّيْل

18

{وَالْقَمَر إِذَا اتسق} وَأقسم بالقمر إِذا اجْتمع وتكامل ثَلَاث لَيَال لَيْلَة ثَلَاث عشرَة وَلَيْلَة أَربع عشرَة وَلَيْلَة خمس عشرَة

19

{لَتَرْكَبُنَّ} لتحولن جملَة الْخلق {طَبَقاً عَن طَبقٍ} حَالا بعد حَال من حِين خلقهمْ إِلَى أَن يموتوا وَمن حِين مَوْتهمْ إِلَى أَن يدخلُوا الْجنَّة أَو النَّار يحولهم الله من حَال إِلَى حَال وَيُقَال لتركبن يَا مُحَمَّد لتصعدن طبقًا عَن طبق يَقُول من سَمَاء إِلَى سَمَاء لَيْلَة الْمِعْرَاج إِن قَرَأت بِنصب الْبَاء وَيُقَال ليركبن هَذَا المكذب طبقًا عَن طبق حَالا بعد حَال من حِين يَمُوت إِلَى أَن يدْخل النَّار إِن قَرَأت بِالْيَاءِ ونصبت الْيَاء

20

{فَمَا لَهُمْ} لكفار مَكَّة وَيُقَال لبني عبد ياليل الثَّقَفِيّ وَكَانُوا ثَلَاثَة مَسْعُود وحبِيب وَرَبِيعَة فَاسْلَمْ مِنْهُم حبيب وَرَبِيعَة بعد ذَلِك {لاَ يُؤْمِنُونَ} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن

21

{وَإِذا قرئَ عَلَيْهِم} وَإِذا قَرَأَ عَلَيْهِم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {الْقُرْآن} بِالْأَمر وَالنَّهْي {لاَ يَسْجُدُونَ} لَا يخضعون لله بِالتَّوْحِيدِ

22

{بَلِ الَّذين كَفَرُواْ} كفار مَكَّة وَمن لم يُؤمن من بني عبد ياليل {يُكَذِّبُونَ} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن

23

{وَالله أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ} بِمَا يَقُولُونَ ويعملون وَيُقَال بِمَا يسمعُونَ ويضمرون فِي قُلُوبهم

24

{فَبَشِّرْهُمْ} يَا مُحَمَّد لمن لَا يُؤمن بِهِ {بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} وجيع يخلص وَجَعه إِلَى قُلُوبهم يَوْم بدر فى الْآخِرَة ثمَّ اسْتثْنى الَّذين آمنُوا فَقَالَ

25

{إِلَّا الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} والطاعات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {لَهُمْ أَجْرٌ} ثَوَاب فِي الْجنَّة {غَيْرُ مَمْنُونٍ} غير مَنْقُوص وَلَا مكدر وَيُقَال لَا يمنون بذلك وَيُقَال لَا ينقص من حسناتهم بعد الْهَرم وَالْمَوْت وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا البروج وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ وكلماتها مائَة وتسع كَلِمَات وحروفها أَرْبَعمِائَة وَثَمَانِية وَثَلَاثُونَ {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

البروج

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {والسمآء ذَاتِ البروج} يَقُول أقسم الله بالسماء ذَات البروج وَيُقَال ذَات الْقُصُور اثْنَا عشر قصراً بَين السَّمَاء وَالْأَرْض يعلم الله ذَلِك

2

{وَالْيَوْم الْمَوْعُود} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة

3

{وَشَاهِدٍ} وَهُوَ يَوْم الْجُمُعَة {وَمَشْهُودٍ} وَهُوَ يَوْم عَرَفَة وَيُقَال يَوْم النَّحْر وَيُقَال شَاهد بَنو آدم ومشهود هُوَ يَوْم الْقِيَامَة وَيُقَال شَاهد مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومشهود أمته أقسم الله بهؤلاء الْأَشْيَاء إِن بَطش رَبك عَذَاب رَبك لشديد لمن لَا يُؤمن بِهِ

4

{قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُود النَّار ذَاتِ الْوقُود} بالنفط والزفت والحطب وَيُقَال لعنُوا وَيُقَال هم قوم من الْمُؤمنِينَ قَتلهمْ الْكفَّار بالنَّار ذَات الْوقُود بالنفط والزفت والحطب

6

{إِذْ هُمْ} يَعْنِي الْكفَّار {عَلَيْهَا} على الخَنْدَق وَيُقَال على الكراسي {قُعُودٌ} جُلُوس حِين أحرقهم الله بالنَّار

7

{وَهُمْ على مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ} حُضُور وَيُقَال كَانُوا يشْهدُونَ على الْمُؤمنِينَ أَن هَؤُلَاءِ قوم ضلال

8

{وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ} من الْمُؤمنِينَ وَلَا طعنوا عَلَيْهِم {إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بِاللَّه} إِلَّا لقبل إِيمَانهم بِاللَّه {الْعَزِيز} بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ {الحميد} لمن آمن بِهِ

9

{الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَات} خَزَائِن السَّمَوَات الْمَطَر {وَالْأَرْض} النَّبَات {وَالله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ} من أَعْمَالهم {شَهِيد}

10

{إِنَّ الَّذين فَتَنُواْ} أحرقوا وعذبوا {الْمُؤمنِينَ} بالنَّار يَعْنِي المصدقين من الرِّجَال بِالْإِيمَان {وَالْمُؤْمِنَات} المصدقات من النِّسَاء بِالْإِيمَان {ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ} من كفرهم وشركهم {فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ} فِي الْآخِرَة {وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيق} الشَّديد فِي النَّار وَيُقَال فِي الدُّنْيَا حَيْثُ أحرقهم الله بالنَّار وَكَانَ هَؤُلَاءِ قوما من نَجْرَان وَيُقَال من أهل الْموصل أخذُوا قوما من الْمُؤمنِينَ فعذبوهم وقتلوهم بالنَّار لكَي يرجِعوا إِلَى دينهم وَكَانَ ملكهم يُسمى يُوسُف وَيُقَال ذَا النواس

11

ثمَّ ذكر الْمُؤمنِينَ الَّذين لم يرجِعوا عَن الْإِيمَان لقبل عَذَابهمْ فَقَالَ {إِنَّ الَّذين آمَنُواْ} بِاللَّه {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {لَهُم جنَّات} بساتين {تجْرِي من تحتهَا} من تَحت شَجَرهَا ومساكنها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {ذَلِك الْفَوْز الْكَبِير} النجَاة الوافرة فازوا بِالْجنَّةِ ونجوا من النَّار

12

{إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ} أَخذ رَبك لمن لَا يُؤمن بِهِ {لشديد}

13

{إِنَّه هُوَ يبدئ} الْخلق من النُّطْفَة {وَيُعِيدُ} بعد الْمَوْت خلقا جَدِيدا

14

{وَهُوَ الغفور} المتجاوز لمن تَابَ من الْكفْر وآمن بِاللَّه {الْوَدُود} المتودد لأوليائه وَيُقَال الْمُحب لأهل طَاعَته وَيُقَال المتحبب إِلَى أهل طَاعَته

15

{ذُو الْعَرْش} ذُو السرير {الْمجِيد} الْحسن الْجيد وَيُقَال الْكَرِيم إِن قَرَأت بِضَم الدَّال فَهُوَ الله

16

{فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} كَمَا يُرِيد يحيي وَيُمِيت

17

{هَلُ أَتَاكَ} يَا مُحَمَّد استفهم نبيه بذلك وَلم يَأْته قبل ذَلِك فَأَتَاهُ بعد ذَلِك {حَدِيثُ الْجنُود} يَقُول خبر جموع

18

{فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ} وَالَّذين من قبلهم وَمن بعدهمْ كَيفَ فعلنَا بهم عِنْد التَّكْذِيب

19

{بَلِ الَّذين كَفَرُواْ} كفار مَكَّة {فِي تَكْذِيبٍ} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن

20

{وَالله مِن وَرَآئِهِمْ مُّحِيطٌ} يَقُول عَالم بهم وبأعمالهم

21

{بَلْ هُوَ} يَعْنِي الْقُرْآن الَّذِي يقْرَأ عَلَيْكُم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {قُرْآنٌ مَّجِيدٌ} كريم شرِيف

22

{فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ} يَقُول مَكْتُوب فِي لوح مَحْفُوظ من الشَّيَاطِين وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الطارق وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها سِتّ عشرَة وكلماتها إِحْدَى وَسِتُّونَ وحروفها مِائَتَان وتسع وَثَلَاثُونَ {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

الطارق

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {والسمآء والطارق} يَقُول أقسم الله بالسماء والطارق

2

{وَمَآ أَدْرَاكَ} يَا مُحَمَّد {مَا الطارق} يُعجبهُ بذلك

3

ثمَّ بيَّن فَقَالَ {النَّجْم الثاقب} المضيء النَّافِذ وَهُوَ زحل يطْرق بِاللَّيْلِ ويخنس بِالنَّهَارِ

4

{إِن كُلُّ نَفْسٍ} وَلِهَذَا كَانَ الْقسم يَقُول كل نفس برة أَو فاجرة {لَّمَّا عَلَيْهَا} يعْنى لعليها الْمِيم وَالْألف هَهُنَا صلَة وَيُقَال إِن كل نفس مَا كل نفس لما عَلَيْهَا إِلَّا عَلَيْهَا إِن قَرَأت الْمِيم بالشد {حَافِظٌ} يحفظ قَوْلهَا وعملها حَتَّى يَدْفَعهَا إِلَى الْمَقَابِر

5

{فَلْيَنظُرِ الْإِنْسَان} أَبُو طَالب {مِمَّ خُلِقَ} نَفسه

6

ثمَّ بيَّن فَقَالَ {خُلِقَ} نَفسه {مِن مَّآءٍ دَافِقٍ} مدفوق ومهراق فِي رحم الْمَرْأَة

7

{يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصلب} صلب الرجل {والترآئب} ترائب الْمَرْأَة

8

{إِنَّهُ} يَعْنِي الله {على رَجْعِهِ} على رد ذَلِك المَاء إِلَى الإحليل {لَقَادِرٌ} وَيُقَال على إِعَادَته بعد الْمَوْت وإحيائه لقادر

9

{يَوْمَ تبلى السرآئر} تظهر السرائر وَهُوَ على كل شَيْء وكل إِلَى الرجل لَا يُعلمهُ غَيره

10

{فَمَا لَهُ} لأبي طَالب {مِن قُوَّةٍ} من مَنْعَة بِنَفسِهِ {وَلاَ نَاصِرٍ} لَا مَانع لَهُ من عَذَاب الله

11

{والسمآء ذَاتِ الرجع} وَأقسم بالسماء ذَات الْمَطَر بعد الْمَطَر والسحاب بعد السَّحَاب عَاما بعد عَام

12

{وَالْأَرْض ذَاتِ الصدع} بالنبات والزروع وَيُقَال ذَات الْأَوْتَاد

13

{إِنَّهُ} يَعْنِي الْقُرْآن وَلِهَذَا كَانَ الْقسم {لَقَوْلٌ فَصْلٌ} بَيَان حق وَيُقَال حكم من الله

14

{وَمَا هوَ بِالْهَزْلِ} بِالْبَاطِلِ

15

{إِنَّهُمْ} يَعْنِي أهل مَكَّة {يَكِيدُونَ كَيْداً} يصنعون صنعا فِي كفرهم وَهُوَ صدهم النَّاس عَن مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وَيُقَال يُرِيدُونَ قَتلك وهلاكك فِي دَار الندوة يَا مُحَمَّد

16

{وَأَكِيدُ كَيْداً} وَأُرِيد قَتلهمْ يَا مُحَمَّد يَوْم بدر

17

{فَمَهِّلِ الْكَافرين} فأجل الْكَافرين {أَمْهِلْهُمْ} أَجلهم {رُوَيْداً} قَلِيلا إِلَى يَوْم بدر وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْأَعْلَى وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها تسع عشرَة كلماتها اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ كلمة وحروفها مِائَتَان وَأَرْبَعَة وَثَمَانُونَ {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

الأعلى

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {سَبِّحِ اسْم رَبِّكَ الْأَعْلَى} يَقُول صل يَا مُحَمَّد بِأَمْر رَبك الْأَعْلَى أَعلَى كل شَيْء وَيُقَال اذكر يَا مُحَمَّد تَوْحِيد رَبك وَيُقَال قل يَا مُحَمَّد سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى فِي السُّجُود

2

{الَّذِي خلق} كل ذى روح {فسوى} حَلقَة باليدين وَالرّجلَيْنِ والعينين والأذنين وَسَائِر الْأَعْضَاء

3

{وَالَّذِي قَدَّرَ} جعل كل ذكر وَأُنْثَى {فهدى} فَعرف وألهم كَيفَ يأتى الذّكر وَالْأُنْثَى وَيُقَال قدر خلقه حسنا أَو دميماُ أَو طَويلا أَو قَصِيرا وَيُقَال قدر السَّعَادَة والشقاوة لخلقه فهدى فبيَّن الْكفْر وَالْإِيمَان وَالْخَيْر والشرك

4

{وَالَّذِي أَخْرَجَ} أنبت بالمطر {المرعى} الْكلأ الْأَخْضَر

5

{فَجَعَلَهُ} بعد خضرته {غُثَآءً} يَابسا {أحوى} أسود إِذا حَال عَلَيْهِ الْحول

6

{سَنُقْرِئُكَ} سنعلمك يَا مُحَمَّد الْقُرْآن وَيُقَال سيقرأ عَلَيْك جِبْرِيل الْقُرْآن {فَلاَ تنسى}

7

{إِلاَّ مَا شَآءَ الله} وَقد شَاءَ الله لَا تنسى فَلم ينس النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد ذَلِك شَيْئا من الْقُرْآن {إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْر} الْعَلَانِيَة من القَوْل وَالْفِعْل {وَمَا يخفى} مَا أُخْفِي من السِّرّ مِمَّا لم تحدث بِهِ نَفسك بعد

8

{وَنُيَسِّرُكَ لليسرى} سنهون عَلَيْك تَبْلِيغ الرسَالَة وَسَائِر الطَّاعَات

9

{فَذَكِّرْ} عظ بِالْقُرْآنِ وَبِاللَّهِ {إِن نَّفَعَتِ الذكرى} يَقُول لَا تَنْفَع العظة بِالْقُرْآنِ وَبِاللَّهِ إِلَّا من يخْشَى من الله وَهُوَ الْمُؤمن

10

{سَيَذَّكَّرُ} سيتعظ بِالْقُرْآنِ وَبِاللَّهِ {مَن يخْشَى} الله وَهُوَ الْمُسلم

11

{وَيَتَجَنَّبُهَا} يتباعد ويتزحزح عَن العظة بِالْقُرْآنِ وَبِاللَّهِ {الأشقى} الشقي فِي علم الله

12

{الذى يَصْلَى النَّار} يدْخل النَّار فِي الْآخِرَة {الْكُبْرَى} الْعُظْمَى وَلَيْسَ شَيْء من الْعَذَاب أكبر من النَّار

13

{ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيهَا} فِي النَّار فيستريح {وَلَا يحيى} حَيَاة تَنْفَعهُ

14

{قَدْ أَفْلَحَ} قد فَازَ وَنَجَا {مَن تزكّى} من اتعظ بِالْقُرْآنِ ووحد الله

15

{وَذَكَرَ اسْم} أَمر {رَبِّهِ} بالصلوات الْخمس وَغَيرهَا {فصلى} الصَّلَوَات الْخمس فِي الْجَمَاعَة وَلها وَجه آخر قد أَفْلح وفاز وَنَجَا من تزكّى من تصدق بِصَدقَة الْفطر قبل خُرُوجه إِلَى الْمصلى وَذكر اسْم ربه هلله وَكبره فِي الذّهاب والمجيء فصلى صَلَاة الْعِيد مَعَ الإِمَام

16

{بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاة الدُّنْيَا} تختارون الْعَمَل للدنيا وثواب الدُّنْيَا على ثَوَاب الْآخِرَة

17

{وَالْآخِرَة} عمل الْآخِرَة وثواب الْآخِرَة {خَيْرٌ} أفضل من ثَوَاب الدُّنْيَا وَعمل الدُّنْيَا {وَأبقى} أدوم

18

{إِنَّ هَذَا} من قَوْله قد أَفْلح إِلَى هَهُنَا {لَفِي الصُّحُف الأولى} فِي كتب الْأَوَّلين {صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ ومُوسَى} كتاب مُوسَى التَّوْرَاة وَكتاب إِبْرَاهِيم يعلم الله بذلك وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الغاشية وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها سِتّ وَعِشْرُونَ وكلماتها اثْنَتَانِ وَتسْعُونَ وحروفها ثلثمِائة وَأحد وَثَمَانُونَ حرفا {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

الغاشية

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {هَلْ أَتَاكَ} يَقُول مَا أَتَاك يَا مُحَمَّد ثمَّ أَتَاك وَيُقَال قد أَتَاك {حَدِيثُ الغاشية} خبر قيام السَّاعَة وَيُقَال الغاشية هِيَ غاشية النَّار على أَهلهَا

2

{وُجُوهٌ} وُجُوه الْمُنَافِقين وَالْكفَّار {يَوْمَئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {خَاشِعَةٌ} ذليلة بِالْعَذَابِ

3

{عَامِلَةٌ} تجر فِي النَّار {نَّاصِبَةٌ} فِي تَعب وعناء وَيُقَال عاملة فِي الدُّنْيَا ناصبة فِي الْآخِرَة وهم الرهبان وَأَصْحَاب الصوامع وَيُقَال هم الْخَوَارِج

4

{تصلى} تدخل {نَاراً حَامِيَةً} حارة قد انْتهى حرهَا

5

{تسقى} فِي النَّار {مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ} حارة

6

{لَّيْسَ لَهُمْ} فِي تِلْكَ الدَّرك {طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ} وَهُوَ الشبرق نبت يكون بطرِيق مَكَّة إِذا كَانَ رطبا تَأْكُل مِنْهُ الْإِبِل وَإِذا يبس صَار كأظفار الْهِرَّة

7

{لاَّ يُسْمِنُ} من أكله {وَلاَ يُغْنِي مِن جُوعٍ} من أكله

8

{وُجُوهٌ} وُجُوه الْمُؤمنِينَ المخلصين {يَوْمَئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {نَّاعِمَةٌ} حَسَنَة جميلَة

9

{لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ} يَقُول لثواب عَملهَا راضية

10

{فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ} فِي دَرَجَة مُرْتَفعَة

11

{لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا} فِي الْجنَّة {لاَغِيَةً} حلفا بَاطِلا وَلَا غير بَاطِل

12

{فِيهَا} فِي الْجنَّة {عَيْنٌ جَارِيَةٌ} تجْرِي عَلَيْهِم بِالْخَيرِ وَالْبركَة وَالرَّحْمَة

13

{فِيهَا} فِي الْجنَّة {سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ} فِي الْهَوَاء مالم يَجِيء إِلَيْهَا أَهلهَا وَيُقَال مُرْتَفعَة لأَهْلهَا

14

{وَأَكْوَابٌ} كيزان بِلَا آذان وَلَا عرا وَلَا خراطيم مُدَوَّرَة الرؤوس {مَّوْضُوعَةٌ} فِي مَنَازِلهمْ

15

{وَنَمَارِقُ} وسائد {مَصْفُوفَةٌ} قد صف بَعْضهَا إِلَى بعض وَيُقَال قد نضد بَعْضهَا إِلَى بعض

16

{وَزَرَابِيُّ} وَهِي شبه الطنافس {مَبْثُوثَةٌ} مبسوطة لأَهْلهَا فَلَمَّا أخْبرهُم النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك قَالَ كفار مَكَّة ائتنا بِآيَة بِأَن الله أرسلك إِلَيْنَا رَسُولا فَقَالَ الله تَعَالَى

17

{أَفَلاَ يَنظُرُونَ} كفار مَكَّة {إِلَى الْإِبِل كَيْفَ خُلِقَتْ} بقوتها وشدتها تقوم بحملها وَلَا يقوم غَيرهَا

18

{وَإِلَى السمآء كَيْفَ رُفِعَتْ} فَوق الْخلق لَا ينالها شَيْء

19

{وَإِلَى الْجبَال كَيْفَ نُصِبَتْ} على الأَرْض لَا يحركها شىء

20

{وَإِلَى الأَرْض كَيْفَ سُطِحَتْ} بسطت على المَاء كل هَذَا آيَة لَهُم

21

{فَذَكِّرْ} عظ {إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٌ} مخوف بِالْقُرْآنِ وَيُقَال واعظ متعظ بِالْقُرْآنِ وَبِاللَّهِ

22

{لَّسْتَ عَلَيْهِم} يَا مُحَمَّد {بِمُصَيْطِرٍ} بمسلط أَن تجبرهم على الْإِيمَان

23

ثمَّ أمره بعد ذَلِك بِالْقِتَالِ فَقَالَ {إِلاَّ مَن تولى وَكَفَرَ} وَيُقَال إِلَّا من تولى بِنصب الْألف عَن الْإِيمَان وَكفر بِاللَّه

24

{فَيُعَذِّبُهُ الله} فِي الْآخِرَة {الْعَذَاب الْأَكْبَر} يَعْنِي عَذَاب النَّار

25

{إِنَّ إِلَيْنَآ إِيَابَهُمْ} مرجعهم فِي الْآخِرَة

26

{ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} ثباتهم فِي الدُّنْيَا وثوابهم وعقابهم فى الْآخِرَة

وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْفجْر وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها تسع وَعِشْرُونَ وكلماتها مائَة وتسع وَثَلَاثُونَ وحروفها خَمْسمِائَة وَسَبْعَة وَتسْعُونَ {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

الفجر

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {وَالْفَجْر} يَقُول أقسم الله بِالْفَجْرِ وَهُوَ صبح النَّهَار وَيُقَال هُوَ النَّهَار كُله وَيُقَال الْفجْر فجر السّنة

2

{وَلَيالٍ عَشْرٍ} من أول ذِي الْحجَّة

3

{وَالشَّفْع} يَوْم عَرَفَة وَيَوْم النَّحْر {وَالْوتر} ثَلَاثَة أَيَّام بعد يَوْم النَّحْر وَيُقَال الشفع كل صَلَاة تصلى رَكْعَتَيْنِ أَو أَرْبَعَة من صَلَاة الْغَدَاة وَالظّهْر وَالْعصر وَالْعشَاء وَالْوتر وَهِي كل صَلَاة تصلى ثَلَاثَة وَهِي صَلَاة الْمغرب وَالْوتر وَيُقَال الشفع السَّمَاء وَالْأَرْض وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَالْجنَّة وَالنَّار وَالْعرش والكرسي وَالشَّمْس وَالْقَمَر كل هَذَا شفع وَالْوتر مَا يكون فَردا وَيُقَال الشفع الذّكر وَالْأُنْثَى وَالْكَافِر وَالْمُؤمن والمخلص وَالْمُنَافِق والصالح والطالح وَالْوتر هُوَ الله

4

{وَاللَّيْل إِذَا يَسْرِ} يذهب وَهِي لَيْلَة الْمزْدَلِفَة وَيُقَال يذهب وَيَجِيء فِيهِ النَّاس أقسم الله بهؤلاء الْأَشْيَاء إِن رَبك يَا مُحَمَّد لبالمرصاد يَقُول على الطَّرِيق وَالطَّرِيق عَلَيْهِ

5

{هَلْ فِي ذَلِك} يَقُول فِيمَا ذكرت {قَسَمٌ لِّذِى حِجْرٍ} لذِي عقل

6

{أَلَمْ تَرَ} ألم تخبر يَا مُحَمَّد فِي الْقُرْآن {كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ} صنع رَبك {بِعَادٍ} قوم هود كَيفَ أهلكهم الله تَعَالَى عِنْد التَّكْذِيب

7

{إِرَمَ} ابْن إرم وإرم هُوَ سَام بن نوح وَكَانَ ابْن سَام شيم وَابْن شيم هام وَابْن هام عَاد {ذَاتِ الْعِمَاد} عماد السارية وَيُقَال ذَات الْقُوَّة

8

{الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَاد} بِالْقُوَّةِ والطول وَيُقَال إرم هُوَ اسْم الْمَدِينَة الَّتِي بناها شَدِيد وَشَدَّاد ذَات الْعِمَاد عماد الذَّهَب وَالْفِضَّة الَّتِي لم يخلق مثلهَا فِي الْبِلَاد بالْحسنِ وَالْجمال

9

{وَثَمُودَ} يَقُول كَيفَ أهلك ثَمُود قوم صَالح {الَّذين جَابُواْ الصخر بالواد} نقبوا الصخر بوادي الْقرى

10

{وَفِرْعَوْنَ} وَكَيف أهلك فِرْعَوْن {ذِى الْأَوْتَاد} وَإِنَّمَا سمي ذِي الْأَوْتَاد لِأَنَّهُ جعل أَرْبَعَة أوتاد فَإِذا غضب على أحد مده بَين الْأَوْتَاد فيعذبه حَتَّى يَمُوت كَمَا عذب امْرَأَته آسِيَة بنت مُزَاحم

11

{الَّذين طَغَوْاْ فِي الْبِلَاد} عصوا وَكَفرُوا فِي أَرض مصر وَيُقَال طغيانهم حملهمْ على ذَلِك

12

{فَأَكْثَرُواْ فِيهَا} فِي أَرض مصر {الْفساد} بِالْقَتْلِ وَعبادَة الْأَوْثَان

13

{فَصَبَّ} فَأنْزل {عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ} عذَابا شَدِيدا

14

{إِن رَبك} يَا مُحَمَّد {لبالمرصاد} يَقُول عَلَيْهِم ممرهم وممر سَائِر الْخلق وَيُقَال إِن مَلَائِكَة رَبك على الصِّرَاط يحبسون الْعباد فِي سبع مَوَاطِن ويسألونهم عَن سبع خِصَال

15

{فَأَمَّا الْإِنْسَان} وَهُوَ الْكَافِر أبي بن خلف وَيُقَال أُميَّة بن خلف {إِذَا مَا ابتلاه} إِذا اختبره {رَبُّهُ} بِالْمَالِ والغنى والعيش {فَأَكْرَمَهُ} كثر مَاله {وَنَعَّمَهُ} وسع عَلَيْهِ معيشته {فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ} بِالْمَالِ والمعيشة

16

{وَأَمَّآ إِذَا مَا ابتلاه} اختبره بالفقر {فَقَدَرَ عَلَيْهِ} فقتر عَلَيْهِ {رِزْقَهُ} معيشته {فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} بالفقر وضيق الْمَعيشَة

17

{كَلاَّ} وَهُوَ رد عَلَيْهِ لَيْسَ إكرامي بِالْمَالِ والغنى وإهانتي بالفقر وَقلة المَال وَلَكِن إكرامي بالمعرفة والتوفيق وإهانتي بالنكرة والخذلان {بَل لاَّ تُكْرِمُونَ الْيَتِيم} لَا تعرفُون حق الْيَتِيم كَانَ فِي حجره يَتِيم لم يعرف حَقه وَلم يحسن إِلَيْهِ

18

{وَلاَ تَحَاضُّونَ} وَلَا تحثون أَنفسكُم وَغَيرهَا {على طَعَامِ الْمِسْكِين} على صَدَقَة الْمَسَاكِين

19

{وَتَأْكُلُونَ التراث} الْمِيرَاث {أَكْلاً لَّمّاً} شَدِيدا

20

{وَتُحِبُّونَ المَال حُبّاً جَمّاً}

كثيرا

21

{كَلاَّ} وَهُوَ رد عَلَيْهِ {إِذَا دُكَّتِ الأَرْض دَكّاً دَكّاً} يَقُول إِذا زلزلت الأَرْض زَلْزَلَة بعد زلَّة

22

{وَجَآءَ رَبُّكَ} وَيَجِيء رَبك بِلَا كَيفَ {وَالْملك} وَيَجِيء الْمَلَائِكَة {صَفّاً صَفّاً} كصف أهل الدُّنْيَا فى الصَّلَاة

23

{وَجِيء يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ} مَعَ سبعين ألف زِمَام مَعَ كل زِمَام سَبْعُونَ ألف ملك يَقُودُونَهَا إِلَى الْمَحْشَر ويكشف عَنْهَا {يَوْمَئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَان} يتعظ الْكَافِر أبي بن خلف وَأُميَّة بن خلف {وأنى لَهُ الذكرى} من أَيْن لَهُ العظة وَقد فَاتَتْهُ العظة

24

{يَقُول يَا لَيْتَني} يتَمَنَّى {قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} الْبَاقِيَة من حَياتِي الفانية يَقُول يَا لَيْتَني عملت فِي حَياتِي الفانية لحياتى الْبَاقِيَة

25

{فَيَوْمَئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ} كعذابه {أحد}

26

{وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ} كوثاقه وَله وَجه آخر إِن قَرَأت بِكَسْر الذَّال والثاء يَقُول لَا يعذب عَذَابه كعذاب الله أحد وَلَا يوثق وثَاقه كوثاق الله أحد أَي لَا يبلغ أحد فِي الْعَذَاب كَمَا يبلغ الله فى عَذَاب الْخلق

27

{يَا أيتها النَّفس المطمئنة} الآمنة من عَذَاب الله الصادقة بتوحيد الله الشاكرة بنعماء الله الصابرة ببلاء الله الراضية بِقَضَاء الله القانعة بعطاء الله

28

{ارجعي إِلَى رَبِّكِ} إِلَى مَا أعد الله لَك فِي الْجنَّة وَيُقَال إِلَى سيدك يَعْنِي الْجَسَد {رَاضِيَةً} بِثَوَاب الله {مَّرْضِيَّةً} عَنْك بِالتَّوْحِيدِ

29

{فادخلي فِي عِبَادِي} فِي زمرة أوليائي

30

{وادخلي جنتي} الَّتِى أعدت لَك وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْبَلَد وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها عشرُون وكلماتها اثْنَتَانِ وَثَمَانُونَ وحروفها ثلثمِائة وَعِشْرُونَ حرفا {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

البلد

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {لاَ أُقْسِمُ} يَقُول أقسم {بِهَذَا الْبَلَد} مَكَّة

2

{وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَد} يَقُول قد أحل الله لَك فى هَذَا الْبَلَد مَالا يحل لأحد قبلك وَلَا بعْدك وَيُقَال وَأَنت حل نَازل بِهَذَا الْبَلَد وَيُقَال وَأَنت فِي حل مِمَّا صنعت فِي هَذَا الْبَلَد

3

{وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ} فالوالد آدم وَمَا ولد بنوه وَيُقَال الْوَالِد الَّذِي يلد من الرِّجَال وَالنِّسَاء وَمَا ولد الَّذِي لَا يلد من الرِّجَال وَالنِّسَاء أقسم الله بهؤلاء الْأَشْيَاء

4

{لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَان} يَعْنِي كلدة بن أسيد {فِي كَبَدٍ} معتدل الْقَامَة وَيُقَال يكابد أَمر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَيُقَال فِي كبد فِي قُوَّة وَشدَّة

5

{أَيَحْسَبُ} أيظن الْكَافِر فِي قوته وشدته {أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ} يَعْنِي على أَخذه وعقوبته أحد يَعْنِي الله

6

{يَقُول} يعْنى كلدة بن أسيد وَيُقَال الويد بن الْمُغيرَة {أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَداً} أنفقت مَالا كثيرا فى عَدَاوَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يَنْفَعنِي ذَلِك شَيْئا

7

{أَيَحْسَبُ} أيظن الْكَافِر {أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ} لم ير الله صَنِيعه أنْفق أم لَا

8

ثمَّ ذكر منته عَلَيْهِ فَقَالَ {أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ} ينظر بهما

9

{وَلِسَاناً} ينْطق بِهِ {وَشَفَتَيْنِ} يضم وَيرْفَع بهما

10

{وَهَدَيْنَاهُ النجدين} بيَّنا لَهُ الطَّرِيقَيْنِ طَرِيق الْخَيْر وَالشَّر وَيُقَال طَرِيق الثديين

11

{فَلاَ اقتحم الْعقبَة} يَقُول هَل جَاوز تِلْكَ الْعقبَة الَّذِي يَدعِي الْقُوَّة وَهِي الصِّرَاط

12

{وَمَآ أَدْرَاكَ} يَا مُحَمَّد {مَا الْعقبَة} هِيَ عقبَة ملساء بَين الْجنَّة وَالنَّار يُعجبهُ بذلك

13

{فَكُّ رَقَبَةٍ} يَقُول اقتحامها فك رَقَبَة وَيُقَال لَا يتَجَاوَز تِلْكَ الْعقبَة إِلَّا من قد فك رَقَبَة أعتق نسمَة إِذا قَرَأت بِنصب الْكَاف وَالتَّاء

14

{أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} ذِي مجاعَة وَشدَّة

15

{يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ} ذَا قربَة

16

{أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ} لاصق بِالتُّرَابِ من الْجهد والمسكين الَّذِي لَا شَيْء لَهُ

17

{ثُمَّ كَانَ} مَعَ ذَلِك {مِنَ الَّذين آمَنُواْ} فِيمَا بَينهم بَين رَبهم آمنُوا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَتَوَاصَوْاْ} تحاثوا {بِالصبرِ} على أَدَاء فَرَائض الله والمرازي {وَتَوَاصَوْاْ} تحاثوا {بالمرحمة} بالترحم على الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين

18

{أُولَئِكَ} أهل هَذِه الصّفة {أَصْحَابُ الميمنة} أهل الْجنَّة الَّذين يُعْطون كِتَابهمْ بيمينهم

19

{وَالَّذين كفرُوا بِآيَاتِنَا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن كلدة وَأَصْحَابه {هم أَصْحَاب المشأمة} أهل النَّار يُعْطون كِتَابهمْ بِشمَالِهِ

20

{عَلَيْهِم نَار مؤصدة} مطبقة لُغَة طى

وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الشَّمْس وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها خمس عشرَة وكلماتها أَربع وَخَمْسُونَ كلمة وحروفها مِائَتَان وَسَبْعَة وَأَرْبَعُونَ {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

الشمس

وَإِسْنَاده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {وَالشَّمْس وَضُحَاهَا} أقسم الله بالشمس وضوئها

2

{وَالْقَمَر إِذَا تَلاَهَا} تبعها يَقُول تبع الشَّمْس أول لَيْلَة رؤى الْهلَال

3

{وَالنَّهَار إِذَا جَلاَّهَا وَاللَّيْل إِذَا يَغْشَاهَا} مقدم ومؤخر يَقُول وَاللَّيْل إِذا يَغْشَاهَا يغشى ضوء النَّهَار وَالنَّهَار إِذا جلاها جلى ظلمَة اللَّيْل

5

{والسمآء وَمَا بَنَاهَا} وَالَّذِي خلقهَا وَهُوَ الله أقسم بِنَفسِهِ

6

{وَالْأَرْض وَمَا طَحَاهَا} وَالَّذِي بسطها على المَاء

7

{وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} وَالَّذِي سوى خلقهَا باليدين وَالرّجلَيْنِ والعينين والأذنين وَسَائِر الْأَعْضَاء

8

{فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} فعرفها وبيَّن لَهَا مَا تَأتي وَمَا تتقي أقسم الله بِنَفسِهِ وبهؤلاء الْأَشْيَاء

9

{قَدْ أَفْلَحَ} قد فَازَ نفس {مَن زَكَّاهَا} من أصلحها الله وَعرفهَا ووفقها

10

{وَقَدْ خَابَ} خسر نفس {مَن دَسَّاهَا} من أغواها الله وأضلها وخذلها

11

{كَذَّبَتْ ثَمُودُ} قوم صَالح {بِطَغْوَاهَآ} يَقُول طغيانهم حملهمْ على ذَلِك

12

{إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا} قَامَ أَشْقَى الْقَوْم قدار بن سالف ومصدع بن دهو فعقرا النَّاقة

13

{فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ الله} صَالح قبل أَن يعقروا النَّاقة {نَاقَةَ الله} ذَروا نَاقَة الله {وَسُقْيَاهَا} أَي وشربها

14

{فَكَذَّبُوهُ} صَالحا بالرسالة {فَعَقَرُوهَا} فعقروا النَّاقة {فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنبِهِمْ} أهلكهم رَبهم بذنبهم بِقَتْلِهِم النَّاقة وتكذيبهم صَالحا {فَسَوَّاهَا} فسواهم بِالْعَذَابِ الصَّغِير وَالْكَبِير

15

{وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا} ثائرها وَيُقَال فَعَقَرُوهَا وَلَا يخَاف عقباها تبعتها مقدم ومؤخر وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا اللَّيْل وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها إِحْدَى وَعِشْرُونَ وكلماتها إِحْدَى وَسَبْعُونَ وحروفها ثلثمِائة وَعِشْرُونَ حرفا {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

الليل

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {وَاللَّيْل} يَقُول أقسم الله بِاللَّيْلِ {إِذَا يغشى} ضوء النَّهَار

2

{وَالنَّهَار إِذَا تجلى} ظلمَة اللَّيْل

3

{وَمَا خَلَقَ} وَالَّذِي خلق {الذّكر وَالْأُنْثَى}

4

{إِنَّ سعيكم} عَمَلكُمْ {لشتى} مُخْتَلف مكذب بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ومصدق بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وعامل للجنة وعامل للنار وَلِهَذَا كَانَ الْقسم

5

{فَأَما من أعْطى} تصدق بِمَا لَهُ سَبِيل الله وَاشْترى تِسْعَة نفر من الْمُؤمنِينَ كَانُوا فِي أَيدي الْكَافرين يعذبونهم على دينهم فاشتراهم مِنْهُم أعتقهم {وَاتَّقَى} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش

6

{وَصدق بِالْحُسْنَى} بعدة الله وَيُقَال بِالْجنَّةِ وَيُقَال بِلَا إِلَه إِلَّا الله

7

{فسنيسره لليسرى} فسنهون عَلَيْهِ الطَّاعَة ونستوفقه بِالطَّاعَةِ مرّة بعد مرّة وَيُقَال الصَّدَقَة فِي سَبِيل الله مرّة بعد مرّة وَهُوَ أَبُو بكر الصّديق

8

{وَأما من بخل} بِمَا لَهُ عَن سَبِيل الله وَهُوَ الْوَلِيد بن الْمُغيرَة وَيُقَال أَبُو سُفْيَان بن حَرْب فَلم يكن مُؤمنا حِينَئِذٍ {وَاسْتغْنى} فِي نَفسه عَن الله

9

{وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى} بعدة الله وَيُقَال بِالْجنَّةِ وَيُقَال بِلَا إِلَه إِلَّا الله

10

{فَسَنُيَسِّرُهُ للعسرى} فسنهون عَلَيْهِ الْمعْصِيَة مرّة بعد مرّة والإمساك عَن الصَّدَقَة فِي سَبِيل الله

11

{وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ} الَّذِي جمع فِي الدُّنْيَا {إِذَا تردى} إِذا مَاتَ وَيُقَال إِذا تردى فِي النَّار

12

{إِنَّ عَلَيْنَا للهدى} للْبَيَان بَيَان الْخَيْر وَالشَّر

13

{وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالْأولَى} ثَوَاب الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَيُقَال لنا للآخرة وَالْأولَى الْآخِرَة بالثواب والكرامة وَالْأولَى بالمعرفة والتوفيق

14

{فَأَنذَرْتُكُمْ} خوفتكم يَا أهل مَكَّة بِالْقُرْآنِ {نَاراً تلظى} تغيظ وتتلهب

15

{لاَ يَصْلاَهَآ} لَا يدخلهَا يَعْنِي النَّار {إِلاَّ الأشقى} إِلَّا الشقى فِي علم الله

16

{الَّذِي كَذَّبَ} بِالتَّوْحِيدِ وَيُقَال قصر عَن طَاعَة الله {وَتَوَلَّى} عَن الْإِيمَان وَيُقَال عَن التَّوْبَة

17

{وَسَيُجَنَّبُهَا} يباعد ويزحزح عَن النَّار {الأتقى} التقي

18

{الذى يُؤْتِي مَالَهُ} يُعْطي مَاله فِي سَبِيل الله وَهُوَ أَبُو بكر الصّديق {يتزكى} يُرِيد بذلك وَجه الله

19

{وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تجزى} وَلم يعْمل ذَلِك مجازاة لأحد

20

{إِلاَّ ابتغآء وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى} إِلَّا طلب رضَا ربه الْأَعْلَى أَعلَى كل شَيْء

21

{وَلَسَوْفَ يرضى} يعْطى من الثَّوَاب والكرامة حَتَّى يرضى وَهُوَ أَبُو بكر الصّديق وَأَصْحَابه وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الضُّحَى وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها إِحْدَى عشرَة وكلماتها أَرْبَعُونَ وحروفها مائَة وَاثْنَانِ {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

الضحى

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {وَالضُّحَى} يَقُول أقسم الله بِالنَّهَارِ كُله

2

{وَاللَّيْل إِذَا سجى} إِذا أظلم واسود

3

{مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ} مَا تَركك رَبك مُنْذُ أوحى إِلَيْك {وَمَا قلى} مَا أبغضك مُنْذُ أحبك وَلِهَذَا كَانَ الْقسم وَهَذَا بعد مَا حبس الله عَنهُ الْوَحْي خمس عشرَة لَيْلَة لتَركه الِاسْتِثْنَاء فَقَالَ الْمُشْركُونَ ودعه ربه وقلاه

4

{وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأولى} يَقُول ثَوَاب الْآخِرَة خير لَك من ثَوَاب الدُّنْيَا

5

{وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ} فِي الْآخِرَة من الشَّفَاعَة {فترضى} حَتَّى ترْضى ثمَّ ذكر منته عَلَيْهِ فَقَالَ

6

{أَلَمْ يَجِدْكَ} يَا مُحَمَّد {يَتِيماً} بِلَا أَب وَلَا أم {فآوى} آواك إِلَى عمك أبي طَالب وَكفى مؤنتك فَقَالَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نعم يَا جِبْرِيل فَقَالَ جِبْرِيل أَيْضا

7

{وَوَجَدَكَ} يَا مُحَمَّد {ضَآلاًّ} بَين قوم ضلال {فهدى} فهداك بِالنُّبُوَّةِ فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نعم يَا جِبْرِيل فَقَالَ أَيْضا

8

{وَوَجَدَكَ} يَا مُحَمَّد {عَآئِلاً} فَقِيرا {فأغنى} فأغناك بِمَال خَدِيجَة وَيُقَال أرضاك بِمَا أَعْطَاك فَقَالَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نعم يَا جِبْرِيل فَقَالَ أَيْضا

9

{فَأَمَّا الْيَتِيم فَلاَ تَقْهَرْ} فَلَا تظلمه وَلَا تحتقره

10

{وَأَمَّا السآئل فَلاَ تَنْهَرْ} فَلَا ترده خائباً وَلَا تزجره

11

{وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ} بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام {فَحَدِّثْ} النَّاس بذلك وَأخْبرهمْ وأعلمهم بذلك

وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا ألم نشرح وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها ثَمَان وكلماتها سبع وَعِشْرُونَ وحروفها مائَة وَثَلَاثَة {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

الشرح

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} وَهَذَا مَعْطُوف على قَوْله ووجدك عائلاً فأغنى فَقَالَ ألم نشرح لَك يَا مُحَمَّد صدرك قَلْبك لِلْإِسْلَامِ يَقُول ألم نلين قَلْبك يَوْم الْمِيثَاق بالمعرفة والفهم والنصرة وَالْعقل وَالْيَقِين وَغير ذَلِك وَيُقَال ألم نوسع قَلْبك بِالنُّبُوَّةِ فَقَالَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نعم فَقَالَ أَيْضا

2

{وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ} حططنا عَنْك إثمك

3

{الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ} أثقل ظهرك بِهِ يَعْنِي الْإِثْم وَيُقَال أثقل ظهرك بِالنُّبُوَّةِ فَقَالَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نعم فَقَالَ أَيْضا

4

{ورفعنا لَك ذكرك} صَوْتك بِالْأَذَانِ وَالدُّعَاء الشَّهَادَة أَن تذكر كَمَا أذكر فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نعم فَقَالَ الله تَعَالَى تَعْزِيَة لنَبيه بالفقر والشدة

5

{فَإِنَّ مَعَ الْعسر يُسْراً} مَعَ الشدَّة الرخَاء

6

{إِنَّ مَعَ الْعسر يُسْراً} مَعَ الشدَّة الرخَاء فَذكر عسراً بَين يسرين

7

{فَإِذَا فَرَغْتَ} من الْغَزْو وَالْجهَاد والقتال {فانصب} فِي الْعِبَادَة وَيُقَال إِذا فرغت من الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة فانصب فِي الدُّعَاء

8

{وَإِلَى رَبِّكَ فارغب} وحوائجك إِلَى رَبك فارفع وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا التِّين وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها ثَمَان وكلماتها أَربع وَثَلَاثُونَ وحروفها مائَة وَخَمْسُونَ {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

التين

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {والتين وَالزَّيْتُون} يَقُول أقسم الله بِالتِّينِ تينكم هَذَا وَالزَّيْتُون زيتونكم هَذَا وَيُقَال هما مسجدان بِالشَّام وَيُقَال هما جبلان بِالشَّام وَيُقَال التِّين هُوَ الْجَبَل الَّذِي عَلَيْهِ بَيت الْمُقَدّس وَالزَّيْتُون هُوَ الْجَبَل الَّذِي عَلَيْهِ دمشق

2

{وَطُورِ سِينِينَ} وَأقسم بجبل ثبير وَهُوَ جبل بمدين الَّذِي كلم الله عَلَيْهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وكل جبل هُوَ الطّور بِلِسَان النبط وسينين هُوَ الْجَبَل الْحسن الشّجر

3

{وَهَذَا الْبَلَد الْأمين} وَأقسم بِهَذَا الْبَلَد بلد مَكَّة الْأمين من أَن يهاج فِيهِ على من دخل فِيهِ

4

{لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَان} هُوَ الْكَافِر الْوَلِيد بن الْمُغيرَة وَيُقَال كلدة بن أسيد {فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} يَقُول فِي أعدل الْخلق وَلِهَذَا كَانَ الْقسم

5

{ثُمَّ رَدَدْنَاهُ} فِي الْآخِرَة {أَسْفَلَ سَافِلِينَ} يَعْنِي النَّار وَيُقَال لقد خلقنَا الْإِنْسَان يَعْنِي ولد آدم فِي أحسن تَقْوِيم فِي أحسن صُورَة إِذا تَكَامل شبابه ثمَّ رددناه أَسْفَل سافلين إِلَى أرذل الْعُمر فَلَا يكْتب لَهُ بعد ذَلِك حَسَنَة إِلَّا مَا قد عمل فِي شبابه وقوته

6

{إِلَّا الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} غير مَنْقُوص وَلَا مكدر تجْرِي لَهُم الْحَسَنَات بعد الْهَرم وَالْمَوْت

7

{فَمَا يكذبك} يَا وليد ابْن الْمُغيرَة وَيُقَال يَا كلدة بن أسيد وَيُقَال فَمن ذَا الَّذِي يكذبك يَا مُحَمَّد {بَعْدُ} بعد هَذَا الَّذِي ذكرت لَك من تَحْويل الْخلق يَعْنِي الشَّبَاب والهرم والبعث وَالْمَوْت وَيُقَال فَمن ذَا الَّذِي حملك على التَّكْذِيب يَا كلدة بن أسيد وَيَا وليد بن الْمُغيرَة {بِالدينِ} بِحِسَاب يَوْم الْقِيَامَة

8

{أَلَيْسَ الله بِأَحْكَم الْحَاكِمين} بأعدل العادلين وبأفضل الفاضلين أَن يُحْيِيك بعد الْمَوْت يَا وليد وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا العلق وَهِي كلهَا مَكِّيَّة آياتها تسع عشرَة وكلماتها اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ وحروفها مائَة وَاثْنَانِ وَعِشْرُونَ {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

العلق

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {اقْرَأ} يَقُول اقْرَأ يَا مُحَمَّد الْقُرْآن وَهَذَا أول مَا نزل بِهِ جِبْرِيل {باسم رَبِّكَ} بِأَمْر رَبك {الَّذِي خَلَقَ} الْخَلَائق

2

{خَلَقَ الْإِنْسَان} يَعْنِي ولد آدم {مِنْ عَلَقٍ} من دم عبيط فَقَالَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أَقرَأ يَا جِبْرِيل فَقَرَأَ عَلَيْهِ جِبْرِيل أَربع آيَات من أول هَذِه السُّورَة فَقَالَ لَهُ

3

{اقْرَأ} الْقُرْآن يَا مُحَمَّد

{وَرَبُّكَ الأكرم} المتجاوز الْحَلِيم عَن جهل الْعباد

4

{الذى عَلَّمَ بالقلم} الْخط بالقلم

5

{عَلَّمَ الْإِنْسَان} يَعْنِي الْخط بالقلم {مَا لَمْ يَعْلَمْ} قبل ذَلِك وَيُقَال علم الْإِنْسَان يَعْنِي آدم أَسمَاء كل شىء مالم يُعلمهُ قبل ذَلِك

6

{كَلاَّ} حَقًا يَا مُحَمَّد {إِنَّ الْإِنْسَان} يَعْنِي الْكَافِر {ليطْغى} ليبطر فيرتفع من منزلَة إِلَى منزلَة فِي الْمطعم وَالْمشْرَب والملبس والمركب

7

{أَن رَّآهُ اسْتغنى} إِذا رأى نَفسه مستغنياً عَن الله بِالْمَالِ

8

{إِنَّ إِلَى رَبِّكَ} يَا مُحَمَّد {الرجعى} مرجع الْخَلَائق فِي الْآخِرَة

9

ثمَّ نزل فِي شَأْن أبي جهل بن هِشَام حَيْثُ أَرَادَ أَن يطَأ عنق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الصَّلَاة فَقَالَ {أَرَأَيْتَ} يَا مُحَمَّد {الَّذِي ينْهَى}

10

{عبدا} يعْنى مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِذَا صلى} لله

11

{أَرَأَيْتَ إِن كَانَ على الْهدى} وَهُوَ على الْهدى يَعْنِي النُّبُوَّة وَالْإِسْلَام

12

{أَوْ أَمَرَ بالتقوى} وَأمر بِالتَّوْحِيدِ

13

{أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ} وَهُوَ كذب بِالتَّوْحِيدِ يَعْنِي أَبَا جهل {وَتَوَلَّى} عَن الْإِيمَان

14

{أَلَمْ يَعْلَم} أَبُو جهل {بِأَنَّ الله يرى} صَنِيعه بالنبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

15

{كَلاَّ} حَقًا يَا مُحَمَّد {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ} لم يتب أَبُو جهل عَن أَذَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {لَنَسْفَعاً بالناصية} لنأخذن ناصيته وَهُوَ مقدم رَأسه

16

{نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ} على الله {خَاطِئَةٍ} مُشركَة بِاللَّه

17

{فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ} قومه وَأهل مَجْلِسه

18

{سَنَدْعُ الزَّبَانِيَة} يَعْنِي زَبَانِيَة النَّار

19

{كَلاَّ} حَقًا يَا مُحَمَّد {لاَ تُطِعْهُ} يَعْنِي أَبَا جهل فِيمَا يَأْمُرك أَن لَا تصلي لِرَبِّك {واسجد} لِرَبِّك {واقترب} إِلَيْهِ بِالسُّجُود وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْقدر وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها خمس وكلماتها ثَلَاثُونَ وحروفها مائَة وَأحد وَعِشْرُونَ {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

القدر

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ} يَقُول أنزلنَا جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ جملَة وَاحِدَة على كتبة مَلَائِكَة سَمَاء الدُّنْيَا {فِي لَيْلَةِ الْقدر} فِي لَيْلَة الحكم وَالْقَضَاء وَيُقَال فِي لَيْلَة مباركة بالمغفرة وَالرَّحْمَة ثمَّ نزل بعد ذَلِك على النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نجوما نجوما

2

{وَمَآ أَدْرَاكَ} يَا مُحَمَّد تَعْظِيمًا لَهَا {مَا لَيْلَةُ الْقدر} مَا فضل لَيْلَة الْقدر

3

ثمَّ بَين فَضلهَا فَقَالَ {لَيْلَةُ الْقدر خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} يَقُول الْعَمَل فِيهَا خير من الْعَمَل فِي ألف شهر لَيْسَ فِيهَا لَيْلَة الْقدر

4

{تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَة وَالروح} جِبْرِيل مَعَهم {فِيهَا} فِي أول لَيْلَة الْقدر {بِإِذْنِ رَبِّهِم} بِأَمْر رَبهم {مِّن كُلِّ أَمْرٍ}

5

{سَلاَمٌ} يَقُول يسلمُونَ على أهل الصَّوْم وَالصَّلَاة من أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تِلْكَ اللَّيْلَة وَيُقَال من كل أَمر سَلام يَقُول من كل آفَة سَلامَة تِلْكَ اللَّيْلَة {هِيَ} يَقُول فَضلهَا وبركتها {حَتَّى مَطْلَعِ الْفجْر} يعْنى إِلَى الصُّبْح

وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْبَيِّنَة وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها تسع وكلماتها خمس وَثَلَاثُونَ وحروفها مائَة وَتِسْعَة وَأَرْبَعُونَ {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

البينة

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {لم يكن الَّذين كفرُوا من أهل الْكتاب} يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى {وَالْمُشْرِكين} مُشْركي الْعَرَب {مُنفَكِّينَ} مقيمين على الْجُحُود بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وَالْإِسْلَام {حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَة} بَيَان مَا فِي كِتَابهمْ فِي كتاب الْيَهُود وَالنَّصَارَى

2

{رَسُول من الله} يعْنى مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلها وَجه آخر يَقُول لم يكن الَّذين كفرُوا من أهل الْكتاب قبل مَجِيء مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه وَالْمُشْرِكين بِاللَّه قبل مجىء مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل أبي بكر وَأَصْحَابه منفكين منتهين عَن الْكفْر والشرك حَتَّى تأتيهم الْبَيِّنَة يَعْنِي جَاءَهُم الْبَينَات رَسُول من الله يعْنى مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {يَتْلُو صُحُفاً} يقْرَأ عَلَيْهِم كتبا {مُّطَهَّرَةً} من الشّرك

3

{فِيهَا} فى كتب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {كُتُبٌ قَيِّمَةٌ} دين وَطَرِيق مُسْتَقِيمَة عادلة لَا عوج فِيهَا

4

{وَمَا تَفَرَّقَ الَّذين أُوتُواْ الْكتاب} مَا اخْتلف الَّذين أعْطوا الْكتاب التَّوْرَاة يَعْنِي كَعْب بن الْأَشْرَف وَأَصْحَابه فى مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وَالْإِسْلَام {إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ الْبَيِّنَة} بَيَان مَا فِي كتبهمْ من صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته

5

{ومآ أمروا} فِي جملَة الْكتب {إِلَّا ليعبدوا الله} ليوحدوا الله {مُخْلِصِينَ لَهُ الدّين} بِالتَّوْحِيدِ {حُنَفَآءَ} مُسلمين {وَيُقِيمُواْ الصَّلَاة} يتموا الصَّلَوَات الْخمس بعد التَّوْحِيد {وَيُؤْتُواْ الزَّكَاة} يُعْطوا زَكَاة أَمْوَالهم بعد ذَلِك ثمَّ ذكر التَّوْحِيد أَيْضا فَقَالَ {وَذَلِكَ} يَعْنِي التَّوْحِيد {دِينُ الْقيمَة} دين الْحق الْمُسْتَقيم لَا عوج فِيهِ وَالْهَاء هَهُنَا قافية السُّورَة وَيُقَال ذَلِك يَعْنِي التَّوْحِيد دين الْقيمَة دين الْمَلَائِكَة وَيُقَال دين الحنيفية وَيُقَال مِلَّة إِبْرَاهِيم

6

{إِنَّ الَّذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكتاب} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَالْمُشْرِكين} بِاللَّه يَعْنِي مُشْركي أهل مَكَّة {فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ} مقيمين فِي النَّار لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا {أُولَئِكَ} أهل هَذِه الصّفة {هُمْ شَرُّ الْبَريَّة} شَرّ الخليقة

7

{إِن الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن مثل عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه وَأبي بكر وَأَصْحَابه {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {أُولَئِكَ} أهل هَذِه الصّفة {هُمْ خَيْرُ الْبَريَّة} خير الخليقة

8

{جَزَآؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ} ثوابهم عِنْد رَبهم {جَنَّاتُ عَدْنٍ} مَقْصُورَة الرَّحْمَن مَعْدن النَّبِيين والمقربين {تَجْرِى من تحتهَا} من تَحت شَجَرهَا ومساكنها وغرفها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {خَالِدِينَ فِيهَا} مقيمين فِي الْجنَّة لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا {أبدا رَضِي الله عَنْهُم} بإيمَانهمْ وبأعمالهم {وَرَضُواْ عَنْهُ} بالثواب والكرامة {ذَلِك} الْجنان والرضوان {لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} لمن وحد ربه مثل أبي بكر الصّديق وَأَصْحَابه وَعبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الزلزلة وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها تسع وكلماتها خمس وَثَلَاثُونَ كلمة وحروفها مائَة حرف {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

الزلزلة

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْض زِلْزَالَهَا} يَقُول تزلزلت الأَرْض زَلْزَلَة واضطربت الأَرْض اضطرابة فانكسر مَا عَلَيْهَا من الشّجر وَالْجِبَال والبنيان

2

{وَأَخْرَجَتِ الأَرْض أَثْقَالَهَا} أموالها وكنوزها

3

{وَقَالَ الْإِنْسَان} يَعْنِي الْكَافِر {مَا لَهَا} تَعَجبا مِنْهَا مِمَّا يرى من الهول

4

{يَوْمَئِذٍ} يَوْم تزلزلت الأَرْض {تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} تخبر الأَرْض بِمَا عمل عَلَيْهَا من الْخَيْر وَالشَّر

5

{بِأَنَّ رَبَّكَ أوحى لَهَا} أذن لَهَا فِي الْكَلَام

6

{يَوْمَئِذٍ} يَوْم تَتَكَلَّم الأَرْض {يَصْدُرُ} يرجع {النَّاس أَشْتَاتاً} فرقا فرقا فريق إِلَى الْجنَّة وهم الْمُؤْمِنُونَ وفريق إِلَى النَّار وهم الْكَافِرُونَ {لِّيُرَوْاْ} لكَي يرَوا {أَعْمَالَهُمْ} مَا عمِلُوا عَلَيْهَا من الْخَيْر وَالشَّر

7

ثمَّ نزل فِي قوم كَانُوا يرَوْنَ أَنهم لَا يؤجرون على قَلِيل من الْخَيْر وَلَا يأثمون على قَلِيل من الشَّرّ فحثهم على الْقَلِيل من الْخَيْر وحذرهم على الْقَلِيل من الشَّرّ فَقَالَ {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} وزن نملة صَغِيرَة أَصْغَر مَا يكون من النَّمْل {خَيْراً يَرَهُ} فِي كِتَابه فيسره وَيُقَال الْمُؤمن يرى عمله فِي الْآخِرَة وَالْكَافِر يرى عمله فى الدُّنْيَا

8

{وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} وزن نملة صَغِيرَة {شَرّاً يَرَهُ} يجده فِي كِتَابه فيسوء وَيُقَال يرى الْمُؤمن فِي الدُّنْيَا وَالْكَافِر فِي الْآخِرَة وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا العاديات وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها إِحْدَى عشرَة وكلماتها أَرْبَعُونَ وحروفها مائَة وَثَلَاثَة وَسِتُّونَ {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

العاديات

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {وَالْعَادِيات ضَبْحًا} وَذَلِكَ أَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث سَرِيَّة إِلَى بني كنَانَة فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ خبرهم فَاغْتَمَّ بذلك النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبر الله نبيه عَن ذَلِك على وَجه الْقسم فَقَالَ العاديات ضَبْحًا يَقُول أقسم الله بخيول الْغُزَاة ضبحت أنفاسهن من الْعَدو

2

{فالموريات قَدْحاً} يورين النَّار بحوافرهن قدحاً كالقادح لَا ينْتَفع بنارها كَمَا لَا ينْتَفع بِنَار أبي حباحب وَكَانَ أَبُو حباحب رجلا من الْعَرَب أبخل النَّاس مِمَّن يكون فِي العساكر لَا يُوقد نَارا أبدا للخبز وَلَا لغيره حَتَّى ينَام كل ذِي عين ثمَّ يوقدها فَإِذا أيقظ أحد أطفأها لكَي لَا ينْتَفع بهَا

3

{فالمغيرات صُبْحاً} فأغرن عِنْد الصَّباح

4

{فأثرن بِهِ} هيجن بحوافرهن وَيُقَال بعدوهن {نفعا} غبارا تُرَابا

5

{فَوَسَطْنَ بِهِ} بعدوهن {جَمْعاً} جمع الْعَدو وَلها وَجه آخر وَالْعَادِيات يَقُول أقسم الله بخيول الْحجَّاج وإبلهم وَإِذا رجعن من عَرَفَة إِلَى مُزْدَلِفَة ضَبْحًا ضبحت أنفاسهن فالموريات قدحاً يورين النَّار بِالْمُزْدَلِفَةِ فهن الموريات وَيُقَال فالموريات قدحاً فالمنجيات عملا وَهُوَ الْحَج فالمغيرات صبحاً إِذا رجعن من الْمزْدَلِفَة إِلَى منى غدْوَة فهن الْمُغيرَات فأثرن بِهِ بِالْمَكَانِ نقعا تُرَابا فوسطن بِهِ بعدوهن جمعا أقسم الله بهؤلاء الْأَشْيَاء

6

{إِنَّ الْإِنْسَان} يَعْنِي الْكَافِر وَهُوَ قرط بن عبد الله بن عَمْرو وَيُقَال أَبُو حباحب {لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} يَقُول بِنِعْمَة ربه لكفور بِلِسَان كِنْدَة وَيُقَال بربه عَاص بِلِسَان حَضرمَوْت وَيُقَال بخيل بِلِسَان بني مَالك بن كنَانَة وَيُقَال الكنود الَّذِي يمْنَع رفده ويجيع عَبده وَيَأْكُل وَحده وَلَا يُعْطي النائية فِي قومه

7

{وَإِنَّهُ على ذَلِك لَشَهِيدٌ} وَالله على صنعه لحافظ

8

{وَإِنَّهُ} يَعْنِي قرطاً {لِحُبِّ الْخَيْر لَشَدِيدٌ} يَقُول يحب المَال الْكثير حبا شَدِيدا

9

{أَفَلاَ يَعْلَمُ} قرط وَيُقَال أَبُو حباحب {إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُور} أخرج مَا فِي الْقُبُور من الْأَمْوَات

10

{وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُور} بَين مَا فِي الْقُلُوب من الْخَيْر وَالشَّر وَالْبخل والسخاوة

11

{إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ} وبأعمالهم {يَوْمَئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {لخبير} لعالم وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا القارعة وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها ثَمَان وكلماتها سِتّ وَثَلَاثُونَ كلمة وحروفها مائَة وَاثْنَانِ وَخَمْسُونَ حرفا {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

القارعة

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {القارعة مَا القارعة} يَقُول السَّاعَة مَا السَّاعَة يُعجبهُ بذلك وَإِنَّمَا سميت القارعة لِأَنَّهَا تقرع الْقُلُوب

3

{وَمَآ أَدْرَاكَ}

يَا مُحَمَّد {مَا القارعة} تَعْظِيمًا لَهَا

4

ثمَّ بنيها فَقَالَ {يَوْمَ يَكُونُ النَّاس} يجول النَّاس بَعضهم فِي بعض {كالفراش المبثوث} الْمَبْسُوط يجول بعضه فِي بعض والفراش هُوَ شَيْء يطير بَين السَّمَاء وَالْأَرْض مثل الْجَرَاد

5

{وَتَكُونُ} تصير {الْجبَال كالعهن المنفوش} كالصوف المندوف الملون

6

{فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} حَسَنَاته فِي مِيزَانه وَهُوَ الْمُؤمن

7

{فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} فِي جنَّة مرضية قد رضيها لنَفسِهِ

8

{وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ} وَهُوَ الْكَافِر

9

{فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} جعل أمه مَأْوَاه ومصيره الهاوية وَيُقَال يهوي فِي النَّار على هامته

10

{وَمَآ أَدْرَاكَ} يَا مُحَمَّد {مَا هِيَهْ} تَعْظِيمًا لَهَا

11

ثمَّ بَينهَا فَقَالَ {نَارٌ حَامِيَةٌ} حارة قد انْتهى حرهَا وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا التكاثر وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها ثَمَان وكلماتها ثَمَان وَعِشْرُونَ وحروفها مائَة وَعِشْرُونَ {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

التكاثر

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {أَلْهَاكُمُ التكاثر} يَقُول شغلكم التفاخر بالحسب وَالنّسب

2

{حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِر} وَذَلِكَ أَن بني سهم وَبني عبد منَاف تفاخروا أَيهمْ أَكثر عددا فكثرتهم بَنو عبد منَاف فَقَالَت بَنو سهم أهلكنا الْبَغي فِي الْجَاهِلِيَّة فعدوا أحياءنا وأحياءكم وأمواتنا وأمواتكم فَفَعَلُوا فكثرهم بَنو سهم فَنزلت فيهم أَلْهَاكُم التكاثر وشغلكم التفاخر فِي الْحسب وَالنّسب حَتَّى زرتم الْمَقَابِر حَتَّى ذكرْتُمْ الْأَمْوَات فِي الْعدَد وَيُقَال شغلكم التكاثر بِالْمَالِ وَالْولد حَتَّى تَمُوتُوا وتدفنوا فِي الْقُبُور

3

{كَلاَّ} وَهُوَ رد عَلَيْهِم ووعيد لَهُم {سَوْفَ تَعْلَمُونَ} مَاذَا يفعل بكم فِي الْقُبُور

4

{ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ} مَاذَا يفعل بكم عِنْد الْمَوْت

5

{كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ} مَاذَا يفعل بكم يَوْم الْقِيَامَة {عِلْمَ الْيَقِين} علما يَقِينا مَا تفاخرتم فى الدُّنْيَا

6

{لَتَرَوُنَّ الْجَحِيم} يَوْم الْقِيَامَة

7

{ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِين} عينا يَقِينا لَسْتُم عَنْهَا بغائبين يَوْم الْقِيَامَة

8

{ثمَّ لتسألن يَوْمَئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {عَنِ النَّعيم} عَن شكر النَّعيم مَا تَأْكُلُونَ وَمَا تشربون وَمَا تلبسُونَ وَغير ذَلِك وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْعَصْر وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها ثَلَاث وكلماتها أَربع عشرَة وحروفها ثَمَانِيَة وَسِتُّونَ حرفا {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

العصر

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {وَالْعصر} أقسم الله بنواجذ الدَّهْر يَعْنِي شدائده وَيُقَال بِصَلَاة الْعَصْر

2

{إِنَّ الْإِنْسَان} يَعْنِي الْكَافِر {لَفِى خُسْرٍ} لفي غبن وَفِي عُقُوبَة عَن ذهَاب أَهله ومنزله فِي الْجنَّة وَيُقَال فِي نُقْصَان عمله بعد الْهَرم وَالْمَوْت

3

{إِلَّا الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {وَتَوَاصَوْاْ بِالْحَقِّ} تحاثوا بِالتَّوْحِيدِ وَيُقَال بِالْقُرْآنِ {وَتَوَاصَوْاْ بِالصبرِ} تحاثوا بِالصبرِ على أَدَاء فَرَائض الله وَاجْتنَاب مَعَاصيه وَالصَّبْر على المرازي والمصيبات فانهم لَيْسُوا كَذَلِك

وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْهمزَة وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها تسع وكلماتها أَربع وَثَمَانُونَ وحروفها مائَة وَأحد وَسِتُّونَ {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

الهمزة

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {ويْلٌ} شدَّة عَذَاب وَيُقَال ويل وَاد فِي جَهَنَّم من قيح وَدم وَيُقَال جب فِي النَّار {لِّكُلِّ هُمَزَةٍ} مغتاب للنَّاس من خَلفهم {لُّمَزَةٍ} طعان لعان فحاش فِي وُجُوههم نزلت هَذِه الْآيَة فى الأخاص بن شريق وَيُقَال فِي الْوَلِيد بن الْمُغيرَة المخزومى وَكَانَ يغتاب النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من خَلفه ويطعن فِي وَجهه

2

{الذى جَمَعَ مَالاً} فِي الدُّنْيَا {وَعَدَّدَهُ} عدد مَاله وَيُقَال عدد جماله

3

{يَحْسَبُ} يظنّ الْكَافِر {أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ} يخلده فى الدُّنْيَا

4

{كَلاَّ} وَهُوَ رد عَلَيْهِ لَا يخلده {لَيُنبَذَنَّ} ليطرحن {فِي الحطمة}

5

{وَمَآ أَدْرَاكَ} يَا مُحَمَّد {مَا الحطمة} تَعْظِيمًا لَهَا ثمَّ بَينهَا لَهُ فَقَالَ

6

{نَارُ الله الموقدة} المستعرة على الْكفَّار

7

{الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأفئدة} تَأْكُل كل شَيْء حَتَّى تبلغ إِلَى الْقلب

8

{إِنَّهَا} يَعْنِي النَّار {عَلَيْهِم} على الْكفَّار {مُّؤْصَدَةٌ} مطبقة

9

{فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةِ} يَقُول طباقها ممدودة إِلَى الْعمد وَيُقَال قعرها بعيد وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْفِيل وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها خمس وكلماتها ثَلَاث وَعِشْرُونَ وحروفها سِتَّة وَسَبْعُونَ حرفا {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

الفيل

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {أَلَمْ تَرَ} يَعْنِي ألم تخبر فِي الْقُرْآن يَا مُحَمَّد {كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ} كَيفَ عذب رَبك وَأهْلك رَبك {بِأَصْحَابِ الْفِيل} قوم النَّجَاشِيّ الَّذين أَرَادوا خراب بَيت الله

2

{أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ} صنيعهم {فِي تَضْلِيلٍ} فِي أباطيل وتخسير

3

{وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ} سلط عَلَيْهِم {طَيْراً أَبَابِيلَ} متتابعة

4

{تَرْمِيهِم} ترمي عَلَيْهِم {بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ} من سبخ وَحل مطبوخ مثل الْآجر وَيُقَال سجيل من سَمَاء الدُّنْيَا

5

{فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولِ} كورق الزَّرْع المدود إِذا أكله الدُّود

وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا قُرَيْش وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها أَربع وكلماتها سبع عشرَة وحروفها ثَلَاثَة وَسَبْعُونَ حرفا {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

قريش

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ} يَقُول مر قُريْشًا ليألفوا على التَّوْحِيد وَيُقَال اذكر نعمتي على قُرَيْش ليألفوا على التَّوْحِيد

2

{إِيلاَفِهِمْ} كإيلافهم {رِحْلَةَ الشتآء والصيف} على رحْلَة الشتَاء إِلَى الْيمن والصيف إِلَى الشَّام وَيُقَال لَا يشق التَّوْحِيد على قُرَيْش كَمَا لَا يشق عَلَيْهِم رحْلَة الشتَاء والصيف

3

{فَلْيَعْبُدُواْ} فليوحد قُرَيْش {رَبَّ هَذَا الْبَيْت} رب هَذِه الْكَعْبَة

4

{الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ} أشبعهم من جوع سبع سِنِين وَيُقَال دفع عَنْهُم مُؤنَة الْجُوع وَمؤنَة الرحلتين الشتَاء والصيف وَكَانُوا يرتحلون فِي كل سنة رحلتين رحْلَة إِلَى الْيمن بالشتاء ورحلة إِلَى الشَّام بالصيف فَدفع عَنْهُم مُؤنَة ذَلِك {وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} من خوف الْعَدو بِأَن يدْخل عَلَيْهِم وَيُقَال من خوف النَّجَاشِيّ وَأَصْحَابه الَّذين أَرَادوا خراب الْبَيْت وَهَذِه معطوفة على السُّورَة الأولى ومن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الماعون وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها سبع وكلماتها خمس وَعِشْرُونَ وحروفها مائَة وَأحد عشر حرفا {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

الماعون

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدينِ} وَيُقَال يكذب بِحِسَاب يَوْم الْقِيَامَة وَهُوَ عَاص بن وَائِل السَّهْمِي

2

{فَذَلِك الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيم} يَقُول يدْفع الْيَتِيم عَن حَقه وَيُقَال يمْنَع حَقه

3

{وَلاَ يَحُضُّ} لَا يحث وَلَا يحافظ {على طَعَامِ الْمِسْكِين} على صَدَقَة الْمَسَاكِين

4

{فَوَيْلٌ} شدَّة عَذَاب فِي النَّار {لِّلْمُصَلِّينَ} لِلْمُنَافِقين ثمَّ بَينهم فَقَالَ

5

{الَّذين هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ} لاهون تاركون لَهَا

6

{الَّذين هم يراؤون} بصلاتهم إِذا رَأَوْا النَّاس صلوا وَإِذا لم يرَوا لم يصلوا

7

{وَيَمْنَعُونَ الماعون} الْمَعْرُوف وَيُقَال الزَّكَاة وَيُقَال العواري بَين النَّاس مثل الْقدر والأواني مِمَّا ينْتَفع بِهِ النَّاس وَغير ذَلِك وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْكَوْثَر وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها ثَلَاث وكلماتها عشر وحروفها اثْنَان وَأَرْبَعُونَ {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

الكوثر

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَر} يَقُول أعطيناك يَا مُحَمَّد الْخَيْر الْكثير وَالْقُرْآن مِنْهُ وَيُقَال الْكَوْثَر نهر فى الْجنَّة أعطَاهُ الله مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

2

{فَصَلِّ لِرَبِّكَ} شكرا لذَلِك {وانحر} اسْتقْبل بنحرك إِلَى الْقبْلَة وَيُقَال ضع يَمِينك على شمالك فِي الصَّلَاة وَيُقَال استوف الرُّكُوع وَالسُّجُود حَتَّى يَبْدُو نحرك وَيُقَال فصل لِرَبِّك صَلَاة يَوْم النَّحْر وانحر الْبدن

3

{إِنَّ شَانِئَكَ} يَقُول مبغضك {هُوَ الأبتر} أَبتر عَن أَهله وَولده وَمَاله وَعَن كل خير لَا يذكر بعد مَوته بِخَير وَهُوَ الْعَاصِ بن وَائِل السَّهْمِي وَأَنت تذكر بِكُل خير كلما أذكر وَذَلِكَ أَنهم قَالُوا إِن مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ الأبتر بعد مَا مَاتَ ابْنه عبد الله

وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْكَافِرُونَ وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها سِتّ وكلماتها سِتّ وَعِشْرُونَ وحروفها أَرْبَعَة وَسَبْعُونَ حرفا {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

الكافرون

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} وَذَلِكَ أَن الْمُسْتَهْزِئِينَ هم الْعَاصِ بن وَائِل السَّهْمِي والوليد بن الْمُغيرَة وأصحابهما قَالُوا استسلم لِآلِهَتِنَا يَا مُحَمَّد حَتَّى نعْبد إلهك الَّذِي تعبد فَقَالَ الله قل يَا مُحَمَّد لهَؤُلَاء الْمُسْتَهْزِئِينَ يأيها الْكَافِرُونَ المستهزءون بِاللَّه وَالْقُرْآن

2

{لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} من دون الله من الْأَوْثَان

3

{وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ} تَعْبدُونَ {مَآ أَعْبُدُ} وَهَذَانِ فى الْمُسْتَقْبل

4

{وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ} من دون الله

5

{وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ} وَهَذَانِ فِي الماضى وَيُقَال لَا أعبد لَا أوحد مَا تَعْبدُونَ مَا توحدون من دون الله وَلَا أَنْتُم عَابِدُونَ موحدون مَا أعبد مَا أوحد وَلَا أَنا عَابِد موحد مَا عَبدْتُمْ مَا وحدتم من دون الله وَلَا أَنْتُم عَابِدُونَ موحدون مَا أعبد مَا أوحد

6

{لَكُمْ دِينُكُمْ} عَلَيْكُم دينكُمْ الْكفْر والشرك بِاللَّه {وَلِيَ دِينِ} الْإِسْلَام وَالْإِيمَان بِاللَّه ثمَّ نسختها آيَة الْقِتَال وَقَاتلهمْ بعد ذَلِك وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا النَّصْر وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها ثَلَاث وكلماتها ثَلَاث وَعِشْرُونَ وحروفها سَبْعَة وَسَبْعُونَ حرفا {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

النصر

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {إِذَا جَآءَ نَصْرُ الله} يَقُول إِذا جَاءَ نصر الله على أعدائه قُرَيْش وَغَيرهم {وَالْفَتْح} فتح مَكَّة

2

{وَرَأَيْتَ النَّاس} أهل الْيمن وَغَيرهم {يَدْخُلُونَ فِي دِينِ الله} الْإِسْلَام {أَفْوَاجاً} جماعات الْقَبِيلَة بأسرها فَاعْلَم أَنَّك ميت

3

{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} فصل بِأَمْر رَبك شكرا لذَلِك {وَاسْتَغْفرهُ} من الذُّنُوب {إِنَّهُ كَانَ تَوَّابَا} متجاوزا رحِيما فنعى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى هَذِه السُّورَة بِالْمَوْتِ وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا أَبُو لَهب وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها خمس وكلماتها ثَلَاث وَعِشْرُونَ وحروفها سَبْعَة وَسَبْعُونَ حرفا {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

المسد

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ} وَذَلِكَ أَنه لما قَالَ الله لنَبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين فَقَالَ لَهُم بعد مَا دعاهم قُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله فَقَالَ لَهُ عَمه أَخُو أَبِيه من أمه واسْمه عبد الْعُزَّى كنيته أَبُو لَهب تَبًّا لَك يَا مُحَمَّد أَلِهَذَا دَعوتنَا فَأنْزل الله فِيهِ تبت يدا أبي لَهب يَقُول خسرت يدا أبي لَهب من كل خير {وَتَبَّ} خسر نَفسه عَن التَّوْحِيد

2

{مَآ أغْنى عَنْهُ} فِي الْآخِرَة {مَالُهُ} كَثْرَة مَاله فِي الدُّنْيَا {وَمَا كَسَبَ} يَعْنِي كَثْرَة الْأَوْلَاد

3

{سيصلى} سيدخل فِي الْآخِرَة {نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ} تشعل تغيظ

4

{وَامْرَأَته} مَعَه أم جميلَة بنت حَرْب بن أُميَّة {حَمَّالَةَ الْحَطب} نقالة النميمة كَانَت تمشي بالنميمة بَين الْمُسلمين والكافرين وَيُقَال كَانَت تَأتي بالشوك فتطرحه فى طَرِيق النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمَسْجِد وَطَرِيق الْمُسلمين

5

{فِي جِيدِهَا} فِي عُنُقهَا فِي النَّار {حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ} سلسلة من حَدِيد وَيُقَال فِي عُنُقهَا رسن من لِيف الَّذِي اختنقت بِهِ وَمَاتَتْ

وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْإِخْلَاص وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها أَربع وكلماتها خمس عشرَة كلمة وحروفها سَبْعَة وَأَرْبَعُونَ حرفا {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

الإخلاص

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} وَذَلِكَ أَن قُريْشًا قَالُوا يَا مُحَمَّد صف لنا رَبك من أَي شَيْء هُوَ من ذهب أم من فضَّة فَأنْزل الله فِي بَيَان صفته ونعته فَقَالَ قل يَا مُحَمَّد لقريش هُوَ الله أحد لَا شريك لَهُ وَلَا ولد لَهُ

2

{الله الصَّمد} السَّيِّد الَّذِي قد انْتهى سؤدده وَاحْتَاجَ إِلَيْهِ الْخَلَائق وَيُقَال الصَّمد الَّذِي لَا يَأْكُل وَلَا يشرب وَيُقَال الصَّمد الَّذِي لَيْسَ بأجوف وَيُقَال الصَّمد الصافي بِلَا عيب وَيُقَال الصَّمد الدَّائِم وَيُقَال الصَّمد الْبَاقِي وَيُقَال الصَّمد الْكَافِي وَيُقَال الصَّمد الَّذِي لَيْسَ لَهُ مدْخل وَلَا مخرج وَيُقَال الصَّمد الَّذِي

3

{لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} يَقُول لم يَرث وَلم يُورث وَيُقَال لم يلد لَيْسَ لَهُ ولد فيرث ملكه وَلم يُولد وَلَيْسَ لَهُ وَالِد فورث عَنهُ الْملك

4

{وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ} يَقُول لم يكن لَهُ كفوا أحد لَيْسَ لَهُ صد وَلَا ند وَلَا شبه وَلَا عدل وَلَا أحد يشاكله وَيُقَال لم يكن لَهُ كفوا أحد فيعاذه فى الْملك وَالسُّلْطَان وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الفلق وهى كلهَا مَكِّيَّة وَقيل مَدَنِيَّة آياتها خمس وكلماتها ثَلَاث وَعِشْرُونَ وحروفها تِسْعَة وَسِتُّونَ حرفا {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

الفلق

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفلق} يَقُول قل يَا مُحَمَّد امْتنع وَيُقَال أستعيذ بِرَبّ الفلق بِرَبّ الْخلق وَيُقَال الفلق هُوَ الصُّبْح وَيُقَال جب فِي النَّار وَيُقَال هُوَ وَاد فِي النَّار

2

{مِن شَرِّ مَا خَلَقَ} من شَرّ كل ذِي شَرّ خلق

3

{وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} من شَرّ اللَّيْل إِذا دخل وَأدبر

4

{وَمِن شَرِّ النفاثات} المهيجات الآخذات الساحرات النافخات {فِي العقد}

5

{وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} لبيد بن الأعصم اليهودى إِذْ حسد النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فسحره وَأَخذه عَن عَائِشَة وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا النَّاس وهى كلهَا مَدَنِيَّة آياتها سِتّ وكلماتها عشرُون وحروفها تِسْعَة وَسَبْعُونَ {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

الناس

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {قُلْ أَعُوذُ} يَقُول قل يَا مُحَمَّد امْتنع وَيُقَال أستعيذ {بِرَبِّ النَّاس} بِسَيِّد الْجِنّ وَالْإِنْس

2

{مَلِكِ النَّاس} مَالك الْجِنّ وَالْإِنْس

3

{إِلَه النَّاس} خَالق الْجِنّ وَالْإِنْس

4

{مِن شَرِّ الوسواس} يَعْنِي الشَّيْطَان {الخناس}

5

{الذى} إِذا ذكر الله خنس نَفسه وسترها وَإِذا لم يذكر {يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاس} فِي صُدُور الْخلق

6

{مِنَ الْجنَّة وَالنَّاس} يَقُول يوسوس فِي صُدُور الْجِنّ كَمَا يوسوس فِي صُدُور النَّاس نزلت هَاتَانِ السورتان فِي شَأْن لبيد بن الأعصم اليهودى الذى سحر النَّبِي فَقَرَأَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على سحره فَفرج الله عَنهُ فَكَأَنَّمَا نشط من عقال

§1/1