تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي
ابن عبد الهادي
مقدمة المحقق
بسم الله الرحمن الرحيم تقديم فضيلة الشيخ المحدِّث عبد الله بن عبد الرحمن السعد الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين، أما بعد: لا يخفى أن الأحكام الفقهية مبنية على نصوص الكتاب والسنة، ولذا اعتنى العلماء بالتأليف في أحكام القرآن، واعتنوا أيضًا بأحاديث الأحكام جمعًا وشرحًا وتخريجًا، ومن الكتب المؤلفة في ذلك كتاب "التحقيق" لأبي الفرج بن الجوزي، وقد اعتنى بكتابه هذا أبو عبد الله بن عبد الهادي في كتابه "تنقيح التحقيق"، وامتاز كتابه بعدة مزايا، منها: 1 - أن أصله (وهو كتاب "التحقيق") يذكر الأحاديث التي يستدل بها الحنابلة ومخالفيهم، فحصل فيه بذلك نوع من الشمول الذي تفتقده بعض الكتب الأخرى المؤلفة في أحاديث الأحكام التي تختص بالأحاديث التي يستدل بها أصحاب مذهب معين. 2 - أن مؤلفه له عناية كبيرة بأحاديث الأحكام، كما يعلم من ترجمته، وقد شهد له بذلك الموافق والمخالف، وكتابه " المحرر " خير شاهد على ذلك. 3 - أنه اعتنى بالكلام على الأحاديث تصحيحًا وتضعيفًا وفق طريقة علماء الحديث المتقدمين. 4 - أنه كان بعيدا عن التعصب، ملتزمًا الإنصاف في الكلام على
الأحاديث والمسائل الفقهية، ولا يخفى أن الغاية من الاشتغال بعلم الحديث هي العمل بما دلت عليه السنة النبوية والبعد عن التعصب لأقوال الرجال. ويعد كتاب "التنقيح" دراسة عملية لقواعد الحكم على الأحاديث، وهو مع كتاب "نصب الراية" للزيلعي، و"التلخيص الحبير" لابن حجر، من أهم كتب التخريج التي تساعد طالب العلم على تعلم طريقة الحكم على الأحاديث ودراسة الأسانيد عمليًّا. وقد قام الأخ / سامي بن محمد بن جاد الله، والأخ / عبد العزيز بن ناصر الخباني، بتحقيق كتاب "تنقيح التحقيق"، فجزاهما الله خيرًا. وكنت ذكرت في تقدمة كتاب "التعليقة على العلل لابن أبي حاتم" أن أبا عبد الله بن عبد الهادي كان على منهج الأئمة المتقدمين في علم الحديث، وأن الدليل على ذلك من جهتين: 1 - إجمالاً. 2 - وتفصيلاً. ثم بينت الدليل الإجمالي. ثم شرعت في بيان الدليل التفصيلي، وهو دراسة كتبه كـ " الصارم المنكي " وغيره، ثم شرعت في الكلام على الحديث الأول من أحاديث " الصارم المنكي "، وهو حديث ابن عمر في الزيارة، فسقت كلام السبكي عليه من كتابه " شفاء السقام " بنصه، ثم أتبعته بكلام ابن عبد الهادي من " الصارم " بنصه. ثم ذكرت أن الصحيح في هذا الحديث هو ما ذهب إليه ابن عبد الهادي من تضعيفه ورده، وأنه مسبوق في ذلك من كبار الحفاظ. وذكرت أن هذا الحديث معلول بعدة علل، واقتصرت هناك على بيان
علتين من علله، وهما: 1 - ضعف موسى بن هلال، وأنه لا يحتج به. 2 - أن الراجح أن العمري الذي في الإسناد هو عبد الله (المكبر)، لا عبيد الله (المصغر) الثقة، وأن الراجح في عبد الله أنه مع صلاحه في نفسه واستقامته في ذاته إلا أنه لا يحتج بحفظه، ولكن يكتب حديثه، وذلك لوجوه ثلاثة، هي: 1) أن هذا هو قول جمهور الحفاظ. 2) أن بعض الحفاظ جرحه جرحًا مفسرًا. 3) أن هناك عددًا من الأحاديث أنكرت على العمري، وأحاديث أخرى تفرد بها قد تستنكر عليه. وقد تكلمت هناك عن الوجه الأول، وأكمل هنا الكلام عن بقية الأوجه، ثم أتكلم عن بقية العلل التي يعل بها هذا الحديث، فأقول وبالله التوفيق: * * *
الوجه الثاني من الأوجه التي تدل على عدم الاحتجاج بعبد الله العمري: أن بعض الحفاظ جرحه جرحًا مفسرًا. قال البخاري: عبد الله العمري ذاهب، لا أروي عنه شيئًا. قال الإمام أحمد - في رواية أبي زرعة (1) -: كان يزيد في الأسانيد، ويخالف، وكان رجلاً صالحًا. ا. هـ من "تاريخ بغداد" (10/ 20). وقال يعقوب بن شيبة: هو رجل صالح، مذكور بالعلم والصلاح، وفي حديثه بعض الضعف والاضطراب، ويزيد في الأسانيد كثيرًا. وقال صالح بن محمد الأسدي: لين، مختلط الحديث. وقال أبو حاتم ابن حبان: كان ممن غلب عليه الصلاح حتى غفل عن الضبط، فاستحق الترك. وقال أبو بكر البيهقي في "سننه الكبرى" (6/ 325): كثير الوهم. وقال أبو عمر ابن عبد البر في "التمهيد" (13/ 241): ضعيف ليس بحجة عندهم لتخليطه في حفظه. وقال الخليلي: ثقة غير أن الحفاظ لم يرضوا حفظه، ولم يخرّج لذلك في "الصحيحين" ا. هـ من " الإرشاد " (1/ 193). كل هؤلاء الحفاظ تكلموا في حديث عبد الله العمري، وفسَّروا جرحهم، فأحمد بيَّن أنه كان يزيد في الأسانيد ويخالف.
والبخاري قال: ذاهب. يعني - والله أعلم -: ذاهب الحديث. ويعقوب بن شيبة ذكر أن في حديثه بعض الضعف والاضطراب، ويزيد في الأسانيد كثيرًا، وبيَّن صالح الأسدي أنه مختلط الحديث. وذكر البيهقي أنه كثير الوهم. ولا يخفى أن من القرائن والأدلة التي يرجع إليها في الحكم على الراوي: أن يكون جرح من جرحه مفسرًا، والله تعالى أعلم. * * *
الوجه الثالث: أن العمري فد استنكرت عليه عدة أحاديث، وتفرد بجملة من الأحاديث، ومن ذلك ما يلي: 1 - حديث منكر: قال ابن وهب في كتابه "الجامع" (71): وحدثني عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أصدق الأسماء الحارث وهمام، وأبغضها إلى الله حرب ومرة، وأكذبها خالد ومالك، لا مالك إلا الله ". قلت: أخرج مسلم (2132) أصل هذا الحديث، فقال: حدثني إبراهيم بن زياد أخبرنا عباد بن عباد عن عبيد الله بن عمر وأخيه عبد الله يحدثان عن نافع عن ابن عمر رفعه: " إن أحب أسمائكم إلى الله عبد الله وعبد الرحمن ". قلت: وأول الحديث: " أصدق الأسماء حارث وهمام، وأبغضها إلى الله حرب ومرة " جاء من طرق، ولا يصح منها شيء. وأما زيادة " وأكذبها خالد ومالك ... " فلعلها لم تأت إلا في هذا الحديث، والله تعالى أعلم. وهذا الحديث رجاله كلهم ثقات مشاهير ما عدا عبد الله العمري، فالظاهر أن العلة منه. 2 - حديث آخر: حديث التكبير عند سجود التلاوة، أخرجه أبو داود (1413): ثنا أحمد بن الفرات أخبرنا عبد الرزاق أنا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ علينا القرآن، فإذا مر بالسجدة كبر وسجدنا. وأخرجه أحمد (2/ 157 رقم: 6461): ثنا حماد ثنا عبد الله عن نافع به
بدون التكبير. قلت: هذا الحديث أخرجه مسلم (575) من طريقين عن عبيد الله بن عمر عن نافع به، وليس فيه ذكر التكبير. وأخرجه أبو داود (1411) من طريق مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير عن نافع به، وليس فيه ذكر التكبير. وقد تكلم على هذه الزيادة التي تفرد بها العمري ابن القطان في " بيان الوهم والإيهام " (4/ 197). 3 - حديث آخر: قال أبو داود (2079): ثنا عقبة بن مكرم ثنا أبو قتيبة عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رفعه: " إذا نكح العبد بغير إذن مولاه فنكاحه باطل ". قال أبو داود: هذا الحديث ضعيف، وهو موقوف، وهو قول ابن عمر رضي الله عنهما. ا. هـ. ورواه أيضًا يحيى بن سعيد الأموي عن ابن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع به، ورفعه. ولكن رواه أبو عاصم وحجاج وعبد الرزاق عن ابن جريج بهذا الإسناد موقوفًا، وهو الصواب، وكذلك رواه أيوب عن نافع عن ابن عمر موقوفًا. ذكر ذلك الدارقطني (1). قلت: فعلى هذا الصواب في هذا الخبر وقفه، ولعل العمري هو الذي
أخطأ في رفعه. 4 - حديث آخر: قال الطبراني (12/ 364 - رقم: 13356): ثنا يحيى ابن عثمان بن صالح ثنا سعيد بن أبي مريم أخبرني الليث بن سعد عن ابن وهب عن العمري عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يسجد يوم ذي اليدين. قلت: لا شك في أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سجد يوم ذي اليدين، وقد خالفه عبيد الله العمري فرواه عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا، وفيه ذكر السجود، وحديثه رواه ابن أبي شيبة (4514) وأبو داود (1009) وابن ماجه (1213) وابن خزيمة (1034) كلهم عن أبي أسامة عنه به. وأيضًا قد نص العلماء على وهم وغلط الزهري في نفيه لسجود السهو في حديث ذي اليدين، قال مسلم في كتابه " التمييز " (ص 183): وخبر ابن شهاب هذا في قصة ذي اليدين وهم غير محفوظ، لتظاهر الأخبار الصحاح عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا .... ثم قال بعد أن ساق جملة من الروايات: فقد صح بهذه الروايات المشهورة المستفيضة في سجود رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم ذي اليدين أن الزهري واهم في روايته إذ نفى ذلك في خبره من فعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ا. هـ. وقال ابن عبد البر في "التمهيد" (1/ 366): ولا أعلم أحدًا من أهل العلم والحديث المنصفين (1) فيه عول على حديث ابن شهاب في قصة ذي اليدين، لاضطرابه فيه، وأنه لم يتم له إسنادًا ولا متنًا، وإن كان إمامًا عظيمًا في هذا الشأن، فالغلط لا يسلم منه أحد، والكمال ليس لمخلوق، وكل أحد يؤخذ
من قوله ويترك إلا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ا. هـ. وبهذا تتبين نكارة الحديث الذي رواه الطبراني، ورجاله كلهم ثقات مشاهير عدا عبد الله بن عمر العمري، فلعل الخطأ منه. 5، 6 - حديثان آخران: قال أبو بكر البزار في مسنده (162): وثنا إبراهيم بن زياد الصايغ نا يونس بن محمد نا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتى يستوفيه ". وقال أيضًا: ونا يونس بن محمد نا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر رفعه: " إذا كانوا ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون صاحبهما ". قال البزار: وهذان الحديثان إنما يرويهما الثقات الحفاظ عن نافع عن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا نعلم أحدًا قال: عن ابن عمر عن عمر إلا عبد الله بن عمر العمري، ولم يتابع عليه ا. هـ. 7 - حديث آخر: قال أحمد في "المسند" (5949): ثنا سريج ثنا عبد الله عن سعيد المقبري قال: جلست إلى ابن عمر ومعه رجل يحدثه فدخلت معهما فضرب بيده صدري وقال: أما علمت أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا تناجى اثنان فلا تجلس إليهما حتى تستأذنهما ". وأخرجه أيضًا في موضع آخر (2/ 138): ثنا نوح أنا عبد الله به. وأخرجه الدارقطني في "العلل" (4/ ورقة 73) - كما في حاشية "المسند" طبع الرسالة - من طريق أبي أسامة عن العمري به. ورواه عبيد الله بن عمر عن المقبري عن ابن عمر موقوفًا، أخرجه
الدارقطني في "العلل" من طريق يحيى القطان عن عبيد الله به، وعبيد الله يقدم في المقبري كما قال الإمام أحمد، هذا مع إتقانه وحفظه، فروايته هي الأرجح. ومتن هذا الخبر لا شك في صحته مرفوعًا، فقد أخرج البخاري (6288) ومسلم (2183) من طريق نافع عن ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا كان ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر ". ولكن المقصود هنا رواية المقبري عن ابن عمر، فالصواب فيها الوقف كما في رواية عبيد الله عنه (1). 8 - حديث آخر: قال عبد الله بن أحمد في " السنة " (1360) وفي زوائده على " فضائل الصحابة " (63): ثني سلمة بن شبيب ثنا مروان بن محمد الطاطري ثنا عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر قال: ما كنا نختلف في عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الخليفة بعد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبو بكر، وأن الخليفة بعد أبي بكر عمر، وأن الخليفة بعد عمر عثمان. قلت: وهذا الحديث بهذا السياق منكر من أجل ذكر الخلافة، وإنما اللفظ الصحيح ما رواه البخاري في "صحيحه" (3697) قال: حدثني محمد ابن حاتم بن بزيع حدَّثنا شاذان حدَّثنا عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا في زمن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا نعدل بأبي بكر أحدًا، ثم عمر، ثم عثمان، ثم نترك أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا نفاضل بينهم. 9 - حديث آخر: قال النسائي في " الكبرى " (2/ 10269): أخبرنا
العباس بن محمد ثنا خالد بن مخلد ثنا عبد الله بن عمر عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن مجاهد عن ابن عمر أنه أراد أن يودِّع رجلاً، فقال: تعال أودعك كما كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يودعنا: " استودع الله دينك وأمانتك وخواتم عملك ". أخبرني الحسن بن إسماعيل ثنا عبدة عن عبد العزيز بن عمر عن يحيى بن إسماعيل ثنا قزعة عن ابن عمر به. أخبرنا أحمد بن سليمان ثنا أبو نعيم ثنا عبد العزيز عن يحيى بن إسماعيل ابن جرير عن قزعة قال: أرسلني ابن عمر إلى حاجة ... فذكره ا. هـ. قلت: خالف عبدةُ - وهو ابن سليمان الكلابي - وأبو نعيم - وكلاهما من الثقات الأثبات - عبد الله بن عمر العمري، ولا شك أن روايتهما أصح، وقد تابعهما أبو ضمرة أيضًا. قال النسائي (10270): أخبرنا أحمد بن حرب ثنا أبو ضمرة عن عبد العزيز بن عمر عن يحيى بن إسماعيل بن جرير عن قزعة به. أنا الحسين بن حريث أنا عيسى عن عبد العزيز بن عمر حدثني إسماعيل ابن محمد بن سعد عن قزعة به. أخبرنا هشام بن عمار عن يحيى ثني عبد العزيز بن عمر عن قزعة به ا. هـ. قلت: وأصح هذه الروايات رواية الجماعة، وهم: عبدة بن سليمان وأبو نعيم وأبو ضمرة، وأضعف هذه الروايات رواية عبد الله العمري، لأنها أكثرها مخالفة لباقي الروايات. وإن كان هذا الحديث جاء من طريق أخرى عن مجاهد عن ابن عمر،
ولكنه من غير طريق عبد العزيز بن عمر، والمقصود هنا في مخالفة العمري هي طريق عبد العزيز بن عمر الذي وقع عليه الاختلاف، قال النسائي (10269): أنا أحمد بن إبراهيم بن محمد ثنا ابن عائذ ثنا الهيثم بن حميد ثنا المطعم عن مجاهد عن ابن عمر به. 10 - حديث آخر: قال عبد الرزاق (5022): عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: ليس على النساء أذان ولا إقامة. وأخرجه البيهقي في " الكبرى " (1/ 408) من طريق بحر بن نصر قال: قرئ على ابن وهب أخبرك عبد الله بن عمر عن نافع به. قلت: جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما بإسناد أقوى مما تقدم، ظاهره يخالف السابق: قال أبو بكر بن أبي شيبة في " المصنف " (1/ 223): نا أبو خالد عن ابن عجلان عن وهب بن كيسان قال: سئل ابن عمر: هل على النساء أذان؟ فغضب، قال: أنا أنهى عن ذكر الله! ووهب بن كيسان أدرك ابن عمر، قال أحمد (2/ 108): ثنا قتيبة بن سعيد ثنا بكر بن مضر عن ابن عجلان عن وهب بن كيسان - وكان وهب أدرك ابن عمر - أن ابن عمر رأى ... وأخرج ابن حبان في "صحيحه" (6780) من طريق هشام بن عروة عن وهب بن كيسان عن ابن عمر. 11 - حديث آخر: حديث أبي موسى الأشعري أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في الذهب والحرير: هذان حرامان على ذكور أمتي، حل لإناثها.
رواه عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن أبيه عن أبي موسى به. ورواه نافع، واختلف عليه، قال الدارقطني في "العلل" (7/ 241): يرويه عبد الله بن سعيد بن أبي هند، واختلف عن نافع فرواه أيوب السختياني وعبيد الله بن عمر عن نافع عن سعيد بن أبي هند عن أبي موسى. ورواه سويد بن عبد العزيز عن عبيد الله عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي موسى، ووهم فيه في موضعين في قوله: سعيد المقبري، وإنما هو سعيد بن أبي هند، وفي تركه نافعًا في الإسناد. ورواه عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن سعيد بن أبي هند عن رجل عن أبي موسى، وهو أشبه بالصواب، لأن سعيد بن أبي هند لم يسمع من أبي موسى شيئًا، وقال أسامة بن زيد عن سعيد بن أبي هند عن أبي مرة مولى عقيل عن أبي موسى في حديث النهي عن اللعب بالنرد، وهو الصحيح. وهذا يقوي قول العمري عن نافع عن سعيد بن أبي هند عن رجل، والله أعلم. ا. هـ. قلت: سعيد لم يسمع من أبي موسى، كما قال الدارقطني، وقال أبو حاتم: لم يلقه. فلا شك أن بينهما شخص أو أكثر، ولكن سعيد بن أبي هند لم يذكر واسطة في حديثه هذا كما في رواية ابنه عبد الله بن سعيد، ونافع من رواية أيوب وعبيد الله بن عمر، وهما من كبار الحفاظ، وخالفهم عبد الله العمري فقال: عن نافع عن سعيد عن رجل عن أبي موسى، ولا شك أن روايتهم أصح، والله تعالى أعلم.
12 - حديث آخر: قال ابن ماجه (2015): ثنا يحيى بن معلى بن منصور ثنا إسحاق بن محمد الفروي ثنا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يحرّم الحرام الحلال ". وأخرجه الدارقطني (3/ 268) من طريق جعفر بن أحمد بن سام وعلي ابن أحمد الجواربي كلاهما عن إسحاق به. وأخرجه البيهقي (7/ 168) من طريق جعفر بن أحمد به. قال البوصيري في " الزوائد " (2/ 124): (هذا إسناد ضعيف، لضعف العمري) ا. هـ. قلت: إن كان إسحاق - وهو الفروي - تفرد به، فقد تكلم فيه بعض الحفاظ، وخاصة بعد أن عمي، فصار يتلقن، وقال النسائي: متروك. فيحتمل أن الخطأ من الفروي، والله أعلم. 13 - حديث آخر: قال أحمد (2/ 138): ثنا نوح بن ميمون أنا عبد الله عن موسى عن سالم عن ابن عمر أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يوتر على راحلته. وأخرجه أبو يعلى (5459): ثنا أبو خيثمة حدثنا يونس بن محمد ثنا عبد الله بن عمر عن موسى به. قلت: هذا الحديث صحيح، ولكن الصحيح في رواية موسى بن عقبة عن سالم وقف هذا الخبر على عبد الله بن عمر بن الخطاب، وإنما رواه موسى بن عقبة مرفوعًا عن نافع وليس عن سالم: قال أحمد (1/ 252): ثنا عفان ثنا وهيب ثنا موسى بن عقبة ثني سالم أن عبد الله كان يصلي في الليل ويوتر راكبًا على بعيره، لا يبالي حيث وجهه، قال:
وقد رأيت أنا سالمًا يصنع ذلك، وقد أخبرني نافع عن عبد الله أنه كان يأثر ذلك عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قلت: وهيب من كبار الحفاظ، وقد فصل في روايته بين رواية سالم - فرواها موقوفة - وبن رواية نافع - فرواها عنه بالرفع -. وأما عبد الله العمري فلم يبين ذلك، فجعل الخبر كله مرفوعًا من رواية سالم، ولم يذكر رواية نافع. وقد رواه ابن جريج عن موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر كان يوتر وهو راكب حيث كان وجهه. أخرجه ابن جرير في " تهذيب الآثار " (1/ 542 - رقم: 855): ثنا سعيد بن يحيى الأموي ثني أبي ثنا ابن جريج به، فوافق ابن جريج وهيبًا. والخبر لا شك في صحة رفعه من حديث سالم، وقد خرجه الشيخان من طريق الزهري عن سالم عن ابن عمر مرفوعًا. ولكن من رواية موسى الصواب وقفه كما تقدم، والله تعالى أعلم. 14 - حديث آخر: قال أبو يعلى الموصلي - كما في " مسند الفاروق " (1/ 386) و"المقصد العلي" (2/ 313 - رقم: 709) -: ثنا زهير ثنا يونس بن محمد ثنا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما حق امرئ مسلم أن يبيت ليلتين سوداوين وعنده ما يوصي فيه إلا ووصيته مكتوبة ". قال ابن كثير: (غريب من هذا الوجه، والعمري له أوهام، فإن هذا الحديث في " الصحيح " عن عبد الله بن عمر نفسه كما سيأتي في "مسنده") ا. هـ من " مسند الفاروق ".
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (4/ 209): (رواه أبو يعلى في " الكبير " وفيه عبد الله العمري، وفيه ضعف، وقد وثق، وبقية رجاله رجال الصحيح) ا. هـ وقول الهيثمي: (رواه في الكبير) يعني مسند أبي يعلى الذي رواه عنه ابن المقرئ، فإنه أكبر من المسند المطبوع الذي رواه عنه أبو عمرو بن حمدان، ولذا لما ذكره في "المقصد العلي" (2/ 313) رمز له بـ (ك). والصحيح في هذا الحديث أنه من مسند ابن عمر كما تقدم في كلام ابن كثير فقد أخرجه الشيخان من طريق نافع عن ابن عمر، أخرجه البخاري من طريق مالك، ومسلم من طريق عبيد الله وأيوب وأسامة بن زيد وهشام بن سعد. وأخرجه مسلم أيضًا من طريق الزهري عن سالم عن ابن عمر به. فخالف عبد الله العمري - فيما يظهر - وجعله من مسند عمر. ووقع في روايته لفظة غريبة لعله تفرد بها، وهي: (سوداوين) فلم أقف عليها في الروايات الصحيحة. وزهير شيخ أبي يعلى: هو ابن حرب أبو خيثمة النسائي، من كبار الحفاظ. ويونس بن محمد: هو ابن مسلم البغدادي، وهو ثقة جليل، قال الذهبي: من كبار الحفاظ ببغداد. 15 - حديث آخر: قال أبو عبيد في "الأموال" (740): ثنا ابن أبي مريم عن عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر قال: حمى رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النقيع - وهو موضع معروف بالمدينة - لخيل المسلمين. وأخرجه حميد بن زنجويه في "الأموال" (1105) عن أبي عبيد. وأخرجه أحمد (5655): ثنا قراد أخبرنا عبد الله به، ولفظه: حمى النقيع لخيله. و (6438، 6464): ثنا حماد بن خالد ثنا عبد الله به. والبيهقي في الكبرى (6/ 146) من طريق القعنبي عن العمري به. وخالفه عاصم بن عمر بن حفص، فرواه عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر به. ولكن عاصم ضعيف، وقد يكون أضعف من عبد الله العمري، وهو أخوه، والراوي عنه عبد الله بن نافع فيه بعض الضعف. وأخرج حميد بن زنجويه (1104): أنا عبد الله بن صالح ثنا الليث ثني يونس عن ابن شهاب قال: بلغنا أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حمى النقيع، وأن عمر حمى الشرف والربذة. ووصله عبد العزيز بن محمد عن عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن الصعب رفعه. أخرجه أبو داود والطحاوي والبيهقي (6/ 146) وهو لا يصح، قال البخاري: هذا وهم. وقال البيهقي: لأن قوله (حمى النقيع) من قول الزهري، وكذلك قاله ابن أبي الزناد عن عبد الرحمن. ا. هـ.
قلت: ويؤيد ذلك أن البخاري أخرج في "صحيحه" من طريق يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عباس عن الصعب بن جثامة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا حمى إلا لله ولرسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". قال: وبلغنا أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حمى النقيع ... قلت: وقوله: (وبلغنا) هو من قول الزهري. 16 - حديث آخر: قال الإمام أحمد (5946): ثنا سريج ثنا عبد الله عن نافع عن ابن عمر قال: خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجاجًا فما أحللنا من شيء حتى أحللنا يوم النحر. قال محقق "المسند": سيأتي في الرواية (6082) أن ليس كلهم بقي محرمًا إلى يوم النحر، وقد فصلت الروايات الصحيحة أن من ساق الهدي لم يحل، وأن من لم يسق الهدي حلّ، كما سيرد برقم (6068) وقد سلف برقم (4822). ا. هـ. قلت: أنا أذهب إلى هذا، والأدلة كثيرة التي تدل على ذلك، وسأذكر ما ذكره محقق "المسند" مما جاء عن نافع فقط، ثم أذكر ما جاء عن ابن عمر من غير طريق نافع. قال أحمد (6082): ثنا يونس وسريج بن النعمان قالا: ثنا فليح عن نافع عن ابن عمر قال: لا أعلمه إلا خرجنا حجاجًا مهلين بالحج فلم يحل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا عمر حتى طافوا بالبيت. قال: قال سريج: يوم النحر وبالصفا والمروة. قال أحمد (6068): ثنا يونس ثنا فليح عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبّد رأسه وأهدى، فلما قدم مكة أمر نساءه أن يحللن، قلن: ما لك أنت لا تحل. قال: إني قلدت هديي، ولبدت رأسي فلا أحل حتى أحل
من حجتي. وقد خولف فليح في هذا الحديث، فقد أخرجه البخاري (1566، 1725، 5916) من طريق مالك، و (1697) من طريق عبيد الله بن عمر، و (4398) من طريق موسى بن عقبة، كلهم عن نافع عن ابن عمر عن حفصة بنحوه. وأخرجه مسلم (1229) من طريق مالك وعبيد الله وابن جريج عن نافع به. وأخرج البخاري (1691) من طريق ابن شهاب عن سالم عن ابن عمر قال: تمتع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وأهدى وساق الهدي ... وساق الحديث إلى أن ذكر قول الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للناس: من لم يكن منكم أهدى فإنه لا يحل لشيء حرم منه حتى يقضي حجه، ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة، وليقصر، وليحلل، ثم ليهل بالحج ... فطاف حين قدم مكة ... ثم لم يحلل من شيء حرم منه حتى قضى حجه ونحر هديه يوم النحر وأفاض، فطاف بالبيت ثم حل من كل شيء حرم منه وفعل مثل ما فعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أهدى وساق الهدي من الناس. وأخرجه مسلم (1227) وأخرج أحمد (4822) من حديث بكر بن عبد الله عن ابن عمر بنحوه. قلت: هذا التفصيل الذي جاء في هذه الروايات وخاصة الأخيرة تخالف ما جاء في رواية عبد الله العمري من كونهم لم يحلوا من شيء حتى يوم النحر، والله تعالى أعلم. 17 - حديث آخر: قال أبو بكر البزار (158): ثنا يوسف بن موسى نا الفضل بن دكين نا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر أن رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يصدق أحدًا من نسائه أكثر من اثنتي عشرة أوقية. قال: وهذا الحديث لا نعلم رواه عن العمري إلا الفضل بن دكين، ولا نعلم يروى عن ابن عمر إلا من هذا الوجه ا. هـ. وأخرجه السلفي في " الطيوريات " (رقم: 719) من طريق أحمد بن الصلت ثنا أبو نعيم به. قلت: وقد جاء هذا الحديث من وجه آخر، فقد رواه ابن سيرين عن أبي العجفاء السلمي قال: سمعت عمر يقول: ألا لا تغلوا صُدُق النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله كان أولاكم بها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ما أصدق رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امرأة من نسائه، ولا أصدقت امرأة من بناته كثر من ثنتي عشرة أوقية. قال الحافظ ابن كثير في " مسند الفاروق " (1/ 408) - بعد أن ذكره من طريق البزار -: إسناده جيد، ليس فيه متكلم فيه سوى العمري وحده ا. هـ. وقد خالفه عبد العزيز بن أبي رواد، فرواه عن نافع قال: قال عمر: لا تغالوا في مهور النساء ... فذكره، ثم قال نافع: فكان عمر يقول: مهور النساء لا يزدن على أربع مائة درهم، إلا ما تراضوا عليه فيما دون ذلك. قال نافع: وزوج رجل من ولد عمر ابنة له على ست مائة درهم. قال: ولو علم بذلك نكله. قال: وكان إذا نهى عن الشيء قال لأهله: إني قد نهيت كذ وكذ ... أخرجه عبد الرزاق (6/ 175) عن عبد العزيز به. قلت: وعبد العزيز تكلم في حفظه، ولكن كأنه أقوى من العمري،
وقد خالف الجادة في هذا الحديث من حديث نافع، لأن الجادة في حديثه: (عن ابن عمر)، والحفاظ يقدمون من خالف الجادة على من سلكها، لأن من خالف يكون معه زيادة علم، والله تعالى أعلم. وقد جاء هذا الحديث من طريق آخر عن نافع، فرواه عيسى بن ميمون البصري عن سالم ونافع عن ابن عمر عن عمر، ولكن عيسى متروك. قاله الدارقطني في "العلل" (2/ 238). وجاء هذا الخبر بأسانيد أخرى لكن من غير طريق نافع عن ابن عمر، تنظر في "العلل" للدارقطني، فقد تكلم عليها، لكنه لم يذكر طريق العمري، وكذلك الحاكم في "المستدرك" (2/ 175 - 177) قد توسع في ذكر طرق هذا الخبر. 18 - حديث آخر: قال أحمد (1/ 34): ثنا عبد الرزاق ثنا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه قبل الحجر ثم قال: قد علمت أنك حجر، ولولا أني رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبلك ما قبلتك. وأخرجه عبد بن حميد عن عبد الرزاق به (26). وأخرجه مسلم (1270): ثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، وأبو بكر النجاد في " مسند عمر " من طرق عن المقدمي، والدارمي (2/ 52): أخبرنا مسدد، والبزار (139): ثنا محمد بن المثنى نا حفص بن عمر، ثلاثتهم عن حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر به. وقال البزار: وهذا الحديث لا نعلم رواه عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن عمر إلا حماد بن زيد. ا. هـ.
وفي " علل الدارقطني " (2/ 13 - رقم: 86): وسئل عن حديث نافع عن ابن عمر عن عمر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قبل الحجر. فقال: يرويه أيوب السختياني، واختلف عنه: فرواه حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن عمر. قال ذلك الحوضي ومسدد والمقدمي. وقيل عن حماد بن زيد عن أيوب عن نافع مرسلاً عن عمر. ورواه إسماعيل بن علية عن أيوب قال: نبئت أن عمر قال: وقول حماد ابن زيد أحب إليّ ا. هـ. وقال الدارقطني أيضًا في " التتبع " (ص: 257): قد اختلف فيه على أيوب وعلى حماد بن زيد، وقد وصله مسدد والحوضي عن حماد، وخالفهم: سليمان وأبو الربيع وعارم فأرسلوه عن حماد، وقال ابن علية عن أيوب: (نبئت أن عمر) ليس فيه نافع ولكن عمر (1)، وهو صحيح من حديث سويد ابن غفلة وعابس بن ربيعة وعبد الله بن سرجس عن عمر ا. هـ. وأخرجه مسلم وغيره عن الزهري عن سالم عن ابن عمر عن عمر. والخلاصة أن هذا الحديث رواه عن نافع راويان: أيوب والعمري. فأما أيوب: فاختلف عليه، فرواه حماد واختلف عليه، فرواه عنه المقدمي ومسدد والحوضي عنه عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن عمر،
وخالفهم سليمان بن حرب وعارم وأبو الربيع، فرووه عن حماد فأرسلوه. ويظهر أن رواية الوصل والإرسال كلاهما ثابتتان عن حماد، وأن حماد إما أنه اضطرب وإما أنه حدث به على الوجهين وأنه ثابت عنده الوصل فحدث به مرّة، وأخرى أرسله مع ثبوت الوصل عنده. ولكن يؤيد الوجه الأول وهو اضطراب حماد أن ابن علية وهو من كبار الحفاظ، ومقدم جدا في أيوب، حتى اختلف أيهما يقدم في أيوب: حماد بن زيد أو ابن علية (1) رواه عن أيوب فقال: نبئت أن عمر، ولعل الذي نبأه نافع، كما في رواية حماد، فهذا يرجح الإرسال، لأن رواية ابن علية سالمة من
الاضطراب، وهي توافق رواية سليمان بن حرب ومن معه عن حماد، فإذا كان الإرسال هو الأرجح فتكون رواية العمري فيها نظر، والله أعلم. 19 - حديث آخر: أخرج البخاري من طريق ابن أبي ذئب وعبيد الله بن عمر العمري كلاهما عن سعيد المقبري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان له حصير يبسطه بالنهار ويحتجزه بالليل، فثاب إليه ناس، فصفوا وراءه ... وأخرجه أبو داود من طريق ابن عجلان عن سعيد المقبري به ببعضه. قال الدارقطني في "العلل" (5/ق: 72/ب): يرويه سعيد المقبري واختلف عنه، فرواه ابن عجلان وعبيد الله العمري عن سعيد المقبري عن أبي سلمة عن عائشة، وخالفهم عبد الله بن عمر العمري وأبو معشر فروياه عن سعيد المقبري عن أبي هريرة، وحديث أبي سلمة عن عائشة هو الصواب ا. هـ. وقال الحافظ ابن حجر في " النكت الظراف " (12/ 350): قلت: رواه عبد الله بن عمر العمري فقال: (عن سعد (1) عن أبي هريرة) وهو خطأ، أخرجه محمد بن نصر في كتاب قيام الليل ا. هـ. 20 - حديث آخر: قال أبو داود الطيالسي (2454): ثنا العمري ثنا سعيد المقبري عن أبي هريرة أن رجلاً أسلم، فأمره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يغتسل. وأخرجه أحمد (10268): ثنا سريج ثنا عبد الله، يعني ابن عمر به. و (8037): ثنا عبد الرحمن ثنا عبد الله بن عمر به، ولفظه: " اذهبوا
به إلى حائط بني فلان فمروه أن يغتسل ". وأخرجه عبد الرزاق (9834): أخبرنا عبيد الله وعبد الله ابنا عمر عن سعيد به مطولاً، وفيه: فأمره أن يغتسل، فاغتسل وصلى ركعتين، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لقد حسن إسلام أخيكم ". وأخرجه ابن خزيمة (253) وأبو عوانة (4/ 161) وابن الجارود (15) وابن حبان (1238) والبيهقي (1/ 171) كلهم من طريق عبد الرزاق به. وقد أخرج الشيخان (خ: 462، 469، 2422، 2423، 4372 مطولاً؛ م: 1764) وأبو داود (2679) والنسائي في " الصغرى " (189) و" الكبرى " (192، 793) وأحمد (9833) وابن خزيمة (252) (1) وابن حبان (1239) وأبو عوانة (4/ 159، 161)، والبيهقي في " الدلائل " (4/ 78) وفي " السنن " (1/ 171) كلهم من طريق الليث عن المقبري عن أبي هريرة قصة ثمامة، وليس فيها أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمره بالاغتسال، وإنما هو الذي ذهب واغتسل، وليس فيها أيضًا أنه صلى ركعتين، ولا " لقد حسن إسلام أخيكم ". وأخرجه مسلم (1764) وأبو عوانة (4/ 157) من طريق عبد الحميد بن جعفر عن المقبري به، قال مسلم: وساق الحديث بمثل حديث الليث. وأخرجه أحمد (7361): ثنا سفيان عن ابن عجلان عن سعيد عن أبي هريرة - إن شاء الله -، ثم قال سفيان: الذي سمعناه منه عن ابن عجلان. وساقه مطولاً وفيه: قال: فذهبوا به إلى بئر الأنصار فغسَّلوه فأسلم. قال عبد الله بن أحمد: وسمعته يقول: عن سفيان سمعت ابن عجلان
عن سعيد عن أبي هريرة أن ثمامة قال لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وأخرجه ابن قانع في " المعجم " (1/ 131): ثنا بشر بن موسى ثنا الحميدي نا سفيان عن ابن عجلان عن المقبري عن أبيه. وأخرجه البيهقي في الدلائل (4/ 79) من طريق ابن إسحاق ثني سعيد المقبري به، وليس فيها الأمر بالاغتسال، والصلاة ركعتين، ولا " لقد حسن إسلام أخيكم "، ولكن فيها بعض المخالفة لرواية الليث. وقال البيهقي: وهذه الرواية توهم أن يكون صدر الحديث في رواية يونس بن بكير من قول محمد بن إسحاق عن شيوخه، ورواية الليث بن سعد ومن تابعه أصح في كيفية أخذه ا. هـ. وأخرجه البيهقي في " الدلائل " أيضًا (4/ 81) من طريق ابن إسحاق قال: فأخبرني سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة. وأخرجه أيضًا (4/ 81) من طريق محمد بن حميد الرازي ثنا أبو تميلة ثنا عبد المؤمن بن خالد الحنفي عن علباء بن أحمر عن عكرمة عن ابن عباس بقصة ثمامة، وليس فيها الأمر بالاغتسال. وأخرجه أبو نعيم في " الصحابة " (1422) من طريق محمد بن أبي حماد ثنا أبو تميلة به. وأخرج أبو يعلى (6547) ثنا بشر بن سيحان ثنا عمرو بن محمد الرزيني - قال: فما رأيت مثله بعيني قط - ثنا سفيان الثوري عن رجل عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة قال: لما أسلم ثمامة أمره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يغتسل ويصلي ركعتين.
قلت: وهذا الرجل الذي لم يسم الأقرب أنه عبد الله العمري، ولذلك لم يسمه الثوري، ولو كان عبيد الله لسمّاه فيما يظهر، والله أعلم. ولذلك قال الهيثمي في " المجمع " (1/ 283) - بعد أن ذكره -: فإن كان هو العمري فالحديث حسن ا. هـ. لكن في "تنقيح التحقيق" لابن عبد الهادي (1/ 356): وقال الطبراني: هذا الحديث عند سفيان عن عبد الله وعبيد الله. وقال الخطيب: ورواه عبد الله الأشجعي عن سفيان الثوري عن عبيد الله العمري. قلت: وقد أخرجه البزار - كما في " كشف الأستار " (333) -: ثنا سلمة بن شبيب وزهير بن محمد - واللفظ لزهير - أبنا عبد الرزاق أنا عبيد الله بن عمر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة أن ثمامة بن أثال أسلم فأمره النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يغتسل بماء وسدر. قال البزار: لا نعلم رواه عن عبيد الله إلا عبد الرزاق ا. هـ. فيتلخص مما تقدم أن هذا الحديث رواه عن المقبري: 1 - الليث بن سعد. 2 - وعبد الحميد بن جعفر. 3 - ومحمد بن عجلان. 4 - ومحمد بن إسحاق. وليس في روايتهم الأمر بالاغتسال. ورواه عن المقبري: عبد الله العمري، ورواه عنه عبد الرحمن بن مهدي وسريج بن النعمان وأبو داود الطيالسي وعبد الرزاق، وفي هذه الرواية الأمر بالاغتسال. ورواه عبد الرزاق عن عبيد الله العمري مرة مقرونًا بعبد الله العمري،
وهذا في أكثر الروايات عنه، ومرة عنه وحده. ورواه الثوري واختلف عليه: فرواه عبيد الله الأشجعي (1) وأبو عامر الأسدي (2) عن سفيان الثوري عن عبيد الله بن عمر به. ورواه عمرو بن محمد الرزيني عن الثوري عن رجل عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة به. ولا شك أن الأول أرجح، ويبدو أنه جاء أيضًا من رواية الثوري عن عبد الله بن عمر لقول الطبراني: هذا الحديث عند سفيان عن عبد الله وعبيد الله، والله تعالى أعلم. وأنا أميل إلى ترجيح رواية الليث ومن معه، وأن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يأمره بالاغتسال، وإنما هو فعل ذلك. وكذلك أمره بالصلاة فيه نظر. وأما أمره بالاغتسال بماء وسدر فهذه اللفظة منكرة، لأنها لم تأت في باقي
الروايات. وأما ترجيح رواية الليث ومن معه فلأمور: 1 - أن الليث أثبت الناس - أو من أثبتهم - في المقبري، فروايته تقدم على رواية غيره. 2 - أنها رواية الأكثر. 3 - أن رواية عبيد الله بن عمر احتف بها بعض الإشكالات، وهي: 1) غرابة رواية عبيد الله بن عمر، حتى قال البزار: لا نعلم رواه عن عبيد الله إلا عبد الرزاق ا. هـ. 2) كونها قُرنت برواية عبد الله في كثير من الروايات، وهذا يحتمل أن يكون اللفظ لعبد الله العمري وليس لعبيد الله، كما جرى مثل هذا في أحاديث كثيرة، ولعله الأقرب لأن عبيد الله من الحفاظ الأثبات، وهذه الرواية فيها نكارة، فالقول بأن هذا لفظ عبد الله العمري أولى. 3) الاختلاف الذي وقع في لفظ رواية عبيد الله. 4) غرابة رواية الثوري. 5) الاختلاف الذي وقع على الثوري: فقد رواه عبيد الله الأشجعي وأبو عامر الأسدي عن سفيان الثوري عن عبيد الله بن عمر به، ورواه عمرو بن محمد الرزيني عن الثوري عن رجل عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة به.
ولا شك أن الأول أرجح، ويبدو أنه جاء أيضًا من رواية الثوري عن عبد الله بن عمر، لقول الطبراني: (هذا الحديث عند سفيان عن عبد الله وعبيد الله) والله تعالى أعلم. 21 - حديث آخر: قال أبو داود الطيالسي (685): ثنا العمري ثني سعيد المقبري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي قال: رأيت عمار بن ياسر صلى ركعتين، فأخفهما، فقلت له - أو قال له رجل -: يا أبا اليقظان أخففتهما! قال: يا ابن أخي، هل رأيتني انتقصت من حدودهما شيئًا؟ قال: لا. قال: إني بادرت بالوسواس، وإني سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن الرجل ليصلي الصلاة ما له منها النصف، وإنه ليصلي الصلاة ما له منها الثلث، وإنه ليصلي الصلاة ما له منها الربع " حتى قال: العشر. وأخرج السلفي في " الطيوريات " (604) من طريق الحسن بن سفيان (1) ثنا يزيد ثنا العمري - يعني عبد الله بن عمر - عن سعيد المقبري عن أبي بكر عن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن أحدهم ليصلي وماله من الصلاة ثلثها ولا ربعها ولا سدسها حتى بلغ العُشر ". وأخرج أحمد (4/ 319): ثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله حدَّثني سعيد ابن أبي سعيد عن عمر بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث عن أبيه أن عمارًا صلى ركعتين، فقال له عبد الرحمن بن الحارث: يا أبا اليقظان .... والنسائي في " الكبرى " (614): أخبرنا عمرو بن علي. وأبو يعلى في "مسنده" (1615): ثنا القواريري.
والبزار في "مسنده" (1420): ثنا محمد بن المثنى (1). وقال البخاري في "تاريخه" (7/ 25): وقال صدقة. كلهم عن يحيى بن سعيد به. وأخرجه ابن حبان (1889) عن أبي يعلى به، ولكن ليس عنده: (عن أبيه)، والظاهر أن هذا خطأ من ابن حبان أو من أحد رواة الصحيح عنه، لأنه عند أبي يعلى على الصواب، وينظر "إتحاف المهرة" (11/ 734 - 735). ورواه أبو يعلى (1649): ثنا محمد بن عمار ثنا عبد الوهاب ثنا عبيد الله عن سعيد بن أبي سعيد عن عمر بن أبي بكر بن عبد الرحمن أن عمار ... ورواه ابن المبارك في " الزهد " (1301) عن عبيد الله كذلك. والصواب الأول، لأن يحيى بن سعيد من كبار الحفاظ، وقد زاد، وزيادته مقبولة. ورواه ابن عجلان عن المقبري، واختلف عليه، وخالف عبيد الله ابن عمر. ورواه الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة. أخرجه البخاري في "التاريخ" (7/ 26)، والنسائي في " الكبرى " (617)، وهو خطأ، سلك الجادة في حديث المقبري (2). وأخرجه الإمام أحمد (4/ 264) قال: ثنا يعقوب ثنا أبي عن محمد بن
إسحاق حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن عمر بن الحكم بن ثوبان عن ابن لاس الخزاعي قال: دخل عمار بن ياسر المسجد فركع فيه ركعتين أخفهما وأتمهما ... وأخرجه البزار (1422): ثنا نصر بن علي نا زياد بن عبد الله نا ابن إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن عمر بن الحكم قال: صلى بنا عمار صلاة .... وأصح هذه الروايات رواية عبيد الله بن عمر، وكل هذه الروايات تخالف رواية عبد الله بن عمر العمري في أمرين: 1) إسقاط عمر بن أبي بكر من الإسناد. 2) التصريح بالسماع بين أبي بكر بن عبد الرحمن وعمار، وهذا لم أقف عليه في باقي الروايات، وسماع أبي بكر من عمار فيه نظر، وقد ذُكر أن أبا بكر ابن عبد الرحمن استصغر يوم الجمل، فردَّ هو وعروة بن الزبير، وقد ثبت في رواية عبيد الله بن عمر أن الذي كلَّم عمارًا في تخفيف الصلاة هو عبد الرحمن بن الحارث، والله تعالى أعلم. وذكر ابن طاهر في " أطراف الغرائب والأفراد " (4172): عمر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عنه (1): حديث دخل عمار المسجد فصلى فيه ركعتين ... الحديث، تفرد به يحيى بن سعيد الأموي عن عبد الله بن عمر عن نافع عن عمر بن عبد الرحمن. ا. هـ من المطبوع، وقوله: (عبد الله) في المخطوط كأنه (عبيد الله)، فإن كان (عبد الله) فهذا قد يكون اضطرابًا من العمري في هذا الحديث أو يكون خطأ من الأموي، والله أعلم.
22 - حديث آخر: قال الترمذي (113): ثنا أحمد بن منيع ثنا حماد بن خالد الخياط عن عبد الله بن عمر عن عبيد الله بن عمر عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت: سئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلامًا؟ قال: "يغتسل". وعن الرجل يرى أنه قد احتلم ولم يجد بللاً؟ قال: " لا غسل عليه ". قالت أم سلمة: يا رسول الله، هل على المرأة ترى ذلك غسل؟ قال: " نعم، إن النساء شقائق الرجال ". قال أبو عيسى: وإنما روى هذا الحديث عبد الله بن عمر عن عبيد الله ابن عمر، وعبد الله ضعَّفه يحيى بن سعيد من قبل حفظه ا. هـ. وأخرجه أبو داود (236) وابن ماجه (612) وأحمد (6/ 256) وابن أبي شيبة (1/ 78) والدارمي (1/ 195) وعبد الرزاق (974) وابن الجارود (89، 90) وابن المنذر في "الأوسط" (594) - وقال قبل إن يسوق الحديث: وقد روينا عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الباب حديثًا وقد تكلم في إسناده. وقال بعد أن رواه: عبد الله كان يحيى القطان يضعفه ا. هـ - والبيهقي (1/ 167، 168) من طرق عن عبد الله العمري به. وقال ابن رجب في "فتح الباري" (1/ 342): وقد استنكر أحمد هذا الحديث في رواية مهنا، وقال في رواية الفضل بن زياد: أذهب إليه ا. هـ. قلت: يبدو أنه يذهب إليه من الناحية الفقهية، وأما من الناحية الحديثية فقد استنكره كما في رواية مهنا. وَقال الشوكاني (1/ 281) في "نيل الأوطار": وقد تفرّد به المذكور (1)
. ولم نجده عن غيره .... فالحديث معلول بعلتين: الأولى: العمري المذكور. والثانية: التفرد وعدم المتابعات، فقصر عن درجة الحسن والصحة، والله أعلم ا. هـ. وقد جاء الحديث من طريق آخر، فقال الطبراني في "الأوسط" (8966): حدثنا مقدام ثنا أبو الأسود ثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة والقاسم بن محمد عن عائشة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عن الرجل يرى في منامه شيئًا ولا يرى بللاً، ويرى بللاً ثم لا يرى شيئًا؟ قال: " إذا وجد أحدكم بلالاً ولم يرى شيئًا فليغتسل، وإذا رأى شيئًا ولم ير بللاً فلا يغتسل ". قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن القاسم بن محمد إلا عبيد الله بن عمر وأبو الأسود، تفرد به عن عبيد الله بن عمر أخوه عبد الله بن عمر، وتفرد به عن أبي الأسود ابن لهيعة ا. هـ. قلت: هذا الحديث في ثبوته نظر، والأقرب أنه لا يصح بهذا السياق، وأنا أذهب إلى ما ذهب إليه الإمام أحمد وأبو عيسى الترمذي وهو ظاهر كلام ابن المنذر أنه لا يصح، لوجود عبد الله العمري كما تقدم، ولعدم قوة المتابعة التي جاءت من طريق ابن لهيعة (1)، وأيضًا لما جاء في "صحيح مسلم" (314) و"سنن البيهقي" (1/ 168) واللفظ له - لأن مسلمًا لم يسق لفظه، وإنما أحال
على حديث هشام بن عروة، وأنه بمعناه - من حديث ابن شهاب عن عروة عن عائشة أنها حدثته أن أم سليم ذهبت إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: يا رسول الله، إن الله لا يستحي من الحق، أرأيت المرأة ترى في النوم ما يرى الرجل، أتغتسل؟ قال: " نعم ". قالت عائشة: أف لك، أترى المرأة ذلك! فالتفت إليها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " تربت يداك، فمن أين يكون الشبه؟ ". وأخرج البخاري (130 وغيره) ومسلم (313) من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة قالت: جاءت أم سليم إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: يا رسول الله، إن الله لا يستحي من الحق، فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا رأت الماء ". فغطت أم سلمة تعني وجهها وقالت: يا رسول الله، وتحتلم المرأة؟! قال: " نعم، تربت يمينك، فبم يشبهها ولدها ". وأخرج مسلم (310 (1)، 311) من حديث أنس عن أم سليم بنحو ما تقدم. فهذه الألفاظ تخالف حديث العمري، والله تعالى أعلم. 23 - حديث آخر: قال أبو أحمد بن عدي (4/ 1460): ثنا ابن صاعد ثنا عثمان بن معبد بن نوح ثنا إسحاق الفروي ثنا عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من مس ذكره فليتوضأ ".
ورواه الدارقطني (1/ 147) أيضًا من طريق محمد بن مخلد عن عثمان بن معبد به. قال ابن عدي في ترجمة العمري: وهذا الحديث بهذا الإسناد منكر، والذي تقدم مشاهير (1). وروى الإمام مالك (1/ 86) عن نافع عن ابن عمر كان يقول: إذا مس أحدكم ذكره فقد وجب عليه الوضوء. 24 - حديث آخر: قال أبو جعفر العقيلي (2/ 280) في ترجمة العمري: ثنا زكريا بن يحيى ثنا محمد بن المثنى قال: ذكرت لعبد الرحمن بن مهدي حديثًا حدثناه حفص بن غياث عن عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر قال: لما غُسّل عمر وجدنا في عقبه دمًا سائلاً. فقال ابن عمر: ارفع. فقال (2): لا تحدث بهذا. 25 - حديث آخر: أخرج السلفي في " الطيوريات " (609) من طريق الحسن بن سفيان ثنا يزيد بن صالح الفراء ثنا عبد الله بن عمر العمري عن سالم أبي النضر عن أبي سلمة عن عائشة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل: ما للرجل من امرأته وهي حائض؟ فقال: " ما فوق الإزار ". وأخرجه البيهقي في " الكبرى " (7/ 191): أنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا العباس بن محمد الدوري ثنا يونس بن محمد ثنا عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم به.
ثم قال: هذا موصول، وقد روينا في كتاب الطهارة فيه طريقين آخرين، وهما يؤكدان هذه الرواية ا. هـ. قلت: هذا الإسناد غريب من هذا الوجه إن كان العمري تفرّد به، وسلسلة سالم أبي النضر عن أبي سلمة عن عائشة مشهورة، وقد خرّج الشيخان بهذه السلسلة عدة أحاديث، فأين مثل مالك بن أنس وسفيان بن عيينة وغيرهما من أصحاب سالم عن هذا الحديث؟ وقد ضعفه أبو محمد بن حزم فقال في "المحلى" (1/ 397): ... وبخبر رويناه من طريق محمد بن الجهم عن محمد بن الفرج عن يونس بن محمد ... ثم ذكره. ثم قال: وأما حديثا عائشة فأحدهما من طريق عمر بن أبي سلمة، وقد ضعفه شعبة ولم يوثقه أحد فسقط، وأما الثاني: فمن طريق عبد الله بن عمر وهو العمري الصغير، وهو متفق على ضعفه، إنما الثقة أخوه عبيد الله، فسقط حديثا عائشة ا. هـ. ويعني بطريق عمر بن أبي سلمة ما ذكره قبل فقال: وبحديث رويناه من طريق أبي خليفة عن مسدد عن أبي عوانة عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن عائشة أنها كانت تنام مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهي حائض وبينهما ثوب ا. هـ. وأخرجه ابن عبد البر في "التمهيد" (3/ 166) من طريق مسدد به. قلت: وهذا المتن يوافق بعض الشيء ما صح في حديث عائشة هذا كما سيأتي إن شاء الله تعالى. وهذا الحديث من طريق عمر بن أبي سلمة يخالف طريق العمري من
حيث المتن، لأن حديث العمري قولي بخلاف حديث عمر بن أبي سلمة فإنه فعلي، وسيأتي إن شاء الله تعالى. وأما قول البيهقي السابق في تقوية هذا الحديث فالذي يظهر أنه يقصد بالطريقين طريق الأسود وطريق شريح عن عائشة، وسوف يأتيان. طريق آخر: قال الطبراني في "الأوسط" (1424): ثنا أحمد قال: نا مقدم بن محمد نا عمي القاسم عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن ابن أبي مليكة عن عبيد بن عمير عن عائشة قالت: جاءت امرأة إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسأله: ما يحل للرجل من امرأته وهي حائض؟ فقال: " ما فوق السرة ". قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن ابن خثيم إلا القاسم، تفرد به مقدم. قلت: وهذا قواه ابن دقيق العيد في " الإمام " (3/ 246) فقال: أحمد ابن محمد بن صدقة أحد حفاظ بغداد، ومقدّم روى عنه البزار فوثقه، وعمه أخرج له البخاري، وعبد الله بن عثمان بن خثيم القاري - بالتشديد - قال يحيى بن معين: ثقة حجة. وقال أحمد بن عبد الله: ثقة. وأخرج له مسلم، وباقي الإسناد لا يسأل عنه. ا. هـ. قلت: هذا الإسناد غريب كما ذكر الطبراني، وأخشى أنه لا يصح لغرابته ولما يأتي، وابن خثيم مختلف فيه. طريق آخر: قال أحمد: ثنا موسى بن داود ثنا المبارك عن أبي عمران الجوني عن يزيد بن بابنوس عن عائشة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الرجل يباشر امرأته وهي حائض - قال: " له ما فوق الإزار ".
وأخرجه الدارمي (1/ 244 - رقم: 1067): ثنا سليمان بن حرب ثنا حماد بن سلمة عن أبي عمران الجوني عن يزيد بن بابنوس عن عائشة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوشحني وأنا حائض، ويصيب من رأسي وبيني وبينه ثوب. قلت: وهذا الإسناد أصح من السابق، وعلى هذا فإن هذا اللفظ بهذا الإسناد يقدم على اللفظ السابق - والله تعالى أعلم - خاصة أنه جاء ما يشهد له من حديث عائشة، كما أخرج الشيخان من حديث الأسود عن عائشة قالت: كانت إحدانا إذا كانت حائضًا أمرها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتأتزر بإزار، ثم يباشرها (1). نعم جاء في مسلم نحو حديث العمري عن سالم عن أبي سلمة عن عائشة، ولكن من حديث أنس (302) بلفظ: " اصنعوا كل شيء إلا النكاح ". وفد جاءت طرق كثيرة عن عائشة باللفظ الذي جاء عن العمري ولكنها موقوفة (2). 26 - حديث آخر: قال أبو عيسى الترمذي (3432): ثنا أبو جعفر الشيباني وغير واحد قالوا: ثنا مطرف بن عبد الله المدني ثنا عبد الله بن عمر العمري عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من رأى مبتلى فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً، لم يصبه ذلك البلاء ". قال أبو عيسى: هذا حديث غريب من هذا الوجه.
وأخرجه البزار - كما في " كشف الأستار " (3118) -: ثنا عبد الله بن شبيب ثنا مطرف به. قال البزار: لا نعلمه يروى عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد، وعبد الله ابن عمر قد احتمل أهل العلم حديثه. وأخرجه الطبراني في " الصغير " (675) والدعاء (799): ثنا عبد الرحمن ابن معدان بن جمعة اللاذقي وأبو زرعة قالا: ثنا مطرف به. وقال: لم يروه عن سهيل إلا عبد الله تفرد به مطرف. وأخرجه في "الأوسط" (4721) عن عبد الرحمن بن معدان عن مطرف به، وقال كما تقدم. ومطرف صدوق وفي مالك ثقة، قال ابن معين: ثقة (1) ووثقه ابن سعد، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال أحمد: كانوا يقدمونه على أصحاب مالك، وخرج له البخاري في "صحيحه" وتكلم فيه أبو حاتم الرازي فقال: مضطرب الحديث صدوق. قال ابن أبي حاتم: قلت لأبي: من أحب إليك مطرف أو إسماعيل بن أبي أويس؟ فقال: مطرف. قلت: وأبو حاتم معروف بشدته في الجرح، ومع ذلك لم يضعفه، وإنما تكلم فيه وقدمه على إسماعيل. وتكلم فيه ابن عدي فقال: يحدث عن ابن أبي ذئب وأبي مودود وعبد الله بن عمر ومالك وغيرهم بالمناكير.
ثم ذكر له أحاديث باطلة، لكن قال الذهبي في "الميزان" (4/ 125): هذه أباطيل حاشا مطرفًا من روايتها، وإنما البلاء من أحمد بن داود، فكيف خفي هذا على ابن عدي؟! فقد كذبه الدارقطني، ولو حولت هذه إلى ترجمته كان أولى. ا. هـ. 27 - حديث آخر تفرد به العمري: قال أحمد (2/ 156): ثنا حماد ابن خالد عن عبد الله - يعني العمري - عن نافع عن ابن عمر أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقطع الزبير حضر فرسه بأرض يقال لها: ثُرير، فأجرى الفرس حتى قام، ثم رمى بسوطه فقال: " أعطوه حيث بلغ السوط ". وأخرجه أبو داود (3067) والطبراني في " الكبير " (13352) والبيهقي (6/ 144) كلهم من طريق أحمد. وهذا السياق تفرد به العمري فيما يظهر. وأما أصل إقطاع الأرض له من قبل الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهو في "صحيح البخاري" من حديث أسماء، بدون هذه القصة، فقد روى (3151) من طريق محمود بن غيلان حدَّثنا أبو أسامة حدَّثنا هشام قال: أخبرني أبي عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: كنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على رأسي، وهي مني على ثلثي فرسخ. ورواه في موضع آخر (5224) بسياق مطول. وعلقه البخاري أيضًا (3151) من حديث هشام عن أبيه مرسلاً (1)، فقال: وقال أبو ضمرة عن هشام عن أبيه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقطع الزبير أرضًا من
أموال بني النضير. 28 - حديث آخر: أخرج الترمذي (346) من طريق زيد بن جَبيرة عن داود بن الحصين عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى أن يصلى في سبعة مواطن .... . قال أبو عيسى: وحديث ابن عمر ليس إسناده بذاك القوي، وقد تكلم في زيد بن جَبيرة من قبل حفظه ... وقد روى الليث بن سعد هذا الحديث عن عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر عن عمر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثله. وحديث داود عن نافع عن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أشبه وأصح من حديث الليث بن سعد وعبد الله بن عمر ضعفه بعض أهل الحديث من قبل حفظه، منهم يحيى بن سعيد القطان. ا. هـ وأخرجه ابن ماجه (747) (1). والبزار (161) وقال: هذا الحديث لا نعلمه يروى عن ابن عمر عن عمر إلا من هذا الوجه، ولا نعلم حدَّث به إلا الليث عن عبد الله بن عمر ا. هـ وأخرجه النجاد في " مسند عمر " (71؛ 72). كلهم من طريق عبد الله بن صالح به. وأيضًا أبو بكر الإسماعيلي - كما في " مسند الفاروق " (1/ 161) -
من حديث الرمادي وحرملة وحميد بن زنجويه والأعين كلهم عن عبد الله بن صالح به. وقال ابن كثير في " مسند الفاروق ": والعمري الذي مدار الحديث عليه ضعيف. 29 - خبر آخر لعل العمري تفرد به: قال أبو يعلى (1/ 170 رقم: 190): ثنا عبيد الله ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن عمر كان يجمر مسجد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كل جمعة. قال في "مجمع الزوائد" (2/ 11): رواه أبو يعلى، وفيه العمري، وثقه أحمد وغيره، واختلف في الاحتجاج به ا. هـ. وهذا الحديث فيه نكارة بالإضافة إلى التفرد فيما يظهر، وذلك من جهتين: 1) تفرده بذلك عن نافع وهو إمام مشهور، وله أصحاب كثيرون فأين هم عنه؟ 2) من جهة المتن، ففي هذا الخبر أن عمر رضي الله عنه كان يجمر المسجد النبوي كل جمعة، فمثل هذا ينبغي أن يشتهر، فكيف لا يروى إلا من هذا الطريق؟ والذي يظهر لي أن أصل هذا الخبر ما رواه ابن أبي شيبة (1/ 481): ثنا وكيع عن سفيان عن موسى بن عقبة عن نافع أن ابن عمر كان يجمر ثيابه في كل جمعة. وهذا إسناد صحيح، وهو أصح مما رواه العمري، وأخرج ابن أبي شيبة (1/ 480): ثنا أبو أسامة ثنا عبيد الله عن نافع قال: كان ابن عمر إذا راح إلى
الجمعة اغتسل وتطيب بأطيب الطيب عنده. 30 - حديث آخر: قال أبو عبيد في كتابه "الأموال" - وعنه حميد بن زنجويه في "الأموال" (823) -: وحدثني سعيد بن أبي مريم عن عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر أن عمر كان لا يعطي أهل مكة عطاء، ولا يضرب عليهم بعثًا، ويقول: هم كذا وكذا. كلمة لا أحب ذكرها. قلت: هذا غريب، وفي متنه إشكال. 31 - حديث آخر: قال حميد بن زنجويه في "الأموال" (2022): ثنا عبد العزيز بن عبد الله أنا العمري عن نافع عن ابن عمر قال: ليس في الخيل ولا العسل ولا الرقيق صدقة إلا صدقة الفطر في الرقيق. وأخرجه أبو عبيد (1494): ثنا ابن أبي مريم عن عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر قال: ليس في الخيل ولا في الرقيق ولا في العسل صدقة. قلت: لم أقف على من تابع عبد الله العمري على هذا الخبر عن نافع أو ابن عمر. وقد جاء عن نافع بإسناد أصح فيه بعض المخالفة لما تقدم: أخرج عبد الرزاق (6966) - وعنه أحمد في "العلل" (2089) - وأخرجه عبد الرزاق أيضًا (6965) عن الثوري، وابن أبي شيبة (3/ 142) ثنا وكيع ثنا سفيان، - ومن طريقه ابن حزم (5/ 233) -، وحميد بن زنجويه في "الأموال" (2024): ثنا محمد بن يوسف ثنا سفيان، كلاهما - الثوري وعبد الرزاق - عن عبيد الله بن عمر عن نافع قال: سألني عمر بن عبد العزيز عن العسل أفيه صدقة؟
فقلت: ليس بأرضنا عسل، ولكن سألت المغيرة بن حكيم عنه فقال: ليس فيه شيء. قال عمر بن عبد العزيز: هو عدل مأمون صدق. وهذا لفظ عبد الرزاق، وليس في رواية أحمد ذكر العسل، وإنما فيها: سألني عمر بن عبد العزيز عن شيء قد سمَّاه. ولفظ الثوري: قال نافع: بعثني عمر بن عبد العزيز على اليمن، فأردت أن آخذ من العسل العشر، قال مغيرة بن حكيم: ليس فيه شيء، فكتبت إلى عمر بن عبد العزيز فقال: صدق، وهو عدل رضي. وقال ابن أبي شيبة (3/ 142): ثنا أبو أسامة عن عبيد الله بن عمر عن نافع قال: سألني عمر بن عبد العزيز عن صدقة العسل، فقلت: أخبرني المغيرة بن حكيم أنه ليس فيه صدقة. فقال عمر: عدل مصدق. وهذا الخبر صحيح إلى نافع، وقد صححه ابن حجر في "الفتح" (3/ 348). ونافع في رواية عبيد الله بن عمر عنه عندما سئل عن العسل أخبر بأنه لا علم له بزكاته، لأنه لم يكن بأرضه، ولو كان عنده خبر عن ابن عمر في ذلك لذكره، وإنما سأل المغيرة بن حكيم عنه، وهو تابعي من أقرانه، فلو كان عنده عن ابن عمر شيء ما تعداه إلى غيره ممن هو دونه بكثير. ولذلك قال أبو عيسى الترمذي في " جامعه " (3/ 15): (باب ما جاء في زكاة العسل ثنا محمد بن يحيى النيسابوري ثنا عمرو بن أبي سلمة التنيسي عن صدقة ابن عبد الله عن موسى بن يسار عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" في العسل في كل عشرة أزق زق ". قال أبو عيسى: حديث ابن عمر في إسناده مقال، ولا يصح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الباب كبير شيء ... وصدقة بن عبد الله ليس بحافظ، وقد خولف في رواية هذا الحديث عن نافع. ثنا محمد بن بشار ثنا عبد الوهاب الثقفي ثنا عبيد الله بن عمر عن نافع قال: سألني عمر بن عبد العزيز عن صدقة العسل، قال: قلت: ما عندنا عسل نتصدق منه، ولكن أنا المغيرة بن حكيم أنه قال: ليس في العسل صدقة. فقال عمر: عدل مرضي. فكتب إلى الناس أن توضع. يعني عنهم) ا. هـ. وينظر "العلل الكبير" له (1/ 312). 32 - حديث آخر: قال الإمام أحمد (330): ثنا حماد الخياط ثنا عبد الله عن نافع أن عمر زاد في المسجد من الأسطوانة إلى المقصورة، وزاد عثمان، وقال عمر: لولا أني سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " نبغي نزيد في مسجدنا " ما زدت فيه. قال ابن كثير في " مسند الفاروق " (1/ 157) - بعد أن ذكر هذا الخبر -: وهذا وإن كان منقطعًا إلا أن الظاهر أن نافعًا سمعه عن ابن عمر، وقد روي كذلك مرفوعًا من طريق أخرى، قال الحافظ أبو يعلى (1): ثنا موسى بن محمد بن حيان ثنا مسلم (2) بن قتيبة ثنا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: قال عمر: لولا أني سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إني أريد أن أزيد في قبلتنا " ما زدت.
وهذا إسناد حسن، وعبد الله بن عمر العمري في كلتي الطريقين ضُعّف ا. هـ. قلت: وأخرجه البزار (157) ثنا محمد بن المثنى أن عبد الله بن سلمة (1) نا عبد الله بن عمر به. وقال: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن عمر إلا من هذا الوجه، ولا نعلم رواه إلا العمري عن نافع. وأخرجه أبو يعلى - كما في "المقصد العلي" (226) -: ثنا أبو خيثمة ثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب ثنا عبد الله بن عمر به. والنجاد في " مسند عمر " (63): ثنا عبد الملك بن محمد وإسماعيل بن إسحاق قالا: ثنا عبد الله بن مسلمة به. و (64) ثنا يزيد بن البادا ثنا أبو خيثمة ثنا عبد الله بن مسلمة به. وما استظهره الحافظ ابن كثير زاده رجحانًا رواية القعنبي، وهي مثل رواية سلم بن قتيبة، وهذا الحديث غريب من حديث نافع تفرد به العمري - فيما يظهر - وقد تقدم ذلك في كلام البزار، والله تعالى أعلم. 33 - حديث آخر تفرد به العمري، ولكن الراوي عنه فيه ضعف: قال البزار في "مسنده" (160): ثنا محمد بن عيسى قال: نا إسحاق بن محمد الفروي قال: نا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن ابن عباس سأل عمر عن اللتين تظاهرتا على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: تلك عائشة وحفصة.
وهذا الحديث لا نعلم رواه عن العمري إلا إسحاق بن محمد، ولا نعلمه يروى عن ابن عمر إلا من هذا الوجه. وقد جاء هذا الحديث من طريق ابن عباس من رواية عبيد الله بن عبد الله ابن أبي ثور عنه، ولكن المقصود هنا طريق ابن عمر عن عمر، ولهذا قال البخاري: ولا نعلمه يروى عن ابن عمر إلا من هذا الوجه. 34 - حديث آخر: قال الطبراني في " الدعاء " (469، 470): ثنا عبد الرحمن بن معدان بن جمعة اللاذقي وجعفر بن سليمان النوفلي المديني قالا: ثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي ثنا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرّ بإنسان في طريق مكة وهو يؤذن، وهو يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله. فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " برئ هذا من الشرك ". ثنا يحيى بن محمد الحنائي وأحمد بن علي الأبار قالا: ثنا طالوت بن عباد الصيرفي ثنا سعيد بن راشد عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عمر رضي الله عنه قال: سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً يقول: الله أكبر. فقال: " على الفطرة ". فقال: أشهد أن لا إله إلا الله. فقال: " خرج من النار ". قلت: وهذا إسناده ضعيف، سعيد بن راشد منكر الحديث. قاله البخاري، وقال النسائي: متروك. وأخرجه مسلم من حديث أنس بنحو اللفظ الثاني، وفي الباب عن غيره. 35 - حديث آخر: أخرج السلفي في " الطيوريات " (601) من طريق الحسن بن سفيان (1) ثنا يزيد بن صالح اليشكري ثنا عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يأمر مؤذّنه إذا كان في السفر في ليلة باردة
- أو مطيرة - أن يؤذّن على إثر أذانه: " أن لا حرج صلّوا في رحالكم ". والحديث ثابت في "الصحيحين" وليس فيه ذكر زيادة: (أن لا حرج). قلت: يزيد بن صالح، أبو خالد، اليشكري، النيسابوري: ترجم له ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (9/ 272) فقال: روى عن عبد الله بن عمر العمري وإبراهيم بن طهمان، سمعت أبي يقول ذلك، ويقول: هو مجهول ا. هـ. وذكره ابن حبان في "الثقات" (9/ 275) فقال: يروي عن إبراهيم بن طهمان والليث وحماد بن سلمة. ثنا عنه الحسن بن سفيان ا. هـ. وذكره الذهبي في "الميزان" (4/ 429) فقال: ... عن إبراهيم بن طهمان ومالك، وعنه محمد بن عبد الوهاب الفراء والحسن بن سفيان وجماعة، وكان ورعًا مجتهدًا كبير القدر. قال الحسن بن سفيان: فاتني لأجل أمي يحيى بن يحيى، فعوضني الله بأبي خالد الفراء. قال أبو حاتم: مجهول. قلت: وثقه غيره. مات سنة تسع وعشرين ومائتين ا. هـ. وقال ابن حجر في "اللسان" (6/ 289): ذكره ابن حبان في "الثقات" وذكر في شيوخه حماد بن سلمة والليث، وذكر الحاكم في شيوخه قيس بن الربيع وسلمة بن خالد وإبراهيم بن أبي يحيى وأبا بكر النهشلي وغيرهم. وقال إبراهيم ابن قتيبة: وكان من أشد مشايخنا ورعًا. وقال الحسن بن سفيان: وكان أسند من يحيى بن يحيى ا. هـ. فيزيد بن صالح لا بأس به وهو من أهل الورع والفضل، وأما تجهيل أبي
حاتم له، فأبو حاتم مذهبه في الجهالة معروف فهو يتشدد في ذلك. ... 3 - ومما أُعلّ به هذا الخبر: تفرد موسى بن هلال به عن عبد الله العمري، وتفرد العمري عن نافع. وهذه علة توجب رد الخبر، قال أبو بكر بن خزيمة - كما في " لسان الميزان " (6/ 135) (1) -: من رواية الأحمسي أشبه، لأن عبيد الله بن عمر أجل وأحفظ من أن يروي مثل هذا المنكر، فإن كان موسى بن هلال لم يغلط ... فأشبه أن يكون هذا من حديث عبد الله بن عمر، فأما من حديث عبيد الله بن عمر فإني لا أشك أنه ليس من حديثه. وقال أبو جعفر العقيلي (4/ 170) في ترجمة موسى بن هلال: عن عبيد الله بن عمر، ولا يصح حديثه ولا يتابع عليه. وقال أبو بكر البيهقي في " الشعب " (8/ 97): وسواء قال: عبيد الله، أو عبد الله، فهو منكر عن نافع عن ابن عمر، لم يأت به غيره ا. هـ. وقال أبو عبد الله الذهبي في "الميزان" (4/ 226) في ترجمة موسى: وأنكر (1) ما عنده حديثه عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا: " من زار ... " ا. هـ.
قال أبو عبد الله ابن عبد الهادي - معلقًا على كلام البيهقي المتقدم -: (وهذا الذي قاله البيهقي في هذا الحديث وحكم به عليه قول صحيح بيّن، وحكم جليّ واضح، ولا يشك فيه من له أدنى اشتغال بهذا الفن، ولا يرده إلا رجل جاهل بهذا العلم، وذلك أن تفرّد مثل هذا العبدي المجهول الحال، الذي لم يشتهر من أمره ما يوجب قبول أحاديثه وخبره، عن عبد الله بن عمر العمري المشهور بسوء الحفظ وشدة الغفلة، عن نافع عن ابن عمر بهذا الخبر، من بين سائر أصحاب نافع الحفاظ الثقات، مثل يحيى بن سعيد الأنصاري، وأيوب السختياني، وعبد الله بن عون، وصالح بن كيسان، وإسماعيل بن أمية القرشي، وابن جريج، والأوزاعي، وموسى بن عقبة، وابن أبي ذئب، ومالك بن أنس، والليث بن سعد، وغيرهم من العالمين بحديثه، الضابطين لرواياته، المعتنين بأخباره، الملازمين له، من أقوى الحجج وأبين الأدلة، وأوضح البراهين، على ضعف ما تفرد به وإنكاره وعدم قبوله، وهل يشك في هذا من شم رائحة الحديث، أو كان عنده أدنى بصر به؟!) ا. هـ. قلت: هذا الذي قاله أبو عبد الله ابن عبد الهادي من نكارة هذا الخبر بسبب تفرد موسى بن هلال به عن عبد الله بن عمر، وتفرد عبد الله به عن نافع، وأن من كان مثلهما لا يقبل تفرده وخاصة عن إمام مشهور - كنافع مولى ابن عمر -، وأن مثل هذا التفرد يعد علّة يرد بها الخبر، ويحكم عليه لأجلها بالنكارة كما حكم عليه بذلك أبو بكر بن خزيمة وأبو بكر البيهقي، وهو معنى كلام العقيلي في حكمه على هذا الحديث، هو منهج الحفاظ السابقين والأئمة المتقدمين.
فصل: في ذكر بعض كلام الحفاظ في بيان أن من التفرد ما يعل به الخبر
فصل: في ذكر بعض كلام الحفاظ في بيان أن من التفرد ما يعل به الخبر 1 - قال الإمام مسلم في مقدمة صحيحه (ص: 7): (وعلامة المنكر في حديث المحدث إذا ما عرضت روايته للحديث على رواية غيره من أهل الحفظ والرضا خالفت روايته روايتهم أو لم تكد توافقها، فإذا كان الأغلب من حديثه كذلك كان مهجور الحديث، غير مقبوله ولا مستعمله. فمن هذا الضرب من المحدثين: عبد الله بن محرر، ويحيى بن أبي أنيسة، والجراح بن المنهال أبو العطوف، وعباد بن أبي كثير، وحسين بن عبد الله بن ضميرة، وعمر بن صهبان، ومن نحا نحوهم في رواية المنكر من الحديث، فلسنا نعرج على حديثهم ولا نتشاغل به، لأن حكم أهل العلم والذي نعرف من مذهبهم في قبول ما تفرد به المحدث من الحديث أن يكون قد شارك الثقات من أهل العلم والحفظ في بعض ما رووا، وأمعن في ذلك على الموافقة لهم، فإذا وجد كذلك ثم زاد بعد ذلك شيئًا ليس عند أصحابه قبلت زيادته. فأما من تراه يعمد لمثل الزهري في جلالته وكثرة أصحابه الحفاظ المتقنين لحديثه وحديث غيره، أو لمثل هشام بن عروة، وحديثهما عند أهل العلم مبسوط مشترك، قد نقل أصحابهما عنهما حديثهما على الاتفاق منهم في أكثره، فيروي عنهما أو عن أحدهما العدد من الحديث، مما لا يعرفه أحد من أصحابهما، وليس ممن قد شاركهم في الصحيح مما عندهم، فغير جائز قبول حديث هذا الضرب من الناس، والله أعلم) ا. هـ. قلت: وهذا القيد الذي ذكره مسلم لقبول ما يتفرد به الراوي وهو كونه
قد شارك الثقات من أهل العلم والحفظ في بعض ما رووا وأمعن في ذلك على الموافقة لهم ... إلى آخره لا ينطبق على موسى بن هلال، ولا على العمري، لأن موسى ليس بالمشهور، فضلاً عن أن يمعن في الموافقة لرواية الحفاظ. وأما عبد الله العمري فتقدم أن فيه ضعفًا، وأنه ليس بالمتقن، ويخالف الثقات، فلا ينطبق عليه ما ذكره مسلم. 2 - وقال أبو داود في " رسالته إلى أهل مكة في وصف كتابه " السنن " (ص: 29): (والأحاديث التي وضعتها في كتاب السنن أكثرها مشاهير، وهي عند كل من كتب شيئًا من الحديث، إلا أن تمييزها لا يقدر عليه كل الناس، والفخر بها أنها مشاهير، فإنه لا يحتج بحديث غريب ولو كان من رواية مالك ويحيى بن سعيد والثقات من أئمة العلم. ولو احتج رجل بحديث غريب وجدت من يطعن فيه، ولا يحتج بالحديث الذي قد احتج به إذا كان الحديث غريبًا شاذًا. فأما الحديث المشهور المتصل الصحيح فليس يقدر أن يرده عليك أحد. وقال إبراهيم النخعي: كانوا يكرهون الغريب من الحديث. وقال يزيد بن أبي حبيب: إذا سمعت الحديث فانشده كما تنشد الضالة، فإن عرف وإلا فدعه) ا. هـ. ومن الأمور التي يحمل عليها قول أبي داود: (فإنه لا يحتج بحديث غريب ولو كان من رواية مالك ويحيى بن سعيد والثقات من أئمة العلم): أن الحديث الذي ينفرد به أحد الرواة عن مالك أو يحيى بن سعيد - ولو كان ثقة - فإنه لا يقبل، بل يرد، لأنه حينئذ يكون حديثًا غريبًا، فكيف إذا كان المتفرد به
فيه ضعف، كما في الحديث الذي معنا. 3 - وقال أبو بكر البرديجي: (لا يلتفت إلى رواية الفرد عن شعبة ممن ليس له حفظ ولا تقدم في الحديث من أهل الإتقان) ا. هـ من "فتح الباري" لابن رجب (1/ 301). قلت: وعبد الله العمري وموسى بن هلال ليس لهما حفظ ولا تقدم في الحديث. 4 - وقال الذهبي في "الميزان" (3/ 140): (بل الثقة الحافظ إذا انفرد بأحاديث كان أرفع له وأكمل لرتبته، وأدل على إعتنائه بعلم الأثر وضبطه دون أقرانه لأشياء ما عرفوها ..... إلى أن قال: وأن تفرّد الثقة المتقن يعد صحيحًا غريبًا، وأنّ تفرد الصدوق ومن دونه يعد منكرًا، وأنّ إكثار الراوي من الأحاديث التي لا يوافق عليها لفظًا أو إسنادًا يصيره متروك الحديث) ا. هـ. والشاهد من هذا قول الذهبي: (تفرد الصدوق ومن دونه يعد منكرًا) وهذا ينطبق على الخبر الذي معنا. 5 - وقال أيضًا في "الميزان" (1/ 364): (" صح " ثابت بن عجلان " خ، د، س، ق " شامي، حدث عنه بقية ومحمد بن حمير، وثقه ابن معين، وقال أحمد بن حنبل: أنا متوقف فيه. وقال أبو حاتم: صالح. وذكره ابن عدي، وساق له ثلاثة أحاديث غريبة، وذكره العقيلي في "الضعفاء" وقال: لا يتابع في حديثه ....). ثم ذكر له حديثًا أُنكر عليه، ثم قال: (قال الحافظ عبد الحق: ثابت لا يحتج به.
فناقشه على قوله أبو الحسن بن القطان، وقال: قول العقيلي أيضًا فيه تحامل عليه. وقال: إنما يمس بهذا من لا يعرف بالثقة مطلقًا، أما من عرف بها فانفراده لا يضره إلا أن يكثر ذلك منه. قلت - الذهبي -: أما من عرف بالثقة فنعم، وأما من وثق ومثل أحمد الإمام يتوقف فيه، ومثل أبي حاتم يقول: صالح الحديث، فلا نرقيه إلى رتبة الثقة، فتفرد هذا يعد منكرًا، فرجح قول العقيلي وعبد الحق. وهذا شيخ حمصي ليس بالمكثر، رأى أنسًا، وسمع من مجاهد وعطاء وجماعة ... قال دحيم: ليس به بأس. وقال النسائي: ثقة. وسئل عنه أحمد ابن حنبل مرة: أكان ثقة؟ فسكت) ا. هـ. 6 - وقال الذهبي أيضًا في " الموقظة " (77 - 78): (وقد يسمي جماعة من الحفاظ الحديث الذي ينفرد به مثل هشيم وحفص بن غياث منكرًا. فإن كان المنفرد من طبقة مشيخة الأئمة أطلقوا النكارة على ما انفرد به مثل عثمان بن أبي شيبة وأبي سلمة التبوذكي وقالوا: هذا منكر. فإن روى أحاديث من الأفراد المنكرة غمزوه ولينوا حديثه، وتوقفوا في توثيقه، فإن رجع عنها وامتنع من روايتها، وجوز على نفسه الوهم، فهو خير له وأرجح لعدالته، وليس من حد الثقة أنه لا يغلط ولا يخطئ، فمن الذي يسلم من ذلك غير المعصوم الذي لا يقرُّ على خطأ؟) ا. هـ. قلت: وكلام الأئمة في هذه المسألة كثير، والمنقول عنهم فيها ليس بالقليل، وقد راعوها مراعاة بالغة عند حكمهم على الحديث وعلى الراوي - ودونك كتب العلل والجرح والتعديل -، وأكثروا من التأليف في الأفراد والغرائب.
والكلام في هذه المسألة يحتاج إلى بسط وضرب للأمثلة، كما يحتاج إلى تفصيل لأنه ليس كل غرابة وتفرد علة يرد بها الخبر. * * * 4 - العلة الرابعة مما يعل به هذا الخبر هي: أن مسلمًا (1377) أخرج من طريق عيسى بن حفص بن عاصم ثنا نافع عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من صبر على لأوائها كنت له شفيعًا أو شهيدًا يوم القيامة " وهو عند أحمد (6440). وأخرجه مسلم أيضًا من طريق مالك عن قطن بن وهب عن يُحنس مولى الزبير عن ابن عمر به، ولفظه: " لا يصبر على لأوائها وشدتها أحد إلا كنت له شهيدًا أو شفيعًا يوم القيامة " وهو عند مالك في الموطأ (2/ 885) وأخرجه أحمد (5935). وأخرج الترمذي (3918): ثنا محمد بن عبد الأعلى ثنا المعتمر بن سليمان قال: سمعت عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر به. وقال: حسن صحيح غريب من حديث عبيد الله. وأخرجه ابن عدي في "الكامل" (3/ 1184): ثنا علي بن إبراهيم بن الهيثم ثنا أبو موسى الزمن ثنا سالم بن نوح العطار ثنا عبيد الله بن عمر به. وقال ابن عدي: لا أعلم يرويه عن عبيد الله غير سالم بن نوح ومعتمر ابن سليمان.
قلت: وسالم مختلف فيه، ولعله صالح. والحديث أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة أيضًا. والذي يبدو لي - والله تعالى أعلم - أن أصل حديث موسى بن هلال عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر يرفعه: " من زار قبري وجبت له شفاعتي " هو الحديث المتقدم من رواية عيسى بن حفص - وهو عم عبد الله العمري - وعبيد الله بن عمر - وهو أخو عبد الله - كلاهما عن نافع، فأخطأ موسى بن هلال - أو عبد الله العمري - فرواه باللفظ السابق، وقد تقدم ذكر أمثلة كثيرة على خطأ عبد الله العمري، والله تعالى أعلم. وهذه العلة - أي العلة الرابعة - لا تستغرب لأن كثيرًا من الأحاديث الضعيفة لها أصول صحيحة، فيخطئ الراوي الضعيف في روايته إما من حيث اللفظ فيغير اللفظ، وإما من حيث الإسناد فيغير الإسناد. * * *
فصل: في ذكر شيء من تحريرات ابن عبد الهادي في كلامه على بعض الأحاديث
فصل: في ذكر شيء من تحريرات ابن عبد الهادي في كلامه على بعض الأحاديث الحديث الأول: نقل ابن عبد الهادي في " الصارم المنكي " (249) عن الإمام أحمد أنه قال: (حدَّثنا عبد الله بن يزيد - هو أبو عبد الرحمن المقرئ - حدَّثنا حيوة حدَّثنا أبو صخر أن يزيد بن عبد الله بن قسيط أخبره عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما من أحد يسلم عليّ إلا رد الله عز وجل إليّ روحي حتى أرد عليه السلام ". ثم قال ابن عبد الهادي: (هكذا رواه في هذا اللفظ ليس فيه " عند قبري " وما أضيف إليه من هذه الزيادة فهو على سبيل التفسير منه، لا أنه مذكور في روايته، واعلم أن هذا الحديث هو الذي اعتمد عليه الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما من الأئمة في مسألة الزيارة، وهو أجود ما استدل به في هذا الباب، ومع هذا فإنه لا يسلم من مقال في إسناده، ونزاع في دلالته، أما المقال في إسناده فمن جهة تفرد أبي صخر به عن ابن قسيط عن أبي هريرة، ولم يتابع ابن قسيط أحد في روايته عن أبي هريرة، ولا تابع أبا صخر أحد في روايته عن ابن قسيط) ا. هـ. ثم أطال بعد ذلك الكلام في أبي صخر، ونقل أقوال النقاد فيه، ثم قال: (وقد عرف اختلاف الأئمة في عدالته والاحتجاج بخبره مع الاضطراب في اسمه وكنيته واسم أبيه، فما تفرد به من الحديث ولم يتابعه عليه أحد لا ينهض إلى درجة الصحيح، ولا ينتهي إلى درجة الصحة، بل يستشهد به ويعتبر به.
وأما ابن قسيط شيخ أبي صخر فهو يزيد بن عبد الله بن قسيط بن أسامة بن عمير الليثي أبو عبد الله المدني الأعرج، وقد روى له البخاري ومسلم في صحيحيهما حديثه عن عطاء بن يسار، وروى له مسلم أيضًا من روايته عن عروة بن الزبير وعبيد بن جريج وداود بن عامر بن سعد بن أبي وقاص، ولم يخرج له في الصحيح شيء من روايته عن أبي هريرة، بل هو قليل الحديث عن أبي هريرة، روى له أبو داود في سننه حديثين من روايته عنه ...) ثم ذكر أقوال الحفاظ فيه، ثم قال: (فقد تبين أن هذا الحديث الذي تفرد به أبو صخر عن ابن قسيط عن أبي هريرة لا يخلو من مقال في إسناده، وأنه لا ينتهي به إلى درجة الصحيح، وقد ذكر بعض الأئمة أنه على شرط مسلم، وفي ذلك نظر، فإن ابن قسيط وإن كان مسلم قد روى في صحيحه من رواية أبي صخر عنه، لكنه لم يخرج من روايته عن أبي هريرة شيئًا، فلو كان قد أخرج في الأصول حديثًا من رواية أبي صخر عن ابن قسيط عن أبي هريرة أمكن أن يقال في هذا الحديث: أنه على شرطه) ا. هـ. حديث آخر: وذكر في " الصارم المنكي " أيضًا (271 - 276) حديث أوس بن أوس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا عليّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة عليّ ... " الحديث. ثم قال: (ذكر ابن أبي حاتم هذا الحديث في " كتاب العلل "، فقال: سمعت أبي يقول: عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، لا أعلم أحدًا من أهل العراق يحدث عنه، والذي عندي أن الذي يروي عنه أبو أسامة وحسين الجعفي واحد، وهو عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، لأن أبا أسامة روى عن عبد الرحمن ابن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة خمسة أحاديث أو ستة أحاديث منكرة، لا
يحتمل أن يحدث عبد الرحمن بن يزيد بن جابر مثله، ولا أعلم أحدًا من أهل الشام روى عن ابن جابر من هذه الأحاديث شيئًا. وأما حسين الجعفي، فإنه روى عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن أبي الأشعث الصنعاني عن أوس بن أوس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في يوم الجمعة أنه قال: " أفضل الأيام يوم الجمعة، فيه الصعقة، وفيه النفخة، وفيه كذا ". وهو حديث منكر، لا أعلم أحدًا رواه غير حسين الجعفي. وأما عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، فهو ضعيف الحديث؛ وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر ثقة. وقال البخاري في "تاريخه": عبد الرحمن بن يزيد بن تميم السلمي الشامي، عن مكحول، سمع منه الوليد بن مسلم، عنده مناكير، ويقال: هو الذي روى عنه أهل الكوفة أبو أسامة وحسين، فقالا: عبد الرحمن بن يزيد ابن جابر. وقال في كتاب "الضعفاء": عبد الرحمن بن يزيد بن تميم السلمي، يعد في الشاميين مرسل، روى عنه الوليد بن مسلم، وعنده مناكير، يقال: هو الذي روى عنه أهل الكوفة أبو أسامة وغيره، فقالوا: عبد الرحمن بن يزيد ابن جابر، وهو ابن يزيد بن تميم ليس بابن جابر. وقال ابن أبي حاتم في كتاب "الجرح والتعديل": حدثني أبي قال: سألت محمد بن عبد الرحمن بن أخي حسين الجعفي عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، فقال: قدم الكوفة عبد الرحمن بن يزيد بن تميم ويزيد بن يزيد بن جابر، ثم عبد الرحمن بن يزيد بن جابر بعد ذلك بدهر، فالذي يحدث عنه أبو أسامة ليس هو ابن جابر، وهو عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، قال ابن أبي حاتم:
وسألت أبي عن عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، فقال: عنده مناكير، يقال: هو الذي روى عنه أبو أسامة وحسين الجعفي، وقالا: هو ابن يزيد بن جابر، وغلطا في نسبه، وهو ابن يزيد بن تميم، وهو أصح، وهو ضعيف الحديث. وقال أبو داود: وعبد الرحمن بن يزيد بن تميم متروك الحديث، حدث عنه أبو أسامة، وغلط في اسمه، فقال: حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الشامي، وكل ما جاء عن أبي أسامة عن عبد الرحمن بن يزيد فإنما هو ابن تميم. وقال أبو بكر بن أبي داود: قدم يعني الكوفة فارًا مع القدرية، وقد سمع أبو أسامة من ابن المبارك عن ابن جابر، وجميعًا يحدثان عن مكحول وابن جابر أيضًا دمشقي، فلما قدم هذا، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن يزيد الدمشقي، وحدث عن مكحول، فظن أبو أسامة أنه ابن جابر الذي روى عنه ابن المبارك وابن جابر ثقة مأمون، يجمع حديثه، وابن أبي تميم ضعيف، روى عن الزهري أحاديث مناكير، حدثنا ببعضها محمد بن يحيى النيسابوري في " علل حديث الزهري "، وقال: أحرج على من حدث عني هذه الأحاديث مفردة قال: وقدم ابن تميم هذا مع ثور بن يزيد وبرد بن سنان ومحمد بن راشد وابن ثوبان فروا من القتل، وكانوا قدرية، فقدموا العراق، فسمع منهم أهل العراق. وقال النسائي في " كتاب الضعفاء ": عبد الرحمن بن يزيد بن تميم متروك الحديث، شامي، روى عنه أبو أسامة، وقال: عبد الرحمن بن يزيد ابن جابر. وقال موسى بن هارون الحافظ: روى أبو أسامة عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وكان ذلك وهمًا منه، هو لم يلق عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وإنما لقي عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، فظن أنه ابن جابر، وابن جابر ثقة، وابن تميم ضعيف.
وقال الخطيب: روى الكوفيون أحاديث عبد الرحمن بن يزيد ابن تميم عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر فوهموا في ذلك، والحمل عليه في تلك الأحاديث. وقال بعض الحفاظ المتأخرين: قدم عبد الرحمن بن يزيد بن تميم الكوفة فسألوه عن اسمه، فقال: عبد الرحمن بن يزيد الدمشقي، ولم يزد على ذلك، فظنوه ابن جابر، لأنه أشهر الرجلين، فغلطوا في ذلك لتدليسه نفسه. وقال أبو حاتم بن حبان البستي في كتاب "المجروحين": عبد الرحمن ابن يزيد بن تميم، من أهل دمشق، كنيته أبو عمرو، يروي عن الزهري، روى عنه الوليد بن مسلم وأبو المغيرة، وكان ممن ينفرد عن الثقات بما لا يشبه حديث الأثبات، من كثرة الوهم والخطأ، وهو الذي يدلس عنه الوليد بن مسلم، ويقول: قال أبو عمرو، وحدثنا أبو عمرو، عن الزهري، يوهم أنه الأوزاعي، وإنما هو ابن تميم، وقد روى عنه الكوفيون أبو أسامة والحسين الجعفي وذووهما. وقال الحافظ أبو الحسن الدارقطني: قوله " حسين الجعفي روى عن عبد الرحمن بن يزيد بن تميم " خطأ، الذي يروي عنه حسين هو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وأبو أسامة يروي عن عبد الرحمن بن يزيد بن تميم فيقول: ابن جابر، ويغلط في اسم الجد. قلت: والذي قاله الحافظ أبو الحسن هو أقرب وأشبه بالصواب، وهو أن الجعفي روى عن ابن جابر ولم يرو عن ابن تميم، والذي يروي عن ابن تميم ويغلط في اسم جده هو أبو أسامة، كما قاله الأكثرون، فعلى هذا يكون الحديث الذي رواه حسين الجعفي عن ابن جابر عن أبي الأشعث عن أوس حديثًا صحيحًا، لأن رواته كلهم مشهورون بالصدق والأمانة والثقة والعدالة،
ولذلك صححه جماعة من الحفاظ كأبي حاتم بن حبان والحافظ عبد الغني المقدسي وابن دحية وغيرهم، ولم يأت من تكلم فيه وعلله بحجة بينة، وما ذكره أبو حاتم الرازي في "العلل" لا يدل إلا على تضعيف رواية أبي أسامة عن ابن جابر، لا على ضعف رواية الجعفي عنه، فإنه قال: والذي عندي أن الذي يروي عنه أبو أسامة وحسين الجعفي واحد، ثم ذكر ما يدل على أن الذي روى عنه أبو أسامة فقط هو ابن تميم، فذكر أمرًا عامًا، واستدل بدليل خاص، وقد قيل إن أبا أسامة كان يعرف أن عبد الرحمن بن يزيد هو ابن تميم، ويتغافل عن ذلك، قال يعقوب بن سفيان: قال محمد بن عبد الله بن نمير - وذكر أبا أسامة - فقال: الذي يروي عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر يرى أنه ليس بابن جابر المعروف، وذكر لي أنه الرجل يسمى باسم: ابن جابر. قال يعقوب: صدق، هو عبد الرحمن بن فلان بن تميم، فدخل عليه أبو أسامة، فكتب عنه هذه الأحاديث، فروى عنه، وإنما هو إنسان يسمى باسم ابن جابر. قال يعقوب: وكأني رأيت ابن نمير يتهم أبا أسامة أنه علم ذلك وعرف، ولكن تغافل عن ذلك، وقال لي ابن نمير: أما ترى روايته لا تشبه سائر حديثه الصحاح، الذي روى عنه أهل الشام وأصحابه) ا. هـ. وهناك أمثلة كثيرة على تحريراته في كتابه "التنقيح" ولكني لم أذكر شيئًا منها لأنه ستأتي الإشارة إلى بعضها في مقدمة التحقيق. * * *
فصل: في ذكر شيء من كلام ابن عبد الهادي
فصل: في ذكر شيء من كلام ابن عبد الهادي في بعض مسائل المصطلح الحديث المرسل: قال ابن عبد الهادي في " الصارم المنكي " (143 - 147): (قال الشافعي: والمنقطع مختلف فمن شاهد أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من التابعين فحدث حديثًا منقطعًا عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعتبر عليه بأمور، منها: أن ينظر إلى ما أرسل من الحديث، فإن شركه الحفاظ المأمونون فأسندوه إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمثل معنى ما روى كانت هذه دلالة على صحة ما قيل عنه وحفظه. وإن انفرد بإرسال حديث لم يشركه فيه من يسنده قبل ما ينفرد به من ذلك، ويعتبر عليه بأن ينظر هل يوافقه مرسل غيره ممن قبل العلم من غير رجاله الذين قبل عنهم، فإن وجد ذلك كانت دلالة تقوى له مرسله، وهي أضعف من الأولى. وإن لم يوجد ذلك نظر إلى بعض ما يروى عن بعض أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قولاً له، فإن وجد يوافق ما روي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان في هذا دلالة على أنه لم يأخذ مرسله إلا عن أصل يصح إن شاء الله تعالى. وكذلك إن وجد عوام من أهل العلم يفتون بمثل معنى ما روي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ثم يعتبر عليه بأن يكون إذا سمى من روى عنه لم يسم مجهولاً، ولا مرغوبًا عن الرواية عنه، فيستدل بذلك على صحته فيما روى عنه. ويكون إذا شرك أحدًا من الحفاظ في حديث لم يخالفه، فإن خالفه ووجد حديثه أنقص كانت في هذه دلائل على صحة مخرج حديثه. ومتى خالف ما وصفت أضر بحديثه حتى لا يسع أحدًا قبول مرسله. قال: وإذا وجدت الدليل بصحة حديثه بما وصفت أحببنا أن نقبل مرسله، ولا نستطيع أن نزعم أن الحجة ثبتت بها ثبوتها بالمتصل، وذلك أن معنى المنقطع مغيب يحتمل أن يكون حمل عمن يرغب عن الرواية عنه إذا سمي، وأن بعض المنقطعات وإن وافقه مرسل مثله فقد يحتمل أن يكون مخرجها واحدًا، من حيث لو سمي لم يقبل، وإن قول بعض أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قال برأيه لو وافقه لم يدل على صحة مخرج الحديث دلالة قوية إذا نظر فيها، ويمكن أن يكون إنما غلط به حين سمع قول بعض أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوافقه، ويحتمل مثل هذا فيمن وافقه من بعض الفقهاء. قال الشافعي: فأما من بعد كبار التابعين فلا أعلم واحدًا منهم يقبل مرسله لأمور: أحدها: أنهم تجوزوا فيمن يروون عنه. والآخر: أنهم تؤخذ عليهم الدلائل فيما أرسلوا لضعف مخرجه. والآخر: كثرة الإحالة في الأخبار، وإذا كثرت الإحالة كان أمكن للوهم وضعف من يقبل عنه. هذا كله كلام الشافعي، وقد تضمن أمورًا:
أحدها: أن المرسل إذا أسند من وجه آخر دل ذلك على صحة المرسل. الثاني: أنه إذا لم يسند من وجه آخر نظر هل يوافقه مرسل آخر أم لا؟ فإن وافقه مرسل آخر قوي، لكنه يكون أنقص درجة من المرسل الذي أسند من وجه آخر. الثالث: أنه إذا لم يوافقه مرسل آخر، ولا أسند من وجه، لكنه وجد عن بعض الصحابة قول له يوافق هذا المرسل عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دل على أن له أصلاً ولا يطرح. الرابع: أنه إذا وجد خلق كثير من أهل العلم يفتون بما يوافق المرسل دل على أن له أصلاً. الخامس: أن ينظر في حال المُرسل فإن كان إذا سمى شيخه سمى ثقة وغير ثقة لم يحتج بمُرسَله، وإن كان إذا سمى لم يسم إلا ثقة لم يسم مجهولاً ولا ضعيفًا ولا مرغوبًا عن الرواية عنه كان ذلك دليلاً على صحة المرسل. وهذا فصل النزاع في المرسل، وهو من أحسن ما يقال فيه. السادس: أن ينظر إلى هذا المُرسل له إن كان إذا شرك غيره من الحفاظ في حديث وافقه فيه ولم يخالف، دل ذلك على حفظه، وإن خالفه ووجد حديثه أنقص - إما نقصان رجل يؤثر في اتصاله، أو نقصان رفعه بأن يقفه، أو نقصان شيء من متنه - كان في هذا دليل على صحة مخرج حديثه وأن له أصلاً، فإن هذا يدل على حفظه وتحريه بخلاف ما إذا كانت مخالفته بزيادة، فإن هذا يوجب التوقف والنظر في حديثه. وهذا دليل من الشافعي رضي الله عنه على أن زيادة الثقة عنده لا يلزم أن
تكون مقبولة مطلقًا كما يقوله كثير من الفقهاء من أصحابه وغيرهم، فإنه اعتبر أن يكون حديث هذا المخالف أنقص من حديث من خالفه، ولم يعتبر المخالف بالزيادة، وجعل نقصان هذا الراوي من الحديث دليلاً على صحة مخرج حديثه، وأخبر أنه متى خالف ما وصف أضر ذلك بحديثه، ولو كانت الزيادة عنده مقبولة مطلقًا لم يكن مخالفته بالزيادة مضرًا بحديثه. السابع: أن المرسل العاري عن هذه الاعتبارات والشواهد التي ذكرها ليس بحجة عنده. الثامن: أن المرسل الذي حصلت فيه هذه الشواهد أو بعضها يسوغ الاحتجاج به ولا يلزم لزوم الحجة بالمتصل، وكأنه رضي الله عنه سوغ الاحتجاج به ولم ينكر على مخالفه. التاسع: أن مأخذ رد المرسل عنده إنما هو احتمال ضعف الواسطة، وأن المرسل لو سماه لبان أنه لا يحتج به، وعلى هذا المأخذ فإذا كان المعلوم من عادة المرسل أنه إذا سمى لم يسم إلا ثقة ولم يسم مجهولاً، كان مرسله حجة. وهذا أعدل الأقوال في المسألة، وهو مبني على أصل، وهو أن رواية الثقة عن غيره هل هي تعديل له أم لا؟ وفي ذلك قولان مشهوران، هما روايتان عن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه، والصحيح حمل الروايتين على اختلاف حالين، فإن الثقة إذا كان من عادته أن لا يروي إلا عن ثقة كانت روايته عن غيره تعديلاً له، إذ قد علم ذلك من عادته، وإن كان يروي عن الثقة وغيره لم تكن روايته تعديلاً لمن روى عنه، وهذا التفصيل اختيار كثير من أهل الحديث والفقه والأصول، وهو أصح. العاشر: أن مرسل من بعد كبار التابعين لا يقبل، ولم يحك الشافعي عن
أحد قبوله لتعدد الوسائط، ولأنه لو قبل لقبل مرسل المحدث اليوم، وبينه وبين الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكثر من عشرة، وهذا لا يقوله أحد من أهل الحديث) ا. هـ. وهذا من أحسن ما قيل في شرح كلام الشافعي في المرسل، وقد أشار في أثناء كلامه إلى مسألة زيادة الثقة - وسيأتي كلام مطول له حولها -، وأيضًا مسألة رواية الثقة عن غيره هل هي تعديل له أم لا؟ التفرد: ذكر ابن عبد الهادي في " الصارم المنكي " (119) حديثًا موضوعًا تفرد به أحد الكذابين، ثم قال: (ونسخة مالك عن نافع عن ابن عمر محفوظة معروفة مضبوطة رواها عنه أصحابه رواة " الموطأ " وغير رواة " الموطأ " وليس هذا الحديث منها بل لم يروه مالك قط ولا طرق سمعه ولو كان من حديثه لبادر إلى روايته عنه بعض أصحابه الثقات المشهورين، بل لو تفرد بروايته عنه ثقة معروف من بين سائر أصحابه لأنكره الحفاظ عليه ولعدوه من الأحاديث المنكرة الشاذة) ا. هـ وينظر أيضًا: " الصارم ": (31، 34، 69، 78). زيادة الثقة: قال ابن عبد الهادي في كتابه في الجهر بالبسملة - كما في "نصب الراية" (1/ 336) -: (فإن قيل: .... الزيادة من الثقة مقبولة. قلنا: ليس ذلك مجمعًا عليه، بل فيه خلاف مشهور: فمن الناس من يقبل زيادة الثقة مطلقًا، ومنهم من لا يقبلها، والصحيح التفصيل، وهو أنها تقبل في موضع دون موضع. فتقبل إذا كان الراوي الذي رواها ثقة حافظًا ثبتًا، والذي لم يذكرها مثله
أو دونه في الثقة، كما قبل الناس زيادة مالك بن أنس قوله " من المسلمين " في صدقه الفطر، واحتج بها أكثر العلماء. وتقبل في موضع آخر لقرائن تخصها، ومن حكم في ذلك حكمًا عامًا فقد غلط بل كل زيادة لها حكم يخصها: فقي موضع يجزم بصحتها، كزيادة مالك. وفي موضع يغلب على الظن صحتها، كزيادة سعد بن طارق في حديث " جعلت الأرض مسجدًا، وجعلت تربتها لنا طهورًا "، وكزيادة سليمان التيمي في حديث أبي موسى " وإذا قرأ فانصتوا ". وفي موضع يجزم بخطأ الزيادة، كزيادة معمر ومن وافقه قوله: " وإن كان مائعًا فلا تقربوه "، وكزيادة عبد الله بن زياد ذكر البسملة في حديث " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين "، وإن كان معمر ثقة، وعبد الله بن زياد ضعيفًا، فإن الثقة قد يغلط. وفي موضع يغلب على الظن خطأها كزيادة معمر في حديث ماعز الصلاة عليه، رواها البخاري في "صحيحه" وسئل هل رواها غير معمر؟ فقال: لا. وقد رواه أصحاب " السنن الأربعة " عن معمر، وقال فيه: ولم يصل عليه. فقد اختلف على معمر في ذلك، والراوي عن معمر هو عبد الرزاق، وقد اختلف عليه أيضًا، والصواب أنه قال: " ولم يصل عليه ". وفي موضع يتوقف في الزيادة، كما في أحاديث كثيرة، وزيادة نعيم المجمر التسمية في هذا الحديث مما يتوقف فيه بل يغلب على الظن ضعفه) ا. هـ. * * *
فصل: في ذكر شيء من كلام ابن عبد الهادي في بيان مناهج بعض الحفاظ وكتبهم
فصل: في ذكر شيء من كلام ابن عبد الهادي في بيان مناهج بعض الحفاظ وكتبهم شعبة بن الحجاج: قال ابن عبد الهادي في " الصارم المنكي " (134): (الغالب على طريقة شعبة الرواية عن الثقات، وقد يروي عن جماعة من الضعفاء الذين اشتهر جرحهم والكلام فيهم الكلمة والشيء، والحديث والحديثين، وأكثر من ذلك، وهذا مثل روايته عن: إبراهيم بن مسلم الهجري، وجابر الجعفي، وزيد بن الحواري العمي، وثوير بن أبي فاختة، ومجالد بن سعيد، وداود بن يزيد الأودي، وعبيدة بن معتب الضبي، ومسلم الأعور، وموسى بن عبيدة الربذي، ويعقوب بن عطاء بن أبي رباح، وعلي بن زيد بن جدعان، وليث بن أبي سليم، وفرقد السبخي، وغيرهم ممن تكلم فيه، ونسب إلى الضعف وسوء الحفظ وقلة الضبط، ومخالفة الثقات ... الخ) ا. هـ. من منهج الشيخين في التخريج للرواة: قال ابن عبد الهادي في " الصارم المنكي " (256 - 258): (واعلم أن كثيرًا ما يروي أصحاب الصحيح حديث الرجل عن شيخ معين لخصوصيته به ومعرفته بحديثه وضبطه له، ولا يخرجون حديثه عن غيره لكونه غير مشهور بالرواية عنه ولا معروف بضبط حديثه أو لغير ذلك، فيجيء من لا تحقيق عنده فيرى ذلك الرجل المخرج له في الصحيح قد روى حديثًا عمن خرج له في الصحيح من غير طريق ذلك الرجل فيقول: هذا على شرط الشيخين، أو على
شرط البخاري، أو على شرط مسلم، لأنهم احتجا بذلك الرجل في الجملة. وهذا فيه نوع تساهل، فإن صاحبي الصحيح لم يحتجا به إلا في شيخ معين لا في غيره، فلا يكون على شرطهما. وهذا كما يخرج البخاري ومسلم حديث خالد بن مخلد القطواني عن سليمان بن بلال وعلي بن مسهر وغيرهما، ولا يخرجان حديثه عن عبد الله بن المثنى، وإن كان البخاري قد روى لعبد الله بن المثنى من غير رواية خالد عنه، فإذا قال قائل في حديثه عن عبد الله بن المثنى: هذا على شرط البخاري - كما قاله بعضهم في حديثه عنه عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال: أول ما كرهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم فمر به النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " افطر هذان "، ثم رخص النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد في الحجامة للصائم وكان أنس يحتجم وهو صائم - كان في كلامه نوع مساهلة، فإن خالدًا غير مشهور بالرواية عن عبد الله بن المثنى، والحديث فيه شذوذ، وكلامه مذكور في غير هذا الموضع. وكما يخرج مسلم حديث حماد بن سلمة عن ثابت في الأصول دون الشواهد، ويخرج حديثه عن غيره في الشواهد، ولا يخرج حديثه عن عبيد الله ابن أبي بكر بن أنس بن مالك وعامر الأحول وهشام بن حسان وهشام بن زيد ابن أنس بن مالك وغيرهم، وذلك لأن حماد بن سلمة من أثبت من روى عن ثابت أو أثبتهم، قال يحيى بن معين: أثبت الناس في ثابت البناني حماد ابن سلمة. وكما يخرج مسلم أيضًا حديث سويد بن سعيد عن حفص بن ميسرة الصنعاني مع أن سويدًا ممن كثر الكلام فيه واشتهر، لأن نسخة حفص ثابتة عند مسلم من طريق غير سويد لكن بنزول، وهي عنده من رواية سويد بعلو،
فلذلك رواها عنه، قال إبراهيم بن أبي طالب قلت لمسلم: كيف استخرجت الرواية عن سويد في الصحيح؟ فقال: ومن أين كنت آتي بنسخة حفص بن ميسرة؟! فليس لقائل أن يقول في كل حديث رواه سويد بن سعيد عن رجل روى له مسلم من غير طريق سويد عنه: هذا على شرط مسلم، فاعلم ذلك. وقد روى مسلم في "صحيحه" حديثًا من رواية أبي صخر عن يزيد بن عبيد الله بن قسيط، لكن ابن قسيط لا يرويه عن أبي هريرة، وإنما يرويه عن داود بن عامر بن سعد بن أبي وقاص، قال في "صحيحه": حدثني محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا عبد الله بن يزيد حدثني حيوة حدثني أبو صخر عن يزيد ابن عبد الله بن قسيط أنه حدثه أن داود بن عامر بن سعد بن أبي وقاص حدثه عن أبيه أنه كان قاعدًا عند عبد الله بن عمر إذ طلع خباب - صاحب المقصورة - فقال: يا عبد الله بن عمر، ألا تسمع ما يقول أبو هريرة إنه سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من خرج مع جنازة وصلى عليها ثم تبعها حتى تدفن كان له قيراطان من أجر، كل قيراط مثل أحد، من صلى عليها ثم رجع كان له من الأجر مثل أحد ". فأرسل ابن عمر خبابًا إلى عائشة يسألها عن قول أبي هريرة، ثم يرجع إليه فيخبره ما قالت، وأخذ ابن عمر قبضة من حصى المسجد يقلبها في يده حتى رجع إليه الرسول، فقال: قالت عائشة: صدق أبو هريرة. فضرب ابن عمر بالحصى الذي كان في يده الأرض، ثم قال: لقد فرطنا في قراريط كثيرة. هكذا روى مسلم هذا الحديث في "صحيحه" من رواية أبي صخر عن ابن قسيط، بعد أن ذكره من طرق عن أبي هريرة من رواية سعيد بن المسيب والأعرج وأبي صالح وأبي حازم وغيرهم عنه، ورواه أيضًا من حديث معدان بن أبي طلحة اليعمري عن ثوبان، فرواية أبي صخر متابعة لهذا الروايات،
وشاهدة لها، وهكذا عادة مسلم غالبًا: إذا روى لرجل قد تكلم فيه ونسب إلى ضعف وسوء حفظ وقلة ضبط، إنما يروي له في الشواهد والمتابعات، ولا يخرج له شيئًا انفرد به ولم يتابع عليه) ا. هـ. قول البخاري " سكتوا عنه ": قال ابن عبد الهادي في " الصارم المنكي " (431): (وقال البخاري: سكتوا عنه. أي تركوه) ا. هـ. " كتاب الثقات " و" كتاب المجروحين " لابن حبان: قال ابن عبد الهادي في " الصارم المنكي " (138 - 139): (وقد علم أن ابن حبان ذكر في هذا الكتاب الذي جمعه في الثقات عددًا كثيرًا وخلقًا عظيمًا من المجهولين الذين لا يعرف هو ولا غيره أحوالهم، وقد صرح ابن حبان بذلك في غير موضع من هذا الكتاب: فقال في الطبقة الثالثة: سهل يروي عن شداد بن الهاد، روى عنه أبو يعقوب، ولست أعرفه ولا أدري من أبوه. هكذا ذكر هذا الرجل في كتاب "الثقات" ونص على أنه لا يعرفه. وقال أيضًا: حنظلة شيخ يروي المراسيل، لا أدري من هو، روى ابن المبارك عن إبراهيم بن حنظلة عن أبيه. هكذا ذكره لم يزد. وقال أيضًا: الحسن أبو عبد الله شيخ يروي المراسيل، روى عنه أيوب النجار، لا أدري من هو، ولا ابن من هو.
وقال أيضًا: جميل شيخ يروي عن أبي المليح بن أسامة، روى عنه عبد الله بن عون، لا أدري من هو، ولا ابن من هو. وقد ذكر ابن حبان في هذا الكتاب خلقًا كثيرًا من هذا النمط، وطريقته فيه أنه يذكر من لم يعرفه بجرح وإن كان مجهولاً لم يعرف حاله، وينبغي أن يتنبه لهذا ويعرف أن توثيق ابن حبان للرجل بمجرد ذكره في هذا الكتاب من أدنى درجات التوثيق) ا. هـ. وقال أيضًا فيه (94): (... هكذا ذكر ابن حبان حفص بن سليمان في " كتاب الضعفاء "، وقال: إنه هو الذي يقال له حفص بن أبي داود، وهذا الذي قاله صحيح لا شك فيه، وهو الذي قاله غيره من الأئمة الحفاظ، فإن صح عنه مع هذا أنه ذكر حفص بن أبي داود في " كتاب الثقات " فقد تناقض تناقضًا بينًا، وأخطأ خطأً ظاهرًا ووهم وهمًا فاحشًا وقد وقع له مثل هذا التناقض والوهم في مواضع كثيرة، وقد ذكر الشيخ أبو عمرو بن الصلاح أنه غلط الغلط الفاحش في تصرفه، ولو أخذنا في ذكر ما أخطأ فيه وتناقض من ذكره الرجل في الكتابين " كتاب الثقات " و" كتاب المجروحين " ونحو ذلك من الوهم والإيهام لطال الخطاب) ا. هـ. "الكامل" لابن عدي: قال ابن عبد الهادي في " الصارم المنكي " (132): (قال أبو أحمد بن عدي في كتاب " الكامل في معرفة الضعفاء وعلل الأحاديث ": هارون أبو قزعة، سمعت ابن حماد يقول: قال البخاري: هارون أبو قزعة روى عنه ميمون بن سوار، لا يتابع عليه، قال ابن عدي: وهارون أبو قزعة لم ينسب، وإنما روى الشيء الذي أشار إليه البخاري، هذا جميع ما ذكره ابن عدي في ترجمة هارون ولو كان عنده شيء من أمره غير ما قاله البخاري لذكره كما هي عادته) ا. هـ.
" السنن " للدارقطني: قال ابن عبد الهادي في " الصارم المنكي " (31): (... رواه مثل الدارقطني الذي يجمع في كتابه غرائب السنن ويكثر فيه من رواية الأحاديث الضعيفة والمنكرة، بل والموضوعة، ويبين علة الحديث، وسبب ضعفه وإنكاره في مواضع) ا. هـ. "المستدرك" للحاكم: قال ابن عبد الهادي في " الصارم المنكي " (62): (ثم إنه رحمه الله - أي الحاكم - لما جمع " المستدرك على الشيخين " ذكر فيه من الأحاديث الضعيفة والمنكرة، بل والموضوعة جملة كثيرة، وروى فيه لجماعة من المجروحين الذين ذكرهم في كتابه في الضعفاء وذكر أنه تبين له جرحهم، وقد أنكر عليه غير واحد من الأئمة هذا الفعل، وذكر بعضهم أنه حصل له تغير وغفلة في آخر عمره، فلذلك وقع منه ما وقع، وليس ذلك ببعيد) ا. هـ. وقال أيضًا في " المحرر " (رقم: 333): (وقد أبعد من قوى هذا الحديث (1) بقوله بعد ذكره: وعاصم يخرج له الحاكم في "المستدرك" فإنه يخرج فيه للضعيف والثقة والمتروك والمتهم) ا. هـ. * * *
فصل: في ذكر شيء من تحريرات ابن عبد الهادي في تراجم الرواة
فصل: في ذكر شيء من تحريرات ابن عبد الهادي في تراجم الرواة إبراهيم بن محمد بن سليمان بن بلال بن أبي الدرداء: قال الحافظ ابن عبد الهادي في " الصارم المنكي " (314 - 316): (هذا شيخ لم يعرف بثقة وأمانة ولا ضبط وعدالة، بل هو مجهول غير معروف بالنقل ولا مشهور بالرواية، ولم يرو عنه غير محمد بن الفيض، روى عنه هذا الأثر المنكر، ولما ذكره أبو أحمد في " الكنى " قال: كناه لنا أبو الحسن محمد بن الفيض الغساني الدمشقي، وأخبرنا عنه بحديث ولم يذكره، وأشار إلى هذا الخبر الذي رواه بكماله من طريقه في غير " الكنى "، وروى بعضه في " الكنى " في ترجمة أبي رويحة، وقد رحل أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان ومحمد بن مسلم بن وارة ويعقوب بن سفيان الفسوي وغيرهم من الحفاظ بلى دمشق وكان هذا الشيخ موجودًا في ذلك الوقت، ولم يرو عنه أحد منهم وهو من ولد أبي الدرداء فلو كان من أهل الحديث أو كان عنده علم أو له رواية لرووا عنه وسمعوا منه، وقد كان أبو حاتم الرازي من أحرص الناس على لقاء الشيوخ كما قد ذكر ذلك عن نفسه، وقد كتب بعضهم عن إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى الغساني الدمشقي كما روى عنه يعقوب الفسوي والحسن بن سفيان وجماعة من أهل الحديث، وإبراهيم بن هشام في طبقة إبراهيم بن محمد بن سليمان، كانا جميعًا في وقت واحد، ووفاتهما متقاربة، وقد علم أن إبراهيم بن هشام شيخ متهم بالكذب لا يعرف الحديث ولا يدريه ولا يحتج بروايته، وقد روى عنه غير
واحد من أهل الحديث من الرحالة وغيرهم، ولم يرو أحد منهم عن إبراهيم بن محمد، فلو كان من أهل النقل والرواية أو عنده علم أو حديث لأخذوا عنه وسمعوا منه كما أخذوا عن إبراهيم بن هشام، فلما لم يرووا عنه بل تركوه وأعرضوا عنه مع حرصهم على لقاء الشيوخ وشدة اعتنائهم بالرواية دل على أنه عندهم أسوأ حالاً من إبراهيم بن هشام، وقد ذكر أبو حاتم الرازي وغيره عن إبراهيم بن هشام ما يدل على أنه لا يعي الحديث ولا يدريه، قال ابن أبي حاتم في كتاب "الجرح والتعديل": سمعت أبي يقول: قلت لأبي: لم لا تحدث عن إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى؟ قال: ذهبت إلى قريته وأخرج إلي كتابًا زعم أنه سمعه من سعيد بن عبد العزيز، فنظرت فيه فإذا فيه أحاديث ضمرة عن رجاء بن أبي سلمة وعن ابن شوذب وعن يحيى بن أبي عمرو الشيباني، فنظرت إلى حديث فاستحسنته من حديث ليث بن سعد عن عقيل، فقدت له: اذكر هذا. فقال: حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن ليث بن سعد عن عقيل - بالكسر -! ورأيت في كتابه أحاديث عن سويد بن عبد العزيز عن مغيرة وحصين وقد قلبها على سعيد بن عبد العزيز، وأظنه لم يطلب العلم، وهو كذاب. قال: فقلت: هذه أحاديث سويد بن عبد العزيز. قال: فقال: صدقت، نعم حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن سويد. قال ابن أبي حاتم: ينبغي أن لا يحدث عنه. قلت: وإبراهيم بن هشام هذا هو صاحب حديث أبي ذر الطويل الذي تفرد به عن أبيه عن جده، وقد رواه أبو القاسم الطبراني وأبو حاتم بن حبان البستي في كتاب " الأنواع والتقاسيم " وهو حديث مجموع من أحاديث كثيرة بعضها في الصحاح، وبعضها في المساند والسنن، وبعضها لا أصل له، وقد ذكر ابن أبي حاتم إبراهيم بن هشام في كتاب "الجرح والتعديل" وذكر عنه ما حكيناه، ولم يذكر إبراهيم بن محمد بن سليمان فيه، ولم يرو عنه أحد ممن رحل
من الحفاظ وأهل الحديث ولم يأخذ عنه من أهل بلده غير محمد بن الفيض روى عنه هذا الخبر الذي لم يتابع عليه، فعلم أنه ليس بمحل للرواية عنه) ا. هـ. سعيد بن عبد الرحمن الجمحي: ذكر ابن عبد الهادي في "التنقيح" (3/ 104) قول ابن حبان فيه: كان يروي عن الثقات الموضوعات، كأنه المتعمد لها. ثم قال: (وأما سعيد بن عبد الرحمن الجمحي فروى له مسلم في صحيحه، ووثقه من هو أعلم من ابن حبان كيحيى بن معين، وقال أحمد: ليس به بأس. وقال النسائي: لا بأس به. وقال ابن عدي: له أحاديث غرائب حسان، وأرجو أنها مستقيمة، وإنما يهم عندي في الشيء بعد الشيء، فيرفع موقوفًا، ويصل مرسلاً، لا عن تعمد) ا. هـ. عبد الرحمن بن يزيد بن تميم: وقد سبق نقل كلامه عليه (ص: 64). عبد العزيز بن أبي رواد: ينظر كلامه عليه في "التنقيح" (122، 3/ 121). عبد الملك بن أبي سليمان: ينظر كلامه عليه في "التنقيح" (4/ 175 - 176). هذا وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين. وكتب عبد الله بن عبد الرحمن السعد
مقدمة التحقيق
بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة التحقيق الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد الأمين، وعلى آله وصحبه والتابعين. أما بعد: لقد اعتنى العلماء بالسنة النبوية أيما عناية، ومن بين عموم السنة لقيت أحاديث الأحكام عناية خاصة، فقد تفنن أهل العلم رحمهم الله تعالى في جمعها وتدوينها ونقدها، وكان ذلك على صور متعددة، ومن تلك الصور: كتب الخلافيات الحديثية، وهي الكتب التي تُذكر فيها المسائل التي اختلف فيها أصحاب المذاهب، ويكون الاستدلال عليها بالأحاديث النبوية، مع ذكر أدلة كلا المذهبين، ومناقشة أدلة أصحاب المذهب المخالف، والجواب عن الاعتراضات على أدلة المذهب المتبع. ومن أهم ما كتب في ذلك: كتاب "التحقيق" لابن الجوزي (1)، فقد جمع المسائل التي خولف فيها الحنابلة مرتبة حسب الأبواب الفقهية، فيذكر المسألة، ثم يذكر المخالف فيها، ثم يذكر أدلة الحنابلة ويصدرها بقوله (لنا)، ثم يذكر - أحيانًا - ما قد يعترض به على تلك الأدلة، ويجيب عن ذلك، ثم بعد ذلك ينتقل إلى أدلة المخالفين، ويصدرها بقوله: (احتجوا)، ثم يختم المسألة بجوابه عن ما احتج به المخالف، وغالب ما يذكره - سواء في الاعتراضات، أو
في جوابه عن أدلة المخالف - متعلق بصحة النقل من عدمه (الصناعة الحديثية)، وربما ذكر بعض الأمور التي تتعلق بالاستدلال. وامتاز كتاب "التحقيق" عن غيره بميزات: (1) خدمته لمذهب الحنابلة على هذا الوجه الذي لم يسبق إليه حسب علمنا. (2) توسعه في ذكر أدلة المخالف، فضلاً عن أدلة الحنابلة، فربما ذكر في المسألة الواحدة عشرة أحاديث وأكثر، وربما ذكر للحديث الواحد تسع طرق. (3) كثرة مسائله، لأنه يذكر المسائل التي خولف فيها الحنابلة من قبل أصحاب المذاهب الأخرى دون التقيد بمذهب معين، بل ربما ذكر الخلاف مع داود الظاهري، وأحيانًا يذكر المسائل التي فيها خلاف في المذهب الحنبلي نفسه. (4) حسن الترتيب. ولكن كان في الكتاب بعض جوانب القصور، تتلخص فيما يلي: (1) عدم العناية بعزو الأحاديث إلى الكتب الستة المشهورة (الصحيحين والسنن الأربعة)، فتجد الحديث عند هؤلاء أو بعضهم - لا سيما أصحاب السنن -، ويخرجه ابن الجوزي من طريق الدارقطني، أو الخطيب البغدادي، ولا يعزوه إلى تلك الكتب. (2) إهمال الكلام على بعض رجال الأسانيد المتكلم فيهم. (3) إهمال الكلام على بعض العلل الخفية في الأحاديث. (4) وقوع أخطاء كثيرة في تمييز الرواة، وفي تجريح طائفة من الثقات،
وتعديل جماعة من الضعفاء. (5) وقوع بعض الأخطاء في تحديد الراوي الذي يُحْمَل عليه في الحديث الضعيف. (6) إيراد بعض الأحاديث مجردة عن الأسانيد، وبدون عزو إلى شيء من المصادر الأصلية. وبالإضافة إلى ما سبق كان ابن الجوزي يكرر إسناده إلى أصحاب الكتب المشهورة، ما أدى إلى كبر حجم الكتاب دون كبير فائدة. فأتى الحافظ ابن عبد الهادي في كتابه "التنقيح" وعمل على تكميل جوانب القصور في الكتاب، فتمم ما أهمله المؤلف: بعزوِ الأحاديث إلى الكتب المعتمدة المشهورة، وجرحِ الرواة المجروحين، وتعليلِ الأحاديث المعلة، وتتبعِ الأخطاء التي وقع فيها المؤلف مع بيان ما يراه صوابًا، ونقل كلام العلماء في تصحيح الأحاديث وتعليلها، كل هذا مع المحافظة الكاملة والدقيقة على ما أورده ابن الجوزي، بعد اقتصاره على إسناد صاحب الكتاب الذي خرَّج ابن الجوزي الحديث من طريقه، وحذف إسناد ابن الجوزي إليه (1).
وقد حلَّى كتابه بقواعد مهمة في علمي: العلل والجرح والتعديل، مبنية على الاستقراء والنظر الثاقب، كما زينه بذكر جملة من الفوائد الفقهية وعدد من اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية، وغير ذلك من الفوائد العلمية النافعة. وسيأتي مزيد إيضاح لعمل المنقح تحت المبحث الثاني من الفصل الثاني من هذه المقدمة. ولأهمية هذا الكتاب، وقلة توفره مع شدة الحاجة إليه استعنا بالله على تحقيقه، ونقدم بين يدي ذلك بمقدمة تتضمن ما يلي: الفصل الأول: التعريف بالمنقح، وتحته العناصر التالية: 1. نسبه. 2. مولده. 3. شيوخه. 4. محفوظاته. 5. ثناء العلماء عليه. 6. مصنفاته. 7. تدريسه وتلاميذه. 8. وفاته. الفصل الثاني: التعريف بالكتاب، وتحته المباحث التالية: 1. اسم الكتاب وإثبات نسبته.
2. عمل المنقح في الكتاب. 3. المنهج العلمي للمنقح. 4. موارد المنقح. 5. القيمة العلمية للكتاب. 6. النسخ الخطية وطبعات الكتاب السابقة. 7. خطة العمل في التحقيق. * * *
الفصل الأول التعريف بالمنقح 1. نسبه. 2. مولده. 3. شيوخه. 4. محفوظاته. 5. ثناء العلماء عليه. 6. مصنفاته. 7. تدريسه وتلاميذه. 8. وفاته.
الفصل الأول: التعريف بالمنقح
الفصل الأول: التعريف بالمنقح نسبه: هو محمد بن أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة بن مقدام بن نصر بن فتح بن حذيفة بن محمد بن يعقوب بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن محمد بن سالم بن عبد الله ابن عمر بن الخطاب، المقدسي، الجماعيلي الأصل، ثم الصالحي (1). وأسرة آل قدامة معروفة بالعلم، قال الشيخ العلامة بكر أبو زيد - عند ذكره لبيوت الحنابلة -: (آل قدامة: الحنابلة، القرشيون، العدويون نسبًا، من
سلالة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، المقادسة موطنًا، ثم الصالحيون، الدماشقة مهاجرًا. أكثر البيوت الحنبلية علمًا، ترجم ابن مفلح في " المقصد الأرشد " لنحو خمسين عالمًا منهم. استمروا على نسبتهم هذه " آل قدامة دهرًا ... ، وقد تفرع منهم ثلاثة بيوتات كبيرة هي: بيت ابن عبد الهادي: يلتقون مع الشيخ أبي عمر وأخيه الموفق في الجد الجامع لهم: محمد ابن قدامة بن مقدام، إذ محمد له ابنان: يوسف بن محمد بن قدامة جدُّ آل عبد الهادي. وأحمد ابن محمد بن قدامة جدُّ آل قدامة ...) ا. هـ (1). * * *
مولده
مولده: اختلف في مولده على أقوال: القول الأول: أنه ولد في رجب سنة خمس وسبعمائة، وذكر هذا صاحبه الحافظ ابن كثير في " البداية " (18/ 467)، ومعاصره أبو المحاسن الحسيني في " ذيل تذكرة الحفاظ " (49)، وغيرهما. القول الثاني: أنه ولد سنة أربع وسبعمائة، كما في " ذيل الطبقات " لابن رجب (5/ 116). القول الثالث: أنه ولد سنة خمس أو ست وسبعمائة، وهذا ذكره الذهبي في آخر كتابه " تذكرة الحفاظ " (4/ 1508). وقد أشار إلى هذا الخلاف ابن ناصر الدين في " الرد الوافر " (63)، وابن حجر في " الدرر الكامنة " (3/ 331)، والفرق بين هذه الأقوال يسير، ولعل أقربها هو القول الأول، لذكر الحافظ ابن كثير له وهو من أصحاب ابن عبد الهادي، وهو أيضًا ما ذكره الحسيني وغيره من معاصريه، وهو أحد السنتين اللتين ذكرهما الذهبي على سبيل التردد، والجازم يقدم على المتردد، والله أعلم (1). * * *
شيوخه
شيوخه: لقد أخذ الحافظ ابن عبد الهادي عن عدد من أهل العلم، وبعض من أخذ عنه يعد من كبار علماء عصره. قال الصفدي في " الوافي " (2/ 161) وفي " أعيان العصر" (4/ 274): (سمع القاضي تقي الدين سليمان بن حمزة وأبا بكر بن عبد الدائم وعيسى المطعم وأحمد بن أبي طالب الحجار وأكثر عن محمد الزراد وسعد الدين بن سعد وعدة). وقال الحافظ ابن رجب في " ذيل الطبقات " تحت ترجمة ابن عبد الهادي: (وسمع الكثير من القاضي أبي الفضل سليمان بن حمزة وأبي بكر بن عبد الدائم وعيسى بن المطعم والحجار وزينب بنت الكمال وخلق كثير). قال ابن ناصر الدين في " الرد الوافر" (63) - تحت ترجمة ابن عبد الهادي -: (قرأ القرآن العظيم بالروايات، وسمع ما لا يحصى من المرويات). وهذه قائمة بمن وقفنا عليه ممن أخذ عنهم مرتبة حسب وفياتهم: 1 - تقي الدين أبو الفضل سليمان بن حمزة (ت: 715) (1): هو سليمان بن حمزة بن أحمد بن عمرو المقدسي ثم الصالحي. ولد سنة (628). كان من كبار فقهاء الحنابلة في وقته، وكان عارفًا بالفقه وخاصة كتاب " المقنع " لابن قدامة، قرأه وأقرأه مرات كثيرة، وأفتى نيفًا وخمسين سنة.
وقد جمع بين الفقه والحديث فأكثر من السماع عن الضياء وغيره، وقد سمع منه كبار الحفاظ كابن تيمية والمزي والذهبي والعلائي وغيرهم. وقال عنه الذهبي في " ذيل تاريخ الإسلام " (153): (كان فيه دين متين وتمسك بمذهب السلف). وقال أيضًا: (جرت محنة الشيخ تقي الدين ابن تيمية في سنة خمس وسبعمائة، وحصل للحنابلة أذى كثير بمصر ودمشق، فجاء البريد بإلزام الحنابلة بالرجوع عن معتقدهم وهددوا، فتلطف القاضي تقي الدين في الأمر، ولم يظهر عليه ألم ولا غضب، ودارى بحسن خلقه، وأخذ يدافع ويماطل، وما كتب شيئًا، وخمد الشر، وأرادوا منه أن يكتب البراءة من معتقد ابن تيمية فامتنع وترفق بهم). وأبو الفضل هو أقدم شيوخ الحافظ ابن عبد الهادي وفاة، وكان عمر ابن عبد الهادي عند وفاته (10) سنوات! 2 - ابن عبد الدائم (ت: 718) (1): هو الشيخ المسند أبو بكر بن زين الدين أحمد بن عبد الدائم بن نعمة المقدسي الصالحي. ولد سنة (625) أو (626). ذكر الذهبي في " ذيل العبر" (50) أنه توفي عن ثلاث وتسعين سنة، وقال: (سمع حضورًا في سنة سبع وعشرين ... وتفرد وكان ذا همة وجلادة
وذكر وعبادة). وسبق في كلام الصفدي وابن رجب النص على أخذ ابن عبد الهادي عنه، وهو أيضًا من كبار من أخذ عنهم. 3 - شرف الدين المطعم (ت: 719) (1): هو عيسى بن عبد الرحمن بن معالي بن أحمد الصالحي المطعم. ذكر الذهبي في " ذيل العبر " (55) أنه توفي وله أربع وتسعون سنة، وقال عنه: (تفرد، وتكاثروا عليه، وكان أميًّا عاميًّا). وقد سبق نص كلام الصفدي وابن رجب في سماع ابن عبد الهادي منه. 4 - سعد الدين بن محمد بن سعد (ت: 721) (2): هو يحيى بن محمد بن سعد الأنصاري المقدسي ثم الصالحي الحنبلي. ولد سنة (631). قال الذهبي في " ذيل العبر " (63): (تفرد واشتهر اسمه، مع الدين والسكينة والمروءة والتواضع). وسبق في كلام الصفدي أنه من شيوخ ابن عبد الهادي الذين أكثر عنهم. 5 - ابن الزراد (ت: 726) (3):
هو شمس الدين محمد بن أحمد بن أبي الهيجاء بن الزرّاد الصالحي. توفي عن ثمانين سنة. قال الذهبي: (روى شيئًا كثيرًا وتفرد، خرجت له مشيخة ... وكان يروي "المسند" و" السيرة " و" مسند أبي عوانة " و" الأنواع والتقاسيم " و"مسند أبي يعلى" وأشياء). وذكر الذهبي ابن عبد الهادي ضمن من أخذ عنه، وسبق في كلام الصفدي أنه أكثر عنه. 6 - ابن مسلّم (ت: 726) (1): هو شمس الدين أبو عبد الله محمد بن مسلّم بن مالك الزيني الصالحي. أحد علماء الحنابلة، تولى القضاء في صفر سنة (716) بعد أن توقف في قبوله، ولكن أتاه شيخ الإسلام ابن تيمية في بيته وقوى عزمه ولامه على توقفه، فأجاب وشرط أن لا يلبس خلعة حرير، ولا يركب في المواكب، ولا يقتني مركوبًا، فأجيب إلى ذلك، رحمه الله تعالى. قال عنه الذهبي: (كان من قضاة العدل، بصيرًا بمذهبه، عارفًا بالعربية). وقال الصفدي في " الوافي " (2/ 161) وفي " أعيان العصر" (4/ 274) - تحت ترجمة ابن عبد الهادي -: (وتفقه بالقاضي شمس الدين ابن مسلّم).
7 - شيخ الإسلام ابن تيمية (ت: 728): هو الإمام الرباني أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني، صاحب المصنفات المشهورة، والاختيارات المسددة، والحجج الدامغة، والمواقف المشهودة. قال الحسيني في " ذيل العبر " (ص: 132) - تحت ترجمة ابن عبد الهادي -: (وتفقه بشيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية، وكان من جلة أصحابه). وقال ابن رجب في " ذيل الطبقات " (5/ 116): (ولازم الشيخ تقي الدين مدة). وقال يوسف بن عبد الهادي في " الجوهر المنضد " (ص: 114): (يقال: أفقه أصحاب الشيخ هو (1)، وأعلمهم بالحديث ابن عبد الهادي، وأعلمهم بأصول الدين والطرق والمتوسط بين الفقه والحديث وأزهدهم شمس الدين ابن القيم). ويصف لنا ابن عبد الهادي جانبًا من علاقته بشيخ الإسلام ابن تيمية فيقول في كتابه " العقود الدرية " (342 - 343) - بعد أن ذكر سجن الشيخ بالقلعة سنة (720) -: (ثم ورد مرسوم السلطان بإخراجه، فأخرج منها يوم الاثنين يوم عاشوراء، من سنة إحدى وعشرين وسبعمائة وتوجه إلى داره. ثم لم يزل بعد ذلك يعلم الناس ويلقي الدرس بالحنبلية أحيانًا، ويقرأ عليه في مدرسته بالقصاصين في أنواع العلم.
وكنت أتردد إليه في هذه المدة أحيانًا، وقرأت عليه قطعة من " الأربعين " للرازي، وشرحها لي، وكتب لي على بعضها شيئًا، وكان يقرأ عليه في تلك المدة من كتبه، وهو يصلح فيها، ويزيد وينقص. ولقد حضرت معه يومًا في بستان الأمير فخر الدين بن الشمس لؤلؤ، وكان قد عمل وليمة، وقرأت على الشيخ في ذلك اليوم أربعين حديثًا، وكتب بعض الجماعة أسماء الحاضرين، وأخذ الشيخ بعد ذلك في الكلام في أنواع العلوم، فبهت الحاضرون لكلامه واشتغلوا بذلك عن الأكل!). وقد كانت للحافظ ابن عبد الهادي عناية كبيرة بمؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية واختياراته، يظهر ذلك لمن يطالع كتبه بعامة، وبالذات كتابيه " العقود الدرية " و" اختيارات شيخ الإسلام " (1). 8 - مجد الدين الحراني (ت: 729) (2): هو إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن الفراء الحراني، ثم الدمشقي. ولد سنة (645). وهو من كبار فقهاء الحنابلة في وقته، برع في الفقه، وله معرفة بالحديث والأصول وغير ذلك، تصدى للاشتغال والفتوى مدة طويلة، وكان صاحب خلق ودين، وذكر في ترجمته أنه كان يقرئ " المقنع " و"الكافي" ويعرفهما، ويقال: إنه أقرأ " المقنع " مائة مرة.
قال ابن رجب في " ذيل الطبقات " - تحت ترجمة ابن عبد الهادي -: (قرأ الفقه على مجد الدين الحراني). 9 - الحجّار (ت: 730) (1): هو الشيخ الكبير المسند المعمر الرُّحلة أبو العباس أحمد بن أبي طالب بن نعمة الصالحي المعروف بـ (الحجّار)، ويعرف أيضًا بـ (ابن الشحنة). قال ابن كثير: (كان شيخًا حسنًا بهي المنظر سليم الصدر ممتعًا بحواسه وقواه، فإنه عاش مائة سنة محققًا، وزاد عليها، لأنه سمع البخاري من الزبيدي في سنة ثلاثين وستمائة، وأسمعه هو في سنة ثلاثين وسبعمائة في تاسع صفر بجامع دمشق). وقال الذهبي: (نزل الناس بموته درجة). ومن طريف ما يذكر عن الحجّار ما ذكره الحافظ ابن كثير في "تفسيره" (8/ 105) قال - بعد أن ذكر حديث المسلسل بقراءة سورة الصف -: (وتسلسل لنا قراءتها إلى شيخنا أبي العباس الحجّار، ولم يقرأها، لأنه كان أميًّا، وضاق الوقت عن تلقينها إياه). وسبق ذكره في عبارة الصفدي وابن رجب ضمن شيوخ ابن عبد الهادي الذين سمع منهم. 10 - أبو الحجاج المزي (ت: 742): هو الحافظ الكبير أبو الحجاج يوسف بن الزكي عبد الرحمن المزي
الدمشقي، وهو من كبار علماء الحديث في زمانه، صاحب "تهذيب الكمال" و"تحفة الأشراف" وهما من أهم كتب الإسلام. قال ابن عبد الهادي في " طبقاته " (4/ 275) - تحت ترجمة المزي -: (شيخنا الإمام الحافظ الحجة الناقد الأوحد البارع، محدث الشام ... انتهت إليه الإمامة في علم الحديث مع الصدق والإتقان وحسن الخلق ... وصنف كتاب " تهذيب الكمال في أسماء الرجال " ... ، وهو كتاب حافل، عديم النظير، وكتاب " الأطراف "، وأوضح في هذين الكتابين مشكلات لم يسبق إليها، وقد ملكت الكتابين بخطه والحمد لله، وهو شيخي الذي انتفعت به كثيرًا في هذا العلم، وكان إمامًا في السنة، ماشيًا على طريقة سلف الأمة، ممرًا للآيات والأحاديث كما جاءت من غير تشبيه ولا تمثيل، ومن غير تحريف ولا تعطيل، وكان صحيح الذهن، حسن الفهم، سريع الإدراك، يرد في الإسناد والمتن ردًّا ينبهر له فضلاء الحاضرين، وربما يكون في أثناء ذلك يطالع وينقل الطباق). وقال الحسيني في " ذيل التذكرة " (ص: 49) - تحت ترجمة ابن عبد الهادي -: (أكثر عن شيخنا أبي الحجاج المزي، ولازمه نحو عشر سنين). وقال ابن رجب في " ذيل الطبقات " (5/ 116) - تحت ترجمته أيضًا -: (ولازم أبا الحجاج المزي الحافظ حتى برع عليه في الرجال). وكثيرًا ما ينقل ابن عبد الهادي كلام شيخه المزي في الكلام على الأحاديث والرجال (1). ومن طريف ما حصل له مع المزي، ما ذكره الحافظ عماد الدين ابن كثير
قال: (أتى صاحبنا ابن عبد الهادي إلى المزي، فقال له: انتخبت من روايتك أربعين حديثًا أريد قراءتها عليك، فقرأ الحديث الأول وكان الشيخ متكئًا فجلس، فلما أتى على الثاني تبسم، وقال: ما هو أنا، ذاك البخاري. قال ابن كثير: فكان قوله هذا عندنا أحسن من رده كل متن إلى سنده) (1). 11 - ابن بصخان (ت: 743) (2): هو بدر الدين محمد بن أحمد بن بصخان الدمشقي. ولد سنة (668)، وكان من كبار القراء في زمانه. قال الصفدي في " الوافي " (2/ 161) و" أعيان العصر " (4/ 274) - تحت ترجمة ابن عبد الهادي -: (أخذ بعض القراءات تفقهًا عن ابن بصخان). 12 - الحافظ الذهبي (ت: 748) (3): هو الحافظ الشهير، مؤرخ الإسلام، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، صاحب " سير النبلاء " و" تذكرة الحفاظ " و" تاريخ الإسلام " وغيرها. قال ابن رجب في " ذيل الطبقات " (5/ 116): (وأخذ عن الذهبي).
13 - أبو العباس الأندرشي (ت: 750) (1): هو أحمد بن سعد بن محمد العسكري الأندرشي، وصف بأنه شيخ العربية بدمشق في زمانه، له " شرح تسهيل الفوائد لابن مالك ". قال الصفدي في " الوافي " (2/ 161) و" أعيان العصر " (4/ 274) - تحت ترجمة ابن عبد الهادي -: (وأخذ العربية عن أبي العباس الأندرشي). 14 - ابن قيم الجوزية (ت: 751) (2): هو العلامة المتفنن شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي ثم الدمشقي، صاحب المؤلفات المشهورة في سائر فنون العلم. قال الحافظ ابن رجب في " ذيل الطبقات " (5/ 173 - 174) - تحت ترجمة ابن القيم -: (وأخذ عنه العلم خلق كثير من حياة شيخه وإلى أن مات، وانتفعوا به، وكان الفضلاء يعظمونه، ويتتلمذون له، كابن عبد الهادي وغيره). 15 - أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد المقدسي (ت: 752) (3): وهو والد المنقح، ولد سنة (671)، سمع من ابن أبي عمر وغيره، وكان مقرئًا، ووصف رحمه الله بالزهد والعقل. وقد ذكر ابن قاضي شهبة في "تاريخه" (3/ج 2 من المخطوط /21 - 22)
تحت ترجمته أن ممن سمع منه ابنه الحافظ شمس الدين. 16 - البارزي (ت: 755) (1): هو أحمد بن عبد الله بن أحمد الجهني البارزي الشافعي الحموي، نزيل دمشق. ولد سنة (674). ذكر الحافظ ابن حجر في ترجمته أن ممن سمع منه الحافظ ابن عبد الهادي. 17 - زينب بنت الكمال (740) (2): هي أم عبد الله زينب بنت الكمال أحمد بن عبد الرحيم المقدسية. قال الذهبي: (تفردت بأجزاء بالسماع، وبنحو من وقر جمل بالإجازات، وروت شيئًا كثيرًا وكتبًا كبارًا، وتزاحم عليها الطلبة، وكانت خيرة دينة لطيفة الأخلاق، وحسنة التودد طويلة الروح على الطلبة، ربما سمعوا عليها أكثر النهار ... الخ). وقال أيضًا: (نزل الناس بموتها درجة، فإنها خاتمة من روى بالإجازة عن أصحاب السلفي وشهدة، فأثابها الله تعالى وجزاها عنا خيرًا). وسبقت عبارة ابن رجب في ذكرها ضمن شيوخ المُتَرْجَم. * * *
محفوظاته
محفوظاته: قال الصفدي في " الوافي " (2/ 161) و" أعيان العصر " (4/ 274): (حفظ كتبًا، منها: " أرجوزة الخويي في علم الحديث "، و" الشاطبية "، و" الرائية "، و" المقنع "، و" مختصر ابن الحاجب "). * * * ثناء العلماء عليه: لقد تتابع أهل العلم بالثناء على الحافظ ابن عبد الهادي، فأثنى عليه مشايخه وأقرانه ومن في طبقة تلاميذه فضلاً عمن أتى من بعدهم، وسوف نسوق في هذه الفقرة بعضًا من ثناء العلماء عليه: 1 - الحافظ المزي: وهو من شيوخه، قال ابن ناصر الدين في " الرد الوافر " (ص: 230): (ولقد كتب الحافظ أبو الحجاج المزي على كتاب " ترجمة الشيخ تقي الدين ابن تيمية " تأليف ابن عبد الهادي، ما صورته: كتاب مختصر في ذكر حال الشيخ الإمام شيخ الإسلام تقي الدين أبي العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني، وذكر بعض مناقبه ومصنفاته رضي الله تعالى عنه، جمع الشيخ الإمام الحافظ شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الهادي المقدسي، أدام الله النفع بفوائده). وقال الحافظ ابن حجر في " الدرر الكامنة " (3/ 332): (قال المزي: ما التقيت به إلا واستفدت منه).
2 - الحافظ الذهبي: وهو من شيوخه أيضًا، قال عنه في كتابه " المعجم المختص " (رقم: 254): (الفقيه البارع، المقرئ المجود، المحدث الحافظ، النحوي الحاذق، صاحب الفنون). وقال أيضًا: (سمع الكثير ... وعني بفنون الحديث ومعرفة رجاله، وذهنه مليح، وله عدة محفوظات وتواليف وتعاليق مفيدة، كتب عني واستفدت منه، والله يصلحه ويسعده). وقال في " تذكرة الحفاظ " (4/ 1508): (وسمعت من الإمام الأوحد الحافظ ذي الفنون شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الهادي ... واعتنى بالرجال والعلل وبرع وجمع وتصدى للإفادة والاشتغال في القراءات والحديث والفقه والأصول والنحو، وله توسع في العلوم وذهن سيال). وقال الحسيني في " ذيل التذكرة " (ص: 49) و" ذيل العبر " (ص: 132): (وسمعت شيخنا الذهبي يقول يومئذ (1) - وهو يبكي -: ما اجتمعت به قط إلا واستفدت منه رحمه الله تعالى) (2). 3 - الحافظ الحسيني: قال في " ذيل تذكرة الحفاظ " (ص: 49): (الإمام العلامة شمس الدين ... اعتنى بالرجال والعلل وبرع وجمع وصنف وتصدر للإفادة والاشتغال في
القراءات والحديث والفقه والأصلين والنحو واللغة). وذكر في " ذيل العبر " (ص: 132) نحو ما سبق وزاد: (كان رأسًا في القراءات والحديث والفقه والتفسير والأصلين واللغة والعربية). 4 - صلاح الدين الصفدي: قال في " الوافي " (2/ 161): لو عُمّر لكان يكون من أفراد الزمان، رأيته يواقف الشيخ جمال الدين المزي ويرد عليه في الرجال، واجتمعت به غير مرة، وكنت أسأله أسئلة أدبية وأسئلة نحوية فأجده كأنه كان البارحة يراجعها لاستحضاره ما يتعلق بذلك، وكان صافي الذهن، جيد البحث، صحيح النظر). وقال في " أعيان العصر " (4/ 273): (الشيخ الإمام الفاضل المتفنن الذكي النحرير ... كان ذهنه صافيًا، وفكره بالمعضلات وافيًا، جيد المباحث، أطرب في نقله من المثاني والمثالث، صحيح الانتقاد، مليح الأخذ والإيراد، قد أتقن العربية، وغاص في لجتها على فوائدها ونكتها الأدبية، وتبحر في معرفة أسماء الرجال، وضيق على المزي فيها المجال ... كان من أفراد الزمان، رأيته يواقف شيخنا جمال الدين المزي ويرد عليه في أسماء الرجال، واجتمعت به غير مرة، وكنت أسأله أسئلة أدبية وأسئلة عربية فأجده فيها سيلاً يتحدر، ولو عاش كان عجبًا). 5 - الحافظ ابن كثير: وهو من أقرانه، قال في كتابه " البداية والنهاية " (14/ 210) - تحت وفيات سنة (744) -: (صاحبنا الشيخ الإمام العالم العلامة الناقد البارع في فنون العلوم .... لم يبلغ الأربعين وحصل من العلوم ما لا يبلغه الشيوخ الكبار، وتفنن في الحديث والنحو والتصريف والفقه والتفسير والأصلين والتاريخ
والقراءات، وله مجاميع وتعاليق مفيدة كثيرة، وكان حافظًا جيدًا لأسماء الرجال وطرق الحديث، عارفًا بالجرح والتعديل، بصيرًا بعلل الحديث، حسن الفهم له، جيد المذاكرة صحيح الذهن مستقيمًا على طريقة السلف، واتباع الكتاب والسنة، مثابرًا على فعل الخيرات) ا. هـ. 6 - الحافظ ابن رجب: قال في " ذيل الطبقات " (5/ 116): (المقرئ، الفقيه، المحدث الحافظ، الناقد، النحوي، المتفنن ... قرأ بالروايات وسمع الكثير ... وعني بالحديث وفنونه، ومعرفة الرجال والعلل، وبرع في ذلك، وتفقه في المذهب وأفتى، وقرأ الأصلين (1) والعربية وبرع فيها). 7 - الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي: قال عنه في " الرد الوافر " (ص: 63): (الشيخ، الإمام، العلامة، الحافظ، الناقد، ذو الفنون، عمدة المحدثين، متقن المحررين). وقال أيضًا: (قرأ القرآن العظيم بالروايات، وسمع ما لا يحصى من المرويات ... ورافق الحفاظ والمحدثين، وعني بالحديث وأنواعه، ومعرفة رجاله وعلله، وتفقه وأفتى، ودرس وجمع وألف، وكتب الكثير وصنف، وتصدى للإفادة والاشتغال في فنون من العلوم). وقال أيضًا: (وكان إمامًا في علوم: كالتفسير، والقراءات، والحديث، والأصول، والفقه، واللغة العربية).
مصنفاته
8 - ابن قاضي شهبة: قال في "تاريخه" (2/ الجزء الأول من المخطوط ص: 394): (الحافظ الإمام الأوحد العلامة ... جمع بين الفقه والحديث والعربية، وبرع في معرفة العلل والإسناد، حتى كان شيخه المزي يقر له بذلك، وكتب الكثير بخطه الحسن، وصنف التصانيف البديعة الحسنة). 9 - الحافظ ابن حجر: قال في " الدرر الكامنة " (3/ 331): (أحد الأذكياء ... مهر في الحديث والأصول والعربية وغيرها). * * * مصنفاته: يُعَدُّ الحافظ ابن عبد الهادي من المكثرين من التأليف والمتفننين فيه. قال ابن المبرد في " الجوهر المنضد " (ص: 55) تحت ترجمة عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الهادي المقدسي (أخو صاحب الكتاب): (له كتاب في أسماء مصنفات أخيه شمس الدين) ا. هـ ولم نقف على هذا المؤلف. وقد اعتنى من ترجم للحافظ ابن عبد الهادي بذكر مؤلفاته، وكان من أكثرهم عناية بذلك الحافظ ابن رجب في " ذيل طبقات الحنابلة " (1) والحافظ ابن
قاضي شهبة في "تاريخه"، وكل من ترجم للحافظ ابن عبد الهادي بعدهما - فيما وقفنا عليه - لم يزد على ما ذكراه شيئًا من الأسماء، وإن كان قد يوجد عندهم بعض المعلومات المفيدة حول بعض الكتب، لذا سوف نذكر قائمة بأسماء الكتب التي ذكرها ابن رجب وابن قاضي شهبة مرتبة على حروف المعجم، مع ذكر ما عندهما من وصف لهذه الكتب، ونضيف إلى ذلك ما وجدناه عند غيرهما من معلومات حول كتب الحافظ ابن عبد الهادي. كما سنضيف ما وقفنا عليه من أسماء بعض الكتب الأخرى التي لم يذكرها المترجمون له، ومن هذه الكتب ما هو مطبوع، ومنها ما هو مخطوط وقد ثبتت نسبته للحافظ ابن عبد الهادي، ومنها ما ذكره هو نفسه في بعض كتبه، ومنها ما ينقل عنه العلماء في كتبهم ولم يوقف عليه. 1 - الأحكام الكبرى. ذكره الصفدي في " الوافي " (2/ 161) وقال: (ولم يكمل، قيل لي: إنه في ثمان مجلدات). وذكره ابن رجب أيضًا (5/ 117) ووصفه بأنه مرتب على أحكام الحافظ الضياء، وقال: (كمل منها سبع مجلدات).
وذكره ابن قاضي شهبة في "تاريخه" (2/ج 1 من المخطوط /395) فقال: (الأحكام الكبير على أحكام الضياء، عشر مجلدات، كمل منها سبع مجلدات). وذكره ابن حجر في " الدرر الكامنة " (3/ 332) وقال: (في ثمان مجلدات). ولعل هذا الاختلاف راجع إلى اختلاف النسخ، والله أعلم. وأحال عليه المنقح في كتابه هذا: (2/ 538). ونقل عنه ابن حجر في "التلخيص" (2/ 7)، و" لسان الميزان " (1/ 564). 2 - أحاديث الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ذكره ابن رجب (5/ 118) ووصفه بأنه جزء. 3 - أحاديث حياة الأنبياء في قبورهم. ذكره ابن رجب (5/ 120) ووصفه بأنه جزء. 4 - اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية. له طبعتان: الأولى: بتحقيق / سامي بن محمد بن جادالله، صدرت سنة (1424) عن دار عالم الفوائد بمكة، ضمن سلسلة (آثار شيخ الإسلام ابن تيمية وما لحقها من أعمال). الثانية: بتحقيق / حسين بن عكاشة، صدرت عن دار الفاروق الحديثة بمصر. 5 - الأعلام في ذكر مشايخ الأئمة الأعلام (أصحاب الكتب الستة).
ذكره ابن رجب (5/ 119) ووصفه بأنه في عدة أجزاء. 6 - إقامة البرهان على عدم وجوب صوم يوم الثلاثين من شعبان. ذكره ابن رجب (5/ 120)، ووصفه بأنه جزء. وله ثلاث طبعات: الأولى: سنة (1382) صدرت عن المكتب الإسلامي. الثانية: صدرت عن دار البخاري للنشر والتوزيع، وهي ليست بين أيدينا عند كتابة هذه المقدمة. الثالثة: صدرت عن دار الوطن سنة (1418) بتحقيق / سامي بن محمد ابن جادالله. 7 - التذكرة. هو من موارد المناوي في كتابه "فيض القدير" (1/ 70، 540؛ 3/ 345)، ويبدو أنه كتاب فيه فوائد منوعة من جنس " تذكرة ابن القيم " (بدائع الفوائد). - ترجمة الشيخ تقي الدين ابن تيمية " العقود الدرية ". 8 - تعليق على كتاب "الضعفاء" لابن الجوزي. ينظر "التنقيح" (2/ 637). 9 - تعليقة (1) في الثقات.
ذكره ابن رجب (5/ 118) وقال: (كمل منه مجلدان). وقال ابن قاضي شهبة في "تاريخه" (2/ج 1 من المخطوط /396): (مجلدات عدة، كمل منها اثنان). 10 - تعليقة على " سنن البيهقي الكبرى ". ذكره ابن رجب (5/ 119) وقال: (كمل منها مجلدان). وذكره ابن قاضي شهبة في "تاريخه" (2/ج 1 من المخطوط /395)، وقال: (كمل منه مجلدان، ولو كمل لكان في عشرين مجلدًا). 11 - تعليقة على " التسهيل " في النحو. قال الصفدي في " أعيان العصر " (4/ 274): (وعلَّق على التسهيل مجلدتين، وتأذى بذلك منه أبو العباس الأندرشي (1)). وذكره ابن رجب (5/ 120)، وقال: (كمل منها مجلدان). وقال ابن حجر: (وشرح " التسهيل " في مجلدين). 12 - تعليقة على "العلل" لابن أبي حاتم. ذكره ابن رجب (5/ 120)، وقال: (كمل منها مجلدان). وقد وصلنا نصف المجلد الأول من هذا الكتاب بخط الحافظ ابن عبد الهادي - رحمه الله -، وقد طبع هذا الكتاب طبعتان:
الأول: بتحقيق / مصطفى أبو الغيط وإبراهيم فهمي، صدرت سنة (1422) عن دار الضياء بمصر، باسم: " شرح علل ابن أبي حاتم "، وسماه بهذا الاسم ابن قاضي شهبة في "تاريخه" (2/ج 1 من المخطوط /395). والثانية: بتحقيق / سامي بن محمد بن جادالله، صدرت سنة (1423) عن دار أضواء السلف بالرياض، بالاسم الذي سماه به الحافظ ابن رجب. ونشير هنا إلى أن النسخة التي طبع عنها الكتاب في كلا الطبعتين واحدة، ولكن حصل خلل في ترتيب أوراقها، فجاء أول النسخة في نصفها الأخير قبل الورقة الأخيرة من المجلد، فتم إصلاح هذا الخلل في الطبعة الثانية دون الطبعة الأولى، ومن هنا نشأ الاختلاف في بداية النسخة بين الطبعتين مما سبب إشكالاً عند بعض القراء الذين لم يتنبهوا للإشارة إلى ذلك في مقدمة تحقيق الكتاب، ولذا جرى التنبيه، والله الموفق. 13 - تعليقة على " الأحكام " لأبي البركات ابن تيمية. ذكره ابن رجب (5/ 120)، وقال: (لم تكمل). وذكره ابن قاضي شهبة في "تاريخه" (2/ج 1 من المخطوط /395) فقال: (الكلام على أحاديث المنتقى في الأحكام، في ست مجلدات، لم يكمل). 14 - التفسير المسند. قال ابن ناصر الدين في " الرد الوافر " (ص: 63): (جمع التفسير المسند، لكنه مات قبل إتمامه). 15 - تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق. وهو كتابنا هذا.
16 - جزء في مسافة القصر. ذكره ابن رجب (5/ 119). 17 - جزء في قول الله تعالى: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى}. ذكره ابن رجب (5/ 119). 18 - جزء في أحاديث الجمع بين الصلاتين في الحضر. ذكره ابن رجب (5/ 119). 19 - جزء في مولد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ذكره ابن رجب (5/ 119) ووصفه بأنه كبير. 20 - جزء في المعجزات والكرامات. ذكره ابن رجب (5/ 119) ووصفه بأنه كبير. 21 - جزء في تحريم الربا. ذكره ابن رجب (5/ 119). 22 - جزء في تملك الأب من مال ولده ما شاء. ذكره ابن رجب (5/ 119). 23 - جزء في العقيقة. ذكره ابن رجب (5/ 119). 24 - جزء في الأكل من الثمار التي لا حائط عليها.
ذكره ابن رجب (5/ 119). 25 - جزء في فضائل الحسن البصري رضي الله عنه. ذكره ابن رجب (5/ 120). 26 - جزء في حجب الأم بالإخوة وأنها تحجب بدون ثلاثة. ذكره ابن رجب (5/ 120). 27 - جزء في الصبر. ذكره ابن رجب (5/ 120). 28 - جزء في صفة الجنة. ذكره ابن رجب (5/ 120). 29 - جزء في المراسيل. ذكره ابن رجب (5/ 120). وقد وقفنا على مصورة لنسخة خطية أصلها محفوظ بالمكتبة الأزهرية برقم (1963)، وعنوانها: (المراسيل) منسوبة لابن عبد الهادي، وبعد الاطلاع عليها وجدنا فيها شرحًا لكلام الإمام الشافعي حول المرسل، ونص الكلام موجود بحروفه في " الصارم المنكي " (141)، فيحتمل أن يكون هذا هو الجزء المقصود، ويحتمل أن يكون غيره، والله أعلم. 30 - جزء في مسألة الجد والإخوة. ذكره ابن رجب (5/ 120)، وقد ذكر المنقح هنا (4/ 268) أنه كتب في
هذه المسألة عدة كراريس. 31 - جزء في الكلام على حديث: " أفرضكم زيد ". ذكره ابن رجب (5/ 120). وله نسخة خطية محفوظة في المكتبة الأزهرية تحت الرقم (1963)، وسوف يطبع قريبًا إن شاء الله تعالى. 32 - جزء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ذكره ابن رجب (5/ 120). 33 - جزء في الرد على أبي حيان النحوي فيما رده على ابن مالك وأخطأ فيه. ذكره ابن رجب (5/ 120). قال ابن حجر في " الدرر الكامنة " (3/ 332): (وله مناقشات لأبي حيان فيما اعترض به على ابن مالك في " الألفية "). 34 - جزء في اجتماع الضميرين. ذكره ابن رجب (5/ 120). 35 - جزء في تحقيق الهمز والإبدال في القراءات. ذكره ابن رجب (5/ 120). 36 - جزء في الكلام على حديث ابن عمر: " إذا طلع الفجر فلا صلاة إلا الركعتين قبل المكتوبة ".
أشار إليه في كتابه هذا: (2/ 381). - جملة من الأحاديث الضعيفة والموضوعة = رسالة لطيفة. 37 - حواش على كتاب "الإلمام". ذكره ابن رجب (5/ 120)، وذكره ابن قاضي شهبة في "تاريخه" (2/ج 1 من المخطوط /395) وقال في وصفه: (حواش كثيرة نحو مجلد على كتاب "الإلمام"، مفيد). 38 - حواش على كتاب "تحفة الأشراف" للمزي. انظر: هامش مطبوعة "تحفة الأشراف": (1/ 36، 225؛ 2/ 240). وهي من موارد الحافظ ابن حجر في " النكت الظراف "، انظر: (5/ 248، 355، 426 - 427، 7/ 19، 203؛ 8/ 148؛ 9/ 280). 39 - حواش على كتاب "تهذيب الكمال" للمزي: انظر: "تهذيب التهذيب" لابن حجر: (1/ 66؛ 3/ 144؛ 5/ 308؛ 7/ 108؛ 9/ 335؛ 12/ 22). و" الإصابة " لابن حجر (7/ 36). 40 - حواش على كتاب " المقنع " لابن قدامة: ذكرها المرداوي في " الإنصاف " (6/ 33). 41 - حواش على " ميزان الاعتدال " للذهبي. نقل عنها الحافظ ابن حجر في " لسان الميزان " (انظر: 3/ 11، 462؛ 4/ 97، 684؛ 5/ 153؛ 7/ 660، 672)، و" تعجيل المنفعة "، (انظر: 2/
463، 471) (1). 42 - الرد على أبي بكر الخطيب الحافظ في مسألة الجهر بالبسملة. ذكره ابن رجب (5/ 117 - 118) ووصفه بأنه مجلد. وانظر: "التنقيح": (2/ 199). 43 - الرد على إلكيا الهراسي. ذكره ابن رجب (5/ 119)، ووصفه بأنه جزء كبير. 44 - الرد على ابن دحية. ذكره ابن رجب (5/ 121). 45 - الرد على ابن طاهر. ذكره ابن رجب (5/ 121). وقد نقل السيوطي في " مرقاة الصعود " - كما في " عون المعبود " (13/ 267 - 268) - كلامًا عن ابن عبد الهادي في الرد على ابن طاهر، لعله من كتابه هذا، والله أعلم. 46 - رسالة لطيفة في أحاديث متفرقة ضعيفة. هذا جزء صغير له، وقد ذكر فيه جملة من الأحاديث التي تروج على أهل التفسير والفقه والزهد والنظر وهي ليست بصحيحة، ونقل أكثرها عن شيخه
ابن تيمية، وأضاف لها عددًا منها، وله تعليقات على بعضها، وفي الجزء أيضًا كلام حول بعض مسائل علوم الحديث. وله طبعتان: الأولى: بتحقيق الشيخ الفاضل / محمد عيد عباسي، نشرت الطبعة الثانية منها سنة (1404) عن دار الثقافة للجميع بدمشق، وهو من سمها بالاسم السابق. الثانية: بتحقيق الشيخ الفاضل / حمدي بن عبد المجيد السلفي، نشرت ضمن مجلة " الحكمة " في عددها (22) سنة (1422)، وقد ذكر المحقق - وفقه الله - أن النسخة التي اعتمدها فيها زيادة (60) حديثًا على النسخة التي اعتمدها الشيخ / محمد عيد في طباعة الكتاب، وقد سمى الكتاب باسم " جملة من الأحاديث الضعيفة والموضوعة ". - زوال الترح = شرح قصيدة ابن فرح. - شرح العلل لابن أبي حاتم = تعليقة على العلل. 47 - شرح قصيدة ابن فرح الأشبيلي " غرامي صحيح ": طبع هذا الشرح سنة (1423)، بتحقيق الشيخ / عمر الحفيان، عن دار الفلاح بمصر، وقد ذكر المحقق - وفقه الله - في مقدمته (ص: 6) أن أحد المستشرقين طبع في سنة (1885 م) أجزاء من هذا الشرح في غضون تعليقه على شرح " زوال الترح " لابن جماعة، وأن هذا أحدث عند بعض الباحثين المعاصرين لبسًا فظنوا أن كتاب ابن عبد الهادي اسمه " زوال الترح ".
48 - شرح لامية ابن مالك (1). ذكره ابن رجب (5/ 120)، ووصفه بأنه جزء. 49 - الصارم المنكي في الرد على السبكي. ذكره ابن رجب (5/ 118) ولم يسمه، بل قال وهو يعدد مؤلفات ابن عبد الهادي: (مصنف في الزيارة، مجلد). وقد طبع هذا الكتاب عدة طبعات أجودها الطبعة التي حققها الشيخ المحقق العلامة: إسماعيل بن محمد الأنصاري - رحمه الله تعالى -. وقال الشيخ العلامة نعمان الألوسي في " جلاء العينين " (48) عن هذا الكتاب: (وهو كتاب يدل على اطلاعه في الرجال وغزارة علمه). وقال الشيخ العلامة بكر أبو زيد في " معجم المناهي اللفظية " (290): (كتاب " الصارم المنكي في الرد على السبكي " كتاب جليل القدر، غزير العلم، جم الفوائد، وعندي أنه أربى على كثير من كتابات شيخيه شيخ الإسلام ابن تيمية والإمام ابن القيم - رحمهم الله تعالى -) ا. هـ.
وهذا الكتاب هو رد على كتاب " شفاء السقام " للسبكي، ولكن الحافظ ابن عبد الهادي توفي قبل إتمامه، وقد عمل على إكماله الشيخ محمد بن سليمان الفقيه في كتاب سماه " الكشف المبدي لتمويه أبي الحسن السبكي تكملة الصارم المنكي "، وقد طبع سنة (1422) عن دار الفضيلة بالرياض. 50 - صلاة التراويح. ذكره ابن رجب (5/ 120)، ووصفه بأنه جزء كبير. 51 - طبقات الحفاظ. هذا الكتاب مطبوع باسم " طبقات علماء الحديث "، بتحقيق: أكرم البوشي، وطبع سنة (1409) عن مؤسسة الرسالة. وكثر الجدل حول اسم هذا الكتاب وحقيقته، والذي نرى أن أولى الأسماء به وأصدقها " طبقات الحفاظ " فقد سماه بذلك عالم جليل من علماء الحديث وهو الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي في موضعين من كتابه " الرد الوافر " (65، 109). والذي يقرأ هذا الكتاب بتأن ويوازن بينه وبين كتاب " تذكرة الحفاظ " للذهبي يجد بينهما فروقًا كثيرة، تخرج كتاب ابن عبد الهادي عن أن يكون مجرد اختصار لكتاب الحافظ الذهبي، وشرح ذلك له موضع آخر إن شاء الله تعالى. وقال الصفدي في " الوافي " (2/ 161) و" أعيان العصر " (4/ 274): (وعمل تراجم الحفاظ)، ولعله يقصد هذا الكتاب، والله أعلم. - طبقات علماء الحديث = طبقات الحفاظ. 52 - الطرفة في النحو.
له نسخة خطية في المكتبة الأزهرية، وسوف يطبع قريبًا إن شاء الله تعالى. وذكره صاحب " كشف الظنون " (2/ 1111) ووصفه بأنه: (مختصر كالكافية). وقال عنه مؤرخ الحنابلة الشيخ عبد الرحمن بن سليمان العثيمين في تعليقه على " الجوهر المنضد " (ص 19): (وللحنابلة به اعتناءٌ، وقد يسر الله لي الاطلاع عليه - وهو مختصر جدًّا - ضمن مجموع في المكتبة الأزهرية). وقد نظم " الطرفة " إسماعيل بن محمد بن بَرْدَس البعلي الحنبلي (ت: 786) كما في " الجوهر المنضد " لابن المبرد (ص 19). 53 - العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام أحمد بن تيمية. ذكره ابن رجب (5/ 119) باسم: (ترجمة الشيخ تقي الدين ابن تيمية)، ووصفه بأنه في مجلد. وقد طبع عدة طبعات، ولازال الكتاب بحاجة إلى إعادة تحقيق وخدمة علمية تليق به. وقال الشيخ العلامة بكر أبو زيد في تقديمه لكتاب " الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية ": (كما كانت ترجمته - أي: ابن تيمية - لتلميذه ابن عبد الهادي في كتابه " مختصر طبقات علماء الحديث " هي أوفى التراجم، فإن كتابه المفرد " العقود الدرية " ترجع إليه الكتب المفردة الأخرى، وأرى إعادة تحقيق وطبع: " العقود الدرية " ويضم إليه ما زاد عليه من كتب التراجم المفردة المذكورة تحشية في محلها المناسب من هذا الكتاب، حتى يغني عنها) ا. هـ. ويقوم الآن الشيخ الفاضل / علي بن محمد العمران - وفقه الله - على
تحقيق كتاب " العقود الدرية " يسر الله طبعه. 54 - فصل النزاع بين الخصوم في الكلام على حديث " أفطر الحاجم والمحجوم ". ذكره ابن رجب (5/ 118) ووصفه بأنه مجلد لطيف. 55 - فضائل الشام. ذكره ابن رجب (5/ 120)، ووصفه بأنه جزء. وطبع بتحقيق: مجدي فتحي السيد، وصدر عن دار الصحابة بمصر. 56 - العلل على ترتيب كتب الفقه. قال الحافظ ابن حجر في " الدرر الكامنة " (3/ 332): (وشرع في كتاب العلل على ترتيب كتب الفقه، وقفت منه على المجلد الأول). وهل هذا الكتاب الذي يشير إليه ابن حجر هو نفسه " تعليقة على العلل لابن أبي حاتم "؟ الله أعلم، وانظر مقدمة التحقيق لكتاب " تعليقة على العلل " (ص: 106 - 108). 57 - العمدة في الحفاظ. ذكره ابن رجب (118) وقال: (كمل منه مجلدان). وقال ابن قاضي شهبة في "تاريخه" (2/ج 1 من المخطوط /395): (مجلدان) ولم يذكر أنه لم يكتمل. والذي يبدو أنه غير كتابه " طبقات الحفاظ "، والله أعلم.
58 - الكافي في الجرح والتعديل. ذكره ابن قاضي شهبة في "تاريخه" (2/ج 1 من المخطوط /395) وقال: (مجلدان، كمل الأول). 59 - الكلام على أحاديث مس الذكر. ذكره ابن رجب (5/ 118) ووصفه بأنه كبير. 60 - الكلام على حديث: " البحر هو الطهور ماؤه ". ذكره ابن رجب (5/ 118) ووصفه بأنه جزء كبير، وقد أشار إليه المنقح في كتابه هذا (1/ 12). 61 - الكلام على حديث القلتين. ذكره ابن رجب (2/ 437 ط: الفقي) ووصفه بأنه جزء. وأشار إليه المنقح هنا: (1/ 19). 62 - الكلام على حديث معاذ في الحكم بالرأي. ذكره ابن رجب (2/ 437 ط: الفقي) ووصفه بأنه جزء كبير. 63 - الكلام على حديث: " أصحابي كالنجوم ". ذكره ابن رجب (2/ 437 ط: الفقي) ووصفه بأنه جزء. 64 - الكلام على حديث أبي سفيان: (ثلاث أعطيتهن يا رسول الله) والرد على ابن حزم في قوله: إنه موضوع. ذكره ابن رجب (5/ 118).
65 - الكلام على أحاديث مختصر ابن الحاجب. ذكره ابن رجب (5/ 118) وقال: (مختصر ومطول)، وهذا يفيد أن الحافظ ابن عبد الهادي له كتابان في تخريج أحاديث المختصر، أحدهما مختصر والآخر مطول. وانظر: "المعتبر" للزركشي (ص: 183) و"موافقة الخبر الخبر" لابن حجر (2/ 169). 66 - الكلام على أحاديث كثيرة فيها ضعف من "المستدرك" للحاكم. ذكره ابن رجب (5/ 118). 67 - الكلام على أحاديث الزيارة. ذكره ابن رجب (5/ 118) ووصفه بأنه جزء، وغاير بينه وبين مصنف ابن عبد الهادي في الزيارة (الصارم المنكي)، فالذي يبدو - والله أعلم - أنه غيره، وقد يكون النواة الأولى لكتابه " الصارم المنكي " الذي لم يكتمل كما سبقت الإشارة إلى ذلك. 68 - الكلام على أحاديث محلل السباق. ذكره ابن رجب (5/ 119) ووصفه بأنه جزء. 69 - الكلام على حديث: "الطواف بالبيت صلاة". ذكره ابن رجب (5/ 119). وقد نقل المناوي في "فيض القدير" (4/ 292) عن ابن عبد الهادي كلامًا في بيان معنى هذا الحديث. 70 - الكلام على أحاديث لبس الخفين للمحرم.
ذكره ابن رجب (5/ 120). 71 - الكلام على مسألة الاستواء على العرش. طبع بتحقيق الشيخ: ناصر بن سعود السلامة، عن دار الفلاح بمصر. 72 - ما أخذ على تصانيف أبي عبد الله الذهبي الحافظ. ذكره ابن رجب (5/ 120) ووصفه بأنه في عدة أجزاء. 73 - المحرر في الأحكام. ذكره ابن رجب (5/ 118) ووصفه بأنه مجلد. وقال ابن ناصر الدين في " الرد الوافر " (ص: 63): (مختصر مفيد جدًا). وقال ابن قاضي شهبة في "تاريخه" (2/ج 1 من المخطوط /395): (مجلد اختصره من "الإلمام")، وذكر المحقق أنه وقع في نسخة زيادة كلمتين غير بينتين، صورتهما: (وحذوه حدا). قلنا: ولعل العبارة: (وحذا حذوه)، ولكن حصل فيها تقديم وتأخير، والله أعلم. قال ابن حجر في " الدرر الكامنة " (3/ 332): (اختصره من "الإلمام" فجوده جدًا). وطبع الكتاب عدة مرات، ولعل أجودها الطبعة التي حققها: عادل الهديا، ومحمد علوش، وصدرت سنة (1422) عن دار العطاء بالرياض. وقد شرح هذا الكتاب أبو بكر بن علي بن محمد المعروف بـ " ابن
الحريري " (ت: 851) وهو من فقهاء الشافعية، وسمى شرحه " تحرير (1) المحرر في شرح حديث النبي المطهر "، ويقع في اثني عشر مجلدًا، ومنه نسخة في دار الكتب المصرية، وبعضه في خزانة شستربتي (2). كما شرع في شرحه الحافظ ابن حجر العسقلاني، قال السخاوي في " الجواهر والدرر " (2/ 676) - وهو يعدد شروح الحافظ -: (" المقرر في شرح المحرر "، لابن عبد الهادي، كتب منه قطعة في الدروس، ثم تشاغل عنه بشرح البخاري، ولو كمل لكان قدر خمس مجلدات). وقال في موضع آخر (3/ 1217) - عندما ذكر سبط الحافظ ابن حجر: يوسف بن شاهين -: (وشرع في شرح " بلوغ المرام " وكأنه اعتمد على القطعة التي عملها جده من " شرح المحرر " لابن عبد الهادي). وقد اطلعنا في مكتبة جامعة الملك عبد العزيز بجدة على قطعة من شرح يوسف بن شاهين على أول " البلوغ "، وقد سماه " منحة الكرام شرح بلوغ المرام " (3). ويوجد لعدد من المعاصرين شروح عليه، ولشيخنا المحدّث / عبد الله بن عبد الرحمن السعد أمالي عليه يسر الله طبعها. 74 - مختصر الروض الأنف. ذكره ابن قاضي شهبة في "تاريخه" (2/ج 1 من المخطوط /395)، وقال: (في عدة أجزاء، مفيد).
- مصنف في الزيارة = الصارم المنكي. 75 - مناقب الأئمة الأربعة. ذكره ابن قاضي شهبة في "تاريخه" (2/ج 1 من المخطوط /395)، وقال: (مجلد صغير مفيد). وطبع بتحقيق الشيخ / سليمان بن مسلم الحرش، سنة (1416) عن دار المؤيد بالرياض. 76 - منتخب من " تفسير ابن أبي حاتم ". ذكره ابن قاضي شهبة في "تاريخه" (2/ج 1 من المخطوط /395)، وقال: (لم يكمل). 77 - منتخب من "مسند الإمام أحمد". ذكره ابن رجب (5/ 120)، ووصفه بأنه في مجلدين. 78 - منتخب من "سنن البيهقي". ذكره ابن رجب (5/ 120)، ووصفه بأنه في مجلد. 79 - منتخب من "سنن أبي داود". ذكره ابن رجب (5/ 120)، ووصفه بأنه في مجلد لطيف. 80 - منتقى من "تهذيب الكمال" للمزي. ذكره ابن رجب (5/ 119)، وقال: (كمل منه خمسة أجزاء). 81 - منتقى من " علل الدارقطني ".
تدريسه وتلاميذه
ذكره ابن رجب (5/ 120)، ووصفه بأنه مجلد. 82 - منتقى من "مختصر المختصر" لابن خزيمة ومناقشته على أحاديث أخرجها فيه فيها مقال. ذكره ابن رجب (5/ 118) ووصفه بأنه مجلد. هذه بعض مؤلفات الحافظ ابن عبد الهادي، وله غيرها فقد قال ابن رجب بعد أن ذكر معظم الكتب السابقة: (وله رد على ابن طاهر، وابن دحية، وغيرهما، وتعاليق كثيرة في الفقه وأصوله والحديث، ومنتخبات كثيرة في أنواع العلم). بل قال ابن قاضي شهبة في "تاريخه" (2/ج 1 من المخطوط /396): (وله مصنفات أخر كثيرة سردناها في أصل هذا التاريخ في نحو ورقتين). * * * تدريسه وتلاميذه: قال ابن كثير في " البداية والنهاية " (18/ 422): (وفي يوم الأربعاء الحادي والعشرين منه - يعني من شهر جمادى الأولى من سنة إحدى وأربعين وسبعمائة - درس بمدرسة الشيخ أبي عمر بسفح قاسيون = الشيخ الإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الهادي المقدسي، في التدريس البَكتَمُري، عوضًا عن القاضي برهان الدين الزرعي، وحضر عنده المقادسة وكبار الحنابلة، ولم يتمكن أهل المدينة من الحضور لكثرة المطر والوحل يومئذ) ا. هـ. وقال الحسيني في " ذيل التذكرة " (ص: 50): (وولي مشيخة الحديث
بالضيائية والغياثية ودرس بالمدرسة المنصورية وغيرها). وقال في " ذيل العبر " (ص: 132): (ودرس بالمدرسة الصدرية، وولي مشيخة الضيائية والصبابية ... تخرج به خلق، وروى الذهبي عن المزي عن السروجي عنه (1)). وقال ابن رافع في " الوفيات " (1/ 459): (وتولى مشيخة الحديث بالضيائية بالصالحية، وبدمشق بالصدرية). وقال ابن قاضي شهبة في "تاريخه" (2/ج 1 من المخطوط /394): (ولي مشيخة الحديث بالضيائية وبالصدرية). وقال الصفدي في " الوافي " (2/ 161): (وكان أخيرًا قد نزل عن وظائفه بالمدارس ليلازم الاشتغال والعمل). وقال أيضًا في " أعيان العصر " (4/ 274): (نزل أخيرًا عما بيده من المدارس، وعدها من الأطلال الدوارس ليكون مفرغًا للإشغال، ويترك ما هو دون ويأخذ ما هو غال). ولم تذكر الكتب التي ترجمت لابن عبد الهادي شيئًا عن تلاميذه، ولكن بذل الشيخ الفاضل / عامر حسن صبري - وفقه الله - جهدًا كبيرًا في جمع بعض العلماء الذين ذكر في تراجمهم أنهم أخذوا عن الحافظ ابن عبد الهادي، وذلك في مقدمة تحقيقه للقسم الأول من كتاب "التنقيح" (1/ 77 - 84). وقال الشيخ العلامة إسماعيل الأنصاري رحمه الله: (ويكفي من إقبال
وفاته
أهل العلم المعتبرين على السماع منه = سماع أئمة الحفاظ: أبي الحجاج المزي، والذهبي، والسروجي). * * * وفاته: مرض قريبًا من ثلاثة أشهر بقرحة وحمى سُل، ثم تفاقم أمره، وأفرط به إسهال، وتزايد ضعفه، إلى أن توفي يوم الأربعاء عاشر جمادى الأولى من سنة أربع وأربعين وسبعمائة، قبل أذان العصر، ولم يبلغ الأربعين. قال ابن كثير في " البداية " (14/ 210): (أخبرني والده أن آخر كلامه أن قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) ا. هـ. وصلي عليه صبيحة يوم الخميس بالجامع المظفري، وحضر جنازته قضاة البلد وأعيان الناس من العلماء والأمراء والتجار والعامة، وكانت جنازته حافلة مليحة، عليها ضوء ونور، ودفن بسفح قاسيون، وتأسف عليه الناس، ورئيت له منامات حسنة، رحمه الله تعالى. * * *
الفصل الثاني التعريف بالكتاب 1. اسم الكتاب وإثبات نسبته. 2. عمل المنقح في الكتاب. 3. المنهج العلمي للمنقح. 4. موارد المنقح. 5. القيمة العلمية للكتاب. 6. النسخ الخطية وطبعات الكتاب السابقة. 7. خطة تحقيق الكتاب.
الفصل الثاني: التعريف بالكتاب
الفصل الثاني: التعريف بالكتاب المبحث الأول: اسم الكتاب وإثبات نسبته. جرت [العادة] (*) على أن يناقش المحقق في مقدمة التحقيق ما يتعلق باسم الكتاب وثبوت نسبته للمؤلف، وتتفاوت الحاجة إلى ذلك بحسب شهرة الكتاب وما يحتف به من غموض حول نسبته واسمه. أما كتابنا هذا فقد صرح المؤلف باسمه في أول صفحة منه، فقال (1/ 1): (وسميته " كتاب تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق "). وأيضًا الأدلة متضافرة ومتنوعة على صحة نسبته لابن عبد الهادي، ومن ذلك: 1 - ما جاء على طرر النسخ الخطية. فجاء على طرة نسخة الأصل: (كتاب تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق، تأليف: الشيخ، الإمام، العالم، العلامة، فارس الحفاظ، وناقد المعاني والألفاظ، شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الهادي الحنبلي المقدسي، تغمده الله برضوانه آمين، وغفر لكاتبه الزركشي). وجاء على طرة النسخة الثانية: (كتاب تنقيح التحقيق، لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الهادي الحنبلي المقدسي). وجاء في خاتمة النسخة الأصل ما نصه: (آخر كتاب تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق، والحمد لله رب العالمين .... علقه لنفسه بيده الفانية ولمن شاء الله من بعده العبد الفقير الحقير الذليل المعترف بذنبه وعصيانه المقر لله سبحانه وتعالى بفضله وامتنانه، الراجي رحمته، الخائف من عذابه، محمد بن عبد الله الزركشي، غفر الله له ولوالديه، وحشره في زمرة من أنعم عليهم بكرمه وجوده، ومنّه ويمنه، وكان الفراغ منه يوم الجمعة لست مضين من شهر جمادى الآخر ______ (*) قال معد الكتاب للشاملة: هذه الكلمة ليست في المطبوع
سنة ست وستين وسبعمائة، والحمد لله وحده). 2 - أن المترجمين لابن عبد الهادي قد ذكروا له كتابًا بهذا الاسم، أو بوصف ينطبق على هذا الكتاب. ومن هؤلاء: - ابن رجب في " ذيل الطبقات " (5/ 117). - ابن ناصر الدين الدمشقي في " الرد الوافر " (63). - ابن حجر في " الدرر الكامنة " (3/ 332). وغيرهم ممن ترجم له. 3 - أن منهج الكتاب موافق لمنهج ابن عبد الهادي وأسلوبه، كما سيأتي إيضاح ذلك تحت الكلام عن منهجه العلمي. 4 - أن المؤلف أحال على كتب أخرى له، هي إما موجودة أو مذكورة ضمن مؤلفاته (انظر: 1/ 12، 19؛ 2/ 381، 538، 673). 5 - أن المؤلف نقل عن أشهر شيخين له، وهما ابن تيمية والمزي، فنقل عن ابن تيمية في المواضع التالية (1/ 14، 139، 144؛ 4/ 88، 268، 336، 364، 409؛ 5/ 40)، ونقل عن المزي في المواضع التالية (1/ 112، 237، 272؛ 2/ 189، 377، 459، 466، 469، 486، 695؛ 3/ 78، 147، 305؛ 4/ 184، 252، 259). 6 - أن هناك عددًا من العلماء قد نقلوا عن ابن عبد الهادي، وهذه النقول موجودة فيه.
ومن ذلك: 1) الزيلعي: أكثر من النقل عنه في كتابه "نصب الراية" كما سيأتي عند الكلام عن قيمة الكتاب العلمية، ونقل عنه أيضًا في كتابه "تخريج أحاديث الكشاف" (انظر: 1/ 273، 299، 371؛ 2/ 262، 440؛ 3/ 149، 336). 2) الزركشي: نقل عنه مثلاً في كتابه "المعتبر" (169). 3) العراقي: نقل عنه في أماليه (المستخرج على المستدرك) (ص: 56)، وفي " ذيل الميزان " (ص: 161 - رقم: 344). 4) ابن حجر: نقل عنه في مواضع كثيرة من كتبه، منها: - "التلخيص الحبير" (1/ 58، 206، 232؛ 2/ 143، 270؛ 4/ 185). - "فتح الباري" (4/ 122). - " الإصابة " (1/ 262). - " لسان الميزان " (3/ 649 - 650). 5) العيني: نقل عنه في " عمدة القاري " (5/ 288، 295؛ 6/ 51، 74؛ 7/ 21؛ 8/ 155؛ 9/ 35، 114، 116، 280؛ 10/ 272؛ 12/ 96). 6) السفاريني في كتابه " كشف اللثام ورشف المرام شرح عمدة الأحكام " (مخطوط). وغيرهم من أهل العلم كالمناوي وابن العجمي والشوكاني. * * *
المبحث الثاني: عمل المنقح في الكتاب
المبحث الثاني: عمل المنقح في الكتاب يتلخص عمل المنقح في "تنقيحه" في أمرين، هما: الاستدراك والتعقب (1)، ويندرج تحت كل قسم صور متعددة، ونذكر منها ما يلي: (1) الاستدراك 1) ذكر المخرجين للحديث: سبق أن الحافظ ابن الجوزي، ربما روى الحديث بإسناده من طريق كتاب من كتب المسانيد "مسند أحمد" (2) و"مسند عبد بن حميد"، أو من كتب السنة المتأخرة ككتب الدارقطني، والعقيلي، وابن حبان (3)، وابن عدي، والخطيب البغدادي، وقد أكثر من الرواية عن هذه الكتب حتى في الأحاديث التي تكون في أحد الكتب الستة (الصحيحين وسنن أبي داود وجامع الترمذي وسنن النسائي وسنن ابن ماجه) دون أن يشير إلى وجوده في شيء من هذه الكتب (4)، وهذا فيه قصور، لذا حرص المنقح عقب كل حديث من الأحاديث التي يوردها ابن
الجوزي أن يبين إن كانت في شيء من الكتب الستة، أو الكتب المتقدمة، أو الكتب التي تشترط الصحة. وأحيانا أيضًا يكون الحديث في "الصحيحين" فيقتصر ابن الجوزي على عزوه إلى أحدهما، فيبين المنقح أنه فيهما. 2) ذكر أقوال العلماء في الحكم على الحديث: لم يعتن الحافظ ابن الجوزي كثيرًا بذكر أقوال العلماء في الأحاديث تصحيحًا وتضعيفًا، ولا شك أن معرفة أقوال العلماء في ذلك من الأمور المهمة في الحكم على الأحاديث، ولذا اعتنى المنقح ببيان ذلك واستدراكه، ومن الأمثلة على ذلك: ذكر ابن الجوزي حديث القلتين (1/ 15 - 16) ولم يذكر أحدًا ممن صحح الحديث، وذكر المنقح (1/ 18) جملة ممن قوَّى هذا الحديث، ومنهم ابن معين وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والبيهقي والطحاوي والخطابي، وذكر كلام ابن عبد البر وغيره فيه. 3) الترجمة لبعض الرواة غير المشهورين: لم يعتن ابن الجوزي بالترجمة لرواة الإسناد إلا إذا كانوا متكلمًا فيهم، فإما أن يدافع عنهم، وإما يؤيد الكلام فيهم، ويكتفي بذلك، وأما الرجال غير المشهورين الذين يردون في الأسانيد والذين يحتاج إلى معرفة حالهم في الحكم على الحديث فإنه لم يعتن ببيان حالهم، ولذا أولى المنقح هؤلاء الرجال عناية كبيرة، ومن الأمثلة على ذلك: ذكر ابن الجوزي (1/ 23) حديثًا من طريق الدارقطني قال: ثنا محمد بن
الحسن الحراني ثنا علي بن أحمد الجرجاني ثنا محمد بن موسى الحرشي ثنا فضيل بن سليمان النميري عن أبي حازم عن سهل بن سعد ... وساق الحديث، ثم قال: (قال يحيى بن معين: فضيل بن سليمان ليس بثقة). قال المنقح: (وقال أبو زرعة في فضيل: لين الحديث. وقال أبو حاتم والنسائي: ليس بالقوي. وقد أخرج له في "الصحيحين". ومحمد بن موسى الحرشي: صدوق، تكلم فيه أبو داود ووثقه غيره. وشيخ الدارقطني وشيخ شيخه: ثقتان، والله أعلم). 4) ذكر أقوال العلماء في بعض الرواة: يذكر الحافظ ابن الجوزي أحيانًا أحد الرواة وينقل كلام عالم من العلماء فيه، ويكون في هذا الراوي كلام لناقد أو أكثر - وربما كان أجل ممن ذكره ابن الجوزي، وربما كانت العبارة فيه أرفع أو أدنى مما ذكر -، فيعتني المنقح أيضًا ببيان ذلك، ومن أمثلة ذلك: ما سبق في الفقرة السابقة من ذكر كلام أبي زرعة وأبي حاتم والنسائي في فضيل بن سليمان. 5) بيان سماع بعض الرواة من بعض: أحيانًا يسوق ابن الجوزي بعض الأسانيد، ويُحتاج إلى التحقق من سماع أحد الرواة من شيخه، فيعنى المنقح ببيان ذلك، ومن الأمثلة عليه: ذكر ابن الجوزي (1/ 260) حديث بسرة بنت صفوان في الوضوء من مس الذكر من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن بسرة بنت صفوان، وعلق عليه المنقح (1/ 268) بقوله: (قال النسائي: هشام بن عروة لم يسمع من أبيه هذا
الحديث. وقال الإمام أحمد: قال شعبة: لم يسمع هشام حديث أبيه في مس الذكر. قال يحيى: فسألت هشامًا، فقال: أخبرني أبي. ورواه ابن أبي فديك عن ربيعة بن عثمان عن هشام بن عروة عن أبيه عن مروان عن بسرة ... فذكر الحديث، قال عروة: فسألت بسرة فصدقته. فقد صح سماع عروة من بسرة، وسماع هشام من أبيه). 6) ذكر الشواهد والمتابعات: من المعلوم أن تتبع وجمع طرق الحديث من الأمور المهمة في الحكم عليه، وقد حصل للحافظ ابن الجوزي بعض القصور في ذلك، فأستدركه عليه المنقح، ومن الأمثلة: أورد ابن الجوزي (2/ 404) حديثًا ضمن أدلة المخالفين، من طريق يحيى ابن إسحاق عن ابن لهيعة عن عبد الله بن هبيرة عن أبي تميم الجيشاني، ثم أجاب عنه بقوله (2/ 407): (فيه ابن لهيعة، وهو متروك). فتعقبه المنقح بقوله: (وأما حديث أبي تميم: فرواه غير ابن لهيعة عن ابن هبيرة، قال الإمام أحمد: ثنا علي بن إسحاق ثنا عبد الله - يعني: ابن مبارك - أنا سعيد بن يزيد حدثني ابن هبيرة ... فذكره، وسعيد بن يزيد من الثقات، ورواه يحيى الحماني عن ابن المبارك). هذا مثال على ذكر المتابعات، وأما ذكر الشواهد فهو كثير (1).
7) وصل المعلقات: يذكر ابن الجوزي أحيانًا بعض الأحاديث بدون إسناد، فنجد المنقح يحرص على سياق أسانيد تلك الأحاديث، أو عزوها إلى المصادر المسندة، ومن أمثلة ذلك: قال ابن الجوزي (2/ 600): (وقد روى الأصحاب من حديث حذيفة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن لبس الحرير، وأن يجلس عليه). فقال المنقح: (حديث حذيفة هذا الذي عزاه إلى رواية الأصحاب، قد رواه البخاري في "صحيحه"، ولفظه: قال: نهانا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نشرب في آنية الذهب والفضة، وأن نأكل فيها، وعن لبس الحرير والديباج، وأن نجلس عليه (1)). 8) تسمية ونسبة بعض الرواة: أحيانًا يرد اسم الراوي في الإسناد دون ذكر اسم الأب، أو مع اسم الأب ولكنه لا يعرف مع ذلك، وأحيانًا ينسب الراوي إلى جده، وأحيانًا يذكر منسوبًا وهو غير مشهور، فيعتني المنقح ببيان ذلك كله، ومن أمثلة ذلك: أورد ابن الجوزي (1/ 135) حديثًا من طريق محمد بن عبد الرحمن عن عطاء عن ابن عباس، فقال المنقح: (محمد بن عبد الرحمن: هو ابن أبي ليلى، وهو صدوق، وقد تكلم في حفظه، وفي طبقته: محمد بن عبد الرحمن بن عبيد مولى آل طلحة، وهو ثقة، روى له مسلم، وروى عنه شريك، لكن لا يعرف أنه روى عن عطاء).
9) ضبط بعض الأسماء التي تحتاج إلى ضبط: يرد أحيانًا في الأسانيد أسماء يشكل ضبطها، أو يكون قد اختلف في ضبطها، فينبه المنقح على ذلك، ومن أمثلته: أورد ابن الجوزي (1/ 211) حديثًا من طريق نعيم بن حمار عن بلال، فقال المنقح في زوائده: (وفي اسم أبي نعيم خمسة أقوال حكاها الصوري: همار - بالميم -، وهبار - بالباء -، وهدار - بالدال -، وخمار - بالخاء المعجمة المفتوحة -، وحمار - بالحاء المهملة المكسورة -) (1). 10) ذكر بعض الأدلة التي تؤيد مذهب الحنابلة: أحيانا يكون هناك في المسألة أدلة أخرى للحنابلة غير التي ذكرها ابن الجوزي فيورد المنقح هذه الأدلة، ومن أمثلة ذلك: قال ابن الجوزي (1/ 123): (مسألة بول ما يؤكل لحمه وروثه طاهر ... لنا ثلاثة أحاديث ...)، وذكر حديث العرنيين في "الصحيحين"، ثم أورد حديثين آخرين من "سنن الدارقطني"، ثم قال: (الاعتماد على الحديث الأول، وفي هذين الحديثين مقال ...) ثم بين ذلك المقال. ولما انتهى المنقح من ذكر ما سبق أورد ستة أحاديث تدل على المسألة، منها حديثان في "الصحيحين"، وحديث عند مسلم، وحديث عند الإمام أحمد وأبي داود، وحديث عند الإمام أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه، وحديث عند ابن خزيمة وابن حبان في " صحيحيهما " (1).
11) ذكر بعض الأدلة التي تؤيد المذهب المخالف: أحيانًا يكون هناك بعض الأدلة التي تؤيد المذهب المخالف - بغض النظر عن صحتها أو ضعفها - فيستدركها المنقح على ابن الجوزي. وينبه المنقح على ما يكون في بعض الأدلة من النظر من جهة الاستدلال. 12) الجواب عن دليل المخالفين من جهة الاستدلال: ابن الجوزي يناقش في بعض الأحيان أدلة المخالفين إذا كان لا يسلم لهم الاستدلال بها، وأحيانًا لا يتعرض لذلك، فكان المنقح يشير إليه، ومن الأمثلة على ذلك: ذكر ابن الجوزي (2/ 318 - 321) حديث: " لا يقطع الصلاة شيء "، من طرق متعددة، ثم قال: (هذه الأحاديث كلها ضعاف) ثم بين وجه ضعف كل واحد منها. فقال المنقح ضمن كلامه على هذه الأحاديث: (وعلى تقدير ثبوت قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يقطع الصلاة شيء " لا يعارض به حديث أبي ذر وأبي هريرة وابن المغفل، لأنها خاصة، فيجب تقديمها على العام) (2). 13) إضافة بعض الفوائد الفقهية: لم تقتصر استدراكات المنقح على الجانب الحديثي، بل شملت الجوانب الفقهية أيضًا، ومن الأمثلة على ذلك:
ذكر ابن الجوزي (1/ 347) مسألة: إذا انقضت مدة المسح، أو ظهر القدم، استأنف الوضوء، ثم قال: (وعنه: أنه يجزئه غسل رجليه، كقول أبي حنيفة ومالك، وعن الشافعي كالروايتين). فقال المنقح في تعليقه على هذه المسألة: (هذا الخلاف مبني على أن المسح هل يرفع الحدث عن الرجل؟ فإن قلنا: لا يرتفع عنها، فقد ارتفع عن الوجه واليدين والرأس، وبقي الرجلان، فيكفيه غسلهما. وإن قلنا: يرتفع، فبالخلع عاد، والحدث لا يتبعض، فيجب استئناف الوضوء. وقيل: منشأ الخلاف: جواز التفريق، فإن جاز أجزأه غسل قدميه، ومسح رأسه في خلع العمامة، وإلا أعاد الوضوء لفوات شرطه وهو الموالاة. قال بعضهم: والصحيح الأول، لأن الخلاف واقع في المسألتين مطلقًا، سواء كان عقب الوضوء، أو بعد مضي زمان يحصل به التفريق) (1). * * * (2) التعقب 1) تعقبه في بعض القضايا المنهجية في علوم الحديث:
يقرر الحافظ ابن الجوزي بعض مسائل علوم الحديث وفق منهج الفقهاء والأصوليين، فيتعقبه ابن عبد الهادي ببيان منهج علماء الحديث ونقاده، ومن ذلك: ذكر ابن الجوزي (1/ 203) بإسناده عن يحيى بن إسحاق عن حماد بن زيد عن سنان بن ربيعة عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة مرفوعًا: " الأذنان من الرأس " محتجًا به، وقال في ذكر اعتراض الخصم: (قال الدارقطني: قال سليمان ابن حرب عن حماد بن زيد: إن قوله " الأذنان من الرأس " من قول أبي أمامة غير مرفوع، وهو الصواب)، ثم أجاب ابن الجوزي عن هذا بقوله: (وجواب من قال: " هو قول أبي أمامة " أن نقول: الراوي قد يرفع الشيء، وقد يفتي به). فقال المنقح (1/ 207) متعقبًا: (هذه الطريقة التي سلكها المؤلف ومن تابعه " في أن الأخذ بالمرفوع في كل موضع " طريقة ضعيفة، لم يسلكها أحد من المحققين وأئمة العلل في الحديث) (1). 2) تضعيف بعض الأحاديث التي يحتج بها ساكتًا عليها: هناك عدد من الأحاديث يسكت عنها ابن الجوزي أو يقويها، وتكون ضعيفة أو معلولة، فينبه المنقح على ذلك، وضعف هذه الأحاديث يكون مرجعه إلى أحد ثلاثة أسباب: الأول: ضعف راو أو أكثر في الإسناد، ومن أمثلة ذلك: احتج الحافظ ابن الجوزي (2/ 242) بحديث رواه من طريق الدارقطني عن أحمد بن محمد بن سعيد (1) عن أحمد بن الحسن بن سعيد عن أبيه عن سعيد
ابن عثمان الخزاز عن عمرو بن شمر عن جابر بن عبد الله بن بريدة عن أبيه، ولم يتكلم ابن الجوزي على هذا الإسناد بشيء. فتعقبه المنقح بقوله (2/ 244): (حديث بريدة إسناده ساقط، وعمرو وجابر ضعيفان، وكذلك سعيد بن عثمان، وشيخ ابن عقدة وأبوه لا يعرفان). الثاني: انقطاع الإسناد، ومن أمثلة ذلك: احتج ابن الجوزي (1/ 211) بحديث من طريق مكحول عن نعيم بن حمار عن بلال، فتعقبه المنقح بقوله: (مكحول لم يسمع من نعيم فهو منقطع) (2). الثالث: وجود علة في الحديث، ومن أمثلة ذلك: احتج ابن الجوزي (3/ 381) بحديث من طريق الدارقطني عن أحمد بن علي بن حبيش عن علي بن العباس عن علي بن سعيد بن مسروق عن ابن أبي زائدة عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله تعالى: {من استطاع إليه سبيلا} قال: قيل: يا رسول الله، ما السبيل؟ قال: " الزاد والراحلة ". فعلق المنقح على ذلك بقوله: (هذا الحديث لم يخرجه أحد من أصحاب السنن بهذا الإسناد، وعلي بن سعيد بن مسروق الكندي، وعلي بن العباس البجلي المقانعي ثقتان، وشيخ الدارقطني ثقة أيضًا. ومع ذلك فرواية هذا الحديث عن قتادة عن أنس مرفوعًا وهم،
والصواب عن قتادة عن الحسن عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً، كذلك رواه جعفر بن عون عن سعيد، وكذلك رواه يونس بن عبيد عن الحسن، والله أعلم). 3) تصحيح بعض الأحاديث التي يضعفها: أحيانًا يضعف ابن الجوزي بعض الأحاديث، وتكون عند المنقح صحيحة فيبين المنقح صحتها عنده، ومن أمثلة ذلك: ذكر ابن الجوزي (3/ 195) حديثًا من طريق ابن مهدي عن معاوية بن صالح عن عبد الله بن أبي قيس عن عائشة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتحفظ من هلال شعبان ما لا يتحفظ من غيره، ثم يصوم رمضان لرؤيته، فإن غم عليه عدّ ثلاثين يومًا ثم صام. وعلق عليه بقوله: (قال الدارقطني: هذا إسناد صحيح. قلت: وهذه عصبية من الدارقطني، كان يحيى بن سعيد لا يرضى معاوية بن صالح، وقال أبو حاتم الرازي: لا يحتج به). فتعقبه المنقح (3/ 206) بقوله: (حديث معاوية بن صالح عن عبد الله ابن أبي قيس عن عائشة: رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل عن ابن مهدي عن معاوية، وهو حديث صحيح، ورواته ثقات محتج بهم في الصحيح، وقد صحح الدارقطني إسناده كما تقدم. وقول المؤلف " هذه عصبية من الدارقطني .... " غير صحيح، وإنما العصبية منه، فإن معاوية بن صالح ثقة صدوق ... الخ). 4) تعديل بعض الرواة الذين جرحهم أو تضعيف بعض الرواة الذين وثقهم أو سكت عن بيان حالهم:
يضعف ابن الجوزي أحيانًا بعض الرواة، فيتعقبه المنقح ويبين ثقة هؤلاء الرواة، والأمثلة على ذلك كثيرة، ومنها ما سبق في الفقرة السابقة من الكلام في معاوية بن صالح. وأحيانًا يحدث العكس فيوثق ابن الجوزي بعض الضعفاء أو يسكت عن بيان حالهم، فيتعقبه المنقح مبينًا ضعف هؤلاء الرواة، وأيضًا الأمثلة على هذا كثيرة جدًا. 5) بيان أحوال بعض الرواة الذين فيهم تفصيل أو خلاف وأجمل القول فيهم: يقتصر ابن الجوزي أحيانًا في بيان حال الراوي على بعض أقوال النقاد، ولا يتتبع اختلافهم، فينبه المنقح على ذلك، ومن الأمثلة: قال المنقح (2/ 659): (وفي قول المؤلف: " وأما حديث أم شريك: ففيه شهر، وقد ضعفوه " نظر، فإن شهرًا لم يضعفه الكل، بل ضعفه جماعة، ووثقه آخرون، وممن وثقه الإمام أحمد بن حنبل ويحيى بن معين ويعقوب بن شيبة وأحمد بن عبد الله العجلي، والله أعلم) (1). 6) التناقض في تضعيف بعض الرواة في موضع وتقويتهم في آخر: الحافظ ابن الجوزي ربما احتج براو في موضع، ثم يضعفه في موضع آخر، فيتعقبه المنقح على ذلك، ومن أمثلة ذلك: قال في "التنقيح" (1/ 187): (جابر الجعفي: ضعفه الجمهور،
والمؤلف يحتج به في موضع إذا كان الحديث حجة له، ويضعفه في موضع آخر إذا كان الحديث حجة عليه!) (1). 7) التناقض في الاحتجاج ببعض الأحاديث في موضع وتضعيفها في موضع آخر: يقع من الحافظ ابن الجوزي رحمه الله بعض التناقض، ومن ذلك: أنه أحيانًا قد يحتج بالحديث في مسألة، ثم يضعفه في مسألة أخرى إذا احتج به المخالف، فيتعقبه المنقح في ذلك، ومن الأمثلة عليه: احتج ابن الجوزي (2/ 628) بحديث كعب بن مالك قال: جاء ثابت ابن قيس بن شماس إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: إن أمه توفيت وهي نصرانية، وهو يحب أن يحضرها، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اركب دابتك وسر أمامها، فإنك إذا كنت أمامها لم تكن معها ". فتعقبه المنقح بقوله: (هذا حديث لا يصح، وأبو معشر ضعيف). ثم ذكر ابن الجوزي هذا الحديث تحت مسألة أخرى (2/ 646) ضمن أدلة المخالف، فقال في الجواب عنه: (فيه أبو معشر، وقد ضعفه يحيى، وقال النسائي: ليس إسناده بشيء). فتعقبه المنقح بقوله: (حديث كعب لا يصح كما تقدم، لكن المؤلف احتج به ثم ضعفه!). 8) الخطأ في تحديد العلة التي يعل بها الحديث:
يضعف أحيانًا ابن الجوزي بعض الأحاديث بعلة، وعند التحقيق لا تكون هي سبب تضعيف الحديث، فيبين المنقح ذلك، ومن الأمثلة: أورد ابن الجوزي (1/ 340) ضمن حجج المخالف حديثًا من طريق الوليد بن مسلم قال: أخبرني ثور بن يزيد عن رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة عن المغيرة بن شعبة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح أعلى الخف وأسفله، ثم قال: (قال الترمذي: هذا حديث معلول، لم يسنده عن ثور غير الوليد، وسألت أبا زرعة ومحمدًا عن الحديث فقالا: ليس بصحيح. قلت: كان الوليد يروي عن الأوزاعي أحاديث هي عند الأوزاعي عن شيوخ ضعفاء، عن شيوخ قد أدركهم الأوزاعي - مثل: نافع عن الزهري -، فيسقط أسماء الرواة الضعفاء، ويجعلها عن الأوزاعي عنهم). فتعقبه المنقح بقوله: (الوليد بن مسلم إمام صدوق مشهور، لكنه يدلس عن الضعفاء، فإذا قال: " ثنا الأوزاعي - أو غيره - أو أنا " فهو حجة، وليس علة الحديث ما ذكره المؤلف، ولم يرو الوليد هذا الحديث عن الأوزاعي، ولكن علة الحديث ما ذكره الترمذي من رواية ابن المبارك عن ثور عن رجاء قال: حدثت عن كاتب المغيرة - مرسل - عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لم يذكر فيه المغيرة. وقال أبو داود: بلغني أنه لم يسمع ثور هذا الحديث من رجاء. وقال الإمام أحمد: لم يسمعه ثور من رجاء، وليس فيه المغيرة. وقال أبو حاتم الرازي: ليس بمحفوظ، وسائر الأحاديث عن المغيرة أصح. وقال الدارقطني: لا يثبت، لأن ابن المبارك رواه عن ثور مرسلاً، والله أعلم) (1). 9) الخطأ في تمييز الرواة في الأسانيد: هذا الوجه من أكثر الأمور التي دخل منها الدخل على ابن الجوزي،
فكثيرًا ما كان يخطئ رحمه الله في تمييز رواة الإسناد، وقد تعقبه المنقح في ذلك، ومن الأمثلة: ذكر الحافظ ابن الجوزي (2/ 394) في حجج المخالفين حديثًا من رواية سهم بن منجاب عن قزعة عن القرثع عن أبي أيوب، ثم قال في الجواب عنه: (إن هذا الحديث ضعيف .... وأما قزعة فهو: ابن سويد، قال أحمد: هو مضطرب الحديث، وقال الرازي: لا يحتج به). فقال المنقح متعقبًا: (قزعة هو: ابن يحيى - ويقال: ابن الأسود -، أبو الغادية البصري، تابعي، روى عن ابن عمر وأبي سعيد وغيرهما، واحتج به البخاري ومسلم في " صحيحيهما "، وقال العجلي: بصري تابعي ثقة. وقال ابن خراش: صدوق. وذكره ابن حبان في "الثقات". وأما قزعة بن سويد بن حجير الباهلي، أبو محمد البصري، فمتأخر عن ابن يحيى، روى عن ابن المنكدر وأبي الزبير وغيرهما، وروى له الترمذي وابن ماجه، وتكلم فيه الإمام أحمد ويحيى - في رواية - وأبو حاتم الرازي والبخاري وأبو داود والنسائي، ووثقه ابن معين - في رواية الدارمي -، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به) (1). 10) الخطأ في بعض المعلومات التي يذكرها في تراجم بعض الرواة: أحيانًا يذكر ابن الجوزي بعض المعلومات في تراجم بعض الرواة الخاطئة، فينبه المنقح على ذلك، ومن أمثلته:
ذكر ابن الجوزي (2/ 61) بكير بن عبد الله بن الأشج، وقال عنه: (من كبار التابعين)، وذكر أيضًا (2/ 60) الأسود بن يزيد وسويد بن غفلة وقال: (لم يدركا بلالاً). فتعقبه المنقح بقوله: (وفي بعض كلام المؤلف في هذه المسألة نظر، كقوله: " إن بكيرًا من كبار التابعين "، وقوله: " إن الأسود بن يزيد وسويد ابن غفلة لم يدركا بلالاً "، والله أعلم). 11) الوهم في جعل الرجلين رجلاً واحدًا: نظرًا لاشتراك بعض الرواة في الاسم واسم الأب أو الاشتراك والتشابه في النسبة، فإن الحافظ ابن الجوزي قد يظن أن الرجلين رجلاً واحدًا، فينبه المنقح على ذلك، ومن الأمثلة عليه: ظن ابن الجوزي أن إسحاق بن محمد الفروي وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة شخص واحد، فتعقبه المنقح بقوله (1/ 271): (وحديث ابن عمر في إسناده إسحاق بن محمد الفروي، وهو غير إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة الذي في حديث أبي أيوب، وظنهما المؤلف واحدًا، وهو وهم. فأما إسحاق بن محمد فروى عنه البخاري في "صحيحه"، ووهاه أبو داود، وقال النسائي: ليس بثقة. وقال أبو حاتم: كان صدوقًا، ولكن ذهب بصره فربما لقن، وكتبه صحيحة. ووثقه ابن حبان. وأما إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة فهو متروك باتفاقهم، وقد اتهمه بعضهم). 12) حكاية قول لأحد أئمة الجرح والتعديل في رجل تحت ترجمة رجل
آخر: أحيانًا يشتبه على الحافظ ابن الجوزي قول إمام من أئمة الجرح والتعديل في رجل غير المذكور في الإسناد فيتوهم أن الكلام في الرجل الذي في الإسناد، فينبه المنقح على ذلك، ومن الأمثلة عليه: ذكر ابن الجوزي (2/ 319) ضمن أدلة المخالف حديثًا من رواية صخر ابن عبد الله بن حرملة أنه سمع عمر بن عبد العزيز يحدث عن أنس وساق الحديث، ثم أجاب عنه بقوله: (فيه صخر بن عبد الله، قال ابن عدي: يحدث عن الثقات بالأباطيل، عامة ما يرويه منكر أو من موضوعاته. وقال ابن حبان: لا تحل الرواية عنه). فتعقبه المنقح بقوله (1/ 320): (صخر بن عبد الله بن حرملة - الراوي عن عمر بن عبد العزيز -: لم يتكلم فيه ابن عدي ولا ابن حبان، بل ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال النسائي: هو صالح. وإنما ضعف ابن عدي: صخر ابن عبد الله الكوفي، المعروف بـ " الحاجبي "، وهو متأخر عن ابن حرملة، روى عن مالك والليث وغيرهما) (1). 13) الخطأ في عزو بعض الأحاديث: قد يعزو الحافظ ابن الجوزي حديثًا من الأحاديث إلى أحد الكتب، وقد يكون ذلك العزو خطأ، فيتعقبه المنقح في ذلك، ومن أمثلته: ذكر ابن الجوزي بإسناده (1/ 195) حديث المغيرة بن شعبة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ فمسح بناصيته، ومسح على الخفين والعمامة، ثم قال: (أخرجاه في
"الصحيحين"). فتعقبه المنقح بقوله: (ذكر الحافظ ضياء الدين وغيره أن حديث المغيرة انفرد به مسلم، وهو كما قالوا) (1). 14) الخطأ في النقل عن الكتب: الحافظ ابن الجوزي أحيانًا يتصرف في النقل عن الكتب فيقع في بعض الأوهام والأخطاء، وقد نبه المنقح على أشياء من ذلك، وأغفل أشياء (2)، ومن الأمثلة: روى ابن الجوزي (1/ 277) حديثًا بإسناده إلى الدارقطني من طريق الفضل بن المختار عن الصلت بن دينار عن عصمة بن مالك الخطمي، فتعقبه المنقح بقوله (1/ 281): (حديث عصمة بن مالك يرويه الفضل بن المختار عن
عبيد الله بن موهب عنه - لا عن الصلت -، ولو نقله المؤلف من كتاب الدارقطني ولم يتصرف فيه لم يقع له الوهم فيه، والله أعلم) (1). ومن الأمثلة أيضًا: ذكر ابن الجوزي (3/ 13) حديثًا من طريق الإمام أحمد قال: ثنا معاوية ابن عمرو عن حيوة عن يزيد بن أبي حبيب عن سلمة بن أسامة عن يحيى بن الحكم أن معاذًا قال: بعثني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصدق أهل اليمين ... الحديث. فعلق عليه المنقح بقوله: (وقد اختصر المؤلف لفظ الحديث، وأسقط من الإسناد رجلاً، فإن الإمام أحمد رواه مطولاً عن شيخين: أحدهما: معاوية بن عمرو، والآخر: هارون بن معروف، كلاهما عن عبد الله بن وهب عن حيوة، وهو ابن شريح المصري، فأسقط المؤلف (ابن وهب) من الإسناد، لأمر ذكره الإمام أحمد يشتبه على من لم يتبحر في العلم، واختصر الحديث، وذكره عن أحد الشيخين وهو معاوية بن عمرو، مع أن بعض الألفاظ التي ذكرها من رواية هارون بن معروف وحده، والله الموفق للصواب). 15) الخطأ في فهم كلام العلماء: قد ينقل ابن الجوزي في بعض الأحيان كلامًا عن بعض العلماء بالمعنى الذي يفهمه، ويكون ذلك المعنى غير مطابق لمراد العالم، فيتعقبه المنقح في ذلك، وهذا ليس بالكثير، ومن الأمثلة عليه: قال ابن الجوزي (3/ 194) في تعليقه على حديث حذيفة: " لا تقدموا الشهر حتى تروا الهلال وتكملوا العدة قبله ": (والجواب: أن أحمد ضعف
حديث حذيفة وقال: ليس ذكر حذيفة فيه بمحفوظ). فتعقبه المنقح (3/ 206) بقوله: (قول المؤلف: ... وهم منه، فإن أحمد إنما أراد أن الصحيح قول من قال: عن رجل من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن تسمية حذيفة وهم من جرير، فظن المؤلف أن هذا تضعيف من أحمد للحديث وأنه مرسل، وليس هو بمرسل، بل متصل ... الخ). 16) بيان اختلاف ألفاظ الحديث عند مخرجيه: قد يورد ابن الجوزي حديثًا من الأحاديث من طريق أحد الأئمة، ثم يعزوه إلى غيره دون بيان أوجه الاختلاف بين الرواية التي ساقها ورواية من عزى إليه الحديث، فينبه المنقح على ذلك، ومن أمثلة ذلك: روى ابن الجوزي (1/ 219) حديث عمرو بن عبسة في فضل الوضوء بإسناده إلى الإمام أحمد، ثم قال: (انفرد بإخراجه مسلم)، فتعقبه المنقح بقوله: (أخرج مسلم أصل هذا الحديث، ولم يخرج بعض ألفاظه، وهو حديث طويل ..) ثم بين الألفاظ التي لم يخرجها مسلم. 17) بيان النظر في بعض الأدلة التي يحتج بها من جهة الاستدلال: مما اعتنى ببيانه المنقح في بعض المواضع = ما يكون من النظر في الدليل الذي يحتج به ابن الجوزي من جهة الاستدلال، ومن أمثلة ذلك: احتج ابن الجوزي (1/ 245) بحديث " صلوا كما رأيتموني أصلي " على أن التكبير بعد الافتتاح والتسميع والتحميد وقول: " رب اغفر لي " والتشهد الأول = واجب. فقال المنقح: (وقد صح عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يقول ويفعل في الصلاة أشياء
غير واجبة مع قوله: " صلوا كما رأيتموني أصلي ") (1). 18) السقط الواقع في بعض الأسانيد: يسقط أحيانًا من إسناد الحديث الذي يسوقه ابن الجوزي رجل أو أكثر، فينبه المنقح على ذلك، ومن الأمثلة: ذكر ابن الجوزي (4/ 340) حديثًا من رواية ابن شاذان عن محمد بن نهار، فعلق عليه المنقح بقوله: (محمد بن نهار ضعفه الدارقطني، ولم يدركه ابن شاذان، بل سقط بينهما رجل، إما أبو بكر الشافعي أو ابن أبي نجيح أو غيرهما، والله أعلم) (2). * * *
المبحث الثالث: المنهج العلمي للمنقح
المبحث الثالث: المنهج العلمي للمنقح إن من أهم النتائج التي يصل إليها الدارس لآثار الحافظ ابن عبد الهادي أنه صاحب منهج علمي متميز، وبيان ذلك هو موضوع هذا المبحث، وذلك من خلال العناصر التالية: - الصفات العامة لمنهجه العلمي. - منهجه في علوم الحديث (الجرح والتعديل، تمييز الرواة، التحقق من اتصال السند، العلل، مسائل أخرى). - اختياراته الفقهية. الصفات العامة لمنهج المنقح: لقد اتسم المنهج العلمي للمنقح بعدة صفات، يمكن إجمالها فيما يلي: (1) الدقة والتحري هذه الميزة من أهم الميزات التي تميز بها الحافظ ابن عبد الهادي، وقد ظهرت دقته وتحريه - رحمه الله - في أمور كثيرة: - كالعناية بالأحكام الضمنية، وسوف يأتي بسط الكلام حول ذلك. - وعدم التسرع بالجزم عند وجود الاحتمال، وسنذكر بعض الأمثلة على ذلك فيما يأتي. - وكذلك تنبهه للسقط الذي يقع في بعض الأسانيد مع عدم اطلاعه على
مصادرها الأصلية (انظر: 3/ 330، 421؛ 4/ 7، 193، 324، 340). - وكذلك عنايته بالرجوع إلى المصادر الأصلية وعدم الاكتفاء بالمصادر الفرعية (انظر: 3/ 191 - 192). وغير ذلك. (2) التحرير والتحقيق من مزايا الحافظ ابن عبد الهادي أنه - رحمه الله - صاحب تحرير وتحقيق، وهذا ظاهر لمن طالع كتبه رحمه الله، وقد شهد له بهذا عدد من العلماء كما سبق في عبارات ثناء العلماء عليه، فهو ليس مجرد ناقل كما يتوهم البعض، بل هو ناقل وناقد لما ينقل، فتجده تارة ينقل ويذكر ما يؤيد ما نقله، وتارة ينقل ويعترض على ما نقله، وتارة ينقل ويسكت، وكونه لا يعترض أو يؤيد ما ينقله في بعض الأحيان لا ينفي عنه صفة التحرير والتحقيق، لاسيما أن علم الحديث - بالذات - قائم بشكل كبير على النقل. (3) وحدة المنهج من يطالع كتاب "التنقيح" لابن عبد الهادي وغيره من كتبه، يجد أنه - رحمه الله - كان يسير على منهج واحد مطرد، وهذه ميزة مهمة تدل على تمكن العالم، وأن علمه مبني على أصول متينة عنده.
(4) حسن الانتخاب والانتقاء هذه الميزة ظاهرة في جميع آثار الحافظ ابن عبد الهادي - رحمه الله -، فتجده لا يذكر إلا الشيء المهم وما يحتاج إليه، ولا يطيل بذكر ما لا فائدة فيه أو يكون مجرد تكرار. (5) الإنصاف والتجرد للحق هذه الميزة من آثار الاشتغال بعلم الحديث، فإن المشتغل بعلم الحديث في الغالب يكون متجردًا للحق، ومنصفًا للخلق عند نظره في المسائل العلمية، ونجد هذا ظاهرًا عند الحافظ ابن عبد الهادي، فلا تجد عنده - رحمه الله - تعصبًا لشيخ أو لمذهب، وأيضًا عند كلامه على الأشخاص والأقوال يتكلم بإنصاف. والأمثلة على إنصافه وتجرده للحق كثيرة، ومنها: أن ابن الجوزي (3/ 195) أورد حديثًا من طريق الدارقطني، ونقل عنه أنه حكم على إسناده بالصحة، ثم قال: هذه عصبية من الدارقطني، كان يحيى بن سعيد لا يرضى معاوية بن صالح، فتعقبه المنقح (3/ 206) بقوله: (قول المؤلف ... غير صحيح، وإنما العصبية منه، فإن معاوية بن صالح ثقة صدوق). وانظر أيضًا: (4/ 469). ومن إنصافه - رحمه الله - أنه إذا مر موضع من المواضع ويكون كلام ابن الجوزي فيه جيدًا فإن المنقح يشير إلى ذلك، ومن الأمثلة:
ذكر ابن الجوزي (3/ 192) في مسألة صوم يوم الشك سبعة أحاديث يحتج بها المخالف، فتعقبه المنقح في كلامه على خمسة منها، ووافقه على تضعيفه لحديثين منها، وقال في كلامه على الحديث السابع (3/ 208): (هو حديث موضوع لا يشك في وضعه، فلا يجوز الاحتجاج به بحال، وقد شفى المؤلف فيه، والله أعلم). وقال المنقح في موضع آخر (2/ 142): (وما ذكره المؤلف في هذه المسألة من الاستدلال والجواب حسن، وإن كان عليه فيه مناقشات في غير موضع، والله أعلم). (6) الاستقراء مما تميز به الحافظ ابن عبد الهادي عنايته بالاستقراء، وقد ظهرت ثمار كثيرة لذلك، فتجده يجمع لك كلام العالم الواحد المتفرق في مكان واحد سواء كان من كتاب واحد أو من أكثر من كتاب (انظر مثلاً: 2/ 278؛ 3/ 332 ح). وأيضًا تجده يتكلم على مناهج المؤلفين والعلماء بكلام قائم على الاستقراء، وستأتي الإشارة إلى أمثلة من كلامه في ذلك. (7) قلة الكلام وكثرة الفائدة من صفات السلف رحمهم الله ومن سار على طريقتهم قلة الكلام وكثرة الفائدة، وهذه الصفة منطبقة على الحافظ ابن عبد الهادي، فهو قليل الكلام، ولكن كلامه متين وغاية في الإفادة.
(8) إجلال العلماء والأدب معهم مما تميز به الحافظ ابن عبد الهادي إجلاله لأهل العلم، وتنزيله للناس منازلهم، ولكن ذلك لا يمنعه من بيان الحق بأدب إذا وقع أحد من العلماء في خطأ، والأمثلة على ذلك كثيرة ومنها: قال المنقح (2/ 308): (فالعجب من الإمام الحافظ الدارقطني مع كثرة حديثه ومعرفته بالحديث، قال: لا نعلم حدث به عن أبي أسامة غير أحمد بن سنان. وقد رواه عنه أبو كريب وأبو همام وبشر بن خالد العسكري وغيرهم). وانظر أيضًا: (3/ 276). وذكر المنقح سعيد بن ميسرة، فقال (2/ 636): (أخطأ ابن حبان في قوله: " روى عنه يحيى القطان " فإن الراوي عنه إنما هو يحيى بن سعيد العطار الحمصي، وهو شيخ متكلم فيه، يروي عن الضعفاء كثيرًا، ويحيى بن سعيد القطان أجل قدرًا من أن يروي عنه، وقد كذبه هو وغيره). وذكر ابن الجوزي حديثًا من رواية عمر بن إبراهيم عن قتادة، وعلق عليه بقوله: (فإن قالوا: قد قال أبو حاتم الرازي: عمر بن إبراهيم لا يحتج به. قلنا: لعله ظنه الكردي، وذاك كذاب، إنما هو عمر بن إبراهيم العبدي، قال يحيى بن معين: هو ثقة) فتعقبه المنقح (4/ 126): (عمر بن إبراهيم هو أبو حفص العبدي، وهو الذي قال فيه أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به. وأبو حاتم أجل من أن يشتبه عليه العبدي بالكردي! فإن العبدي معروف بالرواية عن
قتادة، والكردي لا يروي عن قتادة) (1). (9) الورع الورع من الصفات البارزة عند الحافظ ابن عبد الهادي، فتجده رحمه الله في بعض المواضع يتورع عن الجزم بوضع الحديث، فيقول مثلاً: والأشبه أن هذا الحديث موضوع، وأحيانًا أيضًا يقول: لعل، وأحيانًا يعلق الحكم على الحديث فيقول: إن شاء الله. وأيضًا نجده يتورع عن الجزم بعدم وجود إسناد للحديث الذي لم يقف له على إسناد - كما يفعل غيره -، بل يقول: هذا الحديث لم أقف على إسناده. وربما سمى الكتب التي رجع إليها في البحث عن الحديث ولم يجده فيها (انظر: 4/ 51، 138، 201، 345). ومن ورعه - رحمه الله - عدم الجزم بالخطأ عند وجود الاحتمال، والأمثلة على ذلك كثيرة، ومنها أنه ذكر حديثًا من رواية ابن إسحاق وابن عجلان، وعلق عليه (2/ 33) بقوله: (رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي وأبو حاتم البستي بطرق عن ابن إسحاق وابن عجلان؛ ورواه الإمام أحمد أيضًا عن يزيد بن هارون عن ابن إسحاق عن ابن عجلان؛ فيحتمل أن يكون (وابن عجلان) كما رواه النعمان بن عبد السلام عن سفيان عن محمد بن إسحاق ومحمد بن عجلان عن عاصم؛ ويحتمل أن يكون محمد بن إسحاق إنما سمعه من ابن عجلان، وكان يدلسه، والله أعلم).
وأيضًا من ورعه - رحمه الله - أنه كان كثيرًا ما ينهي الكلام على المسائل بقوله: (والله أعلم) كما في المثال السابق. وسوف نذكر فيما يلي بعض النبذ حول منهجه في أنواع من علوم الحديث، ونلحق ذلك بما وقفنا عليه من اختيارات فقهية له في كتابه هذا، ونؤكد على أن ما يأتي إنما هو مجرد نبذ حول المنهج العلمي للمنقح، وإلا فهذا الموضوع بحاجة إلى دراسة موسعة ومعمقة (1)، يسر الله القيام بذلك. * * *
منهجه في علوم الحديث الناظر في كتاب "التنقيح" يجد أن الحافظ ابن عبد الهادي قد أتقن وبرز في جميع علوم الحديث، وهذا ما سنحاول إبراز أهم ملامحه هنا، من خلال الإشارة إلى منهجه في الجرح والتعديل، ومنهجه في تمييز الرواة، ومنهجه في التحقق من اتصال الإسناد، ومنهجه في العلل، ومنهجه في مسائل متفرقة من علوم الحديث. * * * منهجه في الجرح والتعديل: علم الجرح والتعديل هو الركن الأول من أركان الحكم على الحديث بالصحة أو الضعف، فلا يمكن الحكم على الحديث إلا بعد التحقق من ثقة رواته، وهذا هو موضوع علم الجرح والتعديل. (1) الحكم على الراوي المنقح أحيانًا يذكر جملة من أقوال علماء الجرح والتعديل في الرجل، وأحيانًا يذكر خلاصة أقوالهم، فيحكي إجماعهم في الحكم على الراوي بالتوثيق أو بالتضعيف، وأحيانًا يذكر الحكم الذي يختاره هو، فيقول: فلان ثقة، أو: فلان ضعيف، ونحو ذلك. ونجد المنقح يدقق في ثبوت بعض الأقوال عن الأئمة، ومن الأمثلة على ذلك:
قال المنقح (3/ 396): (وقد روي عن ابن معين أنه قال: عباد بن صهيب أثبت من أبي عاصم النبيل! وما أظن ذلك يثبت عنه، والله أعلم). وانظر أيضًا: (1/ 59). كما نجد المنقح في بعض المواضع يبين معاني بعض ألفاظ الجرح والتعديل الصادرة من علماء الفن، ومن أمثلة ذلك: قال المنقح في ترجمة أبي زيد - الراوي عن ابن مسعود حديث النبيذ - (1/ 60): (وأما أبو زيد: فقد قال فيه أبو بكر عبد الله بن أبي داود: كان نباذًا بالكوفة. وهذا يحتمل أن يكون تحسينًا لأمر أبي زيد، فيكون قد ضبط الحديث لكونه نباذًا، ويحتمل أن يكون تضعيفًا له). وكان رحمه الله يحقق في تمييز الراوي الذي تكلم فيه الناقد، ومن أمثلة ذلك: أنه ترجم لداود بن عبد الله الأودي (1/ 41 - 42) وذكر أن عباس الدوري روى عن ابن معين أنه قال عنه: ليس بشيء، ثم عقب المنقح على ذلك بقوله: (كذا ذكر غير واحد من المصنفين رواية عباس عن يحيى في ترجمة داود هذا، والظاهر أن كلام يحيى إنما هو في داود بن يزيد الأودي - عم عبد الله بن إدريس - فإنه المشهور بالضعف). (2) اختلاف علماء الجرح والتعديل في حالة وجود اختلاف في الحكم على الراوي نجد المنقح يشير إلى ذلك الاختلاف.
وكذلك عند وجود اختلاف في الروايات عن أحد الأئمة فإنه يشير إلى ذلك أيضًا، ومن الأمثلة على ذلك: قال المنقح (2/ 30 - 31) - تحت ترجمة أسامة بن زيد الليثي -: (واختلفت الرواية فيه عن يحيى بن معين، فقال مرة: ثقة صالح. وقال مرة: ليس به بأس. وقال مرة: ثقة حجة. وقال مرة: ترك حديثه بأخرة) (1). وانظر أيضًا: (2/ 74). ومن الأمثلة التي يظهر فيها تحرير وتحقيق المنقح كلامه في ترجمة عبد الملك ابن أبي سليمان، قال رحمه الله (4/ 174 - 176): (هو ثقة مأمون عند أهل الحديث، لا نعلم أحدًا تكلم فيه غير شعبة، من أجل هذا الحديث - أي حديث الشفعة - .... وطعن شعبة في عبد الملك بسبب هذا الحديث لا يقدح في عبد الملك، فإن عبد الملك ثقة مأمون، وشعبة لم يكن من الحذاق في الفقه، ليجمع بين الأحاديث إذا ظهر تعارضها، وإنما كان إمامًا في الحفظ، وطعن من طعن عليه سواه إنما هو اتباع لشعبة، وقد احتج مسلم في "صحيحه" بحديث عبد الملك، وخرج له أحاديث، واستشهد به البخاري، وكان سفيان يقول: حدثني الميزان عبد الملك بن أبي سليمان، وقد وثقه الإمام أحمد ويحيى بن معين والعجلي وابن عمار والنسائي وغيرهم ... الخ). (3) قواعد الجرح والتعديل هناك جملة من القواعد المتعلقة بالجرح والتعديل تستفاد من كلام المنقح
وتطبيقاته عند مناقشته لاختلاف الأئمة في الحكم على الراوي، ومن ذلك: 1 - الجرح إنما يحتاج إلى بيان سببه إذا عارضه تعديل (انظر: 2/ 256، 3/ 511). 2 - اختصاص بلدي الراوي بأهل بلده (انظر: 2/ 202 - 203). 3 - التفصيل في حال الراوي (انظر: 3/ 10، 18؛ 5/ 41). 4 - تقديم قول الأعلم بالجرح والتعديل عند الاختلاف (انظر: 3/ 104، 122). 5 - الأخذ بقول الأكثر عند الاختلاف (انظر: 3/ 142 - 143). 6 - تفرد الراوي عن مثل الزهري بإسنادين نظيفين مما يضعف الراوي (انظر: 3/ 511). ومما ينبغي التنبيه عليه هنا أن إعمال قواعد الجرح والتعديل في الترجيح بين أقوال العلماء المختلفين في الحكم على الراوي ليس على درجة واحدة، بل بعض هذه القواعد أقوى من بعضها الآخر، وبعضها يستأنس به ولا يكتفى بها في الحكم على الراوي، والله أعلم. (4) الأحكام الضمنية على الرجال أحكام العلماء على الرواة تنقسم إلى قسمين: أحكام صريحة، وأحكام ضمنية، والمقصود بالأحكام الضمنية الأحكام التي تكون غير صريحة ولكنها مضمنة في حكم آخر، فمثلاً عندما يصحح البخاري حديثًا، فهذا يتضمن: ثقة رواة الإسناد، وسماع بعضهم من بعض.
والأحكام الضمنية من المصادر المهمة في علم الحديث، وإن كانت بلا شك تأتي في المرتبة الثانية بعد الأحكام الصريحة، وقد أولاها المنقح عناية كبيرة، وتظهر هذه العناية في الصور التالية: 1 - ذكر رواية من وصف بأنه لا يروي إلا عن ثقة عن الراوي (انظر مثلاً: 1/ 162، 378؛ 3/ 284؛ 4/ 320). 2 - رواية أحد الأئمة الذين ينتقون الرجال من طريق الراوي، ومن أمثلة ذلك: ذكر المنقح أبو الغريف عبيد الله بن خليفة، وقال عنه (1/ 337): (قال ابن أبي حاتم: كان على شرطة علي بن أبي طالب، ليس بالمشهور، قلت: هو أحب إليك أو الحارث الأعور؟ قال: الحارث أشهر، وهذا قد تكلموا فيه، وهو شيخ، من نظراء أصبغ بن نباتة. وقد ذكر البخاري أبا الغريف فلم يذكر فيه شيئًا، ورواية النسائي من طريقه مما يقوي أمره، ولم يبين أبو حاتم من تكلم فيه، ولا بين الجرح ما هو؟). وانظر أيضًا: (3/ 337). ويندرج تحت هذا رواية صاحبي الصحيحين للراوي، وهو ما سنتحدث عنه في الفقرة التالية. 3 - تصحيح أو تحسين أحد العلماء لحديث راو من الرواة، ومن أمثلة ذلك: قال المنقح (4/ 114) في كلامه عن عطية العوفي: (والترمذي يحسن حديثه)، وذكر أيضًا في موضع آخر (4/ 262) أن الترمذي يحسن حديث عمر
ابن راشد اليمامي. (5) تخريج صاحبي الصحيحين للراوي مما اعتنى به المنقح في كلامه على الرجال بيان هل لهم رواية في "الصحيحين" أم لا؟ لما يتضمنه ذلك من تقوية لهذا الراوي، وقد نبه المنقح على بعض التنبيهات الهامة حول هذه المسألة، وهي: 1 - الانتقاء، قال رحمه الله (3/ 277): (وأصحاب الصحيح إذا رووا لمن قد تكلم فيه فإنهم ينتقون من حديثه ما لم ينفرد به، بل وافق فيه الثقات، قامت شواهد صدقة). 2 - التفريق بين الرواية في الأصول، والرواية في المتابعات، فنجده رحمه الله لا يكتفي بذكر أن البخاري أو مسلم خرج للراوي، بل يبين الكيفية التي روى له بها (انظر: 3/ 35، 77 - 78، 106، 341، 349). ونجده في بعض الأحيان (3/ 316) يقول: لا أدري هل روى له متابعة أم أصلاً؟). 3 - مقدار الأحاديث التي رويت له، فنجد المنقح يعتني ببيان عدد الأحاديث التي رويت لذلك الراوي، ومن أمثلة ذلك: قال المنقح (2/ 146) عن أبي يوسف بن أبي الزينب: (روى له مسلم في "صحيحه" حديثًا واحدًا).
(6) مناهج علماء الجرح والتعديل من الأمور التي ظهرت عناية الحافظ ابن عبد الهادي بها: مناهج علماء الجرح والتعديل، ومن الأمثلة على ذلك: 1 - يحيى بن سعيد القطان: قال المنقح (3/ 207): (يحيى شرطه شديد في الرجال). 2 - أبو حاتم الرازي: قال المنقح (3/ 207): (... وأما قول أبي حاتم: " لا يحتج به فغير قادح فيه أيضًا، فإنه لم يذكر السبب، وقد تكررت هذه اللفظة منه في رجال كثيرين من أصحاب الصحيح من الثقات الأثبات من غير بيان السبب، كخالد الحذاء وغيره). 3 - الدارقطني: قال المنقح (2/ 256): (الدارقطني قَلَّ أن يضعف رجلاً ويكون فيه طبٌّ!). 4 - الحاكم: قال المنقح (4/ 287): (الحاكم قد عرف تساهله). (7) الاعتدال في الجرح والتعديل من خلال النظر في الأحكام التي يختارها نجد أن الحافظ ابن عبد الهادي من المعتدلين في أحكامه على الرواة، ونجده كثيرًا ما يتعقب المتشددين والمتساهلين، ومن الأمثلة التي ظهر فيها اعتداله ما يلي: ورد ذكر معاوية بن صالح في إسناد حديث، فقال ابن الجوزي: (كان يحيى بن سعيد لا يرضى معاوية بن صالح، وقال أبو حاتم الرازي: لا يحتج به)
فتعقبه المنقح (3/ 206) بقوله: (قول المؤلف ... غير صحيح ... فإن معاوية ابن صالح ثقة صدوق، وثقه عبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل وأبو زرعة وغيرهم، وروى له مسلم في "صحيحه" محتجًا به، وما روى شيئًا خالف فيه الثقات، وكون يحيى بن سعيد لا يرضاه غير قادح فيه، فإن يحيى شرطه شديد في الرجال، ولذلك قال: لو لم أرو إلا عن من أرضى ما رويت إلا عن خمسة! وأما قول أبي حاتم: لا يحتج به فغير قادح فيه أيضًا، فإنه لم يذكر السبب، وقد تكررت هذه اللفظة منه في رجال كثيرين من أصحاب الصحيح من الثقات الأثبات من غير بيان السبب، كخالد الحذاء وغيره، وقد قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت أبي عن معاوية بن صالح فقال: صالح الحديث، حسن الحديث). (8) أخطاء الثقات من القضايا المهمة في علم الجرح والتعديل وفي علم العلل، أنه ليس من شرط الثقة أن لا يخطئ، فالثقة قد يخطئ، ولما غفل كثير من المتأخرين والمعاصرين عن هذا الأمر، أخذوا يصححون كل حديث رواه ذلك الثقة حتى وإن قامت الأدلة والقرائن على خطئه، وقد كان الحافظ ابن عبد الهادي - رحمه الله - ممن يراعي هذه القضية، ومن الأمثلة على ذلك: - ذكر المنقح (2/ 289) حديثًا من رواية زهير بن محمد، وقال في الكلام عليه: (زهير بن محمد من رجال "الصحيحين" لكن له مناكير، وهذا الحديث منها، قال أبو حاتم الرازي: هو حديث منكر). - وذكر المنقح (4/ 453) أيضًا حديثًا من رواية الهيثم بن جميل، وقال في الكلام عليه: (الهيثم بن جميل وثقه الإمام أحمد والعجلي وابن حبان وغير واحد، وكان من الحفاظ إلا أنه واهم في رفع هذا الحديث، فإن الصحيح وقفه على ابن
عباس، رواه سعيد بن منصور عن سفيان موقوفًا). وانظر أيضًا: (2/ 114؛ 3/ 381). وستأتي أمثلة أخرى على ذلك أثناء الكلام عن منهجه في العلل، فهذه المسألة ألصق بعلم العلل منها بعلم الجرح والتعديل، وإنما أردنا التنبيه عليها هنا في باب الجرح والتعديل. * * * منهجه في تمييز الرواة: من الأمور المهمة عند النظر في الأسانيد تمييز رواة الإسناد، وعدم العناية بذلك توقع في كثير من الأخطاء والأوهام، وقد كانت أكثر أوهام الحافظ ابن الجوزي في "التحقيق" من هذه الجهة، وقد ظهرت دقة المنقح في هذا الباب بشكل عجيب، وهذا ما سنشير إلى ملامح حوله في الفقرات التالية. (1) النظر إلى شيخ وتلميذ الراوي من الطرق المهمة لتمييز الراوي المذكور في الإسناد: تمييزه من خلال النظر إلى تلميذه وشيخه، ومن أمثلة ذلك عند المنقح: - ذكر ابن الجوزي (1/ 135) حديثًا من طريق شريك عن محمد بن عبد الرحمن عن عطاء، فمن محمد بن عبد الرحمن هذا؟ قال المنقح: (محمد بن عبد الرحمن: هو ابن أبي ليلى، وهو صدوق، وقد تكلم في حفظه، وفي طبقته: محمد بن عبد الرحمن بن عبيد مولى آل طلحة، وهو ثقة، روى له مسلم، وروى
عنه شريك، لكن لا يعرف أنه روى عن عطاء). - وأيضًا ذكر المنقح (2/ 617) حديثًا من رواية أبي معاوية عن أبي بردة عن علقمة بن مرثد، وقال في الكلام عليه: (أبو بردة هو عمرو بن يزيد، وهو ضعيف، تكلم فيه ابن معين وأبو حاتم وأبو داود وغيرهم، وذكر الحاكم أن هذا الحديث على شرط الشيخين، وهو واهم في ذلك، وكأنه ظن أن أبا بردة هو بريد بن عبد الله بن أبي بردة، أحد الثقات المشهورين، المخرج لهم في "الصحيحين"، وليس به، وإن كان أبو معاوية يروي عن بريد، فإن بريدًا لا تعرف له رواية عن علقمة بن مرثد، والله أعلم). وانظر أيضًا: (3/ 334، 418). (2) النظر إلى طبقة الراوي ومن الطرق المهمة أيضًا: النظر في طبقة الراوي، ومن أمثله ذلك: نقل المنقح (3/ 359 - 360) عن النسائي الإسناد التالي: أخبرنا محمد بن عبد الكريم بن محمد بن عبد الرحمن بن حويطب بن عبد العزى الحراني قال: حدثني عثمان - وهو ابن عمرو الحراني - ثنا عمر - يعني: ابن ثابت - عن محمد بن المنكدر عن أبي أيوب، وعلق عليه في الحاشية بقوله: (هذا إسناد غريب، ويبعد أن يكون بين عمر بن ثابت - الراوي عن أبي أيوب - وبين النسائي رجلان، فإما أن يكون راوي هذا الحديث عمر بن ثابت آخر، أو يكون تعينه بـ " ابن ثابت " غلطًا، والله أعلم). وانظر أيضًا: (4/ 204، 646).
(3) تعين الراوي على وجه الاحتمال أحيانًا قد لا يتمكن الناظر في إسناد الحديث من تعيين الراوي الذي في الإسناد على وجه الجزم، فالموقف السديد من ذلك هو تعيين الراوي على جهة الاحتمال، وهذا ما كان يسلكه المنقح، ومن الأمثلة على ذلك: ذكر المنقح (2/ 316) حديثًا من طريق المحاملي عن محمد بن موسى البصري، وقال في الكلام عليه: (يحتمل أن يكون شيخ المحاملي: محمد بن يونس بن موسى الكديمي، وهو ضعيف). وانظر أيضًا: (3/ 66). (4) استقصاء جميع الاحتمالات في حالة وجود أكثر من احتمال في الراوي الوارد في الإسناد، فعلى من يتكلم في الحكم على ذلك الإسناد أن يذكر جميع الاحتمالات ولا يقتصر على بعضها، ومن أمثلة تطبيق المنقح لذلك: ذكر المنقح (3/ 287) حديثًا من طريق محمد بن عمران عن أحمد بن موسى عن هارون بن مسلم، وقال في التعليق عليه: (أحمد بن موسى: يحتمل أن يكون الشطوي، وهو أبو جعفر البزار، نزيل سامراء، روى عن محمد بن سابق وزكريا بن عدي، قال ابن أبي حاتم: كتبت عنه مع أبي، وهو صدوق. ويحتمل أن يكون أحمد بن موسى صاحب اللؤلؤ، وهو ابن أبي مريم، أبو عبد الله البصري، روى عن ابن عون وعاصم الجحدري وأبيه موسى، روى
عنه محمد بن المثنى ونصر بن علي وغيرهما. ويحتمل أن يكون غيرهما). فلم يقتصر بذكر أحد الاحتمالين، بل ذكرهما، ولم يكتف بذلك، بل قال: (ويحتمل أن يكون غيرهما) وهذا منتهى الدقة والتحري في مثل هذا، فرحمه الله تعالى. وانظر أيضًا: (4/ 55). (5) نسبة الراوي إلى جده من أسباب الخطأ في تعيين الراوي الذي في الإسناد: نسبة الراوي إلى جده، وهذا كثير في رجال الحديث، فعلى المشتغل بالتخريج التنبه لذلك، ومن أمثلة عناية المنقح بهذا: - قوله (3/ 78): (محمد بن عمرو بن عطاء ليس بمجهول، لكنه لما نسب إلى جده ظن الدارقطني أنه مجهول، وليس كذلك). * * * منهجه في التحقق من اتصال الإسناد: التحقق من اتصال الإسناد هو الركن الثاني الذي يقوم عليه الحكم على الحديث، ولذا نجد أئمة الحديث اعتنوا كثيرًا بمسألة سماع الرواة بعضهم من بعض، بل قد ألف بعضهم كتبًا مفردة في هذا الباب، ككتاب " المراسيل " لابن
أبي حاتم وغيره. وقد اعتنى المنقح بهذا الركن عناية كبيرة، وهذا ما سنبينه في الفقرات التالية: (1) مرسل التابعي قال المنقح في " شرح قصيدة غرامي صحيح " (34): (والمرسل ما رواه التابعي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفي الاحتجاج به خلاف مشهور، والصحيح فيه التفصيل). وقد شرح ذلك بالتفصيل في كتابه " الصارم المنكي " (141 - 147). ونجد المنقح في "التنقيح" ينص على الاحتجاج ببعض المراسيل، ومن ذلك: - ذكر المنقح حديثًا من رواية سعيد بن المسيب عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعلق عليه بقوله (3/ 128): (إسناده صحيح كالشمس، لكنه مرسل، ومرسل سعيد حجة). (تنبيه) مما يحسن التنبيه عليه هنا أن المنقح يستخدم. مصطلحات الأئمة المتقدمين بمعانيها الواسعة، ومن ذلك مصطلح المرسل، فهو يطلقه على مطلق الانقطاع (انظر مثلاً: 2/ 558). (2) إبهام الصحابي كان الحافظ البيهقي يذهب إلى أن الإسناد الذي يبهم فيه التابعيُّ الصحابيَّ
بمعنى المرسل، وهذا مخالف لما عليه أئمة الحديث كالإمام أحمد وغيره، وقد نبه المنقح على خطأ البيهقي فيما ذهب إليه، وأن إبهام الصحابي لا يضر، ومن الأمثلة على كلامه في ذلك ما يلي: - ذكر المنقح (1/ 40) حديثًا من رواية حميد الحميري عن رجل من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم نقل عن البيهقي أنه قال: رواته ثقات، إلا أن حميدًا لم يسم الصحابي الذي حدثه، فهو بمعنى المرسل، ثم تعقبه بقوله: (هذا الحديث ليس بمرسل، وجهالة الصحابي لا تضر). - وذكر المنقح (3/ 244) حديثًا من رواية مالك عن سمي عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن بعض أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال في التعليق عليه: (رواته أئمة، وجهالة الصحابي لا تضر). وانظر: (3/ 206). (3) إدراك الراوي لشيخه من أظهر ما يبين الانقطاع في الأسانيد عدم إدراك الراوي لمن يروي عنه، والأمثلة على هذا عند المنقح كثيرة، ومنها: - ذكر المنقح (4/ 106) حديثًا من رواية خالد بن معدان عن معاذ بن جبل، ثم قال في التعليق عليه: (إسناده صالح، لكنه منقطع، فإن خالدًا لم يدرك معاذًا). وفي المقابل نجد المنقح ينص في بعض المواضع على إدراك الراوي لشيخه، ومن الأمثلة على ذلك:
- ذكر المنقح (3/ 179) حديثًا من رواية سالم عن حفصة، وعلق في الحاشية: (سالم أدرك حفصة). (4) القرائن التي تفيد عدم السماع من الأمور المهمة في الاتصال والانقطاع العناية بالقرائن التي تفيد عدم سماع الراوي من شيخه، وهذه بعض نصوص المنقح في ذكر بعض القرائن التي يعمل بها في هذا الباب: - ذكر المنقح (4/ 202) حديثًا من طريق مجاهد عن رافع بن خديج، وعلق عليه بقوله: (مجاهد لم يسمع من رافع هذا، بل بينهما واسطة، كما جاء ذلك من غير وجه، والله أعلم هل سمع منه شيئًا أم لا؟). - ومن الأمثلة أيضًا: ذكر المنقح (4/ 139 - 140) حديثًا عند الإمام أحمد أنه قال: ثنا يزيد بن هارون عن محمد بن عمرو عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال: أتي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بجنازة ليصلي عليها، فقال: " أعليه دين؟ ". قالوا: نعم، ديناران. قال: " أترك لهما وفاء؟ ". قالوا: لا. قال: " صلوا على صاحبكم " الحديث، وقال في الكلام عليه: (وقد روي عن عمرو بن الحارث عن بكير عن عبد الله بن أبي قتادة أن رجلاً سأله عن الحديث الذي ذكر في الرجل الذي كان عليه ديناران، فدعي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأبى أن يصلي، هل سمعت أباك يذكر ذلك؟ قال: لا، ولكن حدثنيه من أهلي من لا أتهم. فلعل هذا هو السبب في كون هذا الحديث لم يخرج في " الصحيح "، مع أن الترمذي قد صححه، والله أعلم).
- وأيضًا ذكر المنقح (3/ 54) حديثًا من طريق موسى بن طلحة عن معاذ ابن جبل، وعلق عليه بقوله: (زعم الحاكم أن موسى بن طلحة تابعي كبير، لا ينكر أن يدرك أيام معاذ، وفي قوله نظر، وقد ذكر أبو زرعة أن رواية موسى عن عمر مرسلة، ومعاذ توفي في خلافة عمر، فرواية موسى عنه أولى بالإرسال، والله أعلم). وانظر: (1/ 376؛ 3/ 428). (5) تتبع أحاديث الراوي عن شيخه المنقح - رحمه الله - لا يقتصر في كلامه عن اتصال الأسانيد وانقطاعها على أقوال علماء الرجال، بل يعتني كثيرًا بتتبع روايات ذلك الراوي عن شيخه، ومن الأمثلة على ذلك ما يلي: - ذكر المنقح (3/ 124) حديثًا من رواية الحسن عن ابن عباس، وعلق عليه بقوله: (رواته ثقات مشهورون، لكن فيه إرسال، فإن الحسن لم يسمع ابن عباس فيما قيل، وقد جاء في " مسند أبي يعلى الموصلي " في حديث أنه قال: " أخبرني ابن عباس " وهو - إن ثبت - يدل على سماعه منه). - وذكر المنقح (3/ 388) حديثًا من رواية أيوب عن ابن سيرين عن ابن عباس، وقال في التعليق عليه: (قال الإمام أحمد بن حنبل وعلي بن المديني ويحيى بن معين وغيرهم: لم يسمع ابن سيرين من ابن عباس. وقد روى البخاري في "صحيحه" حديثًا من رواية أيوب عن ابن سيرين عن ابن عباس، فالله أعلم).
(6) التحقيق في صيغ الرواية كان المنقح - رحمه الله - يدقق في الصيغ التي يروى بها الحديث، ومن الأمثلة على ذلك ما يلي: - ذكر المنقح (1/ 152) حديثًا من رواية عراك عن عائشة في الترخيص في استقبال القبلة عند قضاء الحاجة، وقال في التعليق عليه: (قال أحمد: أحسن ما روي في الرخصة حديث عراك - وإن كان مرسلاً - فإن مخرجه حسن. سماه مرسلاً لأن عراكا لم يسمع من عائشة، وقد روى أحمد والدارقطني في بعض طرق هذا الحديث أن عراكًا قال: حدثتني عائشة، وهو يدل على سماعه منها، قال بعضهم: ويقوي ذلك أن مسلمًا أخرج في "صحيحه": ... حدثنا عراك عن عائشة، والمراسيل والمنقطعات ليست من شرط الصحيح. وقد سأل عبد الرحمن بن أبي حاتم أباه عن هذا الحديث، فقال: لم أزل أقفو أثر هذا الحديث حتى كتبت بمصر: عن إسحاق بن بكر بن مضر - أو غيره - عن بكر بن مضر عن جعفر بن ربيعة عن عراك بن مالك عن عروة عن عائشة موقوف، وهذا أشبه). - وذكر المنقح (3/ 397) أيضًا حديثًا من رواية قتادة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، وقال في التعليق عليه: (وكذلك رواه عمرو بن الحارث المصري عن قتادة، وقال في روايته: " عن قتادة أن سعيد بن جبير حدثه " وذلك معدود في أوهامه، فإن قتادة لم يلق سعيد بن جبير فيما قاله يحيى بن معين، والله أعلم). - وذكر المنقح (4/ 54) أيضًا حديثًا من رواية يوسف بن ماهك عن
عبد الله بن عصمة عن حكيم بن حزام، وقال في الكلام عليه: (قال أبو محمد بن حزم: عبد الله بن عصمة مجهول. وصحح الحديث من رواية يوسف نفسه عن حكيم، لأنه قد جاء التصريح بسماعه منه في هذا الحديث في بعض الروايات، والصحيح أن بين يوسف وحكيم في هذا الحديث: عبد الله بن عصمة). (7) موقفه من رواية المدلس عند ورود رواية لأحد الموصفين بالتدليس فإن المنقح رحمه الله يحرص على ذكر ما يدل على سماع هذا الراوي لهذا الحديث من شيخه، ومن الأمثلة على ذلك: - ذكر المنقح (4/ 56) حديثًا من رواية ابن إسحاق قال: حدثني أبو الزناد عن عبيد بن حنين عن عبد الله بن عمر، وقال في كلامه عليه: (إسناده جيد، وقد صرح فيه ابن إسحاق بالتحديث، والله أعلم). - وذكر المنقح (4/ 100) أيضًا حديثًا من رواية بقية قال: ثنا خالد بن حميد عن العلاء بن كثير، وقال في التعليق عليه: (قد زال ما يخشى من تدليس بقية بتصريحه بالتحديث). وفي مواضع أخرى نجده يتوقف في سماع الراوي الموصوف بالتدليس من شيخه الذي روى عنه، ومن الأمثلة على ذلك: - قال المنقح (4/ 492): (وقد روى الإمام أحمد هذا الحديث عن يعقوب عن أبيه عن ابن إسحاق قال: وذكر عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قضى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في رجل طعن رجلاً بقرن في رجله ... الحديث. وليس فيه ذكر سماع ابن إسحاق من عمرو، فالظاهر أنه لم يسمعه منه، والله
أعلم). ونجد المنقح أحيانًا يفصل في رواية بعض المدلسين، ومن ذلك: - ذكر ابن الجوزي (1/ 340) حديثًا من رواية الوليد بن مسلم قال: أخبرني ثور بن يزيد عن رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة عن المغيرة بن شعبة، ثم قال: كان الوليد يروي عن الأوزاعي أحاديث هي عند الأوزاعي عن شيوخ ضعفاء، عن شيوخ قد أدركهم الأوزاعي - مثل: نافع والزهري -، فيسقط أسماء الرواة الضعفاء، ويجعلها عن الأوزاعي عنهم ا. هـ، وتعقبه المنقح بقوله: (الوليد بن مسلم إمامٌ صدوق مشهور، لكنه يدلس عن الضعفاء، فإذا قال: " ثنا الأوزاعي - أو غيره - أو أنا " فهو حجة، وليس علة الحديث ما ذكره المؤلف، ولم يرو الوليد هذا الحديث عن الأوزاعي، ولكن علة الحديث ما ذكره الترمذي من رواية ابن المبارك عن ثور عن رجاء قال: حدثت عن كاتب المغيرة - مرسل - عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لم يذكر فيه المغيرة). - وقال المنقح (4/ 658): (رواية بقية عن بحير حسنة أو صحيحة، سواء صرح بالتحديث أو لم يصرح). * * * منهجه في العلل: الركن الثالث من الأركان التي يقوم عليها الحكم على الحديث: علم العلل، وهو من أدق علوم الحديث، وقد أولاه الحافظ ابن عبد الهادي عناية كبيرة ميزته عن كثير من علماء الحديث المتأخرين.
(1) طريقة المنقح في التعليل لقد كان الحافظ ابن عبد الهادي يسير في نقده للأحاديث على طريقة أئمة العلل النقاد، بل حتى نَفَسهُ في الكلام على علل الحديث يشبه نَفَس الأئمة. والأمثلة على دقة المنقح في تعليل الأحاديث كثيرة، ومنها: - قال رحمه الله (2/ 447): (قال الحسن بن سفيان في "مسنده": ثنا جعفر بن مهران السباك ثنا عبد الوارث بن سعيد ثنا عوف عن الحسن عن أنس قال: صليت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم يزل يقنت في صلاة الغداة حتى فارقته، وخلف عمر فلم يزل يقنت في صلاة حتى فارقت. ورواه أبو سعيد النقاش عن بشر بن أحمد بن منصور بن العباس ومحمد ابن أحمد العمري ومحمد بن أحمد بن القاسم الدهستاني قالوا: ثنا الحسن بهذا. قال الحافظ أبو موسى: وجعفر بن مهران من جملة الثقات، فلم يبق في هذا الإسناد إشكال يطعن به عليه. وقال أبو خليفة: ثنا أبو معمر ثنا عبد الوارث عن عمرو عن الحسن عن أنس قال: صليت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يزل يقنت بعد الركوع حتى فارقته، وصليت مع أبي بكر وعمر فلم يزالا يقنتان بعد الركوع في صلاة الغداة حتى فارقتهما. وكذا رواه أبو عمر الحوضي عن عبد الوارث فقال: عن عمرو، وهو ابن عبيد رأس الاعتزال. وهذا هو المحفوظ عن عبد الوارث، وهو علة لحديث السباك، ولعله
عند عبد الوارث عن هذا وعن هذا لكنه بعيد، ولو كان عند أبي معمر عن عبد الوارث عن عوف ما تأخر البخاري عن إخراجه، والسباك ثقة، لكن الثقة يغلط). - ومن الأمثلة أيضًا: ذكر المنقح (3/ 234) حديث جابر عن عمر قال: هششت يومًا فقبلت وأنا صائم، فأتيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: صنعت اليوم أمرًا عظيمًا! قبلت وأنا صائم! فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أرأيت لو تمضمضت وأنت صائم؟ " ... الحديث، ثم ذكر تضعيف الإمام أحمد والنسائي له، ثم قال (3/ 236): (وإنما ضعف الإمام أحمد هذا الحديث وأنكره النسائي مع أن رواته صادقون، لأن الثابت عن عمر خلافه، فروى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن ابن المسيب أن عمر بن الخطاب كان ينهى عن القبلة للصائم، فقيل له: إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقبل وهو صائم. فقال: من ذا له من الحفظ والعصمة ما لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟!). - وأيضًا: ذكر المنقح (4/ 229) حديثًا من طريق ابن المبارك عن حماد ابن سلمة عن قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا كانت الهبة لذي رحم محرم لم يرجع فيها "، وعلق عليه بقوله: (واعلم أن حديث سمرة هذا رواته كلهم ثقات .... لكن الحديث منكر جدًا، وهو أنكر ما روي عن الحسن عن سمرة، والله أعلم). - وأيضًا: ذكر المنقح (4/ 521) حديثًا من طريق عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي عن الزهري عن علي بن حسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جعل دية المعاهد كدية المسلم، وقال في الكلام عليه (4/ 523): (وأما حديث الوقاصي عن الزهري فباطل، والمعروف بإسناده: " لا يرث المسلم الكافر ").
وانظر أيضًا أمثلة أخرى على دقته في التعليل في المواضع التالية: (1/ 101، 173، 317؛ 3/ 94، 381؛ 4/ 80، 224، 428 - 430، 456؛ 5/ 58، 94). (2) زيادة الثقة مسألة حكم زيادة الثقة من المسائل المهمة التي يقوم عليها علم العلل، وللحافظ ابن عبد الهادي كلام محرر فيها، ذكره في كتابه "الرد على الخطيب في مسألة الجهر بالبسملة" - كما في "نصب الراية" للزيلعي (1/ 336 - 337) - وكان مما قال هناك: (من الناس من يقبل زيادة الثقة مطلقًا، ومنهم من لا يقبلها، والصحيح التفصيل ... الخ). ومن أمثلة تطبيقه للتفصيل الذي أشار إليه، ما يلي: - ذكر ابن الجوزي (3/ 130) حديثًا من رواية ابن عيينة عن ابن عجلان عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد في صدقة الفطر صاع من دقيق، وعلق عليه المنقح بقوله: (هذا حديث حسن، لكن ذكر الدقيق قد أنكر على سفيان). - وذكر المنقح في موضع أخر (3/ 423) الإسناد الذي رويت به زيادة: " وتعتمر " في حديث جبريل، وهي من طريق يونس بن محمد عن معتمر بن سليمان عن أبيه عن يحيى بن يعمر عن ابن عمر عن عمر، ثم قال: (هذا الحديث رواه مسلم في " الصحيح " عن حجاج بن الشاعر عن يونس بن محمد إلا أنه لم يسق متنه، وهذه الزيادة فيها شذوذ، والله أعلم). - وذكر ابن الجوزي (4/ 322 - 323) حديثًا من رواية محمد بن عبد الباقي بن سليمان عن أحمد بن أحمد عن أبي نعيم عن محمد بن علي عن الحسين بن
محمد عن أحمد بن سنان عن يزيد بن هارون عن حماد عن ثابت عن أنس أن أبا طلحة خطب أم سليم ... وفيه أنها قالت: يا أنس، زوج أبا طلحة، فعلق عليه المنقح بقوله: (اعلم أن هذا الحديث - وإن كان إسناده صحيحًا - إلا أن قوله: " قالت: يا أنس، زوج أبا طلحة " شاذ منكر، وقد روى النسائي وغيره هذا الحديث من رواية جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس، وليس فيه أن أنسًا كان وليًا، وهو الصحيح). - وذكر ابن الجوزي (4/ 80) حديثًا عند الإمام أحمد من رواية الأوزاعي عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن ميمونة أنها استفت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في فأرة سقطت في سمن لهم جامد ... الحديث وقال: انفرد بإخراجه البخاري، وعلق عليه المنقح بقوله: (هذا الحديث لم يخرجه البخاري من حديث الأوزاعي، إنما رواه من حديث سفيان وغيره عن الزهري، وليس عنده: " جامد " ... ولم يخرجه أحد من أصحاب " السنن " أيضًا من حديث الأوزاعي، وقد روى هذه اللفظة - وهي قوله: " جامد " - النسائي من رواية ابن مهدي عن مالك عن الزهري، والبيهقي من رواية حجاج بن منهال عن سفيان، والظاهر أنها خطأ، فإن أكثر أصحاب مالك وسفيان لم يذكروا هذه اللفظة ... الخ). (3) الاختلاف في الوصل والإرسال والوقف والرفع ومما يتصل بمسألة زيادة الثقة: الاختلاف في الوصل والإرسال والوقف والرفع، وقد صرح المنقح رحمه الله باختياره في هذه المسألة في موضعين من "التنقيح"، وإليك نص كلامه: قال المنقح (1/ 188): (إذا روى بعض الثقات حديثًا فأرسله، ورواه بعضهم فأسنده، فقد اختلف أهل الحديث في ذلك:
فحكى الخطيب أن أكثر أصحاب الحديث يرون: أن الحكم في هذا للمُرْسِل. وعن بعضهم: أن الحكم للأكثر. وعن بعضهم: أن الحكم للأحفظ. وصحح الخطيب أن الحكم لمن أسنده إذا كان عدلا ضابطًا، وسواء كان المخالف له واحدًا أو جماعة. والصحيح أن ذلك يختلف: فتارة يكون الحكم للمُرْسِل، وتارة يكون للمُسنِد، وتارة للأحفظ). وقال في موضع آخر (1/ 207): (وهذه الطريقة التي سلكها المؤلف - يريد ابن الجوزي - ومن تبعه " في أن الأخذ بالمرفوع في كل موضع " طريقة ضعيفة، لم يسلكها أحد من المحققين وأئمة العلل). وقد سار على هذه الطريقة في تطبيقاته العملية كما يظهر بمراجعة الأمثلة التي ذكرناها تحت الكلام عن طريقته في التعليل. (4) الغرابة والتفرد مصطلح " الغريب " من المصطلحات الشائعة عند علماء الحديث المتقدمين، ولكنه أصبح من المصطلحات الغريبة عند المتأخرين فضلاً عن المعاصرين. ولا شك أن الغرابة لها أثر كبير في الحكم على الحديث، ونصوص علماء الحديث في ذلك كثيرة.
وكان من منهج النقاد النظر في الإسناد هل هو معروف ومشهور، أم أنه غريب؟! وقد شرح الإمام الترمذي رحمه الله هذه القضية بكلام نفيس في كتاب " العلل الصغير "، وأشار إليها الإمام أبو داود في " رسالته لأهل مكة ". ولكن غاب هذا عند المتأخرين إلا قلة ممن سلك نهج الأئمة المتقدمين، ومن هؤلاء القلة الحافظ ابن عبد الهادي رحمه الله، فكانت قضية الغرابة من الأمور التي يلاحظها في الإسناد قبل الحكم عليه. وقد ظهر ذلك من خلال ثلاثة أمور: 1) النظر في المصدر الذي خرج الحديث، فمعلوم أن جل الأحاديث المشهورة قد جمعها أصحاب الكتب الستة، ولا يكاد يفوتهم منها إلا النزر اليسير - وبالذات أحاديث الأحكام -، وهذا اليسير لا يخرج أيضًا في الغالب عن أمهات السنة الأخرى كمسند أحمد ومسند أبي يعلى. ولذا فإنا نجد الحافظ ابن عبد الهادي يعتني بذكر من خرج الحديث من أصحاب الكتب الستة، لأن في ذلك دليل على شهرته وعلى أنه حديث معروف، كما أنه يشير في بعض الأحيان إلى أن الحديث غير مخرج في شيء من الكتب الستة، وهذا - والله أعلم - إشارة منه رحمه الله إلى استغرابه للحديث، لأننا لا نجد أن ذلك مطردًا عنده في كل حديث يكون في خارج الكتب الستة. ومن أمثلة ذلك: ذكر المنقح (3/ 232) حديثًا عند الإمام أحمد من طريق عبد الصمد عن بشار بن عبد الملك عن أم حكيم بنت دينار عن مولاتها أم إسحاق أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لها بعد أن كانت قد نسيت فأكلت وهي صائمة: " أتمي صومك، فإنما هو رزق ساقه الله إليك ": (هذا حديث غريب غير مخرج في " السنن "، وبعض رواته
ليس بمشهور). كما نجده أحيانًا ينص على ضعف الحديث وشذوذه ويذكر في ضمن القرائن التي تدل على ذلك عدم تخريج أصحاب أمهات السنة له، ومن أمثلة ذلك: ذكر المنقح حديث أنس في نسخ الفطر بالحجامة، وقال في التعليق عليه (3/ 276): (هذا الحديث حديث منكر لا يصلح الاحتجاج به، لأنه شاذ الإسناد والمتن، ولم يخرجه أحد من أصحاب المسانيد المعروفة، ولا يعرف في الدنيا أحد رواه إلا الدارقطني عن البغوي، وقد ذكره الحافظ أبو عبد الله المقدسي في "المستخرج" ولم يروه إلا من طريق الدارقطني وحده، ولو كان عنده من حديث غيره لذكره كما عرف من عادته أنه يذكر الحديث من المسانيد التي رواها كمسند أحمد وأبي يعلى الموصلي ومحمد بن هارون الروياني و"معجم الطبراني" وغير ذلك من الأمهات، وكيف يكون هذا الحديث صحيحًا سالمًا من الشذوذ والعلة ولم يخرجه أحد من أئمة الكتب الستة ولا المسانيد المشهورة وهم محتاجون إليه أشد حاجة؟! والدارقطني إنما جمع في كتابه " السنن " غرائب الأحاديث، والأحاديث المعللة والضعيفة فيه أكثر من الأحاديث الصحيحة السالمة من التعليل). 2) النظر في رواية الراوي عن شيخه، فمعلوم أن رواية الراوي عن شيخ ما قد تستغرب إما لقلة روايته عنه، أو لروايته عنه ما يستنكر، أو لورودها بإسناد فيه نظر، ونحو ذلك، وكان الحافظ ابن عبد الهادي ينبه على هذه القضية، فنجده في بعض الأحيان ينص على أن رواية فلان عن فلان غريبة. ومن أمثلة ذلك:
ذكر المنقح (3/ 112) حديثًا من رواية أبي بكر بن عياش عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي، وعلق عليه بقوله: (الحارث لا يحتج به، وقد رواه سلامة ابن روح ثنا عقيل بن خالد عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي موقوفًا، ورواية عقيل عن أبي إسحاق غريبة جدًا). ونجد في " الصارم المنكي " كلامًا كثيرًا حول قضية تفرد الراوي عن راو من الرواة (انظر: 32، 33، 34، 38، 69، 70، 78، 119، 250، 253، 363). 3) النظر في الإسناد الذي روي به الحديث، فمعلوم أيضًا أن هناك سلاسلاً معروفة تروى بها الأحاديث، وإذا روي الحديث بسلسلة مشهورة فهذا مما يقوي الحديث إلا إذا وقعت مخالفة من أحد الأثبات فقد يرجح النقاد الطريق المخالف لتلك السلسلة، ويعدون من روى الحديث بتلك السلسة مخطئًا، وهو ما يسمى بـ " سلوك الجادة ". ونجد أن الحافظ ابن عبد الهادي قد اعتنى بهذا الأمر كثيرًا في كتابه، فيذكر في مواضع عدد الأحاديث التي رويت بتلك السلسلة، وذلك لأن كثرة الأحاديث المروية بها مما يدل على شهرتها، وأما قلة الأحاديث التي تروى بها فهو يدل على غرابتها. وكذلك أيضًا وجود بعض أسانيد تلك السلسلة في أحد الكتب الستة مما يقويها، لاسيما ما كان منها في الصحيحين، ولهذا كان الحافظ ابن عبد الهادي يلاحظ هذا أيضًا. ومن أمثلة ذلك: - قال ابن عبد الهادي في التنقيح (3/ 78): (تفرد به أبو داود وإسناده
حسن غريب، وقد روى به أبو داود أحاديث). وانظر أيضًا: (4/ 186). (5) نقد المتون العلاقة بين المتن والإسناد علاقة وثيقة بحيث لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر عند النظر في الحديث والحكم عليه، ومما يميز الأئمة المتقدمين أنهم يجمعون أثناء حكمهم على الأحاديث بين نظرين: النظر إلى الإسناد والنظر إلى المتن، ولا يكتفون بأحدهما عن الآخر، بينما نجد أن المتأخرين في الغالب يقتصرون على النظر في الإسناد ويغفلون عن النظر في المتن، وهذا مما أوجد خللاً كبيرًا في حكمهم على كثير من الأحاديث بما يخالف أحكام المتقدمين. والحافظ ابن عبد الهادي - رحمه الله - من قلائل علماء الحديث المتأخرين الذين جمعوا في حكمهم على الأحاديث بين النظر في الإسناد والنظر في المتن. ومن أمثلة ذلك: - قال المنقح (2/ 520) - عن حديث عائشة: خرجت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عمرة في رمضان -: (هذا حديث منكر، وقوله: " في عمرة رمضان " باطل، فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يعتمر في رمضان قط). - ذكر المنقح (4/ 40) حديث جابر عند النسائي قال: أخبرنا محمد بن منصور ثنا سفيان عن أبي الزبير عن جابر قال: أدركني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكنت على ناضح لنا، فقلت: لا يزال لنا ناضح سوء، يا لهفاه. فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تبيعنيه يا جابر؟ " قلت: بل هو لك يا رسول الله. قال: " اللهم اغفر له،
اللهم ارحمه، قد أخذته بكذا وكذا، وقد أعرتك ظهره إلى المدينة ". وقال في التعليق عليه: (هذا إسناد صحيح، لكن إسناد الاشتراط أصح وأثبت، وقد ذكر البخاري الاختلاف في لفظ هذا الحديث ... ثم قال: ... الاشتراط أكثر وأصح عندي). فنجده هنا لم يكتف بالنظر إلى الإسناد بل نظر في المتن أيضًا، وبين مخالفته للأصح والأثبت، وتبع في ذلك طريقة الإمام البخاري. - ذكر المنقح (5/ 54 - 55) حديثًا رواه الدارقطني، فقال: حدثنا أحمد ابن محمد بن زياد القطان ثنا جعفر بن محمد بن كزال ثنا محمد بن نعيم بن هارون ثنا كثير بن مروان ثنا غالب بن عبيد الله العقيلي عن عطاء بن أبي رباح عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من جعل عليه نذرًا في معصية فكفارة يمين، ومن جعل عليه نذرًا فيما لا يطيق فكفارة يمين، ومن جعل عليه نذرًا فيما لم يسمه فكفارة يمين، ... الخ ". ثم علق عليه بقوله: (هذا الحديث لا يصح ولا يثبت، وفيه غير واحد من الضعفاء ... وليت هذا الحديث يصح عن عطاء من قوله! والله أعلم). فالمنقح رحمه الله لم يكتف بالنظر في الإسناد، بل نظر في المتن أيضًا فوجده لا يشبه كلام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنما هو من جنس كلام الفقهاء كعطاء وغيره، فأشار إلى ذلك بقوله: " ليته يصح عن عطاء من قوله "، والله أعلم. - ذكر المنقح حديثًا من رواية معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه في قصة صيده الحمار الوحشي وفيه: فأمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه فأكلوا، ولم يأكل منه حين أخبرته أني اصطدته له. ثم قال المنقح (3/ 488 - 489): (الظاهر أن هذا الذي انفرد به معمر غلطٌ، فإن في "الصحيحين" أن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكل منه). وانظر: (2/ 38؛ 3/ 15، 276؛ 4/ 370، 403). (6) المتابعات والمخالفات هذه المسألة من المسائل الشائكة جدًا في علم الحديث، وذلك أن تعدد طرق الحديث موجود بكثرة، ولكن هذا التعدد تارة يكون مقويًا للحديث، وتارة أخرى يكون معلاً للحديث، والتفريق بين الحالين يحتاج إلى دقة وطول مراس في هذا الفن، ومن خلال دراسة أمثلة هذه المسألة في كتاب "التنقيح" يظهر دقة المنقح رحمه الله تعالى، وسوف نشير إلى بعض الملامح المتعلقة بذلك: فابتدأ نقول: إن المنقح رحمه الله قد قوى جملة من الأحاديث - وإن كانت ليست بالكثيرة - بتعدد طرقها، ومن الأمثلة على ذلك: - ذكر المنقح (4/ 75) حديث ابن مسعود أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا اختلف البيعان، وليس بينهما بينة، فهو ما يقول رب السلعة أو يتركا "، وقال في الكلام عليه: (الذي يظهر أن حديث ابن مسعود في هذا الباب بمجموع طرقه له أصل، بل هو حديث حسن يحتج به، لكن في لفظه اختلاف كما ترى، والله أعلم). - وذكر المنقح (4/ 273) حديث واثلة بن الأسقع أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " المرأة تحوز ثلاثة مواريث: عتيقها، ولقيطها، والولد الذي لاعنت عليه "، وقال في الكلام عليه: (واعلم أن هذا الحديث قد تكلم فيه الشافعي وغيره، لكن له شواهد تقويه، والقياس يشهد له ولشواهده بالصحة ... الخ).
- وذكر المنقح (4/ 284 - 285) حديثًا من طريق الأعمش عن سالم عن ثوبان، وعلق عليه بقوله: (رواه ابن ماجه من رواية منصور عن سالم، وهو ابن أبي الجعد، ولم يسمع من ثوبان، بينهما معدان. قاله أحمد بن حنبل، وقد رواه أبو كبشة السلولي وسلمان بن شمير وعبد الرحمن بن ميسرة عن ثوبان، فهو إذا حديث صحيح). وأيضًا نجد المنقح يشير إلى التفريق بين الراوي الضعيف الذي يصلح حديثه للمتابعة، والراوي الضعيف الذي لا يصلح حديثه للمتابعة، ومن الأمثلة على ذلك: - ذكر المنقح حديثًا من رواية ابن المبارك عن ابن لهيعة عن محمد بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء، وقال في التعليق عليه (3/ 120): (حديث أسماء من رواية إمام عن ابن لهيعة - وهو ابن المبارك - وحديث ابن لهيعة يصلح للمتابعة). فتجده هنا قد لاحظ مكانة الراوي عن ابن لهيعة، وحال حديث ابن لهيعة. ومما ينبغي أن ينتبه له: أن حديث الراوي الضعيف الذي يصلح حديثه للمتابعة قد يرد ولا يقبل، وذلك عند وجود دليل أو قرينة على خطئه، ومن الأمثلة على ذلك عند المنقح: - سبق لنا قريبًا أن المنقح نص على أن حديث ابن لهيعة يصلح للمتابعة، ولكننا نجده في موضع آخر لا يقبل متابعة ابن لهيعة، بل يردها، فذكر حديثًا عند الترمذي قال: حدثنا قتيبة ثنا ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "أيما رجل نكح امرأة فدخل بها فلا يحل له نكاح
ابنتها ... " الحديث، قال الترمذي: هذا حديث لا يصح من قبل إسناده، إنما رواه ابن لهيعة والمثنى بن الصباح عن عمرو، وابن لهيعة والمثنى يضعفان. فعلق عليه المنقح (4/ 346) بقوله: (الأشبه أن يكون ابن لهيعة أخذه عن مثنى، ثم أسقطه، وقال: " عن عمرو"، وقد قال أبو حاتم الرازي: لم يسمع ابن لهيعة من عمرو بن شعيب شيئًا). - ومن الأمثلة أيضًا: ذكر المنقح (4/ 314) حديثًا من رواية عبد الرزاق عن معمر عن صالح بن كيسان عن نافع بن جبير عن ابن عباس، وأن الدارقطني قال عنه: لم يسمعه صالح من نافع، وإنما سمعه من عبد الله بن الفضل عنه، قال النيسابوري: والذي عندي أن معمرًا أخطأ فيه. وعلق عليه المنقح بقوله: (رواه أبو داود عن الحسن بن علي عن عبد الرزاق به، ورواه النسائي عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق، وقال: لعل صالح بن كيسان سمعه من عبد الله بن الفضل. ورواه عن أحمد بن سعيد عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن محمد بن إسحاق عن صالح بن كيسان عن عبد الله بن الفضل. وقال ابن حبان في " الأنواع ": ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن هذا الخبر تفرد به عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير بن مطعم. ثم ذكره من رواية صالح عن نافع ولم يصنع شيئًا، فإن صالحًا إنما سمعه من عبد الله بن الفضل، والله أعلم). - ومن الأمثلة على ذلك أيضًا أن المنقح (3/ 376) ذكر حديثًا من طريق محمد بن إسحاق السوسي عن عبد الله بن محمد بن نصر الرملي عن محمد بن يحيى عن عبد العزيز عن أبي سهيل عن طاوس عن ابن عباس أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه "، وقال في التعليق عليه: (هذا الحديث رفعه وهم، والصواب أنه موقوف، وإن كان السوسي قد تابعه غيره).
ونجده في بعض المواضع يضعف الحديث رغم تعدد طرقه، ولكنها تكون شديدة الضعف، وبالتالي هي غير قابلة للتقوية، ومن أمثلة ذلك: - ذكر المنقح حديثًا من رواية خالد بن الوضاح عن أبي الخصيب عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا بد في النكاح من أربعة: الولي والزوج والشاهدين "، وعلق عليه بقوله: (هذا الحديث منكر جدًا، والأشبه أن يكون موضوعًا، وقد روي نحوه من وجهن ضعيفين عن أبي هريرة مرفوعًا، ومن وجه آخر ضعيف عن ابن عباس مرفوعًا، وروي من وجه آخر صحيح عن قتادة عن ابن عباس موقوفًا، إلا أنه منقطع، لأن قتادة لم يدرك ابن عباس، والله أعلم). وانظر (4/ 261). * * * منهجه في مسائل أخرى من علوم الحديث: (1) رواية صاحبي الصحيحين لأحاديث ليست على شرطهما قال المنقح (2/ 150): (روى مسلم في "صحيحه": ثنا محمد بن مهران الرازي ثنا الوليد بن مسلم ثنا الأوزاعي عن عبدة أن عمر بن الخطاب كان يجهر بهؤلاء الكلمات، يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، تبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك.
وهو منقطع، فإن عبدة - وهو ابن أبي لبابة - لم يدرك عمر، وإنما رواه مسلم لأنه سمعه مع حديث غيره، فرواهما جميعًا وإن لم يكن على شرطه). (2) الأحكام الضمنية على الأحاديث سبق الكلام عن عناية المنقح بالأحكام الضمنية في الجرح والتعديل، وفي هذه الفقرة سوف نشير إلى عنايته بها في الحكم على الأحاديث، وذلك من خلال الصور التالية: 1 - رواية أحد صاحبي الصحيح، أو أحد أصحاب السنن الأربعة، لحديث أو أكثر بنفس إسناد حديث آخر، ومن أمثلة ذلك قال المنقح (2/ 128) - في كلامه على حديث من رواية علي بن يحيى عن أبيه عن رفاعة -: (وقد روى البخاري حديثًا من رواية علي بن يحيى عن أبيه عن رفاعة بن رافع). ومن أمثلة ذلك أيضًا: ذكر المنقح (2/ 504) حديثًا من رواية قتيبة عن عبد العزيز بن محمد عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة، ثم قال: (هذا الإسناد روى به مسلم نحوا من أربعة عشر حديثًا). وانظر: (3/ 253). 2 - ذكر كلام الناقد في حديث للراوي عن شيخ من شيوخه، من أمثلة ذلك: ذكر المنقح حديثًا من رواية نعيم بن حماد عن الدراوردي عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن الحارث بن بلال، ثم قال في تعليقه عليه (3/ 87): (نعيم والدراوردي لهما ما ينكر، والحارث لا يعرف حاله، وقد تكلم الإمام أحمد بن حنبل في حديث رواه الدراوردي عن ربيعة عن الحارث).
ومن أمثلة ذلك أيضًا: قال المنقح (4/ 217) معلقًا على حديث من رواية حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر: (قد صحح الترمذي حديثًا من رواية حبيب عن ابن عمر). 3 - احتجاج الناقد بالحديث (انظر مثلاً: 1/ 223، 225؛ 2/ 665؛ 4/ 167؛ 5/ 58، 68). (3) الموقوف الذي له حكم الرفع ذكر ابن الجوزي (4/ 641) حديث ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أحلت لنا ميتتان ... "، وعلق عليه المنقح بقوله: (الصحيح في هذا الحديث ما رواه سليمان بن بلال - الثقة الثبت - عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر أنه قال: أحلت لنا ميتتان ... وهو موقوف في حكم المرفوع، والله أعلم). (4) التصحيف ذكر المنقح (4/ 158) حديثًا من طريق صالح بن العلاء بن بكير عن إسحاق بن عبد الواحد، وقال في الكلام عليه: (صالح بن العلاء: لا أعرفه، وكأنه مصحف، والظاهر أنه: صالح بن محمد الحافظ). وانظر: (3/ 65). (5) لطائف الإسناد هناك مسائل في علوم الحديث قد لا يكون لها أثر ني الحكم على الحديث
أو الراوي، ولكن يكون فيها لطافة، فيعتني العلماء أحيانًا بذكرها، وقد سار المنقح على طريقتهم، فنجده يذكر في "التنقيح" بعض اللطائف، ومن الأمثلة على ذلك: - رواية الصحابة عن التابعين: 1/ 353. - ذكر أن رواة الإسناد من أولاد المحدثين: 3/ 90. * * *
الاختيارات الفقهية للمنقح نص المنقح في بعض المسائل الفقهية المذكورة في الكتاب على اختياره فيها، ولقد كان رحمه الله متحريًّا للدليل فيما يرجحه من الأقوال، وإليك قائمة بالمسائل التي كان للمنقح فيها اختيارًا، وقد بلغت (13) مسألة، وهي: 1 - حكم الماء المستعمل في رفع الحدث: قال المنقح (1/ 36): (المستعمل في رفع الحدث فيه ثلاث روايات عندنا، وفيه خلاف عند الأئمة الأربعة وغيرهم، والصحيح من حيث الدليل أنه طهور، وقد استدل أصحابنا بأحاديث في الاستدلال بها نظر) ا. هـ. 2 - إذا خاف الحاضر ضرر البرد تيمم: قال المنقح (1/ 384): (الصحيح أنه يجوز له التيمم، وهو قول أكثر أهل العلم، لحديث عمرو بن العاص. فإن تيمم وصلى، ثم قدر على استعمال الماء، فهل تلزمه الإعادة؟ فيه روايتان: إحداهما: لا تلزمه، وهو قول أبي حنيفة ومالك لحديث عمرو، فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يأمره بالإعادة، ولو وجبت لأمره بها، فإنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة. والثانية: تلزمه الإعادة في الحضر دون السفر، وهو قول أبي يوسف ومحمد. والأول أصح).
3 - صيغة التشهد في الصلاة: قال المنقح (2/ 274): (بأي تشهد تشهد مما صح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاز). 4 - بداية وقت النهي عن الصلاة: قال المنقح (2/ 381): (الصحيح أن النهي في الفجر لا يتعلق بطلوعه، بل بفعل الصلاة كالعصر، وهذا مذهب الشافعي وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد). 5 - المسافة التي يجوز فيها القصر: قال المنقح (2/ 516): (والصحيح جواز القصر في السفر الطويل والقصير). 6 - مقدار المجزئ في زكاة الفطر: قال المنقح (3/ 120): (القول بإيجاب نصف صاع من بر قول قوي، وأدلته كثيرة). 7 - الكحل للصائم: قال المنقح (3/ 250): (الأظهر في الجملة أن الكحل لا يفطر الصائم، لعدم الدليل الدال على ذلك من نص أو قياس صحيحين، والله الموفق للصواب). 8 - اشتراط للصيام لصحة الاعتكاف: قال المنقح (3/ 366): (... وهذا القول هو القوي - إن شاء الله - وهو أن الصيام شرط في الاعتكاف، فإن الاعتكاف لم يشرع إلا مع الصيام، فإن غالب اعتكاف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه إنما كان في رمضان، وقول عائشة: " أن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعتكف في العشر الأول من شوال " ليس بصريح في دخول يوم الفطر، بجواز أن يكون أول العشر الذي اعتكفه باقي يوم الفطر، بل هذا هو الظاهر، وقد جاء مصرحًا به في حديث " فلما أفطر اعتكف "، والله أعلم). 9 - نوع النسك الذي حج به النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قال المنقح (3/ 434): (التمتع في عرف أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدخل فيه القران، ويدخل فيه التمتع الخاص، ولم يحج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متمتعًا التمتع الخاص، لأنه لم يحل من عمرته، بل المقطوع به أنه قرن بين الحج والعمرة، لأنه قد ثبت عنه أنه اعتمر أربع عمر، وأن العمرة الرابعة كانت مع حجته، وقد ثبت عنه أنه لم يحل منها قبل الوقوف بقوله: " لولا أن معي الهدي لأحللت، وثبت أنه لم يعتمر بعد الحج، فإن ذلك لم ينقله أحد عنه، وإنما اعتمر بعد الحج عائشة وحدها، فتحصَّل من مجموع ذلك أنه كان قارنًا، وعلى هذا تجتمع جميع أحاديث الباب، والله أعلم). وقال أيضًا (3/ 445): (والصواب أنه صلوات الله عليه كان قارنًا، أحرم بالحج والعمرة جميعًا، وطاف لهما طوافًا واحدًا، وسعى سعيًا واحدًا). 10 - ميراث الجد مع الإخوة: قال المنقح (4/ 267): (الصحيح أن الجد يسقط جميع الإخوة والأخوات من جميع الجهات، كما يسقطهم الأب، وهذا قول أكثر أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ). 11 - الصيغة التي ينعقد بها النكاح: قال المنقح (4/ 338): (النكاح ينعقد بكل واحد منها - أي: صيغة
زوجتكها وملكتكها وأنكحتكها - على الصحيح). 12 - مقدار الكفارة: قال المنقح (4/ 433): (الصحيح أن الإطعام في الكفارة غير مقدر بالشرع، بل يرجع فيه إلى العرف، والله أعلم). 13 - ما يكون به القود: قال ابن الجوزي: (مسألة: لا قود إلا بالسيف، وعنه: يقتل بمثل الآلة التي قتل بها، وهو قول مالك والشافعي). قال المنقح (4/ 493): (الصحيح في هذه المسألة هو الرواية الثانية، قال أحمد: إنه لأهل أن يفعل به كما فعل ... الخ). هذه هي المسائل التي نص الحافظ ابن عبد الهادي على اختياره فيها، وثَمَّ مسائل أخرى ذكر فيها بعض الفوائد أو ظهر ميله فيها إلى قول من الأقوال ولكنه لم ينص على اختياره فيها (انظر: 1/ 13 - 15، 128، 347، 356؛ 2/ 348، 360، 446، 467، 562؛ 3/ 151، 185، 199، 278، 387، 424، 533؛ 4/ 121، 129، 243، 245، 265، 304، 307، 336، 416، 523، 600، 627؛ 5/ 40). * * *
المبحث الرابع: موارد المنقح
المبحث الرابع: موارد المنقح (1) المصادر الأصلية والمصادر الفرعية المعلومات التي ينقلها المؤلف عن غيره منها ما ينقله من مصادره الأصلية، ومنها ما ينقله من مصادر فرعية، وتارة يسمي المصدر الذي ينقل منه وتارة لا يسميه، ومن أراد الوقوف على أسماء الموارد التي صرح باسمها فسيجدها في فهرس الكتب (1). وسوف نشير هنا إلى أهم الموارد التي اعتمدها المنقح، كما سنذكر بعض المواضع التي تعقب فيها المنقح أصحاب الكتب التي ينقل عنها، وذلك أن تتبع هذه المواضع مما يظهر مكانة المنقح العلمية، وأنه عالم محقق وليس مجرد ناقل كما زعم بعضهم! أولاً: كتب الأحاديث المسندة: - الموطأ للإمام مالك: يعد " الموطأ " من أقدم موارد المنقح، وقد أفاد منه في تخريج بعض الأحاديث. - الصحيحان (صحيح البخاري، وصحيح مسلم): وهما من أهم موارد المنقح في تخريج الأحاديث.
وأيضًا في الترجمة للرواة وذلك من خلال النص على رواية الشيخين أو أحدهما للراوي، وصفة تلك الرواية، كما سبق بيانه في الكلام عن المنهج العلمي للمنقح. وأيضًا نجد المنقح يستفيد من كلام الإمام البخاري - بالذات - في "صحيحه" على علل بعض الأحاديث. - السنن الأربعة (سنن أبي داود، وجامع الترمذي، وسنن النسائي، وسنن ابن ماجه): تعد هذه الكتب من أهم موارد المنقح أيضًا في تخريج الأحاديث. وكذلك في الترجمة للرواة من خلال النص على رواية أصحاب هذه الكتب للراوي. وهي أيضًا من أهم مصادره في نقل كلام أصحابها على الأحاديث تصحيحًا وتضعيفًا، فكان لا يترك حكمًا للترمذي على حديث من الأحاديث إلا ويذكره، ومعلوم أن الترمذي لا يكاد يترك حديثًا من الأحاديث التي يخرجها إلا ويحكم عليه. ويعد كتاب "السنن الكبير" للنسائي من أكثر المصادر التي نقل عنها فيما يتعلق بتعليل الأحاديث (انظر مثلاً: 3/ 179 - 182، 258 - 260، 260 - 266، 266 - 268). وقد تعقب المنقح بعض هؤلاء الأئمة (انظر مثلاً: 2/ 27؛ 3/ 92، 109، 256، 262، 360، 430).
- مسند الإمام أحمد: هو أيضًا من المصادر المهمة للمنقح في تخريج الأحاديث، وفي ذكر كلام الإمام أحمد على بعض الأحاديث والرواة. - صحيح ابن خزيمة: هو أيضًا مصدر مهم من مصادر المنقح في تخريج الأحاديث والكلام على الرواة. وهو أيضًا من مصادره في نقل فقه ابن خزيمة (انظر: 1/ 128). وقد تعقبه في بعض المواضع (انظر: 2/ 72). - الأنواع والتقاسيم لابن حبان (صحيح ابن حبان): هو من مصادره المهمة في تخريج الأحاديث والكلام عليها. وقد تعقبه المنقح في مواضع (انظر: 4/ 314، 452). - معاجم الطبراني الثلاثة: هي من مصادره أيضًا، وأكثرها من جهة النقل عنه "المعجم الكبير". وقد تعقبه في مواضع يسيرة (انظر: 4/ 360). - مسند أبي يعلى: هو من المصادر المهمة للمنقح في تخريج الأحاديث، ويغلب على ظننا أن المنقح كان ينقل عنه بواسطة "المختارة" للضياء، والله أعلم. و"مسند أبي يعلى" له روايتان: رواية مختصرة من طريق ابن حمدان
- وهي المطبوعة -، ورواية أخرى أكبر منها برواية ابن المقرئ، والمنقح كان ينقل عن رواية ابن المقرئ ولذا فإن جملة من الأحاديث والأسانيد التي ذكرها المنقح عن أبي يعلى لم نقف عليها في الرواية المطبوعة (انظر مثلاً: 1/ 392؛ 2/ 56، 223، 316، 523؛ 3/ 202، 346). ومما يحسن التنبيه عليه هنا أن المنقح ينقل أيضًا عن كتاب آخر لأبي يعلى هو" المعجم " (انظر: 3/ 407، 409؛ 4/ 297). - سنن الدارقطني: كما كان كتاب " السنن " من أهم موارد ابن الجوزي في "التحقيق" فقد كان كذلك في "التنقيح" لابن عبد الهادي، فكان المنقح يراجعه للتحقق من دقة نقل ابن الجوزي، وقد ظهر من خلال ذلك وجود عدة أوهام عند ابن الجوزي فيما نقله عن " السنن " (انظر مثلاً: 1/ 281). وأيضًا أفاد منه في تخريج الأحاديث والكلام على الأحاديث والرواة. ويبدو أن نسخة المنقح من كتاب " السنن " كان فيها خرمًا، إذ نجده في بعض المواضع يستشكل بعض نقول ابن الجوزي عن الدارقطني ولا يبين وجه الصواب. وقد تعقبه المنقح في مواضع (انظر مثلاً: 2/ 308؛ 3/ 276). - المستدرك للحاكم: هو من مصادر المنقح المهمة في التخريج والحكم على الأحاديث والرواة. وقد تعقب المنقحُ الحاكمَ في مواضع كثيرة (انظر: 1/ 213؛ 2/ 193، 194، 197، 202، 251، 539، 617؛ 3/ 54، 85، 87، 101،
106، 236؛ 4/ 102، 184، 429؛ 5/ 68). وقد ظهر من خلال التتبع أن جل النقول التي في "التنقيح" عن "المستدرك" إنما أخذها عن "تلخيصه" للحافظ الذهبي، ولذا تجد فرقًا ظاهرًا بين النصوص التي ينقلها من كلام الحاكم وبين ما في مطبوعة "المستدرك"، وفي المقابل تجد اتفاقًا بينها وبين "تلخيص المستدرك" للذهبي (انظر مثلاً: 1/ 102، 319 - 320، 332، 380). نعم هناك مواضع نقل فيها المنقح عن الحاكم أحاديث رواها الحاكم بإسنادها (انظر مثلاً: 2/ 193)، فهذه المواضع إما أن يكون قد أخذها من "المستدرك" أو من مصدر آخر غير "التلخيص" للذهبي، والله تعالى أعلم. - السنن الكبير للبيهقي: وهو من أهم مصادر المنقح في التخريج، وفي الكلام على الأحاديث، وكان ينقل عنه نصوصًا طويلة. وللمنقح عناية خاصة بكتاب البيهقي هذا، فهو يكثر من النقل عنه، وأيضًا يجمع بين كلامه المتفرق في الكتاب في موضع واحد، وفي هذا دليل على مزيد عنايته به. وقد تعقبه في مواضع (انظر: 1/ 40، 225؛ 3/ 427 - 428؛ 4/ 123، 166، 673). - المختارة للضياء: هو من مصادر المنقح المهمة، ونجد المنقح يشير إليه في بعض المواضع، وذكر المنقح (2/ 566) حديثًا، ثم علق عليه بقوله: (رواه الحافظ أبو عبد الله
محمد بن عبد الواحد في كتاب "المختارة" ولم يتكلم عليه) ا. هـ، فقد يفهم من هذا أن الضياء إذا نقل عن أحد الأئمة كلامًا في حديث من الأحاديث فإن ذلك يدل على تعليله للحديث أو توقفه عن تصحيحه، وإنما ذكره مع بيان ما فيه من علة حتى لا يستدرك عليه، وعليه فلا يكون مجرد تخريج الضياء للحديث في "مختارته" تصحيحًا منه له، بل لا بد من تقييد ذلك بأنه لم ينقل شيئًا في تعليله، وهو قد أشار إلى هذا في مقدمة كتابه بكلام محتمل، والمسألة تحتاج إلى مزيد تحرير، والله أعلم. ونجد المنقح أيضًا يستأنس على ضعف الحديث بعدم ذكر الضياء له في "المختارة" كما سيأتي ذكر مثال على ذلك تحت الكلام عن تقويم المنقح لموارده. ثانيًا: كتب الرجال والتراجم: - التاريخ الكبير للبخاري: هو من مصادره المهمة في الترجمة للرواة، وكان المنقح لا يكتفي بالنقول عنه في المصادر الفرعية، بل كان يرجع إليه بدون واسطة، وفي حالة وجود اختلاف بين ما فيه وبين ما نقل عنه فإن المنقح ينبه على ذلك. وقد تعقبه المنقح في بعض المواضع (انظر: 3/ 342). - الجرح والتعديل لابن أبي حاتم: هو من أهم موارده في الترجمة للرواة. ونجد المنقح أحيانًا ينص على أنه لم يجد للرجل ذكرًا في "الجرح والتعديل" (انظر: 1/ 95؛ 2/ 14). وأحيانًا يذكر أن ابن أبي حاتم ذكره ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً (انظر: 1/ 105؛ 5/ 45).
وقد تعقبه المنقح في مواضع (انظر: 2/ 415؛ 3/ 342؛ 4/ 580). - الضعفاء للعقيلي: هو من موارده في الترجمة للرواة، وأيضًا في الكلام على بعض الأحاديث وفي تخريجها. - الكامل لابن عدي: هو من موارده المهمة في الترجمة للرجال، وأيضًا في تخريج بعض الأحاديث، والكلام عليها. وقد تعقبه المنقح في بعض المواضع: (انظر: 3/ 249). - الثقات لابن حبان: هو من الموارد التي أكثر المنقح من النقل عنها فيما يتعلق بالترجمة للرواة، ونلاحظ أن المنقح يعتني بذكر كلام ابن حبان على الراوي، ولا يكتفي بأن ابن حبان ذكره في كتابه (انظر: 1/ 144؛ 3/ 23، 77، 127؛ 5/ 55). وقد تعقبه المنقح في مواضع (انظر: 4/ 429). - المجروحين لابن حبان: هو من موارده أيضًا في الترجمة للرجال. وقد تعقبه المنقح في مواضع (انظر: 1/ 146، 249؛ 2/ 520؛ 3/ 23، 76، 142، 431). - تاريخ بغداد للخطيب:
هو من موارده المهمة في الترجمة للرجال، وفي تخريج الأحاديث، وفي ذكر بعض الفوائد العلمية والأدبية الأخرى. - الضعفاء لابن الجوزي: وذكره المنقح في مواضع باسم "الجرح والتعديل" (3/ 407؛ 4/ 297). وهو من الموارد التي كان يرجع إليها المنقح في تراجم الرواة. وكان المنقح ينبه أحيانًا على اختلاف كلام ابن الجوزي في "التحقيق" مع كلامه في "الضعفاء" (انظر: 3/ 126 - 127؛ 4/ 258، 289). وقد تعقبه في بعض المواضع (انظر: 2/ 637). - تهذيب الكمال للمزي: وهو أهم مصدر من مصادر المنقح في نقل كلام علماء الجرح والتعديل في الرواة، فجل نقوله عن علماء الجرح والتعديل هي مأخوذة عنه، نعم كان المنقح يراجع ما تيسر له من أصول هذا الكتاب، كـ "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم، و"الثقات" لابن حبان، و"تاريخ بغداد" للخطيب وغيرها. وقد كان المنقح ينقل أحيانًا ترجمة الراوي كاملة من "التهذيب" (انظر مثلاً: 3/ 98). ونجده في بعض المواضع ينبه على الاختلاف الذي يقع بين ما في "تهذيب الكمال" وما في مصادره الأصلية (انظر مثلاً: 3/ 192). وقد تعقبه المنقح في بعض المواضع (انظر: حاشية 3/ 78). وقد وقفنا خلال عملنا في الكتاب على بعض السقوط التي في مطبوعة
"تهذيب الكمال" والتي يمكن استدراكها من "التنقيح" (انظر: 1/ 112). ثالثًا: كتب العلل: - العلل للإمام أحمد - رواية ابنه عبد الله - هو من مصادره المهمة في الكلام على العلل، وفي الكلام على الرجال أيضًا. - العلل للترمذي: هو من موارد المنقح التي ينقل عنها كلام البخاري. وقد وقفنا على عدة مواضع منسوبة له ولم نجدها في النسخة المطبوعة من ترتيب أبي طالب للعلل (انظر مثلاً: 1/ 151؛ 3/ 9). - العلل لابن أبي حاتم: كانت للمنقح عناية كبيرة بهذا الكتاب، فهو كثيرًا ما ينقل عنه في تعليل الأحاديث والكلام على الرواة، فلا يكاد يمر حديث ويكون لأبي حاتم أو أبي زرعة فيه كلام إلا ويذكره بنصه. ونجد المنقح أيضًا يجمع الكلام المتفرق على الحديث في موضع واحد (انظر: 1/ 269 - 270). وللمنقح تعليقة على أول "العلل" كما سبق في ذكر مؤلفاته. - العلل للخلال: هو من الكتب التي نقل عنها المؤلف في بعض المواضع.
- العلل للدارقطني: هو من أكثر كتب العلل التي نقل عنها المنقح في كتابه هذا، وأغلب إفادته من هذا الكتاب كانت فيما يتعلق بالعلل والطرق والأسانيد، وربما أفاد منه في تخريج بعض الأحاديث، أو الكلام على بعض الرجال. والمنقح ينقل عنه نصوص طويلة (انظر: 1/ 29 - 31). وقد تعقبه المنقح في مواضع (انظر مثلاً: 4/ 218). والذي يبدو- والله أعلم - أن كتاب العلل لم يكن عنده كاملاً، ولذا نجده في بعض الأحيان ينقل عنه بواسطة "المختارة" للضياء المقدسي فيما يظهر، والله أعلم. وقد اكتشفنا بعض المواضع التي سقطت من مطبوعة أو مخطوط "العلل" من خلال نقول المنقح (انظر: 1/ 31؛ 3/ 139؛ 4/ 234 - 235). رابعًا: كتب الأطراف: - الأطراف لابن عساكر: وقفنا على بعض النقول عن هذا الكتاب، ولكن هل كان المنقح ينقل عنه مباشرة أم بواسطة تحفة الأشراف للمزي؟ الله أعلم. وقد تعقبه المنقح في بعض ما نقله عنه (انظر: 1/ 237، 3/ 469، 4/ 259). - تحفة الأشراف للمزي: هذا الكتاب كتاب مهم وقد استفاد منه المنقح كثيرًا، فقد ظهر من خلال
التتبع أنه رحمه الله كان يرجع إليه في تخريج كل حديث من أحاديث الكتب الستة المذكورة في الكتاب. وقد كان المنقح ينقل أيضًا كلام المزي في تخريج الأحاديث (انظر: 1/ 237). وتعقب المنقح الحافظ المزي في بعض المواضع (انظر: 3/ 469، 4/ 184). خامسًا: كتب التخريج: - بيان الوهم والإيهام لابن القطان: هو من الكتب التي ينقل عنها المنقح في بعض المواضع، وكثيرًا ما يتعقبه المنقح في أحكامه على الأحاديث والرواة التي ينقلها عنه (انظر: 1/ 206 - 207؛ 2/ 109، 300؛ 3/ 83؛ 5/ 15). - مختصر سنن أبي داود للمنذري: صرح بالنقل عنه في بعض المواضع (1/ 398)، ويبدو - والله أعلم - أنه من الكتب التي استفاد منها ولم يلتزم بالنص على إفادته منها. - الإمام لابن دقيق العيد: لم ينص المؤلف على اسم هذا الكتاب، وإنما نص على اسم مؤلفه (الحافظ ابن دقيق العيد)، فهو من الكتب التي استفاد منها دون الإشارة إليها، والله أعلم. - تنقيح التحقيق للذهبي: هناك أيضًا بعض الأمارات التي تدل على إطلاع المنقح على كتاب
"التنقيح" للذهبي، وإن كان لم ينص على ذلك، ونجده أحيانًا ينقل كلام الذهبي ولا يصرح باسمه بل يقول: (قال بعضهم) ثم يتعقبه، ولكن هذه النقول يسيرة وليست بالكثيرة (انظر مثلاً: 1/ 102، 332، 380؛ 2/ 80؛ 4/ 403). سادسًا: كتب الفقه: - المغني لابن قدامة: هو من مراجعه الفقهية التي كان يرجع إليها فأكثر الفوائد الفقهية التي يذكرها إنما هي من "المغني"، وأيضًا ربما نقل عنه أحيانًا شيئًا من نصوص الإمام أحمد في الكلام على الأحاديث. - الكافي لابن قدامة: هو مرجع آخر من مراجعه في الكلام على الفقه، وقد تعقبه المنقح في بعض المواضع في عزو بعض الأحاديث. (2) تقويم المنقح لموارده مما تميز به المنقح عنايته بتقويم الكتب التي ينقل عنها، وبيان مناهج أصحابها، وله في ذلك عبارات موجزة ودقيقة، وهذا أيضًا مما يظهر مكانته العلمية، وملكته النقدية، ولذا جمعنا نصوصه في تقويم موارده وبيان مناهج أصحابها في هذه الفقرة لتسهل الإفادة منها (1).
من أمهات كتب السنة: نقل المنقح (3/ 255) عن بعض الحفاظ أنه قال: الحديث في أفطر الحاجم والمحجوم متواتر، ثم علق على ذلك بقوله: (وليس ما قاله ببعيد، ومن أراد معرفة ذلك فليطالع ما روي في ذلك في "مسند أحمد"، و"معجم الطبراني"، وكتاب النسائي، و"المستدرك" للحاكم، و"المستخرج" للحافظ أبي عبد الله المقدسي، وغير ذلك من الأمهات). ذكر المنقح (3/ 276) حديثًا رواه الدارقطني، وقال في الكلام عليه: (قد ذكره الحافظ أبو عبد الله المقدسي في "المستخرج" ولم يروه إلا من طريق الدارقطني وحده، ولو كان عنده من حديث غيره لذكره كما عرف من عادته أنه يذكر الحديث من المسانيد التي رواها كمسند أحمد وأبي يعلى الموصلي ومحمد بن هارون الروياني و"معجم الطبراني" وغير ذلك من الأمهات، وكيف يكون هذا الحديث صحيحًا سالمًا من الشذوذ والعلة ولم يخرجه أحد من أئمة الكتب الستة ولا المسانيد المشهورة وهم محتاجون إليه أشد حاجة؟!). سنن النسائي: قال المنقح (3/ 267): (لم يسند النسائي - رحمه الله - حديث ابن لهيعة كما أسند غيره، لأنه لا يجيء من قبله، ولم يخرج من حديثه شيئًا مسندًا إلا حديثًا واحدًا في غير " السنن "). كتابي "الثقات" و"الضعفاء" لابن حبان: قال المنقح (3/ 23): (... هكذا يفعل ابن حبان كثيرًا، يدخل الرجل في كتابيه "الثقات" و"الضعفاء").
سنن الدارقطني: قال المنقح (3/ 276): (الدارقطني إنما جمع في كتابه " السنن " غرائب الأحاديث، والأحاديث المعللة والضعيفة فيه أكثر من الأحاديث الصحيحة السالمة من التعليل). المختارة للضياء: قال المنقح (2/ 480): (في "المختارة" أحاديث كثيرة ضعيفة، وهذا الحديث منها). قال المنقح (2/ 566): (رواه الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد في كتاب "المختارة" ولم يتكلم عليه). ذكر المنقح (3/ 276) حديثًا رواه الدارقطني، وقال في الكلام عليه: (قد ذكره الحافظ أبو عبد الله المقدسي في "المستخرج" ولم يروه إلا من طريق الدارقطني وحده، ولو كان عنده من حديث غيره لذكره كما عرف من عادته أنه يذكر الحديث من المسانيد التي رواها كمسند أحمد وأبي يعلى الموصلي ومحمد بن هارون الروياني و"معجم الطبراني" وغير ذلك من الأمهات). بيان الدليل على بطلان التحليل لابن تيمية: قال المنقح (4/ 364): (وقد صنف شيخنا العلامة أبو العباس في هذه المسألة كتابًا جليلاً سمَّاه " كتاب بيان الدليل على بطلان التحليل " ينبغي لكل ذي لب أن ينظر فيه، لتقر عينه، وينشرح صدره، والله الموفق).
(3) المصادر التي لم يصرح بأسمائها لقد ظهر لنا من خلال توثيق نصوص الكتاب أن المنقح كان يرجع إلى بعض المصادر الفرعية في نقل بعض المعلومات، ولكنه كان يحرص على مراجعة المصدر الأصلي في حال توفره بين يديه كما سبقت الإشارة إلى ذلك، وأما إذا لم يتوفر له المصدر الأصلي فيكتفي بالنقل عن ذلك المصدر الفرعي دون الإشارة إليه في الغالب، وهذا من الأمور التي يتسامح فيها أهل العلم. ومن المصادر التي كان يرجع إليها المنقح ولا يشير إليها أو نادرًا ما يشير إليه ما يلي: - "الضعفاء والمتروكون" لابن الجوزي. - "مختصر السنن" للمنذري. - " المجموع " للنووي. - "المختارة" للضياء. - "المنتقى" للمجد ابن تيمية. - "تهذيب الكمال" للمزي. - "تحفة الأشراف" للمزي. - " ميزان الاعتدال " للذهبي. * * *
المبحث الخامس: القيمة العلمية للتنقيح
المبحث الخامس: القيمة العلمية للتنقيح تظهر قيمة الكتاب من خلال ثلاثة أمور: 1 - متانة المادة العلمية التي يحويها. 2 - مكانة المؤلف. 3 - الإفادة منه. وقد جمع كتاب "التنقيح" بين هذه الأمور الثلاثة، وبيان ذلك كما يلي: أولاً: متانة المادة العلمية. إن الناظر في "التنقيح" يجده قائمًا على الرجوع إلى المصادر الأصلية العالية، ولا يكاد يوجد فيه شيء من الحشو أو ما تقل فائدته، بل ما تضمنه من معلومات هي الجوانب المهمة في الحكم على الحديث والاستدلال به. فالمنقح اقتصر على المصادر المعتمدة في السنة النبوية، واعتمد على أقوال الأئمة المعتد بهم في هذا الفن. ولم يجمع في كتابه كل ما هبّ ودبّ من الأسانيد والروايات، وكذلك لا نجده يشتغل بأقوال من هم ليسوا من أهل الفن. وفي حالة ورود بعض المعلومات التي تحتاج إلى نظر نجده لا يتركها رحمه الله دون أن يحقق فيها ويحرر. ومن هذا وذاك اكتسب هذا الكتاب متانة علمية عالية، ويمكن إجمال مزايا المادة العلمية لـ "التنقيح" فيما يلي:
1 - أصالة المصادر وعلوها. 2 - الاختصار غير المخل. 3 - التحقيق والتحرير في المعلومات المنقولة. ثانيًا: مكانة المؤلف العلمية. الحافظ ابن عبد الهادي - كما سبق - قد أجمع العلماء على تمكنه في علم الحديث وتميزه فيه، وهذه المكانة كان لها أثر كبير في القيمة العلمية للكتاب، فالحافظ ابن عبد الهادي - فيما نحسب - كان موفقًا في التمييز بين الغث والثمين، وبين ما يحتاج إليه وما لا يحتاج إليه، وكان - رحمه الله - دقيقًا في ما ينقله، وكان رحمه الله صاحب تحرير وتحري في ما يناقشه ويطرحه من مسائل كلية وجزئية، كما كان أئمة الحديث المتقدمين، ولهذا تجد أن كثيرًا من كلامه يضاهي كلامهم رحمهم الله تعالى جميعًا. ومصداق ذلك أنك إذا وازنت بين الانتقادات التي وجهت إلى كتاب التنقيح وغيره من كتب التخريج - لا سيما السابقة له - وجدت أن ما وجه إلى التنقيح هو قليل جدًا بالنسبة لما وجه للكتب الأخرى، بل ستجد أن الكثير من تلك الانتقادات التي وجهت إلى غيره مأخوذة من "التنقيح"!! ثالثًا: الإفادة منه. إن الناظر في كتب أهل العلم بعد التنقيح يجدها قد أفادت من هذا الكتاب، بين مقل ومستكثر، ولا يكاد كتاب من الكتب المشاركة له في موضوعه إلا كان "التنقيح" من موارده، وهذه الإفادة كانت منذ زمن مبكر. ولعل من أول من أفاد من "التنقيح" الحافظ الزيلعي في كتابه الشهير
"نصب الراية"، والحافظ الزيلعي معاصر لابن عبد الهادي، وتوفي بعده بأقل من عشرين سنة، فقد توفي سنة (762)، ونجد أن "التنقيح" كان من أهم مصادر الزيلعي في كتابه، لا سيما في مجال النقد، حتى قال الأستاذ / محمد عوامة في دراسته حول "نصب الراية" (ص: 166): (وقد أكثر - أي الزيلعي - من النقل عن ثلاثة مصادر في النقد والتعليل وهي " بيان الوهم والإيهام " لابن القطان (ت 628)، و" الإمام " لابن دقيق العيد (ت 702)، و"التنقيح" لابن عبد الهادي (ت 744). وأقول - غير مبالغ ولا مسرف إن شاء الله -: لولا نصوص ابن القطان وابن دقيق وابن عبد الهادي في "نصب الراية" لفقد الكتاب نصف أهميته وقيمته العلمية) ا. هـ باختصار. وقال في موضع آخر (ص: 182): (وابن عبد الهادي أحد أئمة هذا الشأن علمًا واطلاعًا ونقدًا وتمحيصًا - على قصر عمره - رحمه الله تعالى، ومما يدل على علو كعبه في هذا العلم أن الحافظ الزيلعي وابن عبد الهادي صنوان في التلمذة على شيوخ ذلك العصر، ومع هذا ترى الزيلعي يملأ كتابه من النقول النادرة الغالية عن ابن عبد الهادي رحمهما الله تعالى .... وأذكر هنا بما قلته فيما سبق من أن نصوص ابن دقيق العيد وابن القطان وابن عبد الهادي أفادت "نصب الراية" كثيرًا، ورفعت من قيمته العلمية كثيرًا، ولولاها لفقد نصف قيمته هذه، لبقائه حينئذ كتاب رواية وتخريج فقط) ا. هـ باختصار. وهكذا كتب التخريج الأخرى كـ " البدر المنير " لابن الملقن، و"التلخيص" لابن حجر، كلها أفادت من "التنقيح". ولم تقتصر الإفادة منه على الكتب المشاركة له في موضوعه، بل نجد حتى كتب الرجال قد أفادت منه، وكذا كتب المصطلح، وكذا كتب شروح
الأحاديث، وكتب الفقه. ومن المستفيدين منه من ينص على اسمه صراحة، ومنهم من يبهم فيقول: (قال بعضهم) أو (قال بعض متأخري الحنابلة)، ومنهم من لا يشير إلى استفادته منه أصلاً. ومما يحسن التنبيه عليه هنا أن "التنقيح" قد كان سببًا في حفظ بعض نصوص العلماء التي فقدت مصادرها الأصلية، ومن ذلك ما فقد من أجزاء "المختارة" للضياء، فقد حفظ لنا "التنقيح" شيئًا من المعلومات الواردة في تلك الأجزاء، كما حفظ لنا الكثير من أقوال شيخيه ابن تيمية والمزي التي لا يعرف لها مصدر آخر، والحمد لله أولاً وآخرًا. * * *
المبحث السادس: النسخ الخطية للكتاب
المبحث السادس: النسخ الخطية للكتاب لقد اطلعنا أثناء بحثنا عن مخطوطات الكتاب على عدة نسخ، ومعظمها مخروم من الأول، أو الآخِر، أو منهما، بل وبعض هذه النسخ قد دخله الاختصار والتصرف الكبير من النساخ، وأيضًا أغلب هذه النسخ متأخر التاريخ، ولكن بحمد الله وُفِّقنا للوقوف على نسختين كاملتين للكتاب، وإليك التعريف بهما: النسخة الأولى (الأصل): وهي من محفوظات " مكتبة أحمد الثالث " بتركيا، وقد حصلنا على صورة منها من مصورتها المحفوظة بـ " مركز البحث العلمي " بجامعة أم القرى برقم (1051)، وعدد أوراقها: (393) (1). وكتب على طرتها: (كتاب " تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق ". تأليف: الشيخ، الإمام، العالم، العلامة، فارس الحفَّاظ، وناقد المعاني والألفاظ، شمس الدين، أبي عبد الله، محمد بن أحمد بن عبد الهادي الحنبلي، المقدسي، تغمده الله برضوانه، آمين، وغفر لكاتبه الزركشي) ا. هـ. وجاء في آخرها ما نصه: (علقه لنفسه، بيده الفانية، ولمن شاء الله من بعده، العبد الفقير، الحقير الذليل، المعترف بذنبه وعصيانه، المقر لله سبحانه وتعالى بفضله وامتنانه، الراجي رحمته، الخائف من عذابه: محمد بن عبد الله الزركشي، غفر الله له، ولوالديه، وحشره في زمرة من أنعم عليهم بكرمه
وجوده، ومنه وعنه، وكان الفراغ منه يوم الجمعة لست مضين من شهر جمادى الآخر، سنة ست وستين وسبعمائة، والحمد لله وحده) ا. هـ. ثم كتب تحتها التوقيع التالي: (علقته من نسخة معتمدة، عليها حواشي المؤلف وضبطه، رحمه الله) ا. هـ. ولهذه النسخة عدة ميزات سيأتي ذكرها إن شاء الله تعالى، ولكن نذكر هنا أنها احتوت على حواش مهمة جدًا، وسوف نخصها بالحديث في الفقرة التالية: حواشي النسخة: احتوت هذه النسخة على حواش كثيرة جدًا، فقل أن تخلو ورقة منها من حاشية أو أكثر، ومعظم هذه الحواشي لابن عبد الهادي، وهي منقولة من نسخته، وقد سبق ذكر تنبيه الناسخ على ذلك في توقيعه الآنف الذكر، بل قد نص ابن عبد الهادي على بعضها في جوف الكتاب (انظر مثلاً: 2/ 479). ولكن هناك حواش أخرى قليلة ليست لابن عبد الهادي جزمًا، لأنها في التعقب عليه! (انظر مثلاً: 1/ 100؛ 2/ 125، 586؛ 3/ 102، 448، 467، 565؛ 4/ 58، 239). وهناك بعض الحواشي التي لم تتميز لنا (انظر مثلاً: 1/ 336؛ 2/ 235، 267، 350، 426، 483؛ 3/ 171، 278، 475 - 476؛ 4/ 116، 150). وقد أثبتنا جميع الحواشي الموجودة على النسخة في الحاشية، وما سكتنا عنه فهو مما رأينا أنه لابن عبد الهادي، ومتى جزمنا بأن الحاشية ليست لابن عبد الهادي أو ترددنا في ذلك فإننا ننص على ذلك، ويبقى هذا من الاجتهاد الذي اضطررنا إليه، فما كان فيه من صواب فمن الله وحده، وما كان من خطأ
فنستغفر الله منه، والله الموفق. وهذه الحواشي فيها: - عزو بعض الأحاديث إلى مصادرها (انظر: 2/ 34، 174، 176، 252، 257، 484، 639، 645). - وذكر بعض الشواهد والمتابعات والاختلافات (انظر: 1/ 191، 261، 262؛ 2/ 9، 18، 88، 99، 106، 185، 189، 230، 263، 276، 287، 288، 297، 366، 370، 400، 509، 515، 524، 527 وغيرها). - وفيها التعيين لبعض الرواة وترجمتهم (انظر: 1/ 262، 280، 319؛ 2/ 24، 46، 60، 64، 87، 132، 137، 149، 183، 188، 190، 206، 207، 223، 226، 237، 252، 253، 263، 265، 293، 294، 298، 333، 369، 385، 387، 400، 402، 415، 419، 427، 440، 442، 443، 470 وغيرها كثير). - وفيها نقل كلام العلماء في تصحيح الأحاديث وتضعيفها (انظر: 1/ 250، 261، 262؛ 2/ 35، 180، 189، 206، 254، 277، 280، 288، 299، 326، 377، 419، 474، 533، 549). - وفيها التنبيه على بعض أوهام ابن الجوزي وغيره (انظر: 1/ 247، 260؛ 2/ 44، 58، 135، 158، 280، 361، 389، 476، 525، 599، 612، 628، 652).
- وفيها التنبيه على بعض التصحيفات والتحريفات والسقوط التي وقعت في "التحقيق" (انظر: 2/ 318، 341، 350، 384، 371، 404، 431، 535، 554، 586، 592، 625، 645، 665، 670). - وفيها بعض الفوائد الفقهية واللغوية (انظر: 1/ 103، 120، 141، 169، 170 - 171، 171 - 172، 210، 321، 362، 384، 404؛ 2/ 232، 268، 310، 359، 365، 386، 464، 483، 500، 508، 512، 593، 596، 610، 613، 639، 672، 683 وغيرها). - وفيها التنبيه على اختلاف النسخ في بعض النصوص المنقولة (انظر: 2/ 7، 110، 194، 262، 270، 471، 536). وبالجملة هي تعليقات متينة، تتضمن فوائد علمية عزيزة جدًا، ولعل هذه الحواشي لو جمعت من مواطنها المتفرقة لكونت كتابًا مستقلاً، يصح أن يطلق عليه: " النكت على التحقيق لابن الجوزي "! فمن الظلم بعد ذلك أن تهمل هذه الحواشي عند طبع الكتاب! النسخة الثانية (ب): وهي نسخة محفوظة أيضًا في " مكتبة أحمد الثالث " بتركيا، وعنها نسخة مصورة في جامعة الإمام، تحت الرقم: (2679 ف)، وقد حصلنا على مصورة لها من أحد الإخوة الأفاضل جزاه الله عنا خيرًا. وعدد أوراقها: (396).
ولا يوجد أية معلومة عن هذه النسخة، فلا يعرف ناسخها، ولا تاريخ نسخها (1)، ولكنها نسخة جيدة، تمتاز بجمال الخط ووضوحه، وقد أفدنا منها كثيرًا في قراءة بعض المواضع التي أشكلت علينا بالأصل، وفي استدراك بعض المواضع التي سقطت من النسخة الأولى، وهذا يؤكد أن لها أصلاً آخر غير النسخة الأولى. الموازنة ين النسختين: امتازت النسخة (ب) بجودة الخط ووضوحه كما سبق، ولكن فاقتها النسخة الأولى (الأصل) بميزات عدة، هي: 1) أن ناسخها عالم جليل من علماء الحنابلة المشاهير، ألا وهو محمد بن عبد الله الزركشي صاحب الشرح الشهير على " مختصر الخرقي " (2). 2) قرب تاريخ نسخها من تاريخ وفاة المؤلف، فقد نسخت سنة (766). 3) أنها منسوخة من نسخة معتمدة، عليها حواشي المؤلف وضبطه، كما سبق. 4) احتواءها على الحواشي التي علقها المؤلف على نسخته، وهي حواش مهمة ومفيدة كما تقدم. 5) محافظة الناسخ على الرقوم التي وضعها المؤلف فوق أسماء بعض
الرواة، وهي الرقوم التي يستخدمها المزي في "تهذيب الكمال" لبيان أسماء الكتب التي أخرجت للراوي. 6) الدقة في إثبات الرموز التي وضعها ابن عبد الهادي للتمييز بين كلامه وكلام ابن الجوزي. ومع اجتماع هذه الميزات في هذه النسخة، فإنها تستحق أن تكون أصلاً معتمدا في تحقيق الكتاب، والله الموفق. نسخ أخرى: ذكرنا في أول الكلام أننا اطلعنا على عدة نسخ للكتاب، ولا نرى كبير فائدة في التعريف بجميع تلك النسخ وحالُها ما سبق وصفه، ولكننا سوف نشير إلى نسختين من تلك النسخ، لحاجتنا لذلك فيما يأتي: الأولى: قطعة من أول الكتاب في (47) ورقة، تنتهي بالمسألة رقم (47)، ولا توجد عنها أية معلومة، وهي من محفوظات " المكتبة الظاهرية " بدمشق، وحصلنا على صورة منها عن مصورتها المحفوظة في " مركز البحث العلمي " بجامعة أم القرى برقم: (1048)، وسوف نذكر هذه النسخة عند الحاجة إليها باسمها (نسخة الظاهرية)، وربما رمزنا لها بـ (ظ). وإنما ذكرنا هذه النسخة لاحتوائها على بعض الزيادات اليسيرة ليست موجودة في الأصل ولا في النسخة الثانية (1)، ويبدو أنها كانت ملحقة في هوامش نسخة المؤلف، فقد يكون ألحقها بعد تدوينه الكتاب، فوقعت في بعض
النسخ دون بعض، وقد يكون بعض النساخ لم ينتبه لها، والله أعلم. الثانية: وهي نسخة محفوظة أيضًا في المكتبة الظاهرية برقم: (حديث: 301)، وهي تبدأ بكتاب الصيام إلى آخر الكتاب، وعدد أوراقها: (269). وكتب على طرتها بخط مغاير لخط ناسخها: (الثاني من تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي) ا. هـ. ولم نجد ما يدل على ناسخها، أو تاريخ نسخها، وكتب على البطاقة التعريفية بها - التابعة للمكتبة الظاهرية - ما يلي: (اسم الكتاب: الثاني من تنقيح التحقيق لابن الجوزي. اسم المؤلف: ابن عبد الهادي. تاريخ النسخ: القرن التاسع. الملاحظات: من كتاب الصيام إلى آخره، ويتلوه تفسير لبعض الآيات) ا. هـ. وقد ذكر الشيخ العلامة الألباني - رحمه الله - هذه النسخة في كتابه " فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية " (ص: 102 - رقم: 257)، ونسبه لابن عبد الهادي أيضًا. وبعد قراءة النسخة وموازنتها بالنسختين السابقتين (الأصل، و" ب ") تبين أن فيها تصرفًا كبيرًا يخرجها عن كونها نسخة لكتاب "التنقيح"، وبيان ذلك كما يلي: أ) حذف صاحب النسخة الكثير من الأسانيد والنقول التي ذكرها ابن عبد الهادي، بل حذف بعض المسائل بأكملها!
ب) دَمَجَ ما ينقله ابن الجوزي بما ينقله ابن عبد الهادي، وإذا ورد كلام لابن عبد الهادي صَدَّره بقوله (قال شيخنا) (1)! أو (قلت). وكان ابن عبد الهادي إذا أراد أن ينقل كلامًا لابن الجوزي صدره بقوله: (قال المصنف)، فوجدنا صاحب النسخة يبدله في بعض المواضع بـ (قال شيخنا)!! ج) أبدل المصطلحات التي تفيد أن صاحب الكتاب حنبلي، فعندما يقول ابن الجوزي: (قال أصحابنا) أو (لنا) عند ذكر الأدلة، يبدلها الناسخ بـ (قالت الحنابلة) و (استدل الحنابلة)! وكذلك إذا سمى ابن الجوزي أو ابن عبد الهادي أحد علماء الحنابلة فإنه يبهمه، فإذا قال ابن الجوزي مثلاً: (قال القاضي أبو يعلى) يستبدله بـ (قال بعض أهل العلم)! وإذا قال ابن الجوزي: (وبه قال الخلال والأكثرون من أصحابنا) استبدله بـ (وبه قال أكثر أصحاب أحمد)! وإذا قال: (كما ظنه من ظنه من الأصحاب) استبدله بـ (كما ظنه بعض الناس)!
د) يدخل في الكتاب نقول أخرى ليست من "التنقيح"، فمثلاً في آخر كتاب النذور نقل جملة من فتاوى ابن تيمية في ست ورقات (ق: 243/ب - 249/ب) (1)! بل في أواخر مسائل الذبح عقد فصلاً سماه: (فصل جامع) ثم ذكر تفسير عدة آيات من سورة المائدة في ست وثلاثين ورقة (ق: 204/ب - 240/أ) (2)، وبالمراجعة تبين أن ذلك منقول من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية ومن تفسير ابن كثير!!! وهذا يذكرنا بكتاب " الكواكب الدراري " لابن عروة، ولكن نقل ابن عروة كان نقل عالم متقن مدقق، ولا يقع فيه مثل هذا التخليط الذي وقع في هذه النسخة، وهنأك أمور كثيرة تدل على أن صاحب هذه النسخة ليس من أهل العلم. وهذه الأمور تجعلنا نجزم بأن هذه النسخة ليست لكتاب "التنقيح" لابن عبد الهادي، وإنما هي في أحسن الأحوال نسخة لمختصر له، دخله تصرف وتشويه كبير، لا يمكن أن يعد من اختلاف النسخ! وربما لو وجد الجزء الأول من الكتاب لانكشفت حقيقة هذه النسخة بشكل أوضح. وبكل حال فلا يصح أن تعد هذه النسخة من نسخ "التنقيح"، فضلاً عن أن يعتمد عليها في طبع الكتاب، وتخرج للناس منسوبة لابن عبد الهادي. * * *
المبحث السابع: طبعات الكتاب السابقة
المبحث السابع: طبعات الكتاب السابقة من المعروف عند المهتمين بكتاب "التنقيح" أنه سبق طبعه ثلاث مرات - قبل هذه الطبعة -، ولكن الأمر الذي قد يجهله الكثير هو حقيقة تلك الطبعات، وهذا ما سنعرف به هنا: أما الأولى: فصدرت سنة (1373) بهامش "التحقيق" لابن الجوزي، عن " مطبعة السنة المحمدية "، بتحقيق الشيخ / محمد حامد الفقي - رحمه الله - (1)، وصدر منها - حسب علمنا - المجلد الأول فقط، وهو ينتهي بآخر " مسائل صفة الصلاة "، ولم يصف المحقق النسخة التي اعتمدها، ولم يذكر عنها أية
معلومة، وكل ما ذكره أنه قال: (لاحظت أن ابن عبد الهادي يسوق السند كسياق ابن الجوزي في "التحقيق"، وفي ذلك تكرير لا مبرر له، فحذفت وسط السند، مشيرًا إليه بكلمة " بسنده إلى "). وبعد الاطلاع على هذه الطبعة تبين أنها ليس فيها حرف واحد من كلام ابن عبد الهادي، وإنما هي اختصار لكتاب "التحقيق"! فقد يكون بعض النساخ عمد إلى كتاب "التنقيح" وجرده من زيادات الحافظ ابن عبد الهادي، واقتصر على ما ذكره من كلام ابن الجوزي، طلبًا للاختصار! ثم كُتب على النسخة ما يوهم أنها كتاب "التنقيح"، والله تعالى أعلم. وانتشرت هذه الطبعة بين طلبة العلم، واعتمدوها، ونتج عن ذلك أخطاء كثيرة في نسبة أشياء للحافظ ابن عبد الهادي وهو لم يقلها (1). وهذه الطبعة الآن تعد من الطبعات النادرة جدًا، فلا تكاد توجد إلا في بعض المكتبات العامة. وأما الطبعة الثانية: فصدرت سنة (1409)، عن " المكتبة الحديثة " بدولة الإمارات، بتحقيق الأستاذ / عامر صبري، فطبع المجلد الأول من المخطوط،
وهو ينتهي بآخر كتاب الزكاة، في مجلدين، وهي طبعة متقنة، وسالمة من التحريف والسقط إلا شيئًا يسيرًا مثل تحلة القسم (1)، ولكن المحقق الفاضل لم يتم تحقيق الكتاب، وكان الكثيرون من طلبة العلم يظنون أن هذا القدر من الكتاب هو الموجود منه فحسب، ثم هذه الطبعة نفذت من الأسواق، وصار الكتاب من الكتب النادرة الوجود، ومع ذلك لم تعد طباعتها. وأما الطبعة الثالثة: فصدرت سنة (1419)، عن " دار الكتب العلمية "، بتحقيق / أيمن صالح شعبان. وزعم محققها أنه اعتمد على نسختين: هما نسخة الزركشي (النسخة الأولى)، ونسخة الظاهرية (المختصرة) التي سبقت الإشارة إليها، وقال عن النسخة الثانية: (وهذه النسخة تمثل شطر الكتاب الأخير، وقد أستأنسنا بها في بعض المواطن التي أعجمت علينا في النسخة الأصل نتيجة لرداءة التصوير الميكروفيلمي) ا. هـ. وبمطالعة هذه الطبعة ظهر أنه اعتمد على الطبعة الثانية (التي حققها الأستاذ عامر صبري) في القسم الأول (إلى نهاية كتاب الزكاة)، مع تصحيح بعض الأخطاء اليسيرة فيها، ومع المحافظة على ما وقع فيها من السقط والتصحيف في الغالب (2)، بل أثبت الزيادات التي أضافها الأستاذ / عامر صبري من نسخ أخرى لم يذكر محقق هذه الطبعة أنه اعتمدها، أو اطلع عليها، فمن أين أتى بهذه الزيادات؟!
وأما في القسم الثاني فإنه خرج لنا بنسخة جديدة من تلفيقه، فإنه عمد إلى كتاب "التحقيق" لابن الجوزي وحذف منه أسانيده إلى أصحاب الكتب المشهورة، ثم عمد إلى نسخة الظاهرية (المختصرة) التي سبقت الإشارة إليها، وأخذ منها ما وجده زائدًا على كلام ابن الجوزي ووضعه بين الرمزين الذين ذكر ابن عبد الهادي أنه سوف يميز بهما كلامه، وربما نظر في النسخة الأولى أحيانًا، لأنه قد ذكر بعض الفروق اليسيرة بينها وبين نسخة الظاهرية المختصرة. وعليه فلا يصح الاعتماد على هذه الطبعة في القسم الثاني من الكتاب على
أنها طبعة لكتاب "تنقيح التحقيق" لابن عبد الهادي، وإنما هي مختصر له مُشوَّهٌ، لأن محققها إنما اعتمد على نسخة مختصرة لـ "التنقيح"، وقد أوضحنا في وصف النسخ الخطية حال هذه النسخة وحقيقتها، وما حصل فيها من تشويه للكتاب. وبكل حال ما تظهره الموازنة بين مسألة واحدة من طبعة دار الكتب العلمية وهذه الطبعة أبلغ من كل كلام يمكن أن يقال، والحمد لله على التوفيق. * * *
المبحث الثامن: خطة تحقيق الكتاب
المبحث الثامن: خطة تحقيق الكتاب تم العمل في تحقيق "التنقيح" وفق الخطوات التالية: 1 - نسخ النسخة الخطية التي اتخذناها أصلاً وفق قواعد الإملاء الحديثة، مع ضبط ما يحتاج إلى ضبط بالشكل. 2 - مقابلتها على النسخة الثانية (ب) (1) وإثبات الفروق المهمة بينهما في الحاشية، مع استدراك ما سقط في الأصل من هذه النسخة، وأصلح منها ما وقع في الأصل من أخطاء. 3 - مقابلة ذلك على مطبوعة كتاب "التحقيق" لابن الجوزي (طبعة: قلعجي) (2)، وإثبات الفروق بينها وبين نسخ "التنقيح" في الحاشية.
4 - عزو الآيات القرآنية إلى مواضعها بذكر اسم السورة ورقم الآية، وعزو الأحاديث النبوية إلى مصادرها التي يذكرها ابن الجوزي أو ابن عبد الهادي، مع عزو أقوال العلماء إلى مصادرها الأصلية أو الفرعية - مع مراعاة التقدم الزمني والرواية بالإسناد -. 5 - التنبيه على بعض الإشكالات التي تستوقفنا مع التعليق عليها بما يكشفها - حسب ما يسره الله تعالى -، وما لم نصل فيه إلى حل، فحسبنا التنبيه عليه، فإن ذلك من العلم، قال القرافي في " الفروق ": (1/ 121): (وما لا أعرفه، وعجزت قدرتي عنه، فحظي منه معرفة إشكاله، فإن معرفة الإشكال علم في نفسه، وفتح من الله تعالى) ا. هـ. 6 - إعداد فهارس تفصيلية لمحتويات الكتاب، تشمل ما يلي (*): (1) فهرس الأحاديث النبوية. (3) فهرس الآثار. (4) فهرس الأعلام المترجمين. (5) فهرس الكتب. (6) فهرس الفوائد والقواعد. (8) فهرس مصادر التحقيق. (9) فهرس الموضوعات والمسائل. وفي ختام هذه المقدمة نسأل الله عز وجل أن ينفع بهذا العمل ويبارك فيه، وأن يغفر لنا ما حصل فيه من تقصير أو خلل، كما نسأله سبحانه وتعالى أن يجزي خيرًا كل من ساعدنا في إخراج هذا الكتاب وعلى رأسهم الأخ / علي بن أحمد بامرعي، فقد كانت له جهود متميزة في إعداد فهارس الكتاب وتصحيح نماذج الطباعة الأولى، فجزاه الله خيرًا.
وبعد شكر الله عز وجل على ما يسر نتوجه بالشكر الجزيل لوالدنا وشيخنا وأستاذنا الشيخ المحدِّث / عبد الله بن عبد الرحمن السعد، على تفضله بالتقديم للكتاب رغم كثرة مشاغله، فجزاه الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين. وكتب سامي بن محمد بن جاد الله وعبد العزيز بن ناصر الخباني
مقدمة المؤلف
مقدمة المؤلف بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صلِّ وسلِّم على محمَّد وآله (1). الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستهديه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيِّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا كثيراً (2). أما بعد: فهذا كتابٌ أذكر فيه المسائل والأحاديث التي ذكرها الشَّيخ الإمام العلاَّمة الحافظ جمال الدِّين أبو الفرج ابن الجوزي- رحمه الله- في كتاب "التَّحقيق" محذوفة الأسانيد- في الغالب- منه إلى مؤلفي الكتب من الأئمة الحفَّاظ، كالإمام أحمد والبخاريِّ ومسلمٍ والتِّرمذيِّ والنَّسائيِّ والدَّارقطنيِّ وغيرهم، ثم أُتبعها بزياداتٍ مفيدةٍ من ذكر من روى الحديث أو صحَّحَه أو ضعَّفَه، وذكر بعض علل الأحاديث، والتَّنبيه على أحوال رجالٍ سكت عنهم المؤلِّف وهم غير محتجٍّ بهم (3)، ورجالٍ تكلَّم فيهم وهم صادقون محتجٌّ بهم، ورجالٍ وثَّقهم في موضعٍ وضعَّفهم في موضعٍ (4) آخر، وغير ذلك من الزِّيادات المحتاج إليها، وذلك على وجه الاختصار في الغالب، وأكتب في أوَّل الزِّيادة " ز" بالأحمر، وآخرها دائرة " O" بالأحمر أيضاً لكي تتميَّز من كلام المؤلِّف، وسميتُه: "كتاب تنقيح التَّحقيق في أحاديث التَّعليق"، والله أسأل أن ينفع به إنَّه
قريبٌ مجيبٌ، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكَّلت وإليه أنيب. قال الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي - رحمه الله -: أحمد الله على الإنعام المترادف، وأشكره على الإكرام المتكانف، حمداًَ يقوم بشكر التَّالد والطَّارف، وشكراً يصدر من مقرٍّ بالفضل عارفٍ، وكيف لا؟! وبحر فهمي يهمي، وكم فهم واقفٍ؟ وبصر تبصري (1) في العلوم ينفي في نقده الزائف. وأصلِّي على أشرف راكبٍ وملبٍّ وطائفٍ، محمَّدٍ الذي شرع أحسن الشَّرائع ووظَّف أزين الوظائف، وعلى كلِّ من صحبَه وتبعَه خالفاً لسالفٍ. وبعدُ: فهذا كتابٌ نذكر فيه مذهبنا في مسائل الخلاف ومذهب المخالف، ونكشف عن دليل المذهبين من النقل كشف مناصِفٍ، لا نميل لنا ولا علينا فيما نقول ولا نجازف، وسيحمدنا المطََّلع عليه - إن كان منصفاً- والواقف، ويعلم أنَّا أولى بالصَّحيح من جميع الطَّوائف، والله الموفِّق لأرشد الطرق وأهدى المعارف. *****
فصلٌ كان السَّبب في إثارة العزم لتصنيف هذا الكتاب = أنَّ جماعةً من إخواني ومشايخي في الفقه كانوا يسألوني في زمن الصِّبا جمع أحاديث "التَّعليق"، وبيان ما صحَّ منها وما طُعِن فيه، وكنت أتوانى عن هذا لشيئين: أحدهما: اشتغالي بالطَّلب. والثاني: ظنِّي أنَّ ما في التَّعاليق من ذلك يكفي، فلمَّا نظرت في التَّعاليق رأيت بضاعة أكثر الفقهاء في الحديث مُزْجاة! يُعَوِّل أكثرهم على أحاديث لا تصحُّ، ويُغرِض عن الصِّحاح!! ويقلَِّد بعضهم بعضاً فيما ينقل. ثمَّ قد انقسم المتأخرون ثلاثة أقسام: أحدها: قومٌ غلب عليهم الكسل، ورأوا أنَّ في البحث تعباً وكلفةً، فتعجَّلوا الرَّاحة، واقتنعوا بما سطره غيرهم. والقسم الثَّاني: قومٌ لم يهتدوا إلى أمكنة الأحاديث، وعلموا أنَّه لا بدَّ من سؤال من يعلم هذا، فاستنكفوا عن ذلك. والقسم الثَّالث: قومٌ مقصودهم التَّوسع في الكلام طلباً للتَّقدم والرِّئاسة، واشتغالهم بالجدل والقياس، ولا التفات لهم إلى الحديث - لا إلى تصحيحه ولا إلى الطَّعن فيه -، وليس هذا شأن من استظهر لدينه، وطلب الوثيقة في أمره. ولقد رأيت بعض الأكابر من الفُقهاء يقول في تصنيفه - عن ألفاظٍ قد أخرجت في الصِّحاح -: (لا يجوز أن يكون رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال هذه الألفاظ)!!
ويردُّ الحديث الصَّحيح ويقول: (هذا لا يُعرف)!! وإنَّما هو لا يَعرفه. ثمَّ رأيته قد استدل بحديثٍ زعم أنَّ البخاريَّ أخرجه - وليس كذلك-، ثمَّ نقله عنه مصنفٌ آخر كما قال تقليداً له!! ثمَّ استدلَّ في مسألة، فقال: (دليلنا ما روى بعضهم أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال كذا)! ورأيت جمهور مشايخنا يقول [في تصانيفهم] (1): (دليلنا ما روى أبو بكر الخلاَّل بإسناده عن رسول الله [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (2))، و (دليلنا ما روى أبو بكر عبد العزيز بإسناده)، و (دليلنا ما يروي (3) ابن بطََّّة بإسناده) وجمهور تلك الأحاديث في الصِّحاح وفي "المسند" وفي "السُّنن"! غير أنَّ السَّبب في اقتناعهم بهذا: التَّكاسل عن البحث. والعجب ممَّن ليس له شغلٌ سوى مسائل الخلاف، ثم اقتصر (4) منها في المناظرة على خمسين مسألة!! وجمهور هذه الخمسين لا يستدلُّ فيها بحديثٍ!!! فما قدر الباقي حتَّى يتكاسل عن المبالغة في معرفته؟! *****
فصل وأَلْوَمُ عندي ممَّن قد لُمته من الفقهاء: جماعة من كبار المحدثين، عرفوا صحيح النَّقل وسقيمه وصنَّفوا في ذلك، فإذا جاء حديث ضعيف يخالف مذهبهم بيَّنوا وجه الطَّعن فيه، وإن كان موافقاً لمذهبهم سكتوا عن الطعن فيه! وهذا يُنبئ عن قلَّة دينٍ، وغلبة هوى. ز: وقد ضعف الحافظ أبو الفرج - رحمه الله - جماعةً في موضع لمَّا كان الحديث يخالف مذهبه، ثمَّ احتجَّ بهم في موضع آخر لمَّا كان يوافق مذهبه! O. وقال الدَّارَقُطْنيُّ: ثنا أحمد بن محمَّد بن سعيد ثنا إبراهيم بن عبد الله ابن محمَّد السكونيُّ (1) قال: سمعت أبي قال: سمعت وكيعاً يقول: أهل العلم يكتبون ما لهم وما عليهم، وأهل الأهواء لا يكتبون إلا ما لهم! (2) قال: وهذا حين شروعنا فيما انتدبنا له من ذكر الأحاديث، معرضين عن العصبية التي نعتقدها في مثل هذا حراماً، وبعيدٌ: مصنِّفٌ منصِفٌ (3)! ولو ذكرنا كلَّ [حديث] (4) بجميع طرقه، وأشبعنا الكلام فيها لطال ومُلَّ، وإنما هذا [موضوع] (5) للفقهاء، وغرضهم يحصل مع الاختصار،
وللمحدثين فيه حظٌّ (1) بقليلٍ من البسط والأسانيد، والله الموفق. *****
كتاب الطهارة
كتاب الطهارة
*
كتاب الطَّهارة مسألة (1): الطَّهور هو الطَّاهر في نفسه المطهِّر لغيره، فهو من الأسماء المتعدِّية. وقالت الحنفيِّة: هو من الأسماء اللازمة، فهو بمعنى الطَّاهر. وقد استدلَّ أصحابنا في المسألة بحديثين (1): 1 - الحديث الأول: قال البخاريُّ: ثنا ابن [سِنَان] (2) ثنا هُشيم ثنا سَيَّار ثنا يزيد الفقير قال: أنا جابر بن عبد الله أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أُعطيتُ خمساً لم يعطهُنَّ أحدٌ قبلي ... - فذكر منهن: - وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً". هذه طريق البخاريِّ في (3) "الصَّحيح" (4). 2 - وقد أخرجه مسلمٌ من حديث أبي هريرة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "فُضِّلت على الأنبياء بستٍّ ... - فذكر منهنَّ: - وجُعلت لي الأرض طَهُوراً
ومسجداً" (1). 3 - وقد رواه مسلمٌ من حديث حُذَيْفَة، فقال: ثنا أبو بكر بن أبي شَيْبَةَ ثنا محمَّدُ بنُ فُضَيْلٍ عن أبي مالكٍ الأَشْجَعيِّ عن رِبْعِيٍّ عن حُذَيْفَة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فُضِّلنا على النَّاس بثلاثٍ: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض كلُّها مسجداً، وجعلت تربتها لنا طَهُوراً إذا لم نجد الماء". انفرد بإخراجه مسلم (2). قال أصحابنا: لو أراد بقوله: "طهوراً" أنَّه طاهرٌ لم يكن في ذلك فضيلة، لأنَّ ذلك طاهرٌ في حقِّ سائر الأنبياء. 4 - الحديث الثَّاني: روى الترمذيُّ َوالنسائيُّ قالا: ثنا (3) قتيبة عن مالكٍ عن صفوان بن سُليمٍ عن سعيد بن سَلَمة - من آل بني الأَزْرق- أنَّ المغيرة بن أبي بُرْدَة أخبره أنَّه سمع أبا هريرة يقول: سأل رجلٌ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّا نركب البحر، و [نحمل] (4) معنا القليل من الماء، فإن توضَّأنا به عطشنا! أفنتوضأُ من ماء البحر؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هو الطََّهُور ماؤه، الحلُّ ميتته" (5). قال الترمذيَّ: هذا حديث حسنٌ صحيحٌ.
ز: وقد روى هذا الحديث: الإمام أحمد (1) وأبو داود (2) وابن ماجه (3)، وأبو بكر ابن خزيمة (4) وأبو حاتم ابن حِبَّان (5) في "صحيحيهما". وهو حديث مختلف في إسناده: فقيل: عن صفوان بن سُلَيم عن سعيد بن سلمة عن المغيرة بن أبي بُردة عن أبي هريرة، كما تقدَّم. وقيل: عنه عن عبد الله بن سعيد المخزوميِّ. وقيل: عنه عن سلمة بن سعيد عن المغيرة بن أبي بُردة عن أبي هريرة. وقيل: عن المغيرة بن أبي بُردة عن أبيه عن أبي هريرة. ورواه يزيد بن أبي حَبِيب عن الجُلاَح أبي كثير عن كثير (6) بن سلمة المخزوميِّ عن المغيرة بن أبي بُردة عن أبي هريرة (7). وقال الترمذيُّ أيضاً: سألتُ محمَّدَ بنَ إسماعيل البخاريَّ عن هذا
الحديث، فقال: هو حديث صحيحٌ (1). قال البيهقيُّ: وإنَّما لم يخرجه البخاريُّ ومسلمٌ في "الصَّحيح" لأجل اختلافٍ وقع في اسم: سعيد بن سلمة والمغيرة بن أبي بُردة (2). وقد جمعتُ في حديث أبي هريرة [هذا] (3) وشواهده من الأحاديث جزءً كبيراً O. 5 - وروى أحمد: ثنا أبو القاسم بن أبي الزِّناد أخبرني إسحاق بن حازم عن عبيد الله بن مِقْسَم عن جابر بن عبد الله عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في البحر: "هو الطََّهور ماؤه، الحلُّ ميتته" (4).
ثم ساق المؤلف حديث أبي هريرة من طريق الإمام أحمد (1). ز: حديث جابر: رواه ابن ماجه (2) وأبو حاتم (3) والدارَقُطْنيُّ (4). وأبو القاسم ابن أبي الزِّناد: صدوقٌ. وإسحاق بن حازم: وثَّقه أحمد (5) وابن معين (6)، وقال أبو حاتم: صالح الحديث (7). وقال الدارَقُطْنِيُّ: وإسحاق بن حازم هذا: شيخٌ مدينىٌّ، ليس بالقويِّ، وقد اختلف عنه في إسناد هذا الحديث (8) O. قال: وقد رويناه أيضاً من حديث: أبي بكر الصدِّيق، وعليٍّ بن أبي طالب، وابن عبَّاس، وعمرو بن شُعَيب عن أبيه عن جدِّه. واحتجاج أصحابنا منه: أَنَّه لو أراد بالطَّهور الطَّاهر لم يكن جواباً عن السُّؤال، لأنَّ في الطَّاهرات ما يجوز التَّطهر به وما لا يجوز، فعلم أنَّ الطََّهور اسم مختصٌّ بما يتطهر به. ز: قد قيل: إنَّ الطََّهور لازمٌ لفظاً ومعنًى؛ [وقيل: متعدٍّ لفظاً (1) ابن الجوزي ساقه من طريق أحمد عن عبد الرحمن عن مالك عن صفوان به، وهو في "المسند" كما سبق (ص: 11). (2) "سنن ابن ماجه": (1/ 137 - رقم: 388). (3) "الإحسان" لابن بلبان: (4/ 51 - رقم: 1244). (4) "سنن الدارقطني": (1/ 34). (5) "الجرح والتعديل": (2/ 216 - رقم: 740) من رواية صالح عنه. وفي "العلل" لعبد الله: (1/ 531 - رقم: 1250): (شيخ ثقة). (6) "التاريخ" برواية الدارمي: (ص: 73 - رقم: 158). (7) "الجرح والتعديل"، (2/ 216 - رقم: 740). (8) "علل الدارقطني": (1/ 220 - رقم: 26).
ومعنًى؛] (1) وقيل: لازمٌ لفظاً متعدٍّ معنًى. قال شيخنا - رضي الله عنه -: والتَّحقيق في هذا أن يقال: إنَّ الطَّهور هنا ليس معدولاً عن طاهرٍ حتَّى يشاركه في اللزوم والتَّعدِّي بحسب اصطلاح النُّحاة - كما يقال (2): ضاربٌ و [ضروبٌ] (3)، وآكلٌ وأكولٌ، ونائمٌ ونؤومٌ-، ولكن من أسماء الآلات التي تفعل بها، فإنَّهم يقولون: طَهُورٌ ووَجُورٌ (4) وسَعُوطٌ (5) ولَدُودٌ (6) وفَطُورٌ وسَحُورٌ: لما يتَُطَهَّر به ويُوجَر به ويُلَدُّ به ويُفْطَر عليه ويُتَسحَّر به، ويقولون: طُهُورٌ ووُجُورٌ وسُعُوطٌ ولُدُودٌ وفُطُورٌ وسُحُورٌ - بالضمِّ-: للمصدر الذي هو اسمٌ لنفس الفعل. فيفرِّقون بين اسم الفعل واسم ما يفعل به: بالضمِّ والفتح، وهذا معروفٌ مشهورٌ عند أهل العلم بالعربية وغيرهم من الفقهاء والمحدِّثين، وإذا كان كذلك فالطَّهُور: اسمٌ لما يتطهَّر به. وكذا قال تعالى في إحدى الآيتين: (وأنزلنا من السماء ماء طهوراً) [الفرقان: 48]، وفي الأخرى: (وينزل عليكم من السماء ماءً ليطهركم به) [الأنفال: 11]. وأمَّا اسم طاهر فإنَّه صفةٌ محضةٌ لازمةٌ، لا يدلُّ على ما يتطهر به أصلاً. فصار الفرق بين الطَّاهر والطَّهور من جهة اللزوم والتَّعدية المعنويَّة
مسألة (2): لا تنجس القلتان بوقوع النجاسة فيهما، إلا أن تكون بولا.
الحكميَّة الفقهيَّة، لا من جهة اللزوم والتَّعدية النحوية، وبهذا التَّحرير يزول الإشكال ويظهر قول من فرَّق بين طَاهرٍ وطَهورٍ من هذه الجهة، لا كمن سوّى بينهما من أصحاب أبي حنيفة، ولا كمن فرَّق بينهما بفرقٍ غير جارٍ على مقاييس كلام العرب من أصحاب مالكٍ والشافعيِّ وأحمد - رحمهم الله- والله أعلم (1) O. ***** مسألة (2): لا تنجس القلَّتان بوقوع النَّجاسة فيهما، إلا أن تكون بَوْلاً. وسوَّى الشافعيُّ بين الأنجاس، وهو رواية لنا. وقال [أبو حنيفة] (2): ينجس كلُّ ما غلب [على] (3) الظَّن وصول النَّجاسة إليه، فإن كان دون القلَّتين نجس بكلِّ حالٍ. وقال مالكٌ: يعتبر تغيُّر الصِّفات. لنا: 6 - ما روى أحمد: ثنا عَبْدة عن محمَّد بن إسحاق عن محمَّد بن جعفر ابن الزُّبير عن عبيد الله (4) بن [عبد الله بن] (5) عمر عن ابن عمر قال: سمعت
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يُسأل عن الماء يكون في الفلاة من الأرض، وما ينوبه من السِّباع والدَّواب - قال: "إذا كان الماء قلَّتين (1) لم يحمل الخبث" (2). رواه الترمذيُّ عن هنَّاد عن عَبْدة (3). 7 - وروى عَبْد بن حُميد: ثنا أبو أسامة ثنا الوليد بن كثير عن محمَّد بن جعفر بن الزُّبير عن [عبد الله] (4) بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: سُئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الماء يكون بأرض الفلاة، وما ينوبه من السِّباع والدَّوابِّ، فقال: "إذا كان [الماء] (5) قلَّتين لم يحمل الخبث" (6). فإن قيل: قد اختلف على أبي أسامة: فتارةً يرويه عن محمَّد بن جعفر بن الزُّبير. وتارةٌ عن محمَّد بن عبَّاد بن جعفر. فالجواب: أنَّ الدارَقُطْنيَّ قال: القولان صحيحان عن أبي أسامة، فإنَّ الوليد بن كثير رواه عن محمَّد بن جعفر بن الزُّبير وعن محمَّد بن عبَّاد جميعاً عن [عبد الله] (7) بن عبد الله بن عمر، فكان أبو أسامة تارةً يحدِّث به عن الوليد ابن كثير عن محمَّد بن جعفر، وتارةً يحدِّث به عن الوليد عن محمَّد بن عبَّاد (8).
ورواه محمّد بن جعفر عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه، وكذلك رواه عاصم بن المنذر عن عبيد الله بن عبد الله، فقد صحَّت الرِّوايتين (عن عبيد الله وعبد الله) كلاهما عن ابن عمر. فإن قيل: فقد رُوي بالشكِّ: (قلتين أو ثلاثا): 8 - قال أحمد: ثنا وكيع ثنا حمَّاد بن سلمة عن عاصم بن النذر عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا كان الماء قدر قلَّتين - أو ثلاث- لم ينجِّسه شيءٌ". قال وكيع: القلَّة: الجرَّة (1). 9 - وقال الدارَقُطْنيُّ: ثنا الحسن بن إسماعيل ثنا الحسن بن محمد ابن الصبَّاح ثنا يزيد بن هارون أنا حمَّاد بن سلمة عن عاصم بن المنذر بن الزُّبير حدَّثني عبيد الله بن عمر عن أبيه عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا بلغ الماء قلَّتين - أو ثلاثاً- لم ينجِّسه شيءٌ" (2). قلنا: قد اختلف عن حمَّاد: فروى عنه إبراهيم بن الحجَّاج وهُدْبة وكامل بن طلحة فقالوا: قلَّتين أو ثلاثاً. وروى عنه عفَّان ويعقوب بن إسحاق الحضرميُّ وبشر بن السَّريِّ والعلاء ابن عبد الجبَّار وموسى بن إسماعيل وعبيد الله بن موسى العَيْشيُّ (3): إذا كان الماء
قلَّتين - ولم يقولوا: أو ثلاثاً-. واختلف (1) عن يزيد بن هارون: فروى عنه ابن الصبَّاح بالشَّكِّ، وروى عنه أبو مسعود (2) بغير شكٍّ، فوجب العمل على قول من لم يشك. ز: وقد روى حديث القلَّتين: أبو داود (3) والنسائيُّ (4) وابن مَاجَه (5) أيضاً بطرقٍ؛ ورواه ابن خزيمة (6) وابن حِبَّان (7) في "صحيحيهما"؛ والحاكم في "المستدرك" وقال: هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشيخين، فقد احتجا [جميعاً] (8) بجميع رواته ولم يخرجاه، وأظنُّهما - والله أعلم- لم يخرجاه لخلافٍ فيه على أبي أسامة عن الوليد بن كثير (9). وسئل ابن معين عن هذا الحديث فقال: هذا إسنادٌ جيِّدٌ. فقيل له: [فإنَّ] (10) ابن عُلَيَّة لم يرفعه. قال يحيى: وإن لم يحفظه ابن عُلَيَّه فالحديث
حديثٌ جيِّدُ الإسناد (1). وقال البيهقيُّ: إسناده صحيحٌ موصولٌ (2). ورواه حمَّاد بن زيد عن عاصم بن المنذر عن عبيد الله [بن عبد الله] (3) ابن عمر عن أبيه موقوفاً. وكذلك [رواه] (4) إسماعيل بن عُلَيَّة عن عاصم بن المنذر عن شيخ له عن ابن عمر موقوفاً. [وروى زائدة عن ليث عن مجاهد عن ابن عمر قال: إذا كان الماء قلَّتين لا ينجِّسه شيءٌ] (5). وروى عبد الله بن الحسين المصيصيُّ عن محمَّد بن كثير عن زائدة فرفعه. والصواب الموقوف (6). وروى شَريك عن أبي إسحاق عن مجاهد قال: إذا كان الماء قلَّتين لم ينجِّسه شيءٌ. وقد تكلَّم الدارقطنيُّ على هذا الحديث كلاماً طويلاً غير ما ذكره المؤلِّف (7)، كتبته وغيره من كلام الأئمة في جزءٍ مفردٍ.
وقد ذكر الإمام أبو عمر ابن عبد البرِّ في كتاب "التَّمهيد" له = هذا الحديث، وقال: هو حديثٌ يرويه محمَّد بن إسحاق والوليد بن كثير جميعاً عن محمَّد بن جعفر بن الزُّبير، وبعض رواة الوليد بن كثير [يقول فيه عنه: عن محمَّد بن عبَّاد بن جعفر. ولم يختلف عن الوليد بن كثير] (1) أنَّه قال فيه: عن [عبد] (2) الله بن عبد الله (3) بن عمر عن أبيه يرفعه. ومحمَّد بن إسحاق يقول فيه: عن محمَّد بن جعفر بن الزُّبير عن عبيد الله ابن عبد الله بن عمر عن أبيه مرفوعاً أيضاً: فالوليد يجعله عن عبد الله بن عبد الله، ومحمد بن إسحاق يجعله عن عبيد الله بن عبد الله. ورواه عاصم بن المنذر فاختلف فيه عليه أيضاً: قال فيه حمَّاد بن سلمة: عن عاصم بن المنذر عن عبيد الله بن عبد الله ابن عمر عن أبيه. [و] (4) قال فيه حمَّاد بن زيد: عن عاصم بن المنذر عن أبي بكر بن عبيد الله عن عبد الله بن عمر. وقال حمَّاد بن سلمة فيه: "إذا كان الماء قلَّتين - أو ثلاثاً- لم ينجِّسه شيءٌ". وبعضهم يقول: "إذا كان الماء قلَّتين لم يحمل الخبث". وهذا اللفظ
محتملٌ للتأويل. ومثل هذا الاضطراب في الإسناد يوجب التَّوقف عن القول بهذا الحديث، على أنَّ القلَّتين غير معروفتين، ومحالٌ أن يتعبَّد الله تعالى عباده بما لا يعرفونه (1). وقال الطَّحاويُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ، لكن تركناه لعدم علمنا بالقلَّتين (2). وقال الخطَّابيُّ: ويكفي شاهداً على صحَّته [أنَّ] (3) نجومَ أهلِ الحديث صحَّحوه (4). وقد صحَّحه جماعة من المتأخرين، واستشكلوه من جهة: أنَّ القلَّتين لا يعلم قدرهما O. فإن قيل: فقد روي: (أربعين قلَّة): 10 - قال ابنُ عَدِيٍّ: أبنا أبو يعلى ثنا سويد ثنا القاسم بن عبد الله العمريُّ عن محمَّد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا بلغ الماء أربعين قلَّةً فإنَّه لا يحمل الخبث" (5). والجواب: أنَّ هذا لا يرويه مرفوعاً غير القاسم، قال أحمد بن حنبل: القاسم: ليس هو عندي بشيءٍ، كان يكذب ويضع الحديث، ترك الناس
حديثه (1). وقال يحيى بن معين: هو كذَّابٌ خبيثٌ (2). وقال أبو حاتم الرازيُّ: متروك الحديث (3). وقال أبو زرعة: لا يُساوي شيئاً (4). وقال الدارَقُطْنِيُّ: كان ضعيفاً كثير الخطأ، ووهم في إسناده، وخالفه روح بن القاسم وسفيان الثَّوريُّ ومعمر فرووه عن ابن المنكدر عن عبد الله بن عمر (5) موقوفاً. ورواه أيُّوب السَّختياني عن محمَّد بن المنكدر من قوله لم يجاوزه (6). وقد رواه عبد الرَّحمن بن أبي هريرة عن أبيه قال: إذا كان الماء قدر أربعين لم يحمل خبثاً. وخالفه غير واحد، فرووه عن أبي هريرة فقالوا: أربعين غَرْباً (7). ومنهم من قال: أربعين دلواً (8).
احتجَّ أصحاب مالك بأحاديث: 11 - الأوَّل: قال أحمد: ثنا وكيع عن سفيان عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الماء لا ينجِّسه شيءٌ" (1). وهذا متروكُ الظَّاهر بما إذا تغيَّر. 12 - الحديث الثَّاني: [قال الدارَقُطْنيِّ: ثنا محمَّد بن الحسن الحرَّانيُّ ثنا عليُّ بن أحمد الجرجانيُّ ثنا محمد بن موسى الحَرَشيُّ ثنا فُضيلُ بن سليمان النُّميريُّ عن أبي حازم عن سهل بن سعد عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "الماء لا ينجسِّه شيءٌ" (2). قال يحيى بن معين: فُضيلُ بن سليمان ليس بثقةٍ (3). ز: وقال أبو زرعة في فضيل: ليِّن الحديث (4). وقال أبو حاتم والنسائيُّ: ليس بالقويِّ (5). وقد أخرج له في "الصَّحيحين" (6). ومحمَّد بن موسى الحَرَشيُّ: صدوقٌ، [تكلَّم] (7) فيه أبو داود (8)
ووثَّقه غيره. وشيخ الدارَقُطْنيِّ وشيخ شيخه: ثقتان، والله أعلم (1) O. 12/ أ- الحديث الثَّالث] (2): قال الدارقطني: ثنا محمَّد بن موسى البزار أنا علي بن سراج ثنا أبو شُرَحْبِيل عيسى بن خالد ثنا مروان بن محمَّد ثنا رِشْدِين ثنا معاوية بن صالح عن راشد بن سعد عن ثوبان قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الماء طهورٌ إلا ما غلب على ريحه أو على طعمه" (3). هذا لا يصحُ. أمَا معاوية بن صالح: فقال أبو حاتم الرازيُّ: لا يحتجُّ به (4). وكان يجيى بن سعيد لا يرضاه (5). وأما رِشْدِِين: فهو ابن سعد، قال يحيى بن معين: ليس بشيءٍ (6). وقال أبو حاتم الرازيُّ: يحدِّث بالمناكير عن الثِّقات، وفيه غفلةٌ (7). وقال النسائيُّ: متروك الحديث (8). وقال أبو حاتم (9) ابن حِبَّان الحافظ: كان يقرأ
كلَّ ما وقع (1) إليه، سواءٌ كان من حديثه أو لم يكن (2). 13 - الحديث [الرابع] (3): قال الدارقطني: ثنا دَعْلَج ثنا أحمد بن عليٍّ الأبَّار ثنا محمَّد بن يوسف الغَضيْضيُّ ثنا رِشْدِين بن سعد عن معاوية بن صالح عن راشد بن سعد عن أبي أُمَامة الباهليِّ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا ينجِّس الماء شيءٌ إلا ما غير ريحه أو طعمه". قال الدارقطني: لم يرفعه غير رِشدِين بن سعد عن معاوية بن صالح، وليس بالقويِّ (4). وخالفه [] (5) الأحوص بن حكيم فرواه عن راشد بن سعد مرسلاً عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقال أبو أسامة: عن الأحوص عن راشد قوله. لم يجاوز به راشداً. وقد ذكرنا القدح في رِشدِين بن سعد ومعاوية بن صالح. ز: وقد روى حديث أبي أمَامَة: ابنُ مَاجَه في "سننه" (6) والبيهقيُّ (7) من طريق رِشدِين أيضاً. وفي لفظ البيهقيِّ: "إذا كان الماء قلَّتين لم ينجِّسه شيء إلا ما غلب (8) عليه
- ريحه أو طعمه- ". وقال: كذا وجدتُّه! ولفظ "القلَّتين" فيه غريبٌ. وقال أبو حاتم الرازيُّ: يوصله رِشْدِين بن سعد- وليس بالقويِّ-، والصَّحيح أنَّه مرسلٌ (1). وقال الشافعيُّ: هذا الحديث لا يُثبتُ أهل الحديث مثلَه، ولكنَّه قول العامَّة لا أعلم بينهم فيه خلافاً (2). وقد روى أبو القاسم البغويُّ عن أحمد أنَّه قال في رِشْدِين: أرجو أنَّه صالح الحديث (3). وضعَّفه أَيضاً: الفلاَّس (4) وأبو زرعة (5) والدارقطني (6). وقال الجوزجانيُّ: عنده معاضيل ومناكير كثيرة، وسمعتُ ابن أبي مريم يثني عليه في دينه (7). وقال قتيبة بن سعيد: كان لا يبالي ما دفع إليه قرأه (8). وقال ابن عَدِيٍّ: عامَّة أحاديثه عن من يرويه عنه ما أقلَّ فيها ما تابعه (9) أحدٌ عليها، وهو مع ضعفه يكتب حديثه (10). وقال ابنُ يونس: كان رجلاً صالحاً لا يُشكُّ
في صلاحه وفضله، فأدركتْهُ غفلةُ الصَّالحين فخلَّط في الحديث (1). 14 - وقال البيهقيُّ: أبنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو الوليد أنا الشَّاماتي (2) نا عطية بن بقيَّة بن الوليد ثنا أبي عن ثور بن يزيد عن راشد بن سعد عن أبي أمامة مرفوعاً: "إنَّ الماء طاهرٌ إلا إن تغيَّر ريحه أو طعمه أو لونه بنجاسةٍ تَحدث فيه" (3). 15 - قال: وأبنا أبو حازم الحافظ أنا أبو أحمد الحافظ أنا أبو الحسن أحمد ابن عمير بن يوسف الدِّمشقيُّ بدمشق ثنا أبو أميَّة - يعني: محمَّد بن إبراهيم - ثنا حفص بن عمر ثنا ثور بن يزيد عن راشد بن سعد عن أبي أمامة مرفوعاً: "الماء لا ينجس إلا ما غيَّر ريحه أو طعمه" (4). قال البيهقيُّ: والحديث غير قويٍّ، والله أعلم. 16 - وقال أبو أحمد ابن عَدِيٍّ في كتاب "الكامل": ثنا ابن جَوْصَا ثنا أبو أميَّة محمَّد بن إبراهيم ثنا حفص بن عمر عن ثور بن يزيد عن راشد بن سعد عن أبي أُمَامة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الماء لا ينجس إلا ما غيَّر ريحه أو طعمه". قال ابن عَدِي: هذا الحديث ليس يوصله عن ثور إلا حفص بن عمر الأيليّ، وأحاديثه كلُّها إمَّا منكر المتن أو منكر الإسناد، وهو إلى الضَّعف أقرب. ورواه رِشْدين بن سعد عن معاوية بن صالح عن راشد بن سعد عن أبي أُمَامَة موصولاً أيضاً.
ورواه الأحوص بن حكيم- مع ضعفه- عن راشد بن سعد عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً ولا يذكر أبا أُمَامَة (1). 17 - وقال الطَّحاويُّ: ثنا محمَّد بن الحجَّاج ثنا عليُّ بن معبد ثنا عيسى ابن يونس عن الأحوص بن حكيم عن راشد بن سعدٍ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الماء لا ينجِّسه شيءٌ إلا ما غلب على لونه أو طعمه". قال الطَّحاويُّ: هذا منقطعٌ، وأنتم لا تثبتون المنقطع ولا تحتجُّون به (2) O. 18 - الحديث [الخامس] (3): قال الترمذيُّ: ثنا هنَّاد (4) ثنا أبو أسامة عن الوليد بن كثير عن محمَّد بن كعبٍ عن عبيد [الله] (5) بن عبد الله بن رافع بن خَدِيج عن أبي سعيد الخدريِّ قال: قيل: يا رسول الله أنتوضأ (6) من بئر بُضَاعة - وهي بئرٌ يلقى فيها الحِيض ولحوم الكلاب والنَّتن-؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إنَّ الماء طَهورٌ لا ينجِّسه شيءٌ" (7). وقد رواه جماعةٌ عن أبي أسامة، فقالوا: عبيد الله بن عبد الله، ورواه سَلِيط بن أيوب فقال: عن عبد الرَّحمن بن رافع، وقال مرَّةً: عن عبيد الله ابن عبد الرَّحمن بن رافع، ورواه يعقوب بن إبراهيم فقال: عن عبيد الله عن أبيه،
فقد اضطربوا فيه. ورواه المقبريُّ عن أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال الدَارَقُطْنيُّ: والحديث غير ثابتٍ (1). وقد ذكر أبو بكر عبد العزيز في كتاب "الشَّافي" عن أحمد أنَّه قال: حديث بئر بضاعة صحيحٌ (2). ز: سُئل الدَّارَقُطنيُّ عن هذا الحديث فقال: يرويه ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون عن عبيد الله (3) بن عبد الله بن رافع عن أبي سعيد. ورواه الوليد بن كثير عن محمَّد بن كعب القُرَظيِّ عن عبد الله (4) بن عبد الله بن رافع عن أبي سعيد. ورواه محمَّد بن إسحاق أيضاً بإسناد آخر عن سَلِيط بن أيوب، واختلف
عن ابن إسحاق: فقال محمَّد بن سلمة الحرَّانيُّ: عن محمَّد بن إسحاق عن سَلِيط بن أيوب عن عبد الرَّحمن بن رافع عن أبي سعيد، ووهم. وقال إبراهيم بن [سعدٍ] (1) وأحمد بن خالد الوهبي وشعيب بن إسحاق: عن ابن إسحاق عن سَلِيط بن أيوب عن عبد الله (2) بن عبد الرَّحمن ابن رافع عن أبي سعيد، وهو أشبه بالصَّواب. ورواه أبو معاوية الضَّرير عن ابن إسحاق فلم يُقم إسناده، وخلَّط فيه، فقال: عن عبيد الله بن عبد الله (3) بن عُتبة؛ ومرَّةً قال: عن عبيد الله بن عبد (4). وكذلك قال حمَّاد بن سلمة عن محمَّد بن إسحاق. وقال جرير [بن عبد الحميد] (5): عن محمَّد بن إسحاق بلغني عن عبيد الله بن عبد الله بن رافع عن أبي سعيد. وقد قارب، لأنَّ ابن إسحاق رواه عن سَلِيط بن أيوب عن عبيد الله. وروى هذا الحديث مُطرِّف بن طَريف عن خالد بن أبي [نوف] (6)، واختلف عن مُطرِّف:
فقال [عبد العزيز] (1) القَسْمَليُّ: عن مُطرِّف عن خالد بن أبي [نوف] (2) عن سَلِيط عن أبي سعيد الخدريِّ عن أبيه. وقال أسباط بن محمَّد: عن مطرِّف عن خالد عن محمَّد بن إسحاق - فرجع الحديث إلى ابن إسحاق- وأرسله عن أبي سعيد. ورواه ابن أبي ذئب واختلف عنه: فقال أبو أحمد الزُّبيريُّ: عن ابن أبي ذئب عن عبد الله بن عبد الرّحمن عن عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة عن أبي سعيد. وقال أبو معاوية الضَّرير: عن ابن أبي ذئب عن من أخبره عن عبيد الله ابن عبد الله العدويِّ عن أبي سعيد. وقال وكيع وأبو معاوية: عن ابن أبي ذئب عن رجلٍ لم يسمِّه عن عبيد الله بن عبد الله، وأسندوه عن أبي سعيد. وأحسنها إسناداً: حديث الوليد بن كثير عن محمَّد بن كعب، وحديث ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي سلمة (3) 0 انتهى كلام الدَّارَقُطْنيَّ. وما حكاه المؤلِّف عنه - من قوله: (والحديث غير ثابت) -: يريد به حديث أبي هريرة لا حديث أبي سعيد كما صرَّح به في "العلل" (4).
وقد روى هذا الحديث أيضاً الإمام أحمد (1) وأبو داود (2) [والنسائيُّ (3) والدَّارَقُطْنيُّ (4)، وفي لفظ للإمام أحمد وأبي داود] (5) والدَّارَقُطْنيِّ: يُطرح فيه محايض النِّساء ولحم الكلاب وعذر النَّاس. وقال الترمذيُّ: هذا حديثٌ حسنٌ، وقد جوَّد أبو أسامة هذا الحديث، ولم يرو أحدٌ حديث أبي سعيد في بئر بُضاعة أحسن مما روى أبو أسامة، وقد رُوي هذا الحديث من غير وجهٍ عن أبي سعيد (6). قال أبو داود: سمعت قتيبة بن سعيد يقول: سألت قيِّم بئر بُضاعة عن عمقها، فقلت: أكثر ما يكون الماء فيها؟ قال: إلى العانة. قلت: فإذا نقص؟ قال: دون العورة. قال أبو داود: قدَّرت بئر بُضاعة بردائي، مدَّدته عليها، ثمَّ ذَرَعتْه، فإذا عرضها ستة أذرع، وسألتُ الذي فتح لي باب البستان فأدخلني إليه: هل (7) غُيِّر بناؤها عمَّا كانت عليه؟ قال: لا. ورأيتُ الماء فيها (8) متغيِّر اللون (9) O. احتجَّ أصحابُ الشافعيِّ:
مسألة (3): إذا تغير الماء بشيء من الطاهرات تغيرا يزيل عنه اسم
19 - بما روى الترمذيُّ: ثنا محمود بن غيلان ثنا عبد الرزَّاق عن مَعْمَر عن همَّام بن منبِّه عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا يبولنَّ أحدُكم في الماء الدَّائم (1) ثم يتوضَّأ منه" (2). أخرجه البخاريُّ، وفي [لفظه] (3): "ثم يغتسل فيه" (4)؛ وأخرجه مسلمٌ، وفي [لفظه] (5): "ثم تغتسل منه" (6). قال المؤلِّف: ووجه حجَّتهم أَنَّه لو كان فيه نجاسةٌ غير البول منعت، فالبول كذلك. ***** مسألة (3): إذا تغيَّر الماء بشيءٍ من الطََّاهرات تغيراً يزيل عنه اسم الإطلاق لم يرفع الحدث، خلافاً لأبي حنيفة. احتجَّ الخصم بحديثين:
20 - قال أحمد: ثنا إسحاق الأزرق أنا هشام عن حفصة عن أمِّ عطيَّة قالت: توفِّيت إحدى بنات رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: "اغسلنَّها بسدرٍ واجعلنَّ في الآخرة كافوراً- أو: شيئاً من كافور-" (1). 21 - قال أحمد: وثنا عبد الملك بن عمرو (2) ثنا إبراهيم بن نافع عن ابن أبي نَجِيح عن مجاهد عن أمِّ هانئ قالت: اغتسل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وميمونة من إناءٍ واحد، [] (3) قصعةٌ فيها أثر العجين (4). 22 - قال أحمد: وثنا عبد الرَّزَّاق أنا مَعْمَر عن ابن طاوس عن المطَّلب بن عبد الله عن أمِّ هانئ قالت: جيء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحفنةٍ فيها ماء، [فيها] (5) أثر العجين فاغتسل (6). حديث أمِّ عطية: في "الصَّحيحين" (7).
مسألة (4): المستعمل في رفع الحدث طاهر.
وحديث أمِّ هانئ: لا يثبت، وقد روى الدَّارَقُطْنيُّ أنَّ أمَّ هانئ كرهت أن يُتوضَّأ بالماء الذي يبلُّ فيه الخبز (1). ثُمَّ ليس في الحديثين حجَّة، لأَنَّه ليس فيهما ذكر التَّغيُّر. ز: وقد روى حديثَ أمِّ هانئ أيضاً: ابن ماجه (2) والنَّسائيُّ (3) وأبو حاتم ابن حبَّان (4) O. ***** [مسألة (5)] (4): المستعمل في رفع الحدث طاهرٌ. وقال أصحاب أبي حنيفة: نجسٌ. لنا: 23 - ما روى أحمد: ثنا وكيع ثنا سفيان عن عون بن أبي جُحَيْفة عن أبيه (6) قال: أتيت النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالأبطح - وهو في قُبَّة له - فخرج بلال بفضل وَضوءه، فبين ناضحٍ ونائلٍ (7).
24 - قال أحمد: وثنا عفان ثنا شعبة عن الحكم قال: [سمعتُ] (1) أبا جُحَيفة يقول: توضًأ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجعل النَاس يأخذون فضل وَضوءه (2). أخرجاه في "الصحيحين" (3). ز: المستعمل في رفع الحدث فيه ثلاث روايات عندنا، وفيه خلاف عند (4) الأئمة الأربعة وغيرهم، والصحيح من حيث الدَّليل أنه طَهور، وقد احتجَّ أصحابنا بأحاديث في الاستدلال بها نظرٌ، منها: 24 - عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: جاء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعودني وأنا مريض لا أعقل، فتوضأ وصبَّ وَضوءه عَلَيَّ فعقلت، فقلت: يا رسول الله، لمن الميراث، إنما يرثني كَلالةٌ؟ فنزلت آية الفرائض. متفقٌ عليه (5). 25 - وعن السَّائب بن يزيد رضي الله عنه قال: ذهبت [بي] (6) خالتي
إلى النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت: يا رسول الله، إن ابن أختي وجعٌ. فمسح رأسي ودعا لي بالبركة، ثم توضَّأ فشربت من وَضوءه، ثم قمت خلف ظهره فنظرت إلى خاتم النُّبوة بين كتفيه مثل زِرِّ الحَجَلة. متفقٌ عليه (1). 26 - وعن المسور بن مخرمة رضي الله عنه- ذكر في حديث صلح الحديبية- قال: فوالله ما تنخَّم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نخامةً إلا وقعت في كفٍّ رجلٍ منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وَضوءه. رواه البخاريُّ (2). 27 - وعن الرُّبيِّع بنت معوَّذ بن عَفْراء أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح برأسه من فضل ماءٍ كان بيده. رواه أبو داود (3)، وفي إسناده: عبد الله بن محمَّد بن عَقيل، قال أحمد - في رواية حنبل-: منكر الحديث (4). وقال ابنُ معين (5) وابنُ المدينيِّ (6):
كان ضعيفاً. وقال أبو حاتم: ليِّن الحديث، ليس بالقويِّ، ولا ممَّن يحتجُّ بحديثه (1). وقال النَّسائيُّ: ضعيف (2). وقال ابن خزيمة: لا أحتجُّ به لسوء حفظه (3). وقال التِّرمذيُّ: صدوقٌ، وقد تكلَّم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه، وسمعتُ محمَّد بن إسماعيل يقول: كان أحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم والحميديُّ يحتجُّون بحديث ابن عقيل. قال محمَّد بن إسماعيل: وهو مقارب الحديث (4). وقال الحاكم أبو أحمد: [كان أحمد بن (5) حنبل وإسحاق بن إبراهيم يحتجَّان بحديثه] (6)، ليس بذاك المتن المعتمد. والدَّليل على طهوريته: قول النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الماء لا يجنب"، وقال: "الماء ليس عليه جنابة". قالوا: ولأَنَّه غسل به محلٌّ طاهرٌ فلم تزل طَهوريته، كما لو غسل [به] (7) الثَّوب، ولأَنَّه لاقى محلاً طاهراً فلا يخرج عن حكمه بتأدية الفرض [به] (8)، كالثَّوب يصلي فيه مراراً O. *****
مسألة (5): لا يجوز للرجل أن يتوضأ بفضل وضوء المرأة إذا خلت
مسألة (5): لا يجوز للرجل أن يتوضَّأ بفضل وَضوء المرأة إذا خلت بالماء، خلافاً لهم. لنا ثلاثة أحاديث: 28 - الأوَّل: قال أحمد: حدَّثنا سليمان بن داود ثنا شعبة عن عاصم الأحول قال: سمعت أبا حاجب يحدِّث عن الحكم بن عمرو الغفاريِّ أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى أن يتوضَّأ الرَّجل بفضل وَضوء المرأة (1). قال الترمذيُّ: هذا حديث حسن، واسم أبي حاجب: سوادة بن عاصم (2). ز: ورواه أبو داود (3) وابن مَاجَه (4) والنسائيُّ (5) وأبو حاتم ابن حِبَّان (6) والترمذيُّ وزاد فيه: أو قال: بسؤرها (7). ورواه الدَّارَقُطْنيُّ وقال: أبو حاجب اسمه: سوادة بن عاصم، واختلف عنه، فرواه: عمران بن حُدير وغزوان [بن] (8) حجير السَّدوسيُّ عنه موقوفاً من قول الحكم غير مرفوعٍ إلى النَّبيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (9). وقال البيهقيُّ: وبلغني عن أبي عيسى الترمذيِّ أنه قال: سألتُ محمداً-
يعني البخاريَّ- عن هذا الحديث، فقال: ليس بصحيح. يعني حديث أبي حاجب عن الحكم بن عمرو (1). وقال الأثرم (2): قال أبو عبد الله: يضطربون فيه عن شعبة، وليس [هو] (3) في كتاب غُندَر، بعضهم يقول: (عن فضل سؤر المرأة)، وبعضهم يقول: (عن فضل وَضوء المرأة)، لا يتَّفقون عليه (4). وسوادة بن عاصم: وثَّقه يحيى بن معين (5) والنَّسائيُّ (6)، وقال أبو حاتم: شيخ (7). وذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثِّقات" وقال: ربَّما أخطأ (8) O. 29 - الحديث الثَّاني: قال أحمد: حدَّثنا حميد بن عبد الرَّحمن الرُّؤاسي ثنا زهير عن داود بن عبد الله الأَوديِّ عن حُميد الحِميريِّ قال: لقيت رجلاً من أصحاب النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال لي: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يغتسل الرَّجل من (9) فضل المرأة (10) ولا تغتسل بفضله" (11). (1) "سنن البيهقي": (1/ 192)، وكلام الترمذي في "علله الكبير": (ص: 40 - رقم:32)، وانظر: "التاريخ الكبير" للبخاري: (4/ 185). (2) (قال الأثرم) ليست في (ب)، وانظر ما يأتي بعد التعليق التالي. (3) زيادة من (ب). (4) هذا النص بحروفه نقله ابن دقيق في "الإمام": (1/ 159) ومغلطاي في "شرح سنن ابن ماجه": (1/ 208) عن أحمد من رواية الميموني. (5) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (4/ 292 - رقم: 1266) من رواية ابن أبي خيثمة. (6) "تهذيب الكمال" للمزي: (12/ 235 - رقم: 2635). (7) "الجرح والتعديل" لابنه: (4/ 292 - رقم: 1266). (8) "الثقات": (4/ 341). (9) في (ب): (في). (10) في (ب) و"التحقيق" و"المسند": (امرأته). (11) "المسند": (4/ 110 - 111).
ز: روى هذا الحديث أبو داود عن أحمد بن يونس عن زهير، [و] (1) عن مسدَّد عن أبي عوانة، جميعاً عن داود بن عبد الله (2). ورواه النَّسائيُّ عن قتيبة عن أبي عوانة (3). وزهير هو: ابن معاوية، أبو خَيْثَمة، الجعفيُّ، الكوفيُّ، الحافظ، أحد الأثبات. قال معاذ بن معاذ: والله ما كان سفيان أثبت من زهير (4). وقال أحمد: كان [مِنْ] (5) معادن الصِّدق (6). وداود بن عبد الله الأَوْديُّ: وثَّقه أحمد (7)، وقال عبَّاس الدُّوريُّ عن
يحيى بن معين: ليس بشيء (1). وقال إسحاق بن منصور عن يحيى: ثقة (2). كذا ذكر غير واحدٍ من المصنِّفين رواية عبَّاس عن يحيى في ترجمة [داود] (3) هذا، والظَّاهر أنَّ كلام يحيى إنَّما هو في داود بن يزيد الأَوْدي- عمِّ عبد الله بن إدريس- فإنَّه المشهور بالضَّعف (4). وحُميد [الحميريُّ: هو ابن عبد الرّحمن. قال العجليُّ: بصريٌّ، تابعيٌّ، ثقةٌ، وكان ابن سيرين يقول:] (5) هو أفقه أهل البصرة (6). وحميد الرُّؤاسيُ: ثقةٌ ثبتٌ. قال أبو بكر بن أبي شَيبَة: قلَّ من رأيت مثله (7). وقال البيهقيُّ في هذا الحديث: رواتُه ثقاتٌ؛ إلا أنَّ حُميداً لم يسمِّ الصَّحابي الذي حدَّثه، [فهو] (8) بمعنى المرسل، إلا أنَّه مرسلٌ جيِّدٌ، لولا مخالفته الأحاديث الثابتة الموصولة قبله؛ وداود بن عبد الله الأَوْديُّ لم يحتج به
الشَّيخان- البخاري ومسلم- رحمهما الله. انتهى كلامه (1). وهذا الحديث ليس بمرسلٍ، وجهالة الصَّحابي لا تضر، وقيل: إن [هذا] (2) الرَّجل الذي لم يسم: عبد الله بن سَرْجِس. وقيل: عبد الله ابن مُغَفَّل. وقيل: الحكم بن عمرو الغفاريُّ. وقد تكلَّم على هذا الحديث ابن حزم بكلام أخطأ فيه، وردَّ عليه ابن مُفَوَّز وابنُ القطَّان وغيرهما، وقد كتب الحميديُّ (4) إلى ابن حزم من العراق [يخبره] (5) بصحَّة هذا الحديث (6) O. 30 - الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا عبد الله بن محمَّد بن سعيد المقرئ ثنا أبو حاتم الرَّازي ثنا معلَّى بن [أسد] (7) ثنا عبد العزيز بن المختار عن عاصم الأحول عن عبد الله بن سَرْجِس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى أن يغتسل الرَّجل بفضل المرأة، والمرأة بفضل الرَّجل، ولكن يشرعان جميعاً (8). ز: ورواه ابن ماجه وقال: هو وهمٌ (9). يعني أنَّ الصَّواب حديث الحكم بن عمرو. ورواه الدَّارَقُطْني أيضاً وقال: خالفه شعبة. فرواه من رواية شعبة عن
عاصم عن عبد الله بن سرجِس قال: تتوضأ المرأة وتغتسل من فضل غسل الرَّجل وطهوره، ولا يتوضأ بفضل غسل المرأة ولا طهورها. قال: هذا موقوفٌ وهو أولى (1). وقال البيهقيُّ: وبلغني عن أبي عيسى الترمذي عن محمَّد بن إسماعيل البخاريِّ أَنه قال: حديث عبد الله بن سَرجِس في هذا الباب الصَّحيح هو موقوف، ومن رفعه فهو خطأ (2) O. قال المؤلِّف: اعترضوا على هذه الأحاديث: أمَّا الأوَّل: فقد قال البخاريُّ: لا أرى حديث سوادة عن الحكم يصحُّ (3). وأمَّا الثَّاني والثَّالث: فلا يمكن العمل بمطلقه، لأَنَّه يجوز للمرأة أن تتوضَّأ بما خلا به الرَّجل. والجواب: أمَّا قول البخاريِّ: فظنٌّ لم يذكر عليه دليل.
وأمَّا الاعتراض الثَّاني: فقد حكى شيخنا أبو الحسن بن [الزَّاغُوني] (1) عن أصحابنا المنع، وإن سلَّمنا- على المشهور- قلنا: هذا عامٌ دخله التَّخصيص بالإجماع أو بدليلٍ. أمَّا حجَّتهم: 31 - فروى أحمد: ثنا وكيع عن سفيان عن سِماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عبَّاس أنَّ امرأة من أزواج النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اغتسلت من جنابةٍ فاغتسل النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو توضَّأ- من فضلها (2). 32 - قال أحمد: وحدثنا عبد الرَّزَّاق ثنا سفيان الثَّوريُّ عن سِماك عن عكرمة عن ابن عبَّاس أنَّ امرأة من نساء النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استحمَّت من جنابةٍ فجاء النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضَّأ من فضلها، فقالت: إنِّي اغتسلتُ منه. فقال: "إنَّ الماء لا ينجِّسه شيءٌ" (3). 33 - قال أحمد: وثنا هاشم بن القاسم ثنا شَريك عن سِماك عن عكرمة عن ابن عبَّاس عن ميمونة زوج النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: أجنبت أنا ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاغتسلت من جفنةٍ ففضلت فضلةٌ فجاء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليغتسل منها، فقلت: إنِّي قد اغتسلتُ منها. فقال: "إنَّ الماء ليس عليه جنابة- أو: لا ينجِّسه شيءٌ -". فاغتسل منه (4). قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ (5).
وأجاب أصحابنا عن هذا الحديث: بأنَّه يحتمل أن يكون مع المشاهدة أو المشاركة، فيُجمع بينه وبين حجَّتنا (1). ز: وقد روى حديث عكرمة عن ابن عبَّاس أيضاً: أبو داود (2) وابن ماجه (3) والنَّسائيُّ (4) والدَّارَقُطْنِيُّ (5) وابن خُزَيْمَة (6) وابن حِبَّان (7) في "صحيحيهما" والحاكم في "المستدرك" وقال: صحيحٌ لا يحفظ له علَّة (8). وقال أحمد: أتَّقيه لحال سماك، ليس أحد يرويه غيره (9). وقال: هذا فيه اختلافٌ شديد، [بعضهم يرفعه] (10)، وبعضهم لا يرفعه. وقال: أكثر أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولون: إذا خلت المرأة (11) بالماء فلا يتوضأ منه (12).
وسماك بن حرب: احتجَّ به مسلمٌ في "صحيحه" (1)، واستشهد به البخاريُّ في "الجامع الصَحيح"، وقال عبد الرَّزاق عن الثَّوريِّ: ما سقط لسماك بن حرب حديث (2). وقال صالح بن أحمد عن أبيه: سماك أصلح حديثاً من عبد الملك بن عمير (3). وقال أبو طالب عن أحمد: مضطرب الحديث (4). وقال أحمد بن سعد بن أبي مريم عن يحيى بن معين: ثقة، وكان شعبة يضعِّفه (5). وقال ابن المبارك عن الثَّوريِّ: ضعيفٌ (6). وقال العجليُّ: جائز الحديث، إلا أنَّه كان في حديث عكرمة ربَّما وصل الشيء عن ابن عبَّاس، وربما قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنَّما كان عكرمة يحدِّث عن ابن عبَّاس، وكان الثَّوريُّ يضعِّفه بعض الضَّعف، وكان جائز الحديث لم يترك حديثه أحدٌ ولم
يرغب عنه أحد، وكان [عالماً بالشعر] (1) وأيام النَّاس، وكان فصيحاً (2). وقال أبو حاتم: صدوق ثقة (3). وقال ابن المديني: رواية سماك عن عكرمة مضطربةٌ (4). وقال زكريا بن عَديٍّ عن ابن المبارك: سماك ضعيف في الحديث (5). وقال صالح بن محمَّد البغداديُّ: يُضَعَّف (6). وقال النَّسائيُّ: ليس به بأسٌ، [و] (7) في حديثه شيءٌ (8). وقال ابن خراشٍ: في حديثه لينٌ (9). وقال ابن عَدِيٍّ: صدوقٌ لا بأس به (10). 34 - وقد روى مسلمٌ في "صحيحه" بإسناده إلى (11) عمرو بن دينار قال: علمي (12) والذي يخطر على بالي أنَّ أبا الشَّعثاء أخبرني أنَّ ابن عبَّاس
مسألة (6): لا يجوز إزالة النجاسة بمائع غير الماء.
أخبره أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يغتسل بفضل ميمونة (1) O. ***** مسألة (6): لا يجوز إزالة النَّجاسة بمائعٍ غير الماء. وقال أبو حنيفة: يجوز (2). وحجَّتنا: أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر باستعمال الماء: 35 - قال أحمد: حدَّثنا بهز ثنا عكرمة بن عمّار ثنا إسحاق بن عبد الله [بن] (3) أبي طلحة عن عمِّه أنس بن مالك قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاعداً في المسجد، إذ جاء أعرابيٌّ فبال في المسجد، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لرجل من القوم: "قم فأتنا بدلوٍ من الماء فشُنَّه عليه". فأُتي بدلوٍ من ماء فشَنَّه عليه (4). 36 - قال أحمد: وثنا أبو معاوية ثنا هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر قالت: أتت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امرأة، فقالت:
يا رسول الله، المرأة يصيبها من دم حيضها (1)؟ فقال: "لتَحُتَّه، ثم لتَقْرُصَه بالماء، ثمَّ لتصلِّ فيه" (2). الحديثان في "الصَّحيحين" (3). *****
مسألة (7): لا يجوز التوضؤ (1) بشيء من الأنبذة.
مسألة (7): لا يجوز التوضُّؤ (1) بشيءٍ من الأنبذة. وقال أبو حنيفة: يجوز بنبيذ التَّمر المطبوخ إذا عدم الماء في السَّفر. وأصحابنا يستدِلُّون: بقوله: (فلم تجدوا ماءً) [النساء: 43، المائدة: 6]. 37 - وبما رواه التِّرمذيُّ: ثنا محمَّد بن بشَّار (2) ثنا أبو أحمد الزُّبيري ثنا سفيان عن خالد الحذَّاء عن أبي قلابة عن عمرو بن بُجْدان عن أبي ذرٍّ أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إنَّ الصَّعيد الطَّيب طَهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسَّه بشرته فإن ذلك خيرٌ". قال الترمذيُّ: هذا حديث صحيح (3). ز: وروى هذا الحديث: أحمد (4) وأبو داود (5) والنَّسائيُّ (6) وأبو حاتم بن حِبَّان (7) والحاكم وقال: صحيحٌ ولم يخرجاه، إذ لم يجدا لعمرو بن بُجْدان راوياً غير أبي قلابة الجرميِّ (8). وسئل الدَّارَقُطْنيُّ عن هذا الحديث فقال: يرويه أبو قلابة عن عمرو بن
فرواه خالد الحذَّاء عن أبي قلابة عن عمرو بن بُجْدان عن أبي ذرٍّ ولم يختلف أصحاب خالد عليه (1). ورواه [أيُّوب] (2) السَّختيانيُّ عن أبي قِلابة، واختلف عنه: فرواه [مَخْلد] (3) بن يزيد عن الثَّوريِّ عن أيُّوب وخالد عن [أبي قِلابة] (4) عن عمرو بن بُجْدان عن أبي ذرٍّ. وأحسبه (5) حمل حديث أيُّوب على حديث خالد، لأنَّ أيوب يرويه عن أبي قِلابة عن رجلٍ لم يسمِّه عن أبي ذرٍّ. وذكر كلاماً غير هذا، ثُمَّ قال: والقول قول خالد الحذَّاء (6) O. احتجَّ المخالف بحديثين: أحدهما: عن ابن مسعود، والثَّاني: عن ابن عبَّاس. فأمَّا حديث ابن مسعود فله ستة طرقٍ: 38 - الطََّريق الأوَّل: قال أحمد: ثنا عبد الرَّزَّاق ثنا سفيان عن أبي
فَزارة العبسيّ ثنا أبو زيد مولى عمرو بن حُريث عن ابن مسعود قال: لما كانت ليلة الجنِّ، قال لي النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أمعك ماءٌ؟ " قلت: ليس معي ماء، ولكن معي إداوة فيها نبيذٌ. فقال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تمرةٌ طيِّبةٌ، وماءٌ طهورٌ" (1). 39 - قال أحمد: وثنا يحيى بن زكريا عن إسرائيل عن أبي فَزارة عن أبي زيد عن ابن مسعود قال: كنت مع النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة لقي الجنَّ فقال: " أمعك ماءٌ؟ " قلت: لا. فقال: "ما هذا في الإداوة؟ " قلت: نبيذٌ. قال: " [أرنيها] (2)، ثمرةٌ طيِّبة، وماء طهور". فتوضَّأ، ثم صلَّى بنا (3). ز: ورواه أبو داود (4) وابن ماجه (5) و [الترمذيُّ] (6)، وسيأتي كلامه (7) عليه (8) O. 40 - الطَّريق الثَّاني: قال أحمد: وثنا يحيى بن إسحاق أنا ابن لهيعة عن قيس بن الحجَّاج عن حنش الصَّنعاني عن ابن عبَّاس عن عبد الله بن مسعود أَنَّه كان مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة الجنِّ، فقال له النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يا عبد الله، أمعك ماء؟ " قال: معي نبيذ في إداوة. فقال: "اصبب عَلَيَّ". فتوضَّأ، فقال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يا عبد الله بن مسعود، شرابٌ وطهورٌ" (9).
41 - الطَّريق الثَّالث: قال الدَّارَقُطنيُّ: ثنا البغويُّ ثنا محمَّد بن عبَّاد المكيُّ (1) ثنا أبو سعيد مول بني هاشم ثنا حمَّاد بن سلمة عن عليِّ بن زيد عن أبي رافع عن ابن مسعود أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له ليلة [الجنِّ] (2): "أمعك ماء؟ " قال: لا. قال: "أمعك نبيذٌ؟ " قال: نعم. فتوضّأ [به] (3). 42 - الطَّريق الرَّابع: قال الدَّارَقُطْنيُّ: ثنا محمَّد بن أحمد بن الحسن ثنا الفضل بن صالح الهاشميُّ ثنا الحسن بن عبيد الله العجليُّ ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي وائل قال: سمعت ابن مسعود يقول: كنت مع النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة الجنِّ فأتاهم فقرأ عليهم القرآن، فقال لي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بعض الليل: "أمعك ماء يا ابن مسعود؟ " قلت: [لا] (4) والله يا رسول الله، إلا إداوة فيها نبيذ. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تمرة طيبة، وماء طهور". فتوضَّأ به رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (5). 43 - الطََّريق الخامس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا عثمان (6) بن أحمد الدَّقَّاق ثنا محمَّد بن عيسى بن حيَّان ثنا الحسن بن قتيبة ثنا يونس بن أبي إسحاق [عن أبي إسحاق] (7) عن أبي عبيدة (8) وأبي الأحوص عن ابن مسعود قال: مرَّ بي
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: "خذ معك إداوة من ماء". ثم انطلق وأنا معه فلمَّا فرَّغت عليه من الإداوة إذا هو نبيذٌ! فقلت: يا رسول الله، أخطأت بالنَّبيذ! فقال: "تمرة حلوة، وماء عذب" (1). 44 - الطَّريق السَّادس: قال الدارَقُطْنِيُّ: حدَّثني محمَّد بن أحمد بن الحسن ثنا إسحاق بن إبراهيم بن أبي حسَّان ثنا هشام (2) بن خالد الأزرق ثنا الوليد ثنا [معاوية] (3) بن سلاَّم عن أخيه زيد عن جدِّه أبي سلاَّم عن فلان بن غيلان الثَّقَفيِّ أنَّه سمع عبد الله بن مسعود يقول: دعاني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة الجنِّ بوَضوء، فجئته بإداوة فيها نبيذٌ، فتوضأ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (4). وأمَّا حديث ابن عبَّاس فله طريقان: 45 - الطَّريق الأوَّل: قال الدَارَقُطْنيُّ: ثنا عثمان بن أحمد الدَّقَّاق ثنا يحيى بن عبد الباقي ثنا المسيَّب بن واضح ثنا مبشر بن إسماعيل [عن] (5) الأوزاعيِّ عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "النَّبيذ وَضوءُ من (6) لم يجد الماء" (7). 46 - الطَّريق الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا عبد الباقي بن قانع ثنا السَّريُّ بن سهل الجُندَيْسَابُورِيُّ (8) ثنا عبد الله بن رُشَيد ثنا أبو عبيدة مُجَّاعة عن
أبان عن عكرمة عن ابن عبَاس قال: رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قال "إذا لم يجد أحدكم الماء، ووجد النَّبيذ، فليتوضَّأ به" (1). قال المؤلف: ليس في هذه [الأحاديث] (2) شيءٌ يصحُّ. أمَّا حديث ابن مسعود: ففي الطَّريق الأوَّل: أبو زيد وأبو فزارة وهما مجهولان، قال أحمد بن حنبل: أبو فزارة في حديث ابن مسعود رجلٌ مجهولٌ (3). قال التِّرمذيُّ: وأبو زيد مجهولٌ عند أهل الحديث، لا يُعرف له رواية غير هذا الحديث (4). قال أبو زرعة: وهذا الحديث ليس بصحيح (5). فإن قيل: أبو فزارة: اسمه راشد بن كيسان، أخرج عنه مسلم (6)، وكذلك قال الدارَقُطنيُّ: أبو فزارة في حديث النَّبيذ: اسمه راشد بن كيسان (7). فجوابه من وجهين: أحدهما: أنَّهما اثنان، فالمجهول هو الذي في هذا الحديث، ودليل هذا قول أحمد: أبو فزارة في حديث ابن مسعود: مجهول. فأعلم أنَّه غير المعروف (8).
والثَّاني: أنَّ معرفة اسمه لا تخرجه عن الجهالة. وأمَّا الطّريق الثَّاني: فتفرَّد به ابن لهيعة، قال الدارقطني: لا يحتجُّ بحديثه (1). وفيه حنش، قال ابن حِبَّان: لا يحتجُّ بحديثه (2). وأمَّا الطريق الثالث: ففيه عليُّ بن زيد، قال أحمد ويحيى: ليس بشيءٍ (3). وقال يحيى بن سعيد: هو متروك الحديث (4). وقال الدارقطني: وأبو رافع لم يثبت سماعه من ابن مسعود (5). وأمَّا الطَّريق الرَّابع: ففيه الحسن العجليُّ، قال الدارقطني: كان يضع الحديث، وقد كذب في (6) هذا الحديث (7) على أبي معاوية وعلى الأعمش (8).
وأمَّا الطريق الخامس: فقال الدَّارَقطْنىُّ: محمَّد بن عيسى ضعيف والحسن بن قتيبة متروك الحديث (1). وأمَّا الطَّريق السَّادس: ففيه ابن غيلان، قال الدَّارَقُطْنيُّ: هو مجهولٌ (2). ويردُّ أصلَ الحديث أنَّه في "الصَّحيح" عن ابن مسعود أنَّه سُئل: أكنتَ مع النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة الجنِّ؟ فقال: لا (3). وأمَّا حديث ابن عبَّاس: فتفرَّد بالحديث (4) الأوَّل: المسيَّب بن واضح، قال الدارَقُطْنيُّ: هو ضعيفٌ، وقد وهم فيه في موضعين: في ذكر ابن عبَّاس، وفي ذكر النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ والمحفوظ أنَّه من قول عكرمة غير مرفوع إلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا إلى ابن عبَّاس، وقد رواه المسيَّب مرَّةً موقوفاً غير مرفوعٍ (5). وأمَّا الطَّريق الثَّاني: ففيه أبان بن أبي عيَّاش، وهو متروك، قال شعبة: لأن أزني أحبُّ إليَّ من أن أحدِّث عن أبان! (6) وقال يحيى: ليس حديثه بشيءٍ (7).
وقال الدَّارَقُطْنيُّ: هو متروكٌ (1). قال: ومُجَّاعة: ضعيفٌ، والمحفوظ أنَّه من قول (2) عكرمة غير مرفوعٍ (3). ز: أبو فَزَارة في الحديث الأوَّل: هو راشد بن كيسان- بلا خلاف- وقد احتجَّ به مسلمٌ في "صحيحه"، وروى له البخاريُّ في "الأدب" وأبو داود والتِّرمذيُّ وابن ماجه، وقد روى عن أنس بن مالك ويزيد بن الأصم وجماعة، وروى عنه جرير بن حازم والثَّوريُّ وشَريك وغيرهم، ووثَّقه يحيى بن معين (4)، وقال أبو حاتم: صالح (5). وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثقةٌ كيِّس، ولم أر له في كتب أهل النَّقل ذكراً بسوءٍ في دينٍ أو حرفةٍ (6). وقال عبد الرَّحمن بن أبي حاتم في ترجمته: سمعت أبا زرعة يقول: حديث أبي فزارة ليس بصحيحٍ (7). وقال ابن عَديٍّ- بعد أن روى هذا الحديث-: وأبو فَزَارة مشهور الحديث (8)، اسمه راشد بن كَيْسَان (9). وما ذكره المؤلِّف عن الإمام أحمد (من أنَّ أبا فزارة مجهول): ليس بثابتٍ عنه (10)، والظَّاهر أنَّ الرَّاوي غلط وأنَّ قول أحمد إنَّما هو في أبي زيد.
وأمَّا أبو زيد: فقد قال فيه أبو بكر عبد الله بن أبي داود: كان نبَّاذاً بالكوفة (1). وهذا يحتمل أن يكون تحسيناً [لأمر] (2) أبي زيد، فيكون قد ضبط الحديث [لكونه] (3) نبَّاذاً، ويحتمل أن يكون تضعيفاً له. وقال ابن عَدِيٍّ: سمعت ابن حمَّاد يقول: [قال البخاريُّ] (4): أبو زيد - الذي روى حديث ابن مسعود أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "تمرة طيبةٌ، وماءٌ طهورٌ" -: رجلٌ مجهولٌ، لا يعرف بصحبة عبد الله (5). وقال ابن عَدِيٍّ: وأبو زيد مولى عمرو مجهول، ولا يصحُّ هذا الحديث عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (6). وقال الطَّحاويُّ: هذا الحديث لا أصل له (7). وحكى بعضهم الإجماع على ضعفه. وأمَّا حنش الصَّنعانيُّ في الإسناد الثَّاني: لم يضعِّفه ابن حِبَّان إنَّما ضعَّف حنش بن المعتمر - ويقال: ابن ربيعة - الكنانيُّ الكوفيُّ (8)، وقد احتجَّ مسلم
..................................................................................
بحنش الصَّنعانيِّ (1) وروى له أصحاب "السُّنن"، ووثَّقه أبو زرعة (2) وأحمد بن عبد الله العجليُّ (3). وأمَّا ابن لهيعة: فقد قال أحمد: من [كان] (4) مثله بمصر في كثرة حديثه وضبطه (5)! وقال مسلم: تركه وكيع ويحيى القطَّان وابن مهدي (6). وقال أبو زرعة: [كان] (7) لا يضبط، وليس بحجَّة (8). وقال ابن معين: ليس بذاك القويِّ (9). وقال النَّسائيُّ: ليس بثقة (10). وقد تكلَّم المؤلِّف على الباقي بما فيه كفاية O. قال: وقد احتج الخصم بآثار منها: أنَّ عليّاً أجاز الوضوء بالنبيذ. وهذا من رواية الحارث الأعور- قال عليُّ بن المديني: الحارث
كذَّاب (1)؛ ومن وراية مزيدة بن جابر، قال أبو زرعة: ليس بشيءٍ (2). ومنها قول ابن عبَّاس في ذلك. وهو [من] (3) رواية عبد الله بن [محرَّر] (4): قال الدَّارَقُطْنيُّ: هو متروك الحديث (5). ومنها قول أبي العالية، [و] (6) لا يثبت عنه: 46/أ- قال أبو خلدة: سألت أبا العالية: عن رجلٍ [ليس] (7) عنده ماء، وعنده نبيذٌ، أيغتسل به من جنابة؟ قال: لا. فذكرت له ليلة الجنِّ، فقال: [أنبذتكم] (8) هذه الخبيثة! إنَّما كان [ذلك] (9) زبيباً وماء. وقال هبة الله الطَّبريُّ: أحاديث الوضوء بالنَّبيذ، وضعت على أصحاب ابن مسعود عند ظهور العصبيَّة! *****
مسألة (8): لا يكره الوضوء بالماء المشمس.
مسألة (8): لا يكره الوضوء بالماء المُشَمَّس. وقال الشَّافعيُّ: يكره. واحتجَّ أصحابه بحديثين: أحدهما: عن عائشة، والثَّاني: عن أنس. فأمَّا حديث عائشة فله أربع طرق: 46/ب- الطَّريق الأوَّل: أخبرنا به محمَّد بن عبيد الله بن نصر أنا عبد الله بن علي بن زكْرِي أنا عليُّ بن محمَّد بن [بشران] (1) أنا إسماعيل بن محمَّد الصغَّار ثنا [سَعدان] (2) بن نصر ثنا خالد بن إسماعيل عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: أسخنت ماءً في الشَّمس، فقال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تفعلي يا حميراء، فإنَّه يورث البرص". 47 - الطَّريق الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنيُّ: ثنا محمَّد بن الفتح القَلانِسيُّ ثنا أحمد بن عبيد بن ناصح ثنا الهيثم بن عَدِيٍّ عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نحو الحديث الذي قبله (3). 48 - الطَّريق الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنيُّ: ثنا محمَّد بن الفتح القلانسي ثنا
محمّد بن الحسن بن سعيد البزَّاز (1) ثنا عمرو بن خالد (2) ثنا عمرو بن محمَّد [الأَعْسَم] (3) ثنا فُلَيْح عن الزُّهريِّ عن عروة عن عائشة قالت: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يتوضأ بالماء المشمَّس أو يغتسل به، وقال: "إنَّه يورث البرص" (4). 49 - الطَّريق الرَّابع: قال ابن حِبَّان: ثنا [عمر] (5) بن سنان ثنا أحمد بن الفضل الصَّائغ ثنا نوح بن الهيثم ثنا وهب بن وهب عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: أسخنت لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ماءً في الشَّمس، فقال: "لا تعودي يا حميراء، فإنَّه يورث البرص" (6).
وأمَا حديث أنس: 50 - فروى العقيليُ: ثنا صالح بن شُعيب ثنا إسماعيل بن عبد الله بن زرُارة ثنا عليُ بن [هاشم] (1) الكوفيُ ثنا سَوادة عن أنس أَنَّه سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "لا تغتسلوا بالماء الذي يسخَن في الشمس، فإنَه يعدي [من] (2) البرص " (3). هذان حديثان ليس فيهما ما يصحُ عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أمَا حديث عائشة: ففي طريقه الأوَل: خالد بن إسماعيل، قال ابن عَدي الحافظ: كان
يضع الحديث على ثقات المسلمين (1). وقال أبو حاتم بن حِبَان الحافظ: لا يحتجُ به بحالٍ (2). وقال الدَارَقُطْنِيُّ: متروكٌ (3). وفي طريقه الثَاني: الهيثم بن عَدِي، قال [يحيى بن معين] (4): كان يكذب (5). وقال النَّسائيُ (6) والرَازيَّ (7): متروك الحديث. وقال السَعديَّ: ساقطٌ قد كشف قناعه (8). وأمَّا الطَّريق الثَالث: ففيه عمرو [الأَعْسَم] (9)، قال الدَّارَقُطْنيُ: لم يروه عن فُلَيح غيره، وهو منكر الحديث (10). وقال ابن حِبَان: يروي عن الثقات المناكير، ويضع أسامي [للمحدَّثين] (11)، لا يجوز الاحتجاج به بحال (12). وفي الطَّريق الرَابع: وهب بن وهب، وكان من رؤساء الكذَّابين! قال أبو بكر بن عيَّاش (13) وابن المديني (14) وأبو حاتم الرَازيَّ (15): كان كذَّاباً. (1) "الكامل": (3/ 41 - رقم: 600). (2) "المجروحون": (1/ 281)، وفيه: (لا يجوز الاحتجاج به بحال). (3) "السنن": (1/ 38). (4) بياض بالأصل، والمثبت من (ب) و"التحقيق". (5) "التاريخ" برواية الدوري: (3/ 363 - رقم: 1767). (6) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 233 - رقم: 608). (7) هو أبو حاتم، "الجرح والتعديل" لابنه: (9/ 85 - رقم: 350). (8) "الشجرة في أحوال الرجال ": (ص: 339 - رقم: 373). (9) في النسختين: (الأعشم) خطأ، والتصويب من "التحقيق"، وانظر: ما سبق في التعليق رقم (3) ص: (65). (10) "سنن الدارقطني": (1/ 32) بتصرف. (11) في الأصل: (المحدثين)، والمثبت من (ب) و"التحقيق" و"المجروحون". (12) "المجروحون": (2/ 74). (13) "تاريخ بغداد" للخطيب: (13/ 455 - رقم: 7323). (14) "تاريخ بغداد" للخطب: (13/ 454 - رقم: 7323) من رواية ابنه عبد الله. (15) "الجرح والتعديل" لابنه: (9/ 26 - رقم: 116).
وقال أحمد بن حنبل: كان كذَّاباً يضع الحديث (1). وقال يحيى بن معين: كان كذَّاباً خبيثاً، كان عامةُ الليل يضع الحديث (2). وقال عثمان بن أبي شيبة: ذاك دجَال (3). وقال السَعديَّ: كان يكذب ويجسر (4). وقال عمرو بن علي الفلاَّس: كان يكذب ويحدَّث بما ليس له أصلٌ (5). وقال الدَارَقُطَّنيُ: كذَّابٌ متروك (6). وأما حديث أنس: ففيه سَوَادة: وهو مجهولٌ. وفيه: علي بن هاشم، قال ابن حِبَان: كان يروي المناكير عن المشاهير (7). ز: 50/أ- وروى الشَافعيُ: ثنا إبراهيم بن محمَّد عن صدقة بن عبد الله عن أبي الزبير عن جابر أنَّ عمر كان يكره الاغتسال بالماء المشمس، وقال: [إنَّه] (8) يورث البرص (9).
إبراهيم بن محمَّد: هو ابن أبي يحيى، قد كذَّبه مالك (1) ويحيى القطَّان (2) ويحيى بن معين (3) وغيرهم، ووثَّقه الشَّافعيُ (4) وابن الأصبهانيُّ (5) وغيرهما، وقال البخاريَّ: تركه ابن المبارك والنَاس (6). وصدقة بن عبد الله: ضعَّفه أحمد بن حنبل (7) ويحيى بن معين (8) وابن
نمير (1) والبخاريَّ (2) والنَّسائيُ (3) والدَارَقُطْنِيُ (4) وغيرهم، وقال عثمان الدَارميُ عن دحيم: ثقة (5). وقال أبو زرعة الدِّمشقيُ عن دحيم: مضطرب الحديث، ضعيف (6). وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: محلُه الصِّدق (7). وقال الكنانيُ (8) [عن أبي حاتم] (9): لا يحتجُ به (10). 50/ب- وروى الدَارَقُطْنِيُ: ثنا أبو سهل بن زياد ثنا إبراهيم الحربي (11) ثنا داود ابن رُشَيد ثنا إسماعيل بن عيَّاش حدَّثني صفوان بن عمرو عن حسَان بن أزهر أنَّ عمر بن الخطَّاب قال: لا تغتسلوا بالماء المشمَس فإنَّه يورث البرص (12). وقال أبو نصر بن الصبَّاغ في كتاب "الشَّامل ": روي عن (13) مالك
مسألة (9): إذا مات في الماء ما ليس (3) له نفس سائلة لم ينجس،
عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ... فذكر الحديث المتقدم! وهذا غلط فاحشٌ، ولا يعرف هذا الحديث من رواية مالك أصلاَ بإسناد صحيح، [قال البيهقيُ:] (1) روي بإسنادِ منكرِ عن ابن وهب عن مالك عن هشام ولا يصحُ (2) O. * * * * * مسألة (9): إذا مات في الماء ما ليس (3) له نفسٌ سائلةٌ لم ينجس، خلافاً لأحد قولي الشَافعي. لنا حديثان: 51 - الحديث الأوَل: قال البخاريَّ: ثنا قتيبة ثنا إسماعيل بن جعفر عن عتبة بن مسلم عن [عُبيد] (4) بن حُنين عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا وقع الذُّباب في إناء أحدكم، فليغمسه كلَّه ثم ليطرحه، فإنَّ في أحد جناحيه شفاءٌ، وفي الآخر داءٌ " (5). لم يخرَّجه مسلم (6). 52 - الحديث الثَاني: قال الدَّارَقُطْنيُ: حدثني محمَّد بن حميد بن
سهل (1) ثنا أحمد بن [أبي] (2) الأخيل الحمصيُ حدَثني أبي ثنا بقيَة حدثني سعيد بن أبي سعيد عن بشر بن منصور عن علي بن جُدْعان عن سعيد بن المسيَّب عن سلمان قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كل طعام وشراب وقعت فيه دابة ليس لها دمٌ، فماتت فيه، فهو حلالٌ أكلُه وشربُه ووضوءه ". قال الدَارَقُطْنِيُ: لم يروه غير بقيَّة عن سعيد الزُّبيدي (3)، وهو ضعيف (4). وقال ابن عَدي: سعيد مجهول، وعامَّة أحاديثه ليست بمحفوظة (5). ز: 53 - وروى أبو سعيد الخدريَّ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "في (6) أحد جناحي الذباب سمّ والآخر شفاءٌ، فإذا وقع في الطَّعام فامْقُلوه فيه (7)، فإنَّه يقدَّم السُّمَّ، ويؤخَّر الشفاء ". رواه الإمام أحمد (8) والنَسائيُ (9) وابن ماجه (10) - وهذا لفظه، وهو أتم-، ورواه أبو حاتم بن حِبَان البُسْتيُ (11).
مسألة (10): آسار سباع البهائم نجسة في إحدى الروايتين.
وهو من رواية سعيد بن خالد القَارِظي، وقد ضعَّفه النَّسائيُ (1)، وقال الدَارَقُطنيُ: مدني [] (2) يحتج به (3). وذكره ابن حِبَان في كتاب " الثَّقات " (4) O. ***** مسألة (10): آسار سباع البهائم نجسةٌ في إحدى الرَّوايتين. و [في] (5) الأخرى: طاهرةٌ. كقول مالكِ والشَافعي. لنا: حديث ابن عمر المتقدم (6): " إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثاً ".
احتجُّوا بأربعة أحاديث: الحديث الأوَّل (1): قوله: "الماء طهورٌ لا ينجَّسه إلا ما غيَّر لونه .... " - وقد تقدَّم- الحديث (2). 54 - الحديث الثَاني: قال الدَّارَقُطْنِيُ: حدَثني الحسن بن أحمد بن صالح ثنا علي بن الحسن بن هارون البَلَديَّ ثنا إسماعيل بن الحسن الحرَّانيُ ثنا أيُوب بن خالد الحرَانيُّ ثنا محمَّد بن عُلْوان عن نافع عن ابن عمر قال: خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بعض أسفاره، فسار ليلاً، فمرُوا على رجلٍ جالسٍ [عند] (3) مَقْرَاةٍ (4) له، فقال عمر: يا صاحب المقَراةِ، أَوَلغت السَّباع في مَقْرَاتِك؟ فقال له النَبيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يا صاحب المقرَاة لا تخبره، هذا متكلفٌ (5)! لها ما حملت في بطونها، ولنا ما بقي شرابٌ وطهورٌ " (6). قال ابن عَدي: أيُوب بن خالد حدَث عن الأَوْزَاعي بالمناكير (7). ز: هذا حديثٌ منكرٌ، ومحمَّد بن عُلْوان: ضعيفٌ. وأيوب بن خالد: قال الحاكم أبو أحمد: لا يتابع في أكثر حديثه (8). وقال القاسم (9) ابن زكريا المُطَرَّز عن إبراهيم بن هانئ: ثنا أيوب بن خالد
الحرَّانيُ وكان ثقةً (1). وذكره ابن حِبَان في "الثّقات " (2). وهذا الحديث رواه مالكٌ في "الموطأ" [موقوفًا] (3) قال: مرَّ عمر وعمرو بن العاص بحوضٍ، فقال عمرو: يا صاحب الحوض، يرد على حوضك السّباع؟ فقال عمر: يا صاحب الحوض، لا تخبرنا، فإنَا نَرِدُ عليها، وتَرِدُ [علينا] (4). وفي إسناده انقطاعٌ O. 55 - الحديث الثَالث: قال الدَارَقُطْنيُ: ثنا محمَّد بن مخلد ثنا أبو سيَّار محمَّد بن عبد الله بن المستورد حدثني أحمد بن عمرو بن [السَّرح] (5) ثنا ابن وهب ثنا عبد الرَحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء عن أبي هريرة قال: سئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الحِياض التي تكون فيما بين مكَّة والمدينة، فقيل له: إنَّ الكلاب والسباع تَرِدُ عليها؟ فقال: "لها ما أخذت في بطونها، ولنا ما بقي شرابٌ وطهورٌ " (6). [عبد الرَحمن] (7) بن زيد: ضعيفٌ بإجماعهم، ضعَفه أحمد (8) وعلي (9)
وأبو داود (1) وأبو زرعة (2) والرَازيَّ (3) والدَارَقُطْنيُ (4)، وقال ابن حِبَّان: كان يقلب الأخبار وهو لا يعلم، فيرفع المراسيل ويسند المواقيف، فاستحقَّ التَّرك (5). ز: وقد روى هذا الحديث ابن ماجه في "سننه" (6) من حديث أبي سعيد الخدريَّ، وفي إسناده عبد الرَّحمن بن زيد بن أسلم أيضاً، ولم يتَفقوا على تضعيفه، بل قال ابن عَدِي: له أحاديث حسان، وصدَقه بعضهم، وهو ممَن يكتب حديثه (7) O. 56 - الحديث الرَابع: قال الدارَقُطنيُ: ثنا أبو بكر النَيسابوريَّ ثنا الرَبيع بن سليمان ثنا الشَافعيُ ثنا سعيد بن سالم عن ابن (8) أبي حبيبة عن داود بن الحُصَين عن أبيه عن جابر قال: قيل: يا رسول الله، أنتوضَأ بما أفضلت الحُمُر؟ قال: "نعم، وبما أفضلت السَّباع كلها " (9). قال ابن حِبَّان: داود بن الحُصَينْ حدَث عن الثقات بما لا يُشبه حديث
الأثبات، تجب مجانبة روايته (1). وقد روى هذا الحديث عنه رجلان: إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة، قال البخاريَّ: عنده مناكير (2). وقال النَّسائيُّ: ضعيفٌ (3). وقال يحيى: ليس بشيءَ (4).
والثَّاني: إبراهيم بن أبي يحيى، وقد كذَّبه مالك ويحيى بن معين (1)، وقال الدَارَقُطْنيُ: [هو] (2) متروكٌ (3). ز: داود بن الحُصَنْ: احتجَّ به البخاريُّ ومسلم في " صحيحيهما " (4)، ووثَقه يحيى بن معين (5) وغيره، وقال أبو زرعة: ليَّن (6). وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، ولولا أنَ مالكاَ روى عنه لتُرك حديثه (7). وقال النَسائيُّ: ليس به بأس (8). وقال ابن عَدِي: صالح الحديث (9). وذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثقات" أيضاً، وقال: كان يذهب مذهب الشَراة، وكل من تَرك حديثَه على الإطلاق وهم، لأَنه لم يكن داعية إلى مذهبه، والدُعاة يجب مجانبة رواياتهم على الأحوال، فأمَّا من انتحل بدعةَ فلم يدع إليها وكان متقنَا (10) كان جائز الشَهادة [محتجًا] (11) بروايته، فإن وجب ترك حديثه وجب ترك حديث عكرمة! لأَنه
كان يرى مذهب الشَّراة مثله (1). وحصن وَالد داود-: قال البخاريَّ وأبو حاتم: حديثه ليس بالقائم (2). زاد أبو حاتم: ضعيفٌ (3). وقال ابن حِبَان: اختلط في آخر عمره حتَى كان لا يدري ما يحدث به، واختلط حديثه القديم بحديثه الأخير فاستحق التَرَّك (4). وإبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة: وثَّقه الإمام أحمد (5)، وقال عثمان ابن سعيد عن يحيى: صالحٌ، يكتب حديثه ولا يحتجُ به (6). وقال الدَارَقُطْنيُ: متروكٌ (7). وقال ابن عَدي: هو صالحٌ في باب الرواية، ويكتب حديثه مع ضعفه (8). وسعيد بن سالم القَدَاح: شيخٌ صدوقٌ أكثر عنه الشَافعيُ (9)، ووثَقه يحيى بن معين (10)، وقال عثمان الدَارميُ: ليس بذاك (11). وقال أبو داود:
مسألة (11): البغل والحمار نجسان، وكذلك جوارح الطير.
صدوقٌ (1). وقال ابن عَدي: حسن الحديث، وأحاديثه مستقيمة (2). وإبراهيم بن أبي يحيى: تقدَّم بعض الكلام [عليه] (3) في الماء المشمَّس (4)، والله أعلم O. ***** مسألة (11): البغل والحمار نجسان، وكذلك جوارح الطَّير. وقال مالك والشَافعيُ: طاهرة. 57 - ما روى البخاريَّ: ثنا سليمان بن حرب ثنا حمَاد بن زيد عن عمرو عن محمَّد بن علي عن جابر بن عبد الله قال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم خيبر عن لحوم الحُمُر الأهليَة، ورخَّص في الخيل (5). 58 - وقال النَسائيُ: أنا محمَّد بن عبد الله بن [يزيد] (6) ثنا سفيان عن أيُّوب عن محمَّد عن أنس قال: أتانا منادي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " إنَّ الله
ورسوله ينهاكم (1) عن لحوم الحُمُر فإنها رجسٌ " (2). 59 - وقال أبو بكر عبد العزيز بن جعفر: ثنا الخلاَّل ثنا علي بن جابر ثنا فزارة (3) ثنا أبو مالك [الجنبيُ] (4) عن جُويبِر عن الضَحاك عن ابن عبَاس قال: كنت رِدْف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على حمار له فأصاب ثوبي من عرقه، فأمرني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أغسله. جويبر: ليس بشيءٍ، والضَحَاك: لم يلق ابن عبَاس. احتجَّ الخصم: بقوله: أنتوضَأ بما أفضلت الحُمُر؟ ... وقد تقدَم في المسألة قبلها (5). *****
مسألة (12): الكلب والخنزير نجسان، وسؤرهما نجس.
مسألة (12): الكلب والخنزير نجسان، وسؤرهما نجسٌ. وقال مالك وداود: طاهران. لنا ثلاثة أحاديث: 60 - الحديث الأوَل: قال البخاريَّ: ثنا عبد الله بن يوسف أنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا شرب الكلب في إناء أحدكم، فليغسله سبعاً " (1). ورواه مسلم (2). 61 - طريقٌ آخر: قال أحمد: ثنا يزيد ثنا (3) هشام بن حسَان عن محمَّد عن أبي هريرة عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا ولغ الكلب في إناء، غُسل سبع مرات أولاهنَّ بالتراب " (4). انفرد بإخراجه مسلمٌ (5). 62 - طريق آخر: قال الدَّارَقُطْنِيُ: ثنا أبو بكر النيسابوريَّ ثنا محمَّد بن يحيى ثنا إسماعيل بن الخليل ثنا عليُ بن مُسْهِر عن الأعمش عن أبي صالح وأبي رَزين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليهرقه وليغسله سبع مرَّات ".
قال الدَارَقُطْنيُ: إسنادُه حسن، ورواتُه كلُّهم ثقات (1). ز: رواه مسلم عن علي بن حُجْر عن ابن مُسْهِر، ولفظه: "فليرقه، ثم ليغسله سبع مرَّات ". قال: وحدَّثني محمد بن الصَبَّاح ثنا إسماعيل بن زكريا عن الأعمش بهذا الإسناد مثله، ولم يقل فيه: فليرِقْهُ (2) O. 63 - الحديث الثَّاني: قال أحمد: ثنا محمَّد بن جعفر (3) ثنا شعبة عن أبي التياح قال: سمعت مُطَرفاً يحدَّث عن عبد الله بن مُغَفل عن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال في الإناء- إذا ولغ فيه الكلب-: "اغسلوه سبع مرَّات، وعفروه الثَّامنة بالتُراب " (4). انفرد بإخراجه البخاريُّ. ز: لم يخرج هذا الحديث البخاريُّ، وإنَّما أخرجه مسلم (5) O. 64 - الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُ: ثنا محمَّد بن أحمد بن زيد الحِنَّائيُ ثنا محمود بن محمَّد المروزيُّ ثنا الخَضِر بن أصرم ثنا الجارود عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن هبيرة عن علي قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم، فليغسله سبع مرَّات، إحداهنَّ بالبطحاء" (6). فإن قالوا: قد رواه أبو هريرة فقال: ثلاثاً أو خمساً.
قلنا: سيأتي جوابه في المسألة بعدها (1). ز: محمود بن محمَّد المروزيَّ: ذكره الخطيب في "التَاريخ " وحسَن حاله (2). والخَضِر بن أصرم: ليس هو بالمشهور، ولم يذكره ابن حِبَان في كتابه (3). والجارود: هو ابن يزيد أبو علي العامريَّ النَيسابوريَّ، كذَّبه أبو أسامة (4) وأبو حاتم الرَازيَّ (5)، وقال البخاريَّ: منكر الحديث (6). وقال أبو داود: غير ثقة (7). وقال النَسائيُ (8) والدَارَقُطَّنِيُ (9): متروكٌ. و [] (10) هبيرة: قال فيه أبو حاتم الرَازيَّ: شبيهٌ بالمجهولين (11). وقال ابن خِراش: ضعيفٌ (12). والله أعلم O.
مسألة (13): يجب العدد في الولوغ سبعا، وبه قال الشافعي ومالك.
احتجُوا: بالحديث المتقدم: سئل عن حياضٍ تردها الكلاب والسَّباع .... وقد سبق هذا (1). ***** مسألة (13): يجب العدد في الولوغ سبعاً، وبه قال الشَافعيُ ومالك. وقال أبو حنيفة: لا يجب العدد، بل تعتبر غلبة الظَّن. لنا: قوله عليه الصَلاة والسَلام: "فليغسله سبعاً " وقد تقدَم (2). احتجُّوا: 65 - بما رواه الدَارَقُطْنيُ: ثنا جعفر بن محمَّد بن نصير ثنا الحسن بن علي المعمريَّ ثنا عبد الوهَاب بن الضحَاك ثنا إسماعيل بن عيَاش [عن] (3) هشام بن عروة عن أبي الزَّناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الكلب يلغ في الإناء- أَنَّه يغسله ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً (4). والجواب:
قال الدَارَقُطْنيُ: تفرَد به عبد الوهَاب، وهو متروك الحديث (1). وإسماعيل بن عيَّاش: ضعيف، قال أبو حاتم بن حِبَان: لا يحتجُ بحديثه (2). و [قد رواه] (3) الدَارَقُطْنِيُ عن أبي هريرة موقوفاً أنَه قال: يغسل ثلاثاً. ثم قال: لم يروه غير عبد الملك عن عطاء، والصَحيح " سبع مرَات " (4). قالوا: فقد رفعه حسين الكرابيسيُ. قلنا: لم يرفعه غيره، ولا يحتجُ بحديثه. ز: حسين الكرابيسيُ: فقيهٌ صاحب تصانيف، قال فيه الأزديَّ: ساقط لا يرجع إلى قوله (5). وقال الخطيب: حديثه يعزُّ جداً، لأنَ أحمد [بن حنبل] (6) يتكلم فيه بسبب مسألة اللفظ (7). وقال ابن عَدِي- بعد أن روى هذا الحديث من رواية حسين الكرابيسيِّ عن إسحاق الأزرق عن عبد الملك مرفوعًا-: والحسين الكرابيسيُ له كتبٌ مصنفةٌ، وذكر فيها اختلاف النَاس في (8) المسائل وكان حافظاً لها، وذكر في كتبه أخباراً كثيرة، ولم أجد له منكراً
مسألة (14): يجب غسل الأنجاس سبعا، خلافا لهم في قولهم: لا
غير ما ذكرت من الحديث؛ والذي حمل أحمد بن حنبل عليه من أجل اللفظ في القرآن، وأمَا في الحديث فلم أجد (1) به بأسَا (2) O. ***** مسألة (14): يجب غسل الأنجاس سبعًا، خلافًا لهم في قولهم: لا يجب العدد. فأبو حنيفة: يعمُّ جميع النَجاسات. والشَّافعيُّ: يوجب العدد في نجاسة الكلب والخنزير، ويسقطه فيما عدا ذلك. ومالك: يوجب العدد في الولوغ تعبداً، ولا يعتبر العدد في النَّجاسات. لنا: الحديث المتقدَّم، وأنَه أمر في الولوغ بسبعِ (3). احتجُّوا: 66 - بما رواه أحمد: ثنا حسين بن محمَّد ثنا أيوب بن جابر عن عبد الله ابن عِصْمَة (4) عن ابن عمر قال: كانت الصَلاة خمسين، والغسلُ من الجنابة
سبعَ مرار، والغسلُ من البول سبعَ مرار؛ فلم يزل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسأل حتَى جُعلت الصَلاة خمساً، والغسل من الجنابة مرَةً، والغسل من البول مرَةً (1). والجواب: أمَا عبد الله بن عصمة: فإنَ شريك بن عبد الله يقول: ابن عُصم (2). قال ابن حِبَان: هو منكر الحديث، يحدث عن الأثبات بما لا يشبه حديث الثقات، حتَى يسبق إلى القلب أنها موهومة أو موضوعة (3). وأمَا أيُوب بن جابر، فقال يحيى بن معين: ليس بشيء (4). وقال أبو زرعة: واهي الحديث (5). وقال النَسائيُ: ضعيفٌ (6). ز: روى هذا الحديث: أبو داود (7) والطَّبرانيُّ وقال: لم يروه عن ابن عمر إلا عبد الله بن عُصم، تفرَد به أيُوب بن جابر (8).
وعبد الله بن عُصم- ويقال: ابن عِصْمَة-: أبو عَلْوان الحنفيُ [العِجليُ] (1)، حديثه في أهل الكوفة، وثقه يحيى بن معين (2)، وقال أبو زرعة: ليس به بأسٌ (3). وقال أبو حاتم: شيخ (4). وذكره ابن حِبَان في "الثِّقات " أيضاً وقال: يخطئ كثيَراً (5). وقال ابنُ عَدِي: له أحاديث أنكرتها (6). وأيُوب بن جابر، قال أحمد: يشبه حديثه حديث أهل الصِّدق (7). وقال أحمد بن عصام الأصبهانيُ: كان عليُ بن المدينيِّ يضع (8) حديث أيُوب بن جابر (9). وقال الفلاَس: صالحٌ (10). وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث (11). وقال ابنُ عَدِىِّ: أحاديثُه متقاربةٌ، يحمل بعضها بعضَا، [وهو] (12) ممَن يكتب حديثه (13) O. ***** (1) في الأصل: (الجعلي)، والتصويب من (ب). (2) تهذيب الكمال " للمزي: (15/ 306 - رقم: 3426) من رواية ابن أبي مريم عنه. (3) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (5/ 126 - رقم: 582). (4) المرجع السابق. (5) "الثقات": (5/ 57). (6) "الكامل": (4/ 211 - رقم: 1017). (7) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (2/ 243 - رقم: 862). (8) هكذا في النسختين و"تهذيب الكمال" للمزي: (3/ 466 - رقم: 609) و"الميزان": (1/ 285 - رقم: 1068) [في الميزان: (وقال ابن المديني: يضع حديثه) ولعل صوابه: (وكان ابن المديني ...) والله أعلم]، وفي "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (يضعف)، والله أعلم. (9) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (2/ 243 - رقم: 862). (10) "الكامل" لابن عدي: (1/ 355 - رقم: 184). (11) "الجرح والتعديل" لابنه: (2/ 243 - رقم: 862). (12) زيادة من (ب) و"الكامل". (13) "الكامل": (1/ 355 - رقم: 184).
مسألة (15): غسالة النجاسة إذا انفصلت غير متغيرة بعد طهارة المحل
مسألة (15): غُسَالَةُ النَجاسة إذا انفصلت غير متغيرة بعد طهارة المحل فهي طاهرة، وكذلك البول على الأرض ونحوه إذا كوثر بالماء ولم يتغيرَ الماء فإنَه يحكم (1) بطهارة الماء [والمكان] (2)، وهو قول مالك والشَافعي. وقال أبو حنيفة: ذلك نجس. ويتخرَّج لنا [نحوه] (3). لنا: حديث الأعرابي: "صبُّوا على بول الأعرابي ذَنوباً من ماء" - وقد سبق إسناده (4) -، ولو كان نجساَ لكان أمراَ (5) بزيادة تنجيس المسجد! احتجُّوا بثلاثة أحاديث: 67 - الأوَل: قال الدَارَقُطْنيُ: ثنا محمَّد بن مخلد ثنا أبو داود السجستانيُ ثنا موسى بن إسماعيل ثنا جرير بن حازم قال: سمعت عبد الملك بن عمير يحدث عن عبد الله بن مَعْقِل بن مُقرن قال: قام أعرابيّ إلى زاويةِ من زوايا المسجد فاكتشف، فبال فيها، فقال النَبيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خذوا ما بال عليه من التُّراب فألقوه، وأهويقوا على مكانه ماءً ". قال الدَّارَقُطْنِيُ: عبد الله بن مَعقِل تابعيٌ، فهو مرسلٌ (6). وقال أحمد بن حنبل: هذا حديث منكرٌ (7).
قال أبو داود السجستانيُ: وقد روي مرفوعَا ولا يصحُ (1). 68 - الحديث الثَاني: قال الدَارَقُطْنِيُ: ثنا عبد الوهَّاب بن عيسى بن أبي حَيَّة ثنا أبو هشام (2) الرَّفاعيُ محمَّد بن يزيد ثنا أبو بكر بن عيَّاش ثنا سَمْعان (3) بن مالك عن أبي وائل عن عبد الله قال: جاء أعرابيٌ فبال في المسجد، فأمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكانه فاحتفر، وصُبَ عليه دلوٌ من ماءَ (4). قال أبو زرعة: هذا [الحديث] (5) منكرٌ، وسَمْعان ليس بالقوي (6). قلت: وأبو هشام (7) الرَّفاعيُ: ضعيف، قال البخاريَّ: رأيتُهم مجمعين على ضعفه (8). وقال عبد الرَحمن بن أبي حاتم: لا أصل لهذا الحديث (9). 69 - الحديث الثَالث: رواه [أبو] (10) محمَّد بن صاعد عن عبد الجبار ابن العلاء عن ابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن أنس أن أعرابياً بال في المسجد، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "احفروا مكانه، ثم صبوا عليه ذنوباً من ماء ".
مسألة (16): لا يكره سؤر الهر.
قال الدارَقُطْنيُ: وهم عبد الجبَار على ابن عيينة، لأنَ أصحاب ابن عيينة [الحفاظ] (1) رووه عنه عن يحيى بن سعيد فلم يذكر أحد منهم [الحفر] (2)؛ وإنَما روى ابن عيينة هذا عن عمرو بن دينار عن طاوس أنَ النَّبيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "احفروا مكانه " مرسلاً، واختلط على عبد الجبَار المتنان (3). ***** مسألة (16): لا يكره سُؤر الهر. وقال أبو حنيفة: يكره. لنا حديثان: 70 - أحدها: عن [أبي] (4) قتادة، قال أحمد: ثنا إسحاق بن عيسى (5) أخبرني مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن حميدة (6) ابنة عبيد بن رفاعة عن كَبشَة ابنة كعب بن مالك- وكانت تحت ابن أبي قتادة- أنَّ
أبا قتادة دخل عليها، فسكبت له وَضُوءَ، فجاءت هرَة تشرب منه، فأصغى لها الإناء حتَى شربت، قالت كبشة: فرآني أنظر إليه فقال: أتعجبين يا ابنة أخي؟ فقلت: نعم. فقال: إنَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنها ليست بنجس، إنها من الطوَّافين عليكم والطوَّافات " (1). قال الترمذيَّ: هذا حديث حسن صحيح (2). ز: وروى هذا الحديث أيضاً: أبو داود (3) والترمذيَّ (4) وابن ماجه (5) والنَسائيُ (6)، ولفظ الترمذي: "إنَّما هي من الطَّوافين عليكم- أو الطَوافات- ". وأخرجه أبو بكر بن خزيمة (7) وأبو حاتم بن حِبَان (8) في "صحيحيهما"، وقال البخاريَّ: جوَّد مالك بن أنس هذا الحديث، وروايته أصحُّ من رواية غيره (9).
ورواه الدَارَقُطْنِيُ وقال: إسناد حسن، ورواته ثقاتٌ معروفون (1). ورواه الحاكم في "المستدرك" وقال: هذا حديثٌ صحيح ولم يخرجاه، على أنهما على ما أصلاه في تركه، غير أنهما قد شهدا جميعاَ لمالك بن أنس أَنه الحكم في حديث المدنيين، وهذا الحديث مما صحَحه مالكٌ واحتجَّ به في "الموطأ"، ومع هذا (2) فإن له شاهداً بإسناد صحيحٍ (3). ثم ساقه من حديث سليمان بن مُسافع O. 71 - الحديث الثَاني: عن عائشة رضي الله عنها، قال الدَّارقطني: ثنا الحسين بن إسماعيل ثنا محمَّد بن إدريس أبو حاتم ثنا محمَّد بن عبد الله بن أبي جعفر الرَّازيَّ ثنا سليمان بن مُسافع الحَجَبيُّ عن منصور بن صَفِيَة عن [أمه] (4) عن عائشة أنَ النَّبيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إنَّها ليست بنجس، هي كبعض أهل البيت ". يعني الهرَ (5). 72 - قال الحسن بن إسماعيل: ثنا محمَّد بن إسحاق ثنا محمَّد بن عمر [] (6) ثنا عبد الحميد بن عمران بن أبي أنس عن أبيه عن عروة عن عائشة عن
النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1) أنَه كان يصغي إلى الهرَة الإناء حتَى تشرب، ثم يتوضَّأ بفضلها (2). ز: قال الدَارَقُطْنيُ في هذا الحديث: إسناد (3) حسن (4). ورواه الحاكم وصحَحه، وسليمان بن مُسافع: [لا يعرف و] (5) لم يذكره ابن أبي حاتم في كتابه، وقد ذكره العقيليُ في كتاب "الضُعفاء" وروى هذا الحديث في ترجمته، وقال: لا يتابع عليه (6). وروى هذا الحديث ابن خزيمة في "صحيحه" من طريقه (7). وفي الإسناد الثَاني: الواقديَّ، وهو ضعيف. 73 - وروى داود بن صالح بن دينار التَّمار عن [أُمه] (8) أنَّ مولاتها أرسلتها إلى عائشة بهريسة فوجدتها تصلي، فأشارت إليَّ أن ضعيها فجاءت هرَّة فأكلت منها، فلما انصرفت أكلت من حيث أكلت الهرَّة، فقالت: [إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إنَّها ليست بنجس، إنَّما هي من الطَوافين عليكم ". وقد رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضأ بفضلها] (9).
رواه أبو داود (1) والدَّارَقُطْنيُ وقال: رفعه الدَّرَاوَرْدِيَّ عن داود بن صالح، ورواه عنه هشام بن عروة فوقفه على عائشة (2). 74 - وقال الخطيب في "التَّاريخ": أنا عليُ بن يحيى بن جعفر الإمام - بأصبهان- ثنا سليمان بن أحمد الطبرانيُ ثنا عمر بن حفص السَّدوسيُ ثنا سلم ابن المغيرة الأزديَّ ثنا مصعب بن ماهان (3) ثنا سفيان عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت: توضأ [ت أنا و] (4) رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من إناءٍ واحدٍ قد أصابته الهِرُ قبل ذلك. قال الخطيب: تفرَد برواية هذا الحديث عن سفيانَ الثَوري مصعبُ ابن [ماهان] (5)، ولم أره إلا من حديث [سلم بن] (6) المغيرة [عنه] (7). ورواه عبد الله بن وهب عن الثَوري عن حارثة بن أبي الرِّجال عن عمرة عن عائشة. ورواه مؤمَّل بن إسماعيل وعمرو بن محمَّد بن أبي رزين عن الثَّوري عن أبي الرِّجال (8) عن أُمه عمرة عن عائشة.
أنا البرقانيُ قال: قال لنا أبو الحسن الدَارَقطنيُّ: سلم بن المغيرة يكنى أبا حنيفة، وهو بغداديّ، ليس بالقوي (1). 75 - وقال البيهقيُ: أبنا أبو سعيد الخطيب أنا أبو بحر البَربَهاريُّ ثنا بشر بن موسى ثنا الحميديَّ ثنا سفيان ثنا الرُّكَيْنْ بن الرَّبيع عن عمَةٍ له- يقال لها: صفية بنت عميلة (2) - أن الحسين بن علي سُئل عن سؤر الهرة، فلم ير به بأساً (3). 75/أ- وعن عائشة أنها قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تمرُ به الهرٌةُ، فيصغي لها الإناء، فتشرب، ثم يتوضأُ بفضلها. [] (4) رواه الدَارَقُطْنيُ أيضاً (5) من رواية: عبد الله بن سعيد المقبري، قال: [وهو] (6) ضعيفٌ (7). وقال ابن معين: ليس بشيء (8). وقال
البخاريَّ: تركوه (1). وداود بن صالح التَمار: قال أحمد بن حنبل: لا أعلم به بأساً (2). وذكره ابن حِبَّان في "الثِّقات " (3) O. احتجُّوا: 76 - بما رواه التِّرمذيُّ: ثنا سَوَّار بن عبد الله العنبريَّ ثنا المعتمر بن سليمان سمعت أيُوب عن محمَّد بن سيربن عن أبي هريرة عن النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "يُغسل الإناء إذا ولغ الكلب فيه سبع مرَّات، وإذا ولغت الهرة غُسل مرةً " (4). 77 - طريق آخر: قال الدَّارَقُطْنِيُ: ثنا أبو بكر النَّيسابوريَّ ثنا حمَّاد (5) ابن الحسن وبكَّار بن قتيبة قالا: ثنا أبو عاصم [ثنا] (6) قُرَة بن خالد ثنا محمَّد بن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "طُهور الإناء إذ ولغ فيه الكلب: يغسل سبع مرَّات، الأولى بالتُّراب؛ والهرَة مرةً- أو مرَتين- " قُرَة شك (7). 78 - طريق آخر: قال الدَّارَقُطْنيُّ: ثنا عليُ بن محمَّد المصريَّ (8) ثنا رَوْح بن الفرج ثنا سعيد بن عُفَيرْ ثنا يحيى بن أيُوب عن ابن جريج عن عمرو بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُغسل الإناء من
الهر كما يغسل من الكلب " (1). 79 - طريق آخر: قال العُقَيْليُّ: ثنا محمَّد بن زكريا البلخيُ ثنا محمَّد بن أبان ومحمَّد بن الصبَّاح قالا: ثنا وكيع ثنا عيسى [بن المسيَّب] (2) عن أبي زُرعة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وذكر الهرَّة- وقال: "هي سَبُع " (3). قال المؤلف: هذه الأحاديث لا تصحُ. أمَا الأوَل: ففيه سَوَار، قال سفيان الثَّوريَّ: ليس بشيءٍ (4). وأمَّا الثَاني والثَالث: فلا يصحُ رفعُهما، قال الدَارَقُطْنيُّ: أمَّا حديث أبي عاصم فقد رواه غيره في ولوغ الهر موقوفاً، والصَّحيح قول من وقفه عن أبي هريرة في الهر خاصةً. قال: ولا يصحُ الحديث الآخر عن أبي صالح (5). وأمَّا حديث أبي زرعة: ففيه عيسى، قال يحيى بن معين: ليس بشيءٍ (6). وقال العُقَيْليُّ: لا يتابعه على هذا الحديث إلا من هو مثله أو دونه (7). وقال أبو حاتم ابن حِبَّان: يقلب الأخبار ولا يعلم، ويُخطئ (8) ولا يفهم، حتَّى
خرج عن حد الاحتجاج به (1). وقد اختلفت الرواية عن أبي هريرة نفسِه: فروى عنه ابن سيرين أنَه يُغسل الإناء من ولوغ [الهر] (2) مرَّة، وفي لفظٍ: مرَّتين. وروى عنه سعيد بن المسيَب: مرَّتين أو ثلاثاً. وروى عنه عطاء: سبع مرَّات. ز: تضعيف المؤلف للطَريق الأوَل (بأن سفيان قال في سَوَّار: ليس بشيء) وهمَّ فاحشٌ، لأن قول (3) سفيان إنَما هو في جد شيخ الترمذي (4)، وشيخ الترمذي هو: سَوَار بن عبد الله بن سَوَار [بن عبد الله التميميُ العنبريَّ] (5)، أبو عبد الله البصريَّ، القاضي بن القاضي بن القاضي، روى عن يحيى القطَان وجماعة، وروى عنه أبو داود والترمذيَّ والنَسائيُ وخلقٌ، قال أحمد بن حنبل: ما بلغني عنه إلا خيراً (6). وقال النَسائيُ: ثقةٌ (7). وذكره ابن حِبَان في كتاب "الثَّقات" (8).
لكنَ علَة الحديث أنَ مسدداً رواه عن معتمر فوقفه، رواه عنه أبو داود (1). وقال البيهقيُ: أدرجه بعض الرُّواة في حديثه عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ووهموا فيه؛ والصَّحيح أنَّه في ولوغ الكلب [مرفوع] (2)، وفي ولوغ الهر موقوف (3). وقال الترمذيَّ: وقد روي (4) هذا الحديث من غير وجهٍ عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يذكر فيه: إذا ولغت فيه الهرُ غسل مرَةً (5). [و] (6) قال الدَارَقُطنيُ في الطريق الثَّاني: قال أبو بكر- يعني النَيسابوريَّ-: كذا رواه أبو عاصم مرفوعاً، ورواه غيره عن قُرَة: ولوغ الكلب مرفوعاً، وولوغ الهر [موقوفاً] (7). 80 - ثم قال الدَّارَقُطْنِيُ: ثنا أبو بكر ثنا أحمد بن يوسف السلميُ وإبراهيم بن هانئ قالا: ثنا مسلم بن إبراهيم ثنا قُرَة عن محمَّد بن سيرين عن أبي هريرة- في الهرِّ يلغ في الإناء- قال: اغسله مرَة أو مرَتين. وكذلك [رواه] (8) أيُّوب عن محمَّد عن أبي هريرة موقوفاً (9).
81 - وروى الطَريق الثَّالث موقوفاً على أبي هريرة أيضاً فقال: ثنا أبو بكر النَيساريُّ ثنا [علاَّن] (1) بن المغيرة ثنا ابن أبي مريم ثنا يحيى بن أيُوب قال: أخبرني خير بن نُعيم عن أبي الزبير عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: يغسل الإناء من الهرَ كما يغسل من الكلب. قال الدَارَقُطْنِيُ: هذا لا يثبت عن أبي هريرة، ويحيى بن أيُوب: في بعض أحاديثه اضطراب (2). وحديث: "السنَّور سَبُع ": رواه الإمام أحمد (3) والدَارَقُطْنيُّ، وقال: تفرَد به عيسى بن المسيَب، وهو صالح الحديث (4). ورواه الحاكم وقال: صحيح، وعيسى صدوق لم يجرح قط (5). وقال أبو داود: عيسى ضعيف (6). وقال أبو حاتم: ليس بالقوي (7). والله أعلم O. *****
مسألة (17) - جلود الميتة لا تطهر بالدباغ.
مسألة (17) - جلود الميتة لا تطهر بالدِّباغ. وقال أبو حنيفة والشَافعيُّ: تطهر (1). لنا أحاديث: أشهرها حديث ابن عُكَيم: 82 - قال أحمد: ثنا خلف بن الوليد ثنا عبَاد بن عبَّاد ثنا خالد الحذَّاء عن الحكم بن عُتيبة عن ابن أبي ليلى عن عبد الله بن عُكَيم قال: أتانا كتاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا غلامٌ شاب - قبل موته بشهرِ أو شهرين: "أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب" (2). ز: (3) وروى هذا الحديث: أبو داود (4) والنَّسائي (5) وابن ماجه (6) وأبو حاتم بن حِبَّان البستيُّ (7) والترمذيَّ وقال: حديث حسن (8).
وقال الإمام أحمد: إسناد جيد، يرويه يحيى بن سعيد عن شعبة عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الله بن عُكيم (1). وقال مَرَّة: ما أصلح إسناده (2). ورواه أبو القاسم سليمان بن أحمد الطَّبراني في "معجمه الأوسط"، قال: كتب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ونحن في أرض جهينة-: "إني كنت رخَّصت لكم في جلود الميتة، فلا تنتفعوا من الميتة بجلد ولا عَصَب" (3). وهو من رواية فَضَالة بن مُفَضَل بن فَضَالة المصري، قال أبو حاتم الرَازيَّ: لم يكن بأهل أن يكتب عنه العلم (4). وعن عبد الله بن عُكيم قال: ثنا مشيخةٌ لنا من جهينة أنَ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب إليهم: " [أن] (5) لا ينتفعوا من الميتة بشي؟ ". رواه البخاريَّ في "تاريخه" (6)، وأبو حاتم بن حِبَان في "صحيحه" (7). وقال الترمذيَّ: سمعت أحمد بن الحسن يقول: كان أحمد بن حنبل يذهب إلى هذا الحديث، لما ذكر فيه: (قبل وفاته بشهرين). وكان يقول: هذا آخر أمر النَبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ ثمَّ ترك أحمد هذا الحديث لما اضطربوا في إسناده، حيث روى بعضهم فقال: عن عبد الله بن عكيم عن أشياخِ من جهينة (8).
هكذا روى الترمذيَّ عن أحمد، وهو خلاف المشهور المستفيض عنه. 83 - وروى الحافظ الضياء في "المختارة" من حديث أبي عبد الله محمَّد ابن مسلم بن وارة (1) ثنا يحيى بن صالح- هو [الوُحَاظيُ] (2) - ثنا عياض بن يزيد ثنا عبد الرَحمن بن نُباتة قال: سمعت ابن عمر يقول: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يُنتفع من الميتة بعَصَبٍ أو إهابٍ. ذكر ابن أبي حاتم: عياض بن يزيد الكلبيَّ عن عبد الرَحمن بن نُباتة، وعنه يحيى بن صالح [الوُحَاظيُ] (2)، ولم يذكر فيه جرحَا (3) O. 84 - الحديث الثَاني: قال الإمام أحمد: ثنا إسماعيل (4) ثنا [سعيد] (5) عن قتادة عن أبي المَلِيح بن أسامة عن أبيه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن جلود السباع (6). ز: رواه (7) أبو داود (8) والنَسائيُ (9) والحاكم وصحَحه (10)، [و] (11) الترمذيَّ وزاد: أن تفترش (12).
85 - وعن خالد بن معدان قال: وفد المقدام بن معدي كرب على معاوية، فقال له: أنشدك الله (1)، هل تعلم أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن لبس جلود السّباع والرُّكوب عليها؟ قال: نعم. رواه أبو داود (2) والنَّسائيُ، وهذا لفظه (3). 86 - وعن أبي ريحانة رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ركوب النُّمور. رواه الإمام أحمد (4) وأبو داود (5) وابن ماجه (6) والنَّسائيُّ (7). 87 - وروى الإمام أحمد (8) وأبو داود (9) والنَّسائيُّ (10) عن معاوية أن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نهى عن ركوب النّمار. 88 - وعن المقدام بن معدي كرب قال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الحرير والذهب و [مياثر] (11) النُّمور. رواه أحمد (12) والنَسائيُ (13).
89 - وعن أبي هريرة عن النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا تصحبُ الملائكةُ رفقةَ فيها جلدُ نمرٍ". رواه أبو داود (1) O. 90 - الحديث الثَالث: رواه أصحابنا من حديث جابر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا ينتفع من الميتة بشيء ". ز: قال صاحب "المغني": رواه أبو بكر الشَّافعيُّ بإسناده عن أبي الزُّبير عن جابر، وإسناده حسن (2). وقد رواه ابن وهب في "مسنده" عن زمعة بن صالح عن أبي الزُبير عن جابر ولفظه: "لا تنتفعوا بشيء من الميتة- أو لا تنتفعوا بالميتة-". وزمعة فيه كلام، وللحديث علَةٌ ذكرها ابن مُفَوَّز وغيره، وقد تقدِّم من حديث ابن عُكيم أيضاً (3) O. احتجَّ الخصم بأحاديث: 91 - الحديث الأوَل: قال الإمام أحمد: ثنا محمَّد بن مصعب ثنا الأَوْزَاعِيُ عن الزُّهريِّ عن عبيد الله [بن عبد الله] (4) عن ابن عبَّاس قال: مرَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشاةٍ ميتة، فقال: "ألا استمتعتم بجلدها؟ " قالوا: يا رسول الله، إنَها ميتة. قال: "إنَّما حرَّم أكلها " (5).
أخرجه البخاريُّ (1) ومسلم (2) في "الصَّحيحين". 92 - طريق آخر لهذا الحديث: قال الدَّارَقُطْنِيُ: ثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا إبراهيم بن هانئ ثنا عمرو بن الرَّبيع بن طارق ثنا يحيى بن أيُّوب عن عُقيل عن الزُهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عبَّاس أنَ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرَّ بشاةٍ ميتةٍ، فقال: "هلا انتفعتم بإهابها؟! " قالوا: يا رسول الله، إنَّها ميتةٌ. قال: "إنَما حرَّم أكلها، أوَليس في الماء والقَرَظ ما يطهِّرها؟! " (3). 93 - قال الدَارَقُطْنيُ: وأنا الحسين بن إسماعيل ثنا أبو عتبة الحمصيُ ثنا بقيَة بن الوليد قال: حدَثني الزبيديَّ عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عبَّاس أنَ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرَّ بشاةِ قد نَفَقَت (4)، فقال: "ألا استمتعتم بجلدها؟ " قالوا: يا رسول الله، إنَها ميتةٌ، قال: "إنَ دباغَها ذكاتُها " (5). 94 - قال الدَارَقُطْنيُ: وثنا ابن صاعد ثنا أحمد بن أبي بكر المقدميُ ثنا محمَّد بن كثير العبديَّ ثنا سليمان بن كثير ثنا الزهريَّ عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عبَّاس عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمثل الحديث الذي قبله، وقال: "دباغ إهابها طهورُها" (6) 95 - قال الدَّارَقُطنيُ: وثنا ابن صاعد ثنا هلال بن العلاء ثنا عبد الله بن جعفر ثنا عبيد الله بن عمرو عن إسحاق بن راشد عن الزهري بمثل الحديث
الذي تقدَّم، وقال فيه: "إنَّما حُرم عليكم لحمها، ورُخص لكم في مَسْكها" (1). قال الدَارَقُطْنِيُ: هذه أسانيد صحاح (2). 96 - الحديث الثَاني: قال الإمام أحمد: حدَثنا سفيان عن زيد بن أسلم عن ابن وَعْلة عن ابن عبَّاس قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "أيما إهاب دبغ فقد طهر" (3). انفرد بإخراجه مسلم (4). 97 - طريق آخر: قال الدَارَقُطْنيُ: ثنا البغويَّ ثنا محمَّد بن بكَار ثنا فُليح بن سليمان عن زيد بن أسلم عن عبد الرَحمن بن وَعْلة عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "دباغ كل إهاب طهوره " (5). ز: زعم بعضهم أن حديث ابن وَعْلة متفقٌ عليه: وليس كذلك، بل انفرد بإخراجه مسلم، ولفظه: "إذا دبغ الإهاب فقد طهر " (6). ولفظ أحمد (7) والتَّرمذيَّ (8) وغيرهما: "أيما إهاب دبغ فقد طهر ". 98 - ولمسلم عن عبد الرَحمن بن وَعْلة قال: سألت عبد الله بن
عبَّاس، قلت: إنَّا نكون بالمغرب- ومعنا البربر والمجوس- نؤتى بالكبش قد ذبحوه ونحن لا نأكل [ذبائحهم] (1)، ونؤتى بالسقاء يجعلون فيه الودك؟ فقال ابن عبَّاس: قد سألنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك فقال: "دباغه طهوره " (2). 99 - وعن ابن عبَّاس أنَّ سودة زوج النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: ماتت لنا شاة فدبغنا مَسْكها (3)، ثُمَّ ما زلنا ننبذ فيه حتَى صار شَنًّا (4). رواه البخاريَّ (5) O. 100 - الحديث الثَالث: قال الإمام أحمد: ثنا بهز ثنا همَام ثنا قتادة عن الحسن [عن] (6) جَوْن بن قتادة عن سلمة بن المُحبَّق أنَه كان مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة تبوك فأتى على بيتِ قُدَّامه قِربة معلقة، فسأل الشَراب، فقيل: إنَّها ميتة. فقال: " ذكاتها [دباغها] (7) ". قال أحمد بن حنبل: جون لا يعرف (8). ز: جون: هو ابن قتادة بن الأعور بن ساعدة بن عوف بن كعب بن
عبد شمس بن سعد بن زيد مناة بن تميم التَميميُ ثمَّ العبشميُّ البصريَّ، يقال: أنَّ له صحبة، ولم يثبت ذلك، روى عن الزبير بن العوَام- وشهد معه الجمل- وعن سلمة بن المحبَق الهذليَّ حديث "ذكاة الأديم دباغه "، وحديث: أن رجلاَ وقع على جارية امرأته ... - على خلافِ في ذلك-، روى عنه الحسن البصريَّ وقتادة- إن كان محفوظاً- وقرَة بن الحارث البصريُّ. 101 - قال هُشَيم عن منصور بن زاذان عن الحسن عن جَوْن بن قتادة: كنَا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بعض أسفاره، فمرَّ بعض أصحابه بسقاءَ معلقِ فيه ماء، فأراد أن يشرب، فقال له صاحب السقاء: إنَه جلد ميتة. فأمسك حتَى لحقهم النَبيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكروا ذلك له، فقال: "اشربوا، فإن دباغ الميتة طهورها ". هكذا رواه أحمد بن منيع وشجاع بن مخلد ويحيى بن أيُّوب المقابريَّ عن [هُشيم] (1) - من دون ذكر سلمة بن المُحبَق فيه-، وذلك معدودٌ من أوهام [هُشيم] (2). قال الحافظ أبو عبد الله بن مَنْدَه: ورواه الحسن بن عرفة وعمرو بن زرارة وغيرهما عن هُشيم عن منصور ويونس بن عبيد وغيرهما عن الحسن عن سلمة بن المحبَّق، من غير [ذكر] (3) جون فيه. ورواه قتادة عن الحسن عن جون بن قتادة عن سلمة بن المحبَق. وهو الصَحِيح. انتهى ما حكاه ابن مَنْده. ورواه زكريا بن يحيى زحمويه الواسطيُ عن هشيم عن منصور عن الحسن
عن جَوْن بن قتادة عن سلمة بن المحبَق. وهو الصَحيح فيما حكاه الحافظ أبو نُعَيْم منتصراً لهُشَيم، راداً (1) على من نَسب [الوهم إليه] (2)، وهو أبو عبد الله بن مَنْدَه: قال في "معرفة الصَحابة": جَوْن بن قتادة التميميُ، عداده في أهل البصرة، لا تصحُ له صحبةٌ ولا رُؤيةٌ، وَهِمَ هُشَيم في حديثه. وقال أبو نُعَيْم في "معرفة الصَحابة" (3): جَوْن بن قتادة التميميُّ (4)، يعدُّ في البصريين، لا تثبت له صحبةٌ ولا رُؤية، ذكره بعض الواهمين في الصَّحابة، ونسب وهمه إلى هُشَيم، وهو وهم، لأن زكريا بن يحيى زحمويه رواه عن هشيم مجوداً- يعني بذكر سلمة بن المحبَّق في إسناده-. قال شيخنا أبو الحجاج- رضي الله عنه-: وقد أصاب ابن مَنْدَهَ فيما نسبه إلى هُشَيم من الوَهْم، لأن ذلك هو المحفوظ عن هشيم، رواه غير واحدٍ عنه كذلك؛ وأمَّا رواية زحمويه فشاذَةٌ عن هشيم، لكن قد وهم ابن مَنْدَه في قوله: إنَّ الحسن بن عرفة وعمرو بن زرارة وغيرهما رووه عن هشيم بالإسناد الذي ذكره. إنَّما ذلك الإسناد للحديث الثَاني- وهو: أن رجلاً خرج في سفرٍ فبعثت معه امرأته بخادم (5) تخدمه، فوقع عليها في سفره ... -، وقد اختلف فيه على الحسن أيضاً: رواه: أبو حرَّة واصل بن عبد الرَّحمن ومنصور بن زاذان ويونس بن
عبيد ومبارك بن فضالة وهشام بن حسَان عن الحسن عن سلمة بن المحبَق، ليس بينهما أحد. وكذلك رواه: محمَّد بن مسلم الطَائفيُ وحمَاد بن زيدٍ عن عمرو بن دينارٍ عن الحسن. وتابعهما سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن. ورواه سفيان بن عُيَينَة عن عمرو بن دينار فاختلف عليه فيه: فرواه عبيد الله بن عمر القواريريَّ عنه عن عمرو عن الحسن [عن سلمة] (1) كما تقدَم. ورواه العبَاس بن يزيد البَحْرانيُ عنه عن عمرو عن الحسن عن رجل عن سلمة. ورواه بكر بن بكَار عن شعبة عن قتادة عن الحسن عن جَوْن بن قتادة - أو عن رجل - عن سلمة. وقيل عنه بهذا الإسناد: عن جَون بن قتادة عن سلمة بن المحبَّق، من غير شكٍ. وقال أبو طالب (2): سألته- يعني أحمد بن حنبل- عن جون بن قتادة، فقال: لا يعرف. قلت: يروي غير هذا الحديث؟ قال: لا. يعني حديث الدباغ. وقال أبو الحسن بن البرَاء عن عليَّ بن المديني في هذا الحديث: رواه
قتادة عن الحسن عن جَوْن بن قتادة، وجَوْن معروفٌ، وجون لم يرو عنه غير الحسن إلا أنَّه معروف. وقال في موضعٍ آخر: الذين روى عنهم الحسن من المجهولين ... فذكرهم، وذكر فيهم: جون بن قتادة. وقال خليفة بن خيَّاط (1): أدرك ابن الزبير. وقال محمَّد بن سعد (2): قتادة بن الأعور بن ساعدة بن عوفٍ بن كعبٍ ابن عبد شمس-[وهو عبشمس] (3)، وليس عبد شمس إلا في قريش- بن سعد بن زيد [] (4) مناة بن تميم، صحب النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل الوفد، وكتب له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتاباً بالشبكة [] (5) - موضع بالدَّهْناء-؛ وهو [أبو] (6) الجون بن قتادة. وقال ابن عَدِيً (7): لم يعرف [له] (8) أحمد بن حنبل غير حديث الدباغ، وقد ذكرت بذلك الإسناد [حديثاً] (9) آخر، وما أظنُّ له غيرهما-
يعني حديث بكر بن بكار-. روى له أبو داود (1) والنَّسائي (2) والطبرانيُ (3) حديث الدباغ (4). والله أعلم O. 102 - الحديث الرَابع: قال الدَارَقُطْنِيُ: ثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا محمَّد بن عَقيل بن خويلد ثنا حفص بن عبد الله ثنا إبراهيم بن طَهْمان عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أيما إهاب دبغ فقد طهر". قال الدَارَقُطْنِيُ: إسناد حسن (5). 103 - الحديث الخامس: قال الدَارَقُطْنِيُ: ثنا محمَّد بن مخلد (6) ثنا إبراهيم بن الهيثم ثنا عليُ بن عيَّاش ثنا محمَّد بن مطرَّف [عن زيد بن أسلم] (7) عن عطاء بن يسار عن عائشة عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " طهور كل أديم دباغه ". قال الدَارَقُطْنِيُ: إسناده كلهم ثقات (8). ز: إبراهيم بن الهيثم: تُكلم فيه: والمحفوظ حديث زيد عن ابن وَعْلة (9).
قال ابن عدِي في إبراهيم: حدَث ببغداد بحديث الغار عن الهيثم بن جَمِيل عن المبارك بن فَضَالة عن الحسن عن أنس عن النَبيِّ، فكذَّبه فيه النَّاس وواجهوه به ... وأحاديثه مستقيمة سوى هذا الحديث الواحد الذي أنكروه عليه (1) O. 104 - طريقٌ آخر: قال أحمد: ثنا إسحاق [بن] (2) عيسى أخبرني مالك عن يزيد بن عبد الله بن قُسَيط (3) عن محمَّد بن عبد الرَحمن بن ثوبان عن أُمه عن عائشة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر أن ينتفع بجلود الميتة إذا دبغت (4). ز: ورواه أبو داود (5) وابن ماجه (6) والنَّسائيُّ (7) وأبو حاتم بن حِبَان في "صحيحه" (8). وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب "العلل": قلت لأبي: ما تقول في هذا الحديث- حديث [مالك] (9) عن يزيد بن عبد الله بن قُسَيط (10) عن محمَّد بن عبد الرَحمن بن ثوبان عن أُمه عن عائشة أنَ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رخص أن يستمتع بجلود الميتة إذا دبغت- قلت لأبي: ما تقول في هذا الحديث؟ قال: فيه أُمُه، من أمُّه؟ كأَنه أنكره من أجل أمه (11).
مسألة (18): صوف الميتة وشعرها طاهر.
105 - وعن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "استمتعوا بجلود الميتة إذا دبغت، تراباً كان، أو رمادًا أو ملحاً، أو ما كان، بعد أن تريد صلاحه". رواه الدَارَقُطْنيُ (1)، وفي إسناده: معروف بن حسَان، قال أبو حاتم الرَازي: مجهول (2). وقال ابن عَدِي: منكر الحديث (3) O. قال المؤلف: ولهم: حديث يرويه [المغيرة بن شعبة، وحديث ترويه] (4) أمُ سلمة، كلاهما مطعون فيه، فلم أر في ذكرهما فائدة، وأصحابنا يقولون: حديثنا متأخر وهو حاظر، والحظر مقدمٌ. ***** مسألة (18): صوف الميتة وشعرها طاهر. وقال الشَّافعيُ: نجسٌ. استدل أصحابنا بأربعة أحاديث: أحدها: حديث ابن عبَّاس: "إنما حُرِّم أكلها" وقد سبق إسناده، وأنَّه في "الصَحيحين " (5).
106 - الحديث الثَاني: قال الدَارَقُطْنيُّ: ثنا محمَّد بن علي بن إسماعيل الأيلي ثنا أحمد بن إبراهيم البُسْريَّ ثنا محمَّد بن آدم ثنا الوليد بن مسلم عن أخيه [] (1) عبد الجبَار بن مسلم عن الزهريِّ عن عبيد الله عن ابن عبَّاس قال: إنَّما حرَم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الميتة لحمها، فأمَا الجلد والشَعر والصُوف فلا بأس به. قال الدَارَقُطْنِيُّ: عبد الجبَار ضعيفٌ (2). ز: رواه تمَّام في "فوائده " عن أبي الميمون بن راشد وأبي عبد الله ابن مروان وغيرهما عن أبي عبد الملك أحمد بن إبراهيم القرشي- وهو البُسْريَّ- عن محمَّد بن آدم. وقال: لم يسند عبد الجبَار غير هذا الحديث، والله أعلم (3) O. 107 - الحديث الثَالث: قال الدَارَقُطْنِيُ: ثنا محمَّد بن نوح الجنديسابوريَّ ثنا عليُ بن حرب ثنا سليمان بن أبي هَوْذَة أنا زافر بن سليمان عن أبي بكر الهذليِّ أنَّ الزهريَّ حدَثهم عن عبيد الله عن ابن عبَّاس قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "ألا كل شيء من الميتة حلالٌ إلاَّ ما أكل منها ". فأمَا الجلد والقد (4) والشَّعر والصُوف والسِّن والعظم فكلُّ هذا حلالٌ، لأنَه لا يذكَى. قال الدَارَقُطْنِيُ: الهذليُّ: متروكٌ (5). وقال غُنْدر: كذَابٌ (6). وقال
يحيى (1) وعليٌ (2): ليس بشيءِ. 108 - الحديث الرَّابع: قال الدَارَقُطْنِيُ: ثنا أبو طلحة أحمد بن محمَّد ابن عبد الكريم ثنا سعد بن محمَّد ثنا أبو أيُوب [] (3) سليمان بن عبد الرَحمن ثنا يوسف بن السَفر ثنا الأَوْزَاعِيُ عن يحيى بن أبي كثير عن (4) أبي سلمة بن عبد الرَّحمن قال: سمعت أمَ سلمة تقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "لا بأس بمَسك (5) الميتة إذا دبغ، ولا بأس بصوفها وشعرها وقرونها إذا غسل بالماء ". قال الدَارَقُطْنِيُ: لم يأت به غير يوسف بن السَفر، وهو متروكٌ يكذب (6). وقال أبو زرعة (7) والنَّسائيُ (8): هو متروكٌ. وقال دُحيم: ليس بشيءٍ (9). وقال ابن حِبَّان: لا يحلُ الاحتجاج به بحالِ (10).
مسألة (19): عظم الميتة نجس.
احتجَّ الخصم: 109 - بما رواه أبو أحمد بن عَدِي: ثنا محمَّد بن الحسن السكونيُ قال: حدَث أحمد بن سعيد البغداديَّ وأنا حاضر: ثنا عبد الله بن عبد العزيز بن أبي روَّاد قال: حدَثني أبي عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "ادفنوا الأظفار والدَّم والشَعر فإنه (1) ميتةٌ " (2). قال ابن عَدي: لعبد الله بن عبد العزيز أحاديث لم يتابع عليها (3). وقال أبو حاتم الرَازيَّ: أحاديثه منكرة، وليس محلُه عندي الصَّدق (4). وقال عليُ بن الحسن بن الجنيد: لا يساوي فلساً، يحدث بأحاديث كذب (5). ***** مسألة (19): عظم الميتة نجسٌ. وقال أبو حنيفة: طاهرٌ (6). واستدلَّ أصحابنا: بقوله: "لا تنتفعوا من الميتة بشيء"، وقد سبق (7).
وللخصم حديثان: أحدهما: حديث يوسف بن السَفر، وقد ذكرناه آنفًا (1). 110 - والثَاني: رواه ابن عَدِيٍّ: أنا أبو يعلى ثنا إسحاق بن أبي إسرائيل [ثنا عبد الوارث بن سعيد عن محمد بن جُحادة عن حميد الشَامي] (2) عن سليمان المَنْبِهيُ عن ثوبان أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشترى (3) لفاطمة قلادة من عصب وسوارين من عاج (4). والجواب من وجهين: أحدهما: أن هذا الحديث لا يصحُ؛ لأنَ حميد وسليمان مجهولان، قال أحمد: لا أعرف حميداً (5). وقال يحيى بن معين: لا أعرف سليمان (6). والثَاني: أن المراد بالعاج: خشب الذَبْل، قال ابن قتيبة: ليس العاج ههنا الذي تعرفه العامة، وتخرطه من العظم والنَاب، ذلك ميتة منهيٌ عنه، فكيف يتخذ لها منه سواراً؟! إنَّما العاج: الذَبْلُ، والعاجة: الذَبْلَةُ. قال ذلك الأصمعيُ (7).
مسألة (20): لا يطهر جلد ما لا يؤكل لحمه بذبحه.
ز: روى حديث ثوبان: أحمد (1) وأبو داود (2) وابن ماجه في "التَّفسير". وسليمان المنْبهيُ: يقال له: سليمان بن عبد الله، ذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثِّقات " (3)، وقال عثمان الدَارميُ: قلت ليحيى بن معين: حميد الشَامي عن سليمان المنبِهيِّ حديث ثوبان. فقال: ما أعرفهما (4). وحميد الشاميُ: قال ابن عَدِيٍّ: يقال: حميد بن أبي حميد، وإنَّما أنكر عليه هذا الحديث الواحد، ولم أعلم له غيره (5). وروى عن حميد: سالم المراديَّ وصالح بن صالح بن حيٍّ وغيلان بن جامع ومحمَّد بن جحادة، والله أعلم O. ***** مسألة (20): لا يطهر جلد ما لا يؤكل لحمه بذبحه. وقال أبو حنيفة: يطهر. وأصحابنا يقولون: هذا ميتة. ويذكرون أحاديث النَّهي عن الميتة. والخصم يحتجُّ بقوله: "دباغ الأديم ذكاته"، وقد سبق (6). *****
مسألة (21): بول ما يؤكل لحمه وروثه طاهر.
مسألة (21): بول ما يؤكل لحمه وروثه طاهر. وعن أحمد [أنَّه] (1) نجسٌ، كقول الشَّافعيٍّ. وقال أبو حنيفة في الحَماَم والعصافير كقولنا، وفي البقيَّة كقوله. لنا ثلاثة أحاديث: 111 - الحديث الأوَّل: قال البخاريُّ: ثنا قتيبة ثنا حمَاد عن أيُّوب عن أبي قلابة عن أنس بن مالك أنَّ رهطاً من عُكْلٍ - أو قال: عُرَيْنَة، ولا أعلمه إلاَّ قال: عُكْلٍ - قدموا المدينة، فأمر لهم النَبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلِقَاحٍ، وأمرهم أن يخرجوا فيشربوا من أبوالها وألبانها، فشربوا حتَّى إذا برؤا قتلوا الرَاعي واستاقوا النَعَمَ! فبلغ النَبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُدْوَةً، فبعث الطَّلَبَ في إثرهم، فما ارتفع النَّهار حتَى جِيءَ بهم، فأمر بهم: فقطع أيديهم وأرجلهم، وسَمَرَ أعينهم، وألقوا بالحرَّة، يَسْتَسْقُون فلا يُسْقَوْنَ. قال أبو قِلابة: هؤلاء قومٌ سرقوا وقتَلوا وكفروا بعد إيمانهم، وحاربوا الله ورسوله (2).
وأخرجه مسلم (1). 112 - الحديث الثاني: قال الدارَقُطْنيُ: ثنا أبو بكر الآدميُ أحمد بن محمَّد بن إسماعيل ثنا عبد الله بن أيُّوب [المُخَرميُ] (2) ثنا يحيى بن أبي [بكير] (3) ثنا سَوَار بن مصعب عن مطرَّف بن طريف عن أبي الجَهْم عن البراء قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا بأس ببول ما أكل لحمه" (4). 113 - الحديث الثَالث: قال الدَارَقُطْنِيُ: ثنا أبو سهل بن زياد ثنا سعيد بن عثمان الأهوازيَّ ثنا عمرو بن الحُصَين ثنا يحيى بن العلاء عن مطرِّف عن محارب بن دِثَار عن جابر عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "ما أكل لحمه فلا بأس ببوله" (5). الاعتماد على الحديث الأوَل، وفي هذين الحديثين مقالٌ: أمَا الأوَّل منهما: فقال أحمد (6) ويحيى بن معين (7)
والنَسائيُ (1): سَوَار متروك الحديث. وقد اختلف عنه: 114 - فروى الدَارَقُطنِيُ: ثنا محمَّد بن الحسن بن سعيد ثنا إبراهيم بن نصر الرازيَّ ثنا عبد الله بن رجاء ثنا مصعب بن سَوَار عن مطرَّف عن أبي الجَهْم عن البراء قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما أُكل لحمه فلا بأس بسؤره". قال الدارَقُطْنِيُ: كذا يسميه عبد الله بن رجاء: (مصعب بن سَوَار) - يقلب اسمه-، وإنَما هو سَوَار بن مصعب (2). وأمًا الحديث الثَاني: ففيه عمرو بن الحُصَن، قال أبو حاتم الرَّازيَّ: ليس بشيءٍ (3). وقال الدَارَقُطْنِيُ: متروكٌ (4). وأمَا يحيى بن العلاء، فقال أحمد: كذَّاب يضعُ الحديث (5). وقال
الفلاَّس: متروك الحديث (1). ز: 115 - روى البخاريُّ ومسلم في "صحيحيهما" عن أنس بن مالك قال: كان النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي في [مَرَابِض] (2) الغنم قبل أن يُبنى المسجد (3). 116 - وعن جابر بن سمرة أن رجلاً سأل النَبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أصلِّي في [مَرَابِض] (2) الغنم؟ قال: "نعم ". قال: أصلي في مَبارك الإبل؟ قال: "لا". رواه مسلمٌ (4). 117 - وعن البراء بن عازبٍ قال: سئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الصَّلاة في مبارك الإبل، قال: "لا تصلُوا فيها فإنَها من الشَياطين ". وسئل عن الصلاة في [مرابض] (5) الغنم، فقال: "صلوا فيها فإنَها بركة". رواه الإمام أحمد (6) وأبو داود (7). 118 - وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صلُوا في [مرابض] (8) الغنم، ولا تصلُوا في أعطان الإبل".
رواه الإمام أحمد (1) وابن ماجه (2) والترمذيَّ وقال: حديثٌ حسن صحيحٌ (3). 119 - وعن عبد الله بن عبَّاس أنَّه [قال:] (4) قيل لعمر بن الخطَّاب: حدثنا عن شأن ساعة العسرة، فقال عمر: خرجنا إلى تبوك في قيظٍ شديدٍ، فنزلنا منزلاً أصابنا فيه عطش حتَى ظنَّنا أن رقابنا ستقطع، حتَى إن [كان الرَجل ليذهب يلتمس الماء فلا يرجع حتَّى نظنَّ أنَّ رقبته ستقطع، حتَى إنَّ] (5) الرَّجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه، ويجعل ما بقي على كبده! فقال أبو بكر الصَّديق: يا رسول الله، إن الله قد عودك في الدُعاء خيراً، فادع لنا. قال: "أتحب ذلك؟ " قال: نعم. قال: فرفع يديه فلم يرجعهما حتى قالت السَماء فأطلَّت ثمَّ سكبت، فملأوا ما معهم، ثمَّ ذهبنا ننظر فلم نجدها جازت العسكر. رواه الإمام [] (6) أبو بكر محمَّد بن إسحاق بن خزيمة في "صحيحه": ثنا يونس بن عبد الأعلى أنا ابن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال عن عتبة بن أبي عتبة عن نافع بن جبير عن عبد الله بن عبَّاس فذكره (7).
ورواه أبو حاتم بن حِبَان البستيُّ عن عبد الله بن محمَّد بن سلم عن حرملة بن يحيى [عن] (1) ابن وهب (2). ورجاله كلُهم مخرَّج لهم في الصحيح. وقد سئل الدَارَقُطْنيُ [عنه] (3) فقال: رواه أحمد بن صالح ويونس عن ابن وهبٍ بهذا الإسناد. وخالفهم يعقوب بن محمَّد الزهريَّ [فرواه] (4) عن ابن وهبٍ ولم يذكر في الإسناد عتبة، جعله عن سعيد بن [أبي] (5) هلال عن نافع. والقول فيه قول من ذكر عتبة بن أبي عتبة، وهو عتبة بن مسلم (6). قال ابن خزيمة: لو كان ماء الفرث إذا عصر نجساً لم يجز للمرء أن يجعله على كبده فينِّجس بعض بدنه، وهو غير واجدٍ لماء طاهرٍ يغسل موضع النَجس منه، فأمَّا شرب الماء النَجس عند خوف التَلف إن لم يشرب ذلك [الماء] (7): فجائز إحياء النَّفس بشرب الماء النَّجس، إذ الله جلَّ وعلا قد أباح عند الاضطرار إحياء النَفس بأكل الميتة والدَّم ولحم الخنزير إذا خيف التَلف إن لم يأكل، والدَّم ولحم الخنزير نجس محرَمٌ على المستغني عنه، مباحٌ للمضطر إليه لإحياء النَفس بأكله، فكذلك جائز للمضطر إلى الماء النَّجس أن يحيى نفسه بشرب ماءٍ نجسٍ إذا خاف التَلف على نفسه بترك شربه، فأمَّا أن يجعل ماءً نجساً
على بعض بدنه والعلم محيطٌ أَنه [إن] (1) لم يجعل ذلك الماء النَجس على بدنه [لم يخف التَلف على نفسه، ولا كان في إمساس ذلك الماء النَجس بعض بدنه] (1) إحياء نفسه بذلك، ولا عنده ماء طاهرٌ يغسل ما نجس من بدنه بذلك الماء، فهذا غير جائزِ ولا واسعِ لأحدِ أن يفعله (2). 120 - وعن عبد الله بن مسعود أنَ النَّبيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلي عند البيت وأبو جهل وأصحابٌ له جلوسٌ، إذ قال بعضهم لبعض: أيّكم يجيء بسلى جزور بني فلان فيضعه على ظهر محمَّدٍ إذا سجد؟ فانبعث أشقى القوم فجاء به، فنظر حتَى سجد النَبيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وضعه على ظهره بين كتفيه، وأنا لا أغيِّر شيئاً! لو كان لي منعةٌ؟! قال: فجعلوا يضحكون ويحيل بعضهم على بعض، ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ساجدٌ لا يرفع رأسه، حتَى جاءته فاطمة فطرحته عن ظهره، فرفع رأسه، قال: "اللهم عليك بقريش- ثلاث مرات- " فشق عليهم إذ دعا عليهم، قال: وكانوا يرون الدَّعوة في ذلك البلد مستجابة، ثمَّ سمَّى: "اللهم عليك بأبي جهل بن هشام، وعليك بعتبة بن ربيعة، وبشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأميَّةَ بن خلف، وعقبة بن أبي معيط- و [عدَ] (3) السَّابع فلم نحفظ- " قال: فو الذي نفسي بيده لقد رأيت الذين عدَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صرعى في القليب - قليب بدر-. متفق عليه (4)، وهذا لفظ البخاري (5)، وفي رواية له: فيعمد إلى
مسألة (22): بول الغلام الذي لم يأكل الطعام يرش.
فرثها ودمها وسلاها. وفيه: فضحكوا حتَّى مال بعضهم على بعض ... - وذكر السابع قال:- " [و] (1) عمارة بن الوليد " (2) O. ***** مسألة (22): بول الغلام الذي لم يأكل الطعام يرشُ. وقال أبو حنيفة ومالك: يغسل. لنا أحاديث: 121 - الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أم قيس بنت محِصن قالت: دخلت بابن لي على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يأكل الطعام فبال على ثوبه، فدعا بماء فرشَّه عليه (3). [أخرجاه في "الصحيحين "] (4). 122 - الحديث الثَاني: قال أحمد: ثنا عبد الصَّمد بن عبد الوارث ثنا هشام عن قتادة عن أبي حرب بن أبي الأسود عن أبيه عن علي قال: قال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بول الغلام ينضح [عليه] (1)، وبول الجارية يغسل". قال قتادة: هذا ما لم يطعما، فإذا طعما غسل بولهما (2). ز: رواه أبو داود (3) وابن ماجه (4) والترمذيَّ وقال: حديث حسن. وذَكر أنَّ هشاماً الدَستوائيَ رفعه عن قتادة، وأنَّ سعيد بن أبي عروبة وقفه عنه ولم يرفعه (5). وقال البخاريَّ: سعيد بن أبي عروبة لا يرفعه وهام الدَّستوائيُ يرفعه وهو حافظ (6). وكذلك ذكر الدَارَقُطْنِيُ (7)، وروى هذا الحديث وصحَحه (8)؛ ورواه الحاكم في "المستدرك" وقال: على شرطهما (9) O. 123 - الحديث الثَالث: قال أحمد: ثنا عفَّان ثنا وهيب ثنا أيُّوب عن
صالح أبي الخليل عن عبد الله بن الحارث عن أمٌ الفضل قالت: أتيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: إني رأيت في منامي أنَ في بيتي أو حجري عضواً من أعضائك. فقال: "تلد فاطمة- إن شاء الله- غلاماً فتكفلينه ". فولدت فاطمة حسيناً (1) فدفعه إليها، فأرضعته بلبن قُثم (2)، قالت: فأتيت به النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أزوره، فأخذه النَبيُ فوضعه على صدره، فبال فأصاب إزاره، فقلت بيدي بين كتفيه، فقال: "أوجعت ابني أصلحك الله- أو قال: رحمك الله- ". فقلت: أعطني إزارك أغسله. قال: "إنَما يغسل بول الجارية، ويصبُّ على بول الغلام" (3). ز: وأخرج نحوه أبو داود (4) وابن ماجه (5) من حديث أبي الأحوص عن سماك عن قابوس بن أبي المُخَارق عن أم الفضل، وتابعه عليُ بن صالح (6). وروى نحوه الحاكم وصحَّحه (7). وروي عن قابوس عن أبيه عن أمِّ الفضل O. 124 - الحديث الرَابع: قال [أحمد] (8): وثنا أبو بكر الحنفيُ ثنا أسامة بن زيد عن عمرو بن شعيب عن أمِّ كُرزٍ الخُزاعيَة قالت: أُتي النبيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بغلام، فبال عليه، فأمر به فنُضح؛ وأُتي بجاريةٍ، فبالت عليه، فأمر به فغُسل (9).
ز: وروى ابن ماجه نحوه في "سننه" عن بندار [عن] (1) الحنفي (2) O. قال: وقد روى حديث بول الغلام: ابن عمر وابن عبَّاس وعائشة وزينب. ز: 125 - عن عائشة رضي أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يؤتى بالصَّبيان فيبِّرك عليهم ويحنِّكهم، فأُتي بصبي فبال عليه، فدعا بماء فأتبعه بوله ولم يغسله. متفق عليه (3)، واللفظ لمسلم (4). 126 - وعن أبي السَمح قال: كنت أخدم النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأُتي بحسن- أو حسينِ- فبال على صدره، فجئت أغسله فقال: "يغسل بول الجارية، ويرش من بول الغلام". رواه ابن ماجه (5) والنَسائيُ (6) وأبو داود- وهذا لفظه- (7) والدَارَقُطْنِيُ (8) والحاكم وصحَحه (9).
مسألة (23): مني الآدمي وما يؤكل [لحمه] (3) طاهر.
127 - وعن الحسن عن أمه أنَّها أبصرت أمَّ سلمة تصبُ على بول الغلام ما لم يطعم، فإذا طعم غسلته، وكانت تغسل بول الجارية. رواه أبو داود (1). 128 - وعن ابن عبَّاس قال: أصاب النَبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو جلده- بولُ صبي وهو صغير، فصبَّ عليه من الماء بقدر البول. رواه الدَارَقُطْنِيُ من رواية الواقدي (2)، والله أعلم O. ***** مسألة (23): منيُ الآدمي وما يؤكل [لحمه] (3) طاهرٌ. وقال أبو حنيفة: نجسٌ، ويفرك يابسه. لنا ثلاثة أحاديث: 129 - الأوَل: قال أحمد: ثنا عفان ثنا حمَاد بن سلمة عن حمَاد عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: كنت أفرك المنيَّ من ثوب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثمَّ يذهب فيصلي فيه (4). انفرد بإخراجه مسلم (5).
130 - الحديث الثَاني: قال أحمد: ثنا معاذ بن معاذ ثنا عكرمة بن عماَّر عن عبد الله بن [عبيد] (1) بن عمير عن عائشة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسلت المنيَ من ثوبه بعرق الإذخر، ثَمَّ يصلّي فيه، ويحتُّه من ثوبه يابساً، ثُمَّ يصلَي فيه (2). 131 - الحديث الثَالث: قال الدَارَقُطْنِيُ: ثنا محمَّد بن مَخْلد ثنا إبراهيم بن إسحاق الحربيُّ ثنا سعيد بن يحيى بن الأزهر ثنا إسحاق بن يوسف ثنا شَريك عن محمَّد بن عبد الرَّحمن عن عطاء عن ابن عبَّاس قال: سئل النَبيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المنيِّ يصيب الثَوب. قال: "إنَما هو بمنزلة المخاط والبصاق " (3). وقال: "إنَّما يكفيك أن تمسحه بخرقةٍ أو بإذخرة " (4). قال الخصم: الصَحيح أن هذا الحديث موقوفٌ، قال الدَارَقُطْنِيُ: لم يرفعه غير إسحاق الأزرق عن شَريك. قلنا: إسحاق إمامٌ مخرجٌ عنه في "الصَّحيحين"، ورفعه زيادة، والزيادة من الثقة مقبولة، ومن وقفه لم يحفظ. ز: محمَّد بن عبد الرَحمن: هو ابن أبي ليلى، وهو صدوق، وقد تكلّم في حفظه: وفي طبقته: محمَّد بن عبد الرحمن بن عبيد [مولى] (5) آل طلحة، وهو ثقة، روى له مسلمٌ، وروى عنه شريك، لكن لا يعرف أنَه روى عن عطاء. وشريك: هو ابن عبد الله النخعيُّ القاضي، وهو من الصَّادقين الَّذين
تكلم في حفظهم. والصَحيح أنَ هذا الحديث موقوفٌ كما قال الخصم، ونبَّه عليه الحذَاق، كما هو محررٌ في موضعِ آخر O. قال المؤلف: وقد ذكروا في "التَعليق " أن عبد الباقي بن قانع قال: يرويه سريع الخادم، وليس بشيءٍ. وهذا شيء لا يعرف، ولا يدرى من سريع؟! وقد رويناه من غير تلك الطَريق. ز: سريع: هو ابن عبد الله الواسِطيُ، روى عن إسحاق الأزرق، روى عنه النسائيُْ (1) [وبَحْشَل] (2) O. احتجُّوا بحديثين: أحدهما: أنهم حكوا [أن] (3) رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لعائشة: "إذا وجدت المنيَّ رطباً فاغسليه، وإذا وجدتيه يابساً فحتيه". قالوا: وهذا أمر، والأمر على الوجوب. والجواب: أن هذا الحديث لا يعرف، وإنَما المنقول أنَّها هي كانت تفعل ذلك من غير أن يأمرها (4).
132 - فروى الدَارَقُطْنِيُ: ثنا محمَّد بن مَخْلد ثنا أبو إسماعيل الترمذيُ ثنا الحُميديَّ ثنا بشر بن بكر ثنا الأوزاعيُ عن يحيى بن سعيد عن عَمْرة عن عائشة قالت: كنت أفرك المنيَ من ثوب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا كان يابساً، وأغسله إذا كان رطباً (1). 133 - وقال الترمذيُّ: ثنا هنَّاد ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن همَام بن الحارث [قال] (2): ضاف عائشة ضيفٌ، فأمرت له بملحفة صفراء ينام (3) فيها، فاحتلم، فاستحيى أن يُرسل بها وبها أثر الاحتلام، فغمسها في الماء ثمَّ أرسل بها، فقالت عائشة: لم أفسد علينا ثوبنا؟! إنما كان يكفيه أن يفركه بأصابعه، وربَّما فركتُه من [ثوب] (4) رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأصابعي. قال الترمذيَّ: هذا حديث صحيح (5). 134 - أنا أبو منصور [القَزَاز أنا] (6) أبو بكر أحمد بن عليٍّ الحافظ أنا أبو عمر بن مهدي ثنا الحسن بن إسماعيل المحامليُ ثنا إبراهيم بن أحمد بن عمر ثنا أبي ثنا وهب بن إسماعيل ثنا محمَّد بن قيس عن محارب بن دثار عن عائشة قالت: ربَّما حتته من ثوب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 135 - طريق آخر لهم عن عائشة: قال أحمد: ثنا يزيد أنا عمرو ابن
ميمون ثنا سليمان بن يسار قال: أخبرتني عائشة أنَّها [كانت] (1) تغسل المنيَّ من ثوب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيخرج فيصلي وأنا أنظر إلى البقع في ثوبه من أثر الغسل (2). أخرجاه في "الصحيحين " (3)، وليس فيه حجَة، لأن غسله للاستقذار. 136 - الحديث الثَاني: قال ابن عَدِيٍّ في "الكامل": أنا أبو يعلى ثنا محمَّد بن أبي بكر (4) المُقدَميُ ثنا ثابت بن حمَّاد ثنا عليُ بن زيد عن سعيد بن المسيَب عن عمَّار بن ياسر قال: مرَّ بي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد تنخَمت، فأصابت نخامتي ثوبي، فأقبلت لأغسل ثوبي، فقال لي النَّبيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يا عمَّار، مما نخامتك ودموع عينيك إلا بمنزلة الماء الذي في ركوتك (5)، إنَّما تغسل ثوبك من البول والغائط والمني والدَّم والقيء" (6). قال الدَارَقُطْنِيُ: لم يروه غير ثابت بن حمَاد، وهو ضعيف جداً (7). قال ابن عَدِي: له مناكير مقلوبات يخالف فيها الثِّقات (8). وأمَا عليُ بن زيد: فقال أحمد (9) ويحيى (10): ليس بشيء. وقال أبو
مسألة (24): لا يجوز تخليل الخمر، وإن خللت لم تطهر.
حاتم الرَازيَّ: لا يحتجُ به (1). ز: قال البيهقيُ في هذا الحديث: هذا باطلٌ لا أصل له، وعليُ بن زيدٍ: غير محتجٍّ به، وثابت بن حمَاد: متهمٌ بالوضع (2). وذكر شيخنا العلاَّمة أبو العبَاس: أن هذا الحديث كذبٌ عند أهل المعرفة بالحديث (3). وقال أبو الخطَاب في "الانتصار"- لمَا احتج عليه بهذا الحديث-: قلنا: هذا الخبر ذكر هبة الله الطبريَّ أنَّه يرويه ثابت بن حمَاد، وأن أهل النَّقل أجمعوا على ترك حديثه O. ***** مسألة (24): لا يجوز تخليل الخمر، وإن خللت لم تطهر. وقال أبو حنيفة: يجوز وتطهر. لنا حديثان:
137 - الحديث الأوَل: قال الإمام أحمد: ثنا وكيع ثنا سفيان عن السُدي عن أبي هبيرة عن أنس بن مالك: أنَّ أبا طلحة سأل النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أيتام وَرِثُوا خمراً؟ قال: "أهرقها ". قال: أفلا نجعلها خلاً؟ قال: " لا " (1). انفرد بإخراجه مسلم (2)، واسم أبي هبيرة: [يحيى بن] (3) عبَّاد. 138 - طريقٌ آخر: قال الدَّارَقُطْنيُ: ثنا الحسن بن إسماعيل القاضي ثنا يعقوب الدَورقيُ ثنا المعتمر عن ليث عن يحيى بن عبَاد عن أنس قال: جاء أبو طلحة إلى النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [فقال: إني اشتريت لأيتام في حجري خمراً؟ فقال له النَبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (4): "اهرق الخمر، وكسِّر الأدنان (5) ". فأعاد ذلك عليه ثلاث مرَّات (6). 139 - طريق آخر: قال الدَارَقُطْنيُ: وثنا يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن البهلول ثنا جدي ثنا عبد الرَحمن بن مهدي عن سفيان عن السُدي عن يحيى بن عبَاد عن أنس أنَّ النَّبي' صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئل عن الخمر: أتتخذ خلاً؟ قال: "لا" (7). 140 - الحديث الثَاني: قال أحمد: ثنا يحيى عن مُجالد قال: حدَثني أبو الوَدَّاك عن أبي سعيد قال: قلنا لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمَّا حُرِّمت الخمر: إنَّ عندنا خمراً ليتيم لنا؟ فأمرنا فأهرقناها (8).
ز: رواه الترمذيُّ عن عليِّ بن خَشْرَم عن عيسى بن يونس عن مُجَالد، وقال: حسن (1). ومجالد ضعَّفه غير واحد، وقال أحمد: ليس بشيءِ (2). وقال ابن معين: صالح (3). وقال مرَّة: لا يحتجُ به (4). وقال الدَارَقُطْنِيُ: ضعيف (5) O. احتجوا بأحاديث: 141 - قال الدَارَقُطْنِيُ: ثنا محمَّد بن مَخْلَد ثنا أحمد بن إسحاق بن يوسف ثنا محمَّد بن عيسى بن الطَبَّاع ثنا فرج بن فَضالة قال: حدَثني [يحيى] (6) بن سعيد عن عَمْرة عن أم سلمة أنَّها كانت لها شاة تحلبها، ففقدها النَّبيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: "ما فعلت الشاة؟ " قالوا: ماتت. قال: "أفلا انتفعتم بأهابها". قلنا: إنَّها ميتة! فقال: "إنَّ دباغها يحل كما يحل خل الخمر" (7).
مسألة (25): يحرم استعمال إناء مفضض إذا كان كثيرا، فإن كان
قال الدَارَقُطْنِي: تفرد به فرج بن فَضالة، وهو ضعيف (1). وكذلك قال فيه يحيى بن معين (2)، وقال ابن حِبَان: يقلب الأسانيد، ويلزق المتون الواهية بالأسانيد الصَحيحة، لا يحلُ الاحتجاج به (3). وقد [ذكروا] (4) في "التَعليق " أحاديث لا أصل لها: منها: "خير خلّكم خلُّ خمركم " (5). ومنها: "يطهر [الدباغ] (6) الجلد كما تخلَل الخمرة فتطهر". وهذا لا يعرف. ***** مسألة (25): يحرم استعمال إناءٍ مفضَّضٍ إذا كان كثيراً، فإن كان يسيراً لحاجةٍ لم يكره. وقال أبو حنيفة وداود: لا يكره ذلك يسيراً كان أو كثيراً. وقال أصحاب الشَافعيّ: الكثير الذي لا يحتاج إليه حرام، فإن احتيج
إليه كره. لنا 142/أ- ما روى الدَّارَقُطْنيُ: ثنا عبد الله بن محمَّد بن إسحاق الفاكهيُّ ثنا أبو يحيى بن أبي مسرَّة (1) ثنا يحيى بن محمَّد الجَاريُّ ثنا زكريا بن إبراهيم بن عبد الله بن مُطيع عن أبيه عن عبد الله بن عمر أنَّ النَّبيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "من شرب في إناء فضَّةٍ أو ذهب (2) أو إناء فيه شيءٌ من ذلك فإنَّما يجرجر في بطنه نار جهنم" (3). ز: زكريا بن إبراهيم بن عبد الله [بن مطيع] (4): غير معروفٍ. ويحيى بن محمَّد الجَارِيَّ: وثَقه العجليُ (5)، وقال البخاريُّ: يتكلمون
فيه (1). وذكره ابن حِبَان في كتاب "الثقات" وقال: يغرب (2). وقال ابن عَدِي: ليس بحديثه بأسٌ (3). وقال أبو عوانة الإسفرايينيُّ: ثنا عبَّاس الدُوريَّ ثنا يحيى الزَّمَّيُ ثنا يحيى بن محمَّد الجاريَّ بساحل المدينة، ثقةٌ (4). وقال ابن القطَان: حديث ابن عمر لا يصحُ، وزكريا هو وأبوه لا يعرف لهما حالٌ (5). وقال شيخنا أبو العبَاس في "الفتاوى": إسناده ضعيف (6). وقد دلَّ على جواز التَضبيب بيسير الفضَّة للحاجة: 142/ب- ما روى أنس أن قدح رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انكسر فاتَخذ مكان [الشَعب] سِلْسِلَةَ من فِضَة. أخرجه البخاريَّ هكذا (7)، ثم رواه عن عاصم قال: رأيت قدح النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند أنس بن مالك وكان قد انصدع فسلسله بفضَة (81). قيل: الذي (9) سلسله أنس بن مالك.
مسألة (26): فأما الذهب فلا يجوز منه شيء.
وفي رواية الإمام أحمد: رأيت عند أنس بن مالك قدح النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه ضبةٌ من فِضَة (1) O. ***** مسألة (26): فأمَا الذَّهب فلا يجوز منه شيء. وعند الخصم: يجوز المسمار من ذهب في الخاتم. احتجَ أصحابنا: 143 - بما روى أحمد: ثنا محمَّد بن عُبيد ثنا داود الأَوْديَّ عن شَهْر (2) عن أسماء بنت يزيد قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يصلح من الذهب شيء ولا خَربَصِيصة" (3). الخَرْبَصِيصة: الشيء الحقير من الحلي (4). وداود وشهر: ضعيفان، قال أحمد: داود ضعيف (5). وقال يحيى: حديثه ليس بشيءٍ (6).
وقال ابن عَدِي: شهر لا يحتجُ [بحديثه] (1). وقال ابن حِبَّان: كان يروي عن الثقات المعضلات، عادل عبَاد بن منصور في الحج فسرق عيبته (2) فهو الذي يقول فيه القائل: لقد باع شَهْرٌ دينَه بخَرِيْطةِ (3) ... فمن يأمن القرَّاء بعدك ياشَهْرُ (4) ز: هذا الذي حكاه ابن حِبَّان عن شَهْرِ (أنَّه عادل عبَّاد بن منصور فسرق عيبته) بعيد مخالفٌ لما حكاه غيره، قال يحيى بن أبي بكير الكرمانيُّ عن أبيه قال: كان شهر بن حوشب في بيت المال، فأخذ خَرِيْطةً فيها دراهم، فقال القائل: لقد باع شَهْرٌ دينَه بخَرِيطَةٍ .... البيت (5). وقال محمَّد بن جرير الطبريُّ: قال عليُّ بن محمَّد: قال أبو بكر الباهليُّ: كان شَهْرُ بنُ حَوْشَبِ على خزائن يزيد بن المهلَّب، فرفعوا عليه أنَه أخذ خَرِيْطَةً، فسأله يزيدُ عنها، فأتاه بها، فدعا يزيد الذي رفع عليه فشتمه، وقال لشَهْرِ: هي لك. قال: لا حاجة لي فيها. فقال القُطَامِيُّ الكَلْبِيُّ- ويقال: سنان بن مكبل النميري-: لقد باع شَهْرٌ دينَه بخَرِيْطةٍ ... فمن يأمَنُ القُرَّاء بعدك يا شَهْرُ
أَخَذْتَ بها شيئاً طفيفاً وبعتَه ... من ابن جرير إن هذا هو الغدر (1) وقد وثَّق شهراً: أحمد بن حنبل (2) ويحى بن معين (3) وأحمد بن عبد الله العجليُ (4) ويعقوب بن شيبة السَدوسيُ (5) وغيرهم، وتكلَّم فيه جماعة. وداود: هو ابنُ يزيد الأَوْدِيَّ، وهو عمُ عبد الله بن إدريس، ضعَّفه غير واحد، وحسَّن ابنُ عَدي أمره، وقال: لم أر له حديثاً منكراً جاوز الحدَّ إذا روى عنه ثقةٌ، وإن كان ليس بقويٍّ في الحديث فإنَه يكتب حديثه، ويقبل إذا روى عنه ثقةٌ (6) O. ***** (1) " تاريخ الأمم والملوك ": (4/ 52 - سنة: 98). (2) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (4/ 383 - رقم: 1668) من رواية حرب بن إسماعيل. (3) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (4/ 383 - رقم: 1668) من رواية ابن أبي خيثمة. (4) "معرفة الثقات": (ترتيبه- 1/ 461 - رقم: 741). (5) "تهذيب الكمال" للمزي: (12/ 585 - رقم: 2781). (6) "الكامل": (3/ 81 - رقم: 623).
مسائل الاستنجاء
مسائل الاستنجاء مسألة (27): لا يجوز استقبال القبلة ولا استدبارها [للحاجة] (1) في الصَحراء، وهل يجوز في البنيان؟ على روايتين، أصحُهما الجواز. وقال [أبو حنيفة] (2): لا يجوز بحالٍ. وقال داود: يجوز بكل حالِ. [احتجَّ] (3) أبو حنيفة: بمطلق النهي. 144 - قال أحمد: ثنا سفيان عنِ الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي قال: سمعت أبا أيُّوب يخبر عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَه قال: "لا تستقبلوا القبلة بغائطٍ ولا بول، ولكن شرقوا أو غرِّبوا " (4). أخرجاه في "الصحيحين" (5). 145 - وقال مسلم: ثنا أحمد بن الحسن بن خِرَاشِ ثنا عمر بن عبد الوهاب ثنا يزيد بن زُرَيْع ثنا رَوْح عن [سُهيل] (6) عن القَعْقَاع عن أبي
صالح عن أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا جلس أحدكم على حاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها". انفرد بإخراجه مسلم (1). ونحن والشَافعيُ نحمل هذا على الصَحاري دون البنيان، بدليل: 146 - ما روى التِرمذيَّ: ثنا هنَاد ثنا عَبدَةُ عن عبيد الله بن عمر عن محمَّد بن يحيى بن حَبَّان عن [عمه] (2) واسع بن حَبَان عن ابن عمر قال: رقيت يوماً على بيت حفصة فرأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على حاجته مستقبل الشَّام، مستدبر الكعبة (3). أخرجه مسلم (4). وقد روى نحو هذا: أبو قتادة وعمَّار، وليس هذا بنسخٍ للأوَل، إنَّما هذا في البنيان. ز: حديث ابن عمر: رواه البخاريَّ أيضاً، ولفظه: قال: ارتقيت يوماً على بيت حفصة لبعض حاجتي، فرأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقضي حاجته مستدبر القبلة مستقبل الشَام (5). وفي الباب أحاديث كثيرة من الطَّرفين، منها:
147 - عن سلمان الفارسيِّ رضي الله عنه قال: قيل له: قد علَمكم نبيُّكم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كل شيءً حتَّى الخِرَأَة! قال: فقال: أجل، لقد نهانا أن نستقبل القبلة بغائطٍ أو بول، أو أن نستنجي باليمن، أو أن نستنجي بأقلَ من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيعٍ أو بعظمٍ. رواه مسلم (1)، وسيذكر بعدُ (2). 148 - وعن معقل بن أبي معقل الأسديِّ قال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نستقبل القبلة بغائطٍ أو بول. رواه أحمد- واللفظ له (3) - وأبو داود (4) وابن ماجه (5). 149 - وعن عبد الله بن الحارث بن جَزْء الزُّبيديِّ رضي الله عنه قال: أنا أوَّل من سمع النَبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "لا يبولنَّ أحدكم مستقبل القبلة ". وأنا أوَّل من حدَّث النَاس بذلك. رواه أحمد (6) وابن ماجه (7). 150 - وعن جابر بن عبد الله قال: حدَّثني أبو سعيد الخدريُّ أنَّه يشهد على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَه نهى أن تستقبل القبلة بغائطٍ أو بول.
رواه ابن ماجه من رواية ابن لَهيعَة (1). 151 - وعن جابر بن عبد الله قال: نهى نبيُّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تستقبل القبلة ببولٍ، فرأيته قبل أن يقبض بعامٍ يستقبلها. رواه الإمام أحمد (2) وأبو داود (3) وابن ماجه (4) والتَرمذيُّ وقال: حديث حسنٌ غريب (5). وهو من رواية محمَّد بن إسحاق، وقال البخاريُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (6). وروى الحاكم وقال: هو على شرط مسلم (7). وليس كما قال، وتكلم فيه ابن عبد البّر في كتاب "الاستذكار" (8). قال التِّرمذيَّ: وقد روى هذا الحديث ابن لَهيعة عن أبي الزُّبير عن جابر عن أبي قتادة أنَّه رأى النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبول مستقبل القبلة. أنا بذلك قتيبة ثنا ابن لَهِيعَة.
وحديث جابر عن النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحُ من حديث ابن لهيعة، وابنُ لهيعَة ضعيف عند أهل الحديث، ضعَّفه يحيى بن سعيد القطَان وغيره (1). 152 - وعن عِرَاك عن عائشة قالت: ذكر لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن ناساً يكرهون أن يستقبلوا القبلة بفروجهم، فقال: "أوقد فعلوا؟! حوِّلوا مقعدتي قبل القبلة". رواه أحمد- وهذا لفظه (2) - وابن ماجه (3). وقال أحمد: أحسن ما روي في الرُخصة حديث عِرَاك- وإن كان مرسلاً- فإن مخرجَه حسنٌ (4). سماَّه مرسلاً لأنَّ عِرَاكاً لم يسمع من عائشة. وقد روى أحمد (5) والدَارَقُطنيُ (6) في بعض طرق هذا الحديث أن عراكاً قال: (حدَثتني عائشة). وهو يدلُ على سماعه منها، [قال بعضهم:] (7) ويقوِّي ذلك أنَّ مسلماً أخرج في "صحيحه": (.... حدَثنا (8) عِرَاك عن
عائشة) (1). والمراسيل والمنقطعات ليست من شرط الصَحيح. وقد سأل عبد الرَحمن بن أبي حاتم أباه عن هذا الحديث، فقال: لم أزل أقفوا أثر هذا الحديث حتَى كتبت بمصر: عن إسحاق بن بكر بن مضر- أو غيره- عن بكر بن مضر عن جعفر بن ربيعة عن عِرَاك بن مالك عن عُروة عن عائشة موقوف. وهذا أشبه (2). 153 - وعن مروان الأصفر قال: رأيتُ ابنَ عمر أناخَ راحلته مستقبل القبلة، ثُمَّ جلس يبول إليها، فقلت: أبا عبد الرَحمن، أليس قد نُهي عن هذا؟ قال: بلى، إنَّما نُهي عن ذلك في الفَضاء، فإذا كان بينك وبين القبلة شيءٌ يستُرك فلا بأس. رواه أبو داود (3) والدَارَقُطْنيُ (4) والحاكم وقال: هو على شرط البخاري (5). وفي إسناده الحسن بنُ ذَكْوان، وقد تكلَم فيه غير واحدٍ، وروى له البخاريَّ، والله أعلم O. *****
مسألة (28): الاستنجاء واجب بالماء أو بالأحجار.
مسألة (28): الاستنجاء واجبٌ بالماء أو بالأحجار. وقال أبو حنيفة: مستحبٌ. واختلف أصحاب مالك في إزالة النجاسة في الجملة من السَّبيلين وغيرها، فمنهم من قال: سنة (1). 154 - قال الإمام أحمد: ثنا سُرَيج (2) - هو ابن [النعمان] (3) -. وقال الدَارَقُطْنِيُ: ثنا أبو محمَّد بن صاعد والحسين بن إسماعيل قالا: ثنا يعقوب بن إبراهيم. قالا: ثنا عبد العزيز بن أبي حازم قال: حدَثني أبي عن مسلم بن قُرْط عن عروة عن عائشة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا ذهب أحدكم لحاجته فليستطب بثلاثة أحجار، فإنَّها تجزئه" (4). 155 - قال الدَارَقُطْنِيُ: وثنا عبد الباقي بن قانع ثنا أحمد بن الحسن المُضَريَّ ثنا أبو عاصم ثنا زَمْعة بن صالح عن سلمة بن وهرام عن طاوس عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا قضى أحدكم حاجته فليستنج بثلاثة أعوادٍ، أو ثلاثة أحجار، أو ثلاث حثيات من تراب".
قال الدَارَقُطْنيُّ: أمَّا الحديث الأوَل فإسناده صحيحٌ: وأمَّا هذا فلم يسنده غير المُضَريِّ وهو كذَّاب، وغيره يرويه عن طاوس مرسلاً- ليس فيه ابن عبَّاس-، ورواه ابن عيينة عن سلمة عن طاوس قوله (1). ز: روى الحديث الأوَل: أبو داود (2) والنَسائيُ (3)، والله أعلم O. قال المؤلِّف: وندلُ على مالك: 156 - بما روى أحمد: ثنا وكيع ثنا الأعمش قال: سمعت مجاهداً يحدث عن طاوس عن ابن عبَّاس قال: مرَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقبرين، فقال: "إنَّهما ليعذَّبان وما يعذَّبان في كبير، أمَّا أحدهما فكان لا يستبري من بوله، وأمَّا الآخر فكان يمشي بالنَّميمة" (4). أخرجاه في "الصحيحين" (5). ز: 157 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أكثر
عذاب القبر من البول ". رواه الإمام أحمد (1) وابن ماجه (2) والحاكم وقال: على شرطهما، ولا أعلم له علَةً (3). وقال الإمام أحمد في البول (4): وقد روي موقوفاً. ويشبه أن يكون أصحُّ. قاله الدَارَقُطنِيُ (5). 158 - وعن ابن عبَّاس رفعه إلى النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "عامَّة عذاب القبر من البول، فتنزَّهوا من البول". رواه الطَبرانيُ (6) والحاكم (7) والدَارَقُطْنِيُ وقال: إسناده لا بأس به (8). 159 - وعن أنس عن النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "تنزَّهوا من البول، فإنَّ عامَّة عذاب القبر منه ".
رواه الدَّارَقُطْنيُ من رواية أبي جعفر الرَازي (1)، وهو متكلَم فيه، قال ابن المديني: ثقة وكان يخلِّط (2). وقال أحمد: ليس بقوي (3). وقال أبو زرعة: يهم كثيراً (4). وقال الدَارَقُطْنِيُّ: المحفوظ مرسلٌ O. قال المؤلف: وقد استدلَ أصحابنا: 160 - بما أنا به عبد الرَّحمن بن محمَّد القزَّاز أنا أحمد بن عليِّ بن ثابت أخبرني محمَّد بن جعفر بن علاَّن أنا أحمد بن جعفر (5) بن محمَّد الخلاَّل ثنا صالح
ابن محمَّد بن نصر الترمذيُّ ثنا القاسم بن عبَاد الترمذيَّ ثنا صالح بن عبد الله الترمذيَّ عن أبي عامر عن نوح بن أبي مريم عن يزيد الهاشمي عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الدَّم مقدار الدرهم: يغسل وتعاد منه الصَّلاة " (1). وقد رواه روح بن غطيف بن أبي سفيان الثَقفيُ (2) عن الزهريِّ عن سعيد بن المسيَب عن أبي هريرة. وهذا الحديث لا يحسن الاحتجاج به، قال (3) يحيى بن معين قال: نوح ابن أبي مريم ليس بشيءٍ ولا يكتب حديثه (4). وقال الدَارَقُطْنِيُ: متروكٌ (5). وقال البخاريَّ: هذا الحديث باطلٌ، ورَوْح منكر الحديث (6). وقال النَسائيُ: رَوْح (7) متروك الحديث (8). وقال ابن حِبَان: يروي الموضوعات
على الثقات، لا يحل الاحتجاج به (1). قال ابن حِبَّان: وهذا حديث موضوع لا شك فيه، ما قاله رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنَّما هو اختراعٌ أحدثه أهل الكوفة في الإسلام (2). ز: قال سفيان بن عبد الملك: قال عبد الله- هو ابن المبارك-: قد رأيت رَوْح بن غطيف- صاحب "الدَّمَ قدر الدِّرهم ... " عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجلست إليه مجلساً، فجعلت أستحيي من أصحابي أن يروني جالساً معه لكثرة ما في حديثه- يعني: المناكير- (3). وقال ابن عَدِيٍّ: أنا محمَّد بن مُنيرْ ثنا أحمد بن العبَّاس قال: قلت ليحيى ابن معين: تحفظ عن الزُّهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "تعاد الصَلاة في مقدار الدرهم من الدمَ "؟ قال: لا والله. ثمَّ قال: مَنْ؟ قلت: ثنا مُحْرِز بن عون. قال: ثقة، عن مَنْ؟ قلت: عن القاسم بن مالك المزني. قال ثقة، عن مَنْ؟ قلت: عن روح بن غطيف. قال: ها. قلت: يا أبا زكريا، ما أرى أُتينا إلا من روح بن غطيف. قال: أجل. قال ابن عَدِي: هذا لا يرويه عن الزهريِّ - فيما أعلمه - إلا رَوْح بن غطيف، وهو منكرٌ بهذا الإسناد (4). قال البيهقيُ: وفيما بلغني عن محمَّد بن يحيى الذُّهلِي أنَّه قال: أخاف أن
مسألة (29): لا يجوز الاستنجاء بأقل من ثلاثة أحجار.
يكون هذا موضوعاً، ورَوْح هذا مجهولٌ (1). وقد سُئل الدَارَقُطْنِيُ عن حديث أبي سلمة عن أبي هريرة رفعه: "تعاد الصَّلاة من قدر الدِّرهم ". فقال: يرويه رَوْح بن غطيف عن الزهري، واختلف فيه: فقال القاسم بن مالك المزنيُ: عن روح بن غطيف عن الزهري. وقال [أسد] (2) بن عمرو البجليُ: عن غطيف الطائفي عن الزهري - وهو رَوح بن غطيف كما قال القاسم بن مالك -. ورَوح ضعيفٌ، ولا يعرف هذا عن الزهري (3) O. ***** مسألة (29): لا يجوز الاستنجاء بأقلَّ من ثلاثة أحجار. وقال أبو حنيفة ومالك: لا يجب العدد. لنا حديثان: الأوَل: حديث عائشة: "فليستطب بثلاثة أحجار ". وقد تقدَم (4).
161 - الحديث الثَاني: قال أحمد: ثنا وكيع ثنا الأعمش عن إبراهيم عن عبد الرَحمن بن يزيد عن سلمان قال: قال بعض المشركين- وهم يستهزئون- لسلمان: إني أرى صاحبكم يعلِّمكم حتَّى الخِرَأَة! قال سلمان: أجل، أمرنا أن لا نستقبل القبلة، ولا نستنجي بأيماننا، ولا نكتفي بدون ثلاثة أحجار، ليس فيها رجيعٌ ولا عظمٌ (1). انفرد بإخراجه مسلمٌ (2). ز: 162 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّما أنا لكم مثل الوالد ... - وفيه: وكان يأمر بثلاثة أحجار وينهى عن الرَّوث والرِّمَة (3) - ". رواه الإمام أحمد (4) وأبو داود (5) والنَسائيُ (6) وابن ماجه (7) وأبو حاتم في "صحيحه" (8). 163 - وعن خُزيمة بن ثابت رضي الله عنه قال: سُئل النبيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الاستطابة، فقال: "بثلاثة أحجار ليس فيها رَجيعٌ ".
رواه الإمام أحمد (1) وأبو داود (2) وابن ماجه (3). 164 - وعن جابر أنَّ النَبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " [إذا استجمر أحدكم فليستجمر ثلاثاً". رواه أحمد (4). 165 - وعن سهل بن سعد أن النَّبيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال] (5): " أولا يجد أحدكم حجرين للصفحتين وحجراً للمسرَبَة (6)؟ ". رواه الدَارَقُطْنِيُ وقال: إسناده حسنٌ (7). وقد روى حديث سهل هذا: الطَّبرانيُ (8) والعقيليُ (9) عن عليِّ بن عبد العزيز عن عَتيق بن يعقوب الزبيري عن أُبيِّ بن عبَّاس بن سهل بن سعد عن أبيه عن جده. وعَتيقٌ: روى عنه أبو زرعة الرَازيَّ، وقال: بلغني أن عَتيِق (10) حفظ "الموطأ" في حياة مالك (11).
وأبيٌّ: من رجال الصَحيح (1)، وقد تكلَّم فيه غير واحد من الأئمة. وقال العقيليُ- بعد أن رواه-: وروى الاستنجاء بثلاثة أحجار عن النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جماعة، منهم: أبو هريرة وسلمان وخُزيمة بن ثابت وعائشة والسَّائب بن خلاَّد الجهنيُ وأبو أيُّوب، لم يأت أحدٌ منهم بهذا اللفظ، ولأُبيٍّ أحاديث لا يتابع منها على شيءٍ O. احتجوا: 166 - بما روى أحمد: ثنا وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي عُبيدة عن عبد الله قال: خرج النَبيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحاجته فقال: "التمس لي ثلاثة أحجار". فأتيته بحجرين ورَوْثَة، فأخذ الحجرين وألقى الرَّوْثَة، وقال: "إنَّها ركسٌ" (2). قال الترمذيَّ: هذا حديث فيه اضطراب، وأبو عُبيدة لم يسمع من أبيه (3). قلت: ثمَّ لا حجَّة فيه، لأنَّه يجوز أن يكون أخذ حجراً ثالثاً مكان الرَّوْثَة. ز: وقد روى البخاريَّ في "صحيحه" هذا الحديث من حديث زهير عن أبي إسحاق عن عبد الرَحمن بن الأسود عن أبيه عن عبد الله (4). ورواه الإمام أحمد (5) والدَارَقُطْنِيُّ (6)، وفي آخره: "ائتني بحجرٍ"،
مسألة (30): لا يجوز الاستنجاء بالروث ولا بالعظم.
وفي لفظ الدَارَقُطني: "ائتني بغيرها " (1) O. ***** مسألة (30): لا يجوز الاستنجاء بالرَّوث ولا بالعظم. وقال أبو حنيفة ومالك: يجزئ ويكره (2). لنا أربعة أحاديث: أحدها: حديث سلمان (3)، والثاني: حديث ابن مسعود (4)، وقد تقدَّما. 167 - الثَالث: قال الترمذيَّ: ثنا هنَاد ثنا حفص بن غياث عن داود ابن أبي هند عن الشَعبي عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام، فإنَّه زاد إخوانكم من الجن" (5). انفرد بإخراجه مسلمٌ (6). 168 - الحديث الرَابع: قال الدَارَقُطْنِيُ: ثنا أبو محمَّد بن صاعد وأبو
سهل بن زياد قالا: أنا إبراهيم بن إسحاق الحربيُّ ثنا يعقوب بن كاسب ثنا سلمة بن رجاء عن الحسن بن فرات القزَّاز عن أبيه عن أبي حازم عن أبي هريرة أنَ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى أن يُستنجى بروثِ أو بعظم وقال: "إنَهما لا يطهران ". قال الدَارَقُطْنيُ: إسناده صحيحٌ (1). وقد روى نحوه: ابن عمر وجابر. ز: سلمة بن رجاء: قال ابن معين: ليس بشيءٍ (2). وقال أبو زرعة: صدوقٌ (3). وقال النَسائيُ: ضعيفٌ (4). وقال أبو حاتم: ما بحديثه بأسٌ (5). وقال ابن عَدِي: حدَّث بأحاديث لا يتابع عليها (6). وذكره ابن حِبَان في "الثقات" (7)، وروى له البخاريَّ في "الصَحيح " (8). ويعقوب بن كاسب: قيل: روى عنه البخاريَّ في "صحيحه" أيضاً ولم ينسبه (9) وقوَّاه (10)، وقال يحيى (11) والنَسائيُ (12): ليس بشيءٍ. ووثقه
يحيى مرَةً (1)، وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث (2). 169 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: اتبعت النَّبيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وخرج لحاجته- فكان لا يلتفت، فدنوت منه فقال: "أبغني أحجاراً استنفض بها- أو نحوه-، ولا تأتني بعظم ولا روثٍ " فأتيته بأحجارٍ بطرف ثيابي، فوضعتها إلى جنبه وأعرضت عنه، فلما قضى أتبعه بهنَّ. رواه البخاريَّ (3). 170 - وعن رُويفع بن ثابت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا رويفع، لعل الحياة ستطول بك بعدي، فأخبر النَّاس أنَّه من عقد لحيته (4)، أو
تقلَّد وتراً، أو استنجى برجيع دابة أو عظمٍ، فإنَّ محمََّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منه بريء". رواه أحمد (1) وأبو داود (2) والنسائيُ (3). 171 - وعن عبد الله بن مسعود قال: قدم وفد الجنِّ على النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: يا محمَّد، انْه أمَّتك أن يستنجوا بعظم أو روثةٍ أو حُمَمَةٍ (4)، فإن الله جل وعزَّ (5) جعل لنا فيها رزقاً. قال: فنهى النَبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رواه أبو داود- واللَفظ له- (6) والدَارَقُطْنِيُّ من رواية إسماعيل بن عيَّاش (7). قال الإمام أحمد: ما روى عن الشَّامين فهو صحيحٌ، وما روى عن الحجازيين فليس بصحيحِ (8). وقال الدَارَقُطْنيُ: إسناده شاميٌ، ليس بثابتٍ. 172 - وعن ابن مسعود أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتاه ليلة الجنِّ ومعه عظمٌ حائلٌ (9)، وبعرةٌ، وفحمةٌ، فقال: "لا تستنجينَّ بشىِءٍ من هذا إذا خرجت
إلى الخلاء ". رواه الإمام أحمد من رواية ابن لهيعة (1). 173 - وعن سهل بن حُنَيف رضي الله عنه أنَ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثه، وقال: "أنت رسولي إلى أهل مكَة، قل: إنَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرسلني يقرأ عليكم السَّلام، ويأمركم بثلاث: لا تحلفوا بغير الله، وإذا تخليتم فلا تستقبلوا القبلة- وفي رواية: الكعبة- ولا تستدبروها، ولا تستنجوا بعظمٍ ولا ببعرٍ". رواه الإمام أحمد (2) O. *****
مسائل الوضوء
مسائل الوضوء (1) مسألة (31): غسل اليدين عند القيام من نوم الليل واجبٌ. وعنه: مستحبٌ، كقولهم (2). لنا: 174 - ما أنا به محمَّد بن عبد الباقي البزَّاز ثنا أبو محمَّد الحسن بن عليٍّ الجوهريَّ أنا عمر بن محمَّد الزَّيَّات ثنا قاسم بن زكريا ثنا أبو كريب ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا قام أحدكم من نوم الليل فلا يدخل يده في الإناء حتَّى يغسلها ثلاث مرَّات، فإنَّه لا يدري أين باتت يده ". انفرد بإخراجه مسلمٌ (3). وقد روى نحو هذا الحديث عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ابنُ عمر وجابرٌ
مسألة (32): النيه واجبة في طهارة الحدث.
وعائشةُ. ز: 175 - وقد روى البخاريَّ من حديث أبي هريرة ولفظه: "إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها في وَضوءه، فإنَّ أحدكم لا يدري أين باتت يده" (1). وفي رواية: "إذا كان أحدكم نائماً ثم استيقظ فأراد الوضوء، فلا يضع يده في الإناء حتَّى يصبَّ على يده، فإنَّه لا يدري أين باتت". ذكر مسلمٌ إسناده (2) O. ***** مسألة (32): النِّيَّه واجبة في طهارة الحدث. وقال أبو حنيفة: لا تجب إلا في التَّيمُّم (3).
لنا ثلاثة أحاديث: 176 - الأوَل: قال البخاريُّ: ثنا محمَّد بن كثير عن سفيان ثنا يحيى بن سعيد عن محمَّد بن إبراهيم التَّيميَّ عن علقمة بن وقَّاص عن عمر بن الخطَّاب قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "إنَّما الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه" (1). وأخرجه مسلم (2). 177 - الحديث الثَّاني: قال مسلم: حدَّثني إسحاق بن منصور ثنا حَبَّان ابن هلال ثنا أبان ثنا يحيى أنَّ زيداً حدَّثه أبا سَلاَّم حدَّثه عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان". انفرد بإخراجه مسلمٌ (3).
178 - الحديث الثَالث: أنبأنا محمَّد بن عبد الملك بن خَيْرُوْن أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت أنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحَرَشِيُ ثنا أبو العبَاس الأصم ثنا أبو عتبة (1) أحمد بن الفرج ثنا بقيَة ثنا إسماعيل بن عبد الله عن إياس عن أنس عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا يقبل الله قولاً إلا بعمل، ولا يقبل قولاً وعملاً إلا بنيَّة، ولا يقبل قولاً وعملاً ونيَّة (2) إلا بإصابة السُّنَّة " (3). ز: هذا حديث منكرٌ، وإسناده مظلمٌ. وأبو عتبة أحمد بن الفرج الحمصيُ: ضعَّفه محمَّدُ بن عوف الطَائيُ (4) وابن جَوْصَا (5)، وقال ابن عَدِي: هو وسط ليس ممن يحتجُ بحديثه أو يتديّن به، إلا أنَّه يكتب حديثه (6). وقال ابن أبي حاتم: كتبنا عنه ومحلُه عندنا محلُّ الصَّدق (7). وقوله في الإسناد: (عن إياس) خطأٌ، والصَّواب: (عن أبان) وهو ابن
مسألة (33): التسمية في الوضوء واجبة.
أبي عيَّاش، وهو متروكٌ. وقد حسَّن هذا الحديث الحافظ أبو القاسم بن عساكر فوهم، فإنَّ هذا الحديث لا يصححُّ مرفوعاً، وإنَّما هو معروف من كلام الثَوريِّ (1)، والله أعلم O. احتجُّوا: 179 - بما روى أحمد: ثنا يزيد ثنا سفيان الثَّوريَّ عن أيُّوب بن موسى عن سعيد بن أبي سعيد المقبرُي عن عبد الله بن رافع عن أمِّ سلمة قالت: قلت: يا رسول الله، إني امرأة أشدُ ظَفْرَ رأسي، أفأنقضه عند الغُسل من الجنابة؟ فقال: "إنَّما يكفيك ثلاث حفناتٍ تصبينها على رأسك " (2). انفرد بإخراجه مسلمٌ (3)، ولا حُجَّة في هذا لهم، لأنها إنَّما سألته عن كيفيَة الغسل. ***** مسألة (33): التَسمية في الوضوء واجبةٌ. وعنه: أنَّها سنَةٌ، كقول أبي حنيفة والشَافعيِّ. لنا خمسة أحاديث: 180 - الحديث الأوَل: قال الدَارَقُطْنِيُ: ثنا أحمد بن موسى بن
العبَّاس بن مجاهد ثنا أحمد بن منصور ثنا أبو عامر (1). وقال أحمد: ثنا زيد بن الحباب. وقال عبد بن حميد: ثنا عبد الملك (2). قالا (3): ثنا كثير بن زيد قال: حدَثني رُبَيح بن عبد الرحمن [بن] (4) أبي سعيد عن أبيه عن جدِّه عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه" (5). 181 - الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنيُ: ثنا أبو محمَّد بن صاعد ثنا سلمة بن شَبِيب ثنا ابن أبي فُدَيْك ثنا عبد الرَحمن بن حَرْمَلة عن أبي ثِفَال المُري قال: سمعت رَبَاح بن عبد الرَحمن بن أبي سفيان بن حُوَيْطب يقول: أخبرتني جدَتي عن أبيها أنَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه" (6). هذا الصَّحابي: سعيد بن زيدٍ. 182 - طريق آخر: قال عبد الله بن أحمد: ثنا شيبان (7) ثنا يزيد بن
عياض عن أبي ثِفَال المُري قال: سمعت رَبَاح بن عبد الرَحمن بن حُوَيْطب يقول: سمعت جدَتي أنَّها سمعت أباها سعيد بن زيدٍ يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله تعالى" (1). 183 - طريق ثالث: قال الترمذيَّ: ثنا نصر بن علي وبِشْرُ بن معاذٍ قالا: ثنا بِشْرُ بن المُفضَلِ عن عبد الرَحمن بن حَرْمَلهَ عن أبي ثِفَالٍ المُريِ عن رَبَاحِ ابن عبد الرَّحمن عن جدَّته عن أبيها قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه" (2). 184 - الحديث الثَالث: قال أحمد: ثنا قتيبة ثنا محمَّد بن موسى المخزوميُ عن يعقوب بن سلمة عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه" (3). 185 - طريق آخر: قال الدَارَقُطْنِيُ: ثنا ابن صاعد ثنا محمود بن محمَّد الظَفَريَّ ثنا أيُّوب بن النَّجَار عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما توضَّأ من لم يذكر اسم الله عليه، وما صلَّى من لم يتوضَّأ" (4).
186 - طريق آخر: قال الدَارَقُطْنِيُ: ثنا محمَّد بن مَخْلد ثنا أبو بكر محمَّد بن عبد الله (1) [الزهيريَّ] (2) ثنا مرداس بن محمَّد بن عبد الله بن أبي بردة ثنا محمَّد بن أبان عن أيُّوب [بن] (3) عائذ الطَّائيِّ عن مجاهد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من توضَأ وذكر اسم الله تطهَر جسده كلُه، ومن توضٌأ ولم يذكر اسم الله عز وجل لم يتطهر إلا موضع الوضوء" (4). وربَّما قال الخصم: فهذا حجَتنا، لأنَّه حكم بطهارة الأعضاء مع عدم التَسمية. قلنا: البدن جميعه محدثٌ، بدليل أنَّّه لا يجوز مسُ المصحف بصدره، ومع بقاء الحدث في بعض البدن لا تصحُ الصَلاة. 187 - الحديث الرَّابع: قال الدَارَقُطْنِيُّ: ثنا عثمان بن أحمد الدَّقَاق ثنا محمَّد بن عبيد الله المناديَّ ثنا أبو بدر ثنا حارثة بن محمَّد عن عمرة عن عائشة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقوم إلى الوُضوء فيسمي الله عزَّ وجلَّ (5). 188 - الحديث الخامس- مقطوع-: أنبأنا عبد الوهَّاب بن المبارك الحافظ أنا أبو طاهر أحمد بن الحسن الباقلاويَّ (6) أنا أبو علي ابن شاذان أنا دَعْلَج ثنا محمَّد بن علي- بن زيدٍ ثنا سعيد بن منصور ثنا عَتَاب ثنا خُصَيف قال: توضَّأ رجلٌ عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يسمَّ، فقال: "اعد وضوءك ". ثم توضَّأ
ولم يسمَّ، فقال: "اعد وضوءك "- ثلاث مرات- ثم توضَّأ وسمَّى، فقال: "الآن حين أصبت وضوءك". هذه الأحاديث فيها مقالٌ قريبٌ: فقي الحديث الأوَّل: كثير بن زيد، قال يحيى: ليس بذاك القويِّ (1). وقال أبو زرعة: هو لينٌ (2). قال أحمد والبخاريُّ: أحسن شيء في هذا الباب حديث كثير بن زيد (3). وحديث قتيبة جيدٌ (4). وقد قالوا في رُبَيح: أنَّه ليس بالمعروف. وقال أحمد: من أبو ثِفَال؟ (5). وقال الترمذيَّ: اسمه ثمامة بن حصين (6). ومن مذهب أحمد تقديم الحديث الضَعيف على القياس.
قال أبو بكر الأثرم: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول: ليس في هذا حديثٌ يثبت، وأحسنها حديث كثير بن زيدٍ. وضعَّف حديث ابن حَرْمَلة (1). وقال: أنا لا آمر بالإعادة، وأرجو أنه يجزئه الوضوء، لأنَّه ليس في هذا حديث أحكم به (2). ز: وروى حديث رُبِيح بن عبد الرَحمن عن أبيه عن جده: ابن ماجه في "سننه" (3). وسئل إسحاق بن راهويه: أيَّ حديثٍ أصحُ في التَّسمية؟ فذكر حديث أبي سعيد (4). وقال أحمد: ربيح ليس بمعروفٍ (5). وقال أبو حاتم الرَّازيَّ: روى عنه الدَّراوردي وكثير بن زيد والزُّبير بن عبد الله وفُلَيح بن سليمان (6). وسئل أبو زرعة عنه فقال: شيخ (7). وقال الترمذيَّ في كتاب "العلل": قال محمَّد - يعني البخاريَّ-: منكر الحديث (8). وقال ابن عَدِي: أرجو أنَّه لا بأس
به (1). وذكره ابن حِبَان في كتاب "الثقات" (2). وقال أحمد بن حفص السَعديَّ: سُئل أحمد بن حنبل- يعني وهو حاضرٌ- عن التَّسمية في الوضوء، فقال: لا أعلم فيه حديثاً يثبت، أقوى شيءٍ فيه حديث كثير بن زيدٍ عن رُبيح (3). وقال العقيليُ: ثنا إبراهيم بن عبد الوهَاب الأَبْزَارِيَّ ثنا أحمد بن محمَّد بن هانئ قال: قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: التَسمية في الوضوء؟ فقال: أحسن شيءٍ فيه حديث رُبَيح بن عبد الرَّحمن بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي سعيد الخدري. قلت: فحديث عبد الرَحمن بن حَرْمَلة؟ قال: لا يثبت. قال العقيليُّ: والأسانيد في هذا الباب فيها لين (4). وقال أبو بكر بن أبي شيبة: ثبت لنا أنَّ النَبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا وضوء لمن لم يسمِّ " (5).
وحديث سعيد بن زيد: رواه ابن ماجه أيضاً (1). وقال الترمذيَّ: قال محمَّد بن إسماعيل: أحسن شيءِ في هذا الباب حديث رباح بن عبد الرَحمن- يعني حديث سعيد بن زيد- (2). وقال الترمذيَّ: قال أحمد بن حنبل: لا أعلم في هذا الباب حديثاً له إسنادٌ جيدٌ (3). وقال البخاريَّ: في حديثه نظر- يعني أبا ثفال- (4). وقال ابن عبد البر: أبو بكر بن حويطب، يقال: اسمه رباح، ويقال: اسمه كنيته، روى عن جدَّته، يقال: حديثه مرسلٌ (5). وروى حديث يعقوب بن سلمة عن أبيه عن أبي هريرة: أبو داود (6)
وابن ماجه (1) أيضاً، والحاكم وقال: هو حديث صحيح الإسناد (3). وقال البخاريَّ: ولا يعرف لسلمة سماعٌ من أبي هريرة، ولا ليعقوب من أبيه (3). ومحمود بن محمَّد الظفريَّ: قال الدَّارَقُطْنيُ: ليس بالقوي، فيه نظر (4). وشيخه أيُّوب بن النَجَار: ثقةٌ، من رجال "الصحيحين" (5). وقال البيهقيُ في حديثه: لا يعرف من حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة إلا من هذا الوجه، وكان أيُّوب بن النَجَار يقول: لم أسمع من يحيى بن أبي كثير إلا حديثَا واحداً- حديث: "التقى آدم وموسى ... "-. ذكره يحيى ابن معين فيما رواه عنه ابن أبي مريم، فكان حديثه هذا منقطعاً، والله أعلم (6). والحديث الرَابع: في إسناده: حارثة بن محمَّد، وقد ضعَّفوه. 189 - وعن عبد المهيمن بن عبَّاس بن سهل بن سعد السَّاعدي عن أبيه عن جدِّه عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله
عليه، ولا صلاة لمن لا يصلي على نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا صلاة لمن لم يحب الأنصار". رواه ابن ماجه (1). وعبد المهيمن: ضعَّفوه، وقال الدَارَقُطْنِيُ: عبد المهيمن ليس بالقويِّ (2). وقال ابن حِبَان: لا يحتجُ به (3). وقال البيهقيُ: ضعيفٌ، لا يحتجُ برواياته (4). وقد احتجَ بعضهم بأحاديث في الاستدلال بها نظرٌ، منها: 190 - ما روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: نظر أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضوءا فلم يجدوا، فقال النَبيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ها هنا ماء؟ " فأُتي به، فرأيت النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وضع يده في الإناء الذي فيه الماء، ثُمَّ قال: "توضَّؤوا باسم الله" فرأيت الماء يفور من بين أصابعه. رواه النَسائيُّ (5) والدَارَقُطْنِيُّ- وهذا لفظه- (6). ورواه الإمام أحمد (7) وابن خزيمة في "صحيحه" (8)، وفيه (9): والقوم يتوضَّؤون حتَى توضَّؤُوا من آخرهم. قال ثابت لأنس: كم تراهم كانوا؟ قال: نحوا من سبعين.
190/أ- وقد روى الإمام أحمد من رواية الأسود بن قيس عن نُبيح العَنَزِيِّ أن جابر بن عبد الله قال: غزونا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونحن يومئذٍ بضعة عشر ومائتين، فحضرت الصَلاة، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هل في القوم من ماء؟ " فجاء رجلٌ يسعى بإداوة فيه شيءٌ من ماءٍ، قال: فصبَّه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قدحٍ، فتوضَّأ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأحسن الوضوء، ثُمَّ انصرف وترك القدح، فركب النَاس القدح: تمسَحوا، تمسَحوا (1). فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "على رسلكم- حين سمعهم يقولون ذلك- "، قال: فوضع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كفَّه في الماء والقدح، ثمَّ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بسم الله ". ثمَّ قال: "اسبغوا الوضؤء". فو الَّذي هو ابتلاني ببصري، لقد رأيت العيون- عيون الماء- يومئذٍ تخرج من بين أصابع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! فما رفعها حتَى توضَّؤُوا أجمعون (2). نُبيح العَنَزِيَّ: قال عليُّ بن المدينيِّ: مجهولٌ (3). وقال أبو زرعة: كوفيٌ ثقةٌ، لم يرو عنه غير الأسود بن قيس (4). وقد روى عنه أبو خالد الدَّالانيُ
أيضاً (1)، ووثَقه أبو حاتم بن حِبَان (2). 191 - وقد روي من رواية سالم بن أبي الجعد قال: سمعت جابراً قال: أصابنا عطش فجَهَشنا (3) إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: فوضع يده في تَوْرٍ من ماءٍ بين يديه، فجعل يثور من خلال أصابعه كأنَّها عيون! قال: "خذوا بسم الله " حتَّى وسِعنا وكفانا. وقد روى البخاريَّ (4) ومسلم (5) من رواية سالم بن أبي الجَعْد عن جابر هذا الحديث بطرقه ولم يُذكر فيه التَسمية.
مسألة (34): المضمضة والاستنشاق واجبان في الطهارتين.
192 - وقد روى مسلم في "صحيحه" من رواية عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصَّامت عن جابر بن عبد الله حديثاً فيه طول، وفيه: "يا جابر، ناد بوَضوء " فقلت: ألا وَضوء؟ ألا وَضوء؟ ... وفيه: قال: "خذ يا جابر، فصبَّ عليَّ، وقل: بسم الله " فصببت عليه، وقلت: بسم الله. فرأيت الماء يتفوَّر من بين أصابع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... فذكره (1) O. ***** مسألة (34): المضمضة والاستنشاق واجبان في الطهارتين. وقال أبو حنيفة: واجبان في الغسل، مسنونان في الوضوء. وقال مالك والشَافعيُ: مسنونان فيهما. لنا أربعة أحاديث: 193 - الحديث الأوَل: قال الدَارَقُطْنيُ: ثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث ثنا الحسن بن علي بن مهران ثنا عصام بن يوسف ثنا عبد الله بن المبارك عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة أنَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "المضمضة والاستنشاق من الوضوء الذي لا بدَّ منه " (2). في هذا الحديث مقالٌ، لأَنَّه تفرَد به سليمان عن الزُّهري، وتفرَّد به عصام عن ابن المبارك.
قال البخاريَّ: عند سليمان مناكير (1). قال عليُ بن المدينيِّ: سليمان مطعونٌ عليه (2). وقال الدَارَقُطْنِيُ: وهم فيه عصام، والصَواب عن ابن جريج عن سليمان بن موسى- مرسلاً- عن النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: وأحسبه اختلط عليه، واشتبه بإسناد ابن جريج: "أيُّما امرأة نكحت بغير إذن وليِّها ... " (3) ويمكن أن يقال: سليمان ثقة، وما عرفنا في عصام طعناً، والرَّاوي قد يرفع وقد يرسل. 194 - الحديث الثَاني: قال الدَارَقُطْنِيُّ: ثنا عليُّ بن الفضل بن طاهر البَلْخِيُ ثنا أحمد بن حمدان العائذيُّ ثنا الحسين بن الجنيد الدَّامَغانيُ- وكان رجلاً صالحاً- ثنا عليُّ بن يونس عن إبراهيم بن طَهْماَن عن جابر عن عطاء عن ابن عبَّاس عن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: "المضمضة والاستنشاق من الوضوء الذي لا يتم الوضوء إلا بهما" (4). قال الخصم: جابر هو: الجُعْفِيُ، وقد كذَّبه أيُّوب السَّختيانيُ (5)
وزائدة (1). قلنا: قد وثَّقه سفيان الثَوريَّ (2) وشعبة (3)، وكفى بهما. ز: جابر الجُعْفِيُ: ضعَّفه الجمهور، والمؤلف يحتجُ به في موضع إذا كان الحديث حجَّةَ له، ويضعفه في موضعٍ آخر إذا كان الحديث حجَةَ عليه (4)! وقال الدَارَقُطْنِيُ- بعد أن روى الحديث-: جابرٌ ضعيف، وقد اختلف عنه، فأرسله أبو مُطيع الحكَم بن عبد الله عن إبراهيم بن طَهْماَن عن جابر عن عطاء، وهو أشبه بالصَواب (5) O. 195 - الحديث الثَّالث: قال الدَارَقُطْنِيُ: ثنا الحسين بن إسماعيل ثنا عبد الله بن أحمد بن موسى ثنا هُدْبَة ثنا حمَاد بن سلمة عن عماَّر ابن أبي عمَّار عن
أبي هريرة قال: أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمضمضة والاستنشاق (1). قال الخصم: قد قال الدَارَقُطْنِيُ: لم يسنده عن حمَّاد غير هُدْبة وداود بن المُحَبَّر، وغيرهما يرويه عن عمَّار عن النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يذكر أبا هريرة. والجواب: أنَّ هُدْبة ثقة، أُخرج عنه في "الصَحيحين " (2)، فإذا رفعه كان رفعه زيادة على قول من وقفه، والزيادة من الثقة مقبولة، ومن وقفه لم يحفظ ما حفظ الرافع. ز: إذا روى بعض الثِّقات حديثاً فأرسله، ورواه بعضهم فأسنده، فقد اختلف أهل الحديث في ذلك: فحكى الخطيب أن أكثر أصحاب الحديث يرون: أنَّ الحكم في هذا للمُرْسِل. وعن بعضهم: أنَّ الحكم للأكثر. وعن بعضهم: أن الحكم للأحفظ. وصحَّح الخطيب أنَ الحكم لمن أسنده إذا كان عدلاً ضابطاً، وسواءً كان المخالف له واحداً أو جماعة (3). والصَّحيح أن ذلك يختلف: فتارةً يكون الحكم للمُرسِل، وتارة يكون للمُسْنِد، وتارة للأحفظ.
ورواية من أرسل هذا الحديث أشبه بالصَواب، وقد صحَّح الدَارَقُطْنِيُ وغيره إرساله (1)، والله أعلم O. 196 - الحديث الرَابع: قال أحمد: ثنا عبد الرَزاق ثنا معمر عن همَّام عن أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا توضَّأ أحدكم فليستنشق بمنخريه من الماء ثمَّ لينتثر" (2). أخرجه مسلم (3)، وقد روى نحوه: عثمان بن عفَّان وابن عبَّاس وسلمة بن قيس والمقدام بن معدي كرب ووائل بن حُجْر. فإن قالوا: نحمله على الاستحباب بدليل ما روى أبو هريرة عن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَه قال: "من توضَأ فليستنثر، من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج". قلنا: ظاهر الأمر للوجوب، وليس احتجاجنا بقوله: "فلينتثر"، إنَما احتجاجنا بقوله: "فليستنشق من الماء ثم لينتثر ". يقال: استنثر: إذا حرَّك النَثْرة- وهو طرف الأنف- لإخراج الفضلة. وذلك لا يجب. ز: 197 - أخرج البخاريَّ ومسلمٌ في "صحيحيهما" عن أبي هريرة أنَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماءً ثمَّ لينتثر" (4). 198 - وعنه أنَّ النَبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر
ثلاث مرَّات، فإنَ الشَيطان يبيت على خياشيمه". أخرجاه في "الصَحيحين " (1). 199 - وعن لقيط بن صَبرة قال: قلت: يا رسول الله، أخبرني عن الوضوء؟ قال: "اسبغ الوضوء، وخلِّل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً". رواه الإمام أحمد (2) وأبو داود (3) وابن ماجه (4) والنسائيُ (5) والتِّرمذيَّ وقال: حديث حسنٌ صحيح (6). ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" (7)، والحاكم وصحَّحه (8). وزاد أبو داود في بعض رواياته: "إذا توضَّأت فمضمض " (9). 200 - وعن علي رضي الله عنه أنَّه دعا بوَضوءٍ، فتمضمض. واستنشق ونثر بيده اليسرى، ففعل هذا ثلاثاً، ثمَّ قال: هذا طُهور نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رواه أحمد (10) والنَّسائي (11) والدَّارَقُطْنِيُ (12) O.
قال المؤلِّف: وقد احتجَ أصحابنا بحديثِ يروى عن أبي هريرة عن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه جعل المضمضة والاستنشاق للجنب ثلاثاً فريضة. وهو حديثٌ موضوعٌ، لم يروه غير بركة بن محمَّد- وكان كذَّاباً-، وقد ذكرته في "الموضوعات " (1)، فلم أر في ذكره هاهنا فائدة (2). ز: سُئل الدَارَقُطْنِيُ عن حديثِ يروى عن محمَّد بن سيرين عن أبي هريرة أن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "المضمضة والاستنشاق للجنب ثلاثاً فريضة ". فقال: يرويه بركة بن محمَّد بن زيد الحلبيُ- وقيل: الأنصاريُ- عن يوسف بن أسباط عن الثَوري عن خالدِ الحذاء عن ابن سيربن عن أبي هريرة عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. تابعه سليمان بن الرَّبيع النَّهديَّ عن همَام بن مسلم عن الثَوري، وكلاهما متروكٌ، وهو وهمٌ. والصَواب: ما رواه وكيع وغيره عن الثَّوريِّ عن خالد الحذَّاء عن ابن سيرين- مرسلاً-: أنَ النّبَيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سنَّ في الاستنشاق في الجنابة ثلاثاً.
وبركة الحلبيُّ: متروكٌ (1) O. احتجوا بحديثين: أحدهما: حديث أمِّ سلمة: "إنَّما يكفيك ثلاث حثياتٍ ... ". ولم يذكر المضمضة والاستنشاق، وقد سبق هذا الحديث (2). 201 - والثَّاني: قال الدَّارَقُطْنيُّ: ثنا أبو سهل بن زياد ثنا الحسن بن العبَاس ثنا سويد بن سعيد ثنا القاسم بن غُصْن عن إسماعيل بن مسلم عن عطاء عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "المضمضة والاستنشاق سنَّةٌ " (3). وهذا لا يصحُ، أمَّا إسماعيل بن مسلم: فقال يحيى: ليس بشيءٍ (4). وقال عليُ بن المدينيِّ: لا يكتب حديثه (5). وأمَّا القاسم بن غُصْن: فقال ابن حِبَّان: يروي المناكير عن المشاهير،
مسألة (35): يجب إدخال المرفقين في غسل اليدين.
ويقلب الأسانيد (1). وأمَا سُويْد: فقال النَّسائيُ: ليس بثقةٍ (2). ز: قال الدَارَقُطْنيُ- بعد أن روى هذا الحديث-: إسماعيل بن مسلم ضعيف، والقاسم بن غصن مثلُه، خالفه عليُ بن هاشم فرواه عن إسماعيل بن مسلم المكيِّ عن عطاء عن أبي هريرة، ولا يصحُ أيضاً. 202 - ثمَّ رواه من رواية إسحاق بن كعب عن عليِّ بن هاشم عن إسماعيل بن مسلم عن عطاء عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا توضأ أحدكم فليمضمض وليستنشق" (3). 203 - وقال أبو يعلى الموصليُ في "مسنده": حدَثنا الحسن بن شَبِيْب المؤدِّب ثنا عليُ بن هاشم ثنا إسماعيل بن مسلم عن عطاء عن أبي هريرة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا توضَّأ أحدكم فليمضمض وليستنثر، والأذنان من الرَأس" (4) O. ***** مسألة (35): يجب إدخال المرفقين في غسل اليدين. وقال زُفَر وابن داود (5): لا يجب.
مسألة (36): يجب مسح جميع الرأس.
لنا: 204 - ما روى الدَارَقُطْنِيُ: ثنا أحمد بن إسحاق بن بهلول ثنا عبَّاد بن يعقوب ثنا القاسم بن محمَّد بن عبد الله بن عَقِيْل (1) عن جدِّه عن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا توضَّأ أدار الماء على مرفقيه (2). إلا أن هذا الحديث ضعيف، قال أحمد: القاسم بن محمَّد ليس بشيءٍ (3). وقال أبو حاتم: متروك الحديث (4). ***** مسألة (36): يجب مسح جميع الرَأس. وقال أبو حنيفة: مقدار الرُبع. وقال الشَّافعيُّ: أقل ما يتناوله اسم المسح. لنا: 205 - ما روى الترمذيَّ: ثنا إسحاق بن موسى الأنصاريَّ ثنا معن ثنا مالك ثنا عمرو بن يحيى عن أبيه عن عبد الله بن زيدٍ أنَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح
رأسه بيديه، فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدَم رأسه، ثُمَّ ذهب بهما إلى قَفَاه، ثُمَّ ردَّهما إلى المكان الذي بدأ منه (1). أخرجاه في "الصحيحين " (2). احتجوا: 206 - بما روى الإمام أحمد: ثنا يحيى بن سعيد ثنا التَّيميُ عن بكر عن الحسن عن ابن المغيرة عن أبيه أنَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضَّأ فمسح بناصيته، ومسح على الخفَّين والعمامة (3). أخرجاه في "الصَحيحين " (4)، وليس فيه حجَة لهم، لأنَّه لو جاز الاقتصار على النَاصية لما مسح على العمامة. ز: ذكر الحافظ ضياء الدِّين وغيره أن حديث المغيرة انفرد به مسلم. وهو كما قالوا. 207 - وروى معاوية بن صالح عن عبد العزيز بن مُسْلِم عن أبي مَعْقِل (5) عن أنسِ بن مالكِ قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضَّأ وعليه عمامة قِطْريَةٌ، فأدخل يده من تحت العمامة فمسح مقدَّمَ رأسه، ولم ينقض العمامة.
رواه أبو داود (1) وابن ماجه (2) والحاكم (3). وعبد العزيز هذا: ليس بالقَسْمَلي، وإنَّما هو الأنصاريَّ، المدنيُ، مولى آل رفاعة، ذكره ابن حِبَان في كتاب "الثِّقات " (4). وأبو مَعْقِلٍ: غير معروف. وذكر ابن السَكن أنَ هذا الحديث لم يثبت إسناده (5). وقال ابن القطَّان: لا يصحُ (6). 208 - وروى الشَافعيُ: أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ فحسر العمامة عن رأسه، ومسح مقدَم رأسه- أو قال: ناصيته- (7). هذا مرسلٌ. ومسلم هو: ابن خالد، وقد تكلَم فيه غير واحدِ من الأئمة O. *****
مسألة (37): يستحب تكرار مسح الرأس ثلاثا.
مسألة (37): يستحبُ تكرار مسح الرَأس ثلاثاً. وعنه: لا يسنُّ، كقول أبي حنيفة ومالك. لنا أحاديث منها: 209 - ما روى أحمد: ثنا وكيع عن إسرائيل عن عامر بن شقيق عن أبي وائل عن عثمان أنَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضَّأ ثلاثاً ثلاثاً (1). انفرد بإخراجه مسلم (2). وقد رواه عليٌّ عليه السَلام (3): 210 - قال الترمذيَّ: ثنا محمَّد بن بشَّار ثنا عبد الرَحمن بن مهدي عن سفيان عن أبي إسحاق عن أبي حيَّة عن علي أنَ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضَأ ثلاثاً ثلاثاً. قال الترمذيَّ: حديث علي أحسن شيءٍ في هذا الباب وأصحُ (4). قال الخصم: ليس لكم في الحديث حجَةٌ، لأنَ قوله: (توضَأ) يعود إلى ما تحصل به الوضاءة، وهي الغسل، ويكشف هذا أنَّ في "الصَحيح " عن عثمان أنَّه وصف وضوء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاثاً ثلاثاً، ثمَّ قال: (ومسح برأسه) ولم يذكر عدداً، ثُمَّ قال: وغسل رجليه ثلاثاً (5).
وروي عن عليٍّ عليه السَلام ذكر المسح صريحاً، وأنَه مرَة: 211 - فروى الترمذيَّ: ثنا هنَاد وقتيبة قالا: ثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن أبي حيَة قال: رأيت علياً توضأ، فغسل كفَّيه (1)، ثمَّ تمضمض ثلاثاً، واستنشق ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً، وذراعيه ثلاثاً، ومسح برأسه مرَة، ثمَّ غسل قدميه، ثمَّ قال: أحببت أن أريكم كيف كان طهور رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال الترمذيَّ: هذا حديث صحيح (2). واستدلُوا: 212 - بما روى أحمد: ثنا يحيى بن إسحاق أنا حمَاد بن زيدِ عن سنان ابن ربيعة عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يمسح رأسه مرَةَ واحدةَ (3). وقد روى عنه أنَه كان يمسح مرَةَ (4): معاذُ بنُ جبل والبراءُ وعبدُ الله [ابنُ عمرو] (5) وابنُ عبَّاس. والجواب: أمَا قولهم: (أن ذلك يعود إلى الغسل) فإن الوضوء إذا أطلق عمَّ المسح والغسل. وأمَا من روى عن عثمان أنَّه لم يذكر في المسح عدداً، فلا حجَّة في ذلك،
لأنَّ من ذكر العدد مقدَمُ القولِ. وقد روى الدَارَقُطْنِيُ بإسناده عن عبد الله بن جعفر وشَقِيْق وحُمْران وابن داره والبيلماني (1)، كلهم عن عثمان أنَه وصف وُضوء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومسح برأسه ثلاثاً (2). 213 - قال أحمد: ثنا صفوان بن عيسى عن محمَّد بن عبد الله ابن أبي مريم قال: دخلت على ابن دارة فقال: رأيت عثمان دعا بوَضوء فمضمض ثلاثاً، واستنشق ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً، وذراعيه ثلاثاً ثلاثاً، ومسح برأسه ثلاثاً، وغسل قدميه، ثمَّ قال: من أحبَ أن ينظر إلى وُضوء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهذا وُضوء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (3). 214 - وقد روى الدَارَقُطْنِي عن عبد خيٍر عن علي"أنَه توضأ فمسح برأسه وأذنيه ثلاثاً، وقال: هكذا وُضوءُ رسولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (4). وأمَّا ما ذكروا عن ابن عبَّاس: فحديثٌ يرويه عبَاد بن منصور، وقد ضعَّفه يحيى (5) والنَّسائيُّ (6).
ثمَّ نقول-: المسح مرَّةَ لبيان الإجزاء. والخصم يقول: لمَّا جعل وظيفة الرأس المسح نبَّه على التَّخفيف. فنقول: هذه عبادة لا يعقل معناها. 215 - وقد روى أحمد: ثنا مروان بن معاوية الفزاريَّ ثنا ربيعة بن عُتْبة الكِنَاني عن المنهال بن عمرو عن زِر بن حُبيش قال: مسحَ عليٌّ عليه السَلام (1) رأسه في الوُضوء حتَّى أراد أن يقطر، فقال: هكذا رأيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضَأ (2). ورواه أبو داود عن عثمان ابن أبي شيبة عن أبي نُعيم عن ربيعة بمعناه (3). 216 - قال أحمد: وثنا عليُ بن بحر ثنا الوليد بن مسلم عن عبد الله بن العلاء عن أبي الأزهر عن معاوية أنَّه ذكر لهم وُضوء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنَه مسح رأسَه بغرفة من ماء، حتَّى يقطر الماء من رأسه- أو: كان يقطر- (4). ز: عامر- في إسناد حديث عثمان-: هو ابن شَقيق بن جَمْرة الأسديَّ، لم يرو له مسلم، وضعَّفه يحيى بن معين (5)، وقال النَسائيُ: ليس به بأس (6). ووثَّقه ابن حِبَان (7).
ومسلم روى الحديث من غير طريقه، ولفظه: أنَ عثمان توضَّأ بالمقاعد، فقال: ألا أريكم وُضوء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم توضَّأ ثلاثًا ثلاثاً (1). 217 - وقال أبو داود: ثنا هارون بن عبد الله ثنا يحيى بن آدم ثنا إسرائيل عن عامر بن شقيق بن َجمْرة عن شَقيق بن سلمة قال: رأيت عثمان بن عفَان غسل ذراعيه ثلاثاً ثلاثاً، ومسح رأسه ثلاثاً، ثُم قال: رأيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعل هذا. قال أبو داود: رواه وكيع عن إسرائيل قال: توضَّأ ثلاثاً. قَطْ (2). قلت: وقد رواه ابن مهدي وعبد الرَزَاق وأبو أحمد الزبيريَّ وغيرهم عن إسرائيل، ولم يذكروا التكرار في مسح الرَأس، وهو الصَوابُ. 218 - وروى عبد الله بن محمَّد بن عَقيل عن الرُبيع بنت مُعَوِّذ بن عَفرَاء قالت: رأيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضَّأ، فمسح رأسه، ومسح ما أقبل منه وما أدبر، وصُدغيه، وأذنيه، مرَّةً واحدةً. رواه الإمام أحمد (3) وأبو داود (4) والَّترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ (5). ولفظه لأبي داود والتِّرمذيّ. 219 - وعن عبد الله بن زيد قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضأ فغسل
وجهه ثلاثاً، ويديه مرَتين، وغسل رجليه مرَتين، ومسح برأسه مرَّتين. رواه النَسائيُ بإسنادٍ جيدٍ (1) 220 - وعن عبد الرَحمن بن وَرْدان قال: حدَثني أبو سلمة بن عبد الرَحمن قال: حدّثني حُمْران قال: رأيتُ عثمان بن عفان توضأ ... - وفيه:- ومسح رأسه ثلاثاً، ثمَّ غسل رجليه ثلاثاً، ثمَّ قال: رأيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضَّأ هكذا، وقال: "من توضَّأ دون هذا كفاه". رواه أبو داود (2) والدَارَقُطْنيُ (3) وقال: عبد الرَحمن ليس بالقوي (4). وقال أبو داود: أحاديث عثمان الصَّحاح كلُها تدلُ على أن مسحَ الرأسِ مرَةٌ، فإنَهم ذكروا الوضوء ثلاثاً وقالوا فيها: (ومسح رأسه) لم يذكروا عدداً (5). 221 - وعن عليٍّ أنَه توضأ ثلاثاً ثلاثاً، ومسح برأسه وأذنيه ثلاثاً ثلاثاً، وقال: هكذا وُضوء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحببت أن أريكموه. رواه الدَارَقُطْنِيُ (6). وغالب الروايات عن علي أنَّه مسح مرَةً واحدةَ، والله أعلم O. *****
مسألة (38): الأذنان من الرأس يمسحان بماء الرأس.
مسألة (38): الأذنان من الرَّأس يُمسحان بماء الرَأس. وقال الشَافعيُ: ليسا من الرَأس، ويُسنُّ لهما ماءٌ جديدٌ. لنا سبعة أحاديث: 222 - الحديث الأوَل: قال أحمد: ثنا يحيى بن إسحاق ثنا حمَّاد بن زيد عن سِنَان بن ربيعة عن شَهْر بن حَوْشب عن أبي أمَامَة عن النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الأذنان من الرََّأس " (1). فإن قال الخصم: في هذا الحديث: سِنَان وشَهْر، فأمَّا سِنَان: فقال أبو حَاتِمٍ الرَازيَّ: هو مضطرب الحديث (2). وأمَا شَهْر: فقال ابن عَدِي: ليس بالقويِّ، ولا يحتجُ بحديثه (3). وقال الدَّارَقُطْنيُ: قال سُلَيمان بن حَرْبٍ عن حمَّاد بن زيدٍ: إنَ قوله: (الأذنان من الرَأس) من قول أبي أمامة غير مرفوعٍ (4). وهو الصَّواب.
فالجواب: أمَّا شَهر: فقد وثَّقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين (1). وأمَّا سِنَان: فإنَّما قال فيه يحيى: ليس بالقويِّ (2). والاضطراب في الحديث لا يمنع الثِّقة. وجواب من قال: (هو قول (3) أبي أمامة) أن نقول: الرَّاوي قد يرفع الشيءَ، وقد يُفْتي به. ز: وروى هذا الحديث: أبو داود (4) وابن ماجه (5) والدَارَقُطنيُ (6). والصَواب أنَه موقوف على أبي أمامة كما قال الدَارَقُطْنيُ (7). 222/أ- قال أبو داود: [ثنا] (8) سليمان بن حرب (ح) وحدَّثنا مسدَّد وقتيبة عن حمَّاد بن زيد عن سِنَان بن ربيعة عن شَهر بن حَوْشب عن أبي أُمامة رضي الله عنه ذكر وُضوء النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح المأقين، قال: وقال: الأذنان من الرَأس. قال سليمان بن حرب: يقولها أبو أمامة. وقال قتيبة: قال حمَّاد: لا أدري هو من قول النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو أبي أمامة - يعني: قصة الأذنين- (9).
وقال حرب: قلت لأبي عبد الله- يعني أحمد بن حنبل-: الأذنان من الرَأس؟ قال: نعم. قلت: صحَ فيه شيءٌ عن النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا أعلم O. 223 - الحديث الثَاني: قال الدَارَقُطنيُ: ثنا ابن صاعد ثنا الجرَاح بن مَخْلد ثنا يحيى بن العريان ثنا حاتم بن إسماعيل عن أسامة بن زيدٍ عن نافعٍ عن ابن عمر (1) أنَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "الأذنان من الرَّأس" (2). قالوا: قد قدح أحمد في أسامة، وقال: قد روى عن نافع أحاديث مناكير (3). وقال النَسائيُ: ليس بالقوي (4). قلنا: قد قال يحيى بن معين: هو ثقةٌ صالحٌ (5). قالوا: فقد قال الدَارَقُطْنيُ: رَفْعُه وهمٌ، والصَواب أَنه موقوف على ابن عمر. قلنا: الذي يرفعه يذكر زيادة، والزيادة من الثقة مقبولة، والصَحابي قد يروي الشَيء مرفوعاً، وقد يقوله على سبيل الفتوى. 224 - الحديث الثَالث: قال الدَارَقُطْنيُ: ثنا أبو الحسن محمَّد بن
عبد الله بن زكريا النَّيسابوريُّ ثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق ثنا أبو كامل الجَحدَريَّ ثنا غُنْدَر محمَّد بن جعفر عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عبَّاس أن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "الأذنان من الرأس" (1). قالوا: قال الدَارَقُطْنيُ: تفرَّد به أبو كامل عن غُنْدَر، وهو وهمٌ؛ وتابعه الرَّبيع بن زيدٍ (2) - وهو متروكٌ-، والصَواب عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً. قلنا: أبو كامل لا نعلم أحداً طعن فيه، والرَفع زيادة، والزيادة من الثقة مقبولة، كيف وقد وافقه غيره؟! فإن لم يعتد برواية الموافق اعتبر بها؛ ومن عادة المحدِّثين أنهم إذا رأوا من وقف الحديث ومن رفعه: وقفوا مع الواقف احتياطاً، وليس هذا مذهب الفقهاء، ومن الممكن أن يكون ابن جريج سمعه من عطاء مرفوعاً، ورواه له سليمان عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير مسندٍ. ز: وقد زعم ابن القطَان أيضاً أن إسناد هذا الحديثِ صحيحٌ، قال: لثقة رواته واتصاله، وإنَّما أعلَه الدَارَقُطْنِيُ بالاضطراب في إسناده فتبعه عبد الحقِّ على ذلك، وهو ليس بعيبٍ فيه، والذي قال فيه الدَارَقُطْنِيُ، هو: (أنَّ أبا كامل تفرَد به عن غندر، ووهم فيه عليه) هذا ما قال، ولم يؤيِّده بشيءٍ، ولا عضده بحجَّةٍ، غير أنَّه ذكر أن ابن جريج- الذي دار الحديث عليه- يُروى عنه عن سليمان بن موسى عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: وما أدري ما الذي يمنع أن يكون عنده في ذلك حديثان: مسندٌ
ومرسلٌ؟! والله أعلم (1). انتهى كلامه، وفيه نظر كثيرٌ. 225 - وقد روى هذا الحديث ابنُ عَدِيّ في "كامله" في ترجمة عبد الله بن سلمة الأفطس- وهو متروك-، فقال: حدَثنا محمَّد بن محمَّد بن البَاغَنْديَّ ثنا أبو كامل ثنا غُنْدَر عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الأذنان من الرَّأس". قال أبو كامل: لم أكتب عن غُنْدَر إلا هذا الحديث الواحد، أفادنيه عنه: عبد الله بن سلمة الأفطس. قال ابن عَدِيّ: وهذا الحديث لا أعلم يرويه عن غُنْدَر بهذا الإسناد غير أبي كامل، وحدَث عن أبي كامل بهذا الحديث: المعمريَّ والبَاغَنْديَّ. وقد روي هذا الحديث عن الرَّبيع بن زيدِ (2) عن ابن جريج (3). انتهى كلام ابن عَدِيّ. وهذه الطَريقة التي سلكها المؤلف ومن تابعه (في أنَّ الأخذ بالمرفوع في كل موضعِ) طريقةٌ ضعيفةٌ، لم يسلكها أحد من المحققين وأئمة العلل في الحديث O. 226 - الحديث الرَابع: قال الدَارَقُطنيُ: ثنا عليُّ بن عبد الله (4) بن مُبَشر ثنا محمَّد بن حرب ثنا عليُ بن عاصم عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن أبي هريرة عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "الأذنان من الرأس " (5).
قالوا: قد قال الدَارَقُطنيُ: وهم عليُ بن عاصم في قوله: (عن أبي هريرة)، والصَّحيح: عن ابن جريج عن سليمان مرسلاً (1). قلنا: قد أجبنا عن هذا آنفاً، وذكرنا مذهب المحدثين في ذلك. ز: عليُ بن عاصم: متكلَمٌ فيه، قال يزيد بن هارون- في روايةِ عنه-: ما زلنا نعرفه بالكذب (2). وقال ابن معين: ليس بشيءٍ (3). وقال النَسائيُ: متروك الحديث (4). وسليمان بن موسى: لم يسمع من أبي هريرة. والصَواب ما قاله الدَارَقُطْنِيُ أنَه مرسلٌ O. 227 - الحديث الخامس: قال الدَارَقُطْنِيُ: ثنا عليُ بن الفضل بن طاهر البَلْخِيُ ثنا حمَّاد بن محمَّد بن حفص ثنا محمَّد بن الأزهر الجوزجاني ثنا الفضل بن موسى السِّينانيُ (5) عن ابن جريجِ عن سليمان بن موسى عن الزهريِ عن عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الأذنان من الرَأس" (6).
قالوا: قال الدَارَقُطْنيُ: المرسل أصحُ. قلنا: قد سبق جوابه. 228 - الحديث السادس: قال الدَارَقُطْنيُ: ثنا يحيى بن محمَّد بن صاعد ثنا أحمد بن بكر أبو سعد ثنا محمَّد بن مصعب القَرْقَسَانيُ ثنا إسرائيل عن جابر عن عطاء عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الأذنان من الرأس " (1). قالوا: جابر هو: ابن يزيد الجعفيُ، وقد ضعَّفوه. قلنا: قد وثَّقه: الثَوريَّ وشعبة (2). قالوا: قد رواه مرَة: عن عطاء عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قلنا: الرَاوي: قد يسند، وقد يختصر. ز: أحمد بن بكر: ويقال: ابن بكرُويه، أبو سعد البَالِسيُ، ضعيفٌ، قال ابنُ عَدِي: روى أحاديث مناكير عن الثِّقات. وروى هذا الحديث في ترجمته عن ابن صاعد، ثمَّ قال: وهذا الحديث لا يعرف إلا بأحمد ابن بكر (3). وقال الأزديَّ: أحمد بن بكر يضع الحديث (4). وقد ذكر الدَارَقُطَّنيُ أنَ هذا الحديث اختلف فيه على جابر الجعفيِّ، وأن رواية من أرسله أشبه بالصَواب (5).
مسألة (39): يجوز المسح على العمامة خلافا لهم.
وقد رواه عمر بن قيس عن عطاء عن ابن عبَّاس موقوفاً، وعمر ضعيف O. قال المؤلف: وقد روي هذا الحديث من وجوهٍ كثيرة فيها ضعفٌ، فاقتصرنا على ما ذكرنا. 229 - الحديث السَابع: قال الترمذيَّ: ثنا قتيبة ثنا بكر بن مضر عن ابن عجلان عن عبد الله بن محمَّد بن عَقيل عن الرُبيع بنت مُعوِّذ أنَّها رأت النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضَأ، قالت: فمسح رأسه وصدغيه وأذنيه مرَةً واحدةً (1). وقد روى الخصم: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذ ماءً جديداً لأذنيه. ولا حجَّة لهم في هذا، لأَنَّا نقول: هذا الأولى (2). ***** مسألة (39): يجوز المسح على العمامة خلافاً لهم. لنا خمسة أحاديث: الأوَّل: حديث المغيرة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضَأ فمسح بناصيته ومسح على العمامة.
وقد سبق بإسناده، وهو متفقٌ عليه. كذا قال المؤلف! وقد تقدَم أنَه من أفراد مسلم (1). 230 - والثَاني: حديث بلال: قال أحمد: ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن الحكم عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عُجرة عن بلال قال: مسح رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الخفينِ والخمارِ (2). انفرد بإخراجه مسلم (3). 231 - طريق آخر: قال أحمد: ثنا أبو سعيد مولى بني هاشم ثنا محمَّد ابن راشد ثنا مكحول عن نعيم بن حِمار (4) عن بلال أنَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "امسحوا على الخفين والخمار" (5). ز: مكحول لم يسمع من نعيم، فهو منقطع. ومحمَّد بن راشد هو: المكحوليُ، ثقة، وقد تكلَم بعضهم فيه، قال شعبة: هو صدوقٌ (6). وقال عبد الرَزَّاق: ما رأيت أورع في الحديث منه (7).
وقال أحمد (1) ويحيى (2): ثقة: وقال أبو حاتم: صدوق حسن الحديث (3). وقال النَسائيُ: ليس بالقويِّ (4). وقال ابن حِبَان: كان من أهل النُسك، لكن لم يكن الحديث من صناعته، فكان يأتي بالشيء على التَوهُم فكثرت المناكير في روايته فاستحق ترك الاحتجاج به (5). وفي اسم أبي نعيم خمسة أقوال حكاها الصُوريَّ (6): همار- بالميم-، وهبار- بالباء-، وهدار- بالدَال- وخمار- بالخاء المعجمة والمفتوحة-، وحَمار- بالحاء المهملة المكسورة- (7) O. 232 - الحديث الثَّالث: قال أحمد: ثنا الحسن بن سَوَار ثنا ليث بن سعد عن معاوية عن عتبة أبي أُميَّة عن أبي سلاَّم الأسود عن ثوبان قال: رأيتُ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأَ ومسح على الخفيَن وعلى الخمار (8).
ز: أبو سلام الأسود: لم يسمع من ثوبان. قاله يحيى بن معين (1) وغيره. وعتبة ليس بمشهورِ. 233 - وعن ثوبان قال: بعث رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سريَةَ فأصابهم البرد، فلمَّا قدموا على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرهم أن يمسحوا على العصائب والتَساخين. رواه الإمام أحمد (2) وأبو داود (3) والحاكم وقال: على شرط مسلم (4). وليس كما قال (5). والعصائب: العمائم؛ والتَّساخين: الخفاف. قاله الإمام أحمد (6) O. 234 - الحديث الرَابع: قال أحمد: ثنا عبد الصَمد ثنا داود بن أبي الفرات ثنا محمَّد بن زيدِ عن أبي شُريح عن أبي مسلم- مول زيد بن صُوحان- قال: كنت مع سلمان الفارسي فرأى رجلاً قد أحدث وهو يريد أن ينزع خفَّيه، فأمره سلمان أن يمسح على خفَّيه وعلى عمامته، وقال: رأيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح على خُفَّيه وعلى خماره (7). ز: رواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن يونس بن محمَّد المؤدِّب
عن داود (1). ورواه أبو داود الطَّيالسيُ في "مسنده" عن داود (2). ومحمَّد بن زيدٍ: هو العبديَّ، قاضي مرو، قال أبو حاتم: صالح الحديث، لا بأس به (3). وأبو شريح وأبو مسلم: ذكرهما ابن حِبَان في "الثقات" (4). وقال الحافِظُ عبد الغني المقدسيُ- في هذا الحديث-: غريبٌ من حديث المراوزة، لا أعلم رواه غير داود بن أبي الفرات عن محمَّدِ بن زيدٍ قاضي مرو O. 235 - الحديث الخامس: قال أحمد: ثنا أبو الغيرة ثنا الأوزاعيُ عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن جعفر بن عمرو بن أميَة الضَمري عن أبيه قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح على الخفين والعمامة (5). ز: حديث عمرو: رواه البخاريَّ عن عبدان عن ابن المبارك عن الأوزاعي (6) O. وفي الباب: عن أنس. والمسح على العمامة مذهبُ: أبي بكر وعمرَ وعليٍّ وسعدِ بن أبي وقَاص
مسألة (40): الفرض في الرجلين الغسل.
وعبدِ الرَّحمن بن عوفٍ وسلمان وأبي الدَّرداءِ وأبي موسى وأنسٍ. قال أبو بكر الأثرم: سمعتُ أبا عبد الله يقول: المسح على العمامة قد روي من خمسة أوجهٍ عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قيل له: تذهب إليه؟ قال: نعم. قلت: فإذا مسح على العمامة ثمَّ خلعها أعاد وضوءه؟ قال: نعم (1). ***** مسألة (40): الفرض في الرِّجلين الغسل. وقال ابن جريرٍ: المسح. لنا أحايث: 236 - الأوَل: قال أحمد: ثنا عفَان ثنا أبو عوانة ثنا أبو بشر عن يوسف ابن ماهَك عن عبد الله بن عمرو قال: تخلَّف عنّا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفرةٍ سافرناها، فأدركنا وقد أرهقتنا الصَلاة ونحن نتوضَأ، فجعلنا نمسح على أرجلنا. قال: فنادى بأعلى صوته- مرَتين أو ثلاثاً-: "ويلٌ للأعقابِ من النار " (2). أخرجاه في "الصحيحين " (3).
237 - الحديث الثَاني: قال أحمد: ثنا هُشيم (1) عن شعبة (2) عن محمَّد بن زياد عن أبي هريرة أَنه مرَّ بقومٍ يتوضَّؤون فقال: أسبغوا الوُضوء، فإني سمعت أبا القاسم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "ويل للأعقاب من النَّار" (3). أخرجاه في "الصحيحين " (4). وقد روى: "ويلٌ للأعقاب من النار ": جابرٌ وعائشةُ. ز: 239 - وعن معيقيب قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ويلٌ للأعقاب من النار". رواه أحمدُ (5). 239 - وعن خالدِ بنِ الوليد ويزيد بن أبي سفيان وشُرَحبيل بن حَسَنةَ وعمرو بن العاص - كل هؤلاء- سمعوه من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "أتموا الوضوء، ويلٌ للأعقاب من النَّار". رواه ابن ماجه (6). 240 - وعن عبد الله بن الحارث بن جزء قال: سمعتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "ويلٌ للأعقاب (7) وبطون الأقدام من النَّار".
رواه أحمد (1) والدَارَقُطنيُ (2) والحاكم (3). 241 - وعن ليث عن عبد الرَحمن بن سابط عن أبي أمامة- أو: عن أخي أبي أمامة- قال: رأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوماً على أعقاب أحدهم مثل موضع الدرهم- أو مثل موضع ظفرِ لم يصبه الماء- قال: فجعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "ويلٌ للأعقاب من النَّار ". قال: وكان أحدهم ينظر فإذا رأى بعقبة موضعاً لم يصبه الماء أعاد وُضوءه. رواه البيهقيُ في "سننه" (4). وحديث عائشة: رواه مسلم في "صحيحه" (5). وحديث جابر: رواه أحمد (6) وابن ماجه (7)، والله أعلم O. الحديث الثَالث: قد ذكرنا في حديث عثمان وعلي أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يغسل رجليه إذا توضأ. وكذلك في رواية كلِّ من روى وُضوء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. احتجوا: 242 - بما روى أحمد: ثنا يحيى عن شعبة قال: حدَثني يعلى عن أبيه
مسألة (41): الترتيب في الوضوء واجب.
عن أوس بن أبي أوس قال: رأيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضَّأ ومسح على نعليه، ثُمَّ قام إلى الصَّلاة (1). ورواه أبو داود فقال: على نعليه وقدميه (2). وهذا محمولٌ على أنَّ نعليه عمَّت قدميه فمسح عليهما كما يمسح على الخفِّ. قالوا: فقد رواه هُشيم عن يعلى، وقال فيه: توضَّأ ومسح على رجليه. وجواب هذا من وجهين: أحدهما: أنَّ أحمد قال: لم يسمع هُشيم هذا من يعلى. قلت: وقد كان هُشيم يدلِّس، فلعله سمعه من بعض الضُّعفاء ثم أسقطه. والثَّاني: أن يكون المعنى: مسح على، رجليه وهما في الخفَّين. ***** مسألة (41): الترَّتيب في الوضوء واجبٌ. وقال أبو حنيفة ومالك: مستحبٌ. لنا: أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضَّأ مرتباً، وذكر الوضوء مرتباً، لم يرو عنه غير ذلك:
243 - قال الإمام أحمد: ثنا عبد الله بن يزيد ثنا عكرمة بن عمَّار ثنا شدَاد بن عبد الله عن عمرو بن عبسة عن النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "ما منكم أحد يقرب وَضوءه ثمَّ يتمضمض ويستنشق وينتثر إلا خرَّت خطاياه من فمه وخياشيمه مع الماء، ثمَّ يغسل وجهه إلا خرَّت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء، ثمَّ يغسل يديه إلى المرفقين إلا خرَّت خطايا يديه من أطراف أنامله، ثمَّ يمسح رأسه كما أمره الله إلا خرَّت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء، ثمَّ يغسل قدميه إلى الكعبين كما أمره الله إلا خرَّت خطايا قدميه من أطراف أصابعه مع الماء" (1). انفرد بإخراجه مسلمٌ (2). ز: أخرج مسلمٌ أصلَ هذا الحديث ولم يخرج بعض ألفاظه، وهو حديثٌ طويلٌ، رواه بطوله: عن أحمد بن جعفر المَعْقِري عن النَّضر بن محمَّد عن عكرمة بن عمَّار عن شدَاد بن عبد الله أبي عمَّار ويحيى ابن أبي كثير عن أبي أمامة و (3) عمرو بن عبسة. وقوله: "كما أمره الله "- بعد غسل القدمين-: لم يروه مسلمٌ، بل رواه ابنُ خزيمة في "صحيحه" (4). وكذلك لم يرو مسلمٌ قولَه: "كما أمره الله " بعد مسح الرأس O. 244 - وقال الدَارَقُطْنِيُ: ثنا عليُ بن محمَّد المصريَّ (5) ثنا يحيى بن
عثمان بن صالح ثنا إسماعيل بن مسلمة بن قَعنب ثنا عبد الله بن عرادة عن زيد ابن الحواري عن معاوية بن قُرَة عن [عبيد] (1) بن عمير عن أُبي بن كعبٍ أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا بماء فتوضأ مرَّة مرَّة:، وقال: "هذه وظيفة الوضوء، وضوءٌ من لم يتوضَّأه (2) لم يقبل الله له صلاة ". ثمَّ توضَّأ مرَّتين مرَّتين، وقال: "هذا وضوءٌ من توضَّأه أعطاه الله كفلين من الأجر ". ثُمَّ توضأ ثلاثاً ثلاثاً، ثُمَّ قال: "هذا وضوئي ووضوء المرسلين قبلي " (3). في هذا الإسناد: زيد بن الحواري، قال يحيى: ليس بشيء (4). وقال النَسائيُ: ضعيفٌ (5). وقال (6) أبو زرعة: واهي الحديث (7). وقال أحمد ابن حنبل: صالحٌ (8). وفيه: عبد الله بن عرادة، قال يحيى: ليس بشيءٍ (9). وقال البخاريُّ: منكر الحديث (10). وقال ابن حِبَان: لا يجوز الاحتجاج به (11). 245 - وقال الدَارَقُطنيُ: ثنا دعلج ثنا الحسن بن سفيان ثنا المسيَّب بن واضح ثنا حفص بن ميسرة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: توضأ
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرَّة مرَّة، وقال: "هذا وضوء من لا يَقبل الله منه صلاة إلا به". ثمَّ توضأ مرَّتين، وقال: "هذا وضوء من يضاعف الله له الأجر مرَّتين ". ثمَّ توضأ ثلاثاً ثلاثاً، وقال: "هذا وضوئي ووضوء المرسلين قبلي". قال الدَارَقُطْنيُ: تفرَد به المسيَب بن واضح عن حفص، والمسيَب ضعيفٌ (1). ووجه احتجاج أصحابنا من هذين الحديثين أنهم يقولون: لا يخلو أن يكون رتَّب أو لم يرتب، لا يجوز أن يكون لم يرتِّب فثبت أنَّه رتَّب. ز: روى حديث أبيِّ بن كعب: ابنُ ماجه في "سننه" (2). 246 - وعن عبد الله بن عمر عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "من توضأَ واحدةً فتلك وظيفةُ الوُضوءِ الذي لابدَّ منها، ومن توضَأَ اثنتين فله كفلان من الأجرِ (3)، ومن توضأَ ثلاثاً فذلك وضوئي ووُضوء الأنبياءِ قبلي". رواه الإمامُ أحمدُ، وهو من رواية زيدِ بنِ الحواري العمِِّي أيضاً (4) O. أمَّا حجتُهم: فرووا أنَ الرُبيع روت أنَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح رأسه بما فضل من وَضوءه. وليس الحديث كذلك، إنَّما هو: مسح رأسه بما بقي في يديه من ماء الوُضوء.
247 - فروى أحمد: ثنا وكيع ثنا سفيان عن عبد الله بن محمَّد بن عَقيل قال: حدَّثتني الرُّبيع بنتُ مُعوَذ بن عَفْراء قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأتينا فيكثر، فأتانا فوضعنا له الميضأة، فتوضَّأ فغسل كفيه ثلاثاً، ومضمض واستنشق، وغسل وجهه وذراعيه، ومسح رأسه بما بقي من وَضوءه في يديه، وغسل رجليه (1). واحتجُّوا: 248 - بما رووا عن ابن عبَّاس أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غسل وجهه، ثمَّ يديه، ثمَّ رجليه، ثمَّ مسح برأسه. وهذا لا يصحُ، ومن الجائز أن يكون شك: هل مسح رأسه أم لا؟ فمسح احتياطاً. 249 - ورووا أنَ عليَّ بن أبي طالب قال: ما أبالي بأي أعضائي بدأت. وهذا محمولٌ على تقديم الشِّمال على اليمن. ز: 250 - عن زياد- مولى بني مخزوم- قال: قيل لعليٍِّ عليه السَلام (2): إن أبا هريرة يبدأ بميامنه في الوضوء. فدعا بماءٍ فتوضأ فبدأ بمياسره. 251 - وعن عبد الله بن عمرو بن هند قال: قال عليٌّ عليه السَّلام (3): ما أبالي إذا أتممت وضوئي بأي أعضائي بدأت. 252 - وعن أبي العبيدين [عن] (4) عبد الله بن مسعود أنََّه سئل عن
مسألة (42): الموالاة شرط.
رجلِ توضأ فبدأ بمياسره؟ فقال: لا بأس. روى هذه الأحاديث الدَارَقُطْنِيُ (1). زيادٌ- مولى بني مخزوم-: [قال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين: لا شيء (2). وعبد الله بن عمرو بن هند:] (3) قال الدَارَقُطْنِيُ: ليس بالقويِّ (4). 253 - وروى الإمام أحمد عن جرير عن قابوس عن أبيه أن عليّاً سُئل، فقيل له: أحدنا يستعجل فيغسل شيئَا قبل شيءِ. قال: لا، حتَّى يكون كما أمره الله تعالى. احتجَ به أحمد في رواية الأثرم (5)، والله أعلم O. ***** مسألة (42): الموالاة شرطٌ. وقال أبو حنيفة: لا تُشترط (6).
لنا خمسة أحاديث: منها: حديث أُبيٍّ؛ وحديث ابن عمر، وقد سبقا (1). ووجه الحجَة: أَنه لا يخلو أن يكون والى أو لم يوال، لا يجوز أن يكون لم يوال، فثبت أنَّه والى. 254 - الحديث الثَالث: قال أحمد ثنا موسى بن داود ثنا ابن لَهيْعَة عن أبي الزبير عن جابر أنَ عمر بن الخطَاب أخبره أَنه رأى رجلاً توضَأ للصَلاة، فترك موضع ظفرِ على ظهر قدمه، فأبصره النًبيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: "ارجع فأحسن وضوءك". فرجع فتوضأ ثمَّ صلَّى (2). 255 - طريق آخر: قال ابن ماجه: ثنا حَرمَلة بن يحيى ثنا ابن وهب ثنا ابن لهيعة عن أبي الزُبير عن جابر عن عمر بن الخطَاب قال: رأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً يتوضَأ فترك موضع الظُفر على قدمه، فأمره أن يعيد الوضوء والصَّلاة (3). ابنُ لَهيِعة: مجروحٌ. ز: روى مسلم في "صحيحه" حديثَ عمرَ من رواية معقل عن أبي الزبير، ولفظه: أن رجلاً توضأ فترك موضع ظُفرِ على قدمه، فأبصره النَبيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: "ارجع فأحسن وضوءك". فرجع ثمَّ صلَّى (4) O.
256 - الحديث الرَابع: قال أحمد: ثنا إبراهيم بن أبي العبَّاس ثنا بقيَة ثنا بحير بن سعدِ عن خالد بن معدان عن بعض أزواج النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1) أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى رجلاً يصلِّي، وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدِّرهم لم يصبها الماء، فأمره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يعيد الوضوء (2). ز: وروى هذا الحديث: أبو داود، وعنده: فأمره أن يعيد الوضوء والصَلاة (3). قال الأثرم: قلت لأحمد: هذا إسنادٌ جيدٌ؟ قال: نعم (4). وقد احتجَ [به] (5) الإمام أحمد أيضاً في رواية غير واحدٍ من أصحابه. وتكلَم فيه البيهقيُ (6) وابن حزم (7) وغيرهما بغير مستندِ قويٍّ، والله أعلم O. 257 - الحديث الخامس: قال الدَارَقُطْنيُ: ثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا أحمد بن عبد الرَحمن بن وهبِ ثنا عمِّي ثنا جرير بن حازم أنَّه سمع قتادة ثنا أنس ابن مالك أنَ رجلاً جاء إلى النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد توضَأ وترك على قدميه مثل الظُفْرِ، فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ارجع فأحسن وضوءك ".
مسألة (43): لا يجوز للجنب مس المصحف.
قال الدَّارَقُطْنيُ: تفرَّد به جرير عن قتادة، وهو ثقةٌ (1). ز: ورواه الإمام أحمد (2) وابن ماجه (3) وأبو داود وقال: ليس هذا الحديث بمعروف، لم يروه إلا ابن وهب (4) O. فإن قيل: هذا الحديث قد روي من طريق آخر وفيه: "ارجع فأتمَّ وضوءك ". قلنا: هذا يرويه الوازع بن قانع (5)، قال أحمد (6) ويحيى (7): ليس بثقةٍ. وقال الرَازيَّ: ذاهب الحديث (8). وقال النَّسائيُْ: متروكٌ (9). ***** مسألة (43): لا يجوز للجنب مسُّ المصحف. وقال داود: يجوز له وللحائض. لنا:
258 - ما روى الدَارَقُطْنيُّ: ثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا محمَّد بن يحيى ثنا الحكم بن موسى ثنا يحيى بن حمزة عن سليمان بن داود قال: حدَّثني الزُّهريُّ عن أبي بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جدِّه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب إلى أهل اليمن كتاباً، فكان فيه: "لا يمسُّ القرآن إلا طاهر" (1). ز: هذا الذي احتجَ به المؤلف قطعةٌ من حديثٍ طويلِ فيه ذكر الصَّدَقات والديات وغيرها. وسليمان- راوي الحديث-: اختلفوا فيه: فقيل: هو سليمان بن أرقم. وقيل: سليمان بن داود الخولانيُّ. وقد روى الحديث بطوله الإمام أحمد (2) وأبو داود في "المراسيل" عن الحكم بن موسى، وقال أبو داود: هذا وهمٌ من الحكم (3). يعني قوله: (ابن داود)، وإنَّما هو سليمان بن أرقم، وهو متروكٌ. ورواه النَسائيُّ: عن عمرو بن منصور عن الحكم بن موسى به. وعن الهيثم بن مروان بن الهيثم بن عمران عن محمَّد بن بكَّار بن بلال عن يحيى بن حمزة عن سليمان بن أرقم.
وقال: هذا أشبه بالصَواب، وسليمان بن أرقم: متروك الحديث (1). ورواه أبو القاسم الطَّبرانيُ عن محمَّد بن عبد الله الحضرمي عن الحكم (2). ورواه أبو حاتم بن حِبَان في "صحيحه" وقال: سليمان بن داود الخولانيُ من أهل دمشق، ثقةٌ مأمون؛ وسليمان بن داود اليماميُ لا شيء؛ وجميعاً يرويان عن الزهري (3). وقال أبو حاتم: سليمان: لا بأس به، يقال: إنَّه سليمان بن أرقم، فالله أعلم (4). وقال أبو الحسن بن البَراء عن عليِّ بن المديني: منكر الحديث. وضعَّفه (5). وقال أبو يعلى الموصليُ عن يحيى بن معينِ: ليس بمعروفِ، وليس يصحُ هذا الحديث (6). وقال أبو بكر ابن أبي خيثمة (7) وعثمان بن سعيد الدَارميُ عن يحيى بن معين: ليس بشيءِ. قال عثمان: أرجو أنَه ليس كما قال [يحيى] (8)، فإنَّ يحيى بن حمزة
روى عنه أحاديث حساناً، كأنَّها (1) مستقيمة (2). وقال أبو القاسم البغويَّ: سمعت أحمد بن حنبل وسئل عن حديث الصَّدقات- الذي يرويه يحيى بن حمزة- أصحيحٌ هو؟ فقال: أرجو أن يكون صحيحاً. يعني حديث الحكم بن موسى عن يحيى بن حمزة عن سليمان بن داود عن الزُّهريِّ (3). وقال أبو الحسن الهرويَّ: الحديث في أصل يحيى بن حمزة: (عن سليمان ابن أرقم) غلط عليه الحكم (4).
وقال أبو زرعة الدِّمشقيُ: الصَواب: سليمان بن أرقم (1). وقال ابن مَنْدَه: رأيت في كتاب يحيى بن حمزة بخطّه: (عن سليمان بن أرقم عن الزُّهريَّ) وهو الصَّواب (2). وقال صالح جزرة: ثنا دحيم قال: نظرت في كتاب يحيى حديثَ عمرو ابن حزم في الصَّدقات، فإذا هو: عن سليمان بن أرقم. قال صالح: فكتب هذا الكلام عنِّي مسلم بن الحجَّاج (3). وقال أبو بكر البيهقيُ: وقد أثنى على سليمان بن داود: أبو زرعة وأبو حاتم وعثمان بن سعيد وجماعة من الحفاظ، ورأوا هذا الحديث الذي رواه في الصَدقات موصول الإسناد حسناً، والله أعلم (4). وقال يعقوب بن سفيان: لا أعلم جميع الكتب كتاباً أصحُ من كتاب عمرو بن حزم، كان أصحاب النَبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والتابعون يرجعون إليه ويدعون آراءهم (5). 259 - وقد روى الدَارَقُطْنِيُ: ثنا محمَّد بن مخلد ثنا الحسن بن أبي الرَّبيع أنا عبد الرَّزاق أنا معمر عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه قال: كان في كتاب النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمرو بن حزم: "لا يمسُّ القرآن إلا على طهر".
قال الدَّارَقُطْنيُ: هو مرسلٌ، ورواته ثقات (1). 260 - وقال الإمام عثمان بن سعيد الدَّارميُ: ثنا نعيم بن حمَّاد عن ابن المبارك عن معمر عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن أبيه عن جده أن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب لعمرو بن حزم ... وساق نعيم الحديث بطوله (2). 261 - وقال الدَارَقُطْنِيُ: حدَثنا الحسن بن إسماعيل ثنا سعيد بن محمَّد ابن ثواب ثنا أبو عاصم أنا ابن جريج عن سليمان بن موسى قال: سمعت سالماً يحدّث عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يمسُ القرآن إلا طاهر" (3). سليمان بن موسى: قال البخاريُّ: عنده مناكير (4). وقال النَّسائيُ: ليس بالقوي في الحديث (5). ووثقه يحيى بن معين (6) ودُحيم (7) والترمذيَّ (8)
وابنُ عَدِي (1) وغيرهم. 262 - وعن مطر عن حسَان بن بلال عن حَكيم بن حزام أن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تمسّ القرآن إلا وأنت طاهرٌ". رواه أبو القاسم اللالكائيُ بإسناده (2)، وفيه نظرٌ. ورواه الدَارَقُطْنِيُ، ولفظه: "لا تمسّ القرآن إلا وأنت على طهرٍ". وقال: كلُهم ثقات (3). 263 - وقال أبو بكر عبد الله بن أبي داود: ثنا أحمد بن الحباب الحميريَّ ثنا أبو صالح الحكم بن المبارك الخاشْتيُ ثنا محمَّد بن راشد عن إسماعيل المكيَّ عن القاسم بن أبي بزة عن عثمان بن أبي العاص قال: كان فيما عهد إليَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تمسّ المصحف وأنت غير طاهرٍ" (4). 264 - قال عبد الله: ونا أبو طاهر ثنا ابن وهب أخبرني مالك عن
إسماعيل بن محمَّد بن سعد بن أبي وقَّاص عن مصعب بن سعد أنَّه قال: كنت أمسك المصحف على سعد بن أبي وقَاص فاحتككت، فقال سعد: لعلك مسست ذكرك؟ قلت: نعم. قال: قم فتوضأ. فقمت فتوضَّأتُ ثُمَّ رجعتُ (1). كذا رواهما أبو بكر بن أبي داود في كتاب "المصاحف". وحديث عثمان بن أبي العاص: منقطعٌ، لأنَّ القاسم لم يدرك عثمان؛ وإسماعيل بن مسلم المكيُ: ضعيفٌ، تركه بعضهم. وحديث مصعب بن سعد: رواه مالك في "الموطأ" (2). 265 - وقال الدَارَقُطْنِيُ: ثنا أحمد بن محمَّد بن إسماعيل الآدميُ ثنا محمَّد ابن عبيد الله المنادي ثنا إسحاق الأزرق ثنا القاسم بن عثمان البصريَّ عن أنس بن مالكِ قال: خرج عمر متقلداً بالسَّيف، فقيل له: إنَ ختنك وأختك قد صبوا. فأتاهما عمر وعندهما رجل من المهاجرين يقال له: خبَّاب، وكانوا يقرؤون "طه "، فقال: أعطوني الكتاب الذي عندكم فأقرأه- وكان عمر يقرأ الكتب-. فقالت له أخته: إنك رجسٌ، ولا يمسُّه إلا المطهَّرون، فقم فاغتسل أو توضأ. فقام عمر فتوضَّأ، ثُمَّ أخذ الكتاب فقرأ: "طه" (3). ورواه أبو يعلى الموصليُّ بطريقِ عن إسحاق الأزرق مطوَلاً (4).
مسألة (44): لا يجوز للجنب أن يقرأ بعض آية.
وقال الطَّبراني: تفرَّد به القاسم (1). وقال الدَارَقُطْنيُّ: القاسم بن عثمان ليس بالقوي (2). وقال البخاريَّ: له أحاديث لا يتابع عليها (3). 266 - وعن عبد الرَحمن بن يزيد قال: كنَّا مع سلمان فخرج فقضى حاجته ثمَّ جاء، فقلت: يا أبا عبد الله، لو توضأت لعلنا أن نسألك عن آيات؟! قال: إني لست أمسُّه، إنَّما لا يمسُه إلا المطهرون. فقرأ علينا ما شئنا. رواه الدَارَقُطْنِيُ وصحَحه (4) O. ***** مسألة (44): لا يجوز للجنب أن يقرأ بعض آية. وعنه: يجوز. وقال داود: يجوز أن يقرأ. وقال مالك: يقرأ آياتِ يسيرة للتعوُذ. لنا: 267 - ما روى الدَارَقُطْنِيُ: ثنا البغويَّ ثنا داود بن رشيد ثنا إسماعيل
ابن عيَّاش عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن" (1). وقد رواه مغيرة بن عبد الرَّحمن وأبو معشر كلاهما عن موسى بن عقبة، وهما وإسماعيل بن عيَّاش كلُهم ضعفاء مجروحون. ز: وروى هذا الحديث: ابن ماجه (2) والترمذيَّ وقال: لا نعرفه إلا من حديث إسماعيل بن عيَّاش (3). وقد رواه الدَارَقُطْنِيُّ من غير طريق ابن عيَّاش كما ذكر المؤلف، فقال: 268 - حدثنا محمَّد بن حَمدُويه المروزيَّ ثنا عبد الله بن حمَّاد الآمُليُّ ثنا عبد الملك بن مسلمة قال: حدَّثني المغيرة بن عبد الرَحمن عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يقرأ الجنب شيئاً من القرآن". قال الدَارَقُطْنِيُ: عبد الملك هذا كان بمصر، وهذا غريبٌ عن مغيرة بن عبد الرَّحمن، وهو ثقةٌ (4). وقال ابن حِبَّان: عبد الملك بن مسلمة يروي مناكير كثيرة (5). وقال ابن يونس: منكر الحديث (6). وقال أبو حاتم الرَّازيُّ: مضطرب الحديث، ليس بالقوي، حدَّثني بحديثٍ في الكرم عن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن جبريل، حديث
موضوع (1). وقال أبو زرعة: ليس بالقويِّ، منكر الحديث (2). 269 - قال الدَارَقُطنِيُ: وحدَّثنا محمَّد بن مخلد ثنا محمَّد بن إسماعيل الحسَّانيُ عن رجلٍ عن أبي مَعشر عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "الحائض والجنب لا يقرآن من القرآن شيئاً " (3). فيه رجلٌ [مبهم] (4)، وآخر ضعيفٌ - وهو: أبو مَعشر نَجيح بن عبد الرحمن-. وقد قال عبد الله بن أحمد في حديث إسماعيل بن عيَّاش عن موسى بن عقبة: عرضت على أبي هذا الحديث، فقال: هذا حديث باطلٌ (5). وقال ابنُ عَدِي: ليس لهذا (6) الحديث أصلٌ- وفي بعض النُسخ: من حديث عبيد الله (7) -. وضعَّفه البخاريَّ (8) والبيهقيُ (9) وغيرهما. وقد رواه الدَارَقُطنيُ أيضاً: من رواية سعيد بن يعقوب الطَالقاني وإبراهيم بن العلاء الزبيدي عن إسماعيل بن عيَّاش عن موسى بن عقبة
وعبيد الله بن عمر عن نافع (1). وقال ابن عَدي: زاد في هذا الإسناد عن ابنِ عيَّاش: إبراهيمُ بنُ العلاء وسعيدُ بنُ يعقوبَ الطَّالقانيُ، فقالا: عبيد الله وموسى بن عقبة (2). وقال شيخنا أبو الحجَاج: رواه محمَّد بن بكيرٍ الحضرميُ عن إسماعيل بن عيَّاش [عن] (3) موسى بن عقبة وعبيد الله بن عمر عن نافع (4). وقال عبد الرَحمن بن أبي حاتم: سمعت أبي- وذكر حديث إسماعيل بن عيَّاش عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئاً من القرآن "-، فقال أبي: هذا خطأٌ، إنَما هو عن ابن عمر قوله (5). وقال الحافظ أبو القاسم بن عساكر في كتاب "الأطراف ": قد رواه عبد الله ابن حمَّاد الآمليُ عن القعنبيَّ عن المغيرة بن عبد الرَحمن عن موسى بن عقبة (6). وقوله: (عن القعنبي) وهمٌ، فإن عبد الله بن حمَّاد إنَما رواه عن عبد الملك بن مسلمة المصري، وهو ضعيفٌ كما تقدَم (7). وقال الحافظ محمَّد بن عبد الواحد- بعد ذكر حديث إسماعيل بن عيَّاش-:
قلت: إسماعيل بن عيَّاش: تكلَم فيه غير واحدٍ من أهل العلم، غير أنَ بعض الحفَاظ قال: قد روي من غير حديثه بإسنادٍ لا بأس به، والله أعلم. وكأنه أشار إلى ما ذكره الحافظ أبو القاسم. وقول المؤلف في مغيرة بن عبد الرَحمن: (أنه ضعيفٌ مجروح) وهمٌ، فإنَه ثقةٌ من رجال "الصَحيحين " (1)، وهو: الحزاميُ لا المخزوميُّ، وإن كانا يرويان عن موسى بن عقبة فيما قيل O. 270 - قال الئَارَقُطْنِيُ: وثنا ابن صاعد ثنا عبد الله بن عمران العابديَّ ثنا سفيان عن مِسْعر وشعبة عن عمرو بن مُرَة عن عبد الله بن سلِمة عن عليٍّ قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يحجبه عن قراءة القرآن شيءٌ إلا أن يكون جنباً (2). قال عمرو بن مرَة في عبد الله بن سلِمة: تعرف وتنكر (3). ز: وروى هذا الحديث: أحمد (4) وأبو داود (5) وابن ماجه (6) والترمذيَّ (7) والنَسائيُ (8)، ولفظ أبي داود: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يخرج من
الخلاء فيقرئنا القرآن، ويأكل معنا اللحم، ولم يكن يحجُبُه- أو قال: يحجُزه- عن القرآن شيءٌ ليس الجنابة. ولفظ حديث الترمذي: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرئنا القرآن على كل حالِ ما لم يكن جنباً. وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. ورواه أبو حاتم بنُ حِبَان (1) والحاكم وقال: هذا حديثٌ صحيحُ الإسناد، والشَيخان لم يحتجَّا بعبد الله بن سلِمة، ومدار الحديث عليه، وعبد الله ابن سلِمة: غير مطعونِ فيه (2). وذكر أبو بكر البزَّار أنَّه لا يروى عن علي إلا من حديث عمرو بن مُرَة عن عبد الله بن سلِمة (3). وحكى البخاريَّ عن عمرو بن مُرَة: كان عبد الله- يعني ابن سلِمة- يحدِّثنا فتعرف وتنكر (4)، وكان قد كبر، لا يتابع في حديثه (5). وقال العِجليُ: عبد الله بن سلِمة: كوفيٌ، تابعيٌ ثقةٌ (6). وقال يعقوب بن شيبة: ثقةٌ يعدُ في الطبقة الأولى من فقهاء الكوفة بعد الصَحابة (7).
وقال أبو حاتم (1) والنَسائيُ (2): تعرف وتنكر. وقال ابنُ عَدِيٍّ: أرجو أنَّه لا بأس به (3). وقال أبو طالب عن أحمد بن حنبل: لم يرو أحدٌ: "لا يقرأ الجنب ... "، غير شعبة عن عمرو بن مُرَة عن عبد الله بن سلِمة (4). وقال غيره: قد رواه عن عمرو بن مُرَة أيضاً غير شعبة: سليمان الأعمش ومِسْعر ومحمَّد بن عبد الرَّحمن [بن أبي ليلى] (5). وذكر الشَّافعيُ هذا الحديث، وقال: وإن لم يكن أهل الحديث يثبتونه. قال البيهقيُ: وإنَّما توقَف الشَافعي في ثبوتِ هذا الحديث لأنَ مداره على عبد الله بن سلِمة الكوفي، وكان قد كبر وأنكر من حديثه وعقله بعض النكرة، وإنَما روى هذا الحديث بعد ما كبر- قاله شعبة- (6). وذكر الخطَّابيُّ أنَ الإمام أحمد بن حنبل كان يوهن حديث عليٍّ هذا، ويضعِّف أمر عبد الله بن سلِمة (7). وقال سفيان بن عيينة: سمعتُ هذا الحديث من شعبة، وقال شعبة: لم يرو [] (8) عمرو بن مُرَة أحسن من هذا الحديث (9).
وقال شعبة: لا أرى (1) أحسن منه عن عمرو بن مُرَة (2). وكان شعبة يقول في هذا الحديث: هذا ثلث رأس مالي (3). 271 - وعن عليٍّ وأبي موسى قالا: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يا عليّ، إنِّي أرضى لك ما أرضى لنفسي، وأكره لك ما أكره لنفسي، لا تقرأ القرآن وأنت جنبٌ، ولا وأنت راكعٌ، ولا وأنت ساجدٌ، ولا تصلِّ وأنت عاقصٌ شعرك، ولا تدبح تدبيح الحمار" (4). رواهُ الدَّارَقُطْنيُّ من رواية أبي نعيم النَّخعيَّ- واسمه عبد الرَحمن بن هانئ (5) -، قال الإمام أحمد: ليس بشيءٍ (6). وكذَّبه يحيى بن معين (7)، وقال أبو حاتم الرَازيَّ: لا بأس به، يكتب حديثه (8). وقال ابن عَديٍّ: عامة ماله لا يتابعه الثقات عليه (9). وأبو نعيم يرويه عن أبي مالك النخعيَّ (10) عبد الملك بن حسين، وقد
قال يحيى بن معينِ في أبي مالكِ: ليس بشيءِ (1). وقال أبو زرعة وأبو حاتم: ضعيف الحديث (2). 272 - وعن يحيى بن أبي أنيسة عن أبي الزبير عن جابر قال: لا تقرأ الحائض ولا الجنب ولا النفساء القرآن. رواه الدَارَقُطْنِيُ (3).
272 - وعن محمَّد بن الفضل عن أبيه عن طاوس عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تقرأ الحائض ولا النفساء شيئاً من القرآن". رواه الدَارَقُطْنِيُ أيضاً (1)، ومحمَّد بن الفضل: كذَّبه يحيى بن معينٍ (2)، وقال أحمد: ليس بشيءٍ، حديثه حديث أهل الكذب (3). وقال النَسائيُ: متروك الحديث (4). وأبوه ضعَّفه الفلاَّس (5) وابن عَديٍّ (6). 273 - وعن عامر بن السِّمط ثنا أبو الغريف الهمدانيُ قال: كنا مع عليٍّ عليه السَلام (7) في الرَحبة، فخرج إلى أقصى الرَّحبة، فوالله ما أدرى أبولاً أحدث أم غائطاً؟ ثمَّ جاء فدعا بكوزٍ من ماءٍ، فغسل كفَّيه ثمَّ قبضهما إليه، ثم قرأ صدراً من القرآن، ثمَّ قال: اقرؤوا القرآن ما لم يصب أحدكم
جنابةً، فإن أصابه (1) فلا ولا حرفاً واحداً. رواه الدَارَقُطْنِيُ، وقال: صحيحٌ عن عليٍّ (2). 274 - وقال أحمد: ثنا عائذ بن حبيب حدَثني عامر بن السِّمط عن أبي الغريف قال: أُتي عليٌّ بوَضوءٍ، فمضمض واستنشق ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً، وغسل يديه وذراعيه ثلاثاً، ثمَّ مسح برأسه، ثمَّ غسل رجليه، ثم قال: هكذا رأيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ. ثمَّ قرأ (3) شيئاً من القرآن، ثمَّ قال: هذا لمن ليس بجنبٍ، فأمَا الجنب فلا ولا آية (4). أبو الغريف سيأتي الكلام عليه في المسح (5). 275 - وعن زَمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام عن عكرمة قال: كان عبد الله بن رواحة مضطجعاً إلى جنب امرأته، فقام إلى جارية له في ناحية الحجرة، فوقع عليها، وفزعت امرأته فلم تجده في مضجعه، فقامت، فخرجت، فرأته على جاريته، فرجعت إلى البيت، فأخذت الشَّفرة، ثمَّ خرجت، وفرغ، فقام فلقيها تحمل الشَفرة، فقال: مَهْيَم؟ قالت: لو أدركتك حيث رأيتك لوجأت بين كتفيك بهذه الشَفرة. قال: وأين رأيتني؟ قالت: رأيتك على الجارية. فقال: ما رأيتني، وقد نهانا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقرأ أحدنا القرآن وهو جنبٌ. قالت: فاقرأ. فقال: أتانا رسول الله يتلو كتابه ... كما لاح مشهور من الفجر ساطع
أتانا (1) بالهدى بعد العمى فقلوبنا ... به موقنات أنَ ما قال واقع يبيت يجافي جنبه عن فراشِه ... إذا استثقلت بالمشركين المضاجع فقالت: آمنت بالله، وكذَّبت البصر. ثُمَّ غدا على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبره، فضحك حتَّى بدت نواجذه. رواه الدَارَقُطنيُ هكذا مرسلاً، ورواه من وجهِ آخر عن زَمعة عن سلمة عن عكرمة عن ابن عبَاسِ متصلاً (2). وزَمعة بن صالح: ضعَّفه أحمد (3) ويحيى (4) وأبو حاتم (5) وغيرهم، وقال أبو زرعة: واهي الحديث (6). وقال البخاريَّ: يخالف في حديثه، تركه ابن مهديٍّ أخيراً (7). وقال ابن معين مرَّةَ: صويلح الحديث (8). وقال ابن عَدِيٍّ: ربَّما يهم في بعض ما يرويه، وأرجو أنَّ حديثه صالحٌ لا بأس به (9). وسلمة بن وهرام: قال أحمد: روى عنه زَمعة أحاديث مناكير، أخشى أن يكون حديث ضعيفاً (10). وقال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معينِ،
وأبو زرعة: ثقة (1). وقال أبو داود: ضعيفٌ (2). وقال ابن عَدِي: أرجو أنَه لا بأس بروايات الأحاديث التي يرويها عنه غيرُ زَمعة (3). وذكره ابن حِبَان في كتاب "الثقات" (4)، والله أعلم O. *****
مسألة (45): إذا نام على حالة من أحوال الصلاة نوما يسيرا لم يبطل
مسائل نواقض الطهارة مسألة (45): إذا نام على حالة من أحوال الصَّلاة نوماً يسيراً لم يبطل وضوءه. وعنه: ينقض في حقِّ الرَاكع والسَاجد بكل حالٍ، وبه قال مالك. وقال أبو حنيفة وداود: لا ينقض إلا (1) في حال الاضطجاع. وقال الشَّافعيُ: ينقض إلا في حال الجلوس. لنا: 276 - ما روى أحمد: ثنا عبد السَلام بن حرب عن يزيد بن عبد الرَّحمن عن قتادة عن أبي العالية الرِّياحي عن ابن عبَاسٍ أنَّ النَبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "ليس على من نام ساجداً وضوء حتَّى يضطجع، فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله" (2).
قالوا: قال الدارَقُطْنيُ: تفرد به يزيد- وهو الدَّالانيُ- عن قتادة، ولا يصحُ (1). قال ابن حِبَّان: كان كثير الخطأ، لا يجوز الاحتجاج به (2). وقد رواه ابن أبي عروبة عن قتادة موقوفاً. قلنا: قد ذكرنا أنَّ مذهب المحدثين إيثار قول من وقف الحديث احتياطاً، وليس هذا بشيءٍ. وقول الدَارَقُطْنِيُ: (لا يصح) دعوى بلا دليلٍ! وقد قال أحمد (3): يزيد لا بأس به (4). ورواية من وقفه لا تمنع كونه مرفوعاً، فإنَ الرَاوي قد يسند وقد يفتي بالحديث (5). ز: وقد روى هذا الحديث: أبو داود (6) والترمذيَّ (7) والدَارَقُطنيُ (8). وقال أبو داود: هو حديث منكر، لم يروه إلا يزيد الدَالاني.
وقال الترمذيَّ: وقد رواه سعيد عن قتادة عن ابن عبَاسِ قوله، لم يذكر أبا العالية، ولم يرفعه. وقال إبراهيم الحربيُّ: هو حديثٌ منكرٌ. وذكر ابن حِبَان أن يزيد الدَالانيَ كان كثير الخطأ، فاحش الوهم، يخالف الثَّقات في الروايات، حتَّى إذا سمعها المبتدئ في هذه الصَّناعة علم أنَّها معمولة أو مقلوبة، لا يجوز الاحتجاج به إذا وافق الثقات، فكيف إذا انفرد عنهم بالمعضلات؟! (1). وقد أخطأ ابنُ حِبَان في ترجمة الدَالاني، فلذلك ضعَّفه (2)، وقال أبو حاتم: يزيد صدوقٌ [ثقةٌ] (3). وقال يحيى بن معينِ (4) والنَسائيُ (5): ليس به بأسٌ. وقال الحاكم أبو أحمد: لا يتابع في بعض حديثه (6). وقال ابن عَدِيَّ: له أحاديث صالحة، وفي حديثه لينٌ، إلا أنَّه مع لينه يكتب حديثه (7). وقال شعبة: إنَّما سمع قتادة من أبي العالية أربعة أحاديث: حديث يونس بن متّى، وحديث ابن عمر في الصَلاة، وحديث " القضاة ثلاثة .. "، وحديث ابن عبَّاس: حدّثني رجالٌ مرضيون ... (8).
وقال أبو القاسم البغويُّ: يقال: إنَّ قتادة لم يسمع هذا الحديث من أبي العالية. وقال البيهقي: وأمَّا هذا الحديث فإنَّه قد أنكره على أبي خالد الدَالاني جميع الحفَاظ، وأنكر سماعه من قتادة: أحمدُ بنُ حنبل ومحمَّد بنُ إسماعيل البخاريّ َوغيرهما (1) O. احتجُّوا بأربعة أحاديث: 277 - الحديث الأوَّل: قال الدَارَقُطْنِيُ: ثنا أبو حامد محمَّد بن هارون ثنا سليمان بن عمر بن خالد ثنا بقيَّة بن الوليد عن الوَضين بن عطاء عن محفوظ ابن علقمة عن عبد الرَّحمن بن عائذ الأزديِّ عن عليَّ بن أبي طالب قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " العين وكاء السَّه، فمن نام فليتوضَأ" (2). السَّه: حلقة الدُبر. 278 - الحديث الثَاني: قال الدَّارَقُطْنيُ: وثنا أبو حامد محمَّد بن هارون ثنا [عيسى بن] (3) مساور ثنا الوليد بن مسلم عن أبي بكر بن عبد الله
ابن أبي مريم عن عطيَّة بن قيس الكِلاعي عن معاوية بن أبي سفيان أنَ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " العين وكاء السَّه، فإذا نامت العين استطلق الوكاء" (1). 279 - الحديث الثَالث: قال الدَارَقُطْنِيُ: وثنا محمَّد بن جعفر الطَّبريَّ (2) ثنا سليمان بن محمَّد الجنَّابي (3) ثنا أحمد بن محمَّد بن أبي عمران (4) الدَّورقيُ (5) ثنا يحيى بن بسطام ثنا عمر بن هارون عن يعقوب بن عطاء (6) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من نام جالساً فلا وضوء عليه، ومن وضع جنبه فعليه الوضوء" (7). 280 - الحديث الرَّابع: ذكره الدَّارَقُطْنِي في كتاب "العلل" من حديث أبي هريرة عن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَه قال: " وجب الوضوء على كل نائمٍ إلا من خفق برأسه خفقةً أو خفقتين" (8).
هذه الأحاديث فيها مقال: [أمَّا] (1) الأوَل: ففيه الوَضين، قال السَعديَّ: هو واهي الحديث (2). وقال أحمد: ما كان به بأس (3). وفي الثَاني: أبو بكر بن أبي مريم، قال يحيى: ليس بشيءٍ (4). وقال مرَّةً: صدوقٌ (5). وفي الثَّالث: عمر بن هارون، قال يحيى: كذَّابٌ خبيثٌ، ليس حديثه بشيءٍ (6). وقال النَسائيُّ: متروك الحديث (7). وأمَّا الرَابع: فقال الدَّارَقُطِني: إنَما يروى عن ابن عبَّاسٍ قوله (8). ز: روى حديث علي: الإمام أحمد (9)، وأبو داود (10)، وابن ماجه (11). وابن عائذ: لم يلق عليّاً.
وروى حديث معاوية: عبد الله بن أحمد وجادةً في كتاب أبيه بخطِّ يده، وقال: أظنُّه كان في المحنة قد ضرب على هذا الحديث في كتابه (1). ورواه البيهقيُ من رواية ابن أبي مريم مرفوعاً، ومن رواية مروان بن جناح عن عطيَّة بن قيس موقوفاً، وهو أصحُ (2). وسئل أحمد عن حديث علي ومعاوية في ذلك، فقال: حديث عليٍّ أثبت وأقوى (3). وقال عبد الرَحمن بن أبي حاتم: سألت أبي عن حديثِ رواه بقيَة [عن] (4) الوَضين بن عطاء عن محفوظ بن علقمة عن ابن عائذ عن عليٍّ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن حديث أبي بكر بن أبي مريم عن عطيَّة بن قيسِ عن معاوية عن النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "العين وكاء السَّه". فقال: ليسا بقويين. وسئل أبو زرعة عن حديث ابن عائذ عن عليٍّ فقال: ابن عائذٍ عن عليٍّ مرسلٌ (5) O. *****
مسألة (46): لمس النساء ينقض.
مسألة (46): لمس النِّساء ينقض. وعنه: إذا كان لشهوة، وهو قول الشَّافعيِّ. وقال أبو حنيفة: لا ينقض. لنا: 281 - ما روى الدَارَقُطْنِيُ: ثنا الحسين بن إسماعيل ثنا يوسف بن موسى ثنا جرير عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن معاذ ابن جبل أنَه كان قاعداً عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجاءه رجلٌ، فقال: يا رسول الله، ما تقول في رجلٍ أصاب من امرأة لا تحلُ له، فلم يدع شيئاً يصيبه الرَجل من امرأته إلا قد أصابه منها، غير أنَّه لم يجامعها. فقال له النَّبيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " توضَّأ وضوءً حسناً ثُم قم فصل" (1). ز: وروى هذا الحديث: الإمام أحمد (2) والتِّرمذي (3) والحاكم (4) والبيهقيُ وقال: وفيه إرسالٌ، عبدُ الرَحمن بن أبي ليلى لم يدرك معاذ بن جبل (5). 282 - وروى مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه أنه كان يقول: قبلة الرَّجل امرأته وجَسُه (6) بيده من الملامسة، فمن قبل امرأته أو
جسَّها (1) بيده فعليه الوضوء (2). 283 - وعن أبي عبيدة عن أبيه- هو ابن مسعودٍ- في القبلة من اللمس: وفيها الوضوء (3). رواهما أبو بكر الأثرم. 284 - وعن الزهريَّ عن سالم عن ابن عمر أنَ عمَر بن الخطاب قال: القبلة من اللمس فتوضؤ منها. رواه الدَارَقُطْنِيُ (4) والبيهقيُ (5)، وهو غير محفوظِ O. احتجّوا بحديثين: 285 - الحديث الأوَّل: رواه الَّترمذيَّ: ثنا قتيبة ثنا وكيع عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة أنَ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبَّل بعض نسائه ثمَّ خرج إلى الصَلاة ولم يتوضَأ (6). 286 - طريق آخرٌ: قال أحمد: ثنا محمَّد بن فضيل ثنا الحجاج عن عمرو بن شعيب عن زينب السَّهميَة عن عائشة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضَّأ ثُمَّ يقبِّل ثُمَّ يصلَّي ولا يتوضَّأ (7).
287 - طريقٌ ثالثٌ: قال الدَارَقُطنيُ: ثنا الحسن بن إسماعيل ثنا أحمد ابن بشر بن عبد الوهَاب ثنا هشام ثنا عبد الحميد ثنا الأوزاعيُ قال: حدَثني عمرو بن شعيبٍ عن زينب أنَّها سألت عائشة عن الرَّجل يقبِّل امرأته ويلمسها، أيجب عليه الوضوء؟ فقالت: لربَّما توضَّأ النَبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيقبِّلني ثم يمضي فيصلِّي ولا يتوضَّأ (1). 288 - طريقٌ رابعٌ: قال الدَارَقُطْنيُ: وثنا الحسين بن إسماعيل ثنا يعقوب بن إبراهيم الدَورقيُ ثنا عبد الرَحمن بن مهدي عن سفيان الثَوريِّ عن أبي رَوْق عن إبراهيم التَيميِّ عن عائشة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضأ، ثُمَّ يقبِّل بعد ما يتوضأ، ثُمَّ يصلِّي ولا يتوضأ (2). 289 - طريقٌ خامسٌ: قال الدَارَقُطَّنيُ: وثنا عثمان بن أحمد الدَقَاق ثنا محمَّد بن الحسن الحنينيُ ثنا جندل بن والق ثنا عبيد الله (3) بن عمرو عن غالب عن عطاء عن عائشة قالت: ربَّما قبَّلني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ صلَّى ولا يتوضَّأ (4). 290 - الحديث الثَاني: قال أبو حاتم ابن حِبَان: ثنا ابن قتيبة ثنا عبد العزيز بن إسحاق بن هَبار ثنا آدم بن أبي إياس ثنا ركن بن عبد الله عن مكحول عن أبي أمامة قال: قلت: يا رسول الله، الرَّجل يتوضأ للصَلاة ثُمَّ يقبِّل أهله أو يلاعبها، ينقض ذلك وضوءه؟ قال: " لا " (5). والجواب:
أمَّا الطَريق [الأوَل] (1) - في الحديث الأوَل-: فقال الترمذيَّ: سمعت محمَّد بن إسماعيل يضعِّف هذا الحديث، ويقول: حبيب لم يسمع من عروة (2). وضعَّفه يحيى بن سعيد أيضاً، وقال: هو شبه لا شيء (3). وأمَّا الطّريق الثَاني والثَّالث: ففيهما زينب، قال الدَارَقُطْنيُ: زينب هذه مجهولةٌ، فلا تقوم بها حجَة (4). قلت: والحجَاج مجروح أيضاً. وأمَّا الطريق الرَابع. فقال التَرمذيَّ: لا يعرف لإبراهيم سماعٌ من عائشة، وليس يصحُ عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الباب شيءٌ (5). وقال الدَارَقُطْنيُ: لم يروه عن إبراهيم غير أبي رَوْق عطيَة بن الحارث، ولا نعلم حدَّث به غير الثَوري وأبي حنيفة، واختلفا فيه: وأسنده الثَوريُّ عن عائشة، وأسنده أبو حنيفة عن حفصة، وكلاهما أرسله، وإبراهيم لم يسمع من عائشة ولا من حفصة، ولا أدرك زمانهما. قال: وقد روى هذا الحديث معاوية بن هشام عن الثَوري عن أبي رَوْق عن إبراهيم التَيميَّ عن أبيه عن عائشة فوصل إسناده، واختلف عليه في لفظه: فروى عثمان بن أبي شيبة عنه: أن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقبِّل وهو صائمٌ. وقال غير عثمان: كان يقبل ولا يتوضََّأ (6).
وأمَا الطَّريق الخامس: فقال الدارَقُطنِي: غالب هو: ابن عبيد الله، وهو متروكٌ (1). وقد رواه أبو سلمة خالد بن سلمة الجهنيُ فقال: (عن عبد الله بن غالب) ووهم فيه، وإنَّما أراد (غالب بن عبيد الله)، وأبو سلمة: ضعيفٌ أيضاً (2). وأمَّا حديث أبي أمامة: فقال ابن حِبَان: لا يحلُ الاحتجاج بركن (3) وقال النَّسائيُ (4) والدَارَقُطنيُ (5): هو متروكٌ. ز: حديث حبيب عن عروة عن عائشة: رواه الإمام أحمد (6) وابن ماجه (7) وقالا: عن عروة بن الزبير. ورواه أبو داود وقال: قال يحيى بن سعيد القطَان لرجل: احك عني أنَّهما شبه لا شيء. يعني هذا الحديث وحديث آخر. قال أبو داود: ورُوي عن الثَوري أنه قال: ما حدَّثنا حبيب إلا عن عروة المزنيِّ. يعني لم يحدِّثهم عن عروة بن الزبير بشيءٍ. قال: وقد روى حمزة الزَّيات عن حبيب عن عروة بن الزبير عن عائشة حديثاً صحيحاً (8).
وحديث إبراهيم عن عائشة: رواه الإمام أحمد (1) وأبو داود (2) والنَّسائيُ (3)، وقالا: إبراهيم لم يسمع من عائشة (4). وقال النَّسائيُ: ليس في هذا الباب أحسن من هذا الحديث، وإن كان مرسلاً. وقال النسائيُ: أنا محمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم عن شعيب عن الليث قال: أنا ابن الهاد عن عبد الرَحمن بن القاسم عن القاسم عن عائشة قالت: إن كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليصلي وإني لمعترضةٌ بين يديه اعتراض الجنازة، حتَّى إذا أراد أن يوتر مسَّني برجله (5). هذا إسنادٌ صحيحٌ على شرط الصَحيح. وابن الهاد هو: يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد، وقد اتفقوا على الاحتجاج به. وقد روى الإمام أحمد هذا الحديث في "مسنده" عن يونس عن الليث (6) O. *****
مسألة (47): مس الذكر ينقض الوضوء.
مسألة (47): مسُّ الذكر ينقض الوضوء. وقال أبو حنيفة: لا ينقض. لنا تسعة أحاديث: 291 - الحديث الأوَل: قال أحمد: ثنا يحيى بن سعيد عن هشام بن عروة عن أبيه عن بُسرة بنت صفوان أن النَّبيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "من مسَّ ذكره فلا يصلِّي حتَّى يتوضَّأ" (1). هذا إسنادٌ لا مطعن فيه. قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (2). وقال البخاريُّ: هو أصحُ شيءٍ في هذا الباب (3). 292 - الحديث الثَاني: قال أحمد: وثنا يعقوب ثنا أبي عن ابن إسحاق قال: حدَثني محمَّد بن مسلم الزهريَّ عن عروة بن الزبير عن زيد بن خالد الجهنيَّ قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "من مسَّ فرجه فليتوضأ" (4). 293 - الحديث الثَّالث: قال أحمد: وثنا عبد الجبار بن محمَّد الخطَابي ثنا بقية ثنا محمَّد بن الوليد الزُّبيديُّ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أيما رجل مسَّ فرجه فليتوضَّأ، وأيُّما امرأة مست فرجها فلتتوضَّأ " (5).
294 - الحديث الرَابع: قال الدارَقُطنيى: ثنا محمَّد بن [مخلد] (1) ثنا عثمان بن معبد بن نوح ثنا إسحاق بن محمد الفرويَّ ثنا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "من مسَّ ذكره فليتوضأ وضوءه للصَّلاة" (2). 295 - الحديث الخامس: قال الدَّارَقُطنِي (3): وثنا [] (4) عثمان بن أحمد الدَقَاق ثنا الحسن بن سلام السواق ثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي ثنا يزيد بن عبد الملك بن المغيرة النوفليُّ عن سعيد بن أبي سعيد المقبُريِّ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه حتَّى لا يكون بينه وبينه حجاب ولا ستر فليتوضأ وضوءه للصَّلاة" (5). 296 - الحديث السَادس: قال الدَارَقُطَّني: وثنا محمد بن مخلد ثنا حمزة ابن العبَّاس المروزيُّ ثنا عتيق بن يعقوب حدَثني عبد الرَحمن بن عبد الله بن عمر ابن حفص العُمريَّ عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال: " ويل للذين يمسون فروجهم، ثُم يصلون ولا يتوضَّؤون". قالت عائشة: بأبي وأمِّي هذا للرجال، أفرأيت النساء؟ قال: " إذا مسَّت إحداكن فرجها فلتتوضأ للصَّلاة" (1). 297 - الحديث السَّابع: أنبأنا محمَّد بن، عبد الباقي أنبأنا إبراهيم بن عمر البرمكيُّ عن عبد العزيز بن جعفر ثنا أحمد ثنا محمَّد بن عوف ثنا مروان ثنا الهيثم ابن جميل (2) ثنا الأوزاعيُ ثنا العلاء بن الحارث عن مكحول عن عنبسة بن أبي سفيان عن أم حبيبة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من مسَّ ذكره فليتوضَّأ". 298 - الحديث الثَامن: قال ابن ماجه: ثنا إبراهيم بن المنذر الحزاميُ ثنا معن بن عيسى عن ابن أبي ذئب عن عقبة بن عبد الرَحمن (3) عن محمَّد بن عبد الرَحمن بن ثوبان عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا مسَّ أحدكم ذكره فعليه الوضوء" (4). 299 - الحديث التَّاسع: قال ابن ماجه: ثنا سفيان بن وكيع ثنا عبد السَّلام بن حرب عن إسحاق بن أبي فروة عن الزهري عن عبد الرَّحمن بن عبدِ القاريّ عن أبي أيوب قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من مسَّ فرجه فليتوضأ" (5).
قال الخصم: كلُّ هذه الأحاديث مطعونٌ فيها: أمَّا الأول فقالوا: لم يسمعه (1) عروة من بُسرة، إنَّما سمعه من مروان (2): 300 - فروى الترمذيَّ: ثنا إسحاق بن منصور أنا أبو أسامة عن هشام ابن عروة عن أبيه عن مروان عن بُسرة عن النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك (3). 310 - وروى أحمد: ثنا إسماعيل بن عليَّة ثنا عبد الله بن أبي بكر قال: سمعت عروة بن الزبير يحدث أبي قال: ذاكرني مروان مسَّ الذَكر، فقلت: ليس فيه الوضوء. فقال: فإن بسرة بنت صفوان تحدث فيه. فأرسل إليها رسولاً، فذكر الرَسول أنَّها تحدث أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من مسَّ ذكره فليتوضأ" (4).
وقال إبراهيم الحربيُّ: حديث بُسرة يرويه شرطيٌّ عن شرطيٍّ عن امرأة (1). وذكر الدَارَقُطْنِيُ أنَ عليَّ بن المديني قال: أرسل مروان شرطيَّاً إلى بُسرة حتَّى ردَّ إليه جوابها (2). وذكروا عن يحيى بن معين أنَّه قال: ثلاثة أحاديث لا تصحُ: حديث مسِّ الذَّكر، و"لا نكاح إلا بوليٍّ" و"كل مسكرٍ حرامٌ" (3). وأمَا الحديث الثَاني: فإنَّ مالكاً قد قدح في ابن إسحاق. وأمَا الثَالث: فإنَ بقيَة كان مدلِّساً عن الضُعفاء، فلا يوثق بحديثه؛ ثمَّ عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه مرسلٌ، والمراسيل ليست بحجَةٍ. وأمَا الرَابع والتاسع: ففيهما إسحاق الفرويَّ، قال النَّسائيُ: ليس بثقةٍ (4). وفي الرَّابع: عبد الله بن عمر، وقد ضعَّفه يحيى (5)، وقال النَسائيُ: ليس بالقوي (6). وقال ابن حِبَّان: غلب عليه التَعبُد فغفل عن الحفظ،
فوقعت المناكير في روايته، فلمَّا فحش خطؤه استحقَّ التَّرك (1). وأمَّا الخامس: ففيه يزيد بن عبد الملك، قال أحمد: عنده مناكير (2). وقال يحيى (3) والدَارَقُطْنِيُ (4): ضعيفٌ. وقال أبو حاتم الرَازيَّ: منكر الحديث جدا (5). وقال النَسائي: متروك الحديث (6). وأمَا السَادس: ففيه عبد الرَّحمن العمريَّ، قال أحمد: ليس يساوي حديثه شيئاً، خرقناه، كان كذَّاباً (7). وقال يحيى: ليس بشيءٍ (8). وقال أبو حاتم اْلرَازيَّ: متروك الحديث، كان يكذب (9). وقال النَساْئُي (10). وأبو زرعة (11) والدَارَقُطْنِيُ (12): متروكٌ. وأمَّا السَابع: فقال التَّرمذيُّ: قال البخاريَّ: مكحول لم يسمع من عنبسة. قال: وكأنَّه لم ير هذا الحديث صحيحاً (13).
وقد ذكر محمَّد بن سعد أن العلماء ضعَّفوا مكحولاً (1). وأمَّا الثَامن: فقال البخاريَّ: إنَما روى عقبة عن ابن ثوبان هذا الحديث مرسلاً عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: وقال بعضهم: عن جابر، ولا يصحُ (2). وأمَّا التَاسع: ففيه إسحاق الفرويُّ (3)، وقد سبق جرحه (4). والجواب: أمَا الحديث الأوَل: فقد حكم بصحته الترمذيَّ (5)، وإسناده صحيحٌ، ومن الممكن أن يقال: إن عروة حين سمعه عن بُسرة لم يكن سمعه منها، ثمَّ سمعه منها، يدلُ على هذا: أنَّ الدَارَقُطْنِيُ روى في "كتابه" عن عروة، قال بعد أن حدَثه مروان: فسألت بُسرة بعد ذلك فصدَّقته (6). وأمَّا ابن إسحاق: فقد وثَقه يحيى (7)، وقال شعبة: هو
صدوق (1) وبقيَة: قد أخرج عنه مسلمٌ في "صحيحه" (2). وما زال العلماء يحتجُون بحديث عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جدِّه، وإذا كان جدُه عبد الله لم يكن الحديث مرسلاً، لأنَه قد سمع شعيبٌ منه، ثمَّ المراسيل عندنا حجَّة. وأمَا عبد الله بن عمر: فقد قال يحيى- في روايةٍ -: ليس به بأس (3). ويمكن أن نطالب بسبب التَّضعيف في حقِّ الكلِّ، فإنَّ [المحدِّثين] (4) يضعِّفون بما ليس [بتضعيفٍ] (5) عند الفقهاء. وما حكوه عن الحربيِّ فبعيدٌ، لأنَ قوله: (عن امرأة) يدلُ على وهنٍ وليس في الصّحابيات مغمز. وكذلك ما حكوا عن يحيى، فإنَه لا يثبت، وقد كان مذهبه: انتقاض الوضوء بمسِّ الذَّكر، وكان يحتجُ بحديث بُسرة- كذلك رواه الدَارَقُطْنِيُ عنه (6) -، وروى عنه عبد الملك الميمونيُ أنَّه قال: إنَّما يطعن في حديث بُسرة
من لا يذهب إليه (1)! والاعتماد من هذه الأحاديث على حديث بُسرة. ز: حديث بُسرة: رواه أيضاً: أبو داود (2) وابن ماجه (3) والنَّسائيُ (4) وأبو حاتم ابن حِبَّان في "صحيحه" (5). وقال النَسائيُ: هشام بن عروة لم يسمع من أبيه هذا الحديث. وقال الإمام أحمد: قال شعبة: لم يسمع هشام حديث أبيه في مسِّ الذَّكر. قال يحيى (6): فسألت هشاماً، فقال: (أخبرني أبي) (7). ورواه ابن أبي فديك عن ربيعة بن عثمان عن هشام بن عروة عن أبيه عن مروان عن بُسرة ... فذكر الحديث، قال عروة: فسألت بُسرة فصدَّقته. فقد صحَّ سماع عروة من بُسرة، وسماع هشام من أبيه. وقال الشافعيُ: قد روينا [قولنا] (8) عن غير بُسرة عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والذي يعيب علينا الرِّواية عن بُسرة يروي عن عائشة بنت عجرد وأمِّ خداش وعِدَةٌ من النساء لسن بمعروفات في العامَّة، ويحتجُ بروايتهن، ويضعِّف بُسرة
مع سابقتها وقديم هجرتها وصحبتها النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! وقد حُدِّث بهذا في دار المهاجرين والأنصار- وهم متوافرون- ولم يدفعه منهم أحدٌ، بل علمنا بعضهم صار إليه عن روايتها، منهم: عروة بن الزبير، وقد دفع وأنكر الوضوء من مسِّ الذَّكر قبل أن يسمع الخبر، فلمَّا علم أنَّ بُسرة روته قال به وترك قوله، وسمعها ابن عمر تحدِّث به فلم يزل يتوضَأ من مسِّ الذَّكر حتَّى. مات، وهذه طريقة الفقه (1) والعلم (2). وقال عبد الرَحمن بن أبي حاتم: سألت أبي عن حديثِ رواه عبد الرَزاق وأبو قُرَة موسى بن طارق عن ابن جريج عن عبد الله بن أبي بكر عن الزهري عن عروة عن بُسرة وزيد بن خالد عن النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مسَّ الذَّكر. قال أبي: أخشى أن يكون ابن جريج أخذا هذا الحديث من إبراهيم بن أبي يحيى، لأنَّ أبا جعفر ثنا قال: سمعت إبراهيم بن أبي يحيى يقول: جاءني ابن جريجٍ بكتبٍ مثل هذا- خفض يده اليسرى ورفع يده اليمنى مقدار بضعة عشر جزءً-، فقال: أروي هذا عنك؟ قال: نعم (3). وقال أيضاً: سألت أبي عن حديثٍ رواه حسن الحُلوانيُ عن عبد الصَّمد ابن عبد الوارث عن أبيه عن حسين العلَّم عن يحيى بن أبي كثير عن المهاجر بن عكرمة عن الزهري عن عروة عن عائشة عن النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من مسَّ ذكره فليتوضَّأ". ورواه شعيب بن إسحاق عن هشام عن يحيى عن عروة عن عائشة عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من مسَ ذكره في الصَلاة فليتوضَّأ".
قال أبي: هذا حديثٌ ضعيفٌ، لم يسمعه يحيى من الزهري، وأدخل بينهم رجلاً ليس بالمشهور، ولا أعلم أحداً روى عنه إلا يحيى، وإنَّما يرويه الزُّهريَّ عن عبد الله بن أبي بكر عن عروة عن مروان عن بُسرة عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولو أنَ عروة سمع من عائشة لم يدخل بينهما أحداً! وهذا يدلُ على وهن الحديث (1). وقال أيضاً: سألت أبي عن حديثٍ رواه الوليد بن مسلم عن عبد الرَحمن ابن نمر اليحصبيّ عن الزهريّ عن عروة عن مروان عن بُسرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه كان يأمر بالوضوء من مسِّ الذَّكر، والمرأة مثل ذلك. فقال أبي: هذا حديثٌ وهم فيه في موضعين: أحدهما: أنَّ الزهريَّ يرويه عن عبد الله بن أبي بكر، وليس في الحديث ذكر المرأة. قلت لأبي: فحديث أمِّ حبيبة عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في من مسَّ ذكره فليتوضَّأ؟ قال: روى ابن لهيعة في هذا الحديث ما يوهن هذا الحديث، أو تدلُ روايته أنَّ مكحولاً أدخل بينه وبين عنبسة رجلاً (2). وروى أبو بكر الرَازيُّ عن أبي الحسن الكرخيّ عن أبي عون الفرائضي قال: سمعت عبَّاساً الدُوريَّ قال: سمعت يحيى بن معين يقول: ثلاثة أحاديث لا تصح عن النَبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كلُّ مسكرٍ حرامٌ"، و"لا نكاح إلا بوليّ"، و"من مسَ ذكره فليتوضأ". قال العبَّاس: فذكرته لأحمد فقال: يصحُ في مسِّ الذَّكر.: حديث مكحول عن عنبسة. قال: فجئت إلى يحيى فذكرت ذلك له، فقال: مكحول لم ير عنبسة (3).
وقد روي نحو هذا عن يحيى من وجهٍ آخر، وفي صحته نظرٌ. وحديث زيد بن خالد: غلط فيه ابن إسحاق، وصوابه: (عن بسرة) بدل: زيد (1). وحديث عمرو بن شعيب كن أبيه عن جده: إسناده قويٌّ، لكن قد اختلف فيه على عمرو. وحديث ابن عمر: في إسناده إسحاق بن محمَّد الفرويَّ، وهو غير إسحاق بن عبد الله بن أبي فَروة الذي في حديث أبي أيُّوب، وظنّهما المؤلِّف واحداً، وهو وهمٌ. فأمَّا إسحاق بن محمَّد: فروى عنه البخاريَّ في "صحيحه" (2)، ووهَّاه أبو داود (3)، وقال النسائيُ: ليس بثقةٍ (4). وقال أبو حاتم: كان صدوقاً،
ولكن ذهب بصره فربَّما لقِّن، وكتبه صحيحة (1). ووثَّقه ابن حِبَّان (2). وأمَا إسحاق بن عبد الله بن أبي فروه: فهو متروكٌ باتفاقهم، وقد اتهمه بعضهم. وأمَّا حديث أبي هريرة: فقد ذكر عبد الحقِّ الحافظ (3) الأزديُّ المغربيُّ - في كتاب " الأحكام " له- عن أبي عمر ابن عبد البِّر: أنَّ أصبغ بن الفرج رواه عن ابن القاسم عن نافع بن أبي نعيم ويزيد بن عبد الملك جميعاً عن سعيد بن أبي سعيد، قال: فصحَّ الحديث بنقل العدل عن العدل على ما قال ابن السَّكن، إلا أنَّ أحمد بن حنبل (4) كان لا يرضى نافع بن أبي نعيم، وخالفه يحيى بن معين (5) فقال: هو ثقة (6). 302 - أخبرنا بالحديث الحافظ أبو الحجَّاج: أنا ابن الدَّرجيّ أخبرتنا عفيفة بنت أحمد إجازةً أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله أنا ابن ريذَه أنا الطَّبرانيُّ ثنا أحمد بن عبد الله بن العبَّاس الطائيُّ البغداديُّ ثنا أحمد بن سعيد الهمدانيُّ ثنا أصبغ بن الفرج ثنا عبد الرَّحمن بن القاسم عن نافع بن أبي نعيم ويزيد ابن عبد الملك النوفليِّ عن سعيد المقبريَّ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه ليس دونها حجابٌ فقد وجب عليه
الوضوء". وقال الطَّبرانيُ: لم يروه عن نافع إلا عبد الرَحمن بن القاسم الفقيه المصريَّ، ولا عن عبد الرَحمن إلا أصبغ، تفرَّد به أحمد بن سعيد (1). ورواه أبو حاتم ابن حِبَّان في "صحيحه" (2) والحاكم وصححه (3). وأمَّا حديث أمِّ حبيبة: فرواه ابن ماجه (4). وروي عن الإمام أحمد أَنه قال: حديث أم حبيبة حديثٌ صحيحٌ (5). وكذلك قال أبو زرعة الرَازيَّ فيما حكى عنه التِّرمذيَّ (6). وأمَا حديث جابر: فرواه أبو بكر الأثرم أيضاً، ولفظه: " من مسَّ ذكره فليتوضأ " (7). وخطَأ أبو حاتم الرَازيَّ من وصله، وقال: النَّاس يروونه عن ابن ثوبان
عن النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاَ، لا يذكرون جابراً (1). وقال الشافعيُ: سمعت غير واحدٍ من الحفَاظ يروونه لا يذكرون جابراً (2). 303 - وقد روي عن قيس بن طلق عن أبيه طلق بن عليٍّ عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من مسَّ فرجه فليتوضَّأ". رواه الطَبرانيُ وصحَحه (3)، وهو حديثٌ غريبٌ، وفي إسناده حمَّاد بن محمَّد الحنفيُ وأيُوب بن عتبة وهما ضعيفان. وممن قال بنقض الوضوء من مسَّ الذكر: عمر وابن عمر وابن عبَّاس وأنس، حكاه عنهم أحمد. وسعد بن أبي وقَاص وأبو هريرة، حكاه الخطَّابي عنهما (4). وزيد بن خالد الجهنيُ والبراء بن عازب وجابر بن عبد الله، حكاه ابن عبد البِّر عنهم (5). وروي عن عائشة. وقال البيهقيُ: أنا أبو عبد الله الحافظ حدَثني أبو بكر محمد بن عبد الله الجراحيُ العدل الحافظ بمرو ثنا عبد الله بن يحيى القاضي السَّرخسيُ ثنا رجاء بن مُرجَّى الحافظ قال: اجتمعنا في مسجد الخيف أنا وأحمد بن حنبل وابن المدينيِّ
وابن معينٍ، فتناظروا في مسِّ الذَكر، فقال ابن معين: يتوضأ منه. وتقلَد ابن المدينيَّ قول الكوفيين وقال به، فاحتجَ ابن معينٍ بحديث بُسرة، واحتجَّ ابن المديني بحديث قيس بن طلق، وقال ليحيى: كيف تتقلَّد إسناد بُسرة، ومروان أرسل شرطيّاً حتَّى ردَ جوابها إليه؟! فقال يحيى: ثمَّ لم يقنع ذلك عروة، حتَّى أتاها فسألها وشافهته بالحديث. ثم قال يحيى: ولقد أكثر النَّاس في قيس وأنَّه لا يحتجُ بحديثه. فقال أحمد: كلا الأمرين على ما قلتما. فقال يحيى: مالك (1) عن نافع عن ابن عمر: يتوضأ من مسِّ الذَكر. فقال عليٌّ: كان ابن مسعود يقول: لا يتوضَّأ منه، وإنَّما هو بضعة من جسدك. فقال: [يحيى] (2): هذا عمن؟ فقال عليٌّ: عن سفيان عن أبي قيس عن هزيل عن عبد الله، وإذا اجتمع ابن مسعود وابن عمر فاختلفا فابن مسعود أولى أن يتبع. فقال [له أحمد بن حنبل] (3): نعم، ولكن أبو قيس الأودي لا يحتجُ بحديثه. فقال عليٌ: حدَثني أبو نعيم ثنا مسعر عن عمير بن سعيد عن عمَّار قال: ما أبالي مسسته أو أنفي. فقال يحيى: بين عمير وعمَّار مفازة! وروي عن ابن المديني ما يدلُ على أنه رجع إلى حديث بُسرة. وقال صاعقة: قال عليُ بن المديني: اجتمع سفيان وابن جريج فتذاكرا مسَّ الذَّكر، فقال ابن جريج: يتوضَّأ منه، فقال سفيان: لا يتوضَّأ منه، أرأيت لو أمسك بيده منيّاً ما كان عليه؟ قال ابن جريج: يغسل يده. فقال: أيُّهما أكثر المنيّ أو مسُّ الذَّكر؟! فقال: ما ألقاها على لسانك إلا الشَّيطان (4) O.
قال المؤلف: وللخصم ثلاثة أحاديث: 304 - الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا حمَّاد بن خالد ثنا أيُّوب بن عتبة اليماميُ عن قيس بن طلق عن أبيه قال: جاء رجلٌ إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسأله عن مسِّ الذكر، فقال: يا رسول الله، أيتوضأ أحدنا من مسِّ ذكره؟ فقال: "هل هو إلا بضعةٌ منك؟! " (1). ورواه ابن عَدي عن محمَّد بن يحيى بن سليمان عن عاصم بن عليًّ عن أيُّوب بن عتبة (2). 305 - طريقٌ ثانٍ: قال أحمد: ثنا موسى بن داود ثنا محمَّد بن جابر عن قيس بن طلق عن أبيه قال: كنت جالساً عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسأله رجلٌ فقال: مسست ذكري- أو: الرَّجل يمسُّ ذكره في الصَلاة عليه الوضوء؟ - قال: "لا، إنَّما هو منك" (3). 306 - طريقٌ ثالثٌ: قال ابن عَديٍّ: ثنا محمَّد بن خريم الدمشقيُ ثنا هشام بن عمَّار ثنا سعيد بن يحيى ثنا عبد الحميد بن جعفر عن أيُّوب بن محمَّد العجليَّ عن قيس بن طلق- أو: طلق بن قيس- الحنفيَّ عن أبيه أَنَّه سأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن مسِّ فرجه، فقال: "إنَّما هو بضعةٌ منك" (4). 307 - طريقٌ رابعٌ: أنا محمد بن أبي طاهر البزَّار أنا أبو يعلى محمَّد بن الحسين أنا عليُ بن عمر بن شاذان أنا حامد بن بلال ثنا محمَّد بن عبد الله البخاريَّ ثنا عيسى بن موسى غنجاز عن [غياث] (5) بن إبراهيم عن محمَّد بن جابر
الحنفيَّ عن قيس بن طلق عن أبيه قال: سألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن مسِّ الذَكر، فقال: " إنَّما هو بضعةٌ منك ". 308 - طريقٌ خامسٌ: قال الترمذيُ: ثنا هنَّاد ثنا ملازم بن عمرو عن عبد الله بن بدر عن قيس بن طلق بن عليٍّ عن أبيه عن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنه قال: " وهل هو إلا مضغةٌ منك- أو: بضعةٌ منه- " (1). 309 - الحديث الثَاني: قال ابن عَدِي: أنا أبو يعلى ثنا كامل بن طلحة ثنا حمَّاد بن سلمة (2) عن جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنَّما هو حِذية (3) منك ". يعني مسَّ الذَّكر (4). 310 - الحديث الثَالث: قال الدَارَقُطْنيُ: أنا محمَّد بن أحمد بن عمرو أنا أحمد بن محمَّد بن رشدين ثنا سعيد بن عفير ثنا الفضل بن المختار عن الصَّلت ابن دينار (5) عن عصمة بن مالك الخطميَّ- وكان من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنَ رجلاً قال: يا رسول الله، إني احتككت في الصَلاة فأصابت يدي فرجي؟ فقال النَبيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وأنا أفعل ذلك" (6). هذه الأحاديث الثَّلاثة ضعاف: أمَّا الأوَل: ففي طريقه الأوَل: أيُّوب بن عتبة، قال يحيى بن معينٍ:
ليس بشيءٍ (1). وقال النَسائيُ: مضطرب الحديث (2). وأمَا الثَاني: ففيه محمَّد بن جابر، قال يحيى: ليس بشيءٍ (3). وقال الفلاَّس: متروك الحديث (4). وقال ابن حِبَان: كان يُلحق في كتبه ما ليس من حديثه، ويسرق ما ذُوكر به فيحدث به (5). وفي الطَريق الثَالث: العجليُ، وقد ضعَّفه يحيى بن معينٍ (6)؛ وفيه: عبد الحميد، قال الثَوريَّ: هو ضعيفٌ (7). وفي الطَريق الرابع: غياث بن إبراهيم، قال أحمد (8) والبخاريَّ (9) والدَارَقُطْنِيُ: هو متروكٌ. وقال يحيى: كان كذَّاباً (10). وقال ابن حِبَان: يضع الحديث (11).
وقد سبق ذكر محمَّد بن جابر. وأمَا قيس بن طلق: فقد ضعَّفه أحمد (1) ويحيى (2)، وقال أبو حاتم الرَازيَّ وأبو زرعة: قيسٌ لا تقوم به حجَّة (3). وقد ادَّعى أصحابنا- على تقدير صحَّة هذا الحديث- أنَه منسوخٌ، وقالوا: لأنَّه كان في أوَّل الهجرة، وأحاديثنا متأخرة، إذ من جملة رواتها أبو هريرة وإسلامه متأخر. 311 - قال الدَارَقُطْنيُ: ثنا إسماعيل بن يونس ثنا إسحاق بن أبي إسرائيل ثنا محمَّد بن جابر عن قيس بن طلق عن أبيه قال: أتيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهم يؤسسون مسجد المدينة، وهم ينقلون الحجارة، فقلت: يا رسول الله، ألا ننقل كما ينقلون؟ قال: " لا، ولكن اخلط لهم الطَّين يا أخا اليمامة فأنت أعلم به ". قال: فجعلت أخلطه وينقلونه (4). وأمَّا حديثهم الثَاني: ففيه القاسم، قال ابن حِبَان: كان يروي عن أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المعضلات (5).
وفيه جعفر بن الزبير، قال شعبة: كان يكذب (1). وقال البخاريَّ (2) والنَّسائيُّ (3) والدَارَقُطني (4): متروكٌ. وأمَّا الحديث الثَّالث: ففيه الصَّلت، كان شعبة يتكلَّم فيه (5)، وقال أحمد (6) والفلاّس (7) والدارَقُطنِي (8): ليس بالقويِّ. وفي رواية عن أحمد قال: ترك النَّاس حديثه (9). وفيه الفضل بن المختار، قال ابن عَدِيٍّ: له أحاديث منكرة (10). وقال أبو حاتم الرَّازيُّ: هو مجهولٌ، وأحاديثه منكرةٌ، يحدث بالأباطيل (11).
ز: وروى حديث قيس بن طلق عن أبيه: أبو داود (1) وابن ماجه (2) والنَّسائيُّ (3) وأبو حاتم ابن حِبَان (4). وقال التّرمذيُّ: هو أحسن شيءٍ روي في هذا الباب (5). وقال الشَّافعيُّ: قد سألنا عن قيس فلم نجد من يعرفه بما يكون لنا قبول خبره، وقد عارضه من وصفنا ثقته ورجاحته في الحديث وثبته (6). وقال الطَّحاويُّ: حديث ملازم مستقيم الإسناد (7) غير مضطرب في إسناده ولا في متنه، فهو أولى عندنا مما رويناه أولاً من الآثار المضطربة في أسانيدها، ولقد حدَّثني ابن أبي عمران قال: سمعت عبَّاس بن عبد العظيم العنبريُّ يقول: سمعت عليَّ بن المدينيٌ يقول: حديث ملازم هذا أحسن من حديث بسرة (8). وروى حديث أبي أمامة: ابن ماجه في "سننه" (9). وحديث عصمة بن مالك: يرويه الفضل بن المختار عن عبيد الله بن موهب عنه- لا عن الصَّلت-، ولو نقله المؤلّف من كتاب الدَّارَقُطنيٌ ولم يتصرَّف فيه لم يقع له الوهم فيه، والله أعلم.
مسألة (48): خروج النجاسات من غير السبيلين ينقض إذا فحش.
وممن قال بعدم النَّقض من مسِّ الذَكر: عليٌّ وابن مسعودِ وعمَّار وأبو الدَّرداءَ وحذيفةُ وعمرانُ بنُ حصينٍ. وروي أيضاً عن سعد بن أبي، وقَّاصٍ وابن عبَّاسِ وأبي هريرة O. ***** مسألة (48): خروج النَّجاسات من غير السَبيلين ينقض إذا فحش. وقال مالك والشَّافعيُّ: لا ينقض. وقال أبو حنيفة في القيء كقولنا، وفي الدُّود كقولهم، وفي سائر الأشياء ينقض بكلِّ حالٍ. لنا عشرة أحاديث: 312 - الأوَّل: قال التِّرمذيُّ: ثنا هنَّاد ثنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حُبيش إلى النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: يا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إني امرأة أستحاض فلا أطهر أفأدع الصَّلاة؟ قال: "لا، [] إنَّما (1) ذلك عرق وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصَّلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدَّم وتوضَّئي لكلَّ صلاة حتَّى يجيء ذلك الوقت" (2). أخرجاه (3).
قالوا: قال اللالكائيُّ: قوله: " وتوضَّئي لكل صلاةٍ" من قول عروة، وهكذا أخرج في "الصَّحيحين": قال هشام: قال أبي: ثم توضَّئي لكل صلاةٍ حتَّى يجيء ذلك الوقت (1). قلنا: قد ذكره الترمذيَّ كما رويناه، وحكم بصحته ثمَّ لا يمكن أن يقول هذا عروة من قبل نفسه، إذ لو قاله هو كان لفظه: ثمَّ تتوضَّأ لكلِّ صلاةٍ. فلما قال: (توضَّئي). شاكل ما قبله. ز: قوله: (في الصَّحيحين) وهمٌ، وصوابه في "الصّحيح"، فإنَّ مسلماً لم يخرجه بل أخرجه البخاريَّ وحده، وقد تكلَّمنا على هذا الحديث وذكرنا ما علِّل به في مكانٍ آخر O. 313 - الحديث الثَاني: قال أحمد: ثنا عبد الصَمد بن عبد الوارث حدَثني أبي عن حسين المعلم عن يحيى بن أبي كثير حدَثني الأوزاعيُ عن يعيش ابن الوليد المخزومي عن أبيه عن معدان بن أبي طلحة عن أبي الدَّرداء أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاء فتوضَّأ (2). فلقيت ثوبان في مسجد دمشق، فذكرت له ذلك فقال: صدق، أنا صببت له وَضوءه (3). قالوا: قد اضطربوا في هذا الحديث، فرواه: معمر عن يحيى بن أبي كثير عن يعيش عن خالد بن معدان عن أبي الدَّرداء، ولم يذكر فيه الأوزاعي. فالجواب: أنَّ اضطراب بعض الرُواة لا يؤثر في ضبط غيره. قال الأثرم: قلت لأحمد: قد اضطربوا في هذا الحديث، فقال: حسين
المعلم يجوِّده (1). وقال الترمذيَّ: حديث حسين أصحُ شيءَ في هذا الباب (2). ز: ورواه أبو داود (3) والنَسائيُ (4) والحاكم- وقال: على شرطهما (5) - والبيهقيُ- وتكلَم فيه (6) - والترمذيَّ وقال: وقد جوَّد حسين المعلم هذا الحديث، وحديث حسين أصحُ شيءٍ في هذا الباب. وروى معمر هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير فأخطأ فيه، فقال: (عن يعيش بن الوليد عن خالد بن معدان عن أبي الدَّرداء) ولم يذكر فيه (الأوزاعي)، وقال: (عن خالد بن معدان)، وإنما هو (معدان بن أبي طلحة) (7) O. 314 - الحديث الثَالث: قال الدَارَقُطْنيُ: ثنا البغويَّ أنَ داود بن رُشيد حدَثهم ثنا إسماعيل بن عيَّاش حدَثني عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج عن أبيه وعن عبد الله بن أبي مليكة عن عائشة أنَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا قاء أحدكم في صلاته أو قلس، فلينصرف فليتوضأ، ثمَّ ليبن على ما مضى من صلاته ما لم يتكلَّم" (8). قالوا: قال الدَارَقُطْنيُ: الحفاظ من أصحاب ابن جريجِ يروونه عن ابن جريجِ عن أبيه عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاَ (9).
وأمَّا حديثه عن ابن أبي مليكة عن عائشة الذي يرويه إسماعيل بن عيَّاش: فقال أبو حاتم الرَازيَّ: ليس بشيء، وإنَّما يرويه ابن أبي مليكة عن النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1). قلنا: قد قال يحيى بن معين: إسماعيل بن عيَّاش ثقة (2). والزيادة من الثِّقة مقبولةٌ، والمرسل عندنا حجَةٌ. ز: الصَحيح أنَ هذا الحديث مرسل، قال الدَّارَقُطْنيُ: قال لنا أبو بكر - يعني: النَّيسابوريَّ-: سمعتُ محمَّد بنَ يحيى يقول: هذا هو الصَحيح عن ابن جريج مرسل، فأمَّا حديث ابن أبي مليكة عن عائشة الذي يرويه إسماعيل بن عيَّاش فليس بشيءٍ (3). 315 - وقد رواه ابن ماجه: عن محمد بن يحيى عن الهيثم بن خارجة عن إسماعيل بن عيَّاش عن ابن جريجٍ عن ابن أبي مليكة عن عائشة مرفوعاً، ولفظه: "من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذي فلينصرف فليتوضأ، ثمَّ ليبن على صلاته وهو في ذلك لا يتكلَّم" (4).
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت أبي عن حديثِ رواه إسماعيل بن عيَّاش عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن عائشة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا قاء أحدكم في صلاته أو رعف أو قلس فليتوضَّأ، وليبن على ما صلَّى ما لم يتكلم". قال أبي: هذا خطأٌ، إنَّما [يروونه] (1) عن ابن جريج عن أبيه عن ابن أبي مليكة عن النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً، والحديث هذا (2). وقال ابن عَدِي: ثنا ابن أبي عصمة ثنا أبو طالب قال: سألت أحمد بن حنبل عن حديث ابن عيَّاشِ عن ابن جريج عن ابن أبي (3) مليكة عن عائشة (4) أنَ النَّبيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "من قاء أو رعف أو أحَدث في صلاته فليذهب فليتوضَّأ ثم ليبن على صلاته". فقال: هكذا رواه ابن عيَّاش، إنَّما رواه ابن جريج قال: (عن أبي) إنَّما هو عن أبيه- ولم يسمعه من (5) أبيه- ليس فيه عائشة ولا النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقال البيهقي: قال الشافعي في حديث ابن جريجِ عن أبيه: ليست هذه الرِّواية بثابتةٍ عن النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (6). قال البيهقيُ: وهذا الحديث أحد ما أنكر على إسماعيل بن عيَّاش، والمحفوظ ما رواه الجماعة عن ابن جريج عن أبيه عن النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً.
كذلك رواه: محمَّد عبد الله الأنصاريَّ وأبو عاصم النَّبيل وعبد الرَزاق وعبد الوهاب بن عطاءٍ وغيرهم عن ابن جريج. وأمَّا حديث ابن أبي مليكة عن عائشة: فإنما يرويه إسماعيل بن عيَّاش وسليمان بن أرقم عن ابن جريجٍ، وسليمان بن أرقم: متروكٌ. وما يرويه إسماعيل بن عيَّاش عن غير أهل الشَام: ضعيف لا يوثق به. وروي عن إسماعيل عن عبَّاد بن كثير وعطاء بن عجلان عن ابن أبي مليكة عن عائشة. وعبَّاد وعطاء- هذا-: ضعيفان (1) O. 316 - الحديث الرَابع: قال الدَارَقُطْنيُ: ثنا محمَّد بن نوح الجنديسابوريَّ ثنا محمَّد بن إسماعيل الأحمسيُ ثنا الحسن بن علي الرزاز أنا محمَّد بن الفضل عن أبيه عن ميمون بن مهران عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النَبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "ليس في القطرة ولا في القطرتين من الدَّم وضوءٌ إلا أن يكون دماً سائلاً" (2). قالوا: قد رواه حجَاج بن نُصير عن محمَّد بن الفضل عن أبيه عن ميمون عن أبي هريرة- ولم يذكر سعيداً-. وكلا الطَّريقين عن محمَّد بن الفضل بن عطيَّة، قال أحمد: ليس حديثه بشيءٍ، حديثه حديث أهل الكذب (3). وقال يحيى: كان كذَّاباً (4). وقال
الفلاَّس (1) والنَسائيُ (2): متروك الحديث. وقال ابن حِبَان: يروي الموضوعات عن الأثبات، لا يحل كتب حديثه إلا على سبيل الاعتبار (3). 317 - الحديث الخامس: قال الدَارَقُطْنِيُ: ثنا أحمد بن سلمان (4) قال: قرئ على أحمد بن ملاعب وأنا أسمع: ثنا عمرو بن عون ثنا أبو بكر الداهِرِيَّ عن حجَاج عن الزهري عن عطاء بن يزيد عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من رعف في صلاته فليرجع فليتوضأ، وليبن على صلاته" (5). وفي لفظٍ آخر: "إذا قاء أحدكم أو رعف وهو في الصَّلاة أو أحدث فلينصرف، فليتوضَّأ، ثمَّ ليجئ فليبن على ما مضى". هذا الحديث لا يثبت. قال أحمد: أبو بكر الداهِريَّ يروي أحاديث مناكير، ليس هو بشيءٍ (6). وقال يحيى (7) وعليٌ (8): ليس بشيءٍ. وقال السعديَّ: كذَابٌ مصرِّح (9).
وقال ابن حِبَّان: يضع الحديث على الثِّقات (1). 318 - الحديث السَّادس: قال الدارَقُطنِي: ثنا القاضي الحسين بن إسماعيل ثنا أحمد بن منصور ثنا إسحاق بن منصور ثنا هُريم عن عمرو القرشي عن أبي هاشم عن زاذان عن سلمان قال: رآني النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد سال من أنفي دمٌ، فقال: "أحدث لما حدث وضوءاً" (2). وهذا لا يصح، عمرو القرشي- هذا-: أبو خالد الواسطيُّ، كذَّبه أحمد (3) ويحيى (4)، وقال وكيع: كان في جوارنا يضع الحديث، فلمَّا فطن له تحول إلى واسط (5). وكذلك قال ابن راهويه وأبو زرعة: كان يضع الحديث (6). 319 - الحديث السَّابع: قال الدارَقُطْني: ثنا الحسن بن الخضر ثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس ثنا عمران بن موسى ثنا عمر بن رياح ثنا عبد الله ابن طاوس عن أبيه عن ابن عبَّاس قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا رعف في صلاته توضأ ثمَّ بنى على صلاته (7). وهذا لا يصح، قال الفلاَّس: عمر بن رياح: دجَّال (8). وقال
الدَّارَقُطْنيُ: متروكٌ (1). وقال ابن حِبَّان: يروي الموضوعات عن الثقات (2)، لا يحل، كتب حديثه إلا على التَّعجُب (3). 320 - الحديث الثَامن: قال الدَّارَقُطْنيُ: ثنا محمَّد بن أحمد بن عمرو ثنا محمَّد بن عمرو بن خالد ثنا أبي ثنا محمَّد بن سلمة عن ابن أرقم عن عطاء عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا رعف أحدكم في صلاته فلينصرف فليغسل عنَّه الدَّم، ثمَّ ليُعد وضوءه، وليستقبل صلاته". سليمان بن أرقم: متروكٌ (4). 321 - الحديث التَّاسع: قال الدَّارَقُطنيُّ: ثنا محمَّد بن إسماعيل الفارسيُّ ثنا موسى بن عيسى بن المنذر ثنا أبي ثنا بقيَّة عن يزيد بن خالد عن يزيد بن محمَّد عن عمر بن عبد العزيز قال: قال تميم الدَاريُّ: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الوضوء من كل دمٍ سائلٍ". قال الدَّارَقُطْنيُّ: عمر لم يسمع من تميم ولا رآه، ويزيد بن خالد ويزيد ابن محمَّد: مجهولان (5). 322 - الحديث العاشر: قال الدَّارَقُطْنيُّ: ثنا أحمد بن محمّد بن سعيد ثنا أحمد بن عبد الرَّحمن بن سراج والحسن بن عليَّ بن بزيع قالا: ثنا حفص الفرَّاء ثنا سَوَّار بن مصعب عن زيد بن علي عن أبيه عن جدِّه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "القلس حدثٌ".
قال الدارَقُطني: لم يروه عن زيد غير سَوَار، وسَوَار: متروكٌ (1). وللخصم حديثان: 323 - الحديث الأوَل: قال الدَارَقُطني: ثنا أبو سهل بن زياد ثنا صالح بن مقاتل بن صالح ثنا أبي ثنا سليمان بن داود القرشي ثنا حُميد الطَّويل عن أنس بن مالك قال: احتجم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فصلَّى ولم يتوضَّأ، ولم يزد على غسل محاجمه (2). وأصحابنا يقولون: يحتمل أن يكون توضَأ ولم يره أنس، ويحتمل أن يكون صلى ناسياً، ويحتمل أن يكون لم يخرج من الدَّم ما يقطر. ز: حديث أنس: لا يثبت، وسليمان بن داود: مجهولٌ، وصالح بن مقاتل: ليس بالقويِّ- قاله الدارَقُطَّنِي (3) -، وأبوه: غير معروفٍ. وقال البيهقي: في إسناد هذا الحديث ضعفٌ (4). 324 - وعن عَقيل بن جابر عن أبيه جابر بن عبد الله قال: خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعني في غزوة ذات الرقاع (5) - فأصاب رجلٌ امرأةَ رجلٍ من
المشركين، فحلف أن لا أنتهي حتَّى أهريق دماً في أصحاب محمَّدٍ، فخرج يتبع أثر النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنزل النَبيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منزلاً، فقال: " من رجلٌ يكلؤنا؟ " فانتدب رجلٌ من المهاجرين وقام رجلٌ من الأنصار، فقال: "كونا بفم الشَعب". قال: فلما خرج الرَّجلان إلى فم الشعب اضطجع المهاجريَّ وقام الأنصاريَّ يصلِّي، [وأتى] (1) الرَّجل، فلما رأى شخصه عرف أنَّه رَبِيَّة للقوم، فرماه بسهم فوضعه فيه، فنزعه، حتَّى رماه بثلاثة أسهم، ثمَّ ركع وسجد، ثمَّ أنْبَه صاحبه، فلمَّا عرف أنهم قد نَذِروا به هرب، ولما رأى المهاجريَّ ما بالأنصاري من الدماء قال: سبحان الله! ألا أنبهتني أوَلَ ما رمى؟! قال: كنت في سورةٍ أقرأها فلم أُحِبَ أن أقطعها. رواه أبو داود عن أبي توبة الرَّبيع بن نافع عن ابن المبارك عن محمَّد بن إسحاق قال: حدَثني صدقة بن يسار عن عَقيل بن جابر ... فذكره (2). وعَقيل بن جابر: فيه جهالةٌ. وصدقة: ثقةٌ، روى له مسلمٌ في "صحيحه" (3). وروى هذا الحديث: الإمام أحمد، وزاد: وأيم الله لولا أن أضيع ثغراً أمرني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحفظه لقطع نفسي قبل أن أقطعها (4). ورواه أبو بكر ابن خزيمة (5) وأبو حاتم ابن حِبَان في "صحيحيهما" (6)،
والدَّارَقُطْنيُ وقال: إسناده صالح (1). والحاكم وصحَّحه (2). وروى البخاريَّ، قال: ويذكر عن جابر أنَ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان في غزوة ذات الرِّقاع فرمي رجلٌ بسهمٍ، فنزفه الدَم، فركع وسجد، ومضى في صلاته (3). لم يذكر له إسناداً O. 325 - الحديث الثَاني: قال الدَارَقُطنيُ: ثنا أبو عبيد القاسم بن إسماعيل ثنا القاسم بن هاشم السِّمسار ثنا عتبة بن السَّكن الحمصي ثنا الأوزاعيُ عن عبادة بن نُسيٍّ وهبيرة بن عبد الرَحمن قالا: ثنا أبو أسماء الرَحبيُّ ثنا ثوبان أنَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاء فدعاني بوَضوء فتوضَّأ، فقلت: يا رسول الله، أفريضةٌ الوضوء من القيء؟ قال: " لو كان فريضةٌ لوجدته في القرآن". قال الدَارَقُطنيُ: لم يروه عن الأوزاعي غير عتبة بن السَّكن، وهو متروك الحديث (4). *****
فصل (49): ونحن نفرق بين القليل والكثير.
فصل (49): ونحن نفرق بين القليل والكثير. ويستدلُ أصحابنا على ذلك بحديثين: أحدهما: حديث أبي هريرة: "ليس في القطرة ولا القطرتين من الدَم وضوء" وقد سبق. 326 - الحديث الثَاني رواه الدَارَقُطْنيُ: [ثنا محمَّد بن خلف الخلاَّل ثنا محمَّد بن هارون بن حميد ثنا أبو الوليد القرشي] (1) ثنا الوليد (2) أخبرني بقيَة عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباسِ أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رخَّص في دم الحُبُون يعني: الدَّماميل. قالوا: قال الدَارَقُطْنيُ: هذا باطل عن ابن جريج، ولعلَ بقيَة دلَّسه عن رجلٍ ضعيفِ (3)، والله أعلم. قلنا: بقيّة قد أخرج عنه مسلم (4). ز: وقد ذكر ابن عَدِي هذا الحديث في كتاب "الكامل" في مناكير بقيَة، ورواه من طريق: أحمد بن يونس الحمصيِّ عن الوليد بن مسلم عن بقيَة،
مسألة (50): إذا قهقه في صلاته لم يبطل وضوءه.
وقال: هذا الحديث لا يعرف إلا ببقيَّة عن ابن جريجِ. قال: ويشبه أن يكون بين بقيَة وبن ابن جريج بعض المجهولين أو بعض الضُعفاء، لأنَّ بقيَّة كثيراً ما يفعل ذلك (1) O. وقد استدلَّ أصحابنا بآثارٍ منها: 326/أ- أنَّ عمر بن الخطَاب عصر بثرة في وجهه فخرج منها شيءٌ من دم وقيحٍ، فمسحه بيده وصلَّى ولم يتوضَّأ. 326/ب- وعن عبد الله بن أبي أوفى أنَه تنخم دماً عبيطاً وهو يصلِّي. 326/جـ- وعن جابر أنَه سئل عن رجلِ صلَّى، فامتخط، فخرج مع المخاط شيءٌ من دم، قال: لا بأس، يتمُ صلاته. قال الخصم: القياس استواء النَّاقض، إلا أنَّا تركناه في القيء لما: 326/د- روي عن علي عليه السَّلام (2) أنَّه ذكر الأحداث فقال في جملتها: أو دسعةٌ (3) من قيءَ تملأ الفم. 326/هـ- وعن ابن عبَّاسِ أنَه قال: إذا كان القيء يملأ الفم أوجب الوضوء. قلنا: هذه الآثار لا تمنع القياس عليها. ***** مسألة (50): إذا قهقه في صلاته لم يبطل وضوءه.
وقال أبو حنيفة: يبطل. استدلَّ أصحابنا بحديثين: 327 - الحديث الأوَل: قال الدَّارَقُطني: ثنا عبد الباقي بن قانع ثنا محمَّد بن بشر بن مروان ثنا المنذر بن عمَّار ثنا أبو شيبة عن يزيد أبي خالد عن أبي سفيان عن جابر عن النبيٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الضَّحك ينقض الصَّلاة ولا ينقض الوضوء" (1). 328 - الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطني: ثنا محمَّد بن مخلد ثنا يزيد بن الهيثم ثنا صبح بن دينار ثنا المعافى بن عمران ثنا ابن لهيعة عن زَبَّان بن فائد عن سهل بن معاذ عن أبيه عن النبيٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الضَّاحك فى الصلاة والملتفت والمفرقع أصابعه بمنزلة واحدةٍ " (2). ورواه أحمد في "المسند": ثنا حسن ثنا ابن لهيعة ... فذكره (3). وهذان الحديثان ضعيفان: أمَّا الأوَّل: فقد اختلف عن أبي شيبة، فروى الدَّارَقُطني: 329 - ثنا أبو جعفر أحمد بن إسحاق بن بهلول قال: حدَّثني أبي قال: حدَّثني أبي (4) عن أبي شيبة عن يزيد أبي خالد عن أبي سفيان عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الكلام ينقض الصَّلاة ولا ينقض الوضوء " (1).
ثمَّ إنَّ أبا شيبة- واسمه: عبد الرحمن بن إسحاق-: ضعيفٌ، كذلك قال يحيى بن معين (2)، وقال أحمد: ليس بشيءٍ، منكر الحديث (3). وأما يزيد: فقال ابن حِبَّان: لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد (4). وأما الحديث الثاني: فقال يحيى: سهل ضعيفٌ (5). وقال ابن حِبَّان: لست أدري التَّخليط منه أو من زبَّان (6). وزبَّان: لا يحتج به، قال أحمد: أحاديثه مناكير (7). وقال أبو حاتم الرَّازيُّ: هو صالحٌ (8). ز: قول المؤلف: (إنَّ أبا شيبة هو: عبد الرَّحمن بن إسحاق) وهمٌ، وإنما هو: إبراهيم بن عثمان- جدُّ بني أبي شيبة-، وقد ضعََّفه غير واحدٍ. وقال البيهقي في هذا الحديث: ورواه أبو شيبة إبراهيم بن عثمان فرفعه - وهو ضعيفٌ -، والصَّحيح أنَّه موقوفٌ (9) O. احتجوا بحديثٍ قد روي مرفوعاً من سبعة طرقي، ومرسلاً من وجوهٍ: 330 - الطَّريق الأوَل من المرفوع: قال ابن عَدِي: ثنا ابن جَوصا ثنا
عطيَّة بن بقيَة قال: حدَثني أبي ثنا عمرو بن قيس السكونيُ عن عطاء عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من ضحك في صلاة قهقهةً فليعد الوضوء والصَّلاة" (1). 331 - الطَريق الثَاني: أنا أبو منصور القزاز أنا أبو بكر أحمد بن عليِّ بن ثابت أنا أبو سعيد الحسن بن محمد بن حسنويه ثنا القاضي أبو بكر محمَّد بن عمر الجِعَابي ثنا عبد الله بن أحمد بن خزيمة (2) ثنا عليُّ بن حُجر ثنا عبد العزيز بن حصين عن عبد الكريم أبي أميّه عن الحسن عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من ضحك في الصلاة فليعد الوضوء والصلاة" (3). 332 - الطريق الثَالث: قال ابن عَدِي: ثنا أحمد بن الحسين الصوفيُّ ثنا سفيان بن محمَّد الفزاريُّ ثنا ابن وهبٍ أخبرني يونس بن يزيد عن الزهري عن أبي معاذ عن الحسن عن أنس بن مالك أنَّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلي بالنَّاس فدخل أعمى المسجد فتردَّى في بئرٍ أو حفرةٍ فضحك القوم، فأمر النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ضحك أن يعيد الوضوء والصَّلاة (4). 333 - الطَّريق الرَّابع: قال ابن عدي: ثنا زيد بن عبد الله بن زيد الفارض ثنا كثير بن عبيد ثنا بقية [عن] (5) محمَّد الخزاعيِّ عن الحسن عن عمران بن حُصين أن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لرجلٍ ضحك: "أعد وضوءك" (6). 334 - قال ابن عَدِي: وثنا ابن صاعد ثنا محمَّد بن عيسى بن حيَان ثنا
الحسن بن قتيبة ثنا عمر بن قيس عن عمرو بن عبيد عن الحسن عن عمران بن حُصين عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا قهقه أعاد الوضوء والصَلاة" (1). ز: قال ابن عَدِي بعد أن روى هذا الحديث: كذا قال في هذا الإسناد: (عن عمر (2) بن قيس عن عمرو بن عبيد) وإنَّما هو: عمرو (3) بن قيس- وهو السكونيُ الحمصيُ- عن عمرو بن عبيد. 335 - حدَثنا عمرو بن سنان المنبجيُ ثنا عبد الوهَاب بن الضَحَاك ثنا إسماعيل بن عيَّاش عن عمرو بن قيس عن عمرو بن عبيد عن الحسن عن عمران ابن حُصين الخزاعي سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "من ضحك في الصَلاة قرقرةً فليعد الوضوء والصَلاة". قال ابن عَدِي: ورواه بقيَة عن عمرو بن قيس عن عطاء عن ابن عمر عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حدَثناه ابن جَوْصَا ... فذكره كما تقَدَم (4). فأسقط بقيَة- أو غيره-: عمرو بن عبيد، وقال: عن عطاء عن ابن عمر O. 336 - الطريق الخامس: قال ابن عَدِي: ثنا ابن زهير التُستَريَّ ثنا عبيد الله بن سعد الزهريَّ ثنا عمِّي ثنا أبي عن ابن (5) إسحاق قال: حدَثني ابن دينار عن الحسن البصري عن أبي المَليح الهذلي عن أبيه قال: بينا نحن نصلي خلف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ أقبل رجل ضرير البصر، فوقع في حفرةٍ قريباً منَّا، فضحك بعضنا، فأمرنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإعادة الوضوء والصَلاة من أوَّلها (6).
337 - الطَّريق السادس: قال الدارَقُطْني: ثنا أبو بكر النيسابوريُّ ثنا إبراهيم بن هانئ ثنا محمد بن يزيد بن سنان ثنا يزيد بن سنان (2) ثنا سليمان الأعمش عن أبي سفيان عن جابرٍ قال: قال لنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من ضحك منكم في صلاته فليتوضَّأ ثم ليعد الصَّلاة " (3). 338 - الطَّريق السَابع: قال الدارَقُطْني: ثنا دَعْلَج ثنا محمَّد بن عليٌ بن زيدٍ ثنا سعيد بن منصور ثنا خالد بن عبد الله عن هشام بن حسَان عن حفصة عن أبي العالية عن رجل من الأنصار أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلٌي بأصحابه، فمر رجلٌ في بصره سوءٌ، فتردّى في بئر، فضحك طوائف من القوم، فأمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ضحك أن يعيد الوضوء والصَّلاة (4). وقد أرسل هذا الحديث جماعة: منهم الحسن: 339 - قال الدارَقُطني: ثنا أبو بكر النيسابوري حدثني موهب بن يزيد ثنا ابن وهبٍ أخبرني يونس عن ابن شهاب عن الحسن قال: بينا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلٌي إذ جاء رجلٌ فوقع في حفرةٍ فضحك بعض القوم، فأمر من ضحك أن يعيد الوضوء والصَّلاة (5). ومنهم مَعبد الجهني: 340 - قال الدارَقُطني: ثنا أبو بكر الشافعي وأحمد بن محمد بن زياد
قالا: ثنا إسماعيل بن محمَّد بن أبي كثير القاضي ثنا مكيُّ بن إبراهيم ثنا أبو حنيفة عن منصور بن زاذان عن الحسن عن مَعبد عن النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: بينما هو في الصَلاة إذا أقبل رجلٌ أعمى يريد الصَّلاة، فوقع في زُبية (1)، فاستضحك القوم حتَّى قهقهوا، فلمَّا انصرف النَبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من كان منكم قهقه فليعد الوضوء والصَلاة " (2). ومنهم أبو العالية: 341 - قال الدَارَقُطَّنيُ: ثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا يوسف بن سعيد ثنا أحمد بن يونس ثنا زائدة عن هشام عن حفصة عن أبي العالية قال: جاء رجلٌ في بصره سوءٌ فدخل المسجد ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي فتردَّى في حفرةٍ كانت في المسجد، فضحك طوائفٌ منهم، فلمَّا قضى صلاته أمر من كان ضحك أن يعيد الوضوء والصَلاة (3). هذا الحديث حديث أبي العالية، هو الذي رواه مرسلاً، وكلُ من رفعه فقد غلط ومن أرسله عن غيره فإنه يرجع إليه. فأما الطريق الأوَّل: ففيه بقيَّة، ومن عادته التَّدليس، فكأنه سمعه من بعض الضُعفاء فحذف اسم ذاك، وقد كان له رواةٌ يسوون الحديث ويحذفون اسم الضَّعيف. وأما طريق أبي هريرة: ففيه علل: إحداهن: أن الحسن لم يسمع من أبي هريرة.
والثانية: عبد الكريم، فقد رماه أيُّوب السَختيانيُ بالكذب (1)، وقال أحمد (2) ويحيى (3): ليس بشيء. وقال السَعديَّ: غير ثقةٍ (4). وقال الدَّارَقُطْنيُ: متروك (5). والثَالثة: عبد العزيز، قال يحيى: ليس يساوي حديثه فلسا (6). وقال مسلم بن الحجَّاج: ذاهب الحديث (7). وقال النَسائيُ: متروك الحديث (8). وأمَّا طريق أنس: ففيه آفتان: أبو معاذ- واسمه: سليمان بن أرقم-، قال أحمد: ليس بشيءٍ، لا يروى عنه الحديث (9). وقال يحيى: ليس بشيء، لا يساوي فلساً (10).
وقال النسائيُ (1) والدَارَقُطْنيُّ (2): متروك. والثانية: سفيان بن محمَّد، قال ابن عَدِي: كان يسرق الأحاديث، ويسوي الأسانيد، وفي حديثه موضوعات (3). والبلاء في هذا الحديث منه. وقد رواه داود بن المحبَّر عن أيُّوب بن خوط عن قتادة عن أنس، وداود: متروك. وأما حديث عمران: ففي طريقه الأوَل: الخزاعيُّ، قال ابن عَدِي: هو من مجهولي مشايخ بقيَة. قال: ويقال في هذا الحديث: عن محمد بن راشد عن الحسن وابن راشد: مجهولٌ أيضاً (4). وفي طريقه الثَاني: عمرو بن عبيد، وهو كذَّاب،، وعمر بن قيس، وهو متروكٌ. وأما حديث أسامة: ففيه الحسن بن دينار. وقد رواه الحسن بن عمارة عن خالد الحذَّاء عن أبي المليح عن أبيه. وقد حكم شعبة بكذب الحسنين (5): ابن دينار (6)، وابن عمارة (7). قال الدَارَقُطْنيُ: وقد أخطأ في الإسناد، إنَّما روى هذا الحديث الحسن
البصريَّ عن حفص بن سليمان المنقريِّ عن أبي العالية (1). قال: وقول الحسن بن عمارة: (عن خالد الحذَاء) وهمٌ قبيحٌ، وإنَّما رواه خالد الحذَّاء عن حفصة عن أبي العالية (2). وأمَّا حديث جابر: ففيه يزيد (3) بن سنان، ضعَّفه أحمد (4) وعليٌّ (5)، وقال يحيى: ليس بشيء (6). وقال النَسائيُ: متروكٌ (7). وقال الدَارَقُطْنيُ: وهم يزيد بن سنان فيه في موضعين: أحدهما: في رفعه إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ والثاني: في لفظه؛ والصَحيح: عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر من قوله: من ضحك في الصَّلاة أعاد الصَلاة ولم يعد الوضوء. كذلك رواه جماعة من الثقات الرُفعاء عن الأعمش، منهم: الثَّوريَّ وأبو معاوية ووكيع وغيرهم (8). وقد روي حديث عن جابر يدلُ على ما جرى في زمن النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ذلك غير أنَّه لا يصحُ. 342 - قال الدَارَقُطْنِيُ: ثنا يوسف بن يعقوب بن إسحاق ابن (9) البهلول حدَثني جدي ثنا المسيَّب بن شريك عن الأعمش عن أبي سفيان
عن جابر قال: ليس على من ضحك في الصَّلاة إعادة وضوءٍ، إنَّما كان ذلك لهم حين ضحكوا خلف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1). وهذا لا يصحُ، قال يحيى بن معين: المسيَّب ليس بشيءٍ (2). وقال أحمد: ترك النَّاس حديثه (3). وقال الفلاَّس: اجتمعوا على ترك حديثه (4). وأما حديث الرٌجل من الأنصار: فغلط من خالد بن عبد الله الواسطي، قال الدَارَقُطنيُ: لم يصنع خالدٌ شيئاً، وقد خالفه خمسة أثباتِ حفَاظِ، وقولهم أولى بالصَّواب. وقال قبل هذا الكلام: وروى هذا الحديث هشام بن حسَّان عن حفصة عن أبي العالية مرسلاً. حدَّث به عنه جماعة، منهم: سفيان الثَوريَّ وزائدة بن قدامة ويحيى بن سعيد القطَّان وحفص بن غياث وروح بن عبادة وعبد الوهَاب بن عطاء وغيرهم، فاتفقوا عن هشام عن حفصة عن أبي العالية (5). قال: وأمَّا حديث مَعْبد: فوهم فيه أبو حنيفة على منصور، وإنما رواه
منصور بن زاذان عن ابن سيرين عن مَعبد، ومَعْبد لا صحبة له (1). قال الدَارَقُطْنِيُ: ثنا إسماعيل بن محمَّد الصَفَار ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي ثنا عليُ بن المدينيِّ قال: قال لي عبد الرَحمن بن مهديّ: هذا الحديث يدور على أبي العالية. فقلت: قد رواه الحسن مرسلاً. فقال: حدَثني حمَّاد بن زيد عن حفص بن سليمان المِنْقَري قال: أنا حدَثت به الحسن عن حفصة عن أبي العالية. فقلت: فقد رواه إبراهيم مرسلا. فقال: حدَثني شَريك عن أبي هاشم قال: أنا حدَّثت به إبراهيم عن أبي العالية. فقلت: فقد رواه الزهريَّ مرسلاً. فقال: قد رأيتُه في كتاب ابن أخي الزهري عن الزهري عن سليمان بن أرقم عن الحسن (2). قال الدَارَقُطْنيُ: فرجعت الأسانيد كلُها إلى أبي العالية، وأبو العالية أرسل هذا الحديث عن النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يسمَّ بينه وبينه رجلا سمعه منه. قال: وقد روى عاصم الأحول عن محمَّد بن سيرين- وكان عالماً بأبي العالية وبالحسن قال: لا تأخذ بمراسيل الحسن ولا أبي العالية فإنَّهما لا يباليان عمن أخذا (3). وقال أبو أحمد بن [عَدِيّ] (4) الحافظ: كل رواة هذا الحديث يرجع إلى أبي العالية، ومن أجل هذا الحديث تُكلِّم في أبي العالية (5).
وقال أحمد بن حنبل: ليس في الضَحك حديث صحيحٌ. ز: وقال الشَّافعي: حديث أبي العالية الرِّياحي رياحٌ (2). وقال الذُّهلي: لم يثبت عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الضَّحك في الصَلاة خبرٌ (3). وقال الخلَال: أخبرنا عبد الله أنه سمع أباه يقول في حديث إبراهيم في الضَّحك: سمعنا أن إبراهيم سمعه من أبي هاشم. قال: ويذكرون أنَّ الزهريَّ قال: حدَثني سليمان بن أرقم. وسليمان لا يسوى حديثه شيء، لا يروى عنه الحديث (4). قال أبي: وحدَثنا عبد الرَزاق أنا معمر قال: سألنا الزهريَّ عن ذلك، فقال: ليس في الضَّحك وضوءٌ. وقد تكلَم الدَّارَقُطنِي (5) وغيره من الحفَّاظ على أحاديث القهقهة وبيَنوا عللها، وقد كتبنا ذلك في موضعٍ آخر. وقد وهم المؤلف في كلامه على حديث الرَجل من الأنصار وهماً قبيحاً، وانتقل من حديثِ إلى حديث، وقد كتبنا ما وهم فيه على الصَواب O. *****
مسألة (51): كل لحم الجزور ينقض الوضوء، خلافا لهم.
مسألة (51): كل لحم الجزور ينقض الوضوء، خلافاً لهم. لنا أربعة أحاديث: 343 - الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا عبد الله بن الوليد ثنا سفيان عن سماك بن حرب عن جعفر بن أبي ثور عن جابر بن سمرة أنَّ رجلاً سأل النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنتوضَّأ من لحوم الغنم؟ قال: " لا " قال: أنتوضَّأ من لحم الإبل؟ قال: "نعم" (1). انفرد بإخراجه مسلمٌ (2). ز: جابر بن سمرة: هو جدُّ جعفر بن أبي ثور، قال أبو حاتم بن حِبَّان: جعفر بن أبي ثور هو: أبو ثور بن عكرمة، فمن لم يحكم صناعة الحديث توهَّم أنَّهما رجلان مجهولان (3). وقال عليُ بن المدينيٌ: جعفر بن أبي ثور- هذا-: رجلٌ مجهولٌ (4). وليس كذلك، بل هو مشهورٌ روى عنه جماعة O. 344 - الحديث الثَّاني: قال أحمد: ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن عبد الله بن عبد الله عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن (5) البراء بن عازب قال:
سئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الوضوء من لحوم الإبل، فقال: "توضَّؤا منها" (1). قال إسحاق بن راهويه: صحَّ في هذا الباب حديثان عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حديث جابر بن سمرة، وحديث البراء (2). ز: وروى حديث البراء: أبو داود (3) وابن ماجه (4) والترمذي؟ (5) من حديث الأعمش أيضاً عن عبد الله بن عبد الله الرَازي. وروي عن الإمام أحمد أَنه قال: فيه حديثان صحيحان: حديث البراء وجابر بن سمرة (6). وقال ابن خزيمة: لم نر خلاَفاً بين علماء أهل الحديث أنَّ هذا الحديث صحيحٌ من جهة النقل لعدالة ناقليه (7) O.
345 - الحديث الثالث: قال أحمد: ثنا عفَّان ثنا حمَّاد بن سلمة ثنا الحجَاج بن أرطأة عن عبد الله بن عبد الرَحمن بن أبي ليلى عن أبيه عن أُسيد بن حُضير أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "توضؤا من لحوم الإبل ولا توضََّؤا من لحوم الغنم، وصلُّوا في مرابض الغنم ولا تصلُوا في مبارك الإبل" (1). 346 - طريقٌ آخر: قال أحمد: وثنا محمَّد بن مقاتل ثنا عبَّاد بن العوَّام ثنا الحجَاج عن عبد الله مولى بني هاشم- قال: وكان ثقة- عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أُسيد بن حُضير عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه سئل عنه ألبان الإبل، قال: " توضؤا من ألبانها ". وسئل عن ألبان الغنم، فقال: "لا توضَّؤا من ألبانها" (2). قال الترمذيَّ: أخطأ حمَّاد بن سلمة في هذا الحديث حين قال: (عن عبد الله بن عبد الرَّحمن)، والصَحيح: (عن عبد الله بن عبد الله الرَازي) (3). ز: وروى هذا الحديث: ابن ماجه في "سننه" عن أبي (4) إسحاق إبراهيم بن عبد الله بن حاتم عن عبَّاد بن العوَام عن جحَّاج (5). ورواه حرب بن إسماعيل عن يحيى بن عبد الحميد عن عبّاد بلفظِ آخر: "لا تصلُوا في أعطان الإبل، وتوضَّؤا من لحومها، وصلُّوا في مرابض الغنم، ولا توضَؤا من لحومها". وهو حديثٌ مرسلٌ، فإن ابن أبي ليلى لم يسمع من أُسيد بن حُضير.
والحجَّاج بن أرطأة: تكلَّم فيه غير واحدٍ من الأئمة. 347 - وعن عبد الله بن عمر قال: سمعتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "توضؤا من لحوم الإبل، ولا توضؤا من لحوم الغنم، وتوضَّؤا من ألبان الإبل، ولا توضَّؤا من ألبان الغنم، وصلُّوا في مرابض (1) الغنم، ولا تصلوا في معاطن الإبل". رواه ابن ماجه من رواية عطاء بن السَائب (2)، قال أحمد: ثقةٌ (3) رجلٌ صالحٌ (4). وقال أيضاً: من سمع منه قديماً فهو صحيح، ومن سمع منه حديثاً لم يكن بشيءٍ (5). ووثَّقه ابن معينِ (6) وأبو حاتم الرَازي، (7).
والذي رواه عن عطاء: خالد بن يزيد، وهو غير مشهور. وقد روي هذا الحديث موقوفا على ابن عمر، وهو أشبه O. 348 - الحديث الرابع: قال عبد الله بن الإمام أحمد: حدَثني عمرو بن محمَّد بن بكير (1) الناقد ثنا عَبيدة بن حميد عن عُبيدة الضَّبي عن عبد الله بن عبد الله القاضي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن ذي الغُرَة قال: عرض أعرابيٌ لرسول الله- ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسير- فقال: يا رسول الله، تدركنا الصلاة ونحن في أعطان الإبل فنصلي فيها؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا". قال: أفنتوضَّأ من لحومها؟ قال: "نعم" (2). ز: عَبيدة بن حميد: هو بفتح العين، وهو ثقةٌ من رجال الصَّحيح (3)، قال أحمد: صالح الحديث (4). وقال ابن معين: ما به بأس (5). وأمَّا عُبيدة الضَبيُ: فهو بضمِّ العين، وهو عُبيدة بن مُعَتِّب، وقد ضعَّفوه، وقال أحمد: ترك النَّاس حديثه (6). وقال يحيى بن معين: ليس بشيءٍ (7). وقال
الفلاََّس: كان سيء الحفظ، متروك الحديث (1). وأمَّا عبد الله بن عبد الله القاضي: فهو راوي حديث البراء وأسيد، سئل عنه أحمد بن حنبل فقال: لا أعلم إلا خيراً (2). وقال بعض العلماء في هذا الحديث: ليس هو بشيءَ، وذو الغُرَة لا يدرى من هو؟ وقال ابن أبي حاتم: ذو الغُرَة الطَائيُ، له صحبة، مما رواه عُبيدة الضبيُ عن عبد الله بن عبد الله الرَازي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن ذي الغُرَة قال: سألت النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الصلاة في أعطان الإبل والوضوء من لحومها ... والحديث خطأٌ، والصَحيح عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء عن النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعبيدة ضعيف الحديث. سمعت أبي يقول ذلك. وقال العبَّاس الدُوريَّ: سمعت يحيى بن معين يقول: ذو الغُرَة من أصحاب النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (3) O. وللخصم حديثان: 349 - أحدهما: ما رواه الدَارَقُطْنيُ: ثنا أبو محمد بن صاعد ثنا إبراهيم ابن منقذ الخَولاني ثنا إدريس بن يحيى الخَولانيُ ثنا الفضل بن المختار عن ابن أبي ذئبٍ عن شعبة مولى ابن عبَّاس عن ابن عبَّاس أنَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الوضوء مما يخرج وليس مما يدخل " (4).
في هذا الإسناد شعبة مولى ابن عبَّاس، قال مالكٌ (1) والنسائيُ (2): ليس بثقةٍ. وقال يحيى: لا يكتب حديثه (3). وقد روي عن أحمد (4) ويحيى (5) أنهما قالا: ليس به بأسٌ. وفيه: الفضل بن المختار، قال أبو حاتم الرَازيُّ: هو مجهولٌ، وأحاديثه منكرةٌ، يحدِّث بالأباطيل (6). وقال ابن عَدِي: لعل البلاء في هذا الحديث من الفضل لا من شعبة، لأنَّ له أحاديث منكرةٌ. وقال: والأصل في هذا الحديث أنَّه موقوفٌ (7). قلت: وهذا الكلام إنَّما يحفظ من قول ابن عبَّاس، كذلك رواه سعيد ابن منصور. 350 - الحديث الثاني: رووا: "لا وضوء من طعام أحلَه الله". وهذا لا يعرف. *****
مسألة (52): الردة تنقض الوضوء، خلافا لهم.
مسألة (52): الردة تنقض الوضوء، خلافا لهم. وقد استدلَ أصحابنا: 351 - بما روى محمَّد بن المصفَّى عن بقيَة عن عمرو بن أبي عمرو (1) عن طاوس عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "الحدث حدثان: حدث اللسان، وحدث الفرج، وحدث اللسان أشد من حدث الفرج، وفيهما الوضوء". وهذا حديث لا يصحُ، وبقيَة: مدلسٌ، لعله سمعه من بعض الضعفاء وأسقط (2)، إذ هذه كانت عادته. واحتجَ المخالف: 352 - بما روى الترمذيَّ: ثنا قتيبة ثنا وكيع عن شعبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة [أن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (3) قال: "لا وضوء إلا من صوت أو ريح" (4). وهذا لا حجَة لهم فيه، لأنَّه إنَّما ورد فيمن يشك في الحدث. 353 - قال الترمذيَّ: وثنا قتيبة ثنا عبد العزيز بن محمَّد [عن] (5) سُهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا كان أحدكم في المسجد فوجد ريحاً [بين] (6) أليتيه، فلا يخرج حتَّى يسمع صوتاً أو
مسألة (53): غسل الميت ينقض الوضوء (3).
يجد ريحاً" (1). ثمَّ قد اتفقنا معهم على وجوب الوضوء بغير الصَّوت والريح. ز: قال عبد الرَّحمن بن أبي حاتم: سمعت أبي وذكر حديث شعبة عن سُهيل عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً: " لا وضوء إلا من صوتٍ أو ريحٍ ". قال أبي: هذا وهمٌ، اختصر شعبة متن هذا الحديث فقال: " لا وضوء إلا من صوتٍ أو ريحٍ "، رواه أصحاب سُهيل عن سُهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا كان أحدكم في الصلاة فوجد ريحاً من نفسه، فلا يخرجنَّ حتَّى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً " (2) O. ***** مسألة (53): غسل الميت ينقض الوضوء (3). وقد أحتج أصحابنا: بأن ابن عمر وابن عبَّاس كانا يأمران غاسل الميت أن يتوضأ. واحتجَّ الخصم: 354 - بما رواه الدارَقُطني: ثنا أحمد بن محمَّد بن سعيد ثنا أبو شيبة إبراهيم بن عبد الله بن أبي شيبة ثنا خالد بن مخلد ثنا سليمان بن بلال عن عمرو ابن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس عليكم في ميتكم غسلٌ إذا غسلتموه، فإن ميتكم ليس بنجس، فحسبكم أن تغسلوا
أيديكم " (1). قال يحيى: عمرو لا يحتج بحديثه (2). وقال أحمد: ما به بأسٌ (3). قال يحيى: ولا بأس بخالد (4). وقال أحمد: له أحاديث مناكير (5). 355 - وقد روى الخصم: أنَّ عبد الرَحمن بن عوف غسل إبراهيم ابن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وذهب ليتوضَّأ، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أحدثت؟ ". قال: لا. قال: " فلم تتوضَّأ؟ ". وهذا حديثٌ لا يعرف. ز: حديث عكرمة عن ابن عباس: رواه الحاكم وقال: هو على شرط البخاريٌ (6). وهو حديثٌ منكرٌ، وعمرو وخالد: من رجال الصَّحيح (7)، فلعله موقوفٌ قد رفعه خالد أو غيره. ورواه البيهقي موقوفاً على ابن عباس، ثم رواه مرفوعاً وقال: هذا
ضعيفٌ لا يصح رفعه، والحمل فيه على أبي شيبة كما أظن (1). 356 - وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "من غسَّل ميِّتاً فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ". رواه أحمد (2) وأبو داود (3) وابن ماجه (4) والتِّرمذيَّ وحسَّنه (5)، ولم يذكر ابن ماجه الوضوء. وقال أبو داود: هذا منسوخٌ. وقال أحمد: هو موقوفٌ على أبي هريرة (6). وقال ابن المنذر: ليس في هذا حديثٌ يثبت (7). وقال البخاريُّ: قال ابن حنبل وعليٌّ: لا يصحُّ في هذا الباب شيءٌ (8). وقال أبو بكر المُطَرِّز: سمعت محمَّد بن يحيى يقول: لا أعلم في " من غسَّل ميِّتاً فليغتسل " حديثاً ثابتاً، ولو ثبت لزمنا استعماله (9).
وقال الشَّافعيُ: وإنَما منعني من إيجاب الغُسْل من غَسْل الميت أنَّ في إسناده رجلاَ لم أقع من معرفة ثبت حديثه إلي يومي على ما يقنعني، فإن وجدت من يقنعني أوجبته وأوجبت الوضوء من مسِّ الميت مفضياً إليه، فإنَّهما في حديثٍ واحدٍ (1). وقال البيهقيُّ: الروايات المرفوعة في هذا الباب عن أبي هريرة غير قويَّة، لجهالة بعض رواتها، وضعف بعضهم، والصَّحيح عن أبي هريرة من قوله موقوفاً غير مرفوعٍ (2). وقال بعضهم: معناه: ومن أراد حمله ومتابعته فليتوضأ من أجل الصَّلاة عليه. وهو تأويلٌ بعيدٌ. 357 - وقد أخرج أبو داود الحديث من طريق ابن أبي ذئب عن القاسم بن عبَّاس عن عمرو بن عمير عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من غسَّل الميت فليغتسل، ومن حمله فليتوضَّأ " (3). وأخرجه من حديث ابن عيينة عن سُهيل بن أبي صالح عن أبيه عن إسحاق مولى زائدة (4) عن أبي هريرة يرفعه، قال: " مِنْ حَمْل الجنازة: الوضوء، ومِنْ غَسْل الميت: الغسل " (5).
ورواه يحيى الحمَّانيُّ عن خالد بن عبد الله عن سُهيل. وروى علي بن المبارك ومعاوية بن سلام عن يحيى عن رجلِ من بني ليث حدَّثني أبو إسحاق أنه سمع أبا هريرة يحدّث عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من غسَّل ميتاً فليغتسل ". وروى نحوه ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة مرفوعاً. هكذا رواه عنه شبابة وابن أبي فديك، ثم قال ابن أبي فديك: وحدَثني ابن أبي ذئب عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من غسَّل الميت فليغتسل، ومن حمله فليتوضَّأ". وقال روح: ثنا ابن جريج أنا سُهيل عن أبيه عن أبي هريرة بهذا. وقال حمَّاد بن سلمة: عن محمَّد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أنَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الغسل على من غسَّل، والوضوء على من حمل ". وقال وهيب: ثنا أبو واقد عن إسحاق مولى زائدة عن محمَّد بن عبد الرَّحمن بن ثوبان عن أبي هريرة مرفوعاً قال: " مِن غَسله: الغُسل، ومِن حَمله: الوضوء". ذكر هذه الطرق كلَّها بقي بن مخلد في "مسنده". وروى ابن لهيعة عن حنين بن أبي حكيم عن صفوان بن سُليم (1) عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة مرفوعاً: " من غسَّل ميتاً فليغتسل "، وفي لفظِ: " مِن غَسل الميت: الغسل، ومن حَمله: الوضوء " رواه البيهقي، وقال: ابن لهيعة وحنين بن أبي حكيم: لا يحتجُّ بهما،
والمحفوظ من حديث أبي سلمة موقوفاً من قول أبي هريرة. ورواه من رواية عمرو بن أبي سلمة عن زهير بن محمَّد عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً (1). 358 - وقال أبو داود: ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا محمَّد بن بشر ثنا زكريا ثنا مصعب بن شيبة عن طَلْق بن حبيب العَنَزِي عن عبد الله بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها أنَّها حدَّثته أن النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يغتسل من أربع: من الجنابة، ويوم الجمعة، ومن الحجامة، ومن غسل الميِّت (2). هذا الإسناد على شرط مسلم. وقد رواه الإمام أحمد (3) والدَّارَقُطْنيُ (4) وابن خزيمة في "صحيحه" (5) والحاكم في "المستدرك" (6). وقال البيهقيُّ: رواة هذا الحديث كلُهم ثقات، وتركه مسلم فلم يخرجه، وما أُراه تركه إلا لطعن بعض الحفَاظ فيه (7).
ومصعب بن شيبة: وثَّقه يحيى بن معين (1)، وقال أحمد: روى أحاديث مناكير (2). وقال أبو حاتم الرَازيَّ: لا يحمدونه، وليس بالقويِّ (3). وقال النَسائيُّ: منكر الحديث (4). وقال الدَّارَقُطْنيُ: ليس بالقويِّ ولا بالحافظ (5) O. *****
مسائل المسح على الخفين
مسائل المسح على الخفَّين مسألة (54): يجوز المسح في الحضر والسَّفر. وقال مالك: يجوز في السَّفر. وله في الحضر روايتان. ومنعت الإمامية وأبو بكر بن داود من المسح جملةً. لنا أحاديث: 359 - قال مسلم بن الحجَاج: ثنا يحيى بن يحيى ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن همَّام قال: بال جرير ثمَّ توضَأ ومسح على خفَّيه، فقيل: تفعل هذا؟! فقال: نعم، رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بال ثمَّ توضَّأ ومسح على خفَّيه. قال الأعمش: قال إبراهيم: كان يعجبهم هذا الحديث، لأنَّ إسلام جرير كان بعد نزول " المائدة " (1). وأخرجه البخاريُّ (2). 360 - وقال: ثنا (3) يحيى ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مسلم عن مسروق عن المغيرة بن شعبة قال: كنت مع النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفرٍ، فقال: " يا
مغير (1)، خذ الإداوة ". فأخذتها، فانطلق رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتَّى توارى عني، فقضى حاجته، وصببت عليه فتوضَّأ وضوءه للصَلاة، ومسح على خفَّيه، ثم صلى (2). وأخرجه مسلم (3). وقد روى حديث المسح: عمر وعلي وسعد وبلالٌ وثوبانُ وعبادةُ بنُ الصَامت وحذيفةُ وأنس وسهلُ بنُ سعدٍ ويعلى بنُ مرة وأسامةُ بنُ زيدٍ وأسامةُ بنُ شَريكٍ وصفوانُ بنُ عسَال وأبو أمامةَ وجابرٌ وعمرو بنُ أميَة في آخرين. وقال الحسن البصريَّ: روى المسح سبعون نفساً فعلاً منه وقولاً. ز: حديث سعد بن أبي وقَاص: رواه البخاريُّ (4)؛ وكذلك حديث عمرو بن أميَّة (5). وحديث بلال: رواه مسلم (6). وقال الإمام أحمد: ليس في قلبي من المسح شيءٌ، فيه أربعون حديثاً عن أصحاب رسول الله جمع، ما رفعوا إلى النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما وقفوا (7) O. أمَّا الخصم:
مسألة (55): والمسح يتوقت بيوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام ولياليها
360/أ- فرووا عن عليٍّ عليه السلام (1) أنَّه قال: ما أبالي مسحت على الخفَّين أو على ظهر حمار. 360/ب- وعن ابن عبَّاس أَنه قال: سبق كتاب الله المسح، وما أبالي أمسحت على الخفين أو على طهر نجيبي (2) هذا. 360/جـ- وأَنه قال: قد مسح رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الخفين، ووالله ما مسح بعد " المائدة ". وجواب هذا: أَنه قد صحَ عن علي عليه السَلام حديث المسح، وما ذكروه عنه لا يصحُ. وكذلك ما رووا عن ابن عبَّاس، ولو صحَ فجرير أعلم بحال نفسه، وقد ذكرنا أَنه روى المسح وقال: أسلمت بعد " المائدة ". ***** مسألة (55): والمسح يتوقَّتُ بيوم وليلةِ للمقيم، وثلاثة أيَّام ولياليها للمسافر. وقال مالك: ليس فيه توقيت. لنا ستة أحاديث:
361 - الحديث الأوَل: قال الإمام أحمد: ثنا يزيد عن الحجَّاج عن الحكم عن القاسم بن مُخيمرة عن شُريح بن هانئ قال: سألت عائشة عن المسح فقالت: سل عليّاً فإنه أعلم بهذا مني، كان يسافر مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فسألت عليّاً فقال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوم وليلة " (1). انفرد بإخراجه مسلمٌ (2). 362 - الحديث الثاني: قال أحمد: ثنا يحيى بن آدم ثنا سفيان عن عاصم عن زر بن حُبيش قال: أتيت صفوان بن عَسَّال فسألته عن المسح على الخفَّين فقال: كنَّا نكون مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيأمرنا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيَّامٍ إلا من جنابة، ولكن من غائطٍ وبولِ ونوم (3). قال الترمذيُّ: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ (4). فإن قيل: قد تكلَّموا في حفظ عاصم بن أبي النجود. قلنا: قد خرّج عنه في "الصَحيحين" (5). ز: وقد روى هذا الحديث: النَّسائي (6) وابن ماجه (7) وابن خزيمة في "صحيحه" (8).
وعاصم: روى له البخاريُّ ومسلمٌ مقروناً بغيره، ووثَّقه الإمام أحمد (1) وأبو زرعة (2) ومحمد بن سعد (3) وأحمد بن عبد الله العِجلي (4) وغيرهم، وكان صاحب سنَّة وقراءةٍ للقرآن، وقال ابن معين: لا بأس به (5). وقال أبو حاتم: محله الصدق، لم يكن بذاك الحافظ (6). وقال النَّسائي: ليس به بأسٌ (7). وقال ابن خراشِ: في حديثه نكرة (8). وقال العقيليُّ: لم يكن فيه إلا سوء الحفظ (9). وقال الدارَقُطنِي: في حفظه شيءٌ (10) O. 363 - الحديث الثَالث: قال التِّرمذي: ثنا قتيبة ثنا أبو عوانة عن سعيد بن مسروق عن إبراهيم التيميٌ عن عمرو بن ميمون عن أبي عبد الله الجدليٌ عن خُزيمة بن ثابت عن النَبيٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه سُئل عن المسح على الخفين فقال: " للمسافر ثلاثة أيام، وللمقيم يوم وليلة ".
قال التِّرمذيَّ: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ (1). ز: ورواه الإمام أحمد (2) وأبو داود (3) وابن ماجه (4) وأبو حاتم ابن حِبَان (5). وقال البيهقيُ: إسناده مضطربٌ (6). وقال مُهَنَا: سألت أحمد عن أجود الأحاديث في المسح، قال: حديث شريح بن هانئ عن عائشة، وحديث خزيمة بن ثابت، وحديث عوف بن مالك (7) O. 364 - الحديث الرَابع: أخبرنا محمَّد بن أحمد بن صرما أنا عبد الله بن الحسن الخلاَّل أنا عبيد الله بن أحمد الصَيدلانيُ ثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا محمَّد بن إسحاق ثنا محمَّد بن عمر ثنا قدامة بن موسى الجُمحِيُ عن الزبرقان بن عبد الله ابن عمرو بن أميَة الضَّمْرِي عن أبيه عن جدِّه عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في المسح على الخفَين: " للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يومٌ وليلة ". ز: محمَّد بن عمر (8) الواقديَّ: متروكٌ O.
365 - الحديث الخامس: وبالإسناد ثنا النَّيسابوريُّ ثنا عليُ بن حربِ ثنا زيد بن الحُباب حدَّثني خالد بن أبي بكر بن [عبيد الله] (1) حدثني سالم عن ابن عمر أنَ سعد بن أبي وقَاص سأل عمر بن الخطَاب عن المسح، فقال عمر: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمر بالمسح على ظهر الخف للمسافر ثلاثة أيام، وللمقيم يومٌ وليلةٌ. 366 - الحديث السادس: وبالإسناد عن زيد بن الحُباب حدَثني عمر بن عبد الله اليماميُ (2) عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: سئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المسح على الخفين، فقال: " للمقيم يوما وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام ولياليها ". ز: إسناد حديث عمر: صالحٌ. قال أبو حاتم: خالد بن أبي بكر بن عبيد الله: يكتب حديثه (3). وقال البخاريَّ: له مناكير عن سالم بن عبد الله (4). وذكره ابن حِبَان في "الثقات" (5). وقد أطال الدَارَقُطْنيُ الكلام على حديث عمر في المسح، ثم قال: ورواه خالد بن أبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطَّاب عن سالم عن أبيه عن عمر، وأغرب فيه بألفاظِ لم يأت بها غيره، ذكر فيه المسح وقال فيه: على ظهر الخف، وذكر فيه التوقيت ثلاثاً للمسافر ويوماً وليلةً للمقيم، قاله زيد
ابن الحباب عنه. حدَّثنا القاضي المحاملي ثنا علي بن حربٍ ثنا زيد بن الحباب بذلك. وخالد بن أبي بكر العمري- هذا-: ليس بالقوي (1). وعمر بن عبد الله اليماميُّ- في إسناد حديث أبي هريرة-: قال البخاريُّ فيه: منكر الحديث ذاهب (2). وقد روى ابن ماجه حديثه هذا عن أبي بكر بن أبي شيبة وأبي كريب كلاهما عن زيد بن الحبُاب (3). وقد سُئل عنه الدَّارَقُطنِي فضعَّفه، وضعف كلَّ ما (4) روي عن أبي هريرة في المسح على الخفين (5)، والله أعلم. 368 - وعن عوف بن مالكٍ الأشجعي أنَّ النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بالمسح على الخُفَّين في غزوة تبوك، ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوماً وليلةً للمقيم. رواه الإمام أحمد (6) والدَارَقُطني (7). وقال أحمد: هذا من أجود حديثٍ في المسح على الخُفَّين، لأنه في غزوة تبوك، آخر غزاة غزاها (8).
369 - وقال أبو طاهر المُخَلص: ثنا عبد الله- هو البغويَّ- ثنا أحمد بن إبراهيم الموصليُ ثنا الصُبَيُ بن الأشعث عن أبي إسحاق عن البراء: سئل عن الخفَّين، فقال: أمرني- يعني: النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. كذا قال الموصليُ- أن أمسح عليهما للمسافر ثلاث ليالٍ وأيَّامهن، وللمقيم يوماً وليلةَ (1). ورواه الطَّبرانيُ بمعناه عن محمَّد بن عبد الله الحضرميِّ ثنا موسى بن الحسن السَّلوليُ ثنا الصُبَيُ ... فذكره (2). وقد تكلَم ابن عَدِي في الصُبَيِّ بن الأشعث (3)، وقال أبو حاتم: شيخ، يكتب حديثه (4) O. احتجّوا بثلاثة أحاديث: 370 - الحديث الأوَل: أنا به محمد بن أحمد بن صرما أنا عبد الله بن الحسن الخلاَّل أنا عبيد الله بن أحمد الصَيدلانيُ ثنا أبو بكر عبد الله بن محمَّد النَّيسابوريُّ ثنا محمَّد بن إسحاق أنا ابن أبي مريم أنا يحيى بن أيُّوب حدَثني عبد الرحمن بن رَزِين عن محمد بن يزيد بن أبي زياد عن أيُّوب بن قَطَن عن عبادة بن نُسيٍّ عن أُبي بن عمارة أَنه قال: يا رسول الله، أمسح على الخفَين؟ قال: " نعم ". قال: يومَا يا رسول الله؟ قال: " نعم، ويومين ". قال: ويومن يا رسول الله؟ قال: " نعم، وثلاث ". قال: وثلاث؟ قال: " نعم " - حتى بلغ سبعاً-. ثم قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نعم، ما بدا لك ".
قال أحمد بن حنبل: رجاله لا يعرفون. وقال الدارَقُطْني: هذا إسنادٌ لا يثبت، .... وعبد الرَّحمن ومحمد بن يزيد وأيوب مجهولون (1). والله أعلم. ز: رواه أبو داود عن يحيى بن معين عن عمرو بن الربيع بن طارق عن يحيى بن أيُّوب، ولم يذكر عبادة (2)،. ورواه ابن ماجه عن حرملة بن يحيى وعمرو بن سَوَّاد كلاهما عن ابن وهبٍ عن يحيى بن أيُّوب (3). قال أبو داود: وقد اختلف في إسناده، وليس بالقويِّ (4). ورواه الحاكم وقال: في رواته مجروحٌ (5). وقال أبو زرعة الدمشقي: سمعت أحمد بن حنبل يقول: حديث أُبيِّ بن عمارة ليس بمعروفٍ (6). وأخبرني يحيى بن معين عن عمرو بن الربيع بن طارق عن يحيى بن أيوب أن أُبيَّ بن عمارة صلَّى القبلتين.
فناظرت أبا عبد الله أحمد بن حنبل في حديثه عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المسح، فلم يقنع (1)، قلت له: فحديث عطاء بن يسار عن ميمونة- حديث يحدث به أبو عبد الله (2)، أعني: في المسح أيضاً-؟ قال: ذاك من كتاب. قال: قلت لأبي عبد الله: فإلى أيَّ شيءَ ذهب أهل المدينة في المسح أكثر من ثلاثٍ ويومٍ وليلةِ؟ قال: لهم فيه أثرٌ (3). قال أبو عبد الله: حديث خزيمة مما لعلَه أن يدلَّ عليَّ- يعني حجَة لهم- قوله: ولو استزدته لزادني (4) O. 371 - الحديث الثاني: أنا محمَّد بن أحمد الدَّقَّاق أنا عبد الله بن الحسن أنا عبيد الله الصَيدلانيُ ثنا أبو بكرِ النَّيسابوريُّ ثنا يونس بن عبد الأعلى أنا ابن وهبِ أخبرني حَيْوة قال: سمعت يزيد بن أبي حبيب يقول: حدَثني عبد الله بن الحكم عن عُلَيَّ بن رباح أن عقبة بن عامر حدَثه أَنه قدم على عمر بفتح دمشق، قال: وعَلَيَّ خُفان. قال لي عمر: كم لك يا عقبة مذ لم تنزع خفيك؟ فذكرت: من الجمعة، منذ ثمانية أيام. فقال: أحسنت وأصبت السُنَة. هذا حديثٌ قد اختلف على يزيد بن أبي حبيب فيه، فرواه عنه جرير عن عُلَيَّ بن رباح، ليس بينهما أحد. ز: ذكر الدَارَقُطْنيُ في "العلل" أن عمرو بن الحارث ويحيى بن أيُّوب والليث بن سعدِ رووه عن يزيد فقالوا فيه: فقال عمر: أصبت. ولم يقولوا:
(السُّنَة)، وهو المحفوظ. قال: ورواه جرير بن حازم عن يحيى بن أيُّوب عن يزيد بن أبي حبيب عن عُلَيَّ بن رباح عن عقبة- وأسقط من الإسناد: (عبد الله بن الحكم البَلَويَّ) - وقال فيه: (أصبت السُّنة) كما قال ابن لَهيعة والمفضَّل (1) O. 372 - الحديث الثَالث: قال الدارَقُطني: ثنا أبو محمَّد بن صاعد ثنا الرَّبيع بن سليمان ثنا أسد بن موسى ثنا حمَّاد بن سلمة عن عبيد الله بن أبي بكر وثابت عن أنس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا توضأ أحدكم ولبس خُفيه فليمسح عليهما، وليصلِّ فيهما، ولا يخلعهما إن شاء إلا من جنابة " (2). وهذا محمولٌ على مدَة الثَلاث (3) بدليلنا. ز: إسناد هذا الحديث قويٌ. وأسدٌ صدوقٌ، وثقه النَسائي (4) وغيره، ولا إلتفات إل كلام ابن حزم فيه (5). وقد صحَح إسناده الحاكم، وذكر أَنه شاذٌ بمرَّةٍ (6) O. *****
مسألة (56): من شرط جواز المسح أن يلبس الخفين بعد كمال الطهارة.
مسألة (56): من شرط جواز المسح أن يلبس الخفَّين بعد كمال الطَّهارة. وقال أبو حنيفة: لا يشترط ذلك. لنا أحاديث، منها: 373 - ما روى الدارَقُطني: ثنا علي بن إبراهيم المُستَملي ثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة ثنا بُندَار ثنا عبد الوهَاب بن عبد المجيد ثنا المهاجر بن مخلد عن عبد الرَحمن بن أبي بكرة عن أبيه عن النَّبيٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه رخَّص للمسافر ثلاثة أيَّام ولياليهن، وللمقيم يومَا وليلةَ، إذا تطهَّر فلبس خُفَّيه أن يمسح عليهما (1). ووجه الحجَّة: أنَّ الفاء للتعقيب، فعقَّب طهارة الرِّجلين باللبس. ز: وروى هذا الحديث: أبو بكر الأثرم في "سننه" (2) والطَّبراني. وقال الخطَابي: هو صحيح الإسناد (3). وروى بعضهم: ولبس خفَّيه (بالواو). وقد تكلَّم بعضهم في مهاجر بن مخلد، قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: لينُ الحديث، ليس بذاك، وليس بالمتقن (4)، شيخٌ يكتب حديثه. وقال إسحاق بن منصور عن ابن معين: صالحٌ (5) O. 374 - حديث آخر: قال أحمد: ثنا عَبدة بن سليمان ثنا مُجالد عن
الشَعبيَّ عن المغيرة بن شعبة قال: وضأتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفرٍ، فغسل وجهه وذراعيه، ومسح برأسه، ومسح على خُفيه، فقلت: يا رسول الله، ألا أنزع خُفَيك؟ قال: " لا، إني أدخلتهما وهما طاهرتان " (1). وقد روى هذا المعنى عنه: أبو هريرة وصفوان بن عَسَّال. ز: مُجالد: تكلَم فيه غير واحدٍ، وأصل حديث المغيرة في " الصحيح " من رواية الشَعبيَّ عن عروة بن المغيرة عنه (2). 375 - وقد روى أبو يعلى الموصليُ: ثنا إسحاق بن أبي إسرائيل ثنا أبو أسامة حدَثني أبو روق [] (3) عطيَّة بن الحارث الهمدانيُ حدَثني أبو الغريف عن صفوان بن عَسَال قال: بعثنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سريَّةً، وقال: " سيروا بسم الله، قاتلوا أعداء الله، لا تغلُوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليداً، وليمسح أحدكم إذا كان مسافراً- إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان- ثلاثة أيّام ولياليها، وإن كان مقيماً فيومٌ وليلةٌ " (4). رواه الإمام أحمد بنحوه (5).
ورواه النَسائي عن هارون بن عبد الله (1). ورواه ابن ماجه عن الحسن بن علي [] (2) الخلاَّل (3). كلاهما عن أبي أسامة، سوى ما في آخره من ذكر المسح. وأبو الغريف: اسمه: عبيد الله بن خليفة، قال ابن أبي حاتم: سئل أبي عنه فقال: كان على شرطة عليَّ بن أبي طالبٍ، ليس بالمشهور. قلت: هو أحبُّ إليك أو الحارث الأعور؟ قال: الحارث أشهر، وهذا قد تكلَّموا فيه، وهو شيخٌ، من نظراء أصبغ بن نُبَاته (4). وقد ذكر البخاري أبا الغريف فلم يذكر فيه شيئاً (5). ورواية النَسائيَّ من طريقه ممَا يقويَّ أمره، ولم يبيَّن أبو حاتم من تكلَم فيه، ولا بيَّن الجرح ما هو؟ 376 - وعن أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضَّأ ومسح على خفيه، فقلت: يا رسول الله، رجليك لم تغسلهما! قال: " إني أدخلتهما وهما طاهرتان ". رواه الإمام أحمد بإسنادٍ ضعيفِ (6) O. *****
مسألة (57): يمسح ظاهر الخف دون باطنه.
مسألة (57): يمسح ظاهر الخفِّ دون باطنه. وقال مالك والشَّافعيُّ: يمسح الظَاهر والباطن. لنا ثلاثة أحاديث: الأوَّل: حديث عمر: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمر بالمسح على ظهر الخفِّ. وقد سبق بإسناده (1). 377 - والثَّاني: رواه الدَارَقُطْنِيُّ: ثنا محمَّد بن القاسم بن زكريا ثنا أبو كريب ثنا حفص بن غياث عن الأعمش عن أبي إسحاق عن عبد خير قال: قال عليٌّ (2) عليه السَّلام (3): لو كان الدَّين بالرأي، لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، لقد رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح على ظاهر خُفَّيه (4). ز: ورواه الإمام أحمد (5) وأبو داود (6). وقال الحافظ عبد الغني المقدسيُّ: إسناده صحيحٌ، ورجاله ثقاثٌ كلُّهم. وقد روى أبو السَّوداء- شيخٌ لابن عيينة- عن عبد خيرٍ عن أبيه عن عليٍّ نحوه O. 378 - الحديث الثالث: قال الإمام أحمد: ثنا إبراهيم بن أبي العبَّاس
ثنا عبد الرحمن بن أبي الزّناد عن أبي الزناد عن عروة قال: قال المغيرة بن شعبة: رأيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح على طهور الخفَين (1). ز: ورواه التِّرمذي، ولفظه: رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح على الخفَّين، على ظاهرهما. وقال: حديثٌ حسنٌ، ولا نعلم أحداً يذكر عن عروة عن المغيرة: على ظاهرهما. غير عبد الرحمن (2). قال الفلاَّس: كان عبد الرَحمن بن مهدي لا يحدِّث عن عبد الرَحمن بن أبي الزِّناد (3). وقال أحمد: عبد الرحمن مضطرب الحديث (4). وقال ابن معينِ: لا يحتج بحديثه (5). ووثَّقه مالكٌ (6)، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتجُ به (7). وقال النَسائيُّ: ضعيفٌ (8) O.
احتجوا: 379 - بما روى أحمد: ثنا الوليد بن مسلم أخبرني ثور بن يزيد عن رجاء بن حَيوة عن كاتب المغيرة عن المغيرة بن شعبة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح أعلى الخفّ وأسفله (1). قال التّرمذي: هذا حديث معلولٌ، لم يسنده عن ثور غير الوليد. وسألتُ أبا زُرْعة ومحمداً عن هذا الحديث فقالا: ليس بصحيحِ (2). قال المؤلّف: قلت: كان الوليد يروي عن الأوزاعيٌ أحاديث هي عند الأوزاعيٌ عن شيوخِ ضعفاء، عن شيوخِ قد أدركهم الأوزاعي- مثل: نافع والزهريٌ -، فيسقط أسماء الرواة الضعفاء، ويجعلها عن والأوزاعيّ عنهم. ز: الوليد بن مسلم: إمامٌ، صدوقٌ، مشهورٌ، لكنه يدلّس عن الضعفاء، فإذا قال: (ثنا الأوزاعي- أو غيره- أو أنا) فهو حجَّةٌ. وليس علةُ الحديث ما ذكره المؤلف، ولم يرو الوليد هذا الحديث عن الأوزاعيٌ، ولكن علَّةُ الحديث ما ذكره التّرمذي من رواية ابن المبارك عن ثور عن رجاء قال: حدِّثت عن كاتب المغيرة- مرسلٌ- عن النبيٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لم يذكر فيه المغيرة (3). وقال أبو داود: بلغني أنه لم يسمع ثور هذا الحديث من رجاء (4).
مسألة (58): يمسح أكثر أعلى الخف.
وقال الإمام أحمد: لم يسمعه ثور من رجاء، وليس فيه المغيرة (1). وقال أبو حاتم الرَازي: ليس بمحفوظِ، وسائر الأحاديث عن المغيرة أصح (2). وقال الدارَقُطني: لا يثبت، لأن ابن المبارك رواه عن ثور مرسلاً (3). والله أعلم O. ***** مسألة (58): يمسح أكثر أعلى الخفِّ. وقال أبو حنيفة: مقدار ثلاث أصابع. وقال الشَافعي: مقدار ما يقع عليه اسم المسح. 380 - قال ابن ماجه: ثنا محمَّد بن المُصَفَّى ثنا بقية عن جرير بن يزيد حدثنى منذر حدَّثني محمَّد بن المنكدر عن جابر قال: مرَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برجلِ يتوضأ ويغسل خُفَّيه، فقال بيده، كأنَّه دفعه: " إنَّما أمرت بالمسح هكذا: أطراف الأصابع إلى أصل الأصابع، إلى أصل السَّاق " وخطط بالأصابع (4). وهذا يقتضي بجميع أصابعه.
مسألة (59): يجوز المسح على الجوربين الصفيقين، خلافا لهم.
ز: جرير- هذا-: ليس بمشهورٍ، ولم يرو عنه غير بقيَّة. ومنذر: كأنَّه ابن زياد الطَائيّ، وقد كذَّبه الفلاَّس (1)، وقال الدَارَقُطني: متروكٌ (2). ولم يخرِّج ابن ماجه لجرير ومنذر غير هذا الحديث، والله أعلم O. 380 - وروى سعيد بن منصور ثنا هُشيم ثنا ابن أبي ليلى عن أخيه عيسى بن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن أبيه قال: رأيتُ عمر بن الخطَّاب بال فتوضَّأَ، ثمَّ مسح على خفَّيه، حتى إنِّي أنظر إلى آثار أصابعه. 381 - قال سعيدٌ: وثنا فُضيل بن عياض عن هشام بن حسَّان عن الحسن قال: المسح على الخفين خطوطٌ بالأصابع (3). ***** مسألة (59): يجوز المسح على الجوربين الصَّفيقين، خلافاً لهم. لنا حدثان: 381/أ- الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا وكيع ثنا سفيان عن أبي قيس عن هُزَيل بن شُرَحبيل عن المغيرة بن شُعبة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأَ، ومسح على
الجوربين والنَّعلين (1). قال الترمذيَّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (2). فإن قالوا: قد روي عن أحمد أنَه قال: أحاديث أبي قيس ليست حجَةَ (3). قلنا: قد قال في رواية: ليس بأبي قيس بأسٌ (4). ثم قد صحَّحه الترمذيَّ. ز: وروى هذا الحديث: أبو داود (5) وابن ماجه (6). قال أبو داود: وكان عبد الرحمن بن مهديّ لا يحدِّث بهذا الحديث، لأنَ المعروف عن المغيرة أنَ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح على الخفين. وذكر البيهقيُّ حديث المغيرة هذا، وقال: وذاك حديث منكرٌ، ضعَّفه: سفيان الثَوريَّ وعبد الرحمن بن مهديّ وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وعليُ بن المدينيِّ ومسلم بن الحجَاج، والمعروف عن المغيرة حديث المسح على الخفين، ويروى عن جماعة أنهم فعلوه (7). وأبو قيس: اسمه: عبد الرحمن بن ثروان الأَوْدِيَّ، وهو من رجال
" الصحيح " (1)، ووثَّقه يحيى بن معين (2)، وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: يخالف في حديثه (3). وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألتُ أبي عن أبي قيسٍ الأَوْدِي، فقال: ليس بقوي، قليل الحديث، ليس بحافظٍ. قيل له: كيف حديثه؟ قال: صالحٌ، هو ليِّنُ الحديث (4) O. 382 - الحديث الثاني: قال ابن ماجه: ثنا محمَّد بن يحيى (5) ثنا مُعَلى بن منصور وبشر بن آدم قالا: ثنا عيسى بن يونس عن عيسى بن سِنان عن الضَحَاك بن عَرْزَب عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضَّأَ، ومسح على الجوربين والنَّعلين (6). قال يحيى بن معين: عيسى بن سِنان ضعيفٌ (7). ز: الضَحَاك هو: ابن عبد الرحمن بن عَرْزَب- ويقال: ابن عَرزَم-، أبو عبد الرحمن الشَاميُ، وثقه أحمد بن عبد الله العِجْلِيُ (8) وأبو حاتم بن حِبَان (9).
وعيسى: ضعَّفه أحمد أيضاً (1)، وقال أبو حاتم: ليس بقوي في الحديث (2). وقال البيهقيُ: الضَحَّاك بن عبد الرحمن لم يثبت سماعه من أبي موسى، وعيسى بن سِنان ضعيف لا يحتجُ به (3) O. قال المؤلف: وقد كان يمسح على الجوربين: عمر وعليٌ وابن عبَّاسِ والبراء وأبو أمامة وأنس وعقبة بن عامر. ز: وقال أحمد بن حنبل: يذكر المسح على الجوربين عن سبعة أو ثمانية من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (4). وقال أبو داود: ومسح على الجوربين: عليُّ بن أبي طالب وابن (5)
مسعودِ والبراء بن عازبِ وأنس بن مالكِ وأبو أمامة وسهل بن سعدِ وعمرو بن حُرَيث؛ وروي ذلك عن: عمر بن الخطَّاب وابن عبَّاسِ رضي الله عنهما. وقال ابن المنذر: ويروى إباحة المسح على الجوربين عن تسعةِ من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... وذكر منهم: ابن عمر وابن أبي أوفى (1). ورواه سعيد بن منصور عن أبي مسعودِ البدري. 383 - وقال سعيد: ثنا إسماعيل بن عيَّاش عن عبيد الله بن عبيد الكَلاعيَّ عن مكحول عن الحارث بن معاوية الكندي وأبي جندل بن سهيل قالا: سألنا بلالاً مؤذن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ونحن على مطهرة الدَرج بدمشق، ونحن نتوضَّأ فيها- عن المسح على الخفين، فقال: سمعتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " امسحوا على النَّصيف والمُؤق " (2). 384 - وقال الحسن بن محمَّد الزعفراني: ثنا عليٌ ثنا ابن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن الحارث بن معاوية وسُهيل بن أبي جندل أنَّهما سألا بلالاً عن المسح، فقال: سمعتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " امسحوا على الخفين والمؤُق " (3). قال الدَارَقُطني: وأبو جندل بن سهيل أشبه بالصَّواب (4) O. *****
مسألة (60): إذا انقضت مده المسح، أو ظهر القدم، استأنف
مسألة (60): إذا انقضت مدَه المسح، أو ظهر القدم، استأنف الوضوء. وعنه: أنه يجزئه غسل رجليه، كقول أبي حنيفة ومالك. وعن الشافعي كالروايتين. لنا: الأحاديث المتقدمة في التَوقيت. ز: هذا الخلاف مبنيٌ على أنَ المسح هل يرفع الحدث عن الرِّجل؟ فإن قلنا: لا يرتفع عنها، فقد ارتفع عن الوجه واليدين والرأس، وبقي الرِّجلان، فيكفيه غسلهما. وإن قلنا: يرتفع، فبالخلع عاد، والحدث لا يتبعض، فيجب استئّناف الوضوء. وقيل: منشأ الخلاف: جوز التفريق، فإن جاز أجزأه غسل قدميه، ومسح رأسه في خلع العمامة؛ وإلا أعاد الوضوء لفوات شرطه، وهو: الموالاة. وقال بعضهم: والصحيح الأوَل، لأن الخلاف واقعٌ في المسألتين مطلقاً، سواء كان عقب الوضوء، أو بعد مضي زمان يحصل به التفريق O. *****
مسألة (61): إذا كان في (1) أعضائه جبيرة لزمه المسح عليها.
مسألة (61): إذا كان في (1) أعضائه جَبيرة لزمه المسح عليها. وقال أبو حنيفة: لا يلزمه. لنا: حديث جابر: " إنَّما كان يكفيه أن يعصب جرحه، ويمسح عليه ". وسيأتي بإسناده في مسائل التيمم- إن شاء الله تعالى- (2). وقد استدلَ أصحابنا بأحاديث فيها مقالٌ: 385 - قال الدَارَقُطنيُ: ثنا أبو بكر الشَافعيُ ثنا أبو عمارة محمَّد بن أحمد ابن المهدي ثنا عبدوس بن مالك العطَار ثنا شَبابة ثنا وَرقَاء عن ابن أبي نَجيح عن مجاهدِ عن ابن عمر أن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يمسح على الجبائر. قال الدَارَقُطنيُ: لا يصحُ مرفوعاً، وأبو عمارة ضعيف جدا (3). 386 - قال: وثنا دَعْلَج ثنا محمَّد بن علي بن زيدِ ثنا أبو الوليد وهو: خالد بن يزيد المكيُ ثنا إسحاق بن عبد الله بن محمَّد بن علي بن الحسين ثنا الحسن بن زيد عن أبيه عن علي قال: سألتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الجبائر تكون على الكسر، كيف يتوضأ صاحبُها؟ وكيف يغتسل؟ قال: " يمسح بالماء عليها ". قال الدَارَقُطْنِيُ: خالد بن يزيد ضعيفٌ (4). وقال أبو حاتم الرازيَّ (5)
ويحيى بن معينِ (1): كذَابٌ. ز: الحسن بن زيد (2) - هذا-، هو: ابن عليَّ بن الحسين بن عليِّ بن [أبي] (3) طالب. وأبوه زيد بن علي هو: أخو محمَّد بن علي الباقر، ولم يدرك جدَه علياً O. 387 - قال الدَارَقُطْنيُ: وثنا محمَّد بن إسماعيل الفارسيُ ثنا إسحاق بن إبراهيم ثنا عبد الرزَاق عن إسرائيل عن عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن أبيه عن جدِّه عن علي (4) قال: انكسر أحد زنديَّ، فسألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمرني أن أمسح على الجبائر. قال الدَارَقُطْنِيُ: عمرو بن خالد هو: أبو خالد الواسطيُ، متروكٌ (5). قلت: وقد كذَّبه أحمد ويحيى، وسبق القدح فيه (6). ز: حديث عليٍّ: رواه ابن ماجه (7). وقال أبو حاتم: هو حديث باطلٌ، لا أصل له، وعمرو بن خالد متروك الحديث (8).
وقال البيهقيُّ: وقد تابع عمرو بن خالد: عمر بن موسى بن وجيه، فرواه عن زيد بن علي مثله. وعمر بن موسى متروك، منسوبٌ إلى الوضع، ونعوذ بالله من الخذلان. وروي بإسنادٍ آخر مجهول عن زيد بن علي، وليس بشيءٍ. ورواه أبو الوليد خالد بن يزيد المكيُّ بإسنادِ آخر عن زيد بن عليٍّ عن عليٍّ مرسلاً. وأبو الوليد ضعيفٌ، ولا يثبت عن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الباب شيءٌ (1) O. *****
مسائل الغسل
مسائل الغسل مسألة (62): يجب الغسل بالتقاء الختانين، خلافاً لداود. لنا حديثان: 388 - الحديث الأوَل: قال البخاريُّ: ثنا أبو نعيم عن هشام عن قتادة عن الحسن عن أبي رافع عن أبي هريرة عن النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا جلس بين شُعبها الأربع، ثم جَهَدها، وَجَب الغسل " (1). وأخرجه مسلمٌ (2). ز: ورواه من رواية مَطَر عن الحسن، وزاد: " وإن لم يُنزل " O. 389 - الحديث الثَاني: قال أحمد: ثنا إسماعيل أنا عليُّ بن زيدٍ عن سعيد بن المسيَّب عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا قعد بين الشعَب الأربع، ثم ألزق الخِتَان بالخِتان، فقد وجب الغسل " (3). انفرد بإخراجه مسلم (4).
ز: لفظ مسلم: " إذا جلس بين شعبها الأربع، ومسَّ الخِتَان الخِتَان، فقد وَجَب الغسل ". ولم يروه من حديث عليَّ بن زيد. 390 - وروى أبو داود عن أبي هريرة عن النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا قعد بين شُعَبها الأربع، وألزق الخِتَان بالخِتَان، فقد وجب الغسل " (1) O. 391 - طريقٌ آخر: قال أحمد: وثنا الوليد بن مسلم ثنا الأوزاعيُ ثنا عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت: إذا جاوز الخِتَان الخِتَان فقد وَجَب الغسل، فعلتُه أنا ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاغتسلنا (2). قال الترمذيَّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (3). ز: رواه الترمذيَّ عن ابن مثنَى عن الوليد. ورواه النَسائيُ عن عبيد الله بن سعيد عن الوليد (4). ورواه ابن ماجه عن عليَّ بن محمَّد الطنَافِسي ودُحيم عن الوليد (5). وقال الترمذيَّ في "العلل": قال البخاريَّ: هذا الحديث خطأ، إنَّما يرويه الأوزاعيُ عن عبد الرحمن بن القاسم مرسلاً. وقال: قال أبو الزناد: سألتُ القاسم بن محمَّد: سمعتَ في هذا الباب
شيئاً؟ قال: لا (1). وقد روى هذا الحديث الدَارَقُطْنيُ من رواية العبَاس بن الوليد بن مَزْيَد عن أبيه عن الأوزاعي. وقال: رفعه الوليد بن مسلم والوليد بن مَزْيَد. وذكر أنَ بشر بن بكر وجماعة رووه موقوفاً (2). وقد صحَّح هذا الحديث ابن القطَان، ولم يلتفت إلى ما قيل فيه (3). 392 - وعن جابر عن أم كلثوم بنت أبي بكر عن عائشة أنَ رجلاً سأل النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الرجل يجامع أهله، ثم يُكْسِل- وعائشة جالسةٌ-، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إني لأفعل ذلك أنا وهذه، ثم نغتسل ". رواه مسلمٌ (4)، وهذا من رواية الصحابة عن التابعين، لأنَ جابر بن عبد الله صحابيٌ، وأمُ كلثوم بنت أبي بكر من التابعين، ولدت بعد موت أبيها. 393 - وعن أبيِّ بن كعبِ أنَ الفتيا التي كانوا يقولون: (الماء من الماء) رخصة كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رخَّص بها في أول الإسلام، ثم أمر بالاغتسال بعدها. رواه الإمام أحمد- وهذا لفظه (5) - وأبو داود (6) وابن ماجه (7) والترمذيَّ وقال: حديث حسنٌ صحيحٌ (8).
مسألة (63): إذا أسلم الكافر فعليه الغسل.
394 - وعن رافع بن خَديجٍ قال: ناداني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا على بطن امرأتي، فقمت ولم أُنزل، فاغتسلت، وخرجت فأخبرته، فقال: " لا عليك، الماء من الماء ". قال رافع: ثمَّ أمرنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد ذلك بالغسل. رواه الإمام أحمد من رواية رِشدين بن سعد، وفيه: (عن بعض ولد رافع عن رافع) لم يسمِّه (1). 395 - وعن الزهري قال: سألتُ عروة عن الذي يجامع أهله ولا يُنْزِل، فقال: نُولِّ (2) النَّاس أن يأخذوا بالآخر من أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حدَّثتني عائشة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يفعل ذلك ولا يغتسل، وذلك قبل فتح مكَّة، ثُمَّ اغتسل بعد ذلك، وأمر النَّاس بالغسل. رواه أبو حاتم البُستي (3) والدَّارَقُطني (4) O. ***** مسألة (63): إذا أسلم الكافر فعليه الغسل. وقال أبو حنيفة والشَّافعي: يستحب له. لنا حديثان: 396 - الحديث الأوَل: قال أحمد: ثنا عبد الرَّحمن ثنا سفيان عن الأغر عن خليفة بن حُصَين بن قيس عن جده قيس بن عاصم أنَّه أسلم، فأمره النَبيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يغتسل بماءَ وسِدرٍ (1). ز: رواه أبو داود (2) والنَّسائي (3) والتِّرمذي 4 وقال: حديثٌ حسنٌ (4). وخليفة بن حُصَين: وثَقه النَّسائي (5) وابن حِبَّان (6)، وروى عنه الأغر ابن الصَبَاح فقط، وقال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين: الأغر بن الصَبَّاح عن خليفة بن حُصَين: ثقةٌ (7). وقال أبو حاتم: صالحٌ (8). وقال النَّسائي: ثقةٌ (9) O. 397 - الحديث الثَاني: قال أحمد: ثنا عبد الرَحمن ثنا عبد الله بن عمر عن سعيد بن أبي سعيد المقَبرُيٌ عن أبي هريرة أنَّ ثُمامة أسلم، فقال النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اذهبوا به إلى حائط بني فلان، فمروه أن يغتسل " (10). ز: عبد الله بن عمر العُمَريُّ: تُكلم فيه. ورواه البيهقي من رواية عبد الرَّزَّاق (11) عن عبيد الله وعبد الله ابني عمر عن سعيد المقبُري عن أبي هريرة، وفيه: وأمره أن يغتسل فاغتسل (12).
وقال الطَّبرانيُّ: هذا الحديث عند سفيان عن عبد الله وعبيد الله. وقال الخطيب: ورواه عبد الله الأشجعي عن سفيان الثوريِّ عن عبيد الله بن عمر. ورواه عبد الرزَّاق بن همَام عن عبيد الله وعبد الله ابني عمر جميعاً عن سعيد المقَبِرُيِّ. وفي "الصَّحيحين" أنه اغتسل، وليس فيه أمر النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له بذلك (1). 398 - وقال أبو يعلى الموصلي في "مسنده": حدثنا بشر بن سَيحَان ثنا عمرو بن محمَّد الرََّزِيني- قال: وما رأيت مثله بعيني قط- ثنا سفيان الثَوريُ عن رجلِ عن سعيد بن أبي سعيدِ المقبرُي عن أبي هريرة قال: لمََّا أسلم ثُمامة أمره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يغتسل، ويصلِّي ركعتين (2). وقد ذهب بعض العلماء إلى أن الغسل واجبٌ إن أصابته جنابة في الكفر. ومن لم يوجب الغسل مطلقاً حمل الأمر الوارد فيه على الاستحباب، لأنَّ استقراء أحوال المسلمين في عهده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقتضي عدم وجوب الغسل مطلقاً، فإنَّهم كانوا يدخلون في الدِّين أفواجاً- ولهم الأولاد والزَّوجات- ولا يؤمرون بالغسل، مع استحالة كونهم لم تصبهم جنابة O. *****
مسألة (64): لا يجب إمرار اليد في غسل الجنابة.
مسألة (64): لا يجب إمرار اليد في غسل الجنابة. وقال مالكٌ: يجب. لنا ثلاثة أحاديث: 399 - الحديث الأول: قال أحمد: ثنا حُجَين بن المثنَى ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن سليمان بن صُرَد عن جُبير بن مُطْعِم قال: تذاكرنا غسل الجنابة عند النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أمَّا أنا فآخذ ملء كفي من الماء، فأصبُّ على رأسي، ثم أفيض بعد على سائر جسدي " (1). أخرجاه في "الصحيحين" (2). 400 - الحديث الثاني: قال أحمد: وثنا وكيعٌ ثنا الأعمش عن سالم عن كريب ثنا ابن عبَّاس عن خالته ميمونة قالت: وضعت للنَبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غسلاً، فاغتسل من الجنابة، فأكفأ الإناء بشماله على يمينه، فغسل كفيه ثلاثا، ثم أفاض على فرجه، ثم تمضمض واستنشق، وغسل وجهه ثلاثا، وذراعيه ثلاثا، ثم أفاض على رأسه ثلاثا، ثم أفاض على سائر جسده الماء، ثم تنحَى فغسل رجليه (3). أخرجاه في "الصحيحين" (4).
401 - الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطني: ثنا البغويُّ ثنا عبيد الله بن عمر القواريري ثنا سفيان عن أيُّوب بن موسى عن سعيد بن أبي سعيد المقَبُريٌ عن عبد الله بن رافعِ عن أمِّ سلمة قالت: كنتُ امرأة أشدُّ ظفر رأسي، فسألَت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " إنَّما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات- أو: ثلاث حفناتِ- ثم تُفرغي عليك، فإذا أنت قد طَهُرت " (1). ز: رواه مسلمٌ (2) وأصحاب " السنن الأربعة " (3). ورواه رَوح بن القاسم والثَوريُّ عن أيُّوب بن موسى O. احتجوا بثلاثة أحاديث: 402 - الحديث الأوَّل: قال سعيد بن منصور: ثنا عبد العزيز (4) بن محمَّد أخبرني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا أراد أن يغتسل من الجنابة: غسل يديه، ومضمض، وتوضَّأ، ويدلك بأصابعه أصول شعره، فإذا خيِّل إليه أنَّه قد استبرأ البشرة أفاض على جلده من الماء. 403 - الحديث الثَاني: قال التِّرمذىُّ: ثنا نصر بن علي ثنا الحارث بن وجيهٍ ثنا مالك بن دينار عن محمَّد بن سيرين عن أبي هريرة عن النَّبيٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " تحت كل شعرةٍ جنابة، فاغسلوا الشَّعر وأنقُوا البشرة " (5).
تفرَد به الحارث بن وجيهٍ عن مالكِ مرفوعاً، وإنَما يروى هذا عن أبي هريرة من قوله. قال يحيى بن معينِ: الحارث بن وجيهِ ليس بشيءٍ (1). قال ابن حِبَان: ينفرد بالمناكير عن المشاهير (2). ز: وروى هذا الحديث: ابن ماجه (3) وأبو داود وقال: الحارث بن وجيه حديثه منكرٌ، وهو ضعيف (4). وقال الترمذيَّ: حديث الحارث بن وجيهِ حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديثه، وهو شيخ ليس بذاك، وقد روى عنه غير واحدٍ من الأئمة، وقد تفرَد بهذا الحديث عن مالك بن دينار. [وذكر الدَارَقُطْنيُ أنه غريبٌ من حديث محمَّد بن سيرين عن أبي هريرة، تفرد به مالك بن دينار،] (5) وعنه الحارث بن وجيهِ (6). وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت أبي عن حديثِ رواه الحارث بن وجيهِ عن مالك بن دينارِ عن محمَّد بن سيرين عن أبي هريرة مرفوعاَ: " تحت كل شعرةٍ جنابة، فاغسلوا الشَّعر، وأنقوا البشر ".
قال أبي: هذا حديث منكرٌ، والحارث ضعيف الحديث (1). وروى ابن عَدِي للحارث بن وجيهِ هذا الحديث وحديثاً آخر، وقال: لم يحدِّث بهما عن مالك بن دينار غيره (2). وقد ضعَّف هذا الحديث أيضاً: الشَّافعي (3) ويحيى بن معيِن (4) والبخاريُّ (5). ويروى عن الحسن مرسلاً. ويروى موقوفاً على أبي هريرة، كما تقدَّم O. 404 - الحديث الثالث: قال أحمد: ثنا حسن بن موسى ثنا حمَّاد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن زاذان عن علي قال: سمعتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من ترك موضع شعرةٍ من جنابةٍ لم يصبها الماء فعل [الله] (6) به كذا وكذا من النار ". قال عليٌّ: فمن ثَمَّ عاديت رأسي (7). والجواب: أنَّ هذه الأحاديث محمولةٌ على من يمنع شعرُه الماءَ أن يصل إلى جلده.
مسألة (65): يجب إيصال الماء في غسل الجنابة إلى باطن اللحية.
ز: وروى حديث علي من رواية عطاء بن السَائب أيضاً: ابنُ ماجه (1) وأبو داود، ولفظه: فمن ثمَّ عاديت رأسي- ثلاثاً-. وكان يجزُّ شعره - رضي الله عنه- (2). وذكر الدَارَقُطْنيُ في "العلل" أنَه روي موقوفا، ثم قال: وعطاء تغيَّر حفظه (3) O. ***** مسألة (65): يجب إيصال الماء في غسل الجنابة إلى باطن اللحية. وعن مالك رواية: لا يجب. لنا: الأحاديث التي تقدَّمت (4). 405 - وقال أحمد: ثنا إسماعيل ثنا أيُّوب عن أبي قِلابة عن رجلِ من بني عامر عن أبي ذر عن النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَه قال: " إن الصعيد الطيب طهورٌ، ما لم تجد الماء، ولو إلى عشر حججِ، فإذا وجدت الماء فأمسس بشرتك " (5). احتجُّوا:
مسألة (66): غسل الجمعة سنة.
بقوله عليه السَلام: " أمَا أنا فأحثي على رأسي ثلاث حثياتٍِ ". وقد تقدَّم بإسناده (1). ***** مسألة (66): غسل الجمعة سنَةٌ. وحكي عن مالك وداود: أنَه واجبٌ (2). احتجُّوا: 406 - بما روى أحمد: ثنا أبو سلمة الخزاعيُ أنا مالك عن صفوان بن سُلَيم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيدِ الخدري أنَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " غسل يوم الجمعة واجبٌ على كلَّ محتلمٍ " (3). أخرجاه في "الصحيحين" (4). 407 - قال أحمد: وثنا معتمر عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر
قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا جاء أحدكم يوم (1) الجمعة فليغتسل " (2). ز: أخرجاه في "الصَّحيحين" (3) O. والجواب: أنَ النَاس انقسموا في هذه الأحاديث فريقين: فمنهم من قال: معنى واجب: لازمٌ في باب الاستحباب، كما يقال: حقُّك عليَّ واجبٌ. وهذا اختيار أبي سليمان الخطَّابيِّ (4)، يدلُّ عليه أنَه قرنه بما لا يجب: 408 - فروى أحمد: ثنا الحسن بن سَوَّار ثنا ليث عن خالد بن يزيد (5) عن سعيد عن أبي بكر بن المنكدر أن عمرو بن سُلَيم أخبره عن عبد الرَحمن بن أبي سعيد عن أبيه عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَه قال: " إنَّ الغسل يوم الجمعة على كل محتلمٍ، والسِّواك، وأن تمسَّ من الطَّيب ما تقدر عليه " (6). ز: أخرجه مسلمٌ (7) O. 409 - قال أحمد: وثنا وكيع ثنا سفيان عن يحيى بن سعيدِ عن عَمرة عن عائشة قالت: كان الناسُ عمَّالَ أنفسِهم، فكانوا يَرُوحون كهيئتهم، فقيل
لهم: لو اغتسلتم (1). أخرجاه في " الصَحيحين " (2) ويؤكد هذا: أنَّ الصَّحابة لم ينكروا على من ترك الغسل: 410 - فروى البخاريُّ: ثنا عبد الله بن محمد بن أسماء أنا جويرية عن مالكٍ عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر أنَّ عمر بن الخطَاب بينا هو قائم في الخطبة يوم الجمعة، إذ دخل رجلٌ من المهاجرين [الأوَّلين] (3)، فناده عمر: أيَّهُ ساعةٍ هذه؟! قال: إني شغلت فلم أنقلب إلى أهلي حتَّى سمعتُ التأذين، فلم أزد على أن توضَّأتُ، فقال: والوضوء أيضاً؟! وقد علمتَ أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يأمر بالغسل (4). وأخرجه مسلم (5). والرجل: عثمان، ولم ينكر عليه ترك الغسل بمحضرٍ من الصَّحابة، فهذا كلُه يدلُّ على أنَّه إنَّما أمر بالغسل أمر استحبابٍ. وقد ذهب قومٌ بلى وجوبه للفظ حديث أبي سعيد، وادعوا أنَّه نُسخ: 411 - بما روى أحمد: ثنا عبد الصَّمد ثنا همام عن قتادة عن الحسن عن سَمُرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من توضَّأَ فبها ونِعْمَت، ومن اغتسل فذاك أفضل " (6).
وفي هذه الدعوى بعدٌ، لأَنه لا تاريخ معنا، وأحاديث الوجوب أصحُ، والوجه ما ذكرناه من أنه مستحبٌ ومندوبٌ. ز: وقد روى حديث الحسن عن سَمُرة: أبو داود (1) والنسائيُ (2) والترمذيَّ وقال: حديث حسن، وروى بعضهم عن قتادة عن الحسن عن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا الحديث، مرسلا (3). 412 - وقال الطبرانيُ: ثنا محمَّد بن عبد الرحمن (4) المروزيُّ ثنا عثمان بن يحيى القرسانيُ (5) ثنا مؤمَل بن إسماعيل ثنا حمَّاد بن سلمة عن ثابت البُنَاني عن أنس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من توضَّأَ فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل ". قال الطبرانيُ: لم يروه عن حمَّاد إلا مؤمل، تفرَّد به عثمان بن يحيى (6). مؤمَل بن إسماعيل: صدوق، وقد تكلَم فيه البخاريَّ (7). 413 - وعن يزيد الرَقَاشِي عن أنسِ عن النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من توضأَ يوم الجمعة فبها ونعْمَت، تجزئُ عنه الفريضة، ومن اغتسل فالغسل أفضل ". رواه ابن ماجه (8)، ويزيد الرقَاشِيُ: تكلم فيه غير واحدٍ من الأئمة.
ورواه البيهقي وغيره من رواية أَسِيد بن يزيد (1) الجمَّال- وهو ضعيفٌ - عن شَريك عن عوفِ عن أبي نَضرة عن أبي سعيدِ مرفوعاً (2). ورواه ابن عَدِي من رواية عبيد بن إسحاق- وهو ضعيفٌ - عن قيس بن الربيع عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر مرفوعاً أيضاً (3). 414 - وقال البيهقيُ: أنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو أحمد محمَّد بن محمَّد ابن إسحاق الصفَّار العدل ثنا أحمد بن نصر ثنا عمرو بن طلحة القَنَّاد ثنا أسباط ابن نصر عن السُّدِّيِّ عن عكرمة عن ابن عبَّاسِ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من توضَّأ فبها ونِعمَت، ويجزئ من الفريضة ومن اغتسل فالغسل أفضل ". قال البيهقي: وهذا الحديث بهذا اللفظ غريبٌ من هذا الوجه، وإنَّما يعرف من حديث الحسن وغيره (4). 415 - وقال أبو داود الطيالسيُ: ثنا أو حُرَّة عن الحسن عن عبد الرحمن بن سَمُرَة- قال: ولا أعلمه إلا عن النبي"صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-[أنَّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (5) قال: " من توضأ فبها ونعمَت، ومن اغتسل فالغسل أفضل " (6). رواه البيهقيُ، وقال: ورواه بكر بن بكَار عن أبي حُرَة بإسناده قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يشك (7) O.
مسائل التيمم
مسائل التيمم مسألة (67): لا يجوز التَّيمم بغير التُراب. وقال أبو حنيفة ومالك: يجوز. لنا: 416 - ما روى الدَارَقُطْنيُ: ثنا محمَّد بن عبد الله بن غيلان ثنا الحسن (1) بن الجنيد ثنا سعيد بن مسلمة ثنا أبو مالك الأشجعيُ عن رِبعي بن حِرَاش عن حذيفة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " جعلت لنا الأرض كلها مسجداً، وترابها طهوراً " (2). وقد ذكرناه في أوَل الكتاب، وبيَّنَّا أنَه قد أخرج في " الصحيح " (3). ز: حديث حذيفة هذا قد تقدَّم أن مسلماً رواه، لكن لفظه: " وجعلت
تربتها لنا طَهوراً " (1) O. 417 - وقال الإمام أحمد: ثنا عبد الرحمن بن مهديّ ثنا زُهير عن عبد الله بن محمد بن عَقيلٍ عن محمد بن عليّ أَنه سمع عليَ بن أبي طالبٍ يقول: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " جعل التُراب لي طهوراً " (2). ز: عبد الله بن محمَّد بن عَقيلِ: مختلف في الاحتجاج بحديثه (3) O. احتجُوا: 418 - بما روى سعيد بن منصور: ثنا عيسى بن يونس ثنا المثنَى بن الصَّبَاح عن عمرو بن شُعيبٍ عن ابن المسيَّب عن أبي هريرة: أن ناساً من أهل البادية أتوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالوا: إنَّا نكون بالرِّمال الأشهر- الثلاثة والأربعة-، ويكون فينا الجنب والنُفساء والحائض، ولسنا نجد الماء. فقال: " عليكمٍ بالأرض ". ثم ضرب بيده على الأرض لوجهه ضربةً واحدةً، ثم ضرب ضربة أخرى، فمسح بها على يديه إلى المرفقين (4). والجواب: أن هذا الحديث لا يصحُ، قال أحمد (5) والرَازيَّ (6): المثنى
مسألة (68): يجوز للمتيمم أن يقتصر على وجهه وكفيه.
ابن الصَّبَّاح لا يساوي شيئاً. وقال يحيى: ليس بشيءٍ (1). وقال النسائيُّ: متروك الحديث (2). ثمَّ لا حجَّة فيه، لأنه قال: " عليكم بالأرض "، والرَّمل والجصُّ والنُّورة في الأرض لا منها، فكأنَّه أمرهم بطلب التُّراب، وقد يكون بين الرَّمل، ويكشف هذا أنه قد رواه أحمد كما قلنا، فقال: 419 - ثنا عبد الرَّزَّاق ثنا المثنَى بن الصَّبَّاح أخبرني عمرو بن شُعيبٍ عن سعيد بن المسيَّب عن أبي هريرة قال: جاء أعرابي إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، إني أكون في الرَّمل أربعة أشهر أو خمسة أشهر، فيكون فينا النُّفساء والحائض والجنب، فما ترى؟ قال: " عليك بالتُراب " (3). ***** مسألة (68): يجوز للمتيمم أن يقتصر على وجهه وكفَّيه. وقال أبو حنيفة والشَّافعي: لا يجزئه (4) إلا مسح الوجه واليدين إل المرفقين. لنا: 420 - ما روى أحمد: ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن الحكم عن ذرٍّ
عن ابن عبد الرحمن بن أَبْزَى عن أبيه عن عمَّار قال: كنت في سريَة، فأجنبت، فتمعكت في التُراب، فلما أتيت النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ذكرت ذلك له، فقال: " إنما كان يكفيك " وضرب النَبيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيده إلى الأرض، ثم نفخ فيها، ومسح بها وجهه وكفيه (1). أخرجاه في "الصحيحين" (2). 421 - قال أحمد: وثنا عفَان ثنا أبان ثنا قتادة عن عَزْرَة (3) عن سعيد بن عبد الرحمن بن أَبزَى عن أبيه عن عمار أن نبيَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في التَيمم: " ضربة للوجه والكفَّين " (4). فإن قيل: فقد روى أبو داود من حديث عمار أَنه قال: إلى المرفقين (5). قلنا: تلك الطريق يقول فيها قتادة: حدَّثني محدَّث عن الشَعبيِّ عن ابن أَبزَى عن عَمار. ومثل هذا لا يقدم على روايتنا الصحيحة. فإن قيل: فقد روى عمَّار: إلى الآباط والمناكب. قلنا: نعم، رواه أحمد: 422 - ثنا يعقوب ثنا أبي عن صالح قال: قال ابن شهاب: حدَثني عبيد الله بن عبد الله عن ابن عبَّاس عن عمَّار بن ياسر أنَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عرَّس
بالات (1) الجيش، ومعه عائشة، فانقطع عقدٌ لها من جَزْع ظَفَار (2)، فحبس النَاس ابتغاء عقدها ذلك، حتَّى أضاء الفجر، وليس مع النَاس ماء، فأنزل الله عزَّ وجلَّ على رسوله رخصة التَّطهر بالصَعيد الطيب، فقام المسلمون فضربوا الأرض، ثم رفعوا أيديهم ولم يقبضوا من التراب شيئاً، فمسحوا بها وجوههم وأيديهم إلى المناكب، ومن بطون أيديهم إلى الآباط (3). قلت: ووجه هذا الحديث أنهم فعلوا هذا بآرائهم، فلمَّا عرَفهم الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حدَّ التيمم، انتهوا إلى قوله. ز: وروى هذا الحديث: أبو داود (4) والنسائيُ (5) بنحوه. 423 - وعن عبيد الله بن عبد الله بن عُتْبة عن عمَّار بن ياسر أنَّه كان يُحدث: أنهم تمسَحوا وهم مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالصَعيد لصلاة الفجر، فضربوا بأكفهم الصعيد، ثم مسحوا وجوههم مَسحةَ واحدةَ، ثم عادوا، فضربوا بأكفِّهم الصعيد مرةً أخرى، فمسحوا بأيديهم كلها إلى المناكب والآباط من بطون أيديهم. وفي روايةٍ: قام المسلمون فضربوا بأكفهم التراب، ولم يَقبِضوا من التراب. ولم يذكر المناكب والآباط.
قال ابن الليث: إلى ما فوق المرفقين. رواه الإمام أحمد (1) وأبو داود- وهذا لفظه (2) - وابن ماجه (3)، وهو منقطع، عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة لم يدرك عمار بن ياسر. وقد أخرجه النسائيُ (4) وابن ماجه (5) من حديث عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة عن أبيه عن عمار موصولاً مختصراً. قال إسحاق بن راهويه: حديث عمَّار في التيمُم للوجه والكفَين هو حديثٌ صحيحٌ، وحديث عمَّار: تيمَمنا مع النَبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المناكب والآباط، ليس هو بمخالفٍ لحديث: الوجه والكفَين، لأن عماراً لم يذكر أنَ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرهم بذلك، وإنَّما قال: فعلنا كذا وكذا ... فلما سأل النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمره بالوجه والكفَّين، والدليل على ذلك: ما أفتى به عمَّارٌ بعد النَبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في التيمُم، أَنه قال: الوجه والكفين. ففي هذا دلالة أنَّه انتهى إلى ما علَّمه النَبيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (6) O. احتجّوا بأحاديث: 425 - قال الدَارَقُطنيُ: ثنا أبو سعيد محمَّد بن عبد الله المروزيَّ ثنا محمَّد ابن خلفٍ ثنا أحمد بن حمدويه ثنا أبو معاذ (7) ثنا أبو عصمة عن موسى بن عقبة عن الأعرج (8) عن أبي جهيم قال: أقبل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بئر جمل: إمَا من
غائطِ، وإمَا من بولِ؛ فسلمت عليه، فلم يرد علي السلام، وضرب الحائط بيده ضربةَ، فمسح بها وجهه، ثمَّ ضرب أخرى، فمسح بها ذراعيه إلى المرفقين، ثمَّ ردَ عَلَي السَّلام. قال أبو معاذ: وثنا خارجة عن عبد الله بن عطاء عن موسى بن عقبة مثله (1). 426 - قال الدَارَقُطني: وثنا البغوي ثنا أبو الربيع الزهراني ثنا محمد بن ثابتِ العَبدي ثنا نافع عن ابن عمر أن رجلاً مرَّ برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسلم، فلم يردَ عليه حتَّى ضرب بيديه على الحائط، فمسح وجهه، ثمَّ ضرب ضربةً أخرى، فمسح ذراعيه، ثمَّ ردَ على الرَجل السلام (2). 427 - قال الدَارَقُطني: وثنا محمَّد بن إسماعيل ثنا عبد الله بن الحسين ابن جابر ثنا عبد الرََّحيم (3) بن مطرِّف ثنا علي بن ظَبيان عن [عبيد] (4) الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " التيمم ضربتان: ضربة للوجه، وضربةٌ لليدين إلى المرفقين " (5). 428 - قال الدَارَقُطني: وثنا محمد بن مخلد ثنا إبراهيم الحربي ثنا عثمان ابن محمد الأنماطي ثنا حَرَمِي بن عمارة عن [عزرة] (6) بن ثابت عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " التَّيمم ضربتان: ضربة للوجه (7)، وضربة
للذراعين إلى المرفقين " (1). 429 - قال الدَارَقُطْنيُ: وثنا الحسين بن إسماعيل ثنا بشر بن موسى ثنا يحيى بن إسحاق ثنا الربيع بن بدر عن أبيه عن جده عن الأسلع قال: أراني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كيف أمسح، فضرب بكفيه الأرض، ثم رفعهما لوجهه، ثم ضرب ضربةً أخرى، فمسح ذراعيه- باطنهما وظاهرهما-، حتَّى مسَّ بيده المرفقين (2). والجواب: أما حديث أبي جُهيم: فإنَ أبا عصمة وخارجة: متكلَمٌ فيهما، وقد روي من حديث كاتب الليث، وهو مطعونٌ فيه، وإنَما حديثه الذي في "الصحيح " (3): 430 - رواه البخاريَّ: ثنا يحيى بن بكيٍر ثنا الليث عن جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن الأعرج قال: سمعت عميراً- مول ابن عبَاسِ- قال: دخلنا على أبي جهيم فقال: أقبل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من نحو بئر جملِ، فلقيه رجلٌ، فسلَم عليه، فلم يردَّ عليه حتى أقبل على الجدار، فمسح بوجهه ويديه، ثم ردَّ عليه (4). ز: وأخرجه مسلمٌ تعليقاً، قال: وقال الليث بن سعدٍ .... فذكر إسناده، وعنده: أبو الجهم (5) O. وأمَّا حديث ابن عمر الأوَل: ففيه: محمَّد بن ثابتٍ العَبْدِيَّ، قال
يحيى: ليس بشيءٍ (1). وأمَّا حديثه الثَاني: فهكذا رواه علي بن ظَبيان مرفوعاً، قال ابن نمير: يخطئ في حديثه كله (2). وقال يحيى بن سعيدِ (3) وابن معيِن (4) وأبو داود (5): ليس بشيءٍ. وقال النَسائيُّ (6) وأبو حاتم الرازيَّ (7): متروك الحديث. وقال أبو زرعة: واهي الحديث جداً (8). وقال ابن حِبَان: سقط الاحتجاج بأخباره (9). قال الدَارَقُطْنِي: وقد وقفه يحيى القطَان وهُشيم وغيرهما، وهو الصَّواب (1). قال: رواه سليمان بن أبي داود الحرانيُّ عن سالمٍ ونافعِ عن ابن عمر عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسليمان: ضعيفٌ (11). وقال أبو حاتم الرَّازي: ضعيفٌ جداً (12). وقال ابن حِبَّان: يروي عن الأثبات ما يخالف حديث الثِّقات، حتَّى خرج عن حدِّ الاحتجاج به (13).
وقد رواه سليمان بن أرقم عن الزهريِّ عن سالم. وسليمان: ليس بشيءٍ بإجماعهم. وأمَّا حديث جابر: فقد تكلِّم في عثمان بن محمَّد. وأمَّا حديث الأسلع: ففي إسناده: الربيع بن بدرٍ، قال أبو حاتم الرازيَّ: لا يشتغل به (1). وقال النسائيُ (2) والدارَقُطنيُ (3): متروك الحديث. ثم نحن نقول بهذه الأحاديث، ونجيز هذا الفعل، فنجمع بين الأحاديث. ز: أبو عِصمة في حديث أبي جُهيم هو: نوح بن أبي مريم، وهو متروكٌ. وخارجة هو: ابن مصعب، وقد ضعَّفوه، وقال محمَّد بن سعدٍ: تركوه (4). والأعرج لم يسمع الحديث من أبي جُهيم، بل بينهم (5) عمير- مولى ابن عبَّاس- كما تقدم (6). وحديث محمَّد بن ثابتٍ العبديِّ: رواه أبو داود (7)، قال ابن معين في العبديِّ: هو ضعيفٌ (8). وفي روايةٍ: ليس بشيءٍ (9). وفي روايةٍ: ليس به
بأسٌ (1). وقال النسائيُ: ليس بالقوي (2). وقال أبو الوليد القاضي: هو متروكٌ. ووثَّقه بعضهم. وقد أنكر البخاريَّ على محمَّد بن ثابتِ رفع هذا الحديث، وقال: خالفه عبيد الله وأيُوب والناس، فقالوا: عن نافع عن ابن عمر، فِعلُه (3). قال البيهقيُ: ورفعه غير منكرٍ (4). وقال الخطَابي: وحديث ابن عمر لا يصحُ، لأنَ محمَّد بن ثابتِ العَبديَ ضعيف جداً، لا يحتجُ بحديثه (5). وقال إسحاق بن إبراهيم بن هانئ: عرضت على أبي عبد الله- يعني: أحمد بن حنبل- حديث محمَّد بن ثابتِ، فقال لي: هذا حديث منكرٌ، ليس هو مرفوعاً (6). وأما حديث عليَّ بن ظبيان: فرواه الحاكم، وقال: لا أعلم أحداً أسنده غير ابن ظَبيان، وهو صدوقٌ (7).
مسألة (69): التيمم لا يرفع الحدث.
وقال ابن حِبَّان في عبد الله بن الحسين بن جابرِ: يقلب الأخبار ويسرقها، لا يحتج بما انفرد به (1). وأمَّا حديث جابر: فلم يذكر المؤلف من تكلُّم في عثمان بن محمَّد، وقد روى عنه أبو داود (2) وأبو بكر بن أبي عاصم (3) وغيرهما، وذكره ابن أبي حاتم في كتابه، ولم يذكر فيه جرحاً (4). وقد روى الحديث: البيهقي (5) والدَارَقُطنِي وقال: كلُهم ثقات، والصُّواب موقوفٌ (6). ورواه الحاكم في "المستدرك" وقال: صحيحٌ (7) O. ***** مسألة (69): التَّيمم لا يرفع الحدث. وقال داود: يرفع. 4131 - قال الإمام أحمد: ثنا يحيى بن سعيدِ عن عوف حدَّثني أبو رجاء حدَثني عمران بن حُصَينِ قال: كنَّا في سفرٍ مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فصلى بالنُّاس،
فإذا هو برجلٍ معتزلٍ، فقال: " ما منعك أن تصلِّي؟ " قال: أصابتني جنابة ولا ماء! قال: " عليك بالصَّعيد ". واشتكى إليه النَاس العطش، فدعا عليَّاً وآخر، فقال: " ابغيانا الماء ". فذهبا فجاءا بامرأةٍ معها مزاداتان، فأفرغ من أفواه المزادتين، ونودي في الناس، فسقى من شاء واستسقى، وكان آخر ذلك أن أعطى الذي أصابته الجنابة إناءً من ماءٍ، وقال: " اذهب فأفرغه عليك " (1). أخرجاه في " الصَحيحين " (2). 432 - وقال الدارَقُطني: ثنا أبو بكر بن أبي داود ثنا محمَّد بن بشَّار ثنا وهب بن جريرِ ثنا أبي سمعت يحيى بن أيُّوب يحدِّث عن يزيد بن أبي حبيب عن عمران بن أبي أنس عن عبد الرَّحمن بن جبير عن عمرو بن العاص قال: احتلمت في ليلةٍ باردةٍ- وأنا في غزوة ذات السَّلاسل-، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيمَّمت، ثمَّ صليت بأصحابي الصُّبح، فذُكر ذلك لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " يا عمرو، صليت بأصحابك وأنت جنبٌ؟! " فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال، فقلت: إنِّي سمعت الله عز وجلَّ يقول: (ولا تقتلوا أنفسكم " [النساء: 29]. فضحك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يقل لي شيئاً (3). ز: ورواه: الإمام أحمد (4) وأبو داود (5). ورواه الحاكم من رواية عبد الرَّحمن بن جبيِرٍ عن أبي قيسٍ- مولى عمرو
ابن العاص- عن عمرو بن العاص، وقال: على شرطهما، وعندي أنَّهما علَّلاه بحديث يحيى بن أيُّوب عن يزيد بن أبي حبيبِ عن عمران عن عبد الرحمن بن جبيِرٍ عن عمرو نفسه (1) O. احتجُّوا: بحديث حذيفة: " وجعل ترابها لنا طهوراً ". وقد سبق في أوَّل الكتاب (2). 433 - وبما رواه الترمذيَّ: ثنا محمود بن غَيلان ثنا أبو أحمد الزبيريَّ ثنا سفيان عن خالدِ الحذَاء عن أبي قِلابة عن عمرو بن بُجدان عن أبي ذر أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الصَعيدَ الطيبَ وَضُوءُ المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسَّه بشرته، فإنَّ ذلك خيرٌ ". قال الترمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (3). وليس لهم في هذين الحديثين حجَّة، لأنَ التراب قائمٌ مقام الطَّهور في إباحة الصلاة، ولو كان طهوراً حقيقةً لما احتاج الجنب بعد التيمم أن يغتسل. *****
مسألة (70): يتيمم لوقت كل صلاة.
مسألة (70): يتيمَم لوقت كل صلاةِ. وقال أبو حنيفة: يصلي به ما لم يحدث. واحتجَ: بالحديث المتقدِّم (1): " الصعيد وَضوء المسلم ... ". واحتجَ أصحابنا: 434 - بما رواه الدَارَقُطنيُ: ثنا أحمد بن محمَّد بن سعدان ثنا شُعيب بن أيُّوب ثنا أبو يحيى الحِمانيُ عن الحسن بن عمارة عن الحكم عن مجاهدِ عن ابن عبَّاس قال: من السُنَّة أن لا يصلي بالتيمُم أكثر من صلاةٍ واحدةٍ (2). الِحِمانيُ وابن عمارة: متروكان. ز: أبو يحيى الحمانيُ: عبد الحميد بن عبد الرحمن، ليس بمتروكٍ، بل هو من رجال " الصحيح " (3)، وقد وثَّقه يحيى بن معين (4) وغيره، وضعَّفه أحمد (5) وغيره، وكأنه اشتبه عليه بابنه يحيى بن عبد الحميد، فإنَّه هو المشهور بالضعف. وقد رواه عبد الرزاق وغيره عن الحسن بن عمارة (6). 435 - وعن نافعِ عن ابن عمر قال: يتيمَّم لكل صلاةٍ وإن لم يحدث.
مسألة (71): إذا لم يجد ماء ولا ترابا صلى.
رواه البيهقيُ وقال: إسناده صحيحٌ (1). 436 - وعن هشيم عن حجَّاج عن أبي إسحاق عن الحارث عن عليٍّ رضي الله عنه قال: يتيمَّم لكل صلاةٍ. رواه البيهقي (2)، وإسناده ضعيفٌ. 437 - وعن عبد الرََّزَّاق (3) عن معمر عن قتادة أنَّ عمرو بن العاص كان يحدث لكل صلاةٍ تيمماً. وكان قتادة يأخذ به. رواه البيهقي أيضاً، وقال: وهذا مرسلٌ (4). 438 - وروى حرب الكِرمَانيُّ: عن عكرمة عن ابن عبَاسِ قال: التَّيمم بمنزلة الوضوء، يصلي به- ما لم يحدث- الصَلواتَ كلَّها (5) O. ***** مسألة (71): إذا لم يجد ماءً ولا تراباً صلَّى. وقال أبو حنيفة: لا يصلِّي. لنا: 439 - ما روى أحمد: ثنا ابن نمير ثنا هشام عن أبيه عن عائشة أنَّها
استعارت من أسماء قلادةَ، فهلكت، فبعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجالاً في طلبها، فوجدوها، فأدركتهم الصَّلاة وليس معهم ماء، فصلَّوا بغير وضوءٍ، فشكوا ذلك إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأنزل الله عزَّ وجلَّ آية التَّيمُّم (1). أخرجه البخاري ومسلمٌ (2). احتجوا بحديثين: 440 - الحديث الأوَل: قال الترمذيَّ: ثنا هنَّاد ثنا وكيعٌ عن إسرائيل عن سِماَك عن مصعب بن سعدِ عن ابن عمر عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يقبل الله صلاةً إلا بطُهُور " (3). ز: انفرد بإخراجه مسلمٌ (4) O. الحديث الثَاني: قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يقبل الله صلاة امرئ حتَّى يضع الوضوء مواضعه ". وليس فيما ذكروا حجَّة، لأن ذلك محمولٌ على من يقدر على الطهور. *****
مسألة (72): إذا خاف الحاضر ضرر البرد تيمم، وفي الإعادة روايتان.
مسألة (72): إذا خاف الحاضر ضرر البرد تيمَّم، وفي الإعادة روايتان. لنا: حديث عمرو بن العاص، قال: احتلمت في ليلةٍ باردةٍ، فأشفقت، فتيمَّمت، فذكرت ذلك لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يقل شيئاً (1). وقد سبق بإسناده (2). ز: نقل عن عطاء والحسن في من يخاف ضرر البرد: أنَّه يغتسل وإن مات. والصحيح أنَّه يجوز له التيمُم، وهو قول أكثر أهل العلم، لحديث عمرو بن العاص. فإن تيمَم وصلى، ثم قدر على استعمال الماء، فهل تلزمه الإعادة؟ فيه روايتان: إحداهما: لا تلزمه، وهو قول أبي حنيفة ومالك، لحديث عمرو، فإنَّ النبيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يأمره بالإعادة، ولو وجبت لأمره بها، فإنَّه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة. والثانية: تلزمه الإعادة في الحضر دون السفر، وهو قول أبي يوسف ومحمَّد. والأوَل أصحُ.
مسألة (73): إذا كان بعض بدنه صحيحا، وبعضه جريحا، غسل
وقال الشَافعيُ: يعيد الحاضر، وفي المسافر قولان O. ***** مسألة (73): إذا كان بعض بدنه صحيحاً، وبعضه جريحاً، غسل الصحيح، وتيمَم للجريح. وقال أبو حنيفة ومالك: الاعتبار بالأكثر، فإن كان أكثر صحيحاً غسله، وسقط التيمُم، وبعكسه إذا كان جريحاً. لنا: 441 - ما روى الدَارَقُطنِيُ: ثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث (1) ثنا موسى بن عبد الرحمن الحلبيُ ثنا محمَّد بن سلمة عن الزبير بن خُرَيق عن عطاءٍ عن جابرٍ قال: خرجنا في سفرٍ، فأصاب رجلاً منَّا حَجَرٌ، فشجَّه في رأسه، ثمَّ احتلم، فسأل أصحابه: هل تجدون لي رخصةً في التيمُم؟ فقالوا: ما نجد لك رخصةً وأنت تقدر على الماء. فاغتسل، فمات، فلمَّا قدمنا على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبر بذلك، فقال: " قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذا لم يعلموا؟! فإنَما شفاء العِيَّ السؤال، إنَّما كان يكفيه أن يتيمَم، ويعصر- أو: يعصب- على جرحه، ثم يمسح عليه، ويغسل سائر جسده " شك موسى (2). ز: وروى هذا الحديث أبو داود (3) عن موسى (4).
مسألة (74): إذا كان معه من الماء [] (4) ما يكفي بعض أعضائه،
والزُّبير: ذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثقات" (1). وقال الدارَقُطنِي: قال أبو بكر- يعني: ابنَ أبي داود-: هذه سنَّةٌ تفرَد بها أهل مكَّة، وحملها أهل الجزيرة. ثمَّ قال الدارَقُطني: لم يروه عن عطاء عن جابر غير الزبير بن خُريق، وليس بالقويِّ، وخالفه الأوزاعيُ، فرواه عن عطاء عن ابن عبَّاس. واختلف على الأوزاعي: فقيل: عنه عن عطاء. وقيل: عنه بلغني عن عطاء. وأرسل الأوزاعيُّ آخره عن عطاء عن النَّبيٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو الصَّواب. وقال عبد الرَّحمن بن أبي حاتم (2): سألت أبي وأبا زرعة عنه فقالا: رواه ابن أبي العشرين عن الأوزاعيِّ عن إسماعيل بن مسلم عن عطاء عن ابن عبَّاس. وأفسد الحديث (3) O. ***** مسألة (74): إذا كان معه من الماء [] (4) ما يكفي بعض أعضائه،
مسألة (75): لا يتيمم للجنازة والعيد مع وجود الماء (3).
لزمه استعماله في الجنابة، وهل يلزمه في الوضوء؟ فيه وجهان، أصحهما عندي: أنَّه يلزمه. وقال مالك وأبو حنيفة: لا يلزمه. وللشافعيِّ قولان. لنا: 442 - ما روى البخاريَّ: ثنا إسماعيل حدَثني مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَه قال: " إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم " (1). وأخرجه مسلم (2). ***** مسألة (75): لا يتيمَم للجنازة والعيد مع وجود الماء (3). وقال أبو حنيفة: يتيمَم إذا خاف الفوات. وعن أحمد في الجنازة كقوله. احتجُّوا:
مسألة (76): إذا اشتبهت الأواني الطاهرة بالنجسة لم يتحر.
443 - بما رواه ابن عَدِي: ثنا محمد بن عبد الله (1) بن فضيلِ ثنا يمان بن سعيدِ ثنا وكيع بن الجرَّاح ثنا المعافى بن عمران عن مغيرة بن زياد عن عطاء عن ابن عبَّاس عن النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا فجئتك الجنازة وأنت على غير وضوء فتيمَّم ". قال ابن عَدِي: هذا غير محفوظٍ رَفعُه، وإنَّما هو موقوفٌ على ابن عبَّاس (2). وقال أحمد: [مغيرة] (3) بن زيادِ ضعيف الحديث، حدَّث بأحاديث مناكير، وكلُّ حديث رفعه هو منكرٌ (4). ***** مسألة (76): إذا اشتبهت الأواني الطَّاهرة بالنَّجسة لم يتحرّ. وقال الشافعي: يتحرّى. لنا حديثان: 444 - الحديث الأوَّل: قال البخاريُّ: ثنا حفص بن عمر ثنا شعبة
عن ابن أبي السفر عن الشعبيَّ عن عدي بن حاتم قال: سألتُ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " إذا أرسلتَ كلبَك المعلَّم فقتل فكُل، فإذا أكلَ فلا تأكُل، فإنَما أمسكَهُ على نفسه ". قلت: أُرسلُ كلبي فأجدُ معه كلباً آخر؟ قال: " فلا تأكُل، فإنَّما سمَّيت على كلبِك، ولم تسمَّ على كلبٍ آخر " (1). أخرجه مسلمٌ (2). 445 - الحديث الثاني: قال أحمد: ثنا يحيى بن سعيدِ عن شعبة حدَثني بُريد بن أبي مريم عن أبي [الحوراء] (3) عن الحسن بن علي عن النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَه كان يقول: " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " (4). ز: رواه الترمذيَّ (5) والنسائيُ (6) من حديث شعبة، وصحَحه الترمذيَّ. وأبي (7) [الحوراء] (8): اسمه: ربيعة بن شيبان، وقد وثَقه النسائيُ (9) وابن حِبَّان (10). وبُريد بن أبي مريم السَّلولي: ثقةٌ O. *****
مسائل الحيض
مسائل الحيض مسألة (77): يجوز الاستمتاع من الحائض بما دون الفرج، خلافا لهم في قولهم: لا يحل- إلا ما فوق الإزار. لنا حديثان: 446 - الحديث الأوَل: قال أحمد: ثنا عبد الرحمن ثنا حمَّاد بن سلمة عن ثابتِ عن أنسِ أنَ اليهود كانوا إذا حاضت المرأة منهم، لم يؤاكلوها، ولم يجامعوها في البيوت، فسألَ أصحابُ النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأنزل الله عز وجل: (ويسألونك عن المحيض قل هو أذىَ) [البقرة: 222]، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اصنعوا كل شيء إلا النكاح " (1). انفرد بإخراجه مسلم (2). 447 - الحديث الثاني: قال أبو داود: ثنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد عن أيُّوب عن عكرمة عن بعض أزواج النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا أراد من الحائض شيئاً، ألقى على فَرْجِها ثوباً (3). ز: انفرد بهذا الحديث أبو داود، وإسناده صحيح O.
احتجُوا بحديثين: 448 - الحديث الأوَل: قال أحمد: حدَثنا [ابن] (1) فضيل عن الشيباني عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عائشة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يباشر نساءه فوق الإزار، وهنَّ حُيَّض (2). أخرجاه في "الصحيحين" (3). 449 - الحديث الثاني: قال سعيد بن منصور: ثنا عبد العزيز عن صفوان بن سُليم عن عطاء بن يسار قال: قال رجلٌ: يا رسول الله، ما يحل لي من امرأتي وهي حائضٌ؟ قال: " تشدُ إزارها، ثم شأنك بأعلاها ". هذا حديث مرسلٌ. 450 - ز: عن ميمونة أنَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يباشر المرأة من نسائه وهي حائضٌ، إذا كان عليها إزار إلى أنصاف الفخذين، أو الركبتين، تحتَجِزُ به. رواه الإمام أحمد (4) والنسائيُ (5) وأبو داود- وهذا لفظه (6) - وأبو حاتم ابن حِبَّان في "صحيحه" (7). وفي رواية أحمد: محتجزةٌ به.
450/أ- وعن أبي إسحاق عن عاصم بن عمرو (1) عن عمير- مولى عمر- قال: جاء نفر من أهل العراق إلى عمر بن الخطَّاب، فقال لهم عمر: أبإذنٍ جئتم؟ قالوا: نعم. قال: فما جاء بكم؟ قالوا: جئناك نسأل عن ثلاث. قال: وما هنَّ؟ قالوا: صلاة الرجل في بيته ما هي؟ وما يصلح للرجل من امرأته وهي حائضٌ؟ وعن الغسل من الجنابة؟ قال: أسحرةٌ أنتم؟ ! قالوا: لا والله، يا أمير المؤمنين، ما نحن بسحرة. قال: لقد سألتموني عن ثلاثٍ ما سألني عنهن أحدٌ - منذ سألتُ عنهن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبلكم!! أمَّا صلاة الرجل في بيته تطوعاً: فنوِّر بيتك ما استطعت؛ وأمَّا الحائض: فلك ما فوق الإزار، وليس لك ممَّا تحته شيءٌ؛ وأما الغسل من الجنابة: فتفرغ بيمينك على شمالك (2) فتغسلهما، ثم تدخل يدك في الإناء فتغسل فرجك وما أصابك، ثم توضأ وضوءك للصلاة، ثم تفرغ على رأسك ثلاث مرَاتِ، تدلك رأسك كلَّ مرةٍ، ثم تغسل سائر جسدك. رواه أبو يعلى الموصليُ في "مسنده": ثنا أبو خيثمة ثنا عبد الله بن جعفر الرقِّي ثنا عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن أبي إسحاق فذكره (3). وروى ابن ماجه منه ذكر الصلاة (4).
ورواه الطَّبراني (1) والبيهقي بكماله (2). وسئل عنه الدارَقُطني فذكر الاختلاف فيه، قال: والحديث حديث زيد ابن أبي أنيسة ومن تابعه عن أبي إسحاق. وقال: زيد بن أبي أنيسة ورَقبة بن مَصقَلة وأبو حمزة السُّكريُّ فقالوا: عن عاصم بن عمرو عن عمير (3). وعاصم بن عمرو- ويقال: ابن عوفِ- البجلي الكوفي: أحد الشِّيعة، قال فيه أبو حاتم: صدوقٌ (4). وكتبه البخاريُّ في كتاب " الضُّعفاء " (5)، فقال أبو حاتم: يحوَّل من هناك. وذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثقات" (6). 451 - وقال أبو داود: حدَّثنا هارون بن محمَّد بن بكار ثنا مروان - يعنى: ابن محمد- ثنا الهيثم بن حميد ثنا العلاء بن الحارث عن حرام بن حكيم عن عمه (7) أنه سأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما يحلُّ لي من امرأتي وهي حائضٌ؟
مسألة (78): إذا أتى امرأته وهي حائض = تصدق بدينار أو نصف
قال: " لك ما فوق الإزار " (1). العلاء بن الحارث: ثقةٌ من رجال " الصحيح " (2)، وقد تكلَّم فيه بعضهم. وحرام بن حكيم الأنصاريَّ: وثقه دحيم (3) والعجليُ (4)، وضعَّفه ابن حزم (5). 452 - وعن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه قال: سألتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ما يحلُ للرجل من امرأته وهي حائضٌ؟ قال: " ما فوق الإزار، والتعفُّف عن ذلك أفضل ". رواه أبو داود، وقال: ليس بالقويِّ (6) O. ***** مسألة (78): إذا أتى امرأته وهي حائضٌ = تصدَّق بدينارٍ أو نصف دينارٍ. وعنه: يستغفر الله تعال، كقولهم، إلا أن الشافعيَ قال في القديم: إن وطئ في إقبال الدم تصدَّق بدينارٍ، وفي إدباره بنصف دينارٍ. لنا: 453 - ما روى أحمد: ثنا يحيى عن شعبة عن الحكم عن عبد الحميد بن
عبد الرحمن عن مِقسم عن ابن عبَّاس عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الذي يأتي امرأته وهي حائض، قال: " يتصدَّق بدينارٍ، أو بنصف دينارٍ ". قال أحمد: لم يرفعه عبد الرَحمن ولا بَهز (1). 454 - قال أحمد: وثنا يونس ثنا حمَّاد بن سلمة عن عطاء العطَّار عن عكرمة عن ابن عبَّاس أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يتصدَّق بدينار، فإن لم يجد ديناراً، فنصف دينارٍ (2) " يعني في الذي يغشى امرأته حائضاً (3). ز: وقد روى اللفظ الأول: أبو داود (4) وابن ماجه (5) والنَّسائي (6) والحاكم وصححه (7). وقال أبو داود: هكذا الروايةُ الصَّحيحة، قال: " دينار أو نصف دينار ". وربَّما لم يرفعه شعبة. وقد صحَح هذا الحديث أيضاً: ابنُ القطَّان (8). وقال أبو داود: سمعت أحمد يقول- وقد سُئل عن الرجل يأتي امرأته
وهي حائض- قال: ما أحسن حديث عبد الحميد. قيل له: فتذهب إليه؟ قال: نعم (1) O. وقد احتجُّوا للقول القديم للشَّافعي: 455 - بما رواه التِّرمذي: ثنا الحسين بن حُريث ثنا الفضل بن موسى عن أبي حمزة السكَريٌ عن عبد الكريم عن مِقسَم عن ابن عبَّاس عن النبيٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا كان دماً أحمرَ فدينارٌ، وإذا كان دماً أصفرَ فنصفُ دينارٍ " (2). عبد الكريم هو: البصريُّ، ضعيفٌ جداً، كان أيُّوب السختياني يرميه بالكذب (3)، وقال أحمد (4) ويحيى (5): ليس هو بشيءٍ. وقال السَعدي: غير ثقةِ (6). وقال الدَارَقُطني: متروكٌ (7). وذكر أبو داود هذا الحديث عن ابن عباس موقوفاً (8). ز: عبد الكريم: ليس هو: ابن أبي المخارق البصري، وإنَّما هو: ابن مالكِ الجزرِي، أحد الثقات. كذا ذكره بعض من جمع الأطراف.
وقد قيل: إنَّه أبو أميَة- كما ذكر المؤلف-، لأَنه هكذا جاء مصرحًا به في بعض الروايات. وقال عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب "العلل": حدَّثني أبي ثنا سفيان عن عبد الكريم بن أمية عن مِقْسَم عن ابن عباس: إذا أتى امرأته وهي حائض ... قيل لسفيان: يا أبا محمَّد هذا مرفوعٌ. فأبى أن يرفعه، وقال: أنا أعلم به. يعني: أبا أميَّة (1). فيحتمل أن يكون الجَزَرِيُّ وأبو أميه روياه عن مِقسَم. وقد رواه النسائيُّ: عن إسحاق بن إبراهيم عن سفيان؛ وعن محمَّد بن كامل المروزي عن هُشيم عن الحجاج؛ كلاهما عن عبد الكريم به (2). ورواه ابن ماجه عن عبد الله بن الجرَاح عن أبي الأحوص عن عبد الكريم نحوه (3). 456 - وقال أبو يعلى الموصليُ في "مسنده": ثنا علي بن الجَعد أنا أبو جعفرٍ الرازيَّ عن عبد الكريم بن أبي المُخَارق عن مِقسم عن ابن عباسٍ عن النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في رجلٍ جامع امرأته وهي حائضٌ، فقال: " إن كان دما عبيطًا فليتصدَّق بدينارٍ، وإن كان فيه صفرة فنصف دينارٍ " (4). وقد رواه ابن جريج وسعيد بن أبي عَروبة وهشام الدَستوائيُ وغيرهم عن عبد الكريم أبي أُمية، والله أعلم.
وقال الترمذي في هذا الحديث: روي عن ابن عباس، يرفعه بعضهم، وبعضهم موقوفٌ (1). وقال أبو داود: روى الأوزاعي عن يزيد بن أبي مالك عن عبد الحميد ابن عبد الرَحمن عن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: أمره أن يتصدق بخُمُسَي دينار (2). وهذا منقطعٌ. وقال الحافظ زكي الدين عبد العظيم المنذري: هذا الحديث قد وقع الاضطراب في إسناده ومتنه، فروي مرفوعاً وموقوفَا، ومرسلًا ومعضلًا. وقال عبد الرحمن بن مهدي: قيل لشعبة: إنك كنت ترفعه؟ قال: إني كنت مجنونًا: فصححت! وأمَّا الاضطراب في متنه: فروي: " بدينار أو نصف دينار " على الشَك؛ وروي: " يتصدق بدينار، فإن لم يجد فبنصف دينار "؛ وروي فيه التفرقة بين أن يصيبها في الدَّم أو في انقطاع الدَم؛ وروي: " يتصدق بخُمُسَي دينار "؛ وروي: " يتصدق بنصف دينار "؛ وروي: " إذا كان دمًا أحمر فدينارٌ، وإذا كان دمًا أصفر فنصف دينار "؛ وروي: " إن كان دمًا عبيطًا فليتصدق بدينار، وإن كان صفرةً فنصف دينارٍ " (3). وقال الخطَّابي: وقال أكثر العلماء: لا شيءَ عليه، ويستغفر الله، وزعموا أن هذا الحديث مرسلٌ أو موقوف على ابن عبَّاس، ولا يصح متصلًا مرفوعاً، والذِّمم بريَّةٌ إلا أن تقوم الحجة بشغلها (4).
مسألة (79): المستحاضة إذا كانت لها أيام معروفة ردت إلى أيامها لا إلى
وقال أبو علي بن السكن: هذا حديث مختلف في إسناده ولفظه، ولا يصحُ مرفوعاً، ولم يصححه البخاريَّ، وهو صحيح من كلام ابن عبَّاسٍ (1). وقد خالفه ابن القطَّان في هذا ورد عليه، وصحيح الحديث (2) O. ***** مسألة (79): المستحاضة إذا كانت لها أيَّام معروفة رُدت إلى أيَّامها لا إلى التَّمييز. وقال الشافعيُ: يقدَّم التَّمييز على العادة. لنا: 457 - ما روى الدَارَقُطْنيُ: ثنا عبد الله بن محمَّد ثنا ابن زنجويه ثنا [مُعلى] (3) بن أسد ثنا وهيب ثنا أيُّوب عن سليمان بن يسار أنَ فاطمة بنت أبي حُبيشِ استحيضت، فأمرت أمَ سلمة أن تسأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " تدع الصلاة أيَّام أقرائها، ثم تغتسل، وتستدفر بثوب، وتصلي " (4). ز: رواه الإمام أحمد بنحوه (5).
وقال الدارَقُطني في رواته: كلهم ثقات (1). 458 - وعن عائشة أن أمٌ حبيبة بنت جَحشٍ كانت تحت عبد الرَحمن بن عوفٍ، وأنها استحيضت فلا تطهر، فذكر شأنها لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " ليست بالحيضة، ولكنها رَكضةٌ من الرحم، فلتنظر قدر قُرئها الذي كانت تحيض له، فلتترك الصَّلاة، ثم لتنظر ما بعد ذلك فلتغتسل عند كل صلاةٍ ". رواه الإمام أحمد- واللفظ له (2) - والنسائي (3). 459 - وعن فاطمة بنت أبي حُبيش قالت: أتيت عائشة، فقلت لها: أمَ المؤمنين، قد خشيتُ أن لا يكون لي حظٌ في الإسلام، [وأن أكون من أهل النَار! أمكث ما شاء الله من يوم استحاض، فلا أصلي لله عزّ وجل صلاةً! قالت: اجلسي حتى يجيء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فلما جاء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالت: يا رسول الله، هذه فاطمة بن أبي حُبيش تخشى أن لا يكون لها حظٌ في الإسلام،] (4) وأن تكون من أهل النار، تمكث ما شاء الله من يوم تستحاض، فلا تصلي لله فيه صلاة. فقال: " مري فاطمة بنت أبي حُبيش فلتمسك من كل شهر عدد أيام أَقرَائِها، ثم تغتسلُ وتحتشِي وتستثفِر بثوبٍ (5)، ثم تطهر عند كل صلاة، وتصلي، فإنما ذلك: رَكضةٌ من الشيطان، أو عِرقْ انقطع، أو داءٌ عرض [لها] (6) ".
رواه الإمام أحمد (1) والدَارَقُطني (2) والحاكم وصححه (3). وهو من رواية: عثمان بن [سعدِ] (4) الكاتب، قال يحيى بن معينِ: ضعيفٌ (5). وقال مرةَ: ليس بذاك (6). وقال أبو زرعة: لين (7). وقال أبو حاتم: شيخٌ (8). وقال النسائي (9) والدارَقُطْني (10): ليس بالقوي. وقال ابن حِبان: لا يجوز الاحتجاج به (11). وقال الحاكم: بصري ثقةٌ (12). 460 - وعن فاطمة أنَّها أتت النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فشكت إليه الدَّم، فقال لها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنَّما ذلك عرقٌ، فانظري إذا أتاك قرؤُكِ فلا تصلي، فإذا مرَّ القُرءُ، فتطهري، ثم صلي ما بين القرء إلى القُرء ". رواه الإمام أحمد (13) وأبو داود (14) والنَّسائي (15). وفي إسناده: المنذر بن المغيرة، سئل عنه أبو حاتم الرازي فقال: هو
مجهولٌ، ليس بمشهورِ (1). وقال النسائي: قد روى هذا الحديث هشام بن عروة عن عروة، ولم يذكر فيه ما ذكر المنذر O. احتجُّوا: 461 - بما روى الدارَقُطني: ثنا علي بن عبد الله بن مبشر ثنا محمد بن المثنى ثنا ابن أبي عَدي عن محمد بن عمرو قال: حدثني ابن شهابِ عن عروة ابن الزبير عن فاطمة بنت أبي حُبيش أنَّها كانت تُستحاض، فقال لها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا كان دم الحيض، فإنه أسودٌ يعرف، فإذا كان ذاك فأمسكي عن الصَّلاة، فإذا كان الأخر فتوضئي وصلَّي " (2). ز: رواه أبو داود (3) والنسائي- وقال: وقد روى هذا الحديث غير واحدِ ولم يذكر أحد منهم ما ذكر ابن أبي عَدِي والله أعلم (4) - وأبو حاتم بن حِبَّان في "صحيحه" (5). وقال الدارَقُطْني: رواته كلهم ثقات (6). ورواه الحاكم، وقال: هو على شرط مسلم (7).
مسألة (80): الناسية التي لا تمييز لها تحيض ستا أو سبعا.
وقال عبد الرَّحمن بن أبي حاتم: سألت أبي عن حديثِ رواه محمَّد بن أبي عَدِي عن محمد بن عمرو عن الزُّهري عن عروة عن فاطمة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لها: " إذا رأيتِ الدم الأسود فأمسكي عن الصَّلاة، وإذا كان الأحمر فتوضَّئي ". فقال أبي: لم يتابع محمد بن عمرو على هذه الرِّواية، وهو منكرٌ (1) O. ***** مسألة (80): النَّاسية التي لا تمييز لها تحيَّض ستًّا أو سبعًا. وقال الشَّافعي: لا تحيَّض شيئاً. لنا: 462 - ما روى أحمد: ثنا عبد الملك بن عمرو ثنا زهير بن محمد عن عبد الله بن محمد بن عَقيل عن إبراهيم بن محمَّد بن طلحة عن عمران بن طلحة عن أمه حَمنة بنت جَحشِ قالت: كنت أُستحاض حيضةً شديدةً، فجئتُ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أستفتيه وأخبره، فوجدتُه في بيت أختي زينب بنت جَحشِ، فقلت: يا رسول الله، إن لي إليك حاجة. قال: " وما هي؟ " قلت: إني أُستحاض حيضةً كبيرةً شديدةً، فما ترى فيها؟ قد منعتني الصَّلاة والصِّيام! فقال: " أنعتُ لك الكُرسُف (2)، فإنه يذهب الدَّم ". قالت: هو أكثر من ذلك! قال: " فاتخذي ثوبًا " (3). قلت: هو أكثر من ذلك! قال: " فتلجَّمي ".
قالت: إنَّما أثج ثجا! فقال لها: " سآمرك بأمرين، أيهما فعلت فقد أجزأ عنك من الآخر، فإن قويت عليهما فأنت أعلم ". فقال لها: " إنما هذه ركضةٌ من ركضات الشيطان، فتحيَّضي ستَّة أيَّام، أو سبعة أيَّام في علم الله، ثم اغتسلي، حتى إذا رأيت أنك قد طهرت، واستنقأت، فصلّ أربعًا وعشرين ليلة، أو ثلاثًا وعشرين ليلة، وأيامها، وصلي (1) وصومي، فإن ذلك يجزئك، وكذلك فافعلي كل شهرٍ، كما تحيض النساء، وكما يطهرن، لميقات حيضهن، وطهرهن، فإن قويت على أن تؤخِّرين الظهر، وتعجلين العصر، ثُم تغتسلي، وتجمعين بين الصلاتين، فافعلي، وتغتسلين مع الفجر، وتصلين، وكذلك فافعلي، وصلِّي، وصومي إن قويت على ذلك ". قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هذا أعجبُ الأمرين إليَّ " (2). قال أحمد والترمذي: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. ز: ورواه أبو داود (3) وابن ماجه (4) والحاكم (5) والترمذي، وقال: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
ورواه عبيد الله بن عمرو الرقّي وابن جُريج وشَريك عن عبد الله بن محمَّد بن عَقِيلِ عن إبراهيم بن محمد بن طلحة عن عمّه عمران عن أمّه حَمنة، إلا أنَّ ابن جريج يقول: (عمر بن طلحة) والصَّحيح: (عمران بن طلحة). وسألتُ محمدَا عن هذا الحديث فقال: هو حديثٌ حَسَنٌ. وهكذا قال أحمد بن حنبل: هو حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ (1). وقال أبو داود: رواه عمرو بن ثابتِ عن ابن عَقيل فقال: قالت حَمنة: هذا أعجبُ الأمرين إليَّ. لم يجعله قولَ النَبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال أبو داود: كان عمرو بن ثابت رافضيًّا- وذكره عن يحيى بن معيِن-. هذا آخر كلامه (2). وعمرو بن ثابت- هذا-: هو أبو ثابت، ويعرف بـ: ابن أبي المقدام، قال عباس الداوري عن يحيى بن معيِن: ليس بثقةِ، ولا مأمون (3). وقال أبو زرعة وأبو حاتم: ضعيف الحديث. زاد أبو حاتم: يكتب حديثه، كان ردئ الرأي، شديد التَّشيُّع (4). وقال النسائي: متروك (5). وقال ابن حِبَّان: يروي الموضوعات عن الأثبات (6). وروى هذا الحديث أيضاً: الدارَقُطني وقال: تفرد به ابن عَقيل،
مسألة (81): إذا رأت الدم قبل أيامها، أو بعد أيامها، ولم يجاوز
وليس بالقوي (1). وقال الخطَابي: وقد ترك بعض العلماء القول بهذا الحديث، لأنَّ ابن عَقيل- راويه- ليس بذاك (2). وقال البيهقي: تفرد به عبد الله بن محمد بن عَقيل، وهو مختلفٌ في الاحتجاج به (3). وقال عبد الرَحمن بن أبي حاتم: سألتُ أبي عن حديثِ رواه ابن عَقيل عن إبراهيم بن محمد عن عمران بن طلحة عن أمه حَمنة بنت جَحشِ في الحيض، فوهَنه ولم يقوِّ إسناده (4) O. ***** مسألة (81): إذا رأت الدَم قبل أيَّامها، أو بعد أيَّامها، ولم يجاوز أكثر الحيض، فما رأته في أيَّامها فهو حيضٌ، وما رأته قبل أيَّامها، أو بعدها، فهو مشكوكٌ فيه، حتى يتكرر ثلاثَا، فيكون حيضَا. وقال أبو حنيفة: ما رأته قبل أيَّامها فهو استحاضة، حتى تراه في الشهر الثَاني، وما رأته بعد أيَّامها فهو حيضٌ.
مسألة (82): أقل الحيض يوم وليلة.
وقال الشَافعيُ: ما رأته قبل أيَّامها، وبعد أيَّامها= حيضٌ. لنا: قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تجلس أيَّام أقرائها، ثم تغتسل ". وقد سبق (1) ***** مسألة (82): أقلُ الحيض يومٌ وليلةٌ. وقال أبو حنيفة: أقلُه ثلاثة أيَّام، وقال مالك: لا حدَ لأقله. وللشَافعيٌ قولان: أحدهما: كقولنا. والثَاني: يومٌ. دليلنا: أن المرجع في ذلك إلى العرف: 463 - فروى الدارَقُطنيُ: ثنا القاسم (2) بن إسماعيل ثنا عبَّاس بن محمَّد ثنا محمَّد بن مصعب (3) قال: سمعت الأوزاعي يقول: عندنا امرأةٌ
تحيض غدوةً، وتطهر عشيَّةَ (1). وقال عطاء: رأيت من النِّساء من كانت تحيض يومَا، ومن كانت تحيض خمسة عشر يومَا. وقال الشَافعيُ (2): أثبت لي عن امرأة لم تزل تحيض يومَا. ويقال لمالك: ما عرف حيضٌ أقلُ من يوم. احتجّوا بأحاديث: أحدها: قول النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لفاطمة بنت أبي حُبيش " دعي الصلاة أيَّام أقرائك ". وأقل الأيام ثلاثة. وقد سبق هذا الحديث (3). 464 - الحديث الثاني: قال الدَارَقُطْنيُ: ثنا عثمان بن أحمد بن السَّمَّاك ثنا إبراهيم [بن الهيثم] (4) البَلَديَّ ثنا إبراهيم بن مهدي المِصَّيصيُ ثنا [حسان] (5) بن إبراهيم الكرمانيُ ثنا عبد الملك سمعتُ العلاء يقول: سمعتُ مكحولاَ يحدث عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أقلُ ما يكون الحيض للجارية البكر والثَيب ثلاث، وأكثر ما يكون من المحيض عشرة أيَّام، وإذا رأت الدَّم
أكثر من عشرة أيَّام فهي مستحاضةٌ " (1). وقد رواه سليمان بن عمرو عن يزيد بن جابر عن مكحول. 465 - قال الدَارَقُطْنيُ: ثنا أبو حامد محمَّد بن هارون ثنا محمَّد بن أحمد ابن [أنس] (2) ثنا حمَّاد بن المنهال البصريَّ عن محمَّد بن راشد عن مكحول عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أقلُّ الحيض ثلاثةُ أيَّام، وأكثره عشرة أيَّام " (3). 466 - وقال أبو أحمد بن عَدِي: ثنا أحمد بن الحسن الكرخيُ ثنا الحسن ابن شبيب ثنا أبو يوسف عن الحسن بن دينار عن معاوية بن قُرَة عن أنس بن مالك أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الحيض: ثلاثة أيَّام، وأربعة، وخمسة، وستَة، وسبعة، وثمانية، وتسعة، وعشرة، فإذا جاوز العشرة فهي مستحاضة " (4). 467 - وقال العُقيليُ: ثنا جعفر بن محمَّد بن بريق ثنا عبد الرحمن بن [نافع] (5) ثنا أسد بن سعيدٍ البَجَليُ عن محمد بن الحسن الصُّدفي عن عُبادة بن نُسي عن عبد الرحمن بن غَنم عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا حيض أقل من ثلاثٍ، ولا فوق عشرٍ " (6). 468 - قالوا: وقد روى حسين بن علوان عن هشام عن أبيه عن عائشة
عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَه قال: " أكثر الحيض عشرٌ، وأقلُه ثلاثٌ ". والجواب: أمَّا الحديث الأوَل: فإنَّما قال لفاطمة: " دعي الصلاة أيَّام أقرائك ". على الأغلب، والأغلب وجود أيَّام [في] (1) الحيض. وباقي الأحاديث: ليس فيها ما يصحُ: أمَّا حديث أبي أمامة: ففي طريقه الأوَّل: عبد الملك، قال الدَارَقُطْنيُ: هو رجل مجهولٌ (2). قال: والعلاء بن كثيِر ضعيف الحديث، ومكحول لم يسمع من أبي أمامة شيئاً (3). قلت: قال أحمد بن حنبل: العلاء بن كثيِر ليس بشيءٍ (4). وقال أبو زرعة: واهي الحديث (5). وقال ابن حِبَان: يروي الموضوعات عن الأثبات (6). وأمَّا طريقه الثاني: فإن سليمان بن عمرو هو: أبو داود النخعيُ، قال أحمد: هو كذَّابٌ (7). وسئل مرةَ: أيضع الحديث؟ فقال: نعم، أبو
داود النخعي كان يضع الحديث (1). وقال شَريك: ذاك كذَاب النَّخَع (2). وقال يحيى: هو ممن يعرف بالكذب ووضع الحديث (3). وقال مرَّةَ: رجل سوءَ كذَّابٌ (4). وقال يزيد بن هارون: لا يحل لأحدِ أن يروي عنه (5). وقال البخاري: هو معروفٌ بالكذب (6). وأخبرنا أبو منصور القَزَّاز: أنا أبو بكر أحمد بن علي أنا ابن الفضل أنا عبد الله بن جعفر أنا يعقوب بن سفيان (7) قال: أبو داود النَّخَعي، رجل سوءَ، كذاب، كان يكذب مجاوبه. قال إسحاق (8): أتيناه فقلنا له: أي شيءَ تعرف في: أقلِّ الحيض وأكثره، وما بين الحيضتين من الطهر؟ فقال: الله أكبر! حدَثني يحيى بن سعيدِ عن سعيد بن المسيَّب عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وثنا أبو طوالة عن أبي سعيد الخدريِّ، وجعفر بن محمد عن أبيه عن جدِّه عن النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أقل الحيض ثلاثٌ، وأكثره عشرٌ، وأقل ما بين الحيضتين خمسة عشر يومًا ". وكان هو و [أبو] (9) البختري يضعان
الحديث (1). وأما حديث واثلة بن الأسقع: فقال الدَارَقُطْنيُ: حمَّاد بن المنهال مجهولٌ، ومحمد بن أحمد بن أنسِ ضعيفٌ (2). قال ابن حِبان: ومحمد بن راشدِ كان يأتي بالشيء على التوهُم، وكثرت المناكير في روايته، فاستحق ترك الاحتجاج به (3). وأما حديث أنس: ففيه: الحسن بن دينارِ، وقد كذَّبه العلماء، منهم: شعبة (4). وفيه: الحسن بن شبيب، قال ابن عَدِي: حدَّث عن الثقات ببواطيل (5). قال: وهذا الحديث يعرف بالجلد بن أيُّوب عن معاوية بن قُرَّة (6). [قلت] (7): كان إسماعيل بن عليَة يرمي الجلْد بن أيُّوب بالكذب (8). وقال أحمد: لا يساوي حديثه شيئاً (9). قال: وليس لهذا الحديث أصلٌ (10)
مسألة (83): أكثر الحيض خمسة عشر يوما.
وقال الدَّارَقُطنيُّ: متروكٌ (1). وأمَّا حديث معاذ بن جبل: ففيه محمد بن الحسن، قال العقيليُّ: هو مجهولٌ، وحديثه غير محفوظِ (2). قال (3): وقد روى هذا الحديث محمَّد بن سعيدِ المصلوب عن عبادة بن نُسي، وليس ذاك بشيءٍ أصلاً. وأمَّا حديث عائشة: فيرويه الحسين بن علوان، قال أبو حاتم بن حِبان: كان يضع الحديث، لا يحلُّ كتب حديثه، كذَّبه أحمد ويحيى (4). ***** مسألة (83): أكثر الحيض خمسة عشر يومًا. وقال أبو حنيفة: عشرة. وهو يحتج بالأحاديث التي قدَّمناها، وقد تكلَّمنا عليها (5). وأصحابنا قد ذكروا أنَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " تمكث إحداكن شطر عمرها لا تصلِّ ".
مسألة (84): الحامل لا تحيض.
وهذا لفظ لا أعرفه. ***** مسألة (84): الحامل لا تحيض. وقال مالك والشَّافعيُ- في أحد قوليه-: تحيض. لنا: 469 - ما روى أحمد: ثنا أسود بن عامر أنا شَريك عن أبي إسحاق وقيس بن وهبٍ عن أبي الوَدَاك عن أبي سعيد الخدري أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [قال] (1) في سبي أوطاس: " لا تُوطأ حاملٌ حتَّى تضع، ولا غير حامل حتَّى تحيضَ حيضةً" (2). قال أبو بكر الأثرم: قلت لأبي عبد الله: ما ترى في الحامل ترى الدم، تمسك عن الصلاة؟ قال: لا. قلت: أيُّ شيءً أثبت في هذا الباب؟ فقال: أنا أذهب في هذا إلى حديث محمَّد بن عبد الرحمن- مولى آل طلحة- عن سالم عن أبيه أنَّه طلَق امرأته وهي حائضٌ، فسأل عمر النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " مُرْه فليراجعها، ثم يطلقها طاهرًا، أو حاملاً ". فأقام الطهر مقام الحمل. فقلت: [فكأنَّك] (3) ذهبت بهذا الحديث إلى أن الحامل لا تكون إلا طاهرًا. قال: نعم (4).
مسألة (85): لانقطاع الحيض غاية، وفيها روايتان
ز: حديث أبي سعيد: رواه أبو داود (1)، وإسناده حسن. وأبو الوَدَّاك: اسمه: جبر بن نَوف، من رجال " الصَّحيح " (2). وحديث ابن عمر: رواه مسلمٌ (3) وأصحاب السُّنن (4). وفي الاستدلال بالحديثين على أنَ الحامل لا تحيض نظرٌ O. ***** مسألة (85): لانقطاع الحيض غاية، وفيها روايتان: إحداهما: خمسون سنة. والأخرى: ستون. وقال أصحاب الشَافعيٌ: لا غاية له. واستدل أصحابنا بقول عائشة: لن ترى المرأة ولدًا في بطنها بعد [خمسين] (5) سنة. *****
مسألة (86): أكثر النفاس أربعون يوما.
مسألة (86): أكثر النَّفاس أربعون يومًا. وقال الشافعيُّ: ستون. لنا أحاديث: 470 - قال الترمذي: ثنا نصر بن علي ثنا شجاع بن الوليد عن عليٌ ابن عبد الأعلى عن أبي سهلٍ عن مُسة (1) الأَزديةَ عن أمِّ سلمة قالت: كانت النُفساء تجلس على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [أربعين] (2) يومَا، وكنَّا نَطلي وجوهنا بالوَرس من الكَلَفِ (3). قال البخاري: علي بن عبد الأعلى ثقةٌ، وأبو سهل ثقةٌ (4). ز: رواه الإمام أحمد (5) وأبو داود (6) وابن ماجه (7) والدَارَقُطني وقال: مُسَّة لا تقوم بها حجَّة (8). وقال [الترمذي] (9): هذا حديثٌ لا نعرفه إلا من حديث أبي سهل عن
مُسَّة عن أمِّ سلمة، واسم أبي سهل: كثير بن زياد، ولم يعرف محمد هذا الحديث إلا من حديث أبي سهل. وقال أحمد في عليِّ بن عبد الأعلى: ليس به بأسٌ (1). وقال أبو حاتم: ليس بقويٍّ (2). وقال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين: أبو سهل كثير بن زياد ثقة (3). وقال أبو حاتم: ثقةٌ من أكابر أصحاب الحسن (4) O. 471 - وقال الدَارَقُطْنيُ: ثنا يزداد بن عبد الرحمن ثنا أبو سعيدِ الأشج ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن سلَّام بن [سَلم] (5) عن حُميد عن أنسِ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وقت النُفساء أربعون يومَا، إلا أن ترى الطهر قبل ذلك " (6). ز: روى ابن ماجه لسلَّام هذا الحديث الواحد (7) O. 472 - وقال الدَارَقُطنيُ: ثنا أحمد بن محمَّد بن سعيدِ ثنا أبو شيبة ثنا أبو بلال (8) ثنا أبو شهاب عن هشام بن حسَان عن الحسن عن عثمان بن أبي العاص قال: وقَت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للنساء في نفاسهن [أربعين] (9) يومًا.
قال أبو بلال: ثنا حِبَان (1) عن عطاء [عن] (2) عبد الله بن أبي مليكة عن عائشة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثله (3). 473 - قال الدَارَقُطنِي: وثنا عبد الباقي بن قانع ثنا موسى (4) بن زكريا ثنا عمرو بن الحُصَين ثنا محمد بن عبد الله بن علاثة عن عَبدة بن أبي لبابة عن عبد الله بن باباه عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تنتظر النفساء [أربعين] (5) ليلة، فان رأت الطَّهر قبل ذلك فهي طاهر، وإن جاوزت الأربعين فهي بمنزلة المستحاضة، تغتسل، وتصلّي، فإن غلبها الدَّم توضَّأَت لكلّ صلاة" (6). 474 - وقد روى حسين بن علوان عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت: وقَّت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للنُّفساء أربعين يومَا إلا أن ترى الطهر قبل، فتغتسل وتصلِّي، ولا يقربها زوجها في الأربعين. هذه الأحاديث ليس فيها ما يصحُّ: أمَّا الأوَل: فلم يروه عن حُميد غير سلَّام الطَّويل، قال يحيى بن معينِ: لا يكتب حديثه (7). وقال النَسائي (8) والدارَقُطني (9): متروكٌ. وقال
عبد الرحمن بن يوسف بن خِرَاشِ: كذَّاب (1). قال الدَارَقُطنيُ: وأبو بلال الأشعريُّ ضعيفٌ، وعطاء هو: ابن عجلان، متروك الحديث (2). وعمرو بن الحصين وابن علاثة: متروكان. قال ابن حِبَان: وكان حسين بن علوان يضع الحديث، كذَّبه أحمد ويحيى (3). 475 - وقد روى أصحابنا عن أبي هريرة أن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا مضى أربعون فهي مستحاضة، تغتسل وتصلِّي". وما أعرف هذا الحديث. *****
كتاب الصلاة
كتاب الصلاة
مسائل الأوقات
مسائل الأوقات مسألة (87): تجب الصَّلاة بأوَّل الوقت وجوباً موسعاً. وقال الحنفيُّون: بآخر الوقت. لنا: 476 - ما روى الدارقطني: وجدت (1) في أصل كتاب أحمد بن عمرو ابن جابر بخطَِّه: ثنا علي بن عبد الصَّمد الطَّيالِسيُّ ثنا هارون بن سفيان ثنا عتيق ابن يعقوب ثنا مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الشَّفق الحُمْرة، فإذا غاب الشَّفق وجبت الصلاة " (2). ز: رواه الدارقطني أيضاً موقوفاً من قول ابن عمر (3)، وهو أشبه، وقال البيهقيُّ: الصحيح أنه موقوفٌ (4) O. * * * * *
مسألة (88): آخر وقت الظهر إذا صار ظل كل شيء مثله من موضع
مسألة (88): آخر وقت الظُّهر إذا صار ظلُّ كلِّ شيءٍ مثله من موضع الزَّوال. وقال أبو حنيفة: إذا صار ظلُّ كلِّ شيءٍ مثليه. وقال مالكٌ: يمتد وقت الإدراك إلى غروب الشَّمس. لنا أحاديث، منها: 477 - ما روى أحمد: ثنا عبد الرَّزَّاق أنا سفيان عن عبد الرَّحمن بن الحارث بن عيَّاش بن أبي ربيعة عن حكيم بن [حكيم] (1) قال: أخبرني نافع ابن جُبير بن مُطعِم قال: أخبرني [ابن] (2) عباس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أمَّني جبريل عند البيت مرَّتين، فصلَّى بي الظُّهر في الأولى منهما حين كان الفيء مثل الشِّراك (3)، ثمَّ صلَّى العصر حين كان كلُّ شيءٍ مثل ظلِّه، ثمَّ صلَّى المغرب حين وجبت الشَّمس وأفطر الصَّائم، ثمَّ صلَّى العشاء حين غاب الشَّفق، ثمَّ صلَّى الفجر حين برق الفجر، وحرم الطَّعام على الصَّائم؛ وصلَّى المرَّة الثَّانية الظُّهر حين كان ظلُّ كلِّ شيءٍ مثله لوقت العصر بالأمس، ثمَّ صلى العصر حين صار ظلُّ كلِّ شيءٍ مثليه، ثمَّ صلَّى المغرب لوقته الأوَّل، والعشاء الآخرة حين ذهب ثلث الليل، ثمَّ صلَّى الصُّبح حين أسفرت الأرض، ثمَّ التفت إليَّ جبريل فقال: يا محمد، هذا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت فيما بين هذين " (4).
478 - قال أحمد: وثنا يحيى بن آدم ثنا ابن المبارك عن حسين بن عليِّ ابن حسين حدَّثني وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاءه جبريل، فقال: قم فصلِّ. فصلَّى الظُّهر حين زالت الشَّمس، ثمَّ جاءه العصر، فقال: قم فصلِّه. فصلَّى العصر حين صار ظلُّ كلِّ شيءٍ مثله، ثمَّ جاء المغرب، فقال: قم فصلِّه. فصلَّى حين وجبت الشَّمس، ثمَّ جاءه العشاء فقال: قم فصلِّه. فصلَّى حين غاب الشَّفق، ثمَّ جاءه الفجر، فقال: قم فصلِّه. فصلَّى حين برق الفجر - أو قال: حين سطع الفجر -، ثمَّ جاءه من الغد الظُّهر، فقال: قم فصلِّه. فصلَّى الظُّهر حين صار ظلُّ كلِّ شيءٍ مثله، ثمَّ جاءه العصر، فقال: قم فصلِّه. فصلَّى العصر حين صار ظلُّ كلِّ شيءٍ مثليه، ثمَّ جاءه المغرب وقتًا واحدًا، لم يزل عنه، ثمَّ جاءه العشاء حين ذهب نصف الليل - أو قال: ثلث الليل - فصلَّى العشاء، ثمَّ جاءه الفجر حين أسفر جدًّا، فقال: قم [فصلِّه] (1). فصلَّى الفجر، ثم قال: ما بين هذين وقتٌ (2). قال التِّرمذيُّ: حديث ابن عباس حديث حسنٌ، وقال البخاريُّ: أصحُّ حديثٍ في المواقيت حديث جابر (3). ز: حديث ابن عباس: رواه الإمام أحمد أيضًا: عن وكيع (4) وأبي
نُعيم (1) عن سفيان عن عبد الرَّحمن بن الحارث. ورواه أبو داود: عن مسدَّد عن يحيى عن سفيان عن عبد الرَّحمن بن فلان بن أبي ربيعة. قال أبو داود: هو عبد الرَّحمن بن الحارث بن عيَّاش بن أبي ربيعة (2). ورواه التِّرمذيُّ: عن هنَّاد عن عبد الرَّحمن بن أبي الزِّناد عن عبد الرَّحمن ابن الحارث (3). ورواه أبو بكر بن خزيمة في "صحيحه": عن أحمد بن عَبْدة عن مغيرة ابن عبد الرَّحمن عن عبد الرَّحمن بن الحارث؛ وعن بُنْدَار عن أبي أحمد، وعن [سلم] (4) بن جُنادة عن وكيع كلاهما (5) عن سفيان بنحوه (6). وعبد الرَّحمن هو: ابن الحارث بن عبد الملك بن عياش بن أبي ربيعة، تكلم فيه الإمام أحمد، وقال: هو متروك الحديث - كذا حكاه المؤلف في "الضعفاء" عن أحمد (7) -. وقال يحيى بن معين: صالح (8). وقال ابن نُمير: لا أُقْدِم على ترك حديثه (9). وقال أبو حاتم: شيخٌ (10). وقال
النَّسائيُّ: ليس بالقويِّ (1). ووثَّقه محمد بن سعدٍ (2) وابن حِبَّان (3). وأمَّا حَكيم: فهو ابن حَكيم بن عبَّاد بن حُنيف الأنصاريُّ الأوسيُّ المدنيُّ، ذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثِّقات" (4)، وقال محمد بن سعدٍ: كان قليل الحديث، ولا يحتجُّون بحديثه (5). وأمَّا حديث جابر: فرواه التِّرمذيُّ عن أحمد بن محمد بن موسى (6). ورواه النَّسائيُّ عن سُويد (7). ورواه أبو حاتم بن حِبَّان البُستيُّ عن الحسن بن سفيان عن حِبَّان (8). كلُّهم عن ابن المبارك. ورواه الحاكم وصحَّحه (9). وحسين بن عليِّ بن حسين بن عليِّ بن أبي طالب: يقال له: حسين الأصغر، أخو أبي جعفر محمد بن عليِّ بن الحسين، قال النَّسائيُّ: ثقةٌ (10). وذكره ابن حِبّان في كتاب "الثِّقات" (11) O. * * * * *
مسألة (89): للمغرب وقتان: فالأول: الغروب؛ والثاني: إلى
مسألة (89): للمغرب وقتان: فالأوَّل: الغروب؛ والثَّاني: إلى غيبوبة الشَّفق. وقال مالكٌ والشَّافعيُّ: وقتٌ واحدٌ. لنا ستَّة أحاديث: 478/ أ - الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا محمد بن فُضيل عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ للصَّلاة أولاً وآخرًا، وإنَّ أوَّل وقت صلاة الظُّهر: حين تزول الشَّمس، وآخر وقتها: حين يدخل وقت العصر، وإنَّ أوَّل وقت العصر: حين يدخل وقتها، وإن آخر وقتها: حين تصفرُّ الشَّمس، وإنَّ أوَّل وقت المغرب: حين تغرب الشَّمس، وإن آخر وقتها: حين يغيب [الأفق] (1)، وإنَّ أوَّل وقت عشاء (2) الآخرة: حين يغيب [الأفق] (3)، وإنَّ آخر وقتها: حين ينتصف الليل، وإنَّ أوَّل وقت الفجر: حين يطلع الفجر، وآخر وقتها: حين تطلع الشَّمس" (4). قالوا: قد قال البخاريُّ: حديث الأعمش عن مجاهد في المواقيت أصحُّ من حديث ابن فُضيل عن الأعمش؛ وحديث ابن فُضيل خطأٌ، أخطأ فيه ابن فُضيل (5). وكذلك قال الدَّارَقُطْنِيُّ: لا يصحُّ حديث ابن فُضيل مسندًا، وهم ابن
فُضيل في إسناده، وغيره يرويه عن الأعمش عن مجاهد مرسلاً (1). قلنا: ابن فُضيل ثقةٌ، فيجوز أن يكون الأعمش قد سمعه من مجاهد مرسلاً، وسمعه من أبي صالح مسندًا. ز: روى هذا الحديث التِّرمذيُّ: عن هنَّاد عن ابن فُضيل عن الأعمش (2). ورواه: عن هنَّاد عن أبي أسامة عن أبي إسحاق الفَزَاريِّ عن الأعمش عن مجاهد قال: كان يقال: [إنَّ] (3) للصَّلاة أولاً وآخرًا ... فذكر نحوه، وحكى كلام البخاريِّ (4). وقال العبَّاس بن محمد الدُّوريُّ: سمعت يحيى بن معين يضعِّف حديث محمد بن فُضيل عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة - أحسب يحيى يريد: "إنَّ للصَّلاة أولاً وآخرًا ... " -، وقال: إنَّما يروى عن الأعمش عن مجاهد (5). وقال في موضع آخر من "التَّاريخ": حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ للصَّلاة أولاً وآخرًا ... " رواه النَّاس كلُّهم عن الأعمش عن مجاهد مرسلاً (6) O. 479 - الحديث الثَّاني: قال التِّرمذيُّ: حدَّثنا أحمد بن مَنِيع ثنا إسحاق
ابن يوسف الأزرق عن سفيان عن علقمة بن مَرْثَد عن سليمان بن بُريدة عن أبيه قال: أتى النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلٌ فسأله عن مواقيت الصَّلاة، فقال: "أقم معنا". فأمر بلالاً فأقام، فصلَّى حين طلع الفجر؛ ثمَّ أمره فأقام حين زالت الشَّمس، فصلَّى الظُّهر؛ ثمَّ أمره فأقام فصلَّى العصرَ والشَّمسُ بيضاءُ مرتفعةٌ؛ ثمَّ أمره بالمغرب حين وقع حَاجِبُ الشَّمسِ؛ ثمّ َأمره بالعشاء فأقام حين غابَ الشَّفَقُ؛ ثمَّ أمره من الغد فنوَّر بالفجر؛ ثمَّ أمره بالظُّهر، وأنعم أن يبرد بها؛ ثمَّ أمره بالعصر، فأقام والشَّمسُ آخر وقتها؛ ثمَّ أمره فأخَّر المغرب إلى قبيل أن يغيب الشَّفق؛ ثمَّ أمره بالعشاء، فأقام حين ذهب ثلثُ الليل؛ ثمَّ قال: " أين السَّائل عن مواقيت الصَّلاة؟ ". قال الرَّجل: أنا. فقال: " مواقيتُ الصَّلاة بين هذين ". قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ (1). ز: رواه مسلمٌ عن زهير بن حربٍ وغيره عن إسحاق الأزرق، وعن إبراهيم بن محمد بن عَرْعَرةَ عن حَرَمي بن عمارة عن شُعبة عن عَلْقمة بن مَرْثدٍ (2). ورواه النَّسائيُّ (3) وابن ماجه (4) أيضًا O. 480 - الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أحمد بن عليِّ بن العلاء ثنا يوسف بن موسى ثنا الفضل بن دكين ثنا بدر بن عثمان حدَّثنا أبو بكر ابن أبي موسى عن أبيه عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أتاه سائلٌ يسأله عن مواقيت
الصَّلاة، فأمر بلالاً فأقام ... - وذكر نحو حديث بريدة، وقال: - " الوقت مابين هذين " (1). انفرد بإخراجه مسلمٌ (2). 481 - الحديث الرَّابع: قال الإمام أحمد: حدَّثنا عبد الصَّمد ثنا همَّام ثنا قتادة عن أبي أيُّوب عن عبد الله بن عمرو عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " وقت الظُّهر إذا زالت الشَّمس، وكان ظلُّ كل شيءٍ [كطوله] (3)، ما لم يحضر وقت العصر، ووقت العصر ما لم تصفرَّ الشَّمسُ، ووقت المغرب ما لم يغب الشَّفق، ووقت العشاء إلى نصف الليل الأوسط، ووقت الفجر من طلوع الفجر ما لم تطلع الشَّمس " (4). انفرد بإخراجه مسلمٌ (5). ز: في بعض ألفاظ مسلم: " ووقت صلاة المغرب إذا غابت الشَّمس ما لم يسقط [الشَّفق] " (6).
وفي لفظٍ: " ووقت المغرب ما لم يسقط ثَوْرُ الشَّفق " (1) O. 482 - الحديث الخامس: قال أحمد: حدثنا سفيان عن الزهري عن أنس عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا حضر العشاء، وأقيمت الصلاة، فأبدءوا بالعشاء " (2). 483 - طريقٌ آخر: قال البخاريُّ: ثنا يحيى بن بُكير ثنا الليث عن عُقيل عن ابن شهابٍ عن أنس بن مالك أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا قُدِّم العشاء، فابدءوا به قبل أن تصلُّوا صلاة المغرب، ولا تعجلوا (3) عن عشائكم " (4). أخرجاه في "الصَّحيحين" (5). 484 - الحديث السادس: قال البخاريُّ: ثنا عبيد بن إسماعيل عن أبي أسامة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا وُضع عشاء أحدكم، وأقيمت الصَّلاة، فأبدءوا بالعشاء، ولا يعجل حتى يفرغ منه " وكان ابن عمر يوضع له الطعام، وتقام الصَّلاة، فلا يأتيها حتى يفرغ، وإنه ليسمع قراءة الإمام (6). أخرجه مسلم (7).
احتجُّوا بأحاديث: أحدها: حديث ابن عبَّاس: " ثُمَّ صلَّى المغرب لوقته الأوَّل ". وقد سبق بإسناده (1). والثَّاني: حديث جابرٍ، وهو مثلُ حديث ابن عباس، وقد ذكرناه (2)، وفيه: ثمَّ جاءه المغرب في المرََّة الثَّانية حين غابت الشَّمس وقتًا واحدًا. 485 - الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا ابن صاعدٍ ثنا حميد بن الرَّبيع ثنا محبوب بن الجهم ثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أتاني جبريل حين طلع الفجر ... - فذكر الحديث، وقال في المغرب: - ثم أتاني حين سقط القُرْص، فقال: قم فصلِّ، ثم أتاني من الغد حين سقط القُرْص، فقال: قم فصلِّ " (3). 486 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا عثمان بن أحمد الدَّقَّاق ثنا أحمد بن عليٍّ الخزَّاز ثنا سعيد بن سليمان ثنا أيُّوب بن (4) عُتبة ثنا أبو بكر بن عمرو بن حَزْم عن عروة بن الزُّبير عن ابن أبي مسعود عن أبيه - إن شاء الله -: أنَّ جبريل عليه السَّلام أتى النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .... - فذكر المواقيت -، ثمَّ أتاه من الغد حين غابت الشَّمس وقتًا واحدًا (5). 487 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا أبو حامد محمد بن هارون الحضرميُّ ثنا (6)
الحسين بن حُريث ثنا الفضل بن موسى السيناني ثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هذا جبريل يعلمكم دينكم ... - فذكر المواقيت، وقال فيه: - ثم صلى المغرب حين غربت الشَّمس، وكذلك صلاها في اليوم الثاني " (1). 488 - وقال أحمد: ثنا إسحاق بن عيسى ثنا ابن لَهِيعة ثنا بكير (2) بن الأشج عن عبد الملك بن سعيد بن سُويد الساعدي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أمَّني جبريل ... - فذكر الحديث، وفيه: - وصلَّى المغرب حين غابت الشَّمس - في اليومين - " (3). 489 - قال أحمد: وثنا قتيبة ثنا عبد الله بن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن أسلم أبي عمران عن أبي أيوب الأنصاري قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " بادروا بصلاة المغرب قبل طلوع النجم " (4). 490 - قال أحمد: وحدثنا إسماعيل أنا محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن مرثد بن عبد الله اليزني قال: قدم علينا أبو أيّوب غازياً - وعقبة بن عامر يومئذٍ على مصر - فأخَّر المغرب، فقام إليه أبو أيّوب، فقال: ما هذه الصَّلاة يا عقبة؟! قال: شُغلنا. قال: أما والله، ما بي إلاَّ أن يظن الناس أنك
قد رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصنع هذا! أما سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا تزال أمتي بخير - أو: على الفطرة -، ما لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم " (1). والجواب عن هذه الأحاديث: أنه قد طعن في أكثرها: ففي إسناد حديث ابن [عمر] (2): حميد بن الرَّبيع، قال يحيى: هو كذَّاب (3). وقال النَّسائيُّ: ليس بشيءٍ (4). وفيه: محبوب بن الجهم، قال أبو حاتم بن حِبَّان: يروي عن عبيد الله ابن عمر الأشياء التي ليست من حديثه (5). وفي حديث أبي مسعود: أيُّوب بن عُتبة، قال يحيى: ليس بشيءٍ (6). وقال النَّسائيُّ: مضطرب الحديث (7). وقال علي بن الجُنَيد: شبه المتروك (8). وفي حديث أبي سعيدٍ وأبي أيُّوب: ابنُ لَهِيعة، وهو ذاهب الحديث.
وفي طريقه الثَّاني: ابنُ إسحاق، وقد كذَّبه مالكٌ (1). ثمَّ قد أجاب أصحابنا بثلاثة أجوبة: أحدها: أنَّ جبريل إنَّما أمَّ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكَّة، والنَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعل ما فعل بالمدينة، وإنَّما يؤخذ بالآخر من أمره. والثَّاني: أنَّ أخبارنا أصحُّ، وأكثر رواةً. والثَّالث: أنَّ فعله للمغرب في وقت واحدٍ لا يدلُّ على أنَّه لا وقت لها غيره، ألا ترى أنَّه صلَّى به العصر قبل اصفرار الشَّمس، ولم يدلَّ ذلك على أنَّه لا وقت لها غيره. وأمَّا أمره بالمبادرة إلى المغرب، فلأجل الفضيلة. ز: حديث أبي هريرة: رواه النَّسائيُّ (2)، وفي إسناده: محمد بن عمرو، وليس بالقويِّ. ورواه الحاكم وقال: على شرط مسلمٍ (3). وحديث مَرْثد بن عبد الله: رواه أبو داود (4) وأبو بكر بن خزيمة (5) والحاكم أيضًا وقال: على شرط مسلمٍ (6).
وابن إسحاق: صدوق، والمؤلِّف يحتجُّ به في غير موضعٍ. 491 - وقد روى ابن ماجه بإسناده عن العبَّاس بن عبد المطَّلب قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تزال أُمَّتي على الفِطْرة، ما لم يؤخِّروا المغرب حتى تشتبك النُّجوم " (1). ورواه الحاكم وصحَّحه (2). 492 - وقد روى عبد الله بن أحمد قال: حدَّثني أبي ثنا هارون بن معروف - قال عبد الله: وسمعته أنا من هارون - أنا ابن وهبٍ حدَّثني عبد الله ابن الأسود القرشيُّ أنَّ يزيد بن [خصيفة] (3) حدَّثه عن السَّائب بن يزيدَ أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تزال أُمَّتي على الفطرة، ما صلَّوا المغرب قبل طلوع النُّجوم " (4). ورواه الطَّبرانيُّ عن يحيى بن عثمان بن صالحٍ عن أصبغ بن الفرج عن ابن وهبٍ (5). قال عبد الرَّحمن بن أبي حاتم: سألتُ أبي عن عبد الله بن الأسود القرشيِّ، فقال: شيخٌ، لا أعلم روى عنه غير ابن وهبٍ (6) O. * * * * *
مسألة (90): الشفق الذي تجب بغيبوبته العشاء: هو الحمرة.
مسألة (90): الشَّفق الذي تجب بغيبوبته العشاء: هو الحمرة. وقال أبو حنيفة: هو البياض. لنا: حديث ابن عمر: " الشَّفق الحُمْرة ". وقد سبق بإسناده (1). وفي الأحاديث المتقدِّمة: صلَّى العشاء حين غاب الشَّفق (2). والمراد: الحُمْرة. فإن قالوا: ففي بعض الأحاديث المتقدِّمة: أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى العشاء حين اسودَّ الأفق. قلنا: ذاك عند غيبوبة الحُمْرة، وهو أوَّل الاسوداد. * * * * * مسألة (91): التَّغليس بالفجر أفضل - إذا اجتمع الجيران -. وقال أبو حنيفة: الإسفار أفضل. لنا طريقان في الدَّليل:
أحدهما: يدلُّ على فضيلة تقديم الصَّلاة في أوَّل وقتها عمومًا. والثَّاني: يخصُّ التغليس بالفجر. أمَّا الأوَّل: 493 - فروى أحمد: ثنا عفَّان ثنا شعبة أخبرني الوليد بن العيزار قال: سمعت أبا عمرو الشَّيبانيُّ قال: ثنا صاحب هذه الدَّار- وأشار إلى دار عبد الله ولم يسمِّه - قال: سألتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أيَّ العمل أحبُّ إلى الله عزَّ وجلَّ؟ قال: " الصَّلاة على وقتها ". قلت: ثُُمَّ أيّ؟ قال: " ثُمَّ برُّ الوالدين " (1). أخرجاه في "الصَّحيحين" (2). 494 - قال أحمد: وثنا يونس ثنا ليث عن عبد الله بن عمر بن حفص عن القاسم بن غنَّام عن جدَّته أمِّ أبيه الدُّنيا عن جدَّته أمِّ فروة أنَّها سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إنَّ أحبَّ العمل إلى الله عزَّ وجلَّ تعجيل الصَّلاة لأوَّل وقتها " (3). ز: حديث أمِّ فروة: رواه محمد بن عبد الله الخُزَاعيُّ والقَعْنَبِيُّ والفضل ابن موسى ووكيع وأبو نُعيم عن عبد الله بن عمر العُمَرِيِّ عن القاسم بن غَنَّام. ورواه الليث بن سعدٍ وقَزَعة بن سُويدٍ عن عبيد الله بن عمر العُمَرِيِّ عن القاسم بن غَنَّام. فقد حدَّث به عبد الله وعبيد الله، كما نذكره عن الدَّارَقُطْنِيِّ فيما يأتي (4) O.
495 - وقال التِّرمذيُّ: ثنا أحمد بن منيع ثنا يعقوب بن الوليد عن عبد الله ابن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الوقت الأول من الصَّلاة رضوان الله، والوقت الآخر عفو الله " (1). 496 - وقال أحمد: ثنا قتيبة ثنا الليث عن خالد بن يزيد (2) عن سعيد ابن أبي هلال عن إسحاق بن عمر عن عائشة قالت: ما صلَّى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاةً لوقتها الآخر [] (3) مرتين حتى قبضه الله (4). ورواه الدَّارَقُطْنِيُّ فقال: إلاَّ مرتين (5). وفي لفظٍ عن عائشة: ما صلَّى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلاة لوقتها الآخر حتى قبضه الله عزَّ وجلَّ (6). 497 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا عثمان بن أحمد بن السمّاك ثنا الحسين بن حميد حدَّثني فرج بن عبيد المُهَلَّبيُّ ثنا عبيد بن القاسم (7) عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أوَّل الوقت رضوان الله، وآخر الوقت عفو الله ". 498 - قال ابن السماك: وثنا علي بن إبراهيم الواسطي ثنا إبراهيم بن زكريا ثنا إبراهيم بن عبد الملك (8) بن أبي محذورة حدَّثني أبي عن جدي قال:
قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أوَّل الوقت رضوان الله، ووسط الوقت رحمة الله، وآخر الوقت عفو (1) الله " (2). الاعتماد على الحديث الأول، وفي باقي الأحاديث مقالٌ: أما حديث أم فروة: فإنه لا يرويه إلاَّ العمري، وقد اضطرب فيه، فرواه: عن القاسم بن غنام عن عمته أم فروة. والعمري: ضعيف، ضعّفه يحيى (3) وغيره. ويمكن أن يقال: فقد روي عن يحيى أنه قال في رواية: ليس به بأس، يكتب حديثه (4). وقال أحمد بن حنبل: هو صالح (5). وأما حديث ابن عمر: ففيه العمري أيضاً، وقد قلنا فيه. وفيه: يعقوب بن الوليد، قال أحمد: كان من الكذابين الكبار، يضع الحديث (6). وقال أبو داود: غير ثقة (7). وقال النَّسائيُّ: متروك الحديث (8).
وقال ابن حِبَّان: يضع الحديث على الثِّقات، لا يحلُّ كتب حديثه إلا على التَّعجُّب (1). وأمَّا حديث عائشة: فقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ليس إسناده بمتصلٍ (2). وأمَّا حديث جرير: ففيه: الحسين بن حميد، قال مُطَيَّن: هو كذَّابٌ ابن كذَّابٍ (3). وأمَّا حديث أبي محذورة: ففيه: إبراهيم بن زكريا، قال أبو حاتم الرَّازيُّ: هو مجهولٌ، والحديث الذي رواه منكرٌ (4). وقال ابن عَدِيٍّ: حدَّث عن الثِّقات بالأباطيل (5). وسُئل أحمد عن هذا الحديث - " أوَّل الوقت رضوان الله ... " - فقال: من روى هذا؟! ليس هذا يثبت (6). ز: 499 - عن عبد الله بن عمر عن القاسم بن غنَّام عن أهل بيته عن جدَّته أمِّ فروة أنَّها سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسأله رجلٌ عن أفضل الأعمال - فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الصَّلاة لأوَّل وقتها ".
هكذا رواه الإمام أحمد (1). ورواه أبو داود وعنده: عن القاسم بن غنام عن بعض أمهاته عن أم فروة (2). وفي رواية التِّرمذيِّ: عن القاسم عن عمته أم فروة، ولم يقل: عن بعض أمهاته. وقال: لا يروى إلاَّ من حديث العمري، وليس بالقوي في الحديث، واضطربوا في هذا الحديث (3). كذا قال التِّرمذيُّ، وفيه نظرٌ. وقد رواه قزعة بن سويد وغيره عن عبيد الله بن عمر عن القاسم بن غنام عن بعض أمهاته عن أم فروة، وقد تقدم ذلك (4). 500 - وقال أبو الحسن علي بن عمر الدَّارَقُطْنِيُّ (5): ثنا أبو طالب الحافظ ثنا يحيى بن عثمان بن صالح ثنا علي بن معبد ثنا يعقوب بن الوليد عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خير الأعمال الصَّلاة في أوَّل وقتها ". كذا رواه الحافظ محمد بن عبد الواحد في كتاب "المختارة" من طريق الدَّارَقُطْنِيِّ في ترجمة عبيد الله بن عمر عن نافع. ثم قال: سئل عنه الدَّارَقُطْنِيُّ فقال: رواه محمد بن حِمْيرَ الحمصيّ عن
عبيد الله عن نافع عن ابن عمر. وقيل: عنه عن عبد الله بن عمر - أخي عبيد الله بن عمر - عن نافع عن ابن عمر، وهو وهمٌ. والمحفوظ: عن عبيد الله وعن عبد الله، عن القاسم بن غَنَّام عن جدَّته عن أمِّ فروة (1) عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (2). وروى حديث إسحاق بن عمر عن عائشة: التِّرمذيُّ وقال: غريبٌ، وليس إسناده بمتصلٍ (3). وقال البيهقيُّ: هو مرسلٌ، إسحاق بن عمر لم يدرك عائشة (4). وقال عبد الرَّحمن بن أبي حاتم عن أبيه: إسحاق بن عمر، روى عن موسى بن وَرْدَان، روى عنه سعيد بن أبي هلال، مجهولٌ (5). وأمَّا حديث أبي مَحْذُورة: فرواه ابنُ عَدِيٍّ: 501 - ثنا محمد بن أحمد بن أبي مقاتل ثنا إبراهيم بن راشد ثنا إبراهيم ابن زكريا ثنا إبراهيم بن محمد بن أبي مَحْذُورة - مؤذِّن مسجد مكَّة - قال: حدَّثني أبي عن جدِّي قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أوَّلُ الوقت رضوانُ الله، وأوسطُ الوقت رحمةُ الله، وآخرُ الوقت عفوُ الله " (6).
كذا قال: (إبراهيم بن محمد بن أبي محذورة). وفي طريق الدَّارَقُطْنِيِّ: إبراهيم بن عبد الملك بن أبي محذورة، وهو أشبه بالصواب (1). وقال البيهقيُّ: هو إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة، مشهور O. وأما الطريق الثَّاني: 502 - فروى أحمد: ثنا سفيان عن الزُّهريِّ عن عروة عن عائشة أن نساءً من المؤمنات كنّ يصلّيَّن مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متلفعات بمروطهن، ثم يرجعن إلى أهلهن، ما يعرفهن أحد من الغلس (2). 503 - قال أحمد: وثنا محمد بن جعفر ثنا عوف عن أبي المنهال عن أبي برزة قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف أحدنا جليسه (3). الحديثان في "الصحيحين". 504 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أبو بكر النيسابوريُّ ثنا الربيع بن سليمان ثنا عبد الله بن وهب أخبرني أسامة بن زيد أن ابن شهاب أخبره أن عمر بن عبد العزيز كان قاعداً على المنبر، فأخّر صلاة العصر شيئاً، فقال عروة بن الزبير: أما إن جبريل قد أخبر محمداً بوقت الصَّلاة، سمعتُ بشير بن أبي
مسعود يقول: سمعت أبا مسعود الأنصاريَّ يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " نزل جبريل فأخبرني بوقت الصَّلاة، فصليت معه، ثم صليت معه، [ثم صليت معه] (1) .... - يحسب بأصابعه خمس صلواتٍ - ". فرأيت رسول الله: يصلِّي الظُّهر حين تزول الشَّمس، وربما أخرها حين يشتد الحر؛ ورأيته يصلِّي العصر والشَّمس مرتفعة بيضاء، فينصرف الرجل من الصَّلاة فيأتي ذا الحليفة قبل غروب الشَّمس؛ ويصلِّي المغرب حين تسقط الشَّمس؛ ويصلِّي العشاء حين يسود الأفق؛ وصلَّى الصُّبح مرة بغلس، ثم صلَّى مرة أخرى فأسفر، ثم كانت صلاته بعد ذلك بالغلس حتى مات، ثم لم يعد إلى أن يسفر (2). ز: ورواه أبو داود من رواية أسامة بن زيد الليثي عن ابن شهاب. قال أبو داود: روى هذا الحديث عن الزُّهريِّ: معمر ومالك وابن عيينة وشعيب بن أبي حمزة والليث بن سعدٍ وغيرهم، لم يذكروا الوقت الذي صلَّى فيه، ولم يفسروه (3). وأسامة بن زيد الليثي: قال أبو طالب عن أحمد بن حنبل: تركه يحيى ابن سعيد بأخرة (4). وقال الأثرم عن أحمد: ليس بشيء (5). وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: روى عن نافع أحاديث مناكير (6). واختلفت الرواية فيه عن
يحيى بن معين، فقال مرة: ثقة صالحٌ (1). وقال مرة: ليس به بأسٌ (2). وقال مرة: ثقة حجةٌ (3). وقال مرة: تُرك حديثه بأخرة (4). وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، ولا يحتجُّ به (5). وقال النَّسائيُّ (6) والدَّارَقُطْنِيُّ: ليس بالقويِّ.
وقال ابن عَدِيٍّ: ليس بحديثه بأسٌ (1). وروى له مسلمٌ في "صحيحه" (2) O. أمَّا حجَّتهم: 505 - فروى التِّرمذيُّ: ثنا هنَّاد ثنا عَبْدة عن محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لَبيدٍ عن رافع بن خَدِيجٍ قال: سمعتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " أسفروا بالفجر، فإنَّه أعظمُ للأجر" (3). 506 - طريقٌ آخر: قال أحمد: ثنا سفيان عن ابن عجلان عن عاصم ابن عمر بن قتادة عن محمود بن لَبيد عن رافع بن خَدِيج عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أصبحوا بالصُّبح، فإنَّه أعظم لأجوركم، - أو: أعظم للأجر - " (4). قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (5).
وهو محمول على ما إذا تأخر الجيران. ز: ورواه الإمام أحمد (1) وأبو داود (2) وابن ماجه (3) والنَّسائيُّ (4) وأبو حاتم بن حِبَّان البُستيُّ (5) بطرق عن ابن إسحاق وابن عجلان. ورواه الإمام أحمد أيضاً عن يزيد بن هارون عن ابن إسحاق عن ابن عجلان (6). فيحتمل: أن يكون: (وابن عجلان) (7)، كما رواه النعمان بن عبد السلام عن سفيان عن محمد بن إسحاق ومحمد بن عجلان عن عاصم. ويحتمل: أن يكون محمد بن إسحاق إنما سمعه من ابن عجلان، وكان يدلسه، والله أعلم. 507 - وقال النَّسائيُّ: أخبرني إبراهيم بن يعقوب حدَّثني إبراهيم بن أبي مريم أنا أبو غسان قال: حدَّثني زيد بن أسلم عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن رجال من قومه من الأنصار أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما أسفرتم بالصُّبح، فإنه أعظم للأجر " (8). هذا إسناد صحيح، وابن أبي مريم هو: سعيد، وأبو غسان هو:
مسألة (92): إذا تأخر الجيران فالإسفار بالصبح أفضل.
محمد بن مطرِّف المدنيُّ O. * * * * * مسألة (92): إذا تأخر الجيران فالإسفار بالصُّبح أفضل. وقال الشَّافعيُّ: الأفضل التَّقديم. وقد استدلَّ أصحابنا: 508 - بما روى سعيدٌ الأمويُّ في "المغازي" بإسناده: أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمَّا بعث معاذًا إلى اليمن قال له: "إذا كان الشِّتاء فصلِّ الفجر في أوَّل وقتها، ثُمَّ أطل القراءة؛ وإذا كان في الصَّيف فأسفر بالصُّبح، فإنَّ الليل قصيرٌ، والنَّاس ينامون" (1). * * * * * مسألة (93): يستحبُّ تعجيل الظُّهر في غير يوم الغيم. وقال مالك: يستحبُّ أن يؤخَّر حتَّى يصير الفيء ذراعًا.
لنا حديثان: 509 - الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا محمد بن جعفر ثنا عوف عن أبي المنهال قال: قال لي أبي: انطلق إلى أبي بَرْزَة. فانطلقت معه، فسأله (1) أبي: كيف كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلِّي المكتوبة؟ قال: كان يصلِّي الهجير - التي تدعونها: الأولى - حين تدحض الشَّمس، وكان يصلِّي العصر ثمَّ يرجع أحدنا إلى رحله والشَّمس حيَّةٌ (2). أخرجاه في "الصَّحيحين" (3). 510 - الحديث الثَّاني: قال التِّرمذيُّ: ثنا هنَّاد ثنا وكيع عن سفيان عن حكيم بن جُبير عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: ما رأيتُ أحدًا أشدَّ تعجيلاً للظُّهر من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكرٍ وعمر (4). حكيم بن جُبير: مضطرب الحديث، ضعَّفه أحمد (5) ويحيى (6) والنَّسائيُّ (7). * * * * *
مسألة (94): تعجيل العصر أفضل.
مسألة (94): تعجيل العصر أفضل. وقال أبو حنيفة: تأخيرها أفضل ما لم تصفر الشَّمس. لنا ثلاثة أحاديث: أحدها: حديث أبي برزة، وقد تقدم (1). والثَّاني: حديث أنس: 511 - قال أحمد: ثنا عبد الرَّزَّاق ثنا معمر عن الزُّهريِّ قال: أخبرني أنس بن مالك أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلِّي العصر، فيذهب أحدنا إلى العوالي والشَّمس مرتفعة. قال الزُّهريُّ: والعوالي على ميلين من المدينة وثلاثة. وأحسبه قال: وأربعة (2). أخرجاه في "الصَّحيحين" (3). 512 - طريق آخرٌ: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا القاضيان: أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل وأبو عمر محمد بن يوسف قالا: ثنا عبد الله بن شبيب ثنا أيُّوب بن سليمان ثنا أبو بكر بن أبي أويس حدَّثني سليمان بن بلال ثنا صالح بن كيسان عن حفص بن عبيد الله عن أنس بن مالك قال: صليت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العصر، فلما انصرف، قال رجل من بني سلمة: يا رسول الله، إن عندي
جزوراً أريد أن أنحرها، فأحب أن تحضر. فانصرف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وانصرفنا، فنحرت الجزور، وصنع لنا منها، فطعمنا منها قبل أن تغيب الشَّمس؛ وكنا نصلِّي العصر مع رسول الله، فيسير الراكب ستة أميال قبل أن تغيب الشَّمس (1). ز: عبد الله بن شبيب: ضعفه غير واحد، لكن قد روى الحديث مسلم بمعناه في الصَّلاة عن عمرو بن سواد ومحمد بن سلمة وأحمد بن عيسى، ثلاثتهم عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن يزيد بن أبي حبيب عن موسى ابن سعد عن حفص بن عبيد الله (2) O. 513 - الحديث الثَّالث: قال أحمد: ثنا أبو المغيرة عن الأوزاعي حدَّثني أبو النجاشي ثنا رافع بن خديج قال: كنا نصلِّي مع النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة العصر، ثم ننحر الجزور، فتقسم عشر قسم، ثم تطبخ، فنأكل لحماً نضيجاً، قبل أن تغيب الشَّمس (3). أخرجاه في "الصَّحيحين" (4). واسم أبي النجاشي: عطاء بن صهيب، وهو ثقة. 514 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثني أبي ثنا محمد بن أبي بكر ثنا عبد السلام بن عبد الحميد ثنا موسى بن أعين عن الأوزاعي عن أبي النجاشي قال: سمعت رافع بن خديج يقول: قال رسول الله: " ألا أخبركم بصلاة
المنافق؟ أن يؤخر العصر حتى إذا كانت كثرب البقرة (1) صلاها " (2). احتج الخصم بحديث وأثر: 515 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا الحسين بن إسماعيل وأحمد بن علي بن العلاء قالا: ثنا أحمد بن المقدام ثنا أبو عاصم ثنا عبد الواحد بن نافع قال: دخلت مسجد المدينة، فأذن مؤذن بالعصر، وشيخ جالس، فلامه، وقال: إن أبي أخبرني أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يأمر بتأخير هذه الصَّلاة. فسألت عنه، فقالوا: هذا عبد الله بن رافع بن خديج (3). ز: قال البيهقي - بعد ذكره حديث أبي النجاشي عن رافع بن خديج -: وهذه الرواية الصحيحة عن رافع بن خديج تدل على خطأ ما رواه عبد الواحد - أو: عبد الحميد - بن (4) نافع - أو: نفيع - الكلابي عن ابن رافع بن خديج عن أبيه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يأمرهم بتأخير العصر، وهو مختلفٌ في اسمه واسم أبيه، واختلف عليه في اسم ابن رافع: فقيل فيه: عبد الله؛ وقيل: عبد الرَّحمن. قال البخاريُّ (5): لا يتابع عليه. واحتج على خطئه بحديث أبي النجاشي عن رافع.
وقال أبو الحسن الدَّارَقُطْنِيُّ (1) - فيما أخبرنا أبو بكر [بن] (2) الحارث عنه -: هذا حديثٌ ضعيف الإسناد، والصَّحيح عن رافع وغيره ضدُّ هذا (3) O. 516 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وأنا أبو بكر الشَّافعيُّ ثنا محمد بن شاذان ثنا معلَّى بن منصور ثنا عبد الرَّحيم بن سليمان ثنا الشيبانيُّ عن العباس بن ذَرِيح عن زياد بن عبد الله النَّخَعِيِّ قال: كنَّا جلوسًا مع عليٍّ عليه السَّلام (4) في المسجد الأعظم، فجاءه المؤذِّن، فقال: الصَّلاة يا أمير المؤمنين. فقال: اجلس. فجلس، ثمَّ عاد فقال ذلك له، فقال عليٌّ: هذا الكلب يعلّمنا السُّنَّة! فقام عليٌّ فصلَّى بنا العصر، ثمَّ انصرفنا فرجعنا إلى المكان الذي كنَّا فيه جلوسًا، فجثونا للرُّكب، لنزول الشَّمس للمغيب نترآها (5). والجواب: أمَّا الحديث: فقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ابن رافع ليس بالقويِّ، ولم يروه عنه غير عبد الواحد، ولا يصحُّ هذا الحديث عن رافع ولا عن غيره من الصَّحابة (6). قلت: وقد قال أبو حاتم بن حِبَّان: عبد الواحد يروي عن أهل الحجاز المقلوبات، وعن أهل الشَّام الموضوعات، لا يحلُّ ذكره في الكتب إلا على سبيل القدح فيه (7).
مسألة (95): الصلاة الوسطى العصر، وهو قول علي وأبي وابن
وأما الأثر: فقال الدَّارَقُطْنِيُّ: زياد بن عبد الله مجهول، لم يروه (1) عنه غير العباس بن ذريح (2). ز: حديث زياد بن عبد الله النخعي: رواه الحاكم عن محمد بن أحمد بن بالويه الجلاب عن محمد بن شاذان الجوهري، وقال: صحيح (3). وسئل عنه الدَّارَقُطْنِيُّ في "العلل" فقال: رواه إسحاق بن أبي إسحاق الشيباني عن أبيه بهذا الإسناد، وقال: يعلمنا بالصَّلاة، ولم يقل: بالسُّنَّة (4) O. * * * * * مسألة (95): الصَّلاة الوسطى العصر، وهو قول علي وأبي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وأبي سعيد وعبد الله بن عمرو وأبي هريرة وسمرة وعائشة وحفصة وأم سلمة وجمهور التابعين. وقال مالك والشَّافعيُّ: الفجر. 517 - قال أحمد: ثنا عفان ثنا همام أنا قتادة عن أبي حسان عن عبيدة عن علي أن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال يوم الأحزاب: " ملأ الله بيوتهم وقبورهم ناراً، كما شغلونا عن الصَّلاة الوسطى، حتى غابت الشَّمس " (5).
518 - قال أحمد: وثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن مسلم عن شُتَير بن شَكَل عن عليٍّ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الأحزاب: " شغلونا عن الصَّلاة الوسطى - صلاة العصر - ملأ الله قلوبهم وبيوتهم نارًا ". ثمَّ صلاَّها بين العشاءين (1). انفرد بإخراج هذا مسلمٌ (2)، واتَّفقا على الذي قبله. 519 - أخبرنا عبد الوهَّاب بن المبارك أنا أحمد بن محمد بن إبراهيم ثنا إسماعيل بن الحسن الصَّرصريُّ ثنا الحسين بن إسماعيل المَحَامليُّ ثنا يوسف ثنا وكيع ثنا سفيان الثَّوريُّ عن عاصم بن أبي النَّجود عن زِرٍّ أنَّ عَبيدة سأل عليًّا عن الصَّلاة الوسطى، فقال: كنَّا نعدُّها الفجر، حتى سمعتُ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول يوم الأحزاب: " شغلونا عن الصَّلاة الوسطى - صلاة العصر -، ملأ الله قبورهم وأجوافهم نارًا ". ز: إسناد هذا الحديث قويٌّ، وقد رواه بمعناه: النَّسائيُّ (3) وابن ماجه (4) وعبد الله بن أحمد فيما زاده في مسند أبيه عن غيره (5) O. 520 - وقال أحمد: ثنا خلف بن الوليد ثنا محمد بن طلحة عن زُبَيْد عن مُرَّة عن ابن مسعودٍ قال: حبَسَ المشركون رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن صلاة العصر حتى اصفارت - أو: احمارت - الشَّمس، فقال: " شغلونا عن الصَّلاة الوسطى،
ملأ الله أجوافهم وقبورهم - أو: حشى الله أجوافهم وقبورهم - نارًا " (1). انفرد بإخراجه مسلمٌ (2). ز: 521 - وروى سمرة بن جندب عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال في صلاة الوسطى: " صلاة العصر ". رواه أحمد (3) والتِّرمذيُّ وقال: قال محمد - يعني البخاريَّ -: قال عليُّ ابن عبد الله - هو: ابن المدينيِّ -: حديث الحسن عن سمرة حديثٌ صحيحٌ، وقد سمع منه. وقال التِّرمذيُّ: حديث سمرة في صلاة الوسطى حديثٌ حسنٌ صحيحٌ (4). ورواه الإمام أحمد قال: " صلاة الوسطى: صلاة العصر " (5). وفي رواية له: أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئل عن صلاة الوسطى، قال: " هي صلاة العصر" (6). وفي لفظٍ له: أنَّ نبيَّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " حافظوا على الصَّلوات والصَّلاة الوسطى " وسمَّاها لنا أنها هي صلاة العصر (7). 522 - وعن ابن مسعودٍ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صلاة الوسطى: صلاة العصر ".
رواه التِّرمذيُّ وقال: حديثٌ صحيحٌ (1) O. احتجُّوا: 523 - بما روى مسلمٌ: ثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك بن أنسٍ عن زيد بن أسلم عن القعقاع بن حَكيم عن أبي يونس - مولى عائشة - قال: أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفًا، ثمَّ قالت: إذا بلغت هذه الآية فآذنِّي: [{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلَاةِ الوُسْطَى}] (2) [البقرة: 238]. فلمَّا بلغتها آذنتها، فأملت: " حافظوا على الصَّلوات والصَّلاة الوسطى وصلاة العصر " وقالت: سمعتها من رسول الله (3). 524 - قال مسلمٌ: وثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظليُّ أنا يحيى بن آدم ثنا الفضيل بن مرزوقٍ عن شقيق بن عقبة عن البراء بن عازبٍ قال: نزلت هذه الآية:} حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَصَلَاةِ العَصْر {، فقرأناها ما شاء الله عزَّ وجلَّ، ثُمَّ نسخها فنزلت: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلَاةِ الوُسْطَى} [البقرة: 238]. فقال رجلٌ كان جالسًا عند شقيق: فهي إذًا صلاة العصر؟ فقال البراء: قد أخبرتك كيف نزلت، وكيف نسخها الله تعالى (4). انفرد بإخراج الحديثين مسلمٌ. وهما حجَّةٌ لنا، لأنها هي الوسطى وهي العصر. * * * * *
مسألة (96): يستحب تأخير العشاء، خلافا لأحد قولي الشافعي.
مسألة (96): يستحب تأخير العشاء، خلافًا لأحد قولي الشَّافعيِّ. 525 - قال أحمد: ثنا سفيان عن عمرو عن عطاء، وابن جريج عن عطاء، عن ابن عباس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخَّر العشاء حتى ذهب من الليل ما شاء الله، فقال له عمر: يا رسول الله، نام النِّساء والولدان! فخرج فقال: " لولا أن أشقَّ على أمَّتي لأمرتهم أن يصلُّوها هذه السَّاعة " (1). 526 - قال أحمد: وثنا محمد بن جعفر ثنا عوف عن أبي المنهال عن أبي بَرْزَة قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستحبُّ أن يؤخِّر العشاء، التي تدعونها: العتمة (2). 527 - قال أحمد: وثنا حسين بن محمد ثنا أيُّوب بن جابر عن سِماَك عن جابر بن سَمُرة قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يؤخِّر العتمة (3). انفرد بإخراج هذا الحديث مسلمٌ، واتَّفقا على الحديثين قبله. 528 - قال أحمد: وثنا ابن أبي عَدِيٍّ عن داود عن أبي نضرة عن أبي سعيدٍ قال: انتظرنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلةً لصلاة العشاء، حتى ذهب نحوٌ من شطر الليل، فجاء، فصلَّى بنا، وقال: " لولا ضعف الضَّعيف، وسُقمْ السَّقيم،
وحاجة ذي الحاجة، لأخَّرتُ هذه الصَّلاة إلى شطر الليل " (1). ز: هذا حديثٌ صحيحٌ، رواه: أبو داود (2) وابن ماجه (3) والنَّسائيُّ (4) وابن خزيمة في "صحيحه" (5). وسُئل عنه الدَّارَقُطْنِيُّ فقال: يرويه داود بن أبي هند، واختلف عنه: فرواه هُشيم وخالد وابن أبي عَدِيٍّ وبشر بن المفضَّل وعليُّ بن مُسْهِرٍ وعبد الوارث وإبراهيم بن طَهْمان ويحيى بن زكريا بن أبي زَائدة ومحمد بن سعيدٍ الأُمويُّ - أخو يحيى، وهم أربع إخوة: عبيد الله ومحمد ويحيى وعبد الله، كلُّهم ثقات - عن داود عن أبي نَضْرة عن أبي سعيدٍ. وخالفهم: أبو معاوية الضَّرير، فرواه عن داود عن أبي نَضْرة عن جابر. والصَّحيح عن أبي سعيدٍ (6). وقد رواه ابن حِبَّان من رواية أبي معاوية عن داود عن أبي نَضْرة عن جابر (7) O. 529 - وقال التِّرمذيُّ: ثنا هنَّاد ثنا عَبْدة عن عبيد الله بن عمر عن سعيد المَقْبُرِيِّ عن أبي هريرة قال: قال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لولا أن أشقَّ على أمَّتي، لأمرتهم أن يؤخِّروا العشاءَ إلى ثلثِ الليلِ، أو نصفِه ".
قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ (1). ز: وروى هذا الحديث: ابن ماجه (2) والإمام أحمد، وعنده: " ولأخَّرت عشاء الآخرة إلى ثلث الليل الأوَّل " (3) O. احتجُّوا: بحديث أبي مسعود الأنصاريِّ: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلِّي العشاء حين يسودُّ الأفق. وقد سبق إسناده (4). 530 - وبما رواه التِّرمذيُّ: ثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشَّوارب ثنا أبو عَوانة عن أبي بِشْر عن بَشير بن ثابتٍ (5) عن حَبيب بن سالمٍ عن النُّعمان بن بَشيرٍ قال: أنا أعلمُ النَّاس بوقت هذه الصَّلاة - يعني: العشاء -، كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلَِّيها لسُقوطِ القمر لثالثةٍ (6).
ز: ورواه الإمام أحمد (1) وأبو داود (2) والنَّسائيُّ (3). وقد رواه جرير عن رقبة عن أبي بشر عن حبيب، فأسقط بشيراً. تابعه هشيم عن أبي بشر. وقال التِّرمذيُّ: حديث [أبي] (4) عوانة أصح (5) O. والجواب: أن أحاديثنا أصح وأكثر، وإنما كان يفعل ذلك لأجل الضعيف والسقيم، والكلام في الأفضل. * * * * *
مسائل الأذان
مسائل الأذان مسألة (97): الأذان فرضٌ على الكفاية، خلافًا لأكثرهم. 531 - قال أحمد: ثنا إسماعيل بن إبراهيم ثنا أيُّوب عن أبي قِلابة عن مالك بن الحُويرث قال: أتينا رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأقمنا عنده عشرين ليلةً، وكان رحيماً رقيقًا، فظنَّ أَنَّا قد اشتقنا إلى أهلنا، فقال: " ارجعوا إلى أهليكم، وليوذِّن لكم أحدكم، ثمَّ ليؤمَّكم أكبركم " (1). أخرجاه في "الصَّحيحين" (2). * * * * * مسألة (98): لا يستحب التَّرجيع في الأذان. وقال مالكٌ والشَّافعيُّ: يستحبُّ. 532 - قال أحمد: ثنا يعقوب ثنا أبي ثنا ابن إسحاق قال: وذكر محمد ابن مسلمٍ الزُّهريُّ عن سعيد بن المسيّب عن عبد الله بن زيدِ بن عبد ربِّه قال: لمَّا أجمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يضرب بالنَّاقوس لجمع النَّاس [للصَّلاة] (3) - وهو
كارهٌ لموافقة النصارى -، طاف بي من الليل طائف وأنا نائم: رجل عليه ثوبان أخضران، وفي يده ناقوس يحمله، فقلت له: با [] (1) عبد الله، ألا تبيع الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ قلت: ندعو به إلى الصَّلاة. قال: أفلا أدلك على خير من ذلك؟ فقلت: بلى. قال: تقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلاَّ الله، أشهد أن لا إله إلاَّ الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصَّلاة، حي على الصَّلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلاَّ الله. قال: ثم استأخر غير بعيد، ثم قال: تقول إذا أقمت الصَّلاة: الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلاَّ الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصَّلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصَّلاة، قد قامت الصَّلاة، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلاَّ الله. قال: فلما أصبحت أتيت رسول الله، فأخبرته بما رأيت، فقال: " إن هذه لرؤيا حق - إن شاء الله - ". ثم أمر بالتأذين، فكان بلال يؤذن بذلك، ويدعو رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الصَّلاة، فدعاه ذات غداةٍ إلى الفجر، فقيل له: إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نائم. فصرخ بلال بأعلى صوته: الصَّلاة خير من النوم. قال سعيد بن المسيب: فأدخلت هذه الكلمة في التأذين لصلاة الفجر (2). وهذا الحديث أصل التأذين، وليس فيه ترجيع، فدل على أنه المستحب، وعليه عمل أهل المدينة، والأخذ بالمتأخر من حال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ز: وقد روى هذا الحديث: أبو يعلى الموصلي، ثنا عمرو الناقد ثنا يعقوب ثنا أبي عن محمد بن إسحاق ثنا محمد بن إبراهيم عن محمد بن عبد الله بن
زيد بن عبد ربِّه عن أبيه فذكره (1). ورواه الإمام أحمد أيضًا من رواية ابن إسحاق عن محمد بن إبراهيم (2). ورواه أبو داود عن محمد بن منصور الطُّوسيِّ عن يعقوب بن إبراهيم عن أبيه عن ابن إسحاق عن محمد بن إبراهيم (3). ورواه التِّرمذيُّ عن سعيد بن يحيى الأُمويِّ عن أبيه عن ابن إسحاق عن محمد بن إبراهيم ببعضه، وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ (4). ورواه ابن ماجه عن محمد بن عُبيد بن ميمون المدنيِّ عن محمد بن سلمة عن ابن إسحاق (5). ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" بطرقٍ، منها: عن محمد بن يحيى عن يعقوب بن إبراهيم بن سعدٍ عن أبيه عن محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم (6). وقال: سمعت محمد بن يحيى يقول: ليس في أخبار عبد الله بن زيد في قصة الأذان خبرٌ أصحُّ من هذا، لأنَّ محمد بن عبد الله بن زيدٍ سمعه من أبيه، وعبد الرَّحمن بن أبي ليلى لم يسمع من عبد الله بن زيدٍ (7).
قال ابن خزيمة: وخبر محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن محمد ابن عبد الله بن زيد بن عبد ربِّه عن أبيه ثابتٌ صحيح من جهة النَّقل، لأنَّ محمد ابن عبد الله بن زيدٍ قد سمعه من أبيه، ومحمد بن إسحاق قد سمعه من محمد بن إبراهيم بن الحارث التَّيميِّ، وليس هو ممَّا دلَّسه محمد بن إسحاق (1). ورواه أبو حاتم البستيُّ عن أبي يعلى الموصليِّ (2). وفي كتاب "العلل" لأبي عيسى التِّرمذيِّ قال: سألتُ محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث - يعني حديث محمد بن إبراهيم التَّيميِّ - فقال: هو عندي صحيحٌ (3). وقال التِّرمذيُّ أيضًا عن البخاريِّ: لا يعرف لعبد الله بن زيدٍ إلا حديث الأذان (4) O. 533 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا عثمان بن أحمد الدَّقَّاق ثنا عبد الكريم بن الهيثم ثنا سعيد بن المغيرة ثنا عيسى بن يونس عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: كان الأذان على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرَّتين مرَّتين، والإقامة مرَّة مرَّة (5). وهذا دليلٌ على أنَّه لم يكن فيه ترجيعٌ.
ز: هذا إسناد صحيح، وسعيد بن المغيرة الصياد: وثقه أبو حاتم (1) وغيره. وقد رواه الإمام أحمد من غير طريق عبيد الله عن نافع، فقال: 534 - ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة قال: سمعت أبا جعفر- يعني: المؤذن - يحدث عن مسلم أبي المثنى (2) عن ابن عمر قال: إنما كان الأذان على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرتين - وقال حجاج: يعني مرَّتين مرَّتين -، والإقامة مرة غير أنه يقول: قد قامت الصَّلاة، قد قامت الصَّلاة. وكنا إذا سمعنا الإقامة توضأنا، ثم خرجنا إلى الصَّلاة. قال أحمد: وثنا حجاج ثنا شعبة قال: سمعت أبا جعفر - مؤذن مسجد العُريان (3)، في مسجد بني هلال - عن مسلم أبي المثنى - مؤذن مسجد الجامع - ... فذكر هذا الحديث. قال شعبة: لا أحفظ عنه غير هذا (4). وقد رواه أبو داود (5) والنَّسائيُّ (6) وابن خزيمة في "صحيحه" (7) وأبو حاتم بن حبان البستيُّ (8) والدَّارَقُطْنِيُّ (9) بطرقٍ عن شعبة O.
احتجُّوا: 535 - بما روى أحمد: ثنا رَوْح ثنا ابن جريج قال: أخبرني عبد العزيز ابن عبد الملك بن أبي مَحْذُورة أنَّ عبد الله بن محيريز أخبره - وكان يتيماً في حجر أبي مَحْذُورة - قال: قلت لأبي مَحْذُورة: أخبرني عن تأذينك. قال: نعم، خرجت في نفرٍ فكنت في بعض طريق حنين، مَقْفل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلقينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بعض الطََّريق، فأذَّن مؤذِّن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسمعنا صوت المؤذِّن، فصرخنا نحكيه ونستهزئ به، فسمع النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّوت، فأرسل إلينا، إلى أن وقفنا بين يديه، فقال: " أيُّكم الذي سمعت صوته قد ارتفع؟ " فأشار القوم كلُّهم إليَّ - وصدقوا-، فأرسلهم كلَّهم وحبسني، فقال: " قم فأذِّن بالصَّلاة ". فقمت ولا شيء أكره إليَّ من النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما يأمرني به، فقمت بين يدي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فألقى عليَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التأذين هو بنفسه: " الله أكبر، الله أكبر- كذا قال روح مرَّتين -، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمَّدًا رسول الله، أشهد أنَّ محمَّدًا رسول الله ". ثمَّ قال لي: " ارجع فامدد من صوتك ". ثمَّ قال لي: " قل: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أنَّ محمَّدًا رسول الله، أشهد أنَّ محمَّدًا رسول الله، حيَّ على الصَّلاة، حيَّ على الصَّلاة، حيَّ على الفلاح، حيَّ على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله ". ثمَّ دعاني حين قضيت التَّأذين، فأعطاني صرَّةً فيها شيءٌ من فضة، ثمَّ وضع يده على ناصية أبي مَحْذُورة، ثُمَّ أمرَّها على وجهه، ثُمَّ بين ثدييه، ثُمَّ على كبده، وقال: " بارك الله فيك وبارك عليك ". فقلت: يا رسول الله، مُرني بالتَّأذين بمكَّة. قال: " قد أمرتك به ". وذهب كلُّ شيءٍٍ كان لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من كراهية، وعاد ذلك كله محبةً لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1). 536 - قال أحمد: ثنا عفَّان ثنا همَّام ثنا عامر الأحول قال: حدَّثني
مكحول أنَّ عبد الله بن محيريز حدَّثه أنَّ أبا مَحذُورة حدَّثه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علَّمه الأذان تسع عشرة كلمة، والإقامة سبع عشرة كلمة، الأذان: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر (1)، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حيَّ على الصَّلاة، حيَّ على الصَّلاة، حيَّ على الفلاح، حيَّ على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله؛ والإقامة - مثنى مثنى -: الله أكبر، الله أكبر [] (2)، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حيَّ على الصَّلاة، حيَّ على الصَّلاة، حيَّ على الفلاح، حيَّ على الفلاح، قد قامت الصَّلاة، قد قامت الصَّلاة، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله (3). قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ، وأبو محذورة، اسمه: سَمُرة بن مِعْيَر (4). وقد روى الدَّارَقُطْنِيُّ من حديث سعد القَرَظ أنَّه وصف أذان بلال، وفيه التَّرجيع (5). والجواب من وجهين: أحدهما: أنَّه لمَّا لقَّن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا مَحْذُورة وكان كافرًا أعاد عليه الشَّهادة وكرَّرها لتثبت عنده ويحفظها، ويكرِّرها على أصحابه المشركين، فإنَّهم كانوا ينفرون منها، خلاف نفورهم من غيرها، فلمَّا كرَّرها عليه ظنَّها من
الأذان، فعدَّ الأذان تسع عشرة كلمة، وإذا كان كذلك لم يكن تكرارها سنَّة. والثَّاني: أنَّ أذان أبي مَحْذُورة عليه أهل مكَّة، وما ذهبنا إليه عليه أهل المدينة، والعمل على المتأخِّر من الأمور. وأما ما ادعي على بلال: فمحالٌ، لأنَّه لا يختلف في أنَّ بلالاً كان لا يرجِّع، وإنَّما الحديث الذي ذكره الدَّارَقُطْنِيُّ من رواية عبد الله بن محمد بن عمَّار ابن سعد القَرَظ، قال يحيى بن معين: ليس بشيءٍ (1). ز: روى مسلمٌ في "صحيحه" حديث أبي محذورة مختصرًا: 537 - من رواية عامر الأحول عن مكحول عن ابن مُحَيْريز عن أبي مَحْذُورَة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علَّمه الأذان: الله أكبر، الله أكبر (2)، أشهد أَن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أنَّ محمدًا رسول الله، [أشهد أن محمدًا رسول الله] (3)، ثُمَّ يعودُ فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله - مرَّتين -، أشهد أن محمدًا رسول الله - مرتين -، حيَّ على الصَّلاة - مرَّتين-، حيَّ على الفلاح - مرَّتين-، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله (4). وقد روى الإمام أحمد (5) وأبو داود (6) والتِّرمذيُّ (7) والنَّسائيُّ (8) وابن
مسألة (99): التكبير في أول الأذان أربع.
ماجه (1) وابن خزيمة (2) وأبو يعلى الموصلي (3) وأبو القاسم الطبراني (4) حديث أبي محذورة بطرقٍ، وفي بعضها زيادة على بعض O. * * * * * مسألة (99): التَّكبير في أوَّل الأذان أربع. وقال مالك: مرَّتان. حديث عبد الله بن زيدٍ - المتقدِّم (5) -، وأنَّ بلالاً دام على ذلك بحضرة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. احتجُّوا: بما ذكرنا في المسألة قبلها من رواية رَوْح عن ابن جُريج أنَّ التَّكبير مرَّتان (6)، وكذلك روى محمد بن بكر عن ابن جريج أيضاً. 538 - وقال أحمد: ثنا سريج بن النُّعمان عن الحارث بن عبيد عن محمد
مسألة (100): الأفضل في الإقامة الإفراد.
ابن عبد الملك ابن أبي مَحْذُورة عن أبيه عن جدِّه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علَّمه الأذان .... فذكر التَّكبير فيه مرَّتين فقط (1). 539 - قالوا: وروى أبو داود من حديث معاذ بن جبل أنَّ عبد الله بن زيدٍ جاء إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاستقبل القبلة، وقال: الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله ... فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لقِّنها بلالاً " (2). والجواب: أنَّ رواةَ حديثنا أكثر وأشهر وأحفظ، وقد روينا في حديث عبد الله بن زيدٍ أنَّ التَّكبير أربع، وأنَّ بلالاً كان يفعل ذلك. وروينا في حديث أبي مَحْذُورة وسعد القَرَظ كذلك، وإذا اختلفت الرِّواية عن أبي مَحْذُورة وكانت رواتنا أكثر وأحفظ، وقد أتوا بالزِّيادة، كانوا أولى، لأنَّ الآتي بالزِّيادة قد حفظ ما لم يحفظ النَّاقص. ز: حديث الحارث بن عبيد عن محمد بن عبد الملك: رواه أبو داود عن مُسَدَّد عنه، وذكر فيه التَّكبير أربعًا (3)، والله أعلم O. * * * * * مسألة (100): الأفضل في الإقامة الإفراد. وقال أبو حنيفة: التَّثنية.
540 - قال البخاريُّ: ثنا سليمان بن حربٍ ثنا حمَّاد بن زيدٍ عن سِماك ابن عطيَّة عن أيُّوب عن أبي قِلابة عن أنس قال: أُمر بلالٌ أن يشفع الأذان، ويوتر الإقامة (1). وأخرجه مسلمٌ (2). 541 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا عليُّ بن عبد الله بن مبشر ثنا أحمد بن سنان ثنا عبد الرَّحمن عن شعبة عن أبي جعفر قال: سمعت أبا المثنَّى يحدِّث عن ابن عمر قال: كان الأذان على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرَّتين مرَّتين، والإقامة واحدة، غير أنَّ المؤذِّن كان إذا قال: قد قامت الصَّلاة قال: قد قامت الصَّلاة - مرَّتين (3) -. ز: قد تقدَّم ذكر من روى هذا الحديث في مسألة التَّرجيع (4) O. 542 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا أبو بكر الشَّافعيُّ ثنا محمد بن غالبٍ ثنا عبد الله بن عبد الوهَّاب ثنا إبراهيم بن عبد العزيز بن (5) عبد الملك بن أبي مَحْذُورة قال: حدَّثني عبد الملك أنَّه سمع أباه أبا مَحْذُورة يحدِّث: أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمره أن يشفع الأذان، ويوتر الإقامة (6).
احتجُّوا: 543 - بما روى التِّرمذيُّ: ثنا أبو سعيد الأشَجُّ ثنا عُقبة بن خالد عن ابن أبي ليلى عن عمرو بن مُرَّة عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن عبد الله بن زيدٍ قال: كان أذان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شفعًا شفعًا، في الأذان والإقامة (1). 544 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا ابن صاعدٍ ثنا الحسن بن يونس الزَّيَّات ثنا أسود بن عامر ثنا أبو بكر بن عيَّاش عن الأعمش عن عمرو بن مُرَّة عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبلٍ قال: قام عبد الله بن زيدٍ فقال: يا رسول الله، رأيتُ في النَّوم كأن رجلاً نزل من السَّماء - فأذَّن مثنى مثنى - ثم جلس، ثم قام فقال: مثنى مثنى. فقال: " علِّمها بلالاً ". فقال عمر: قد رأيت مثل الذي رأى، ولكنَّه سبقني (2). 545 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا محمد بن مخلد ثنا إبراهيم بن محمد ثنا إبراهيم بن دينار ثنا زياد بن عبد الله البَكَّائِيُّ ثنا إدريس الأَوْديُّ عن عون بن أبي جُحَيفة عن أبيه أنَّ بلالاً أذَّن لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمنى صوتين صوتين، وأقام مثل ذلك (3). 546 - قالوا: وقد روى الدَّارَقُطْنِيُّ: أنَّ الأسود بن يزيد وسُويد بن غَفَلَة قالا: كان بلال يثنِّي الإقامة (4).
547 - وقال مجاهد: كان الأذان والإقامة مثنى مثنى، فلمَّا قام بنو أميَّة أفردوا الإقامة. 548 - وقال النَّخعيُّ: أوَّل من نقص الإقامة معاوية. والجواب: أمَّا الحديث الأوَّل: فقال التِّرمذيُّ: لم يسمع ابن أبي ليلى من ابن زيد. وأمَّا الحديث الثَّاني: فقال ابن خزيمة: لم يسمع ابن أبي ليلى من معاذ (1). وأمَّا الثَّالث: فيرويه زياد عن إدريس الأَوْدِيِّ، ووَهِمَ عليه فيه، وقال يحيى: زياد ليس بشيءٍ (2). وقال ابن المدينيِّ: لا أروي عنه (3). فإن قيل: قد وثَّقه أحمد - في رواية - (4) -، وقال أبو زرعة: صدوق (5). قلنا: الجرح مقدّمٌ. وأمَّا الأسود وسُويد فلم يدركا بلالاً (6).
وما ذكروا عن مجاهد: لا يعرف. وما ذكروه عن النَّخعيِّ: فالمحفوظ (نَقَضَ الإقامة) بالضَّاد المعجمة، ونقضُه لها: أنَّها كانت فرادى فجعلها مثنى. قال أبو عبد الله الحاكم: والدَّليل على أنَّ المنقول كذا، أنَّا روينا عن النَّخعيِّ ما يوافق مذهبنا، فلو كان عنده سنَّةٌ صحيحةٌ لم يخالفها. وأحاديثنا أصحُّ، والجمهور معنا، قال بكير بن عبد الله بن الأشج: أدركت أهل المدينة في الأذان مثنى مثنى، وفي الإقامة مرَّة. وبكير: من كبار التَّابعين، وهو يخبر بهذا عن الصَّحابة والتَّابعين في دار الهجرة. ثمَّ إنَّ مذهبنا مرويٌّ عن الخلفاء الأربعة - كان يقام لهم مرَّة -، وعن ابن عمر وابن عباس وأنس، وفقهاء المدينة السَّبعة - سعيد بن المسيَّب وأبي بكر بن عبد الرَّحمن والقاسم بن محمد وسليمان بن يسار وخارجة بن زيدٍ وعبيد الله بن عبد الله وعروة -، وهو مذهب الحسن وسالم وعمر بن عبد العزيز والزُّهريِّ والقُرَظيِّ والأوزاعيِّ والليث ومالك والشَّافعيِّ وابن راهويه في خلقٍ كثير. وما ذهب الخصم إليه لم ينقل إلا عن الثَّوريِّ وابن المبارك، وفي الحديث: " عليكم بالسَّواد الأعظم ". وهو معنا بحمد الله. ز: حديث عون بن أبي جحيفة عن أبيه: حديثٌ منكرٌ. وزياد بن عبد الله البَكَّائِيُّ: روى له البخاريُّ مقرونًا بغيره (1)، واحتجَّ
مسألة (101): يقول: " قد قامت الصلاة " مرتين.
به مسلمٌ (1)، وصدَّقه جماعة وتكلَّم فيه آخرون. وحديث: " عليكم بالسَّواد الأعظم ": ليس بصحيحٍ. وفي بعض كلام المؤلِّف في هذه المسألة نظرٌ، كقوله: (إنَّ بكيرًا من كبار التَّابعين)، وقوله: (إن الأسود بن يزيد وسُويد بن غَفَلَة لم يدركا بلالاً)، والله أعلم O. * * * * * مسألة (101): يقول: " قد قامت الصَّلاة " مرَّتين. وقال مالك: مرَّة. لنا: ما تقدَّم من الأخبار، وفيها كلُّها كمذهبنا. احتجُّوا: 549 - بما روى الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أبو بكر الشَّافعيُّ ثنا بشر بن موسى ثنا الحُميديُّ ثنا عبد الرَّحمن بن سعد بن عمَّار بن سعد بن عائذ القَرَظَ قال: حدَّثني عمَّار وعمر ابنا حفص بن سعد القَرَظَ عن عمر بن سعد عن أبيه سعد أنَّه سمعه يقول: هذا الأذان أذان بلال ... - فذكره، ثمَّ قال: - والإقامة واحدة، تقول: " قد قامت الصَّلاة " مرَّة واحدةً (2).
مسألة (102): يجوز الأذان للفجر قبل طلوعه.
والجواب: إن أحاديثنا أكثر ورواتنا أحفظ، وقد دام على مذهبنا أهل المدينة. ز: 550 - وقد احتج مالكٌ بحديث أنس: أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة. رواه البخاريُّ (1) ومسلمٌ (2)، لكن زاد البخاريُّ: إلا الإقامة (3) O. * * * * * مسألة (102): يجوز الأذان للفجر قبل طلوعه. وقال أبو حنيفة: لا يجوز. 551 - قال أحمد: ثنا سفيان عن الزُّهريِّ عن سالم عن أبيه عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " إنَّ بلالاً يؤذِّن بليلٍ، فكلُوا واشربوا حتى يؤذِّن ابن أمِّ مَكْتُوم " (4).
أخرجاه في "الصَّحيحين" (1). 552 - أنا يحيى بن ثابت بن بندار أنا أبي أنا أبو بكر البَرْقَانيُّ أنا أحمد بن إبراهيم الإسماعيليُّ أنا الفريابيُّ ثنا إسحاق بن موسى ثنا عَبْدة بن سليمان ثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر؛ وعن القاسم عن عائشة قالا: كان للنَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مؤذِّنان: بلال وابن أمِّ مكتوم، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن بلالاً يؤذِّن بليلٍ، فكُلوا واشربوا حتى يؤذِّن ابن أمِّ مكتوم ". أخرجاه في "الصَّحيحين" (2). 553 - وقال أحمد: ثنا وكيع ثنا أبو هلال عن سوادة بن حنظلة عن سَمُرة بن جُنْدب قال: قال رسول الله: " لا يمنعكم من سحوركم أذان بلال، ولا الفجر المستطيل، ولكن الفجر المستطير في الأفق " (3). انفرد بإخراجه مسلمٌ (4). 554 - وقال أبو داود: ثنا عبد الله بن مَسْلمة ثنا عبد الله بن عمر بن غانم عن عبد الرَّحمن بن زياد عن زياد بن نُعَيم (5) أنَّه سمع زياد بن الحارث الصُّدائِيَّ قال: لمَّا كان أوَّل أذان الصُّبح، أمرني النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأذَّنت، فجعلتُ
أقول: أقيم يا رسول الله؟ فجعل ينظر إلى ناحية المشرق إلى الفجر، فيقول: " لا ". حتى إذا طلع الفجر نزل فتبرَّز، ثُمَّ انصرف فتوضَّأَ، فأراد بلال أن يقيم، فقال له: " إنَّ أخا صُداءٍ أذَّن، ومن أذَّن فهو يقيم ". فأقمتُ (1). قالوا: عبد الرَّحمن بن زياد هو: الإفريقيُّ، وهو ضعيفٌ. قلنا: قد قوَّى أمره البخاريُّ، وقال: هو مقارب الحديث (2). ز: وروى حديث زياد أيضًا: الإمام أحمد (3) وابن ماجه (4) والتِّرمذيُّ، قال: وفي الباب عن ابن عمر، وحديث زياد إنَّما نعرفه من حديث الإفريقيِّ، وهو عبد الرَّحمن بن زياد بن أنعم، وهو ضعيفٌ عند أهل الحديث، ضعَّفه يحيى بن سعيد القطَّان وغيره، ورأيتُ محمد بن إسماعيل يقوِّي أمره ويقول: هو مقارب الحديث (5). وقال أحمد: ليس بشيءٍ، نحن لا نروي عنه شيئًا (6). وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ليس بالقويِّ (7). وقال ابن حِبَّان: يروي الموضوعات عن الثِّقات (8) O.
فإن قيل: كان بلال مريض العين لا يحقِّق الفجر، واستدلوا: 555 - بما روى أحمد: ثنا عفَّان ثنا همَّام قال: حدَّثني سوادة قال: سمعت سَمُرَة بن جُنْدب يقول: إنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يغرَّنكم نداء بلال، فإنَّ في بصره سوءًا " (1). ز: رواه أبو داود (2) والتِّرمذيُّ (3) والنَّسائيُّ (4). وسوادة هو: ابن حنظلة القُشَيرْيُّ البصريُّ، إمام مسجد بني قُشَيرْ، قال أبو حاتم: شيخٌ (5). وذكره ابن حِبان في كتاب "الثِّقات" (6)، ولم يرووا له غير هذا الحديث O. 556 - وقال عبد بن حميد: ثنا محمد بن الفضل ثنا حمَّاد بن سلمة عن أيُّوب عن نافع عن ابن عمر: أنَّ بلالاً أذَّن قبل طلوع الفجر، فأمره النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يرجع فينادي: ألا إنَّ العبد نام - ثلاث مرَّات -، فرجع فنادى: ألا إنَّ العبد نام (7). ز: رواه أبو داود، وقال: رواه الدَّراوَرْدِيُّ عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: كان لعمر مؤذِّنٌ - يقال له: مسعود - ... وذكر نحوه.
وقال: هذا أصحُّ من ذلك (1). وذكر التِّرمذيُّ لفظ الحديث، وقال: هذا حديثٌ غير محفوظٍ، والصَّحيح عن ابن عمر أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إنَّ بلالاً يؤذِّن بليلٍ، فكلوا واشربوا حتى يؤذِّن ابن أمِّ مكتوم". وذكر عن عليِّ بن المدينيِّ أنَّه قال: هو غير محفوظ (2). وقد حكى المؤلِّف كلام التِّرمذيِّ في هذا الحديث، وسيأتي (3). وقال الحاكم: أنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه قال: سمعت أبا بكر المطرِّز يقول: سمعت محمد بن يحيى يقول: حديث حمَّاد بن سلمة عن أيُّوب عن نافع عن ابن عمر أنَّ بلالاً أذَّن قبل طلوع الفجر = شاذٌ، غير واقعٍ على القلب، وهو خلاف ما رواه النَّاس عن ابن عمر (4). وقال أحمد بن حنبل: ثنا شعيب بن حرب قال: قلت لمالك بن أنس: أليس قد أمر النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلالاً أن يعيد الأذان؟ فقال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنَّ بلالاً يؤذن بليلٍ، فكلوا واشربوا ... ". قلت: أليس قد أمره أن يعيد الأذان؟ قال: لا، لم يزل الأذان عندنا بليلٍ (5). وقال ابن بكير: قال مالك: لم يزل الصُّبح ينادى بها قبل الفجر، فأمَّا غيرها من الصَّلوات فإنَّا لم نر ينادى لها إلا بعد أن يحلَّ وقتها (6) O.
557 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمد بن نوحٍ الجند يسابوري ثنا معمر بن سهلِ ثنا عامر بن مدرك ثنا عبد العزيز بن أبي روَّاد عن نافع عن ابن عمر أنَّ بلالاً أذَّن قبل الفجر، فغضب النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمره أن ينادي: إنَّ العبد نام. فوجد بلالٌ وجداً شديداً (1). 558 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا العباس بن عبد السَّميع الهاشميُّ ثنا محمد بن سعد العَوْفِيُّ ثنا أبي ثنا أبو يوسف القاضي عن سعيد بن أبي عَرُوبة عن قتادة عن أنس أنَّ بلالاً أذَّن قبل الفجر، فأمره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يصعد فينادي: إنَّ العبد نام. ففعل وقال: ليت بلالاً لم تلده أمُّه ... وابتل من نضح دمٍ جبينُه (2) 559 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا يحيى بن محمد بن صاعدٍ أنا أحمد بن عثمان بن حكيم ثنا محمد بن القاسم الأسديُّ ثنا الرَّبيع بن صَبيح عن الحسن عن أنس بن مالك قال: أذَّن بلالٌ، فأمره النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يعيد، فرقي وهو يقول: ليت بلالاً ثكلته أمُّه ... وابتل من نضح دمٍ جبينُه يردِّدها حتى صعد، ثمَّ قال: إنَّ العبد نام - مرَّتين -. ثمَّ أذَّن حين أضاء الفجر (3). وقد روي هذا عن الحسن وحميد بن هلال وغيرهما من التَّابعين، يذكرون ذلك عن بلال. ويؤكِّد هذا:
560 - ما روى أبو داود من حديث شدَّاد - مولى عياض بن عامر - عن بلال أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تؤذِّن حتى يستبينَ لك الفجرُ هكذا ". ومدَّ يديه عَرْضًا (1). والجواب: أمَّا الحديث الأوَّل: فقد رواه جماعة ولم يقولوا: في بصره سوءٌ (2). وأمَّا حديث حمَّاد بن سلمة: فوهمٌ منه، قال التِّرمذيُّ: قال عليِّ بن المدينيِّ: حديث حمَّاد غير محفوظٍ، أخطأ فيه حمَّاد بن سلمة (3). وقد تابعه على ذلك سعيد بن زَرْبيِّ عن أيُّوب، وكان ضعيفًا، قال يحيى: ليس بشيءٍ (4). وقال البخاريُّ: عنده عجائب (5). وقال النَّسائيُّ: ليس بثقةٍ (6). وقال ابن حِبَّان: يروي الموضوعات عن الأثبات (7). قال الدَّارَقُطْنِيُّ: والصَّواب: ما روى شعيب بن حربٍّ عن عبد العزيز ابن أبي روَّاد عن نافع عن مؤذِّنٍ لعمر- كان يقال له: مسروح - أذَّن قبل الصُّبح فأمره عمر أن يرجع فينادي ... قال: وقد رواه عامر بن مدرك عن عبد العزيز بن أبي روَّاد، ووهم فيه
عامر، والصَّواب ما ذكرنا عن شعيب بن حرب (1). قال التِّرمذيُّ: لعلَّ حمَّاد بن سلمة أراد حديث مؤذِّن عمر (2). قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وأمَّا حديث أبي يوسف القاضي فتفرَّد به عن سعيد (3) ابن أبي عَرُوبة، وغيره يرسله عن قتادة (4) أنَّ بلالاً - ولا يذكر أنساً -، والمرسل أصحُّ (5). وأما حديث أنس الثَّاني: فإنَّ محمد بن القاسم مجروحٌ، قال أحمد بن حنبل: أحاديثه موضوعة، ليس بشيءٍ، رمينا حديثه (6). وقال النَّسائيُّ: متروك الحديث (7). وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: يكذب (8). وفي إسناده أيضاً: الرَّبيع بن صَبيح، قال عفَّان: أحاديثه كلُّها مقلوبة (9). وقال يحيى: ضعيف الحديث (1). وقال في روايةٍ: ليس به بأسٌ (11). وقال ابن حِبَّان: كان رجلاً صالحاً، ليس الحديث من صناعته، فوقع في حديثه المناكير من حيث لا يشعر (12).
وما روي عن الحسن وغيره: فمقاطيع. وكذلك حديث شدَّاد: فإنَّه لم يلق بلالاً. وقال محمد بن إسحاق بن خُزيمة: كان الأذان نوباً بين بلال وابن أمِّ مكتوم، فكان يتقدَّم بلال مرَّة، ويتأخر ابن أمِّ مكتوم، ويتقدَّم ابن أمِّ مكتوم، ويتأخر بلال، فيجوز أن يكون قال هذا في اليوم الذي كان نوبته التأخير (1). 561 - ز: روى خبيب بن عبد الرَّحمن عن عمَّته أنيسة بنت خبيب قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا أذَّن ابن أمِّ مكتوم فكلُوا واشربوا، وإذا أذَّن بلال فلا تأكلُوا ولا تشربوا ". فإن كانت المرأة منَّا ليبقى عليها شيءٌ من سحورها، فتقول لبلال: أمهل حتى أفرغ من سحوري. رواه الإمام أحمد (2) وأبو بكر بن خزيمة في "صحيحه" (3) وأبو حاتم ابن حِبَّان في كتاب " الأنواع والتقاسيم " (4). قال ابن خزيمة: هذا خبرٌ قد اختلف فيه - يعني: على خبيب بن عبد الرَّحمن -، رواه شعبة عنه عن عمَّته أنيسة، فقال: ابن أمِّ مكتوم - أو بلال - ينادي بليلٍ ... (5). 562 - وروى ابن خزيمة أيضاً عن عائشة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنَّ ابن أمِّ مكتوم يؤذِّن بليلٍ، فكلُوا واشربوا حتى يؤذِّن بلال ". وكان (6) بلال لا
يؤذِّن حتى يرى الفجر (1). قال: وليس هذا الخبر يضاد خبر سالم عن ابن عمر، وخبر القاسم عن عائشة، إذ جائزٌ أن يكون النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد كان جعل الأذان بالليل نوائب بين بلال وبين [ابن] (2) أمِّ مكتوم، فأمر في بعض الليالي بلالاً أن يؤذِّن أولاً بالليل، فإذا نزل بلال صعد ابن أمِّ مكتوم فأذَّن بعده بالنَّهار، فإذا جاءت نوبة ابن أمِّ مكتوم بدأ ابن أمِّ مكتوم فأذَّن بليلٍ، فإذا نزل صعد بلال فأذَّن بعده بالنََّهار، فكانت مقالة النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن بلالاً يؤذِّن بليل ... " في الوقت الذي كانت النوبة لبلالٍ في الأذان بالليل، وكانت مقالته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن ابن أمِّ مكتوم يؤذِّن بليلٍ ... " في الوقت الذي كانت النَّوبة في الأذان بالليل نوبة ابن أمِّ مكتوم، فكان النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلم النَّاس في كلا الوقتين أنَّ أذان الأوَّل منهما هو أذانٌ بليلٍ لا بنهارٍ، وأنَّه لا يمنع من أراد الصَّوم طعمًا ولا شرابًا، وأنَّ أذان الثَّاني إنَّما يمنع الطُّعم والشرب إذ هو بنهارٍ لا بليلٍ (3). وقد حكى المؤلِّف بعض ذلك عن ابن خزيمة، وفيه نظرٌ من وجوهٍ كثيرةٍ. 563 - وعن زيد بن ثابت أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إنَّ ابن أمِّ مكتوم يؤذِّن بليلٍ، فكلُوا واشربوا حتى يؤذِّن بلال". رواه البيهقيُّ من رواية الواقديِّ (4)، وليس بحجَّةٍ O. * * * * *
مسألة (103): يثوب في أذان الفجر.
مسألة (103): يثوِّب في أذان الفجر. وقال الشَّافعيُّ: لا يثوَّب. لنا ثلاثة أحاديث: 564 - الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا حسن بن الرَّبيع ثنا أبو (1) إسرائيل ثنا الحكم عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن بلال قال: أمرني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن لا أثوِّب في شيءٍ من الصَّلاة إلا في صلاة الفجر (2). قالوا: أبو إسرائيل اسمه: إسماعيل بن أبي إسحاق، وهو ضعيفٌ، ثمَّ لم يسمعه من الحكم، إنَّما رواه عن الحسن بن عمارة عن الحكم. قلنا: مجرَّد التَّضعيف لا يقبل حتى يتبيَّن سببه، وقد ذكرنا عنه أنَّه قال: ثنا الحكم. ز: روى هذا الحديث ابن ماجه (3) والتِّرمذيُّ وقال: لا نعرفه إلا من حديث أبي إسرائيل المُلائِيِّ، واسمه: إسماعيل بن أبي إسحاق، وأبو إسرائيل لم يسمع هذا الحديث من الحكم، فقال: إنَّما رواه عن الحسن بن عمارة عن الحكم، وأبو إسرائيل ليس بذاك القويِّ (4).
وقال يحيى بن معين: أبو إسرائيل صالح الحديث (1). وقال مرَّةً: ضعيفٌ (2). وقال البخاريُّ: تركه ابن مهديٍّ، وكان يشتم عثمان. وقال في موضعٍ آخر: يضعِّفه أبو الوليد، قال: سألته عن حديث ابن أبي ليلى عن بلال - وكان يرويه عن الحكم - في الأذان، فقال: سمعته من الحكم أو الحسن بن عمارة (3). وقال النَّسائيُّ: ضعيفٌ (4). وقال مرَّةً: ليس بثقةٍ (5). وقال ابن عَدِيٍّ: عامَّة ما يرويه يخالف الثِّقات، وهو في جملة من يكتب حديثه (6). وقد رواه الدَّارَقُطْنِيُّ من حديث أبي مسعود عبد الرَّحمن بن الحسن الموصليِّ الزَّجاج عن أبي سعيد عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى (7). قال أبو حاتم الرَّازيُّ في عبد الرَّحمن بن الحسن: يكتب حديثه ولا يحتجُّ به (8).
و (أبو سعيد): الظَّاهر أنه أبو سعد (1)، وهو سعيد بن المرزبان، وقد ضعَّفه غير واحدٍ. 565 - وقال البيهقيُّ: أنا عليُّ بن محمد بن بشران أنا أبو جعفر الرَّزاز (2) ثنا يحيى بن جعفر أنا عليُّ بن عاصم أنا عطاء بن السَّائب عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن بلال قال: أمرني رسول الله أن لا أثوِّب إلا في الفجر. قال البيهقيُّ: هذا مرسلٌ، فإنَّ عبد الرَّحمن بن أبي ليلى لم يلق بلالاً (3) O. 566 - الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا أبو الأزهر ثنا عبد الرَّزَّاق أنا ابن جريجٍ ثنا عثمان بن السَّائب - مولى لهم - عن أبيه السَّائب عن أبي مَحْذُورة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علَّمه الأذان، وقال: " إذا أذَّنت من الصُّبح (4) فقل: الصَّلاة خيرٌ من النَّوم " (5). 567 - الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا الحسين بن إسماعيل ثنا محمد بن عثمان بن كرامة ثنا أبو أسامة ثنا ابن عونٍ عن محمد عن أنسٍ قال: من السُّنَّة إذا قال المؤذِّن في صلاة الفجر: حيَّ على الفلاح. قال: الصَّلاة خيرٌ من النَّوم (6). ز: رواه أبو بكر بن خزيمة في "صحيحه" عن محمد بن عثمان (7) O. * * * * *
مسألة (104): والتثويب ما ذكرنا.
مسألة (104): والتَّثويب ما ذكرنا. قال أحمد: التَّثويب: أن يقول في أذان الفجر: الصَّلاة خيرٌ من النَّوم. وقال الحنفيُّون: هو أن يقول بين الأذان والإقامة: "الصَّلاة خيرٌ من النَّوم" مرَّتين، ويعيد قوله: "حيَّ على الفلاح" مرَّتين. لنا: ما تقدَّم من الأحاديث " (1). واحتجُّوا: بأنَّ [بلالاً] (2) أذَّن، ودعا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الصَّلاة، وقالوا: إنَّه نائمٌ. فقال: الصَّلاة خيرٌ من النَّوم. وقد سبق هذا الحديث، وقد ذكرنا عن سعيد بن المسيَّب أنَّ تلك الكلمة دخلت في الأذان (3). ز: " قال إسحاق فيما ذهب إليه الحنفيَّة: هذا شيءٌ أحدثه النَّاس. وقال التِّرمذيُّ: هذا التَّثويب الذي كرهه أهل العلم (4) O. * * * * *
مسألة (105): المستحب أن يقيم من أذن.
مسألة (105): المستحبُّ أن يقيم من أذَّن. وقال أبو حنيفة ومالك: لا يستحبُّ. لنا: حديث الصُّدَائِيّ، وقد سبق (1). واحتجُّوا: 568 - بما روى أحمد: ثنا زيد بن الحبُاب العُكْليُّ أنا أبو سهل (2) محمد ابن عمرو قال: أخبرني عبد الله بن محمد بن زيدٍ عن عمِّه عبد الله بن زيدٍ أنَّه أري الأذان، قال: فجئت إلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرته، فقال: "ألقه على بلال". فألقيته، فأذَّن. قال: فأراد أن يقيم، فقلت: يا رسول الله، أنا رأيت فأريد أن أقيم. قال: " فأقم أنت ". قال: فأقام هو، وأذَّن بلالٌ (3). والجواب: أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أراد تطييب قلبه، لأنَّه رأى المنام. ز: أبو سهل محمد بن عمرو هو: الأنصاريُّ، وهو ضعيفٌ، تكلَّم فيه يحيى بن معين (4) وغيره.
مسألة (106): يجوز أن يدور المؤذن في مجال المنارة.
وقد روى هذا الحديث أبو داود: عن عثمان بن أبي شيبة عن حمَّاد بن خالد عن محمد بن عمرو عن محمد بن عبد الله عن عمِّه عبد الله بن زيدٍ بنحوه. وعن عبيد الله بن عمر القَواريريَّ عن عبد الرحمن بن مهديٍّ عن محمد بن عمرو قال: سمعتُ عبد الله بن محمد قال: كان جدِّي عبد الله بن زيد ... بهذا الخبر، قال: فأقام جدِّي (1). وقد روي عن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن زيد عن أبيه عن جدِّه O. * * * * * مسألة (106): يجوز أن يدور المؤذِّن في مجال المنارة. وعنه: يكره، كقول الشَّافعيِّ. 569 - قال أحمد: ثنا وكيع ثنا سفيان عن عون بن أبي جُحَيْفة عن أبيه قال: أتيتُ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالأبطح - وهو في قبَّةٍ له حمراء -، قال: فخرج بلالٌ بفضل وَضوءه، فبين ناضحٍ ونائلٍ! قال: فأذَّن بلالٌ، فكنت أتتبع فاه هكذا وهكذا. يعني: يميناً شمالاً (2). أخرجاه في "الصَّحيحين" (3).
مسألة (107): يسن الجلوس بين أذان المغرب وإقامتها.
ز: ورواه أبو داود، وفيه: فلمَّا بلغ: حيَّ على الصَّلاة، حيَّ على الفلاح. لَوَى عُنُقَه يميناً وشمالاً، ولم يَستَدر (1). وفي رواية لأحمد (2) والتِّرمذيِّ (3): رأيتُ بلالاً يؤذِّن، وأتتبع فاه هاهنا وهاهنا، وإصبَعاه في أُذنيه. وقال التِّرمذيُّ: [هذا حديثٌ حسنٌ] (4) صحيحٌ. ولابن ماجه: فاستدَارَ في أذانه، وجعل أصبعيه في أذنيه (5) O. * * * * * مسألة (107): يسنُّ الجلوس بين أذان المغرب وإقامتها. وقال أبو حنيفة والشَّافعيُّ: لا يسنُّ. 570 - قال التِّرمذيُّ: ثنا أحمد بن الحسن ثنا مُعَلَّى بن أسد ثنا عبد المنعم - وهو صاحبُ السِّقاء - ثنا يحيى بن مسلم عن الحسن وعطاء عن جابر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لبلال: " يا بلال، إذا أذَّنت فترسَّل، وإذا أقمت فاحْدُر،
واجعل بين أذانكَ وإقامتكَ قدرَ ما يفرغُ الآكلُ من أكلهِ، والشَّاربُ من شربِه، والمعتصرُ إذا دخل لقضاء حاجتِه ". قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ لا نعرفه إلا من حديث عبد المنعم، وهو إسنادٌ مجهولٌ (1). ز: 571 - قال الحاكم: ثنا أبو بكر بن إسحاق أنا عليُّ بن عبد العزيز ثنا عليُّ بن حمَّاد بن أبي طالب ثنا عبد المنعم بن نعيم الرِّياحِيُّ ثنا عمرو بن فائد ثنا يحيى بن مسلمٍ عن الحسن وعطاء عن جابر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لبلال: " إذا أذَّنت فترسَّل في أذانك، وإذا أقمت فاحْدُر، واجعل بين أذانكَ وإقامتكَ قدر ما يفرغ الآكلُ من أكلِه، والشَّاربُ من شربه، والمعتصرُ إذا دخل لقضاء حاجتهِ ". قال الحاكم: إسنادٌ بصريٌّ (2). عمرو بن فائد: اتهمه ابن المدينيِّ (3)، وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: متروكٌ (4). وعبد المنعم بن نعيم: ضعَّفه الدَّارَقُطْنِيُّ (5)، وقال أبو حاتم: منكر الحديث (6). وقال ابن حِبَّان: منكر الحديث جدًّا، لا يجوز الاحتجاج به (7). 572 - وعن أُبَيِّ بن كعبٍ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يا بلال، اجعل بين أذانك وإقامتك نفساً، يفرغ الآكلُ من طعامهِ في مهلٍ، ويقضي المتوضِّئُ حاجتَه
مسألة (108): لا يسن في حق النساء أذان ولا إقامة.
في مهلٍ ". رواه عبد الله بن أحمد فيما زاده في "المسند" عن غير أبيه (1). 573 - وروى تمَّام في " فوائده " بإسناده عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " جلوس المؤذِّن بين الآذان والإقامة في المغرب سُنَّةٌ " (2) O. * * * * * مسألة (108): لا يسنُّ في حقِّ النِّساء أذانٌ ولا إقامةٌ. وقال الشَّافعيُّ: تسنُّ الإقامة. 574 - وقد حكى أصحابنا أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ليس على النِّساء أذانٌ ولا إقامة ". وهذا لا نعرفه مرفوعاً، إنِّما رواه سعيد بن منصور عن الحسن وإبراهيم النَّخعيِّ والشَّعبيِّ وسليمان بن يسار. وحكي عن عطاء أنَّه قال: يُقِمن.
575 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أحمد بن العباس البغويُّ ثنا عمر بن شَبَّة ثنا أبو أحمد الزُّبيريُّ ثنا الوليد بن جميع عن أمِّه عن أمِّ وَرَقة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِن لها أن يؤذَّن لها ويقام، وتؤمَّ نساءها (1). الوليد بن جميع ضعيفٌ، وأمُّه مجهولةٌ، قال ابن حِبَّان: لا يحتجُّ بالوليد ابن جميع (2). ز: وقد روى هذا الحديث أبو داود مطولاً من رواية الوليد بن جميع عن غير أمِّه، ثمَّ رواه مختصراً، فقال: 576 - حدَّثنا الحسن بن حمَّاد الحضرميُّ ثنا محمد بن فضيل عن الوليد ابن جميع عن عبد الرَّحمن بن خلاَّد عن أمِّ وَرَقة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يزورها في بيتها، وجعل لها مؤذِّناً يؤذِّن لها، وأمرها أن تَؤُمَّ أهل دارها. قال عبد الرَّحمن: فأنا رأيت مؤذِّنها شيخاً كبيراً (3). ورواه الإمام أحمد بمعناه (4)، والبيهقيُّ وعنده: وأمر أن يؤذَّن لها ويقام، وتؤمَّ أهل دارها في الفرائض (5). والوليد بن عبد الله بن جميع: وثَّقه يحيى بن معين (6)، وقال الإمام أحمد: ليس به بأسٌ (7). وقال أبو زرعة: لا بأس به (8). وقال أبو حاتم
مسألة (109): إذا فاتته صلوات، أذن وأقام للأولى، ثم يقيم
الرَّازيُّ: صالح الحديث (1). وروى له مسلمٌ في "صحيحه" (2)، وقال عمرو ابن عليٍّ: كان يحيى بن سعيدٍ لا يحدِّثنا عن الوليد بن جميع، فلمَّا كان قبل موته بقليلٍ ثنا عنه (3). * * * * * مسألة (109): إذا فاتته صلوات، أذَّن وأقام للأولى، ثمَّ يقيم للبواقي. وقال أبو حنيفة: يؤذِّن ويقيم لكلِّ صلاةٍ. وقال مالكٌ: لا يؤذِّن. وعن الشَّافعيِّ: كقولنا، وكقول مالك. لنا: 577 - ما روى أحمد: ثنا هشيم ثنا أبو الزُّبير عن نافع بن جُبير بن مُطْعِم عن أبي عُبيدة بن عبد الله قال: قال عبد الله: إنَّ المشركين شغلوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أربع صلواتٍ يوم الخندق، حتى ذهب من الليل ما شاء الله، فأمر
مسألة (110): وكذلك يفعل في صلاتي الجمع.
بلالاً فأذَّن، ثُمَّ أقام فصلَّى الظُّهر، ثُمَّ أقام فصلَّى العصر، ثُمَّ أقام فصلَّى المغرب، ثُمَّ أقام فصلَّى العشاء (1). قال التِّرمذيُّ: ليس بهذا الإسناد بأسٌ، إلا أنَّ أبا عُبيدة لم يسمع من عبد الله (2). ز: وروى هذا الحديث النَّسائيُّ (3) والتِّرمذيُّ (4) من حديث هُشيم O. * * * * * مسألة (110): وكذلك يفعل في صلاتي الجمع. وقال أبو حنيفة: يجمع بأذانٍ وإقامتين بعرفة، وأذانٍ وإقامة بمزدلفة. 578 - قال التِّرمذيُّ: ثنا بُندَار ثنا يحيى بن سعيد القطَّان ثنا سفيان عن أبي إسحاق عن عبد الله بن مالك أنَّ ابن عمر صلَّى بجَمْعٍ، فجمع بين الصَّلاتين بإقامةٍ، وقال: رأيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعل مثل هذا، في هذا المكان (5). وقد روى نحو هذا عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عليُّ بن أبي طالبٍ وابن مسعودٍ وجابرٍ وأسامة.
ز: وروى حديث عبد الله بن مالك: أبو داود (1)، وقال فيه التِّرمذيُّ: حديثٌ صحيحٌ حسنٌ (2). وهو حُجّةٌ لأبي حنيفة. 579 - وعن أسامة بن زيدٍ قال: دفع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عرفة حتى إذا كان بالشِّعْبِ نزل فبال، ثُمّ َتوضَّأ ولم يُسبغ الوضوء، فقلت: الصَّلاة، يا رسول الله. فقال: " الصَّلاة أمامَك ". فركب، فلمَّا جاء المزدلفة نزل فتوضَّأ، فأسبغ الوضوء، ثُمَّ أُقيمت الصَّلاة، فصلَّى المغرب، ثُمَّ أناخَ كلُّ إنسانِ بعيره في منزله، ثمَّ أقيمت العشاء فصلَّى، ولم يصلِّ بينهما. رواه البخاريُّ (3) ومسلمٌ (4). 580 - وعن جابر بن عبد الله عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه أتى المزدلفة فصلَّى بها المغرب والعشاء بأذانٍ واحدٍ وإقامتين. رواه مسلمٌ (5). 581 - وعن عبد الله بن عمر قال: جمع النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين المغرب والعشاء بجمعٍ، كلُّ واحدةٍ منهما بإقامة، ولم يسبِّح بينهما ولا على إثر كلِّ واحدةٍ منهما.
مسألة (111): لا يجوز أخذ الأجرة على الأذان.
رواه البخاريُّ (1). وهذه الأحاديث مخالفةٌ لحديث عبد الله بن مالك. 581 - وعن سعيد بن جبير عن ابن عمر قال: جمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين المغرب والعشاء بجمع، صلَّى المغرب ثلاثاً، والعشاء ركعتين، بإقامةٍ واحدةٍ. رواه مسلمٌ (2). وفي روايةٍ لأبي داود: بإقامةٍ واحدةٍ لكلِّ صلاةٍ، ولم يناد في الأولى، ولم يسبِّح على إثر واحدة منهما. وفي روايةٍ: لم يناد في واحدةٍ منهما (3) O. * * * * * مسألة (111): لا يجوز أخذ الأجرة على الأذان. وقال مالكٌ والشَّافعيّ: يجوز. 582 - قال التِّرمذيُّ: ثنا هنَّاد ثنا [أبو] (4) زُبيد عن الأشعث عن [الحسن] (5) عن عثمان بن أبي العاص قال: إنَّ من آخر ما عهد إليَّ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أتخذ مؤذِّناً لا يأخذ على أذانه أجراً (6).
ز: الأشعث هو: ابن سَوَّار، وقد تكلَّم فيه غير واحد (1). وقد رواه أبو داود عن موسى بن إسماعيل عن حمَّاد عن سعيد الجُريْرِيِّ عن أبي العلاء عن مطرِّف بن عبد الله عن عثمان بن أبي العاص (2). ورواه الإمام أحمد (3) وابن ماجه (4) والنَّسائيُّ (5). وقال التِّرمذيُّ: حديثٌ حسنٌ. ورواه الحاكم أيضاً من حديث حمَّاد عن الجريْرِيِّ، وقال: هو على شرط مسلمٍ (6). * * * * *
مسألة (112): إذا تحرى في القبلة فأخطأ، فلا إعادة عليه.
مسائل استقبال القبلة وموضع (1) الصَّلاة مسألة (112): إذا تحرَّى في القبلة فأخطأ، فلا إعادة عليه. وقال الشَّافعيُّ: يعيد. لنا حديثان: 583 - الحديث الأوَّل: قال التِّرمذيُّ: ثنا محمود بن غيلان ثنا وكيع ثنا أشعث بن سعيد السَّمَّان عن عاصم بن عبيد الله (2) عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه قال: كُنَّا مع النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفرٍ، في ليلة مظلمة، فلم نَدْرِ أين القِبلة؟ فصلَّى كلُّ رجلٍ منَّا على حياله، فلما أصبحنا ذكرنا ذلك للنَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنزل {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115]. قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ حسنٌ، ليس إسناده بذاك، لا نعرفه إلا من حديث أشعث السَّمَّان، وأشعث يضعَّف في الحديث (3).
قلت: كان هُشيم يقول: أشعث السَّمان يكذب (1). وقال أحمد بن حنبل: حديثه مضطرب، ليس بذاك (2). وقال يحيى (3) والنَّسائيُّ (4) وأبو زرعة (5): ضعيف. وفي لفظٍ عن يحيى: ليس بشيءٍ (6). وقال الفلاَّس (7) والدَّارَقُطْنِيُّ (8): متروكٌ. وقال أبو حاتم بن حِبَّان: يروي عن الأئمة الأحاديث الموضوعات، خصوصًا عن هشام بن عروة (9). وقال العقيليُّ: لا يروى متن هذا الحديث من وجهٍِ يثبت (10). وأمَّا عاصم بن عبيد الله: فقال يحيى بن معين: ضعيف، لا يحتجُّ بحديثه (11). وقال ابن حِبَّان: كان سيء الحفظ، كثير الوهم، فاحش
الخطأ، فترك (1). ز: وروى هذا الحديث ابن ماجه (2) والدَّارَقُطنِيُّ (3). 584 - وقال البيهقيُّ: أنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو الحسين عليُّ بن الحسين الرُّصَافيُّ ببغداد ثنا محمد بن الحارث العسكريُّ حدَّثني أحمد بن عبيد الله ابن الحسن العنبريُّ قال: وجدت في كتاب أبي: ثنا عبد الملك بن أبي سليمان العرزميُّ عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله قال: بعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سريَّة، كنت فيها، فأصابتنا ظلمة، فلم نعرف القبلة، فقالت طائفة: القبلة هاهنا - قبل الشّمال -. فصلَّوا وخطّوا خطًّا، وقال بعضنا: القبلة هاهنا - قبل الجنوب -. وخطّوا خطًّا، فلما أصبحنا وطلعت الشَّمس، أصبحت تلك الخطوط لغير القبلة، فقدمنا من سفرنا، فأتينا النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسألناه عن ذلك، فسكت، وأنزل الله عزَّ وجلَّ {وَلِلَّهِ المَشْرِقُ وَالمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115] أي: حيث كنتم. قال البيهقيُّ: وكذلك رواه الحسن بن عليِّ بن شبيب المَعْمَريُّ ومحمد بن محمد بن سليمان الباغنديُّ عن أحمد بن عبيد الله (4) O. 585 - الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: قرئ على عبد الله بن محمد بن عبد العزيز - وأنا أسمع -: حدَّثكم داود بن عمرو ثنا محمد بن يزيد الواسطيُّ عن محمد بن سالم عن عطاء عن جابر قال: كنَّا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مَسِيرٍ فأصابنا غيمٌ، فتحيرَّنا، فاختلفنا في القبلة، فصلَّى كل رجلٍ منَّا على حِدةٍ،
وجعل أحدنا يخطُّ بين يديه لنعلم أمكنتنا، فذكرنا ذلك للنَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم يأمرنا بالإعادة، وقال: " قد أجزأت صلاتكم ". قال الدَّارَقُطْنِيُّ: كذا قال: (عن محمد بن سالم)، وقال غيره: (عن محمد بن عبيد الله العَرْزَميِّ عن عطاء) وهما ضعيفان (1). قلت: أمَّا محمد بن سالم: فكان ابن المبارك إذا مرَّ بحديثه يقول: اضربوا عليه (2). وقال أحمد: هو شبه المتروك (3). وقال يحيى القطَّان: ليس بشيءٍ (4). وقال النَّسائيُّ: متروك الحديث، لا يساوي شيئًا (5). وأمَّا العَرْزَميُّ: فقال أحمد: ترك النَّاس حديثه (6). وقال يحيى: لا يكتب حديثه (7). قلت: على أنَّه قد حدَّث عنه شعبة وسفيان. ز: وقال البيهقيُّ: لا نعلم لهذا الحديث إسنادًا صحيحًا قويًّا، وذلك لأنَّ عاصم بن عبيد الله بن عمر العُمَرِيَّ ومحمد بن عبيد الله العَرْزَمِيَّ ومحمد بن سالم الكوفيَّ كلَّهم ضعفاء، والطَّريق إلى عبد الملك العَرْزَمِيَّ غير واضح، لما فيه
مسألة (113): لا تصح الصلاة في المواضع المنهي عن الصلاة فيها.
من الوجادة وغيرها (1). * * * * * مسألة (113): لا تصحُّ الصَّلاة في المواضع المنهي عن الصَّلاة فيها. وعنه: تصحُّ وتكره، كقول بقيَّة الفقهاء. لنا أحاديث: 586 - قال أحمد: ثنا وكيع عن أبي سفيان بن العلاء عن الحسن عن عبد الله بن مغفَّل قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا حضرت الصَّلاة وأنتم في مرابض الغنم فصلُّوا، وإذا حضرت الصَّلاة وأنتم في أعطان الإبل فلا تصلُّوا، فإنَّها خلقت من الشَّياطين" (2). 587 - قال أحمد: وثنا عبد الله بن الوليد ثنا سفيان عن سِماَك بن حرب عن جعفر بن أبي ثور عن جابر بن سَمُرَة أنَّ رجلاً سأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أأصلِّي في مراح الغنم؟ قال: " نعم ". قال: أفأصلِّي في أعطان الإبل؟ قال: " لا " (3). 588 - قال أحمد: وثنا هارون ثنا ابن وهب قال: حدَّثني عاصم بن حكيم عن يحيى بن أبي عمرو الشَّيبانيِّ عن أبيه عن عُقبة بن عامر الجهنيِّ عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " صلُّوا في مرابض الغنم، ولا تصلُّوا في أعطان الإبل
أو: مبارك الإبل - " (1). 589 - قال أحمد: وثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن عبد الله بن عبد الله عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب قال: سُئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الصَّلاة في مبارك الإبل، فقال: " لا تصلُّوا فيها، فإنَّها من الشَّياطين " (2). 590 - قال أحمد: وثنا يعقوب ثنا عبد الملك بن الرَّبيع بن سبرة عن أبيه عن جدِّه أنَّ رسول الله نهى أن يصلَّى في أعطان الإبل، ورخَّص أن يصلَّى في مراح الغنم (3). وقد ذكرنا في باب الوضوء حديثًا في ذلك أيضًا عن أُسيد بن حُضير وعن ذي الغُرَّة (4)، وقد رواه أبو هريرة أيضًا. 591 - وقال عبد بن حميد: ثنا عبد الله بن يزيد المُقْرِئ ثنا يحيى بن أيُّوب عن زيد بن جَبِيرة عن داود بن حُصَين عن نافع عن ابن عمر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى أن يصلَّى في سبعة مواطن: في المَزْبَلة، والمَجْزَرة، والمقبرة، وقارعة الطَّريق، وفي الحمَّام، وفي مَعَاطِن الإبل، وفوق ظهر بيت الله (5). 592 - وقال ابن ماجه: ثنا عليُّ بن داود ومحمد بن أبي الحسين قالا: ثنا أبو صالح قال: حدَّثني الليث قال: حدَّثني نافع عن ابن عمر عن عمر بن الخطَّاب أن رسول الله قال: " سبعة مواطن لا تجوز فيها الصَّلاة: ظهر بيت الله، والمقبرة، والمَزْبَلة، والمَجْزَرة، والحمَّام، وعَطَنُ الإبل، ومَحَجَّةُ الطََّريق " (6).
593 - وقال التِّرمذيُّ: ثنا الحسين بن حُريث ثنا عبد العزيز بن محمد عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد الخُدْرِيِّ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الأرضُ كلُّها مسجدٌ، إلا المقبرة والحمَّام " (1). قالوا: أمَّا حديث ابن عمر: فقد قال التِّرمذيُّ: ليس إسناده بذاك القويِّ، وقد تُكلِّم في زيد من قبل حفظه (2). وقال يحيى: زيدٌ ليس بشيءٍ (3). وأمَّا حديث عمر: ففيه كاتب الليث أبو صالح، وكلُّهم طَعَن فيه. وأمَّا حديث أبي سعيد: فمضطربٌ، كان الدَّراورديُّ يقول فيه تارةً: عن أبي سعيد، وتارةً لا يذكره. قلنا: أمَّا زيد: فقد ضُعِّف، إلا أنَّه إذا كان من قبل حفظه، فما يخلوا الحافظ من الغلط. وداود بن الحُصَين أيضاً: قد ضُعِّف، إلا أنَّ أبا زُرعة يقول: هو ليِّنٌ (4). وأمَّا أبو صالح: فقال أبو حاتم الرَّازيُّ: كان رجلاً صالحاً، لم يكن ممَّن يكذب (5).
ومثل هذه الأشياء لا توجب اطراح الحديث. ز: حديث عبد الله بن مغفَّل: رواه النَّسائيُّ من حديث أشعث (1)، وابن ماجه من حديث يونس (2)، كلاهما عن الحسن، ولم يقل أشعث: " فإنَّها خلقت من الشَّياطين ". وقد تقدَّم حديث جابر بن سَمُرة والبراء بن عازب والكلام عليها (3). 594 - وروى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صلُّوا في مرابض الغنم، ولا تصلُّوا في أعطان الإبل ". رواه الإمام أحمد (4) وابن ماجه (5) والتِّرمذيُّ وصحَّحه (6). وروى حديث ابن عمر: ابن ماجه (7) والتِّرمذيُّ وقال: وقد روى الليث هذا الحديث عن عبد الله بن عمر العُمَرِيِّ عن نافع عن ابن عمر عن عمر عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثله. وحديث ابن عمر أشبه وأصحُّ من حديث الليث بن سعد، والعُمَرِيُّ
ضعَّفه بعض أهل الحديث من قبل حفظه (1). وقد تقدَّم أنَّ ابن ماجه رواه من رواية أبي صالح كاتب الليث عن الليث عن نافع عن ابن عمر، فأسقط العُمَرِيَّ من الرِّواية (2). وزيد بن [جَبِيرة] (3): اتَّفقوا على ضعفه، وقال البخاريُّ: منكر الحديث (4). وقال مرَّةً: متروك الحديث (5). وقال النَّسائيُّ: ليس بثقة (6). وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، منكر الحديث جدًّا، متروك الحديث، لا يكتب حديثه (7). وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ضعيف الحديث (8). وقال الأَزْدِيُّ: متروك الحديث (9). وقال ابن عَدِيٍّ: عامَّة ما يرويه لا يتابعه عليه أحد (10). وأمَّا داود بن الحُصَين: فروى له البخاريُّ ومسلم (11)، ووثَّقه يحيى بن معين (12) وغيره، وتكلَّم فيه بعضهم (13).
وأمَّا أبو صالح كاتب الليث: فاسمه: عبد الله بن صالح، وقد وثَّقه جماعة، وتكلَّم فيه آخرون، والصَّحيح أنَّ البخاريَّ روى عنه في " الصَّحيح " (1). وأمَّا حديث أبي سعيد: 595 - فرواه أبو يعلى الموصليُّ: ثنا زهير ثنا يزيد بن هارون أنا سفيان الثَّوريُّ وحمَّاد بن سلمة جميعًا عن عمرو بن يحيى المازنيِّ عن أبيه - قال حمَّاد في حديثه: عن أبي سعيد الخدريِّ، ولم يجاوز سفيان أباه - قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الأرض كلُّها مسجد إلا المقبرة والحمَّام " (2). 596 - وقال أحمد: ثنا أبو معاوية الغُلابيُّ ثنا عبد الواحد بن زياد عن عمرو بن يحيى الأنصاريِّ عن أبيه عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الأرض كلُّها مسجد إلا الحمَّام والمقبرة " (3). 597 - قال أحمد: وثنا أحمد بن عبد الملك ثنا محمد بن سلمة عن محمد ابن إسحاق عن عمرو بن يحيى بن عمارة عن أبيه عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كلُّ الأرض مسجدٌ وطهور إلا المقبرة والحمَّام " (4). 598 - وقال أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشَّافعيُّ: ثنا إسحاق - هو: ابن الحسن - ثنا أبو نعيم ثنا سفيان عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الأرض كلُّها مسجد إلا المقبرة والحمَّام " (5).
ورواه الإمام أحمد أيضًا عن يزيد بن هارون مثل رواية زهير (1)؛ ورواه أبو داود عن موسى عن حمَّاد بن سلمة، وعن مسدَّد عن عبد الواحد بن زياد، قال موسى في حديثه: فيما يحسب عمرو أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال، شكَّ في رفعه (2). ورواه التِّرمذيُّ عن ابن أبي عمر وأبي عمَّار المروزيِّ كلاهما عن الدَّراورديِّ عن عمرو بن يحيى به مُسْندًا، وقال: قد روي عن الدَّراورديِّ روايتين: منهم من ذكره عن أبي سعيد، ومنهم من لم يذكره؛ وهذا حديثٌ فيه اضطراب، وروى سفيان الثَّوريُّ عن عمرو عن أبيه [عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسل، ورواه ابن إسحاق عن عمرو عن أبيه] (3). قال: وكان [عامَّة] (4) روايته عن أبي سعيد عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يقل عن أبي سعيد، وكأنَّ رواية الثَّوريِّ أثبتُ وأصحُّ (5). ورواه ابن ماجه عن محمد بن يحيى عن يزيد بن هارون عن سفيان الثَّوريِّ وحمَّاد بن سلمة - فرقهما - كلاهما عن عمرو بن يحيى به مسندًا (6). ورواه أبو حاتم البستيُّ عن ابن خزيمة عن بشر بن معاذ عن عبد الواحد ابن زياد (7). ورواه الحاكم في "المستدرك" من طريق عبد الواحد بن زياد عن عمرو
مسنداً، ورواه أيضاً من رواية بشر بن المفضَّل عن عمارة بن غزيَّة عن يحيى بن عمارة عن أبي سعيدٍ مرفوعاً. وقال: كلاهما على شرط البخاريِّ ومسلم (1). وقد رواه عليُّ بن عبد العزيز عن حجَّاج بن منهال عن حمَّاد مسنداً (2). وكذلك رواه أبو بكر البزَّار عن أبي كامل الجَحْدريِّ عن عبد الواحد ابن زياد. وكذلك رواه أبو نُعيم عن خارجة بن مصعب عن عمرو بن يحيى. وسئل عنه الدَّارَقُطْنِيُّ فقال: رواه عبد الواحد بن زياد والدَّراورديُّ ومحمد بن إسحاق عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد متصلاً. وكذلك رواه أبو نُعيم عن الثَّوريِّ عن عمرو، وتابعه سعيد بن سالم القدَّاح ويحيى بن آدم عن الثَّوريِّ فوصلوه. ورواه جماعة عن عمرو بن يحيى عن أبيه مرسلاً. والمرسل المحفوظ (3) O. * * * * *
مسألة (114): لا تصح الفريضة في الكعبة، ولا على ظهرها.
مسألة (114): لا تصحُّ الفريضة في الكعبة، ولا على ظهرها. وقال أبو حنيفة: تجوز إذا كان بين يديه شيءٌ منها. وعن مالك كالمذهبين. وقال الشَّافعيُّ: لا تصحُّ إلا أن يستقبل سترةً مبنيَّةً أو خشبةً شاخصة متصلةً بالبناء. لنا: الحديث المتقدِّم (1). * * * * * مسألة (115): إذا صلَّى في دار غصب أو ثوب غصب، لم تصحَّ صلاته. وعنه: تصحُّ، كقول الباقين. 599 - قال أحمد: ثنا أسود بن عامر ثنا بقيَّة بن الوليد الحمصيُّ عن عثمان بن زفر عن هاشم عن ابن عمر قال: " من اشترى ثوبًا بعشرة دراهم، وفيه درهم حرام، لم يقبل الله عزَّ وجلَّ له صلاةً مادام عليه ". قال: ثُمَّ أدخل أصبعيه في أذنيه، ثُمَّ قال: صُمَّتا إن لم أكن سمعتُ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقوله (2). هاشم: مجهولٌ، إلا أن يكون ابن زيد الدِّمشقيُّ، فذاك يروي عن نافع، ثُمَّ قد ضعَّفه أبو حاتم الرَّازيُّ (3).
ز: قال أبو طالب: سألتُ أبا عبد الله عن هذا الحديث، فقال: ليس بشيءٍ، ليس له إسناد. ذكره الخلال. 600 - وقال أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم: ثنا أبو عتبة ثنا بقيَّة ثنا يزيد بن عبد الله الجُهنيُّ عن أبي جَعْوَنة عن هشام (1) الأوقص: سمعت ابن عمر يقول: " من اشترى ثوبًا بعشرة دراهم وفي ثمنه درهمٌ حرام، لم يقبل الله له صلاةً ما كان عليه ". ثُمَّ أدخل أصبعيه في أذنيه، قال: صُمَّتا إن لم أكن سمعته من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرَّتين أو ثلاثاً. قال شيخنا أبو الحجَّاج: يزيد بن عبد الله وأبو جَعْوَنة وهشام (1) الأوقص لا يعرفون. وقال السَّعديُّ: هاشم (2) الأوقص ضالٌ، غير ثقةٍ (3). وقد تكلَّمنا على هذا الحديث في غير هذا الموضع. 601 - وقال ابن حِبَّان: ثنا عليُّ بن أحمد بواسط قال: ثنا أبي وعمِّي قالا: ثنا عبد الله بن أبي علاج عن مالك عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً: " من اشترى ثوبًا بعشرة دراهم في ثمنه درهم حرام، لم تقبل له صلاة ... " الحديث (4). ابن أبي علاج: متهمٌ بالكذب O. * * * * *
مسألة (116): حد عورة الرجل من السرة إلى الركبة.
مسائل ستر العورة مسألة (116): حدُّ عورة الرَّجل من السُّرَّة إلى الرُّكبة. وعنه: أنَّها القُبل والدُّبر، كقول داود. لنا ستة أحاديث: 602 - الحديث الأوَّل: قال عبد الله بن أحمد: حدَّثني عبيد الله بن عمر القواريريُّ قال: حدَّثني يزيد أبو خالد القرشيُّ ثنا ابن جريج قال: أخبرني حبيب بن أبي ثابت عن عاصم بن (1) ضمرة عن عليٍّ قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تبرز فخذك، ولا تنظر إلى فخذ حيٍّ ولا ميِّتٍ " (2). 603 - الحديث الثَّاني: قال أحمد: ثنا محمد بن سابق ثنا إسرائيل عن أبي يحيى القتَّات عن مجاهد عن ابن عباس قال: مرَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على رجلٍ فخذه خارجة، فقال: " غطِّ فخذك، فإنَّ فخذ الرَّجل من عورته " (3). 604 - الحديث الثَّالث: قال أحمد: وثنا حسين بن محمد ثنا ابن أبي الزِّناد عن أبيه عن زُرعة بن عبد الله (4) بن جَرهد عن جَرْهد أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرَّ على جَرْهد، وفخذ جَرْهد مكشوفةٌ في المسجد، فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" يا جرهد، غط فخذك، فإن الفخذ عورة " (1). 605 - الحديث الرابع: قال أحمد: وثنا هشيم ثنا حفص بن ميرة عن العلاء عن أبي كثير - مولى محمد بن جحش - عن محمد بن جحش عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه مر على معمر محتبيًا كاشفًا عن طرف فخذه، فقال له النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خمِّر فخذك يا معمر، فإن الفخذ عورة " (2). 606 - الحديث الخامس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن البهلول ثنا جدي ثنا أبي عن سعيد بن راشد عن عباد بن كثير عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي أيُّوب قال: سمعت النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "ما فوق الركبتين من العورة، وما أسفل (3) السرة من العورة" (4). 607 - الحديث السادس: قال يوسف: ثنا محمد بن حبيب ثنا عبد الله بن بكر ثنا سوار أبو حمزة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا زوج الرجل منكم عبده أمته فلا يرين ما بين ركبته وسرته، فإن ما بين سرته وركبته عورة " (5).
أصلح هذه الأحاديث: حديث علي عليه السلام (1)، وحديث عمرو ابن شعيب، وحديث ابن جحش. فأما زرعة - في حديث جرهد -: فإنه مجهول. وأما حديث أبي أيُّوب: فإن سعيد بن راشد وعباد بن كثير متروكان. ز: حديث علي: رواه إسحاق بن راهويه: عن روح بن عبادة عن عباد بن منصور عن عكرمة بن خالد عن حبيب عن عاصم، وعن روح عن ابن جريج عن حبيب (2). ورواه أبو داود عن علي بن سهل الرملي عن حجاج عن ابن جريج قال: أُخبرت عن حبيب بن أبي ثابت بنحوه. وقال: هذا الحديث فيه نكارة (3). ورواه ابن ماجه عن بشر بن آدم - ابن بنت أزهر السمان - عن روح بن عباد عن ابن جريج عن حبيب (4). ورواه الهيثم بن كليب الشاشي: ثنا محمد بن سعد العوفي ثنا روح بن عبادة ثنا ابن جريج قال: حدثني حبيب بن أبي ثابت .... فذكره (5).
وقد تكلَّم أبو حاتم الرَّازيُّ على هذا الحديث في "العلل" وضعَّفه، وقال: إن ابن جريج لم يسمعه من حبيب، ولا حبيب من عاصم بن ضَمْرة (1). وعاصم بن ضَمْرة: وثَّقه ابن معين (2) وابن المدينيِّ (3) والعجليِّ (4)، وقال النَّسائيُّ: ليس به بأس (5). وتكلَّم فيه ابن عَدِيٍّ (6) وابن حِبَّان (7). وحديث ابن عباس: رواه التِّرمذيُّ مختصرًا - وحسَّنه (8) - وأبو يعلى الموصليُّ (9) والطَّحاويُّ - وصحَّحه (10) -. وفي إسناده أبو يحيى القتَّات، وقد اختلف في اسمه، فقيل: اسمه زاذان، وقيل: دينار، وقيل: عبد الرَّحمن بن دينار، وقيل غير ذلك؛ ضعَّفه شَريك (11) ويحيى في رواية (12)، ووثَّقه في رواية أخرى (13)، وقال أحمد:
روى عنه إسرائيل أحاديث كثيرة مناكير جدًّا (1). وقال النَّسائيُّ: ليس بالقويِّ (2). وقال ابن حِبَّان: فحش خطؤه، وكثر وهمه، حتَّى سلك غير مسلك العدول في الرِّوايات (3). وأمَّا حديث جَرْهد: 608 - فرواه أبو يعلى الموصليُّ: ثنا أبو خيثمة ثنا عبد الرَّحمن عن مالك عن سالم أبي النَّضر عن زُرْعة بن عبد الرَّحمن بن جَرْهد عن أبيه عن جدِّه أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرَّ به وهو كاشفٌ فخذه، فقال: " أما علمت أنَّ الفخذ عورة؟ ". 609 - ورواه الطَّبرانيُّ: ثنا إسحاق بن إبراهيم الدَّبَريُّ عن عبد الرَّزَّاق عن مَعمر عن أبي الزِّناد عن ابن جَرْهد عن جَرْهد قال: مرَّ بي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا كاشفٌ فخذي، فقال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " غطِّها فإنَّها من العورة " (4). 610 - قال الطَّبرانيُّ: وثنا حفص بن عمر بن الصَّبَّاح الرَّقِّيُّ ثنا قَبيصة ابن عُقبة ثنا سفيان عن أبي الزِّناد عن زُرعة بن عبد الرَّحمن بن جَرْهد عن جَرْهد أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: " غطِّ فخذَك، فإنَّ الفخذَ عورةٌ " (5). 611 - قال الطَّبرانيُّ: وثنا علي بن عبد العزيز ثنا القَعْنَبِيُّ عن مالك عن
أبي النضر عن زرعة بن عبد الرحمن بن جرهد عن أبيه قال: كان جرهد من أصحاب الصفة، قال: جلس رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عندنا وفخذي منكشفةٌ، فقال: " أما علمت أن الفخذ عورة " (1). 612 - قال الطبرانيُّ: وثنا إسماعيل بن الحسن الخفاف المصري ثنا أحمد ابن صالح قال: قرأت على عبد الله بن نافع: أنا مالك عن أبي النضر عن زرعة ابن عبد الرحمن الأسلمي عن أبيه عن جده أن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جلس إليه، وكان من أصحاب الصفة، فرأى النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فخذه مكشوفة، فقال: " خمِّر فخذك، فإن الفخذ عورة " (2). 613 - وقال أحمد: ثنا سفيان عن أبي النضر عن زرعة بن مسلم بن جرهد أن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى جرهداً في المسجد وعليه بُردةٌ، قد انكشف فخذه، فقال: " الفخذ عورة " (3). 614 - قال أحمد: وثنا أبو عامر ثنا زهير - يعني: ابن محمد - عن عبد الله بن محمد - يعني: ابن عقيل - عن عبد الله بن جرهد الأسلمي أنه سمع أباه جرهداً يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " فخذ المسلم عورة " (4). ورواه الإمام أحمد أيضاً عن عبد الرحمن بن مهدي وإسحاق بن عيسى جميعاً عن مالك عن أبي النضر عن زرعة بن عبد الرحمن بن جرهد عن أبيه أن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مر به ... كذا رواية ابن مهدي (5)، وفي رواية إسحاق: عن مالك
عن زرعة بن جرهد الأسلمي عن أبيه (1). ورواه أيضاً عن عبد الرَّزَّاق (2)، ورواه عن يحيى بن سعيد عن سفيان عن أبي الزناد عن زرعة بن عبد الرحمن بن جرهد عن جده جرهد (3). ورواه أبو داود السجستاني عن القعنبي (4). ورواه التِّرمذيُّ: عن محمد بن أبي عمر عن سفيان عن أبي النضر - مولى عمر بن عبيد الله - عن زرعة بن مسلم بن جرهد عن جده جرهد بمعناه. وقال: حديث حسن، وما أرى إسناده بمتصل (5). وعن الحسن بن علي عن عبد الرَّزَّاق. وقال: حديث حسن (6). وعن واصل بن عبد الأعلى عن يحيى بن آدم عن الحسن بن صالح عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن عبد الله بن جرهد عن أبيه عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "الفخذ عورة" مختصر. وقال: حديث حسن غريب من هذا الوجه (7).
ورواه أبو حاتم البستيُّ عن الحسين بن محمد بن أبي مَعْشر عن إسحاق بن إبراهيم الصَّوَّاف عن أبي عاصم عن سفيان عن أبي الزِّناد عن زُرْعة [عن] جدِّه (1). وزُرعة بن عبد الرَّحمن بن جَرْهد الأَسْلَمِيُّ: وثَّقه أبو عبد الرحمن النَّسائيُّ (2)، وذكره أبو حاتم بن حِبَّان في كتاب "الثِّقات" وقال: من زعم أنَّه زُرْعة بن مسلم بن جَرْهد فقد وَهِمَ (3). وقال ابن القطَّان: حديث جَرْهد له علتان: إحداهما: الاضطراب المورث سُقوط الثِّقة به، وذلك أنَّهم مختلفون فيه: فمنهم من يقول: زُرعة بن عبد الرَّحمن، ومنهم يقول: زُرعة بن عبد الله، ومنهم من يقول: زُرعة بن مسلم. ثُمَّ من هؤلاء من يقول: عن أبيه عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومنهم من يقول: عن أبيه عن جَرْهد عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومنهم من يقول: زُرْعة عن آل جَرْهد عن جَرْهد عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: وإن كنت لا أرى الاضطراب في الإسناد علَّةً، فإنَّما ذلك إذا كان من يدور عليه الحديث ثقة، فحينئذٍ لا يضرُّه اختلاف النَّقلة عليه إلى مسندٍ ومرسلٍ، أو رافعٍ وواقفٍ، وواصلٍ وقاطعٍ؛ وأمَّا إذا كان الذي اضطُرِب عليه بجميع هذا - أو بعضه - غير ثقةٍ، أو غير معروفٍ، فالاضطراب حينئذٍ يكون زيادةً في وهنه، وهذه حال هذا الخبر، وهي:
العلَّة الثَّانية: وذلك أنَّ زُرْعة وأباه غير معروفَي الحال، ولا مشهورَي الرِّواية (1). انتهى كلامه. وفيه نظرٌ. وأمَّا حديث محمد بن جَحشٍ: فإسناده صالح، وقد رواه البخاريُّ في "تاريخه" (2)، والطَّحاويُّ وصحَّحه (3). وأمَّا حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه: فرواه الإمام أحمد (4) وأبو داود (5) بمعناه. وسَوَّار أبو حمزة هو: ابن داود البصريُّ، وثَّقه يحيى بن معين (6) وابن حِبَّان (7)، وقال أحمد: شيخٌ بصريٌّ، لا بأس به (8). وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: لا يتابع على أحاديثه، فيعتبر به (9). ولم يذكر المؤلِّف حجَّة من قال: إنَّ العورة هي الفرجان. وقد احتجَّ من قال ذلك:
615 - بما روى أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غزا خيبر، فصلينا عندها صلاة الغداة بغلس، فركب نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وركب أبو طلحة، وأنا رديف أبي طلحة، فأجرى نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في زقاق خيبر، ثم حسر الإزار عن فخذه، حتى إني لأنظر إلى بياض فخذ نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما دخل القرية قال: " الله أكبر، خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قومٍ فساء صباح المنذرين ". قالها ثلاثاً. رواه البخاريُّ (1) ومسلم، وفي روايته: فانحسر الإزار عن فخذ نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (2). قال البخاريُّ: ويروى عن ابن عباس وجرهد ومحمد بن جحش عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الفخذ عورة ". وقال أنس: حسر النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن فخذه. وحديث أنس أسندُ، وحديث جرهد أحوط حتى يخرج من اختلافهم (3). 616 - وروت عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مضطجعاً في بيته كاشفاً عن فخذه أو ساقيه، فاستأذن أبو بكر، فأذن له وهو على تلك الحال، فتحدث، ثم استأذن عمر فأذن له وهو كذلك، فتحدث، ثم استأذن عثمان، فجلس رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسوى ثيابه، قال: فدخل فتحدث، فلما خرج قالت عائشة: دخل أبو بكر فلم تهتش له ولم تباله، ثم دخل عمر فلم تهتش له ولم تباله، ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك! فقال: " ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة؟! ".
مسألة (117): الركبة ليست عورة.
رواه مسلمٌ (1). 617 - وروى الإمام أحمد أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان جالسًا كاشفًا عن فخذه، فأستأذن أبو بكر ... فذكر الحديث (2). 618 - وروى الإمام أحمد أيضًا عن حفصة بنت عمر قالت: دخل عَلَيَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يومٍ، فوضع ثوبه بين فخذيه، فجاء أبو بكر يستأذن، فأذن له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على هيئته ... فذكر نحو حديث عائشة، وفيه: فلمَّا جاء عثمان بن عفَّان فأستأذن فتجلَّل ثوبه ثُمَّ أذن له (3) O. * * * * * مسألة (117): الرُّكبة ليست عورة. وقال أبو حنيفة: هي عورةٌ. واستدل أصحابنا بالحديثين المتقدِّمين (4). وللخصم: 619 - ما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا إسماعيل بن محمد الصَّفَّار ثنا العباس بن محمد الدُّوريُّ ثنا موسى بن إسماعيل ثنا النَّضر بن منصور ثنا أبو الجنوب - قال موسى: واسمه: عقبة بن علقمة - قال: سمعت عليًّا يقول: سمعت رسول
مسألة (118): قدم المرأة عورة، وفي يديها (4) روايتان.
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " الركبة من العورة " (1). قال أبو حاتم الرَّازيُّ: عقبة ضعيف الحديث (2). والنضر: مجهول، يروي أحاديث منكرة، وقال ابن حِبَّان: لا يحتج به (3). * * * * * مسألة (118): قدم المرأة عورة، وفي يديها (4) روايتان. وقال أبو حنيفة: ليسا عورة. 620 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمد بن يحيى بن مرداس ثنا أبو داود ثنا مجاهد بن موسى ثنا عثمان بن عمر ثنا عبد الرَّحمن بن عبد الله بن دينار عن محمد ابن زيد بن مهاجر عن أمه عن أمِّ سلمة أنها سألت النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أتصلِّي المرأة في درع وخمارٍ ليس لها إزار؟ قال: " إذا كان الدرع سابغاً يغطي ظهور قدميها " (5). في هذا الحديث مقال، وهو أن عبد الرَّحمن بن عبد الله: ضعفه
يحيى (1)، وقال أبو حاتم الرَّازيُّ: لا يحتج به (2). والظاهر أنه غلط في رفع الحديث، فإن أبا داود قال: قد رواه مالك وابن أبي ذئب وبكر بن مضر وحفص بن غياث وإسماعيل بن جعفر ومحمد بن إسحاق عن محمد بن زيد عن أمه عن أمِّ سلمة من قولها، لم يذكر أحدٌ منهم النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (3). ز: عبد الرَّحمن بن عبد الله بن دينار: روى له البخاريُّ في "صحيحه" (4)، ووثقه بعضهم، لكنه غلط في رفع هذا الحديث، والله أعلم. وقد رواه الحاكم مرفوعاً أيضاً، وقال: هو على شرط البخاريِّ (5). وقد سئل الدَّارَقُطْنِيُّ عن هذا الحديث في "العلل" فقال: يرويه محمد ابن زيد بن المهاجر بن قنفذ عن أمه عن أمِّ سلمة، واختلف عنه في رفعه. فرواه عبد الرَّحمن بن عبد الله بن دينار عنه مرفوعاً إلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتابعه هشام بن سعد من رواية مالك بن سعير عنه. وخالفه ابن وهب، فرواه عن هشام بن سعد موقوفاً، وكذلك رواه مالك وابن أبي ذئب وابن لهيعة وأبو غسان محمد بن مطرف وإسماعيل بن جعفر والدراورديُّ عن محمد بن زيد عن أمه عن أمِّ سلمة موقوفًا، وهو الصواب (6) O. * * * * *
مسألة (119): يجب ستر المنكبين في الفرض دون النفل، خلافا لهم
مسألة (119): يجب ستر المنكبين في الفرض دون النَّفل، خلافًا لهم في قولهم: لا يجب في الجميع. لنا: 621 - ما روى أحمد: ثنا سفيان عن أبي الزِّناد عن الأعرج عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يصلِّي أحدكم في الثَّوب الواحد ليس على منكبيه منه شيءٌ " (1). أخرجاه في "الصَّحيحين" (2)، إلا أنَّ في حديث البخاريِّ: "ليس على عاتقه" (3)، وفي حديث مسلم: "عاتقيه". * * * * * مسألة (120): إذا كان على ثوبه أو بدنه نجاسة لم تصحَّ الصَّلاة، إلا يسير الدَّم والقيح. وقال أبو حنيفة: تصحُّ مع قدر الدّرهم من سائر النَّجاسات، واختلفوا هل يعتبر الدِّرهم في المساحة أو الوزن؟ وقال الشَّافعيُّ: لا تصحُّ إلا مع يسير دم البراغيث، وبقيَّه الدِّماء على
قولين. لنا أحاديث: منها حديث ابن عباس: مرَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقبرين، فقال: " إنَّهما ليعذبان، كان أحدهما لا يستبري من بوله ". وهو في "الصَّحيحين" (1)، وقد ذكرناه بإسناده في كتاب الطهارة (2). وقد ذكرنا هناك حديثًا قد احتجَّ به أصحابنا هاهنا، وهو قوله: " تعاد الصَّلاة من قدر الدِّرهم من الدَّم ". وبيَّنَّا أنَّه لا يعتمد عليه (3). 622 - وقد روى الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أحمد بن محمد بن زياد ثنا أحمد بن عليٍّ الأبَّار ثنا علي بن الجَعْد عن أبي جعفرٍ الرَازيِّ عن قتادة عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تنزَّهوا من البول، فإنَّ عامَّة عذاب القبر منه " (4). * * * * *
مسائل القيام إلى الصلاة
مسائل القيام إلى الصَّلاة مسألة (121): لا يجوز ترك القيام في السَّفينة. وقال أبو حنيفة: يجوز إذا كانت سائرة. لنا ثلاثة أحاديث: 623 - الحديث الأوَّل: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا عليُّ بن عبد الله بن مبشر ثنا جابر بن كردي ثنا حسين بن علوان ثنا جعفر بن بُرقان عن ميمون بن مهران عن ابن عباس قال: لمَّا بعث النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جعفر بن أبي طالب إلى الحبشة، قال: يا رسول الله، كيف أصلِّي في السَّفينة؟ قال: " صلِّ فيها قائمًا، إلا أن تخاف الغرق " (1). 624 - الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا محمد بن هارون ثنا إبراهيم بن محمد التَّيميُّ ثنا عبد الله بن داود عن رجلٍ من أهل الكوفة من ثقيف عن جعفر بن بُرقان عن ميمون بن مهران عن ابن عمر عن جعفر أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمره أن يصلِّي قائماً إلا أن يخشى الغرق (2). 625 - الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا محمد بن موسى بن سهل البَرْبَهاريُّ ثنا بشر بن فأفأ ثنا أبو نُعيم ثنا جعفر بن بُرقان عن ميمون بن مهران عن ابن عمر قال: سُئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الصَّلاة في السَّفينة، فقال:
"قائماً (1) إلاَّ أن تخاف الغرق" (2). في هذه الأحاديث مقالٌ: أما الأوَّل: فقال أبو حاتم الرَّازيُّ (3) والدَّارَقُطْنِيُّ (4): حسين بن علوان متروك. وقال يحيى بن معين: كذاب (5). وقال ابن عَدِيٍّ: يضع الحديث (6). وأما الثَّاني: ففيه مجهول. وأما الثَّالث: فبشر لا يعرف. ز: بشر ضعفه الدَّارَقُطْنِيُّ (7)، وقد رواه البيهقيُّ من غير طريقه فقال: 626 - أنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو الحسن علي بن محمد بن عقبة الشيباني بالكوفة ثنا محمد بن الحسين (8) بن أبي الحنين (9) ثنا الفضل بن دكين ثنا جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران عن ابن عمر قال: سئل النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الصَّلاة في السَّفينة، فقال: كيف أصلِّي في السَّفينة؟ قال: " صلِّ فيها قائماً إلاَّ أن تخاف الغرق " (10).
قال الحاكم: على شرط مسلم، وهو شاذ بمرة (1). 627 - قال البيهقيُّ: وأنا أبو محمد عبد الله بن عبد الرَّحمن بن محمد بن إبراهيم الحرضي أنا أبو بكر محمد بن حميد بن سهيل الموصلي ثنا حامد بن شعيب البلخي ثنا الصلت بن مسعود ثنا عبد الله بن داود عن جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران عن ابن عمر قال: أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه حين خرجوا إلى الحبشة، أن يصلُّوا في السَّفينة قياماً، ما لم يخالفوا الغرق. كذا قال، واختلف فيه على عبد الله بن داود، وقيل: لم يسمعه من جعفر، وحديث ابن نعيم الفضل بن دكين حسن. 628 - وأنا أبو محمد الحُرْضيُّ أنا محمد بن حميد ثنا حامد البلخيُّ ثنا الصَّلت بن مسعود ثنا عَمرو- أظنه: ابن عبد الغفَّار الفُقَيْميُ - عن جعفر بن بُرقان عن ميمون بن مهران عن ابن عباس قال: كان جعفر بن أبي طالب وأصحابه حين خرجوا إلى الحبشة، يصلُّون في السَّفينة قيامًا. 629 - قال: وأنا أبو طاهر الفقيه أنا أبو الفضل عبدوس بن الحسين السمسار ثنا أبو حاتم الرَّازيُّ ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال: حدَّثني حميد الطويل قال: سئل أنس بن مالك عن الصَّلاة في السَّفينة، فقال عبد الله بن أبي عتبة - مولى أنس، وهو معنا في المجلس -: سافرت مع أبي الدرداء وأبي سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله يصلِّي بنا أمامنا (2) ونصلِّي خلفه قياماً، ولو شئنا لخرجنا. 630 - قال: وأنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا: ثنا
مسألة (122): إذا لم يقدر على الركوع والسجود، لم يسقط عنه القيام.
أبو العباس بن يعقوب ثنا العباس بن محمد الدُّورِيُّ ثنا يونس بن محمد المؤدِّب ثنا حرب بن ميمون عن النَّضر بن أنس عن أنس أَنَّه كان إذا ركب السَّفينة، فحضرت الصَّلاة والسَّفينةُ محبوسةٌ، صلَّى قائمًا، وإذا كانت تسير، صلَّى قاعدًا في جماعة (1) O. * * * * * مسألة (122): إذا لم يقدر على الرُّكوع والسُّجود، لم يسقط عنه القيام. وقال أبو حنيفة: يسقط. 631 - قال أحمد: ثنا وكيع ثنا إبراهيم بن طَهْمان عن حُسين المعلِّم عن ابن بُريدة عن عمران بن حُصَين قال: كان بي النَّاصُور، فسألتُ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الصَّلاة، فقال: " صلِّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب " (2). انفرد بإخراجه البخاريُّ (3). * * * * * مسألة (123): إذا عجز عن القعود صلَّى على جنبه، فإن صلَّى
مستلقيًّا على ظهره ورجلاه إلى القبلة أجزأه. وقال أبو حنيفة: لا يجزئه أن يصلِّي إلا مستلقيًّا رجلاه إلى القبلة (1). وعن الشافعيِّ كقوله. وعنه: لا يجزئه إلا على جنبه. لنا حديثان: أحدهما: حديث عمران المتقدِّم (2). 632 - والثَّاني: رواه الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا إبراهيم بن محمد بن عليٍّ بن بطحا ثنا الحسين بن الحكم الحِبرَيُّ (3) ثنا حسن بن حسين العُرَنيُّ ثنا حسين بن زيد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن عليِّ بن الحسين عن الحسين بن عليٍّ عن عليِّ بن أبي طالب عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يصلِّي المريض قائمًا إن استطاع، فإن لم يستطع صلَّى قاعدًا، فإن لم يستطع أن يسجد أومأ، وجعل سجوده أخفض من ركوعه، فإن لم يستطع أن يصلِّي قاعدًا صلَّى على جنبه الأيمن مستقبل القبلة، فإن لم يستطع أن يصلِّي على جنبه الأيمن صلَّى مستلقيًّا، رجلاه مما يلي القبلة " (4). ز: الحسن بن الحسين العُرنيُّ: قال أبو حاتم الرَّازيُّ: لم يكن بصدوق
مسألة (124): إذا عجز عن الإيماء برأسه أومأ بطرفه، فإن عجز نوى بقلبه.
عندهم، كان من رؤساء الشِّيعة (1). وقال ابن عَدِيٍّ: روى أحاديث مناكير، ولا يشبه حديثه حديث الثِّقات (2). وقال ابن حِبَّان: يأتي عن الأثبات بالملزقات، ويروي المقلوبات (3). وحسين بن زيد هو: ابن عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب، قال عبد الرَّحمن بن أبي حاتم: قلت لأبي: ما تقول فيه؟ فحرَّك يده وقلبها، يعني: تعرف وتنكر (4). وقال ابن عَدِيٍّ: أرجو أنَّه لا بأس به، إلا أنِّي وجدتُ في حديثه بعض النُّكرة (5) O. * * * * * مسألة (124): إذا عجز عن الإيماء برأسه أومأ بطَرْفه، فإن عجز نوى بقلبه. وقال أبو حنيفة: يسقط عنه فرض الصَّلاة. لنا: الحديث المتقدِّم في ذكر الإيماء (6). * * * * *
مسألة (125): يقومون إلى الصلاة عند ذكر الإقامة، ويكبرون إذا
مسائل صفة الصَّلاة مسألة (125): يقومون إلى الصَّلاة عند ذكر الإقامة، ويكبرون إذا فرغ منها. وقال أبو حنيفة: يقومون عند الحيعلة، ويكبرون عند ذكر الإقامة. وقال الشافعي: يقومون إذا فرغ من الإقامة. وقد ذكر أصحابنا: 633 - أن ابن أبي أوفى روى عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان إذا قال بلال: (قد قامت الصَّلاة) نهض. ز: روى هذا الحديث البيهقيُّ، وقال: لا يرويه إلاَّ حجاج بن فروخ، وكان يحيى بن معين يضعفه (1). وقال النَّسائيُّ أيضاً: هو ضعيف (2) O. * * * * * مسألة (126): لا تنعقد الصَّلاة إلا بقوله: الله أكبر.
مسألة (127): لا تنعقد الصلاة بقوله: الله الأكبر.
وقال أبو حنيفة: تنعقد بكلِّ لفظٍ يقصد به التَّعظيم. 634 - قال أحمد: ثنا وكيع ثنا سفيان عن [عبد الله بن محمد] (1) بن عَقيل عن محمد بن الحنفيَّة عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مفتاحُ الصَّلاة الطَُّهور، وتحريمُها التَّكبير، وتحليلُها التَّسليم " (2). قال التِّرمذيُّ: هذا الحديث أصحُّ شيءٍ في هذا الباب وأحسن، وابن عَقيل صدوقٌ، إنَّما تكلَّم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه، وكان أحمد وإسحاق والحميديُّ يحتجُّون بحديثه (3). ز: وروى هذا الحديث أبو داود (4) وابن ماجه (5) والتِّرمذيُّ (6) وأبو يعلى الموصليُّ (7)، وقد روي نحوه من غير وجهٍ O. * * * * * مسألة (127): لا تنعقد الصَّلاة بقوله: الله الأكبر. وقال الشَّافعيُّ وداود: تنعقد.
635 - قال التِّرمذيُّ: ثنا محمد بن المثنى ثنا يحيى بن سعيد ثنا عبد الحميد بن جعفر ثنا محمد بن عمرو بن عطاء عن أبي حميد الساعدي قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قام إلى الصَّلاة اعتدل قائمًا ورفع يديه، ثم قال: " الله أكبر " (1). 636 - وقد روى أصحابنا من حديث رفاعة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الوضوء مواضعه، ثم يستقبل القبلة، ويقول: الله أكبر ". ز: قد ذكر بعضهم أن أبا داود روى حديث رفاعة بهذا اللفظ، وإنما رواه بلفظ: " لا تتم صلاة أحد من الناس حتى يتوضأ، فيضع الوضوء مواضعه، ثم يكبر، ويحمد الله جل وعز، ويثني عليه ... " الحديث (2). وقد روى الحديث بطوله الطبراني فقال: 637 - حدَّثنا علي بن عبد العزيز ثنا حجاج بن المنهال، قال الطبراني: وثنا محمد بن حيان المازني ثنا أبو الوليد الطََّيالسيُّ قالا: ثنا همام أنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة حدَّثني علي بن يحيى بن خلاد عن أبيه عن عمِّه رفاعة بن رافع - زاد أبو الوليد في حديثه: وكان رفاعة ومالك أخوين من أهل بدر - قال:
بينما رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالس ينظر حوله، فإذا رجل فاستقبل القبلة، فصلَّى ركعتين - وقال حجاج في حديثه: كنت جالسًا عند النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ جاء رجلٌ، فدخل المسجد، فصلَّى - فلما قضى صلاته جاء فسلم على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى القوم، فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وعليك، ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ ". قال: فرجع فصلِّى، فجعل يرمق صلاته، لا يدري ما يعيب منها، فلما قضى صلاته، جاء فسلم على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى القوم، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ارجع فصلِّ، فإنك لم تصلِّ ". قال: وذكر ذلك إما مرتين وإما ثلاثًا. فقال الرجل: ما أدري ما عبت عليّ. قال: فقال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنه لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله، يغسل وجهه ويديه إلى المرفقين، ويمسح رأسه ورجليه إلى الكعبين، ثم يكبر الله ويحمده، ويقرأن من القرآن ما أذن الله له فيه وتيسر، ثم يكبر فيركع، فيضع كفيه على ركبتيه حتى تطمئن مفاصله وتسترخي، ثم يقول: سمع [الله] (1) لمن حمده، فيستوي قائماً حتى يأخذ كل عظم مأخذه، ويقيم صلبه، ثم يكبر فيسجد فيمكن جبهته - قال همام: وربما قال: فيمكن وجهه - من الأرض حتى تطمئن مفاصله وتسترخي، ثم يكبر فيرفع رأسه، فيستوي قاعداً على مقعدته، ويقيم صلبه ". فوصف الصَّلاة هكذا حتى فرغ، ثم قال: "لا تتم صلاة أحدكم حتى يفعل ذلك". واللفظ لحديث حجاج (2). ورواه الطبراني أيضاً عن الدبري عن عبد الرَّزَّاق عن داود بن قيس عن علي بن يحيى بن خلاد بن رافع بن مالك الزرقي حدَّثني أبي عن عمِّه - وكان بدرياً - (3). ورواه الإمام أحمد: عن يزيد بن هارون عن محمد بن عمرو عن علي بن
يحيى بن خلاد الزرقي عن رفاعة بن رافع الزرقي - لم يقل عن أبيه (1) -؛ وعن يحيى بن سعيد عن محمد بن عجلان عن علي بن يحيى بن خلاد عن أبيه عن عمِّه - وكان بدريًّا - (2). ورواه أبو داود: عن موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة عن إسحاق ابن عبد الله بن أبي طلحة عن علي بن يحيى بن خلاد عن عمِّه؛ وعن الحسن بن علي الحلواني عن هشام بن عبد الملك وحجاج بن منهال عن همام عن إسحاق عن علي بن يحيى عن أبيه عن عمِّه؛ وعن وهب بن بقية عن خالد عن حماد (3) عن محمد بن عمرو عن علي بن يحيى عن رفاعة؛ وعن عباد بن موسى عن إسماعيل بن جعفر عن يحيى بن علي بن يحيى بن خلاد بن رافع عن أبيه عن جدِّه عن رافع (4). رواه التِّرمذيُّ عن علي بن حجر عن إسماعيل بن جعفر عن يحيى بن علي بن يحيى بن خلاد الزرقي عن جدِّه عن رفاعة، ولم يقل: عن أبيه. وقال: حديث حسن (5). ورواه النَّسائيُّ عن علي بن حجر عن إسماعيل بن جعفر بإسناد عباد (6)، وعن قتيبة عن بكر بن مضر عن ابن عجلان عن علي بن يحيى عن
مسألة (128): التكبير من الصلاة.
أبيه عن عمِّه - وكان بدريًّا - (1)؛ وعن قتيبة عن الليث عن ابن عجلان (2)، وعن سُويد عن عبد الله عن داود بن قيس (3)، جميعًا عن عليِّ بن يحيى عن أبيه عن عمٍّ له. وروى ابن ماجه بعضه عن محمد بن يحيى عن حجَّاج عن همَّام (4). ورواه أبو حاتم البستيُّ عن جعفر بن أحمد بن سنان القطَّان عن أبيه وبندار عن يحيى بن سعيد القطَّان عن ابن عجلان بنحو (5). وقد روى البخاريُّ حديثًا من رواية عليِّ بن يحيى عن أبيه عن رفاعة بن رافع (6) O. * * * * * مسألة (128): التَّكبير من الصَّلاة. وقال الحنفيُّون: ليس منها. 638 - قال أحمد: ثنا إسماعيل بن إبراهيم قال: حدَّثني الحجَّاج بن أبي عثمان قال: حدَّثني (7) يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن
مسألة (129): يسن رفع اليدين عند الركوع، وعند الرفع منه.
يسار عن معاوية بن الحكم عن النَّبيِّ قال: "إنَّ هذه الصَّلاة لا يصلح فيها شيءٌ من كلام النَّاس، إنَّما هي التَّسبيح والتَّكبير وقراءة القرآن" (1). انفرد بإخراجه مسلم (2). احتجُّوا: بقوله: "وتحريمها التَّكبير"، وقد سبق بإسناده (3). قالوا: فأضاف التَّحريم إلى الصَّلاة، والشيءُ لا يضاف إلى نفسه. قلنا: قد يضاف الجزء إلى الجملة، كقولهم: دهليز الدَّار. * * * * * مسألة (129): يسنُّ رفع اليدين عند الرُّكوع، وعند الرَّفع منه. وقال أبو حنيفة: لا يسنُّ. وعن مالك: كالمذهبين. لنا أحاديث: 639 - أحدها: قال الإمام أحمد: ثنا سفيان عن الزُّهريِّ عن سالم عن أبيه قال: رأيتُ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا افتتح الصَّلاة رفع يديه حتى يحاذي منكبيه،
وإذا أراد أن يركع، وبعد ما يرفع رأسه من الركوع، ولا يرفع بين السجدتين (1). أخرجه البخاريُّ (2) ومسلمٌ (3) في "الصَّحيحين". قال البخاريُّ: قال عليُّ بن المدينيِّ- وكان أعلم أهل زمانه -: حق على المسلمين أن يرفعوا أيديهم لهذا الحديث (4). 640 - حديث آخر: قال البخاريُّ: ثنا هشام بن عبد الملك ثنا شعبة عن قتادة عن نصر بن عاصم عن مالك بن الحويرث قال: كان النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا كبر رفع يديه، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع (5). أخرجاه في "الصَّحيحين" (6). 641 - حديث آخر: قال أحمد: ثنا [يونس بن محمد ثنا] (7) عبد الواحد ثنا عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر قال: استقبل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القبلة، فكبر ورفع يديه، حتى كانتا حذو منكبيه، فلما أراد أن يركع رفع يديه، حتى كانتا حذو منكبيه، فلما ركع وضع يديه على ركبتيه، فلما رفع رأسه من الركوع رفع يديه، حتى كانتا حذو منكبيه (8).
وقد روى هذه السُّنَّة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جماعة من الصحابة منهم: عمر وعليٌّ وأبو موسى ومحمد بن مسلمة وأبو قتادة وابن عمر وابن عمرو وابن عباس وأبو سعيد وأبو أسيد وجابر وأنس وأبو هريرة وسهل بن سعد وابن الزُّبير وغيرهم، ولم يثبت عن أحدٍ من الصحابة أنَّه لم يرفع، وكان ابن عمر إذا رأى رجلاً لا يرفع يديه كلَّما خفض ورفع حصبه حتى يرفع. 642 - وقال محمود بن إسحاق الخزاعيُّ: ثنا البخاريُّ ثنا مسدَّد ثنا يزيد بن زُريع عن سعيد عن قتادة عن الحسن قال: كان أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كأنَّما أيديهم المراوح، يرفعونها إذا ركعوا، وإذا رفعوا رؤوسهم (1). 643 - وقال عبد الرَّزَّاق: أخذ أهل مكَّة رفع اليدين في الافتتاح والرُّكوع والرَّفع منه عن ابن جريج، وأخذه عن عطاء، وأخذه عطاء عن ابن الزُّبير، وأخذه ابن الزُّبير عن أبي بكر، وأخذه أبو بكر عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قالوا: أحاديثكم منسوخة، صرَّح بذلك حديثان: 644 - أحدهما: عن ابن عباس قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرفع يديه كلَّما ركع وكلَّما رفع، ثُمَّ صار إلى افتتاح الصَّلاة، وترك ما سوى ذلك. 645 - والثَّاني: حديث ابن الزُّبير: أنَّه رأى رجلاً يرفع يديه من الرُّكوع، فقال: مَهْ، فإنَّ هذا شيءٌ فعله رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ تركه. ثُمَّ لو لم ندَّع النَّسخ فهي معارضةٌ بستَّة أحاديث: 646 - الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا وكيع عن سفيان عن عاصم بن كُليب عن عبد الرَّحمن بن الأسود عن علقمة قال: قال عبد الله: ألا أصلِّي بكم
صلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فصلَّى فلم يرفع يديه إلا مرة (1). 646 - طريقٌ آخرٌ: أنا عبد الرَّحمن بن محمد القزاز أنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرني الحسن بن علي التميمي ثنا عمر بن أحمد الواعظ ثنا عمر بن عبد الله بن عمرو (2) ثنا إسحاق بن أبي إسرائيل ثنا محمد بن جابر عن حماد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: صليت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومع أبي بكر وعمر، فلم يرفعوا أيديهم إلاَّ عند افتتاح الصَّلاة. 647 - الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا ابن صاعد ثنا لوين ثنا إسماعيل بن زكريا عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب أنه رأى النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين افتتح الصَّلاة رفع يديه حتى حاذى بهما أذنيه، ثم لم يعد إلى شيء من ذلك حتى فرغ من صلاته (3). 648 - الحديث الثَّالث: قال أحمد: ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن سليمان قال: سمعت المسيب بن رافع يحدِّث عن تميم بن طرفة عن جابر بن سمرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه دخل المسجد فأبصر قوماً قد رفعوا أيديهم، فقال: " قد رفعوها كأنها أذناب الخيل الشمس (4)، اسكنوا في الصَّلاة " (5). انفرد بإخراجه مسلم (6).
649 - الحديث الرابع: أنبأنا محمد بن ناصر الحافظ عن أبي بكر بن خلف عن أبي عبد الرَّحمن محمد بن الحسن السلمي ثنا حامد بن عبد الله الواعظ ثنا علي بن محمد بن عيسى ثنا محمد بن عكاشة الكرماني ثنا المسيب بن واضح ثنا عبد الله بن المبارك عن يونس بن يزيد عن الزُّهريِّ عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من رفع يديه في التكبير فلا صلاة له " (1). ز: 650 - قال الحاكم في من يضع الحديث في الوقت: وقيل لمحمد ابن عكاشة الكرماني: إن قوماً عندنا يرفعون في الركوع وبعد رفع الرأس من الركوع. فقال: ثنا المسيب بن واضح ثنا عبد الله بن المبارك عن يونس بن يزيد عن الزُّهريِّ عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من رفع يديه في الركوع فلا صلاة له " (2) O. 651 - الحديث الخامس: حدثت عن حمد (3) بن نصر أنا علي بن محمد ابن عبد الحميد أنا أبو بكر محمد بن علي بن لال (4) ثنا عبيد (5) الرَّحمن بن علي بن محمد الفقيه قال: حدَّثني أبي ثنا المأمون بن أحمد السلمي ثنا المسيب بن واضح عن ابن المبارك عن يونس عن الزُّهريِّ عن سعيد عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من رفع يديه في الصَّلاة فلا صلاة له " (6). 652 - الحديث السادس: رووا عنه ابن عباس عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال:
" لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن: عند افتتاح الصَّلاة، وعند استقبال البيت، وعند الصفا والمروة، وعند الجمرتين، وعند الموقف ". 653 - ورووا عن عمر أنه قال: إن رفع اليدين في الصَّلاة بدعة. 654 - وعن علي أنه كان يرفع يديه في أوَّل تكبيرة من الصَّلاة، ثم لا يرفع يديه بعده. 655 - وعن مجاهد أنه قال: صليت خلف ابن عمر سنتين، فلم يرفع يديه إلاَّ في التكبيرة الأولى. قالوا: وهذا يؤيد قولنا: أن أحاديثكم منسوخة. والجواب: أن من شرط الناسخ أن يكون أقوى من المنسوخ. وحديث ابن عباس وابن الزبير: لا يعرفان أصلاً، والمحفوظ عنهما الرفع: 656 - فروى أبو داود من حديث ميمون المكي أنه رأى ابن الزبير - وصلَّى بهم -، يشير بكفيه: حين يقوم، وحين يركع، وحين يسجد؛ قال: فذهبت إلى ابن عباس فأخبرته بذلك، فقال: إن أحببت أن تنظر إلى صلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاقتد بصلاة عبد الله بن الزُّبير (1). 657 - روى طاوس عن ابن عباس أنه كان يرفع يديه في المواطن الثلاثة. وأما أحاديث المعارضة: فحديث ابن مسعود الأول: قال فيه عبد الله بن المبارك: لا يثبت هذا
الحديث (1). وقال أبو داود: ليس بصحيح (2). وقال غيرهما: لم يسمع عبد الرَّحمن من علقمة. ويجوز أن يكون علقمة لم يضبط، وابن مسعود قد خفي عليه هذا من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما خفي عليه غيره، مثل نسخ التَّطبيق. وأمَّا طريقه الثَّاني: فقال الدَّارَقُطْنِيُّ: تفرَّد به محمد بن جابر - وكان ضعيفًا - عن حمَّاد، و [] (3) غير حمَّاد يرويه عن إبراهيم مرسلاً عن عبد الله من قوله (4) غير مرفوع إلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو الصَّواب (5). قلت: قال أحمد بن حنبل: لا يحدِّث عن محمد بن جابر إلا من هو شرٌّ منه (6).
وقال يحيى: ليس بشيء (1). وأما حديث البراء: ففيه: يزيد بن أبي زياد، قال عليُّ بن المدينيِّ (2) ويحيى بن معين (3): هو ضعيف الحديث، لا يحتج به (4). وقال ابن المبارك: ارم به (5). وقال النَّسائيُّ: متروك الحديث (6).
وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: إنما لقِّنَ يزيد في آخر عمره: (ثم لم يعد) فتلقنه، وكان قد اختلط (1). وكذا قال سفيان بن عيينة. لقِّن يزيد هذا لما كبر (2). قلت: ويمكن أن يكون هذا من الراوي عنه، فإنه قد رواه عنه إسماعيل ابن زكريا ومحمد بن أبي ليلى، وقال أحمد: إسماعيل ضعيفٌ (3). ومحمد بن أبي ليلى: ضعيفٌ مضطرب الحديث (4). ويؤكد أن ذلك من الرواة: 658 - ما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أبو بكر الآدميُّ ثنا عبد الله بن محمد بن أيُّوب ثنا عليُّ بن عاصم (5) ثنا محمد بن أبي ليلى عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين قام إلى الصَّلاة فكبَّر، رفع يديه حتى ساوى بهما أذنيه، ثم لم يعد. قال [علي] (6): فلما قدمت الكوفة قيل لي: إن يزيد حيٌّ، فأتيته، فحدَّثني بهذا الحديث، قال: حدَّثني عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن البراء قال: رأيتُ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين قام إلى الصَّلاة فكبَّر، ورفع يديه حتى ساوى بهما أذنيه. فقلت: إنه أخبرني ابن أبي
ليلى أنك قلت: ثم لم يعد. قال: لا أحفظ هذا. فعاودته، فقال: لا أحفظ هذا (1). قال البخاريُّ: وكذلك روى الحفاظ الذين سمعوا من يزيد قديماً، منهم: الثوري وشعبة وزهير، ليس فيه: (ثم لم يعد) (2). قال أبو داود: ورواه هشيم وخالد وابن إدريس عن يزيد، ولم يذكروا فيه: (ثم لا يعود) (3). 659 - وقد روى محمد بن أبي ليلى عن أخيه عيسى عن الحكم عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن البراء قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رفع يديه حين افتتح الصَّلاة، ثم لم يرفعهما حتى انصرف. وقد ذكرنا عن أحمد تضعيف محمد بن أبي ليلى (4)، قال أبو داود: وهذا الحديث ليس بصحيح (5). وأما حديث جابر بن سمرة: فإنه لم يرد به ما نحن فيه، وقد روي ذلك مفسراً: 660 - قال أحمد: ثنا محمد بن عبيد ثنا مسعر عن عبيد الله بن القبطية قال: سمعت جابر بن سمرة قال: كنا نقول خلف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا سلمنا: السلام عليكم، السلام عليكم، يشير أحدنا بيده عن يمينه وشماله، فقال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما بال الذين يرمون بأيديهم في الصَّلاة كأنها أذناب الخيل الشمس، ألا يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه، ثم يسلم عن يمينه وشماله" (1). انفرد بإخراجه مسلم (2). وأما حديث أنس: ففيه محمد بن عكاشة، قال الدَّارَقُطْنِيُّ: كان يضع الحديث (3). وأما حديث أبي هريرة: ففيه مأمون، وكان كذّاباً، قال ابن حِبَّان: كان دجّالاً من الدَّجّالين (4). وأما حديث ابن عباس: فلا يعرف مسنداً، إنما هو موقوف عليه، والمعروف عنه: ترفع الأيدي في سبعة مواطن ... . ولا يصح ما حكوا عن عمر، ولا عن علي، ولا عن ابن عمر. ثم أخبارنا مثبتة وأخبارهم نافية، فكانت أولى. ز: حديث وائل بن حجر: رواه أبو داود (5) والنَّسائيُّ (6) وابن ماجه (7) بنحو ما رواه أحمد.
وحديث ابن مسعود: رواه أبو داود (1) والنَّسائيُّ (2) والتِّرمذيُّ، وقال: حديثٌ حسنٌ (3). وفي لفظٍ لأبي داود: ألا أصلِّي بكم صلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: فصلَّى فرفع يديه في أوَّل مرَّة (4). وحديث البراء: رواه الإمام أحمد (5) وأبو داود (6). 661 - وروى الدَّارَقُطْنِيُّ بإسناده عن جرير - وهو ابن عبد الحميد - عن حُصين بن عبد الرَّحمن قال: دخلنا على إبراهيم، فحدَّثه عمرو بن مُرَّة قال: صلَّينا في مسجد الحضرميين فحدَّثني علقمة بن وائل عن أبيه أنَّه رأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرفع يديه حين يفتتح، وإذا ركع، وإذا سجد. فقال إبراهيم: ما أرى أباه رأى (7) رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا ذلك اليوم الواحد، فحفظ عنه ذلك، وعبد الله لم يحفظ ذلك منه. ثُمَّ قال إبراهيم: إنَّما رفع اليدين عند افتتاح الصَّلاة (8). قال أبو بكر بن إسحاق الفقيه: هذه علَّةٌ لا تسوى سماعها، لأنَّ رفع اليدين قد صحَّ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ عند (9) الخلفاء الرَّاشدين، ثُمَّ عن الصَّحابة
والتَّابعين؛ وليس في نسيان عبد الله بن مسعود رفع اليدين ما يوجب أنَّ هؤلاء الصَّحابة لم يروا النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رفع يديه، قد نسي ابن مسعود من القرآن ما لم يختلف المسلمون فيه بعد - وهي المعوذتان -، ونسي ما اتفق العلماء كلُّهم على نسخه وتركه من التَّطبيق، ونسي كيف (1) قيام اثنين خلف الإمام، ونسي ما لم يختلف العلماء فيه أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى الصُّبح يوم النَّحر في وقتها، ونسي كيفية جمع النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعرفة، ونسي ما لم يختلف العلماء فيه من وضع المرفق والسَّاعد على الأرض في السُّجود، ونسي كيف كان يقرأ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنثَى} [الليل: 3]، وإذا جاز على عبد الله أن ينسى مثل هذا في الصَّلاة خاصة، كيف لا يجوز مثله في رفع اليدين؟ (2). وقال البخاريُّ في كتاب "رفع اليدين" له: قد روينا عن سبعة عشر نفسًا من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّهم كانوا يرفعون أيديهم عند الرُّكوع، فمنهم: أبو قتادة الأنصاريُّ وأبو أسيد السَّاعديُّ البدريُّ ومحمد بن مسلمة البدريُّ وسهل ابن سعد السَّاعديُّ وعبد الله بن عمر بن الخطََّاب وعبد الله بن عباس بن عبد المطََّلب الهاشميُّ وأنس بن مالك - خادم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبو هريرة وعبد الله ابن عمرو بن العاص وعبد الله بن الزُّبير ووائل بن حُجْر ومالك بن الحويرث وأبو موسى الأشعريُّ وأبو حميد السَّاعديُّ رضي الله عنهم (3). قال البيهقيُّ: وقد رويناه عن هؤلاء وعن أبي بكر الصِّدِّيق وعمر بن الخطََّاب وعليِّ بن أبي طالب وجابر بن عبد الله وعقبة بن عامر الجُهَنيِّ وعبد الله
مسألة (130): ترفع اليد حذو المنكب.
ابن جابر البياضي رضي الله عنهم (1). وقد ذكر المؤلف فيما تقدم أن أكثر هؤلاء رووا الرفع عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد كتبنا الكلام على أحاديث هذا الباب - حديث ابن مسعود وغيره - مطولاً في غير هذا الموضع، وذكرنا علل ما روي عن علي وابن عمر وغيرهما من الرفع عند افتتاح الصَّلاة فقط، وذكرنا الجواب عما علل به الطحاوي أحاديث الرفع. وما ذكره المؤلف في هذه المسألة من الاستدلال والجواب حسن، وإن كان عليه فيه مناقشات في غير موضع، والله أعلم O. * * * * * مسألة (130): ترفع اليد حذو المنكب. وقال أبو حنيفة: حيال الأذنين. وعن أحمد: التخيير في ذلك. لنا: ما تقدم من حديث ابن عمر (2) وحديث وائل بن حجر (3)، وقد رواه علي عليه السلام (4) عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغيره. * * * * *
مسألة (131): يسن وضع اليمين على الشمال، خلافا لإحدى
مسألة (131): يسن وضع اليمين على الشمال، خلافاً لإحدى الروايتين عن مالك. لنا أربعة أحاديث: 662 - الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا عبد الواحد ثنا عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر قال: أتيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: لأنظرن كيف يصلِّي. قال: فاستقبل القبلة، وكبر، ورفع يديه حتى كانتا حذو منكبيه، ثم أخذ شماله بيمينه (1). 663 - طريقٌ آخر: قال مسلم بن الحجاج: ثنا زهير بن حرب ثنا عفان ثنا همام ثنا محمد بن جحادة قال: حدَّثني عبد الجبار بن وائل عن علقمة ابن وائل عن وائل بن حجر أنه رأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رفع يديه حين دخل في الصَّلاة، ثم وضع يده اليمنى على اليسرى (2). 664 - الحديث الثَّاني: قال أحمد: ثنا يحيى بن سعيد ثنا سفيان قال: حدَّثني سماك عن قبيصة بن هلب عن أبيه قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يضع هذه على صدره. ووصف (3) يحيى: اليمنى على اليسرى، فوق المفصل (4). 665 - طريقٌ آخر: قال التِّرمذيُّ: ثنا قتيبة ثنا أبو الأحوص عن سماك ابن حرب عن قبيصة بن هلب عن أبيه قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يؤمنا، فيأخذ شماله بيمينه (5).
666 - الحديث الثالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أحمد بن عيسى بن السكين ثنا عبد الحميد بن محمد ثنا مخلد بن يزيد ثنا طلحة عن عطاء عن ابن عباس عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نمسك بأيماننا على شمائلنا في الصَّلاة " (1). 667 - الحديث الرابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا ابن صاعد ثنا زياد بن أيُّوب ثنا النضر بن إسماعيل عن ابن أبي ليلى عن عطاء عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أمرنا معاشر الأنبياء أن نضرب بأيماننا على شمائلنا في الصَّلاة " (2). ز: حديث هلب: رواه ابن ماجه (3) والدَّارَقُطْنِيُّ (4) والتِّرمذيُّ (5). وحديث ابن عباس: فيه طلحة بن عمرو بن عثمان الحضرمي المكي، قال فيه أحمد بن حنبل: لا شيء، متروك الحديث (6). وقال يحيى بن معين: ليس بشيء، ضعيف (7). وتكلم فيه أيضاً البخاريُّ (8) وأبو حاتم وأبو زرعة (9) وأبو داود (10) والجوزجاني (11) والنَّسائيُّ (12) وابن
الجنيد (1) والدَّارَقُطْنِيُّ (2) وابن حِبَّان (3) وابن عَدِيٍّ (4) وغيرهم. وحديث أبي هريرة: فيه النضر بن إسماعيل وابن أبي ليلى، وليسا بقويين، قال ابن معين في النضر: ليس بشيء (5). وقال أبو زرعة (6) والنَّسائيُّ (7): ليس بالقوي. 668 - وقد روى البخاريُّ في "صحيحه" عن سهل بن سعد قال: كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه في الصَّلاة. قال أبو حازم: لا أعلمه إلاَّ ينمي ذلك إلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (8). 669 - وعن عبد الله بن مسعود أنه كان يصلِّي فوضع يده اليسرى على اليمنى، فرآه النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوضع يده اليمنى على اليسرى. رواه أبو داود (9) وابن ماجة (10) والنَّسائيُّ (11) والدَّارَقُطْنِيُّ (12)، واللفظ لأبي داود، وفي إسناده: حجاج بن أبي زينب، وسيأتي الكلام عليه في الحديث الذي بعده. 670 - وقد روى أحمد: ثنا محمد بن الحسن الواسطي - يعني: المزني
- ثنا أبو يوسف - يعني: ابن أبي زينب الصَّيقل - عن أبي سفيان عن جابر قال: مرَّ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برجلٍ يصلِّي، وقد وضع يده اليسرى على اليمنى، فانتزعها، ووضع اليمنى على اليسرى (1). وقد رواه الدَّارَقُطْنِيُّ (2). وأبو يوسف: اسمه حجَّاج، قال فيه أحمد بن حنبل: أخشى أن يكون ضعيف الحديث (3). وقال ابن معين: ليس به بأس (4). وقال ابن المدينيِّ: ضعيف (5). وقال النَّسائيُّ: ليس بالقويِّ (6). وقال ابن عَدِيٍّ: أرجو أنَّه لا بأس به فيما يرويه (7). وقد روى له مسلم في "صحيحه" حديثًا واحدًا (8). 671 - وقد روى الطَّبرانيُّ: ثنا عمر بن عبد العزيز بن مقلاص حدَّثني أبي ثنا ابن وهب عن معاوية بن صالح عن يونس بن سيف عن أبي راشد الحُبراني عن الحارث بن غطيف قال: رأيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واضعًا يمينه على شماله في الصَّلاة (9).
مسألة (132): توضع اليمين على الشمال تحت الصدر، وهو قول
رواه زيد بن الحباب وعبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن يونس ابن سيف عن الحارث بن غطيف - أو: غطيف بن الحارث -، ولم يذكر أبا راشد الحُبراني. وقد روى هذا الحديث أيضًا الإمام أحمد (1). 672 - وقد روى أبو داود عن عبد الله بن الزُّبير قال: صفُّ القدمين، ووضعُ اليد على اليد، من السُّنَّة (2) O. * * * * * مسألة (132): توضع اليمين على الشِّمال تحت الصَّدر، وهو قول الشَّافعيِّ. وعن أحمد: تحت السُّرَّة. وعنه: التَّخيير. وما ذهبنا إليه أليق بالخشوع. 673 - وقد رواه أصحابنا عن وائل بن حُجْر عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه كان يضعهما فوق السُّرَّة. 674 - وقد روى عبد الله بن الإمام أحمد: ثنا محمد بن سليمان لوين ثنا يحيى بن أبي زائدة ثنا عبد الرَّحمن بن إسحاق عن زياد بن زيد السُّوائيِّ عن أبي
جحيفة عن علي قال: إن من السنة في الصَّلاة وضع الأكف على الأكف تحت السرة (1). وهذا لا يصح، قال أحمد: عبد الرَّحمن بن إسحاق ليس بشيء (2). وقال يحيى: متروك (3). ز: زياد بن [زيد] (4) السوائي: قال فيه أبو حاتم: مجهول (5). 675 - وروى البيهقيُّ من رواية حفص بن غياث عن عبد الرَّحمن بن إسحاق عن النعمان بن سعد عن علي رضي الله عنه أنه كان يقول: إن من سنة الصَّلاة وضع اليمنى على الشمال تحت السرة (6). 676 - وقد روى أبو بكر بن خزيمة في "صحيحه" عن وائل بن حجر قال: صليت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ووضع يده اليمنى على اليسرى على صدره (7) O. * * * * *
مسألة (133): يسن الاستفتاح (1).
مسألة (133): يسنُّ الاستفتاح (1). وقال مالك: لا يسنُّ. لنا: أحاديث ستأتي فيما بعد هذه المسألة (2). * * * * * مسألة (134): تستفتح الصَّلاة بـ "سبحانك اللهم وبحمدك". قال الشَّافعيُّ: تستفتح بقوله: "وجَّهت وجهي". لنا: أنَّ ما اخترناه قد رواه جماعة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، منهم عمر بن الخطَّاب: 677 - فروى الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا عثمان بن جعفر بن محمد ثنا محمد بن نصر المروزيُّ ثنا عبد الله بن شبيب قال: حدَّثني إسحاق بن محمد (3) عن عبد الرَّحمن بن عمرو (4) بن شيبة (5) عن أبيه عن نافع عن ابن عمر عن عمر بن
الخطَّاب قال: كان النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا كبَّر للصَّلاة قال: " سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدُّك، ولا إله غيرك " (1). قالوا: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: رفعه هذا الشَّيخ - يعني: عبد الرَّحمن بن عمرو (2) -، والمحفوظ عن عمر من قوله. قلنا: عبد الرَّحمن ثقةٌ، قد أخرج عنه البخاري في "صحيحه" (3)؛ ومن وقفه على عمر فقد سمع عمر يقوله، وإنَّما كان يقوله اقتداء برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ز: عبد الله بن شبيب: تكلَّم فيه غير واحدٍ. وإسحاق: روى عنه البخاريُّ في "صحيحه" (4)، وله مناكير. وعبد الرَّحمن بن عمرو: غير معروفٍ، ولم يرو له البخاريُّ. والصَّحيح أنَّ عمر كان يقول ذلك: 678 - فروى مسلمٌ في "صحيحه": ثنا محمد بن مهران الرَّازيُّ ثنا الوليد بن مسلم ثنا الأوزاعيُّ عن عَبْدَة أنَّ عمر بن الخطََّاب كان يجهر بهؤلاء الكلمات، يقول: سبحانَك اللهم وبحمدك، تبارك اسمك، وتعالى جدُّك، ولا إله غيرك (5). وهو منقطع، فإنَّ عَبْدَة - وهو ابن أبي لُبابة - لم يدرك عمر، وإنَّما رواه مسلم لأنَّه سمعه مع حديث غيره، فرواهما جميعًا، وإن لم يكن هذا على شرطه.
وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: رواه إبراهيم عن علقمة والأسود عن عمر، وكذلك رواه يحيى بن أيوب عن عمر بن شيبة عن نافع عن ابن عمر عن عمر رضي الله عنه من قوله، وهو الصواب (1). وقد رواه الإمام أحمد من رواية علقمة والأسود وأبي وائل وغيرهم عن عمر. وقد روى سعيد في "سننه" عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه كان يستفتح بذلك (2). ورواه الدَّارَقُطْنِيُّ بإسناده عن أبي بكر بن عياش عن عاصم عن أبي وائل عن عثمان (3). ورواه ابن المنذر عن عبد الله بن مسعود (4). وقال البيهقيُّ: وروي في الاستفتاح بـ "سبحانك اللهم وبحمدك" حديث آخر عن ليث عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه مرفوعاً، وليس بالقوي، .... وأصح ما روي فيه الأثر الموقوف على عمر بن الخطاب رضي الله عنه (5). ثم رواه من رواية شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن الأسود عن عمر (5) O.
ومنهم أنس بن مالك: 679 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا ابن صاعد ثنا الحسين بن علي بن الأسود ثنا محمد بن الصلت ثنا أبو خالد الأحمر عن حميد عن أنس قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا افتتح الصَّلاة كبر، ثم رفع يديه حتى يحاذي بإبهاميه أذنيه، ثم يقول: " سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله [غيرك] " (1). هذا إسناد كلهم ثقات. ز: الحسين بن علي بن الأسود (2): قال المروذي: سئل عنه أحمد بن حنبل، فقال: لا أعرفه (3). وقال أبو حاتم: صدوق (4). وقال ابن عدي: يسرق الحديث، وأحاديثه لا يتابع عليها (5). وقال الأزدي: ضعيف جدًّا، يتكلمون في حديثه (6). وذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثِّقات" وقال: ربما أخطأ (7) O. ومنهم أبو سعيد الخدري:
680 - قال التِّرمذيُّ: ثنا محمد بن موسى البصريُّ ثنا جعفر بن سليمان الضُّبَعِيُّ ثنا عليُّ بن عليٍّ الرِّفاعيُّ عن أبي المتوكِّل عن أبي سعيد الخدريِّ قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قام إلى الصَّلاة بالليل كبَّر، ثمَّ يقول: " سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدُّك، ولا إله غيرك " (1). ثُمَّ يقول: " أعوذ بالله السَّميع العليم من الشَّيطان الرَّجيم من هَمْزِهِ ونَفْخِه ونَفْثِه " (2). ز: ورواه الإمام أحمد (3) وأبو داود (4) وابن ماجه (5) والنَّسائيُّ (6). وقال التِّرمذيُّ: قد تُكلِّم في إسناد حديث أبي سعيد، كان يحيى بن سعيد يتكلَّم في عليِّ بن عليٍّ. وقال: قال أحمد: لا يصحُّ هذا الحديث (7). وقال حرب بن إسماعيل عن أحمد بن حنبل: عليُّ بن عليٍّ الرِّفاعيُّ لم يكن به بأسٌ (8). وقال عثمان بن سعيد عن يحيى بن معين: ثقةٌ (9). وقال ابن أبي حاتم: سألتُ أبي عن عليِّ بن عليٍّ الرِّفاعيِّ، فقال: ليس بحديثه بأسٌ. قلت: يحتجُّ بحديثه؟ قال: لا. ثُمَّ قال: حدَّث وكيعٌ عنه، قال: ثنا عليُّ
ابن علي وكان ثقة (1). وقال أبو زرعة: ثقة (2). وقال أبو داود في هذا الحديث: يقولون هو عن علي بن علي عن الحسن رحمه الله، الوهم من جعفر (3). وقال عبد الله بن أحمد: حديث أبي سعيد - حديث علي بن علي - لم [يحمد] (4) أبي إسناده (5). وقال عبد الله: لم يروه إلاَّ جعفر بن سليمان عن علي بن علي عن أبي المتوكل. وقال المروذي: سألت أبا عبد الله عن استفتاح الصَّلاة، فقال: نذهب فيه إلى حديث عمر، وقد روي فيه من وجوه ليست بذاك (6) O. ومنهم عائشة: 681 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمد بن يحيى بن مرداس ثنا أبو داود ثنا الحسين بن عيسى ثنا (7) طلق بن غنام ثنا عبد السلام بن حرب عن بديل بن (8) ميسرة عن أبي الجوزاء عن عائشة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا استفتح الصَّلاة قال: " سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك " (9). فإن قال الخصم: قد قال أبو داود: لم يروه عن عبد السلام غير طلق ابن
غنَّام، وليس هذا الحديث بالقويِّ (1). قلنا: طلق: ثقةٌ، قد أخرج عنه البخاريُّ في "صحيحه" (2)، وليس لتضعيفه وجهٌ. وقد روى التِّرمذيُّ حديث عائشة هذا من طريق حارثة بن أبي الرِّجال عن عَمْرَةَ عن عائشة، وقال: لا يعرف إلا من هذا الوجه (3). وقد ذكرناه من غير ذلك الوجه، ونحن لا نرتضي طريق حارثة، فإنَّه ضعيفٌ عند الكلِّ. ز: حديث عائشة من رواية عبد السَّلام: رواه التِّرمذيُّ وابن ماجه (4) وأبو داود، وقال: هذا الحديث ليس بالمشهور عن عبد السَّلام، لم يروه إلا طَلْق بن غَنَّام، وقد روى قصَّة الصَّلاة جماعةٌ غير واحد عن بُدَيل بن ميسرة، لم يذكروا فيه شيئًا من هذا (5).
ورواه الحاكم وقال: على شرطهما (1). وقال محمد بن سعد: طلق بن غَنَّام ثقةٌ (2). وقال أبو عبيد الآجريُّ عن أبي داود: صالح (3). وقال أبو حاتم: روى حديثًا منكرًا (4). وذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثِّقات" (5)، وقد روى له الجماعة إلا مُسلمًا (6). وقد روى الحديث من طريق حارثة: الإمام أحمد (7) - وضعَّفه (8) - وابن ماجه (9) والحاكم - وصحَّحه (10) - والبيهقيُّ - وضعَّفه أيضًا (11) -.
682 - وقد روي عن المعافى بن عمران عن عبد الله بن عامر الأسلميِّ عن ابن المنكدر عن ابن عمر قال: كان النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا استفتح الصَّلاة قال: "وجَّهت وجهي للذي فطر السَّموات ... - إلى قوله: - وأنا من المسلمين، سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدُّك، ولا إله غيرك". عبد الله بن عامر: ضعَّفوه. 683 - وقال البيهقيُّ: أنا أبو الحسن بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصَّفَّار ثنا ابن ناجية ثنا إبراهيم بن يعقوب الجوجازنيُّ ثنا عبد السَّلام بن محمد الحمصيُّ ثنا بشر بن شعيب بن أبي حمزة أنَّ أباه حدَّثه أنَّ محمد بن المنكدر أخبره أنَّ جابر ابن عبد الله أخبره أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا استفتح الصَّلاة قال: "سبحانك اللهم وبحمدك، تبارك اسمك، وتعالى جدُّك، ولا إله غيرك، وجَّهت وجهي للذي فطر السَّموات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين، إنَّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربِّ العالمين" (1). وهذا الحديث والذي قبله فيهما الجمع بين الاستفتاحين، والله أعلم O. احتجُّوا بحديثين: 684 - الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا أبو سعيد - مولى بني هاشم - ثنا عبد العزيز بن عبد الله الماجشون ثنا عبد الله بن الفضل الهاشميُّ عن الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع عن عليِّ بن أبي طالب أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا كبَّر استفتح، ثُمَّ قال: "وجَّهت وجهي للذي فطر السَّموات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين، إنَّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له
وبذلك أمرت وأنا أوَّل (1) المسلمين" (2). 685 - الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أحمد بن محمد بن زياد القطان ثنا عبد الكريم بن الهيثم ثنا يزيد بن عبد ربه ثنا شريح بن يزيد عن شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا استفتح الصَّلاة قال: "إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا أوَّل المسلمين، اللهم اهدني لأحسن الأخلاق وأحسن الأعمال، لا يهدي لأحسنها إلاَّ أنت، وقني سيء الأخلاق والأعمال، لا يقي سيئها إلاَّ أنت" (3). والجواب: أن هذه أدعية قد كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولها في وقت، أو في أوَّل الأمر، أو في النافلة، أو بعد الاستفتاح؛ وإنما الكلام في المسنون الذي يداوم عليه، ويوضح هذا: أن ما ذكروه من حديث علي عليه السلام (4) طرف منه (5). 686 - قال الإمام أحمد: ثنا أبو سعيد ثنا عبد العزيز بن عبد الله الماجشون ثنا عبد الله بن الفضل الهاشمي عن الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا كبر استفتح، ثم قال: " وجهت وجهي للذي فطر السَّموات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرتُ وأنا من المسلمين، لا إله إلاَّ أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي،
فاغفر لي ذنوبي جميعًا، لا يغفر الذُّنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنِّي سيئها، لا يصرف سيئها إلا أنت، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك ". وكان إذا ركع قال: " اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، خشع لك سمعي وبصري ومخِّي وعظامي وعَصَبي ". وإذا رفع رأسه من الرَّكعة قال: " سمع الله لمن حمده، ربَّنا ولك الحمد، ملء السَّموات والأرض وما بينهما، وملء ما شئت من شيءٍ بَعْدُ ". وإذا سجد قال: " اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وصوَّره فأحسن صوره، وشق سمعه وبصره، فتبارك الله أحسن الخالقين " (1). انفرد بإخراجه مسلمٌ (2). وقد اتفقنا أنَّه لا يسنُّ قول هذا كلِّه في الاستفتاح، فدلَّ على ما سبق من الاحتمالات. ز: حديث جابر: رواه النَّسائيُّ عن عمرو بن عثمان عن أبي حيوة شُريح بن يزيد عن شُعيب (3). وسئل عنه الدَّارَقُطْنِيُّ فقال: رواه أبو حيوة شُريح بن يزيد الحضرميُّ عن شُعيب عن ابن المنكدر عن جابر عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وغيره يرويه عن شُعيب عن ابن المنكدر عن عبد الرَّحمن الأعرج عن محمد بن مسلمة. والمحفوظ عن الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي
مسألة (135): يتعوذ قبل القراءة.
طالب (1). وحديث علي: رواه مسلم بطوله، وزاد فيه ألفاظاً (2) O. * * * * * مسألة (135): يتعوذ قبل القراءة. وقال مالك: لا يتعوذ في المكتوبة. لنا: حديث أبي سعيد أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يتعوذ، وقد تقدم بإسناده في مسألة الاستفتاح (3). احتج الخصم: 687 - بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمَّد بن عثمان (4) الصيدلاني ثنا عبيد ابن عبد الواحد ثنا هشام بن عمار ثنا الوليد ثنا الأوزاعي عن إسحاق بن عبد الله ابن أبي طلحة عن أنس قال: كنا نصلِّي خلف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر وعمر وعثمان، فكانوا يستفتحون بأم القرآن فيما يجهر به (5). وفي لفظ أخرج في "الصَّحيحين": كانوا يفتتحون الصَّلاة بالحمد لله
رب العالمين (1). والجواب: أن هذا لا حجة فيه، لأن المراد أنهم كانوا يستفتحون القراءة بهذا، يدل عليه: 688 - ما روى أحمد: ثنا إسماعيل بن إبراهيم ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس أن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين (2). قال التِّرمذيُّ: هذا حديث صحيح (3). وقال الشَّافعيُّ: [المعنى:] (4) إنهم كانوا يفتتحون بهذه قبل قراءة السورة. ز: 689 - عن أنس أن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبا بكر وعمر كانوا يفتتحون الصَّلاة بالحمد لله رب العالمين (5). رواه البخاري بهذا اللفظ (6) O. * * * * *
مسألة (136): يقرأ بعد التعوذ البسملة سرا.
مسألة (136): يقرأ بعد التعوذ البسملة سرًّا. وقال مالك: لا يقرأها. 690 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا إبراهيم بن حماد بن إسحاق قال: حدَّثني أخي محمد بن حماد ثنا سليمان بن عبد العزيز بن أبي ثابت ثنا عبد الله بن موسى ابن عبد الله بن حسن عن أبيه عن جدِّه عبد الله بن حسن بن الحسن عن أبيه عن الحسن بن علي عن علي بن أبي طالب قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ: (بسم الله الرحمن الرحيم) في صلاته (1). وقد احتجوا: بالحديث المتقدم (2): (كان يفتتح القراءة بالحمد ...) معناه: فيما يجهربه. ز: حديث عليٍّ: قال فيه الدَّارَقُطْنِيُّ: هذا إسناد علوي لا بأس به (3). وقال شيخنا أبو الحجاج: لا تقوم به حجة، وسليمان لا أعرفه. 691 - روى الطبرانيُّ: ثنا عبد الله بن وهيب الغزي ثنا محمد بن أبي السري ثنا معتمر بن سليمان عن أبيه عن الحسن عن أنس أن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يسر بـ "بسم الله الرحمن الرحيم" وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما (4).
مسألة (137): البسملة ليست آية من كل سورة، وهل هي آية من
ورواه أبو جعفر محمد بن عبد الرَّحمن الأرزناني - قال الراوي عنه: الثقة المأمون - عن عبد الله بن وهيب بإسناده مثله (1) O. * * * * * مسألة (137): البسملة ليست آية من كل سورة، وهل هي آية من الفاتحة؟ على روايتين. وقال الشَّافعيُّ: هي من الفاتحة؛ ومن بقية السور - على قولين -. لنا ثلاثة أحاديث: الحديث الأوَّل: حديث أنس أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبا بكر وعمر كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين. وقد سبق بإسناده (2). 692 - الحديث الثَّاني: قال أحمد: ثنا إسحاق أنا مالك عن العلاء بن عبد الرَّحمن أنه سمع أبا السائب - مولى هشام بن زهرة - يقول: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قال الله تعالى: قسمت الصَّلاة بيني وبين عبدي نصفين ". قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يقول العبد: الحمد لله رب العالمين، يقول الله: حمدني عبدي " (3).
انفرد بإخراجه مسلم (1). ز: قد تكلم بعض المتأخرين في هذا الحديث، وقال: ولا يغتر بكونه في "صحيح مسلم"، فإنه من رواية العلاء بن عبد الرَّحمن وقد ضعفه يحيى بن معين (2). وكلامه في هذا الحديث ليس بشيء، فإن العلاء: صدوق مشهور، وقد وثقه جماعة من الأئمة، كالإمام أحمد بن حنبل (3)، وقال: لم نسمع أحدًا ذكر العلاء بشر. وقال: العلاء عندي فوق سهيل (4). والذي تكلم في هذا الحديث قد احتج بجماعة مشهورين بالضعف، كعبد الله بن عمرو بن حسان وعمر بن هارون البلخي وغيرهما O. 693 - الحديث الثَّالث: قال أحمد: ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن قتادة عن عباس الجُشَميِّ عن أبي هريرة عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " إن سورة من القرآن، ثلاثون آية، شفعت لرجل حتى غفر له، وهي: (تبارك الذي بيده الملك) " (5). ولا يختلف العادون أنها ثلاثون من غير البسملة.
ز: ورواه أبو داود (1) والتِّرمذيُّ - وحسنه (2) - وابن ماجه (3) والنَّسائيُّ في " اليوم والليلة " (4) والحاكم - وصححه (5) - وابن حِبَّان في "صحيحه" (6). و [عباس] (7) الجشمي: يقال: إنه [عباس] (8) بن عبد الله، ذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثِّقات" (9)، ولم يرو له غير هذا الحديث O. أما حجتهم: فقد روى لهم الدَّارَقُطْنِيُّ والخطيب، تلخيصها في ستّةٍ: 694 - الأوَّل: عن أبي هريرة عن النّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " إذا قرأتم الحمد، فاقرؤوا: (بسم الله الرحمن الرحيم)، إنها أم القرآن، وأم الكتاب، والسبع المثاني، و (بسم الله الرحمن الرحيم) إحدى آياتها " (10). وفي لفظ عن أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يقول: " (الحمد لله رب العالمين) سبع آيات، إحداهن بسم الله الرحمن الرحيم ".
وفي لفظ عن أبي هريرة عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " بسم الله الرحمن الرحيم هي أم القرآن، وهي أم الكتاب، وهي السبع المثاني ". 695 - الحديث الثَّاني: عن أبي هريرة أيضاً عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " قال الله تعالى: إني قسمت الصَّلاة بيني وبين عبدي، يقول عبدي إذا افتتح الصَّلاة: بسم الله الرحمن الرحيم، فيذكرني عبدي، ثم يقول: الحمد لله رب العالمين، فأقول: حمدني عبدي " (1). 696 - الحديث الثَّالث: من رواية طلحة بن عبد الله (2) عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " من ترك بسم الله الرحمن الرحيم فقد ترك آية من كتاب الله ". قال: " وقد عد فيما عد علي من أم الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم ". 697 - الحديث الرابع: عن ابن عباس قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفتتح الصَّلاة بـ "بسم الله الرحمن الرحيم" (3). يقول (4): من تركها فقد ترك آية من كتاب الله تعالى من أفضلها. وقد رواه ابن عمر عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان إذا افتتح الصَّلاة يبدأ بـ "بسم الله الرحمن الرحيم" (5). 698 - الحديث الخامس: عن بريدة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا أخرج من المسجد أخبرك بآية - أو: بسورة - لم تنزل على نبي بعد سليمان
غيري ". فمشى، وتبعته حتى انتهى إلى باب المسجد، فأخرج رجله وبقيت الأخرى، فقلت: أنسي؟ فأقبل عليّ بوجهه، فقال: " بأي شيء تفتتح القرآن إذا افتتحت الصَّلاة؟ ". قلت: ببسم الله الرحمن الرحيم. قال: " هي، هي ". ثم خرج. هكذا رواه الدَّارَقُطْنِيُّ (1)، وفي رواية الخطيب: " أنزل عليّ الليلة آية لم تنزل على نبي غير سليمان وغيري، وهي: بسم الله الرحمن الرحيم ". 699 - الحديث السادس: عن أم سلمة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ: " بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين ... " قطعها آية آية، وعدّ (بسم الله الرحمن الرحيم) آية (2). والجواب: أما الحديث الأول: فيرويه أبو بكر الحنفي عن عبد الحميد بن جعفر عن نوح بن أبي بلال، وكان يحيى بن سعيد (3) والثوري (4) يضعفان عبد الحميد.
قال أبو بكر الحنفي: لقيت نوحاً فحدَّثني به موقوفاً على أبي هريرة (1). وأما اللفظ الثَّاني: فعبد الحميد يرويه أيضاً. والمراد باللفظ الثَّالث: تعريف الفاتحة بما لا تنفك عنه في الغالب وهو البسملة. وأما الحديث الثاني: فتفرد به عبد الله بن زياد بن سمعان عن العلاء، وقد أجمعوا على ترك حديثه، وقال مالك: كان كذّاباً (2). قال الدَّارَقُطْنِيُّ: قد روى هذا الحديث جماعة من الثقات عن العلاء، منهم: مالك وابن جريج وابن عيينة وغيرهم، ولم يذكر أحدٌ منهم: بسم الله الرحمن الرحيم (3). هكذا قال الدَّارَقُطْنِيُّ عقيب روايته للحديث. وأما الخطيب فإنه احتج به، وظن أن الأمر [] (4) يخفى فيه. وأما الحديث الثَّالث: فيرويه سليم (5) بن مسلم المكي، قال يحيى بن معين: ليس بثقة (6).
وأما الرابع: فلفظه الأول: [] (1) يرويه حماد بن أبي سليمان، وقد كذّبه مغيرة (2). ولفظه الثاني (3): يرويه بحر السقاء، قال يحيى: ليس بشيء، لا يكتب حديثه (4). وأما لفظ ابن [عمر] (5): فيرويه عبد الرَّحمن بن عبد الله العمري عن أبيه، قال أحمد: سمعت منه وتركت حديثه، وكان كذّاباً (6). وقال يحيى: هو وأبوه ضعيفان (7). على أنه لا حجة في الحديث، لأن البداية بها لا تدل على أنها منها. وأما الخامس: فلفظه الأول: يرويه سلمة بن صالح الأحمر عن يزيد أبي خالد عن عبد الكريم أبي أمية؛ فأما سلمة وعبد الكريم فقال أحمد (8)
ويحيى (1): ليسا بشيء. قال النَّسائيُّ: ويزيد متروك الحديث (2). وأما لفظ حديث الخطيب: فيرويه حفص بن سليمان، قال يحيى: ليس بثقة (3). وقال أحمد: هو متروك الحديث (4). وأما السادس: فيرويه عمر بن هارون البلخي عن ابن جريج، قال يحيى: ليس بشيء (5). ز: حديث ابن عباس: ذكر المؤلف أن حماد بن أبي سليمان رواه، وإنما رواه إسماعيل بن حماد بن أبي سليمان، وقد وثقه ابن معين - في رواية إسحاق بن منصور (6) -، وقال أبو حاتم: شيخ يكتب حديثه (7). وقال الأزدي: يتكلمون فيه (8). 700 - قال التِّرمذيُّ: ثنا أحمد بن عبدة ثنا المعتمر بن سليمان حدَّثني إسماعيل بن حماد عن أبي خالد عن ابن عباس قال: كان النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفتتح صلاته بـ "بسم الله الرحمن الرحيم". قال التِّرمذيُّ: ليس إسناده بذاك (9).
وأبو خالد: قيل: هو الوالبي الكوفي، واسمه: هرمز، ويقال: هرم؛ قال أبو حاتم: صالح الحديث (1). وذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثِّقات" (2). وقال ابن أبي حاتم في " الكنى ": أبو خالد: روى عن ابن عباس، روى عنه إسماعيل بن حماد بن أبي سليمان. سمعت أبي يقول ذلك، وسئل أبو زرعة عن أبي خالد الذي روى عن ابن عباس عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الجهر بـ "بسم الله الرحمن الرحيم"، روى عنه إسماعيل بن حماد بن أبي سليمان. قال: لا أدري من هو، لا أعرفه (3). كذا ذكر ابن أبي حاتم في " الكنى " ترجمة أبي خالد هذا، وذكر في " الأسماء " ترجمة أبي خالد [الوالبي] (4)، وسمّاه: هرمز. وقال العقيلي في إسماعيل: حديثه غير محفوظ ويحكيه عن مجهول: 701 - حدَّثناه عليُّ بن عبد العزيز ثنا محمد بن عبد الله الرقاشي ثنا معتمر بن سليمان عن إسماعيل بن حماد عن أبي خالد عن ابن عباس أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يستفتح الصَّلاة بـ "بسم الله الرحمن الرحيم" (5). 702 - وقال ابن عَدِيٍّ: ثنا خالد بن النضر القرشي ثنا يحيى بن حبيب ابن عربي ثنا معتمر حدَّثني إسماعيل بن حماد بن أبي سليمان عن أبي خالد عن ابن عباس أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يفتتح الصَّلاة بـ " بسم الله ". قال ابن عَدِيٍّ: كذا قال لنا خالد بن النضر (إسماعيل بن حماد بن أبي سليمان).
703 - وحدَّثنا موسى بن هارون التوزي ثنا يعقوب بن إبراهيم ثنا معتمر قال: سمعت إسماعيل بن حماد يحدِّث عن عمران بن خالد عن ابن عباس أن نبيَّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقرأ: "بسم الله الرحمن الرحيم". قال ابن عَدِيٍّ: وهذا الحديث لا يرويه غير معتمر، وهو غير محفوظ، سواء قال: عن أبي خالد، أو عن عمران بن خالد، جميعاً مجهولين (1). وحديث أم سلمة: رواه ابن خزيمة في "مختصر المختصر" عن الصاغاني (2) عن خالد بن خداش عن عمر (3) بن هارون عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن أم سلمة، ورواه الحاكم وقال: عمر بن هارون أصل في السنة، ولم يخرجاه (4). وقد قال ابن مهديٍّ (5) وأحمد (6) والنَّسائيُّ (7): عمر متروك الحديث.
وقال يحيى: كذَّابٌ خبيثٌ (1). وقال أبو داود: غير ثقة (2). وتكلم فيه آخرون. وما ذكره المؤلف عن النَّسائيِّ أنه قال في يزيد بن أبي خالد (متروك الحديث) وَهْمٌ، فإن قول النَّسائيِّ إنما هو في يزيد بن عبد الملك النوفلي (3)، وقد قيل: إن كنيته أبو خالد، وهو غير راوي هذا الحديث. وأما راوي هذا الحديث: فيحتمل أن يكون: هو الدالاني، وهو صدوق لا بأس به، وثقه أبو حاتم الرازي (4) وغيره، وتكلم فيه ابن حِبَّان (5)، لكن أخطأ في ترجمته خطأ نبهنا عليه في موضع آخر (6). ويحتمل أن يكون: غير الدالاني، وهو أشبه، وهو غير مشهور؛ و (يزيد أبو خالد) جماعة، ذكرهم ابن أبي حاتم (7) وغيره، وهم متقاربون في الطبقة، والله أعلم (8) O. * * * * *
مسألة (138): لا يسن الجهر بالبسملة.
مسألة (138): لا يسن الجهر بالبسملة. وقال الشَّافعيُّ: يسن. لنا حديثان: 704 - الأوَّل: قال أحمد: ثنا وكيع ثنا شعبة عن قتادة عن أنس قال: صليت خلف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وخلف أبي بكر وعمر وعثمان، وكانوا لا يجهرون بـ "بسم الله الرحمن الرحيم" (1). أخرجه البخاريُّ (2) ومسلمٌ (3) في "الصَّحيحين"، ولفظ حديثهما: فلم أسمع أحداً منهم يقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم (4). وفي لفظ: يفتتحون الصَّلاة بـ "الحمد لله رب العالمين". وقد روينا في لفظ متقدم (5): كانوا يفتتحون القراءة بـ "الحمد لله رب
العالمين ". 705 - الحديث الثَّاني: قال أحمد: ثنا عفان ثنا [وهيب] (1) عن أبي مسعود الجريري سعيد بن إياس عن قيس بن عباية قال: حدَّثني ابن عبد الله بن المغفل قال: سمعني أبي وأنا أقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين ... ، فلما انصرف قال: يا بني، إياك والحدث في الإسلام، فإني صليت خلف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وخلف أبي بكر وعمر وعثمان، فكانوا لا يستفتحون القراءة بـ "بسم الله الرحمن الرحيم". ولم أر رجلاً قط أبغض إليه الحدث منه (2). ورواه التِّرمذيُّ فقال فيه: صليت مع النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر وعمر وعثمان، فلم أسمع أحداً منهم يقولها (3).
ثم إن مذهبنا مروي عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وعمار ابن ياسر وعبد الله بن مغفل وابن الزُّبير وابن عباس. وقال به من كبراء التابعين ومن بعدهم: الحسن والشعبي وسعيد بن جبير وإبراهيم وقتادة وعمر بن عبد العزيز والأعمش والثوري ومالك وأبو حنيفة وأبو عبيد في خلق كثير. وإنما يروى خلاف هذا عن معاوية وعطاء وطاوس ومجاهد. وقد سلك أصحاب الشافعي في الاعتراض على أحاديثنا أربعة مسالك: المسلك الأول: الطعن، فتعرضوا لحديث أنس بشيئين: أحدهما: أنه نقل عنه ضد هذا، وأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يجهر، على ما سنذكره في حجتهم (1). والثاني: أنه قد روي عنه إنكار هذا في الجملة: 706 - قال أحمد: ثنا غسان بن مضر ثنا سعيد بن يزيد أبو مسلمة قال: سألت أنساً: أكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، أو الحمد لله رب العالمين؟ قال: إنك لتسألني عن شيء ما أحفظه - أو: ما سألني أحد قبلك - (2). قال الدَّارَقُطْنِيُّ: إسناد صحيح (3).
قالوا: وحديث ابن المغفل يرويه قيس بن عباية، وقد حكى الخطيب أن بعض الفقهاء قال: قيس غير ثابت الرواية. قال الخطيب: وابن عبد الله بن المغفل مجهول. المسلك الثاني: التأويل، قالوا: أما قوله: (فكانوا لا يجهرون) فليس في الصحيح، ويحتمل أنهم ما كانوا يجهرون بها كجهرهم ببقية السورة، وهذا لأن القارئ يبتدئ القراءة ضعيف الصوت، ثم يرفعه، يدل عليه قول أنس: (فلم أسمع أحداً منهم يجهر بها)، وهذا يدل على أنه سمعها منهم، وإذا سمع المأموم قراءة الإمام فهذا هو الجهر؛ ثم قوله: (لم أسمع) شهادة منه ومن ابن المغفل على النفي، فيحتمل أنهما لم يسمعا لبعدهما عن الإمام، وقد كان أنس صبياً حينئذ، وإنما كان يتقدم الأكابر؛ وقوله: (كانوا يفتتحون بالحمد) أي بالسورة. المسلك الثالث: المعارضة، وقد احتجوا بأحاديث رواها الدَّارَقُطْنِيُّ والخطيب، تلخيصها في تسعة، ونحن نسردها من غير إسناد لئلا يطول الكتاب، ونبين عللها، فكأننا بذكر العلل قد ذكرنا الأسانيد، على أننا قد ذكرنا في المسألة قبلها ما يصلح الاحتجاج به ههنا، وإنما نذكر الآن ما يختص الجهر: 707 - الحديث الأوَّل: عن نعيم المجمر قال: صليت خلف أبي هريرة فقال - وفي لفظ: فقرأ -: بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قرأ بأم القرآن، فلما سلم قال: والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1). ز: حديث نعيم المجمر: أخرجه النَّسائيُّ (2) وأبو بكر بن خزيمة في
"صحيحه" (1)، وقال في "مصنفه في البسملة": فأما الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في الصَّلاة فقد ثبت وصح عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإسنادٍ ثابت متصل، لا شك ولا ارتياب عند أهل المعرفة بالأخبار في صحة سنده واتصاله ... فذكره ثم قال: بان وثبت أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد كان يجهر بـ "بسم الله الرحمن الرحيم" في الصَّلاة (2). وأخرجه ابن حِبَّان في "صحيحه" (3) والدَّارَقُطْنِيُّ وقال: هذا حديث صحيح، وكلهم ثقات (4). ورواه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه (5). واستدل به البيهقيُّ في كتاب "الخلافيات" ثم قال: رواة هذا الحديث كلهم ثقات، مجمعٌ على عدالتهم، محتج بهم في الصحيح (6). وقال في "السنن الكبير": هو إسنادٌ صحيح وله شواهد (7). واعتمد عليه الخطيب في مسألة الجهر بالبسملة، وقال: هذا الحديث ثابت صحيح، لا يتوجه عليه تعليل في اتصال إسناده وثقة رجاله (8). وقد اعتمد أكثر من صنف في الجهر على هذا الحديث، وليس هو
بصريح في الجهر، وقد أجبتُ عنه بعشرة أوجه ذكرناها في موضع آخر (1) O. 708 - الحديث الثاني: عن أبي هريرة أيضاً أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا أم الناس جهر بـ "بسم الله الرحمن الرحيم" (2). وفي لفظ: عن أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "علمني جبريل الصَّلاة". فقام وكبر لنا، ثم قرأ (بسم الله الرحمن الرحيم) فيما يجهر به في كل ركعة (3). 709 - وقد رواه النعمان بن بشير عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أمّني جبريل عند البيت، فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم " (4). 710 - الحديث الثالث: عن علي وعمار أنهما صلَّيا خلف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجهر بـ "بسم الله الرحمن الرحيم" (5). وفي لفظ: لم يزل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجهر في السورتين بـ "بسم الله الرحمن الرحيم" (6).
712 - وقد رواه علي عليه السلام (1) قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجهر بـ "بسم الله الرحمن الرحيم" في السورتين جميعاً (2). 713 - الحديث الخامس: عن أنس قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجهر بـ "بسم الله الرحمن الرحيم" (3). وقد روى مثل هذا اللفظ: ابن عباس (4) وعائشة (5). وفي لفظ عن أنس: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجهر بـ "بسم الله الرحمن الرحيم" (6). وروى مثله بريدة (7). وفي لفظ عن أنس: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر وعمر يجهرون بـ "بسم الله الرحمن الرحيم". 714 - الحديث السادس: عن سمرة قال: كانت للنَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سكتتان: سكتةٌ إذا قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، وسكتةٌ إذا فرغ من القراءة (8).
715 - الحديث السابع: عن الحكم بن عمير قال: صليت خلف النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجهر في الصَّلاة بـ "بسم الله الرحمن الرحيم" في: صلاة الليل، وصلاة [الغداة] (1)، وصلاة الجمعة (2). 716 - الحديث الثامن: عن مجالد بن ثور وبشر بن معاوية أنهما وفدا على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعلمهما فيما علمهما: الابتداء بـ "بسم الله الرحمن الرحيم"، والجهر بها في الصَّلاة (3). 717 - الحديث التاسع: عن عبيد بن رفاعة أن معاوية (4) قدم المدينة، فصلَّى بالناس صلاة، فجهر فيها بالقراءة، وأنه قرأ أم الكتاب ولم يقرأ (بسم الله الرحمن الرحيم)، ثم ركع حينئذ ولم يكبر، ثم قام في الثانية فلم يكبر، فلما صلَّى وسلم ناداه المهاجرون والأنصار من كل ناحية: يا معاوية، أسرقت صلاتك أم نسيت؟ أين (بسم الله الرحمن الرحيم) حين افتتحت أم القرآن؟! وأين (الله أكبر) حين وضعت جبينك وحين قمت؟! فلما صلَّى بهم الصَّلاة الأخرى قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، وكبَّر حين سجد وحين قام (5). قالوا: وأما الصحابة فقد ذكرنا عن أنس روايته بالجهر عن أبي بكر وعمر (6).
718 - وروى ابن المسيب أن أبا بكر وعمر وعثمان وعليًّا كانوا يجهرون بـ "بسم الله الرحمن الرحيم". 719 - روى عطاء الخراساني (1) قال: صلَّيت خلف علي بن أبي طالب وعدة من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كلهم يجهرون بـ "بسم الله الرحمن الرحيم". 720 - وروى ضميرة عن علي قال: من لم يجهر في صلاته بـ "بسم الله الرحمن الرحيم" فقد خدج صلاته. 721 - وقال صالح بن نبهان: صلَّيت خلف أبي قتادة وأبي سعيد وأبي هريرة وابن عباس فكانوا يجهرون. وكذلك روي عن ابن عمر. المسلك الرابع: الترجيح، فقالوا: نرجح أحاديثنا على أحاديثكم من خمسة أوجه: أحدها: أن أخباركم رواها صحابيان، وأخبارنا رواها أربعة عشر صحابياً. والثاني: أن ما رواه الصحابيان يحتمل على ما سبق بيانه، وأخبارنا صريحة لا تحتمل. والثالث: أن أخباركم شهادة على نفي، وكيف يؤخذ حكم من عدم سماع؟! وأخبارنا شهادة على إثبات، والإثبات مقدم، كما قدمنا قول بلال: (دخل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البيت وصلَّى) على قول أسامة: (لم يصلِّ). والرابع: أن أخبارنا تقتضي الزيادة، والأخذ بالزائد أولى.
والخامس: أنَّه يمكننا الجمع بين الأحاديث، فنقول: (كان يفتتح بالحمد) أي بالسُّورة، ولم يسمع منه الجهر من أنكره، وسمعه من رواه؛ وأنتم لا يمكنكم إثبات روايتنا إلا بإسقاط روايتكم. والجواب: أمَّا المسلك الأوَّل: فإنَّ التَّعرُض بالطَّعن لحديث أنس لا وجه له، لاتفاق الأئمة على صحَّته؛ ومعارضتُه بما لا يقارب سنده في الصِّحة قبيحٌ بمن يدَّعي علم النَّقل. وأمَّا حديث أبي مسلمة (1): فجوابه من ثلاثة أوجه: أحدها: أنَّ حديثنا في الصِّحاح بخلافه، فلا يقوى على المعارضة. والثَّاني: أنَّه يحتمل أن يكون أنس نسي في تلك الحال لكبره، وكم ممَّن حدَّث ونسي؟! وقد صرَّح أنس بمثل هذا، فسئل يومًا عن مسألة، فقال: عليكم بالحسن فسلوه، فإنَّه حفظ ونسينا. والثَّالث: أنَّه يحتمل أن يكون مراد السَّائل: أكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يذكرها في الصَّلاة، أو يتركها أصلاً؟ فلا يكون هذا سؤالاً عن الجهر بها. وأمَّا حديث ابن مغفَّل: فرجاله ثقاتٌ، وقيس بن عَبَاية قد ذكره البخاريُّ في "تاريخه" (2) وقال أبو بكر الخطيب: لا أعلم أحدًا رماه ببدعةٍ في دينه ولا كذبٍ في روايته (3).
وأما ابن عبد الله: فاسمه يزيد، وقد ذكره البخاريُّ في "تاريخه" (1). وأما المسلك الثاني وقولهم: (ليس ذكر الجهر في الصحيح): قلنا: رجاله رجال الصحيح، فيلزم أن يحكم بصحته. وقولهم: (يحتمل أنهم ما كانوا يجهرون بها كالجهر بالسورة) وقد ذكرنا في حديث أنس: أنهم ما كانوا يذكرونها، وفي حديث عائشة: كان يفتتح القراءة بالحمد. وقولهم: (هو شهادة على النفي) قلنا: هو في معنى الإثبات، لأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هاجر إلى المدينة ولأنس عشر سنين، ومات وله عشرون سنة، فكيف يتصور أن يصلِّي خلفه عشر سنين فلا يسمعه يوماً من الدهر يجهر؟ ثم قد روى (2) وقوع هذا في زمن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكيف وهو رجل في زمن أبي بكر وعمر؟ وكهل في زمن عثمان؟ مع تقدمه في زمانهم وروايته للحديث؟! وأما عبد الله بن المغفل: فإنه كان رجلاً في زمن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان ممن بايع تحت الشجرة، وكان يومئذ يمد أغصانها يظلل بها على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو من البكائين، وبعثه عمر إلى أهل البصرة يفقههم. ويؤكد هذا أن عمر كان جهوري الصوت، فلو خفي من الكل لم يخف منه. وقولهم: (لولا سماعهم ما نقلوا الإخفات) قلنا: يحتمل علمهم بالإخفات أمرين:
أحدهما: أن يكون الراوي قريباً من الإمام فيسمع ما يخافت به، وذلك لا يسمى جهراً. والثاني: أن يكونوا علموا بقول منفرد، وتعليم منفصل عن الصَّلاة، كما علموا الاستفتاح والتعوذ. وقولهم: (المراد بقوله: يفتتحون بالحمد. أي: بالسورة) قلنا: البسملة ليست من السورة على ما سبق بيانه (1). وأما المسلك الثالث: فجوابه أن جميع أحاديثكم ضعاف، وأثبتها حديث نعيم، ولا حجة فيه، لأنه حكى (أن أبا هريرة قرأها)، ولم يقل: (جهر بها)، فجائزٌ أن يكون سمعها في مخافتته لقربه منه. وأما الحديث الثاني: فاللفظ الأول منه قال فيه أبو أحمد بن عدي الحافظ: لا يعرف إلاَّ بأبي أويس المديني (2). قال يحيى بن معين كان أبو أويس يسرق الحديث (3).
وأما اللفظ الثاني: فيرويه خالد بن إلياس، وأجمعوا على ترك حديثه، ثم نحمله على أنه قرأها من غير جهر. وأما لفظ حديث النعمان: فيرويه [فطر] (1) بن خليفة، وقال السعدي: هو غير ثقة (2). وأما الحديث الثالث: فيرويه إسماعيل بن أبان عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي الطفيل. فأما إسماعيل: فقال أحمد: حدث بأحاديث موضوعة (3). وقال
يحيى: هو كذَّابٌ (1). قال: ولا يكتب حديث عمرو بن شمر (2)، ولا حديث جابر (3). وأمَّا أبو الطَُّفيل: فكان مغيرة يكره الرِّواية عنه (4). وأمَّا الرَّابع: فاللفظان عن ابن عباس يرويهما عمر بن حفص، وقد أجمعوا على ترك حديثه. ولفظ حديث عليٍّ: يرويه عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن عليٍّ، قال ابن عَدِيٍّ: ولا يتابع عليه (5). وأمَّا الخامس: فاللفظ الأوَّل: يرويه أحمد بن محمد اليماميُّ، قال ابن عَدِيٍّ: حدَّث بأحاديث مناكير عن الثِّقات، ونسخٍ عجائب (6). ولفظ حديث ابن عباس الموافق له قد رواه سعيد بن خثيم (7)، قال ابن
عدي: وأحاديثه ليست بالمستقيمة (1). ورواه شريك، وكان يحيى القطان لا يعبأ بشريك (2)، وقال ابن المبارك: ليس حديثه بشيء (3). ورواه أيضاً الحسن بن عنبر الوشَّاء، قال ابن عدي: حدث بأحاديث أنكرت عليه (4). وأما لفظ حديث عائشة الموافق له: فيرويه العباس بن الفضل من حديث أبي الجوزاء، ويرويه الحكم بن عبد الله من حديث القاسم، كلاهما عنها. قال يحيى: العباس (5) والحكم (6) ليسا بثقة. وقال ابن عدي: أحاديث الحكم موضوعة، منها: أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يجهر (7). وأما اللفظ الثاني عن أنس: فيرويه إسماعيل المكي، قال ابن المديني: لا يكتب حديثه (8).
وأما لفظ حديث بريدة الموافق له: فيرويه عمرو بن شمر عن جابر، وقد ذكرنا قول يحيى فيهما (1). وأما اللفظ الثالث عن أنس: فيرويه الحجاج بن أرطأة، وقد ضعفه يحيى (2) وغيره. وفي الجملة لا يثبت عن أنس شيء من هذا، بل قد صحت الأخبار بخلافه قولاً وفعلاً. وأما السادس: فذكر السكتة بعد البسملة غلطٌ، وقد رواه أحمد (3) وأبو داود (4) والدَّارَقُطْنِيُّ (5) على الصحة: عن سمرة، قال: حفظت سكتتين من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصَّلاة: سكتةً إذا كبَّر الإمام، وسكتةً إذا فرغ من الفاتحة. وأما السابع: فرواه موسى بن أبي حبيب، وليس بمعروف (6).
وأما الثامن: فيرويه صاعد بن طالب بن نواس يرفعه كل واحد عن أب إلى أب إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكلهم مجاهيل. وأما التاسع: فيروه عبد الله بن عثمان بن خثيم (1)، وقال يحيى: أحاديثه ليست بالقوية (2). وأما الرواية عن أبي بكر وعمر: فقد تكلمنا على رواية أنس عنهما. وأما رواية ابن المسيب: فيرويها عثمان بن عبد الرَّحمن عن الزُّهريِّ، وقد أجمعوا على تضعيف عثمان. ورواية عطاء: يرويها عنه ابنه يعقوب، وقد ضعَّفه أحمد (3) ويحيى (4).
وأمَّا رواية ضميرة: ففى طريقه حسين بن عبد الله بن ضميرة، وقد أجمعوا على تكذيبه (1). وأمَّا المروي عن ابن عمر: فهو من طريق أبي سعد البقَّال وعمر بن نافع، وقد ضعفهما يحيى (2)، وقال النَّسائيُّ: ليسا بشيءٍ (3). وأمَّا المأثور عن ابن عباس: فمن طريق أبي سعد البقَّال أيضًا وشَريك، وقد بيَّنا القدح فيهما. وقول صالح مردودٌ، لأنَّ مالك قال: ليس بثقةٍ (4). وهذه الأحاديث في الجملة لا يحسن بمن له علمٌ بالنَّقل أن يعارض بها الأحاديث الصِّحاح، ولولا أن تَعْرض للمتفقه شبهةٌ عند سماعها فيظنها صحيحةً = لكان الإضراب عن ذكرها أولى، ويكفي في هجرانها إعراض المصنِّفين المسانيد والسُّنن عن جمهورها، وقد ذكر الدَّارَقُطْنِيُّ منها طرفًا في
"سننه" فبَّين ضعف بعضها وسكت عن بعضها. وقد حكى لنا مشايخنا أنَّ الدَّارَقُطْنِيَّ لما ورد مصر سأله بعض أهلها عن تصنيف شيءٍ في الجهر، فصنَّف جزءًا، فأتاه بعض المالكيَّة فأقسم عليه أن يخبره بالصَّحيح من ذلك، فقال: كلُّ ما روي عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الجهر فليس بصحيحٍ، فأمَّا عن الصَّحابة فمنه صحيحٌ، ومنه ضعيفٌ. ثُمَّ تجرَّد أبو بكر الخطيب لجمع أحاديث الجهر، فأزرى على علمه بتغطية ما ظنَّ أنَّه لا ينكشف، وقد حصرنا ما ذكره وبيَّنا وهنه ووهيه على قدر ما يحتمله التَّعليق، ولم نر أحدًا ممَّن صنَّف تعاليق الخلاف ذكر في تعليقه ما ذكرنا، ولعلَّ أكثرهم لا يهتدي إلى ما فعلنا، وإنَّما بسطنا الكلام بعض البسط لأنَّ هذه المسألة من أعلام المسائل، وهي شعار المذهب من الجانبين، ومبناها على النَّقل. ثُمَّ إنَّا بعد هذا نحمل جميع أحاديثهم على أحد أمرين: إمَّا أن يكون جهر بها للتَّعليم أو كما يتَّفق، كما روي أنَّه كان يصلِّي بهم الظُّهر فيسمعهم الآية والآيتين بعد الفاتحة أحيانًا. والثَّاني: أن يكون ذلك قبل الأمر بترك الجهر، فقد روى أبو داود بإسناده: 722 - عن سعيد بن جُبير أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يجهر بـ " بسم الله الرحمن الرَّحيم "، وكان مسيلمة يُدعى: (رحمان اليمامة)، فقال أهل مكَّة: إنَّما يدعو إله اليمامة. فأمر اللهُ رسولَه بإخفائها، فما جهر بها حتى مات (1). وهذا يدلُّ على نسخ الجهر.
وأما مسلكهم الرابع فجوابه: أن الاعتماد على ما صح لا على ما كثرت رواته، وقد دفعنا وجه الاحتمال، وبينا أنها شهادة معناها الإثبات وإن ظهرت في صورة النفي، بخلاف حديث بلال، وإنما تقتضي أخبارهم الزيادة أن لو صحت، وهذا جواب قولهم: (يجمع بين الأحاديث). ز: 723 - روى عبد الله بن عمرو بن حسان ثنا شريك عن سالم - هو الأفطس - عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجهر بـ "بسم الله الرحمن الرحيم". رواه الحاكم في "المستدرك" عن عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم عن أحمد بن إسحاق بن صالح الوزان عن عبد الله بن عمرو بن حسان، وقال: صحيح وليس له علة (1). كذا قال، وعبد الله بن عمرو بن حسان: قال فيه عليُّ بن المدينيِّ: كان يضع الحديث (2). وكذبه الدَّارَقُطْنِيُّ (3)، وقال ابن عَدِيٍّ: هو إلى الضعف أقرب (4). وقد رواه الدَّارَقُطْنِيُّ في "سننه" من طريق أبي الصلت الهروي عن عباد ابن العوام عن شريك، وقال فيه: يجهر في الصَّلاة (5). وأبو الصلت: متروك الحديث.
724 - وقد رواه ابن راهويه في "مسنده" فقال: أنا يحيى بن آدم أنا شريك عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجهر بـ "بسم الله الرحمن الرحيم" يمد بها صوته، وكان المشركون يهزأون ... فذكر الحديث. 725 - وقال الحاكم: ثنا الأصم [أنا] (1) الربيع أنا الشَّافعيُّ أنا عبد المجيد عن ابن جريج أخبرني عبد الله بن عثمان بن خثيم أن أبا بكر بن حفص بن عمر أخبره أن أنساً قال: صلَّى معاوية بالمدينة صلاة، فجهر فيها بالقراءة، فقرأ فيها: (بسم الله الرحمن الرحيم) لأمِّ القرآن، ولم يقرأها للسورة التي بعدها، ولم يكبر حين يهوي، فلما سلم ناداه من سمع ذلك من المهاجرين والأنصار من كل مكان: يا معاوية، أسرقت الصَّلاة أم نسيت؟ فلما صلَّى بعد ذلك قرأ: (بسم الله الرحمن الرحيم) للسورة التي بعد أم القرآن، وكبر حين يهوي ساجدًا. قال الحاكم: على شرط البخاريِّ ومسلم (2). وليس كما قال. ثم قال: وهو علة لحديث قتادة عن أنس: صليت خلف النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر وعمر فلم يجهروا بـ "بسم الله الرحمن الرحيم"، فإن قتادة يدلس (3). ورواه الدَّارَقُطْنِيُّ وقال فيه: فلم يقرأ: (بسم الله الرحمن الرحيم) لأم القرآن، ولم يقرأ بها للسورة التي بعدها، ولم يكبر حين يهوي ... - وقال في آخره: - فلم يصلِّ بعد ذلك إلاَّ قرأ: (بسم الله الرحمن الرحيم) لأم القرآن، وللسورة التي بعدها، وكبر حين يهوي ساجداً. ثم رواه الدَّارَقُطْنِيُّ من طريق إسماعيل بن عياش، فقال:
726 - حدثنا القاضي أبو طاهر محمد بن أحمد بن نصر وأحمد بن سندي ابن حسن قالا: ثنا جعفر بن محمد الفريابي ثنا أبو أيُّوب سليمان بن عبد الرَّحمن ثنا إسماعيل بن عياش ثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن أبيه عن جدِّه أن معاوية بن أبي سفيان قدم المدينة حاجاً أو معتمراً فصلَّى بالناس، فلم يقرأ: (بسم الله الرحمن الرحيم) حين افتتح القرآن، وقرأ بأم القرآن، فلما قضى الصَّلاة أتاه المهاجرون والأنصار من ناحية المسجد، فقالوا: أتركت صلاتك يا معاوية؟ أنسيت (بسم الله الرحمن الرحيم)؟ قال: فلما صلَّى بهم الأخرى قرأ: (بسم الله الرحمن الرحيم) (1). 727 - وقال الحاكم: ثنا أبو علي الحافظ ثنا علي بن أحمد بن سليمان ابن داود المهري ثنا أصبغ بن الفرج ثنا حاتم بن إسماعيل عن شريك بن عبد الله عن أنس سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجهر بـ "بسم الله الرحمن الرحيم". قال: رواته ثقات (2). وقد رواه الدَّارَقُطْنِيُّ بإسناده عن حاتم بن إسماعيل عن شريك بن عبد الله عن إسماعيل المكي عن قتادة عن أنس (3). وإسماعيل متروك. 728 - قال الحاكم: وثنا عبد الرَّحمن بن حمدان الجلاب ثنا عثمان بن خرزاذ ثنا محمد بن أبي السري قال: صليت خلف المعتمر بن سليمان ما لا أحصي
صلاة الصُّبح والمغرب، فكان يجهر بـ " بسم الله " (1) قبل الفاتحة وبعدها، وسمعته يقول: ما آلوا أن أقتدي بصلاة أبي، وقال أبي: ما آلوا أن أقتدي بصلاة أنس ابن مالك، وقال أنس: ما آلوا أن أقتدي بصلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال الحاكم: رواته ثقات (2). ورواه الدَّارَقُطْنِيُّ قال: قرأت في أصل كتاب أبي بكر أحمد بن عمرو بن جابر الرملي بخط يده: ثنا عثمان بن خرزاذ ... فذكره (3). وقد تقدم (4) أن الطبراني رواه من حديث المعتمر عن أبيه عن الحسن عن أنس أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يسر (بسم الله الرحمن الرحيم). 729 - قال الحاكم: وحدَّثني مكي بن أحمد ثنا العباس بن عمران القاضي ثنا سيف بن عمرو ثنا محمد بن أبي السري ثنا إسماعيل بن أبي أويس ثنا مالك عن حميد عن أنس قال: صليت خلف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وخلف أبي بكر، وخلف عمر، وخلف عثمان، وخلف علي، فكلهم كانوا يجهرون بقراءة (بسم الله الرحمن الرحيم). قال الحاكم: إنما ذكرته شاهداً (5). كذا قال، وقد قيل: إن الحديث صحيح ثابت عن مالك، لكن سقط منه لفظة (لا).
730 - قال الحاكم: وأنا علي بن محمد بن عقبة الشيباني ثنا إبراهيم بن أبي العنبس القاضي ثنا سعيد بن عثمان الخزاز (1) ثنا عبد الرَّحمن بن سعد (2) المؤذن ثنا فطر بن خليفة عن أبي الطفيل عن علي وعمار أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يجهر في المكتوبات: بـ "بسم الله الرحمن الرحيم"، ويقنت في الفجر، وكان يكبر من يوم عرفة صلاة الغداة، ويقطعها صلاة العصر آخر أيام التشريق. قال الحاكم: صحيح (3). وهو خبر منكر، لأن عبد الرَّحمن صاحب مناكير، وقد ضعفه يحيى بن معين (4). وأما سعيد: فقال بعضهم (5): إن كان الكريزي فهو ضعيف، وإلاَّ فهو مجهول. 731 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا عمر بن الحسن بن علي الشيباني ثنا جعفر ابن محمد بن مروان ثنا أبو الطاهر أحمد بن عيسى ثنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن نافع عن ابن عمر قال: صليت خلف النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر وعمر، فكانوا يجهرون بـ "بسم الله الرحمن الرحيم" (6). قال الدَّارَقُطْنِيُّ: أبو طاهر أحمد بن عيسى كذّاب (7).
732 - وقد روى الحاكم بإسناده عن يونس بن بكير ثنا مِسْعَر عن محمد ابن قيس عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجهر بـ " بسم الله الرَّحمن الرَّحيم " (1). ورواه الدَّارَقُطْنِيُّ من رواية يونس بن بكير عن مِسْعَر (2)، ثُمَّ قال: الصَّواب (أبو معشر). ومحمد بن قيس: روى له مسلمٌ في "صحيحه" (3)، وقال ابن معين: ليس بشيءٍ (4).
وأبو معشر: ضعَّفه غير واحدٍ. وقد رُوي في الجهر أحاديث ضعيفة غير هذه لا حاجة إلى ذكرها، وقد ذكرت هذه الأحاديث وغيرها من الأحاديث الواردة في الجهر، وذكرت عللها والكلام عليها في كتابٍ مفردٍ، تتبَّعت فيه ما ذكره الحافظ أبو بكر الخطيب في مصنَّفه، وهو كتابٌ متعوبٌ عليه، فمن أحبَّ الوقوف عليه فليسارع إليه (1). وقد حصل للمؤلِّف فيما ذكره هنا من الكلام على تضعيف الأحاديث أوهامٌ عديدة، وتقصيٌر كثير، فإنَّه ضعَّف غير واحدٍ من الصَّادقين، وترك الكلام على غير واحدٍ من الضُّعفاء والمجهولين: كتضعيفه إسماعيل بن أبان، وظنِّه أنَّه (القنوي) الكذَّاب، وإنَّما هو (الورَّاق) الثِّقة. وكقدحه في فطر بن خليفة، وهو صدوقٌ، والحديث لم يثبت إليه، لجهالة من قبله. وكظنِّه أنَّ عطاء الخراسانيَّ هو والد يعقوب، وإنَّما هو والد عثمان، ويعقوب هو ابن عطاء بن أبي رباح؛ ولو تتبَّعنا ما قصَّر فيه أو وهم لطال الكلام، والله الموفِّق للصَّواب O. * * * * *
مسألة (139): يجهر الإمام والمأمون بآمين.
مسألة (139): يجهر الإمام والمأمون بآمين. وقال أبو حنيفة: لا يجهران بها. لنا حديثان: 733 - الحديث الأوَّل: قال التِّرمذيُّ: ثنا بندار ثنا يحيى بن سعيد وعبد الرَّحمن بن مهدي قالا: ثنا سفيان عن ابن كُهيل عن حُجْر بن عَنْبس عن وائل بن حجر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأ:} غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ {[الفاتحة: 7] فقال: "آمين". مدّ بها صوته (1). قال الدَّارَقُطْنِيُّ: هذا حديث صحيح (2). قالوا: قد رواه شعبة فقال فيه: وأخفى بها صوته. فالجواب: أن الدَّارَقُطْنِيَّ قال: يقال: إن شعبة وهم فيه، لأن سفيان الثوري ومحمد بن سلمة بن كهيل وغيرهما رووه عن سلمة فقالوا: ورفع صوته بآمين. وهو الصواب (3). ز: وروى هذا الحديث الإمام أحمد (4) وأبو داود (5). وقال التِّرمذيُّ: حديث حسن. قال: وسمعت محمداً يقول: حديث سفيان أصح من حديث شعبة في هذا، وأخطأ شعبة في مواضع من هذا الحديث.
وقال: سألت أبا زرعة عن هذا الحديث، فقال: حديث سفيان في هذا أصح من حديث شعبة (1). 734 - وقد روى البيهقيُّ في "سننه": أنا أبو عبد الله الحافظ في " الفوائد الكبير " لأبي العباس، وفي " حديث شعبة ": ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا إبراهيم بن مرزوق البصري ثنا أبو الوليد الطَّيالسيُّ ثنا شعبة عن سلمة ابن كُهَيل قال: سمعت حُجْراً أبا عَنْبس يحدث عن وائل الحضرمي أنه صلَّى خلف النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما قال:} وَلَا الضَّالِّينَ {[الفاتحة: 7] قال: آمين. رافعاً بها صوته (2). فهذه الرواية عن شعبة توافق رواية سفيان. وحُجْر بن العَنْبس: كنيته: (أبو العَنْبس)، ويقال: (أبو السكن)، وهو كوفي أدرك الجاهلية، قال يحيى بن معين: شيخ كوفي، ثقة مشهور (3). وقال أبو حاتم: كان شرب الدم في الجاهلية، وشهد مع علي الجمل وصفين (4). وقال أبو بكر الخطيب: كان ثقة، احتج به غير واحد من الأئمة (5) O. 735 - الحديث الثاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمد بن إسماعيل الفارسي ثنا يحيى بن عثمان بن صالح ثنا إسحاق بن إبراهيم قال: حدَّثني عمرو بن الحارث قال: حدَّثني عبد الله بن سالم عن الزبيدي قال: أخبرني الزُّهريُّ عن
أبي سلمة وسعيد عن أبي هريرة قال: كان النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا فرغ من قراءة أم القرآن رفع صوته، وقال: "آمين". قال الدَّارَقُطْنِيُّ: هذا إسناد حسن (1). وقد روي هذا الحديث عن ابن عمر عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلاَّ أن الراوي: بحر السقاء، وهو متروك، فلا يحتج به. ز: روى حديث أبي هريرة: الحاكم في "المستدرك" وقال: على شرطهما، ولم يخرجاه بهذا اللفظ (2). وليس كما قال. وعبد الله بن سالم هو: الأشعري، ثقة (3). وإسحاق بن إبراهيم بن زريق (4): قال أبو حاتم: شيخ، لا بأس به، ولكنهم يحسدونه، سمعت يحيى بن معين أثنى عليه خيراً (5). وقال
النَّسائيُّ: ليس بثقة (1). وقال أبو داود: ليس بشيء (2). وكذّبه محدث حمص محمد بن عوف الطائي (3). 736 - وقال أبوداود: ثنا نصر بن علي أنا صفوان بن عيسى (4) عن بشر بن رافع (5) عن أبي عبد الله ابن عم أبي هريرة (6) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا تلا: {غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] قال: "آمين". حتى يسمع من يليه من الصف الأول (7). ورواه ابن ماجه وزاد: فيرتج بها المسجد (8). وبشر بن رافع هو: الحارثي، أبو الأسباط النجراني، إمام أهل نجران ومفتيهم، ضعفه غير واحد، قال أحمد: ليس بشيء، ضعيف الحديث (9). وقال ابن معين: يحدث بمناكير (10). وقال مرة: ليس به بأس (11). وقال
مسألة (140): لا تصح الصلاة إلا بفاتحة الكتاب.
البخاري: لا يتابع في حديثه (1). وقال التِّرمذيُّ: يضعف في الحديث (2). وكذا ضعفه أبو حاتم (3) والنَّسائيُّ (4) والحاكم أبو أحمد (5) وابن حِبَّان (6)، وقال ابن عَدِيٍّ: لا بأس بأخباره، ولم أجد له حديثاً منكراً (7) O. * * * * * مسألة (140): لا تصح الصَّلاة إلاَّ بفاتحة الكتاب. وعنه: تجزئه آية، كقول أبي حنيفة. لنا حديثان: 737 - الحديث الأوَّل: قال البخاريُّ: ثنا علي بن عبد الله ثنا سفيان ثنا الزُّهريُّ عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" (8).
أخرجاه في "الصَّحيحين" (1). وأخرجه الدَّارَقُطْنِيُّ بلفظٍ آخر: " لا تجزئ صلاةٌ لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ". وقال: إسناده صحيحٌ (2). ورواه بلفظٍ آخرٍ: " لا تقرؤوا بشيءٍ من القرآن إذا جهرتُ إلا بأمِّ القرآن ". وقال: كلُّ إسناده ثقات (3). ز: انفرد زياد بن أيُّوب دَلُّويَه بلفظ: " لا تجزئ "، ورواه جماعة: " لا صلاة لمن لم يقرأ "، وهو الصَّحيح، وكأن زيادًا رواه بالمعنى. وقد صحَّح الحديث أيضًا ابن القطَّان (4)، وقال: زياد أحد الثِّقات O. 738 - الحديث الثَّاني: قال أحمد: ثنا إسحاق ثنا مالك عن العلاء بن عبد الرَّحمن أنَّه سمع أبا السَّائب مولى هشام بن زهرة يقول: سمعتُ أبا هريرة يقول: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من صلَّى صلاةً لم يقرأ فيها بأمِّ القرآن فهي خداج، هي خداجٌ غير تمامٍ ". فقلت: يا أبا هريرة، أنا أحيانًا أكون وراء الإمام؟ فقال: اقرأ بها في نفسك يا فارسيّ (5). انفرد بإخراجه مسلمٌ (6).
قالوا: نحمل قوله: (لا صلاة) على الكمال. واستدلُّوا: 739 - بما روى أحمد: ثنا يحيى بن سعيد عن جعفر بن ميمون ثنا أبو عثمان النَّهديُّ عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمره أن يخرج فينادي: " لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب فما زاد " (1). 740 - وقال أبو بكر الخطيب: أنا القاضي أبو عبد الله الصَّيْمَريُّ ثنا عبد الله بن محمد بن عبد الله المعدِّل ثنا أحمد بن عبد الله (2) بن سعيد ثنا إسحاق ابن إبراهيم بن حاتم الأنباريُّ ثنا أحمد بن عبد الله بن محمد الكوفيُّ ثنا نُعيم بن حمَّاد ثنا ابن المبارك أنا أبو حنيفة عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة قال: نادى منادي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا صلاة إلا بقراءةٍ ولو بفاتحة الكتاب " (3). 741 - وقال ابن عَدِيٍّ: أنا عليُّ بن سعيد ثنا جبارة (4) ثنا شبيب بن شيبة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كلُّ صلاةٍ لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب وآيتين فهي خداج " (5). قلنا: قوله: (لا صلاة) نفيٌّ في نكرةٍ فهي (6) تعمُّ.
وأما حديث أبي هريرة: ففي طريقة الأول: جعفر بن ميمون (1) قال يحيى بن معين: ليس بثقة (2). وطريقة الثاني: تفرد بروايته أحمد بن عبد الله، وهو مجهول الحال، ونعيم مجروح (3). وحديث عائشة: يعرف بشبيب بن شيبة، قال ابن عدي: هو زاد فيه " آيتين " (4). قال يحيى بن معين: شبيب ليس بثقة (5). ز: حديث أبي هريرة: رواه أبو داود من رواية جعفر بن ميمون أيضاً (6)، ورواه التِّرمذيُّ تعليقاً (7)، والحاكم وقال: صحيح لا غبار عليه (8). وجعفر بن ميمون: قال فيه ابن معين - في رواية -: صالح الحديث (9). وقال أحمد: ليس بقوي في الحديث (10). وقال أبو حاتم: صالح (11). وقال
النَّسائيُّ: ليس بالقوي (1). وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: يعتبر به (2). ووثقه الحاكم (3)، وقال ابن عَدِيٍّ: لم أر أحاديثه منكرة، وأرجو أنه لا بأس به، ويكتب حديثه في الضعفاء (4). وأما حديث ابن المبارك عن أبي حنيفة: فرواه الحارثي في "مسنده" عن محمد بن المنذر بن سعيد الهروي عن أحمد بن عبد الله بن محمد الكندي؛ وهو الكوفي، وهو اللجلاج، وهو كذَّابٌ، قال ابن عَدِيٍّ: حدث بأحاديث مناكير لأبي حنيفة، وهي بواطيل (5). 742 - وروى أبو يعلى الموصلي: ثنا زهير ثنا عبد الصمد ثنا همام ثنا قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: أمرنا نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نقرأ فاتحة الكتاب وما تيسر (6). رواه الإمام أحمد عن عبد الصمد (7)، ورواه أيضاً عن عفان عن همام وعنده: (بفاتحة الكتاب) (8)، ورواه أبو داود عن أبي الوليد الطَّيالسيُّ عن همام (9)، ورواه أبو حاتم البستي عن أبي يعلى الموصلي (10). وسئل عنه الدَّارَقُطْنِيُّ فقال: يرويه قتادة وأبو سفيان السعدي عن أبي
نضرة مرفوعًا. ووقفه أبو مسلمة عن أبي نضرة، كذلك قال أصحاب شعبة عنه. ورواه زَنْبَقَة عن عثمان عن عمر عن شعبة عن أبي مسلمة مرفوعًا، ولا يصحُّ رفعه عن شعبة (1) O. احتجُّوا: 743 - بما روي في "الصَّحيحين" من حديث أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علَّم رجلاً الصَّلاة، فقال: " كبِّر، ثُمَّ اقرأ ما تيسَّر معك من القرآن ". وسيأتي بإسناده (2). 744 - ورووا عن أبي سعيد عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب أو غيرها ". والجواب: أمَّا حديث الرَّجل الذي علَّمه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فجوابه من ثلاثة أوجه: أحدها: أن يكون ذلك قبل نزول الفاتحة وتعيينها. والثَّاني: أن يكون وقت الصَّلاة قد ضاق، وهو لا يحفظ الفاتحة، فجوَّز له قراءة ما يحفظ. والثَّالث: أن يريد ما تيسَّر ما بعد الفاتحة، وترك ذكر الفاتحة إتكالاّ على علمه بوجوبها.
مسألة (141): لا تجب القراءة على المأموم.
وأما حديث أبي سعيد: فلا يعرف أصلاً. ز: روى أبو محمد الحارثي في " مسند أبي حنيفة " حديث أبي سعيد هذا بطرق عن أبي حنيفة عن أبي سفيان السعدي عن أبي نضرة عن أبي سعيد، ولفظه: " لا تجزئ صلاة إلاَّ بفاتحة الكتاب ومعها غيرها ". 745 - ثم قال: ثنا محمد بن المنذر بن سعيد الهروي ثنا أحمد بن عبد الله ابن محمد الكندي ثنا إبراهيم بن الجراح الكوفي - قاضي - ثنا أبو يوسف عن أبي حنيفة عن أبي سفيان عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري ... وذكر الحديث وفيه: " لا صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب أو غيرها ". كذا انفرد به الكندي بهذا اللفظ، وقد تقدم قريباً أنه كذاب (1) O. * * * * * مسألة (141): لا تجب القراءة على المأموم. وقال الشَّافعيُّ: تجب إذا أسر، فإن جهر فعلى قولين. لنا سبعة أحاديث: 746 - الحديث الأول: قال أحمد: ثنا أسود بن عامر ثنا حسن بن صالح عن جابر (2) عن أبي الزُّبير عن جابر عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " من كان له
إمام فقراءته له قراءة " (1). 747 - طريق ثان: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمد بن مخلد ثنا العباس بن محمد الدوري ثنا إسحاق بن منصور عن الحسن بن صالح عن ليث بن أبي سليم وجابر عن أبي الزُّبير عن جابر أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من كان له إمام فقراءته له قراءة " (2). 748 - طريق ثالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا علي بن عبد الله بن مبشر ثنا محمد بن حرب الواسطي ثنا إسحاق الأزرق عن أبي حنيفة عن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن شداد عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة " (3). 749 - طريق رابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا جعفر بن محمد بن نصير ثنا محمود بن محمد المروزي ثنا سهل بن العباس التِّرمذيُّ ثنا إسماعيل بن علية عن أيُّوب عن أبي الزُّبير عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من صلَّى خلف الإمام فقراءة الإمام له قراءة " (4). 750 - طريق خامس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا أبو بكر النيسابوريُّ ثنا بحر بن نصر ثنا يحيى بن سلام ثنا مالك بن أنس ثنا وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله أن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " كل صلاة لا يقرأ فيها بأم الكتاب فهي خداج، إلاَّ أن يكون وراء الإمام " (5).
751 - الحديث الثاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا محمد بن مخلد ثنا محمد بن هشام البختري (1) ثنا سليمان بن الفضل (2) ثنا محمد بن الفضل بن عطية عن أبيه عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من كان له إمام، فقراءة الامام له قراءة " (3). 752 - الحديث الثالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: قرئ على أبي محمد بن صاعد - وأنا أسمع -: حدثكم علي بن حرب وأحمد بن يوسف التغلبي قالا: ثنا غسان بن الربيع عن قيس بن الربيع عن محمد بن سالم عن الشَّعبيِّ عن الحارث عن علي قال: قال رجل للنَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أقرأ خلف الإمام أو أنصت؟ قال: " بل أنصت، فإنه يكفيك " (4). 753 - الحديث الرابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا محمد بن مخلد ثنا علي بن زكريا التمار ثنا أبو موسى الأنصاري ثنا عاصم بن عبد العزيز عن أبي سهيل عن عون عن ابن عباس عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " تكفيك قراءة الإمام، خافت أو جاهر " (5). 754 - الحديث الخامس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا أحمد بن نصر ثنا يوسف بن موسى ثنا سلمة بن الفضل ثنا حجاج بن أرطأة عن قتادة عن زرارة ابن أوفى عن عمران بن حصين قال: كان النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلِّي بالناس، ورجل يقرأ خلفه، فلما فرغ قال: " من ذا الذي يخالجني سورتي؟! " فنهاهم عن القراءة خلف الإمام (6).
755 - الحديث السَّادس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا محمد بن مخلد ثنا شعيب بن أيُّوب ثنا زيد بن الحبُاب ثنا معاوية بن صالح قال: حدَّثني أبو الزَّاهريَّة عن كثير بن مُرَّة عن أبي الدَّرداء قال: سُئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أفي كلِّ صلاةٍ قراءة؟ قال: " نعم ". فقال رجلٌ من الأنصار: وجبت هذه. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لي - وكنت أقرب القوم إليه -: " ما أرى الإمام إذا أمَّ القوم إلا قد كفاهم " (1). 756 - الحديث السَّابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا ابن مخلد ثنا الفضل بن العباس الرَّازيُّ ثنا محمد بن عبَّاد ثنا أبو يحيى التَّيميُّ عن [سهيل] (2) بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من كان له إمام فقراءته له قراءة " (3). قالوا: هذه الأحاديث كلُّها ضعاف: أمَّا حديث جابر: ففي طريقه الأوَّل: جابر الجُعفيُّ، قال يحيى بن معين: لا يكتب حديثه، ليس بشيءٍ (4). وقال أبو حنيفة: ما لقيت أكذب منه (5). وأمَّا الطَّريق الثَّاني: فهو فيه ومعه ليث، وقد ضعَّف ابن عيينة ليثًا (6)، وقال أحمد: هو مضطرب الحديث (7).
[وأما الطريق الثالث: فقال الدَّارَقُطْنِيُّ: لم يسنده عن موسى غير أبي حنيفة والحسن بن عمارة، وهما ضعيفان (1)] (2). وأما الطريق الرابع: ففيه سهل بن العباس، قال الدَّارَقُطْنِيُّ: هو حديث منكر، وسهل متروك، ليس بثقة (3). وأما الطريق الخامس: ففيه يحيى بن سلام، قال الدَّارَقُطْنِيُّ: هو ضعيف (4). وأما الحديث الثاني: ففيه محمد بن الفضل، قال أحمد: ليس بشيء، حديثه حديث أهل الكذب (5). وكذا قال يحيى: ليس بشيء، لا يكتب حديثه، كان كذَّاباً (6). وقال الفلاس (7) والنَّسائيُّ (8): متروك الحديث. وأما الحديث الثالث: فقال الدَّارَقُطْنِيُّ: تفرد به غسان بن الربيع، وهو
ضعيفٌ، وقيس ومحمد بن سالم: ضعيفان، والمرسل عن الشَّعبيِّ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا أصحُّ (1). وفي الحديث الرَّابع: عاصم، قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ليس بالقويِّ، ورفعه وهمٌ (2). وقال ابن حِبَّان: كان عاصم يخطئ كثيرًا، فبطل الاحتجاج به إذا انفرد (3). وفي الحديث الخامس: حجَّاج بن أرطأة، قال الدَّارَقُطْنِيُّ: لم يروه هكذا إلا حجَّاج، ولا يحتجُّ به (4). وفي الحديث السَّادس: معاوية بن صالح، قال أبو حاتم الرَّازيُّ: لا يحتجُّ به (5). قال الدَّارَقُطْنِيُّ: والصَّواب: (فقال أبو الدَّرداء: ما أرى الإمام إلا قد كفاهم) كذلك رواه ابن وهب عن معاوية (6). وفي الحديث السَّابع: أبو يحيى التَّيميُّ، واسمه: إسماعيل بن إبراهيم، تفرَّد بهذا الحديث محمد بن عبَّاد عنه، وهما ضعيفان. والجواب: أمَّا جابر الجعفيُّ: فقد وثَّقه الثَّوريُّ وشعبة (7)، وناهيك بهما، وقال أحمد: لم يُتكلَّم في جابر لحديثه، بل لرأيه (8).
وأما ليث: فقال أحمد: حدث عنه الناس (1). [وأما أبو حنيفة: فغير متهم، إنما كان يقع في حديثه غلط وخطأ] (2). وأما سهل ومحمد بن الفضل وابن سالم: فلعمري إنهم ضعاف. وأما يحيى بن سلام وغسان بن الربيع: فلم نر أحداً ضعفهما قبل الدَّارَقُطْنِيّ، وأصحاب الحديث يضعفون بما ليس يضعف عند الفقهاء. وقوله (وهو مرسل): قلنا: المرسل عندنا حجة. وأما عاصم: فإن ضعفه محتمل، قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ليس بالقوي. وكذلك حجاج ومعاوية بن صالح وأبو يحيى. ز: هذا الذي أجاب به المؤلف ليس بقوي، وهو يحتج بجابر الجعفي في موضع، ويضعفه في آخر، بل قد قال في موضع: (جابر الجعفي: اتفقوا على تكذيبه (3)! وقد روى ابن ماجه حديث جابر من رواية جابر الجعفي أيضاً (4). وقال الدَّارَقُطْنِيُّ في حديث عبد الله بن شداد عن جابر: وروى هذا الحديث سفيان الثَّوري وشعبة وإسرائيل وأبو خالد الدالاني وأبو الأحوص وسفيان بن عيينة وجرير بن عبد الحميد وغيرهم عن موسى بن أبي عائشة عن
عبد الله بن شداد مرسلاً عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو الصواب (1). وقال في حديث يحيى بن سلام: الصواب موقوف، ثنا أبو بكر ثنا يونس ثنا ابن وهب أن مالكاً أخبره عن وهب بن كيسان عن جابر نحوه موقوفاً (2). وقال أحمد في حديث عون عن ابن عباس: هو حديث منكر (3). وقال الدَّارَقُطْنِيُّ في حديث قتادة عن زرارة عن عمران: خالف حجاج ابن أرطأة أصحاب قتادة، منهم: شعبة وسعيد وغيرهما، فلم يذكروا أنه نهاهم عن القراءة، وحجاج لا يحتج به (4). 757 - وروي عن أبي الدرداء أن رجلاً قال: يا رسول الله، أفي كل صلاة قرآن؟ فقال: " نعم ". فقال رجل من الأنصار: وجبت هذه. رواه الإمام أحمد - وهذا لفظه (5) - وابن ماجه (6) والنَّسائيُّ وقال: هذا خطأ عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنما هو من قول أبي الدرداء (7). وقد ذكره المؤلف (8) من طريق الدَّارَقُطْنِيِّ أطول من هذا O.
احتجَّ الخصم بأربعة أحاديث: 758 - الحديث الأوَّل: قال البخاريُّ في كتاب " القراءة خلف الإمام ": ثنا أحمد بن خالد ثنا محمد بن إسحاق عن مكحول عن محمود بن الرَّبيع عن عبادة بن الصَّامت قال: صلَّى النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاةً جهر فيها، فقرأ رجلٌ خلفه، فقال: " لا يقرأنَّ أحدكم والإمام يقرأ إلا بأمِّ القرآن " (1). 759 - الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمد بن مخلد ثنا العباس ابن محمد الدُّوريُّ ثنا محمد بن عبد الواهب (2) ثنا محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير عن عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جدِّه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من صلَّى صلاةً مع إمامٍ فجهر، فليقرأ بفاتحة الكتاب في بعض سكتاته، فإن لم يفعل فصلاته خداج غير تمام " (3). 760 - الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا عثمان بن أحمد ثنا عيسى ابن عبد الله الطَّيالسيُّ ثنا يزيد بن عمر المدائنيُّ ثنا الرَّبيع بن بدر عن أيُّوب السَّختيانيِّ عن الأعرج عن أبي هريرة قال: صلَّى بنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أقبل علينا بوجهه، فقال: " أتقرأون خلف الإمام؟ " فقلنا: إنَّ فينا من يقرأ. قال: " فبفاتحة الكتاب " (4). 761 - الحديث الرَّابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا محمد بن إسماعيل الفارسيُّ ثنا أبو زرعة الدِّمشقيُّ ثنا يحيى بن يوسف الزَّميُّ ثنا عبيد الله بن عمرو
الرقي عن أيُّوب عن أبي قلابة عن أنس أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى بأصحابه، فلما قضى صلاته أقبل عليهم، فقال: " أتقرأون في صلاتكم والإمام يقرأ؟ " فسكتوا، قالها ثلاثاً، فقال قائل أو قائلون: إنا لنفعل. فقال: " فلا تفعلوا، وليقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب في نفسه " (1). والجواب: وأما الحديث الأول: فقال أحمد: لم يرفعه إلاَّ ابن إسحاق. قلت: وقد قال مالك (2) وهشام بن عروة (3) وغيرهما: ابن إسحاق كذَّاب. وقال يحيى بن معين: ليس بحجة (4). وقال ابن المديني: يحدث عن المجهولين بأحاديث باطلة (5).
فإن قالوا: فقد روي من غير طريق ابن إسحاق: 762 - فقال محمود بن إسحاق: ثنا البخاري ثنا هشام (1) ثنا صدقة بن خالد ثنا زيد بن واقد عن حرام بن حكيم ومكحول عن ابن (2) ربيعة الأنصاري عن عبادة عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " لا يقرأن أحدكم إذا جهرت بالقراءة إلاَّ بأم القرآن " (3). قلنا: قال أبو زرعة الرَّازيُّ: زيد بن واقد ليس بشيء (4). على أنه قد وثقه الدَّارَقُطْنِيُّ (5). فإن قالوا: فقد رواه إسماعيل بن عيَّاش عن الأوزاعيِّ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبادة. قلنا: قال النَّسائيُّ: إسماعيل ضعيف (6). وقال ابن حِبَّان: لا يحتج به (7). ثم لا نعلم أن شعيباً لقي عبادة.
فإن قالوا: فقد رواه الدَّارَقُطْنِيُّ من طريق الوليد بن عتبة (1)، ومن طريق بقية (2)، ومن طريق إسحاق بن أبي فروة (3). قلنا: قال أبو حاتم الرَّازيُّ: الوليد مجهول (4). وأمَّا بقية: فمدلس، قال أبو مسهر: أحاديث بقية غير نقية، فكن منها على تقية (5). قال ابن حِبَّان: لا يحتج ببقية (6). وأما إسحاق: فقال ابن المدينيِّ: هو منكر الحديث (7). وقال يحيى: ليس بشيء، كذّاب (8). وقال أحمد: لا تحل الرواية عنه (9). ثم إن مكحولاً ضعيفٌ أيضاً. وأمَّا الحديث الثاني: ففيه محمد بن عبد الله بن عبيد، قال يحيى بن معين: هو ضعيف (10). وقال النَّسائيُّ (11) والدَّارَقُطْنِيُّ (12): متروك.
وأما الثالث: ففيه الربيع بن بدر، قال النَّسائيُّ (1) والدَّارَقُطْنِيُّ (3): متروك أيضاً. وأما الرابع: [فمحمول] (3) على أن [المأموم] (4) يقرأ في نفسه في سكتات الإمام. ز: حديث عبادة: روي بطرق عن محمد بن إسحاق: 763 - فروى الإمام أحمد: ثنا يعقوب ثنا أبي عن ابن إسحاق حدَّثني مكحول عن محمود بن ربيع الأنصاري عن عبادة بن الصامت قال: صلَّى بنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبح، فثقلت عليه القراءة، فلما انصرف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من صلاته، أقبل علينا بوجهه، فقال: " إني لأراكم تقرؤون خلف إمامكم إذا جهر ". قال: قلنا: أجل والله، يارسول الله، إنه لهذا. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فلا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها " (5). ورواه الإمام أحمد أيضاً عن محمد بن سلمة [ويزيد عن ابن إسحاق (6)، ورواه أبو داود عن عبد الله بن محمد النفيلي عن محمد بن سلمة] (7) عن ابن إسحاق (8)، ورواه التِّرمذيُّ عن هناد عن عبدة عن ابن إسحاق، وقال:
حديث حسن (1). ورواه أبو يعلى الموصلي عن جعفر بن مهران السباك عن عبد الأعلى عن ابن إسحاق (2)، ورواه الطبراني عن عبيد بن غنام عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عبد الله بن نمير عن ابن إسحاق (3)، ورواه أبو حاتم البستيُّ عن ابن خزيمة عن الفضل بن يعقوب الجزري عن عبد الأعلى عن ابن إسحاق (4)، ورواه الدَّارَقُطْنِيُّ بطرق عن ابن إسحاق وقال: هذا إسناد حسن (5). وتضعيف المؤلف لابن إسحاق ليس بشيء، فإنه صدوق، وكان شعبة وسفيان يقولان: هو أمير المؤمنين في الحديث (6). وهو يحتج به في موضع و [يضعفه] (7) في آخر! وكذلك تضعيفه لمكحول فإنه ثقة روى له مسلم في "صحيحه" (8). وحديث زيد بن واقد: رواه الطبرانيُّ فقال: 764 - ثنا أحمد بن المعلى ثنا هشام بن عمار ثنا صدقة بن خالد ثنا زيد بن واقد عن حرام بن حكيم ومكحول عن نافع بن محمود بن ربيعة (9) الأنصاري
عن عبادة بن الصَّامت قال: صلَّى بنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعض الصَّلوات التي يجهر فيها بالقراءة، فقال: " ألا لا يجهر أحدٌ منكم إذا جهرت إلا بأمِّ القرآن " (1). رواه أبو داود عن الرَّبيع بن سليمان عن عبد الله بن يوسف عن الهيثم بن حُميد عن زيد بن واقد عن مكحول عن نافع (2)، ورواه النَّسائيُّ عن هشام بن عمَّار بإسناده ولم يذكر مكحولاً (3)، ورواه الدَّارَقُطْنِيُّ وقال: هذا إسنادٌ حسنٌ، ورجاله ثقاتٌ كلُّهم (4). وقال ابن حِبَّان في كتاب "التَّاريخ": نافع بن محمود بن ربيعة، سمع عبادة بن الصَّامت، حديث القراءة خلف الإمام موقوفًا، كما سمعه محمود بن الرَّبيع الأنصاريُّ عن عبادة مرفوعًا، ومتناهما متباينان (5). وزيد بن واقد هو: القرشيُّ أبو عُمر - ويقال: أبو عَمرو - الشَّاميُّ الدِّمشقيُّ، وثَّقه الإمام أحمد (6) ويحيى بن معين (7) ودحيم (8) والعجليُّ (9)
والدَّارَقُطْنِيُّ (1) وابن حِبَّان (2)، وروى له البخاريُّ في "صحيحه" (3)، ووهم المؤلف في نقله عن أبي زرعة تضعيفه، فإنه إنما قال: ضعف (4) زيد بن واقد أبا علي السمتي البصري نزيل الري (5). ووهم في قوله: (وثقه الدَّارَقُطْنِيُّ) فإنه إنما وثق الدمشقي (6)، وأما البصري فإن أبا حاتم روى عنه ووثقه، وقال: كان شيخاً فانياً كبيراً (7). ووهم أيضاً في قوله: (قال أبو حاتم الرَّازيُّ: الوليد بن عتبة مجهول) فإن قول أبي حاتم إنما هو في الوليد بن عتبة الدمشقي، الذي روى عن معاوية ابن صالح، وروى عنه محمد بن عبد العزيز الرملي؛ وأما راوي حديث القراءة فإنه الوليد بن عتبة الدمشقي أبو العباس، ولم يذكر فيه أبو حاتم جرحاً، روى عن بقية والوليد بن مسلم وغيرهما (8) O. * * * * *
مسألة (142): يسن للمأموم أن يقرأ بالحمد وسورة فيما يخافت فيه
مسألة (142): يسن للمأموم أن يقرأ بالحمد وسورة فيما يخافت فيه الإمام. وقال أبو حنيفة: لا تسن القراءة خلف الإمام. 765 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا ابن صاعد ثنا عبد الرَّحمن بن عمرو الدمشقي ثنا محمد بن المبارك الصوري ثنا صدقة بن خالد ثنا زيد بن واقد عن حرام بن حكيم (1) ومكحول عن نافع بن محمود أنه سمع عبادة بن الصامت يقول: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يقرأن أحد منكم شيئاً من القرآن إذا جهرت بالقراءة إلا بأم القرآن ". قال الدَّارَقُطْنِيُّ: رجاله كلهم ثقات (2). ز: تقدم هذا الحديث والكلام [عليه] (3) O. 766 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا عمر بن أحمد الجوهري ثنا أحمد بن سيار ثنا زكريا بن يحيى الوقار ثنا بشر بن بكر ثنا الأوزاعيُّ عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا أسررت بقراءتي فاقرؤوا معي، وإذا جهرت فلا يقرأن معي أحد " (4).
قال المؤلِّف: الاعتماد على الحديث الأوَّل، لا على هذا، فإنَّ هذا ممَّا تفرَّد به زكريا، وكان يضع الحديث. ز: قال العقيليُّ: زكريا بن يحيى، أبو يحيى، الوَقَار (1)، مصريٌّ. 767 - حدَّثنا زكريا بن يحيى الحلوانيُّ ثنا أبو يحيى الوَقَار (2) ثنا بشر بن بكر عن الأوزاعيِّ (3) عن يحيى بن أبي [كثير] (4) اليماميِّ عن أبي سلمة عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى يومًا صلاةً، فلمَّا قضاها قال: " هل قرأ أحدٌ منكم معي بشيءٍ من القرآن؟ " فقال رجلٌ من القوم: أنا، يا رسول الله. فقال: " إنِّي أقول ما لي أنازع القرآن؟ إذا أسررت بقراءتي فاقرؤوا معي، وإذا جهرت فلا يقرأنَّ معي أحدٌ ". قال أبو يحيى - هو الحلواني -: فصرنا إلى أبي الطَّاهر أحمد بن عمرو بن السرح فذكرنا له هذا الحديث، فقال: هذا باطلٌ. ثُمَّ قام يجرُّ إزاره حتَّى دخل إلى بيته، فأخرج " كتاب بشر بن بكر " فإذا فيه: (حدَّثنا بشر بن بكر عن الأوزاعيِّ عن يحيى بن أبي كثير أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو عن الأوزاعيِّ أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال أبو يحيى: أنا (5) شككت -) فقال: انظروا كيف وصله فجعله (عن أبي سلمة عن أبي هريرة) واغتاظ من ذلك (6) O. احتجُّوا: بحديث عمران بن حُصين أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهاهم عن القراءة خلف
مسألة (143): تجب القراءة في كل ركعة.
الإمام، وقد سبق في المسألة قبلها (1). قلنا: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: لم يقل كذا غير حجاج، وخالفه أصحاب قتادة - منهم شعبة وسعيد وغيرهما - فلم يذكروا أنه نهاهم عن القراءة، وحجاج لا يحتج به (2). * * * * * مسألة (143): تجب القراءة في كل ركعة. قوال أبو حنيفة: لا تجب إلاَّ في ركعتين. لنا ثلاثة أحاديث: 768 - الحديث الأوَّل: أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علم الأعرابي الصَّلاة فأمره بالقراءة، ثم قال: " افعل ذلك في صلاتك كلها ". وسيأتي بإسناده من حديث أبي هريرة (3)، وهو في "الصحيحين"، ويأتي أيضاً من حديث رفاعة الزرقي (4). 769 - الحديث الثَّاني: قال أحمد: ثنا يونس ثنا أبان عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلِّي، فيقرأ في الظُّهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين، وفي الركعتين الأخريين بأم
الكتاب، وكان يطيل أوَّل ركعة من صلاة الفجر، وأوَّل ركعة من صلاة الظُّهر (1). أخرجاه في "الصحيحين" (2). 770 - الحديث الثَّالث: قال أحمد: وثنا عبد الرَّحمن (3) عن معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية عن (4) كثير بن مُرَّة عن أبي الدرداء أن رجلاً قال: يا رسول الله، أفي كل صلاة قرآن (5)؟ فقال: " نعم ". فقال رجل من الأنصار: وجبت هذه (6). 771 - وقد روى أصحابنا من حديث عبادة وأبي سعيد قالا: أمرنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نقرأ بالفاتحة في كل ركعة. 772 - ورووا أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا صلاة لمن لا يقرأ في كل ركعة ". وما عرفت هذين الحديثين. ز: حديث عبادة وأبي سعيد: رواه إسماعيل بن سعيد الشالنجي. وروى حديث: " لا صلاة لمن لم يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب " من حديث أبي سعيد أيضاً O.
احتج الخصم بثلاثة أحاديث: 773 - أحدها: أن الأشعريين قالوا لأبي مالك الأشعري: صلِّ بنا صلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقرأ في الأوليين ولم يقرأ في الأخريين. 774 - والثَّاني: عن علي عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " القراءة في الأوليين قراءة في الأخريين ". 775 - والثَّالث: رواه محمد بن مهاجر ثنا وهب بن جرير عن أبيه عن أبي يزيد المديني عن عكرمة عن ابن عباس قال: ليس في الظُّهر والعصر قراءة (1). وهذه الأحاديث لا تعرف. وقد قيل في الأول: إنه يرويه شهر بن حوشب، قال ابن عَدِيٍّ: لا يحتج بحديثه (2). ثم لو صح حمل على الجهر في الأوليين أو على ما زاد على الفاتحة. وقيل في الثاني: إنه موقوف على علي غير مرفوع، وراويه الحارث الكذّاب. والثالث: من عمل محمد بن مهاجر، قال ابن حِبَّان: كان يضع الحديث على الثقات، ويزيد في الأخبار ألفاظاً ويسويها على مذهبه (3). * * * * *
مسألة (144): لا تسن قراءة السورة في الأخريين، خلافا لأحد قولي
مسألة (144): لا تسنُّ قراءة السُّورة في الأخريين، خلافًا لأحد قولي الشَّافعيِّ. لنا: حديث أبي قتادة، وقد تقدَّم بإسناده (1). ز: 776 - روى أبو سعيد الخدريُّ قال: كنَّا نَحْزُر قيام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الظُّهر والعصر، فَحَزَرنا قيامَه في الرَّكعتين الأوليين من الظُّهر قدر: " آلم تنزيل السَّجدة "، وحَزَرْنا قيامَه في الأخريين قدر النِّصف من ذلك، وحَزَرْنا قيامَه في الرَّكعتين الأوليين من العصر على قدر قيامه في الأخريين من الظُّهر، وفي الأخريين من العصر على النِّصف من ذلك. وفي رواية بدل: (تنزيل السَّجدة): قدر ثلاثين آية، وفي الأخريين قدر خمس عشرة آية؛ وفي العصر في الرَّكعتين الأوليين في كلِّ ركعة قدر خمس عشرة، وفي الأخريين قدر نصف ذلك. رواه مسلم (2)، وهو حجَّةٌ لأحد قولي الشَّافعيِّ، وإحدى الرِّوايتين عن أحمد O. * * * * * مسألة (145): يستحب أن يطيل القراءة في الرَّكعة الأولى من كلِّ صلاة. وقال أبو حنيفة: في الفجر خاصةً.
مسألة (146): لا يكره عد الآي في الصلاة.
وقال الشَّافعيُّ: لا يطيل في الكلِّ. لنا: حديث أبي قتادة، وقد تقدَّم (1). * * * * * مسألة (146): لا يكره عدُّ الآي في الصَّلاة. وقال أبو حنيفة: يكره. 777 - وقد روى أصحابنا من حديث أنس قال: رأيتُ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعدُّ الآي في الصَّلاة. 778 - وإنَّما يروى هذا عن الحسن وإبراهيم وعروة وعطاء وطاوسٍ أنَّهم كانوا لا يرون بعدِّ الآي في الصَّلاة بأسًا (2). * * * * * مسألة (147): إذا لم يحسن القراءة سبَّح بقدر الفاتحة. وقال أبو حنيفة ومالك: لا يلزمه الذِّكر. 779 - قال التِّرمذيُّ: ثنا عليُّ بن حُجْر أنا إسماعيل بن جعفر عن يحيى
ابن علي بن يحيى بن خلاد بن رافع عن جدِّه عن رفاعة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علم رجلاً فقال: " إن كان معك قرآن فاقرأ، وإلاَّ فاحمد الله وكبره وهلله، ثم اركع " (1). 780 - وقال النَّسائيُّ: أنا يوسف بن عيسى ومحمود بن غيلان عن الفضل بن موسى ثنا مسعر عن إبراهيم السكسكي عن ابن أبي أوفى قال: جاء رجل إلى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إني لا أستطيع أن آخذ شيئاً من القرآن، فعلمني شيئاً يجزئني من القرآن. فقال: " قل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله " (2). 781 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا ابن صاعد ثنا محمد بن عبد الملك بن زنجويه ثنا عبد الرَّزَّاق أنا سفيان الثوري عن أبي خالد - وهو الدالاني - عن إبراهيم - وهو السكسكي - عن عبد الله بن أبي أوفى أن رجلاً جاء إلى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يارسول الله، إني لا أستطيع أن أتعلم القرآن، فما يجزئني في صلاتي؟ قال: " تقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا حول ولا قوة الا بالله، والله أكبر، ولا إله إلا الله ". قال: هذا لله، فما لي؟ قال: " تقول: اللهم اغفر لي، وارحمني، وارزقني، واهدني، وعافني " (3). ز: حديث رفاعة: تقدم أصله والكلام عليه (4). وحديث ابن أبي أوفى: رواه الإمام أحمد (5) وأبو داود (6) وغيرهما،
ورواه الحاكم من رواية مِسْعر عن إبراهيم، وقال: على شرط (خ) (1). وإبراهيم السَّكسكيُّ: صالح الحديث، وقد ضعَّفه شعبة (2) وأحمد بن حنبل (3)، وروى له البخاريُّ في "صحيحه" (4)، وقال النَّسائيُّ: ليس بذاك القويِّ، يكتب حديثه (5). وقال ابن عَدِيٍّ: لم أجد له حديثًا منكر المتن، وهو إلى الصِّدق أقرب منه إلى غيره، ويكتب حديثه كما قال النَّسائيُّ (6). 782 - وقال الطَّبرانيُّ: ثنا أبو عوانة يعقوب بن إسحاق النَّيسابوريُّ ثنا أبو أميَّة محمد بن إبراهيم ثنا الفضل بن موفَّق ثنا مالك بن مِغْول عن طلحة بن مصرِّف عن عبد الله بن أبي أوفى قال: جاء رجلٌ إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إنِّي لا أستطيع أن أتعلَّم القرآن، فعلِّمني ما يجزئني من القرآن. فقال: " قل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله ". قال: هذه لله، فما لي؟ قال: " قل: ربِّ اغفر لي، وارحمني، واهدني، وعافني، وارزقني ". فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لقد ملأ يديه خيرًا ". رواه أبو حاتم البستيُّ عن الحسن بن إسحاق الأصبهانيِّ عن أبي أميَّة (7). والفضل بن موفَّق: ضعَّفه أبو حاتم الرَّازيُّ وقال: كان شيخًا صالحًا،
مسألة (148): الطمأنينة في الركوع والسجود فرض.
وكان يروي أحاديث موضوعة (1). ومحمّد بن إبراهيم أبو أميَّة: حافظ ثقة، قال الحاكم: صدوق كثير الوهم (2) O. * * * * * مسألة (148): الطمأنينة في الركوع والسجود فرض. وقال أبو حنيفة ومالك: لا تجب (3). وكذا الخلاف مع أبي حنيفة في الاعتدال من الركوع والسجود. لنا سبعة أحاديث: 783 - الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا يحيى عن (4) عبيد الله قال: حدَّثني سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة قال: دخل رجل فصلَّى، والنَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المسجد، ثم جاء إلى النَبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسلم فرد عليه السلام وقال: " ارجع فصلِّ، فإنك لم تصل ". ففعل ذلك ثلاث مرات، فقال: والذي بعثك بالحق نبياً ما أحسن غير هذا، فعلمني. قال: " إذا قمت إلى الصَّلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى
تعتدل قائمًا، ثُمَّ اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثُمَّ ارفع حتى تطمئن جالسًا، ثُمَّ افعل ذلك في صلاتك كلِّها " (1). أخرجاه في "الصَّحيحين" (2). 784 - الحديث الثَّاني: قال أحمد: وثنا يزيد بن هارون أنا محمد بن عمرو عن عليِّ بن يحيى بن خلاَّد الزُّرقيِّ عن أبيه عن رفاعة بن رافع قال: جاء رجلٌ ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالسٌ في المسجد، فصلَّى قريبًا منه، ثُمَّ انصرف إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسلَّم عليه، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أعد صلاتك، فإنَّك لم تصلِّ ". فرجع فصلَّى كنحو ما صلَّى، ثُمَّ انصرف إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له: " أعد صلاتك، فإنَّك لم تصلِّ ". فقال: يا رسول الله، علِّمني. قال: " إذا استقبلت القبلة فكبِّر، ثُمَّ اقرأ بأمِّ القرآن، ثُمَّ اقرأ بما شئت، فإذا ركعت فاجعل راحتيك على ركبتيك، وامدد ظهرك، ومكِّن لركوعك، فإذا رفعت رأسك فأقم صلبك حتى ترجع العظام إلى مفاصلها، فإذا سجدت فمكِّن لسجودك، فإذا رفعت رأسك فاجلس على فخذك اليسرى، ثُمَّ اصنع ذلك في كلِّ ركعة وسجدةٍ " (3). 785 - طريقٌ آخر: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا الحسين بن إسماعيل ثنا يوسف بن موسى ثنا هشام بن عبد الملك ثنا همَّام بن يحيى قال: حدَّثني إسحاق ابن عبد الله بن أبي طلحة عن عليِّ بن يحيى بن خلاَّد عن أبيه عن عمِّه رفاعة بن رافع قال: دخل رجلٌ فصلَّى، ثُمَّ جاء فسلَّم على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وعليك، ارجع فصلِّ فإنَّك لم تصلِّ ". فجعل الرَّجل يصلِّي،
وجعلنا نرمق صلاته، لا ندري ما يعيب منها؟! فلما صلَّى جاء فسلم، فقال له النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وعليك، ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ" - قال همام: لا أدري أمره بذلك مرتين أو ثلاثاً -. فقال الرجل: ما ألوت، وما أدري ما عبت علي من صلاتي؟! فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنها لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله، فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين، ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين، ثم يكبر الله ويثني عليه، ثم يقرأ أم القرآن وما أذن له فيه وتيسر، ثم يكبر فيركع، فيضع كفيه على ركبتيه حتى تطمئن مفاصله، ويقول: سمع الله لمن حمده، ويستوي قائمًا حتى يقيم صلبه ويأخذ كل عظم مأخذه، ثم يكبر ويسجد فيمكن وجهه - وربما قال: جبهته - من الأرض حتى تطمئن مفاصله، ثم يكبر ويستوي قاعداً ويقيم صلبه ... " ووصف الصَّلاة (1). 786 - الحديث الثَّالث: قال أحمد: ثنا وكيع ثنا الأعمش عن عمارة بن عمير الليثي (2) عن أبي معمر الأزدي (3) عن أبي مسعود عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها ظهره في الركوع والسجود " (4). قال التِّرمذيُّ: هذا حديث صحيح (5). 787 - الحديث الرابع: قال أحمد: وثنا عبد الصمد و [سريج] (6)
قالا: ثنا ملازم بن عمرو أنا عبد الله بن بدر أن عبد الرَّحمن بن علي حدثه أن أباه علي بن شيبان حدَّثه أنه خرج وافداًَ إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فصلينا خلف النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلمح بمؤخر عينه إلى رجل لا يقيم صلبه في الركوع والسجود، فلما انصرف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يا معشر المسلمين، إنه لا صلاة لمن لم يقم صلبه في الركوع والسجود " (1). 788 - طريق آخر: قال أحمد: وثنا أبو النضر ثنا أيُّوب بن عتبة ثنا عبد الله بن بدر عن عبد الرَّحمن بن علي بن شيبان عن أبيه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا ينظر الله عز وجل إلى رجل لا يقيم صلبه بين ركوعه وسجوده" (2). 789 - الحديث الخامس: قال أحمد: وثنا يحيى بن آدم ثنا عامر بن يساف قال: حدَّثني يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن بدر الحنفي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا ينظر الله إلى صلاة رجل لا يقيم صلبه بين (3) ركوعه وسجوده" (4). 790 - الحديث السادس: قال أحمد: وثنا عفان ثنا مهدي ثنا واصل الأحدب عن أبي وائل عن حذيفة أنه رأى رجلاً لا يتم ركوعاً ولا سجوداً، فلما انصرف من صلاته دعاه حذيفة، فقال له: منذ كم صليت هذه الصَّلاة؟ قال: قد صليتها منذ كذا وكذا. فقال حذيفة: ما صليت - أو: ما صليت لله صلاة (شك مهدي) -. وأحسبه قال: لو متَّ متَّ على غير سنة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (5).
انفرد بإخراجه البخاريُّ (1). 791 - الحديث السَّابع: قال التِّرمذيُّ: ثنا محمد بن بشَّار ومحمد بن المثنَّى قالا: ثنا يحيى بن سعيد ثنا عبد الحميد بن جعفر (2) ثنا محمد بن عمرو بن عطاء عن أبي حُميد السَّاعدي قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قام إلى الصَّلاة اعتدل قائماً ورفع يديه حتى يحاذي منكبيه [ثم يكبر، فإذا أراد أن يركع رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه] (3)، ثُمَّ قال: " الله أكبر " وركع، ثُمَّ اعتدل فلم يصوِّب رأسه ولم يُقْنع، ووضع يديه على ركبتيه، ثُمَّ قال: " سمع الله لمن حمده " ورفع يديه، واعتدل حتى رجع كلُّ عظمٍ في موضعه معتدلاً، ثُمَّ يهوي إلى الأرض ساجدًا، ثُمَّ قال: " الله أكبر "، ثُمَّ جافى عضديه عن أبطيه وفتح أصابع رجليه، ثُمَّ ثنى رجله اليسرى وقعد عليها، ثُمَّ اعتدل حتى رجع كل عظمٍ في موضعه معتدلاً، ثُمَّ هوى ساجدًا، ثمَّ قال: " الله أكبر "، ثُمَّ ثنى رجله وقعد واعتدل حتى يرجع كلُّ عضوٍ في موضعه، ثُمَّ نهض فصنع في الرَّكعة الثَّانية مثل ذلك، حتى إذا قام من السَّجدتين كبَّر ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، كما صنع حين افتتح الصَّلاة، ثُمَّ صنع كذلك. ثُمَّ ذكر أنَّه يقعد متورِّكًا، ثُمَّ يسلِّم (4). انفرد بإخراجه البخاريُّ (5). 792 - وقد روى أحمد: ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن خالد عن أبي
قلابة عن مالك بن الحويرث عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " صلُّوا كما رأيتموني أصلِّي " (1). ز: حديث أبي مسعود: رواه أبو داود (2) والتِّرمذيُّ (3) وابن ماجه (4) والنَّسائيُّ (5) والدَّارَقُطْنِيُّ - وقال: إسناده ثابت صحيح (6) - والبيهقيُّ - وقال: إسنادٌ صحيح (7) -. 793 - روى يحيى بن أبي بكير عن إسرائيل عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر مرفوعاً: " لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود ". رواه البيهقيُّ وقال: تفرد به يحيى بن أبي بكير (8). وحديث علي بن شيبان: رواه ابن ماجه (9)، وعبد الله بن بدر: وثقه ابن معين (10) وأبو زرعة (11) والعجليُّ (12) وابن حِبَّان (13).
مسألة (149): يجمع الإمام والمنفرد بين التسميع والتحميد، ويقتصر
وعامر بن يساف - في حديث أبي هريرة -: قال أبو حاتم: هو صالح (1). وقال أبوداود: رجل صالح، ليس به بأس (2). وقال ابن عَدِيٍّ: منكر الحديث عن الثقات (3). وحديث أبي حميد: لم يروه البخاري مطولاً، ولم يروه من طريق عبد الحميد بن جعفر. وحديث مالك: رواه البخاريُّ (4) O. احتجُّوا: 794 - بحديث يروى عن [ابن] (5) أبزى قال: صليت خلف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يكبر بين السجدتين. قال أحمد: هو حديث منكر، ما أراه محفوظاً. قلت: والذي روينا عن ابن أبزى نحو حديث أبي حميد من الطمأنينة. * * * * * مسألة (149): يجمع الإمام والمنفرد بين التسميع والتحميد، ويقتصر المأموم على التحميد.
وقال أبوحنيفة ومالك كقولنا في المأموم، فأما الإمام والمنفرد فيقتصران على التسميع. وقال الشَّافعيُّ: يجمع المأموم بينهما أيضاً. 795 - قال أحمد: ثنا عبد الرَّزَّاق ثنا معمر عن الزُّهريِّ (1) عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد " (2). أخرجاه في "الصحيحين" (3). 796 - قال أحمد: وثنا وكيع ثنا الأعمش عن عبيد بن الحسن المزني قال: سمعت ابن أبي أوفى يقول: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا رفع رأسه من الركوع قال: " سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد، ملء السماء، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد " (4). 797 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أحمد بن محمد بن سعيد ثنا أحمد بن الحسن ابن سعيد ثنا أبي ثنا سعيد بن عثمان الخزاز ثنا عمرو بن شمر عن جابر عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: قال لي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا بريدة، إذا رفعت راسك من الركوع فقل: سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد، ملء السماء، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد " (5).
798 - وقال التِّرمذيُّ: ثنا محمود بن غيلان ثنا أبو داود الطَّيالسيُّ ثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي (1) سلمة بن الماجشون ثنا عمَّي عن عبد الرَّحمن الأعرج عن عُبيد الله بن أبي رافع عن عليِّ بن أبي طالب قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا رفع رأسه من الرُّكوع قال: " سمع الله لمن حمده، ربَّنا ولك الحمد، ملء السَّماء، وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيءٍ بعد ". قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (2). 799 - قال التِّرمذيُّ: وثنا الأنصاريُّ ثنا مَعْن ثنا مالك عن سُميٍّ عن أبي صالح عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربَّنا ولك الحمد، فمن وافق قولُه قولَ الملائكة غفر له ما تقدَّم من ذنبه ". قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (3). 800 - وقال البخاريُّ: ثنا آدم ثنا ابن أبي ذئب عن سعيد المقبريِّ عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قال: " سمع الله لمن حمده " = قال: " اللهم ربَّنا ولك الحمد " (4). 801 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أبو طالب الحافظ ثنا يزيد بن محمد بن
عبد الصَّمد ثنا يحيى بن عمرو بن عمارة قال: سمعت ابن ثوبان يقول: حدَّثني عبد الله بن الفضل عن الأعرج عن أبي هريرة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فليقل من وراءه: ربَّنا ولك الحمد " (1). 802 - وقد رواه أبو زرعة عبد الرَّحمن بن عمرو عن يحيى عن ابن ثوبان عن ابن الفضل عن الأعرج عن أبي هريرة قال: كنَّا إذا صلَّينا خلف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " سمع الله لمن حمده " = قال من وراءه: سمع الله لمن حمده. قال الدَّارَقُطْنِيُّ: المحفوظ الأوَّل (2). ز: حديث ابن أبي أوفى: رواه مسلم (3) وأبو داود (4) وابن ماجه (5)، ورواه شعبة عن عُبيد. وحديث بُريدة: إسناده ساقطٌ، وعمرو وجابر: ضعيفان، وكذلك سعيد بن عثمان، وشيخ ابن عقدة وأبوه: لا يعرفان. وحديث عليٍّ: تقدَّم بطوله في الاستفتاح (6). 803 - وروى أبو سعيد الخدريُّ قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا رفع رأسه من الرُّكوع قال: " اللهم ربَّنا (7) لك الحمد، ملء السَّموات والأرض، وملء ما شئت من شيءٍ بعد، أهل الثاء والمجد، أحقُّ ما قال العبد، وكلُّنا لك عبدٌ،
مسألة (150): التكبير بعد الافتتاح، والتسميع، والتحميد،
اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجدِّ منك الجدُّ ". رواه مسلمٌ (1). 804 - وعن ابن عباس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا رفع رأسه من الرُّكوع قال: " اللهم ربَّنا لك الحمد، ملء السَّموات، وملء الأرض، وما بينهما، وملء ما شئت من شيءٍ بعدُ، أهل الثَّناء والمجد (2)، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفعُ ذا الجدِّ منك الجدُّ ". رواه مسلمٌ أيضًا (3) O. * * * * * مسألة (150): التَّكبيرُ بعد الافتتاحِ، والتَّسميعُ، والتَّحميدُ، وقولُ: " ربِّ اغفر لي "، والتَّشهدُ الأوَّل: واجبٌ، خلافًا لأكثرهم في قولهم أنَّه سُنَّة. لنا: أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد صحَّ عنه أنَّه كان يفعل ذلك، وقد قال: " صلُّوا كما رأيتموني أصلِّي ". ز: وقد صحَّ عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه كان يقول ويفعل في الصَّلاة أشياء غير
واجبة، مع قوله: " صلُّوا كما رأيتموني أصلِّي " O. قال المؤلِّف: ولنا حديث عليٍّ (1) وبُريدة (2)، وقد سبق ذلك في المسألة قبلها. 805 - وقال الإمام أحمد: ثنا حجَّاج ثنا ليث قال: حدَّثني عُقيل عن ابن شهاب قال: أخبرني أبو بكر بن عبد الرَّحمن أنَّه سمع أبا هريرة يقول: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قام إلى الصَّلاة يكبِّر حين يقوم، ثُمَّ يكبِّر حين يركع، ثُمَّ يقول: " سمع الله لمن حمده " حين يرفع صلبه من الرَّكعة، ثُمَّ يقول وهو قائمٌ: " ربَّنا لك الحمد "، ثُمَّ يكبِّر حين يهوي ساجدًا، ثُمَّ يكبِّر حين يرفع رأسه، ثُمَّ يفعل ذلك في الصَّلاة كلِّها حتَّى يقضيها، ويكبِّر حين يقوم من الثِّنتين بعد الجلوس (3). أخرجه البخاريُّ (4) ومسلمٌ (5) في "الصَّحيحين". 806 - وقال التِّرمذيُّ: ثنا قتيبة ثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن عبد الرَّحمن بن الأسود عن علقمة والأسود عن عبد الله قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكبِّر في كلِّ خفضٍ ورفعٍ، وقيامٍ وقعودٍ، وأبو بكر وعمر. قال التِّرمذيُّ: هذاحديثٌ صحيحٌ (6). 807 - قال التِّرمذيُّ: وثنا محمود بن غيلان ثنا أبو داود أنبأنا شعبة عن
الأعمش قال: سمعت سعد بن عبيدة يحدث عن المستورد عن صلة بن زفر عن حذيفة أنه صلَّى مع النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان يقول في ركوعه: " سبحان ربي العظيم "، وفي سجوده: " سبحان ربي الأعلى ". قال التِّرمذيُّ: هذا حديث صحيح (1). 808 - وقال أحمد: ثنا أبو عبد الرَّحمن ثنا موسى بن أيُّوب الغافقي قال: حدَّثني عمي إياس بن عامر قال: سمعت عقبة بن عامر الجهني يقول: لما نزلت {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ العَظِيمِ} [الواقعة: 74، 96؛ والحاقة: 52] قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اجعلوها في ركوعكم "، فلما نزلت: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] قال: " اجعلوها في سجودكم " (2). 809 - قال أحمد: وثنا عبد الرَّزَّاق ثنا معمر عن قتادة عن يونس بن جبير عن حطان (3) بن عبد الله الرقاشي عن أبي موسى أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد " (4). قال معمر عن الزُّهريِّ عن أنس عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثله. وقد سبق في مسألة الطمأنينة حديث:
810 - رفاعة بن رافع عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء، ثم يكبر، ثم يقرأ أم القرآن، ثم يكبر فيركع، ويقول: سمع الله لمن حمده، ثم يكبر ويسجد، ثم يكبر ويستوي قاعداً ". ذكرناه بإسناده هناك (1). ز: حديث ابن مسعود: رواه الإمام أحمد (2) والنَّسائيُّ (3) أيضاً. وحديث حذيفة: رواه الإمام أحمد (4) ومسلم (5) وأبوداود (6) وابن ماجه (7) والنَّسائيُّ (8). وحديث عقبة: رواه أبوداود عن أبي توبة الربيع بن نافع الحلبي وموسى بن إسماعيل البصري (9)، ورواه ابن ماجه عن عمرو بن رافع القزويني (10)، ثلاثتهم عن ابن المبارك عن موسى. ورواه الحاكم وصححه (11).
مسألة (151): السنة أن يضع ركبتيه قبل يديه إذا سجد.
وليس لإياس عند أبي داود وابن ماجه غير هذا الحديث، قال أبو سعيد ابن يونس: كان إياس من شيعة علي، والوافدين عليه من أهل مصر، وشهد معه مشاهده (1). وموسى بن أيُّوب الغافقي: قال إسحاق بن منصور (2) وعباس الدوري (3) عن يحيى بن معين: هو ثقة. ووثقه أبو داود (4) وابن حِبَّان (5) أيضاً، وقال يحيى بن بكير: موسى بن أيُّوب أوَّل من أحدث القياس بمصر (6). وحديث أبي موسى: رواه جماعة عن قتادة، وأخرجه مسلم (7) وأبو داود (8) والنَّسائيُّ (9) وابن ماجه (10) O. * * * * * مسألة (151): السنة أن يضع ركبتيه قبل يديه إذا سجد. وقال مالك: السنة أن يسبق بيديه، وعن أحمد نحوه.
لنا حديثان: 811 - الحديث الأوَّل: قال التِّرمذيُّ: ثنا سلمة بن شبيب ثنا يزيد بن هارون أنا شريك عن عاصم بن كليب (1) عن أبيه عن وائل بن حجر قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا سجد يضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض يرفع يديه قبل ركبتيه. قال التِّرمذيُّ: هذا حديث حسن غريب، ورواه همام عن عاصم مرسلاً (2). وهذا لا يضر، لأن الراوي قد يرفع وقد يرسل. ز: ورواه أبو داود (3) والنَّسائيُّ (4) وابن ماجه (5) والحاكم - وقال: على شرط مسلم (6) - والدَّارَقُطْنِيُّ وقال: تفرد به يزيد بن هارون عن شريك، ولم يحدث به عن عاصم بن كليب غير شريك، وشريك ليس بالقوي فيما يتفرد به، والله أعلم (7). وقال البيهقيُّ: هذا حديث يعد في أفراد شريك القاضي (8).
وقال يزيد بن هارون: ولم يرو شريك عن عاصم بن كليب إلا هذا الحديث (1). وقال الخطابي: حديث وائل أصح من حديث أبي هريرة (2) O. 812 - الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا العباس بن محمد ثنا العلاء بن إسماعيل العطار ثنا حفص بن غياث عن عاصم الأحول عن أنس قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انحط بالتكبير، فسبقت ركبتاه يديه (3). ز: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: تفرد به العلاء بن إسماعيل عن حفص بهذا الإسناد، والله أعلم (4). ورواه الحاكم في "المستدرك" وقال: على شرطهما، ولا أعرف له علة (5). وليس كما قال، فإن العلاء بن إسماعيل: غير معروف O. احتجوا بأحاديث: 813 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا الحسين بن الحسين (6) بن عبد الرَّحمن القاضي ثنا محمد بن الأصبغ بن الفرج ثنا أبي ثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا سجد يضع
يديه قبل ركبتيه (1). 814 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا أبو بكر بن أبي داود ثنا محمود بن خالد ثنا مروان بن محمد ثنا عبد العزيز بن محمد ثنا محمد بن عبد الله بن الحسن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا سجد أحدكم فليضع يديه قبل رجليه، ولا يبرك بروك البعير " (2). ورواه التِّرمذيُّ عن قتيبة عن عبد الله بن نافع عن محمد بن عبد الله بن الحسن (3). 815 - وقال أحمد: ثنا سعيد بن منصور ثنا عبد العزيز بن محمد قال: حدَّثني محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك الجمل، وليضع يديه قبل ركبتيه " (4). والجواب: أن أحاديثنا أشهر في كتب السنن وأثبت، وما ذهبنا إليه أليق بالأدب والخشوع. ز: حديث عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: في " الأفراد ": تفرد به أصبغ بن الفرج عن عبد العزيز الدراوردي عن عبيد الله (5).
وقد رواه أبو بكر بن خزيمة في "صحيحه": 816 - ثنا محمد بن عمرو بن تمام المصري ثنا أصبغ بن الفرج ثنا عبد العزيز بن محمد عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه كان يضع يديه قبل ركبتيه، وقال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعل ذلك. وقال بعده: ذكر الدليل على أن الأمر بوضع اليدين قبل الرُّكبتين عند السجود منسوخ، وأن وضع الرُّكبتين قبل اليدين ناسخ. وروى من طريق إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل عن أبيه عن أبيه (1) عن سلمة عن مصعب بن سعد عن سعد قال: كنا نضع اليدين قبل الركبتين، فأمرنا بالركبتين قبل اليدين (2). وهذا إسناد ضعيف، فإن يحيى بن سلمة بن كهيل قال البخاريُّ: في حديثه مناكير (3). وقال ابن نمير: ليس ممن يكتب حديثه (4). وقال ابن معين: ليس بشيء، لا يكتب حديثه (5) وقال النَّسائيُّ: متروك الحديث (6).
وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ضعيفٌ (1). وقال ابن عَدِيٍّ: ومع ضعفه يكتب حديثه (2). والمشهور عن مصعب بن سعد عن أبيه نسخ التَّطبيق. 817 - وقال الحاكم: ثنا محمد بن أحمد بن بُطََّة الأصبهانيُّ ثنا عبد الله ابن محمد بن زكريا ثنا مُحْرِز بن سلمة ثنا الدَّراورديُّ عن عُبيد الله عن نافع عن ابن عمر أنَّه كان يضع يديه قبل ركبتيه، وقال: كان النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعل ذلك. قال الحاكم: على شرط مسلم (3). فلم يتفرَّد به أصبغ (4). وحديث أبي هريرة: رواه أبو داود (5) والنَّسائيُّ (6)، وقال التِّرمذيُّ: حديث أبي هريرة حديثٌ غريبٌ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه (7). ورواه البخاريُّ في "تاريخه" في ترجمة محمد بن عبد الله، وقال: لا يتابع عليه، ولا أدري سمع من أبي الزِّناد أم لا (8)؟ 818 - وعن عبد الله بن سعيد المَقْبُريِّ عن جدِّه عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه، ولا يبرك بروك الجمل".
مسألة (152): لا يجزئ الاقتصار على الأنف في السجود، وفي الجبهة
رواه البيهقيُّ، وقال: إلا أنَّ عبد الله بن سعيد المَقْبُريِّ ضعيفٌ (1). وقال التِّرمذيُّ: في " جامعه " وقد روي هذا الحديث عن عبد الله بن سعيد المَقْبُريِّ عن أبيه عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعبد الله بن سعيد ضعَّفه يحيى بن سعيد القطَّان وغيره. قال التِّرمذيُّ هذا بعد روايته حديث أبي هريرة مختصرًا من طريق أبي (2) حسن (3). 819 - وقال أبو يعلى الموصليُّ في "مسنده": حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا ابن فضيل عن عبد الله بن سعيد عن جدِّه عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه، ولا يبرك بروك الفحل " (4) O. * * * * * مسألة (152): لا يجزئ الاقتصار على الأنف في السُّجود، وفي الجبهة روايتان. وقال أبو حنيفة: يجزئ. لنا: 820 - حديث رِفاعة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تتمُّ صلاة أحدكم حتى يسبغ
الوضوء ويكبر ... - فوصف الصَّلاة، ثم قال: - ويسجد فليمكن وجهه - وربما قال: جبهته - من الأرض". وقد سبق بإسناده في مسألة الطمأنينة (1). 821 - وقال التِّرمذيُّ: ثنا بندار ثنا أبو عامر ثنا فليح بن سليمان قال: حدَّثني عباس بن سهل عن أبي حميد الساعدي أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا سجد أمكن أنفه وجبهته من الأرض. قال التِّرمذيُّ: هذا حديث حسن صحيح (2). 822 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أبو عبد الله بن المهتدي ثنا الحسن بن علي ابن خلف ثنا سليمان بن عبد الرَّحمن حدَّثني ناشب بن عمرو الشيباني ثنا مقاتل بن حيان عن عروة عن عائشة قالت: أبصر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امرأة من أهله تصلِّي ولا تضع أنفها بالأرض، فقال: "يا هذه، ضعي أنفك بالأرض، فإنه لا صلاة لمن لم يضع أنفه بالأرض مع جبهته في الصَّلاة" (3). فإن قالوا: قد قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ناشب ضعيف (4). قلنا: ما قدح فيه غيره، ولا يقبل التضعيف حتى يبين سببه. ز: هذا الكلام يدل على قلة علم المؤلف بالدَّارَقُطْنِيِّ، فإن الدَّارَقُطْنِيّ قلّ أن يضعف رجلاً ويكون فيه طب، ولا يطلب بيان السبب في التضعيف إلا إذا عارضه تعديل، وقد تكلم البخاري في ناشب أيضاً، وقال: هو منكر الحديث (5).
وقال الدَّارَقُطْنِيُّ في هذا الحديث: ولا يصح مقاتل عن عروة O. 823 - وقال ابن عَدِيٍّ: ثنا محمد بن محمد بن سليمان ثنا يحيى بن عثمان ثنا محمد بن حمير عن الضَّحَّاك بن حُمْرة عن منصور بن زاذان عن عاصم البجلي عن عكرمة عن ابن عباس عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من لم يلصق أنفه مع جبهته بالأرض إذا سجد، لم تجز صلاته " (1). قال يحيى: الضَّحَّاك بن حُمْرة ليس بشيء (2). وقال النَّسائيُّ: ليس بثقة (3). وقد روي حديث يختص الأنف: 824 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث ثنا الجرَّاح بن مخلد ثنا أبو قتيبة ثنا شعبة عن عاصم الأحول عن عكرمة عن ابن عباس عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا صلاة لمن لم يضع أنفه على الأرض ". وفي لفظ: " لا صلاة لمن لم يصب أنفه من الأرض ما تصيب جبهته " (4). فإن قالوا: قال أبو بكر بن أبي داود: لم يرفعه إلاَّ أبو قتيبة (5). قلنا: هو ثقة، أخرج عنه البخاريُّ (6)، والرفع زيادة، وهي من الثقة
مقبولة. ز: وقال الدَّارَقُطْنِيُّ في هذا الحديث: الصواب عن عاصم عن عكرمة مرسلاً (1). ورواه الحاكم في "المستدرك" (2). 825 - وروى إسماعيل بن عبد الله - المعروف بـ (سمويه) - في "فوائده" عن عكرمة عن ابن عباس قال: إذا سجد أحدكم فليضع أنفه على الأرض، فإنكم قد أمرتم بذلك. ورواه البيهقيُّ من رواية سماك عن عكرمة عن ابن عباس. 826 - وقال: ورواه حرب بن ميمون عن خالد عن عكرمة عن ابن عباس عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ضع أنفك فليسجد معك". وقال: قال أبو عيسى التِّرمذيُّ (3): حديث عكرمة عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسل أصح (4) O. احتجُّوا: 827 - بما روى الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا يعقوب بن إبراهيم ثنا الحسن بن عرفة ثنا إسماعيل بن عياش عن عبد العزيز بن عبيد الله قال: قلت لوهب بن كيسان: مالك لا تمكن جبهتك وأنفك من الأرض؟ قال: ذلك أني سمعت
جابر بن عبد الله يقول: رأيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسجد على (1) جبهته على قصاص الشَّعر. قال الدَّارَقُطْنِيُّ: تفرَّد به عبد العزيز عن وهب، وليس بالقويِّ (2). قلت: قال يحيى بن معين: هو ضعيفٌ (3). وقال أبو زرعة: مضطرب الحديث، واهي الحديث (4). قال النَّسائيُّ: وإسماعيل بن عيَّاش ضعيفٌ (5). وقال ابن حِبَّان: خرج عن حدِّ الاحتجاج به (6). وقد رُوي حديثٌ لا يثبت: 828 - قال ابن عَدِيٍّ: ثنا أحمد بن محمد الشَّرقيُّ ثنا إسحاق بن إبراهيم (7) ثنا حفص بن عبد الله قال: حدَّثني محمد بن الفضل بن عطيَّة عن محمد بن عجلان (8) عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " السُّجود على الجبهة فريضةٌ، وعلى الأنف تطوُّعٌ " (9). وهذا لا يصحُّ، قال أحمد: محمد بن الفضل حديثه حديث أهل
مسألة (153): لا يجزئ السجود على كور العمامة.
الكذب (1). وقال يحيى: كان كذَّاباً (2). * * * * * مسألة (153): لا يجزئ السجود على كور العمامة. وعنه: يجزئ. لنا: الأحاديث المتقدمة. وقد روى من أجاز ذلك: أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يسجد على كور العمامة. ز: 829 - روى خباب بن الأرت قال: شكونا إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شدة الرمضاء في جباهنا وأكفنا، فلم يشكنا. رواه البيهقيُّ عن أبي عبد الله الحافظ عن أبي بكر بن إسحاق الفقيه عن الحسن بن علي بن زياد عن إبراهيم بن موسى عن عيسى بن يونس عن زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق عن سعيد بن وهب عن خباب (3). وقد رواه مسلم من رواية زهير وغيره عن أبي إسحاق، وليس فيه:
مسألة (154): لا يجب كشف اليدين في السجود، خلافا لأحد قولي
(في جباهنا وأكفِّنا) (1). 830 - وعن عليٍّ قال: إذا كان أحدكم يصلِّي فليحسر العمامة عن جبهته. 831 - وعن نافع أنَّ ابن عمر كان إذا سجد وعليه العمامة يرفعها حتى يضع جبهته بالأرض. 832 - وعن عبادة بن الصَّامت أنَّه كان إذا قام إلى الصَّلاة حسر العمامة عن جبهته. رواها البيهقيُّ (2)، وقال: وأمَّا ما روي عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من السُّجود على كور العمامة، فلا يثبت شيءٌ من ذلك (3). 833 - وعن هشام عن الحسن قال: كان أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسجدون وأيديهم في ثيابهم، ويسجد الرَّجل منهم على عمامته. رواه البيهقيُّ (4) O. * * * * * مسألة (154): لا يجب كشف اليدين في السُّجود، خلافًا لأحد قولي
الشَّافعيِّ: يجب. لنا: 834 - ما روى أحمد من حديث عبد الله بن عبد الرَّحمن الأنصاريِّ قال: صلَّى بنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1) في مسجد بني عبد الأشهل، فرأيته واضعًا يديه في ثوبيه (2) إذا سجد (3). 835 - وقال محمود بن إسحاق: ثنا البخاريُّ ثنا محمد بن مقاتل ثنا عبد الله ثنا زائدة بن قدامة ثنا عاصم بن كليب الجرميُّ ثنا أبي أنَّ وائل بن حُجْر أخبره قال: قلت: لأنظرنَّ إلى صلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كيف يصلِّي؟ فنظرت إليه، فقام فكبَّر، فرفع يديه، ثُمَّ لمَّا أراد أن يركع رفع يديه مثلها، ثُمَّ رفع رأسه فرفع يديه مثلها؛ ثُمَّ جئت بعد ذلك في زمان فيه برد، عليهم جلُّ الثِّياب تحرَّك أيديهم من تحت الثِّياب (4). ز: 836 - عن عبد الله بن عبد الرَّحمن بن ثابت بن الصَّامت عن أبيه عن جدِّه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى في بني عبد الأشهل وعليه كسَاءٌ متلفِّفٌ فيه، يضع يديه عليه، يقيه برد الحصى. رواه ابن ماجه عن جعفر بن مسافر عن إسماعيل بن أبي أويس عن إبراهيم بن إسماعيل الأشهليِّ - وهو ابن أبي حبيبة، وفيه كلام - عن عبد الله بن عبد الرَّحمن (5).
مسألة (155): يجب السجود على سبعة أعضاء.
ورواه البيهقيُّ وقال: في إسناده بعض الضعف. 837 - ورواه الإمام أحمد (1) وابن ماجه (2) أيضًا عن عبد الله بن عبد الرَّحمن قال: جاءنا النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مسجد بني الأشهل فرأيته واضعًا يديه على ثوبه إذا سجد. وعبد الله: ليست له صحبة، والصَّواب الأوَّل O. * * * * * مسألة (155): يجب السُّجود على سبعة أعضاء. وقال أبو حنيفة: لا يجب إلا على الجبهة. وعن الشَّافعيِّ: فيما عدا الجبهة قولان. لنا حديثان: 838 - الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا عبد الرَّحمن بن مهديٍّ ثنا عبد الله بن جعفر (3) عن إسماعيل بن محمد عن عامر بن سعد عن العباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا سجد الرَّجل سجد معه سبعة آراب: وجهه، وكفَّاه،
مسألة (156): المستحب أن ينهض في (5) السجود على صدور قدميه
وركبتاه، وقدماه " (1). انفرد بإخراجه مسلم (2). 839 - الحديث الثَّاني: قال البخاريُّ: ثنا قَبيصة ثنا سفيان عن عمرو ابن دينار عن طاوس عن ابن عباس قال: أُمر النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يسجد على سبعة أعضاء، ولا يكفَّ شعرًا ولا ثوبًا، الجبهة واليدين والرُّكبتين والرِّجلين (3). 840 - قال البخاريُّ: وثنا مسلم بن إبراهيم ثنا شعبة عن عمرو عن طاوس عن ابن عباس عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أُمرنا أن نسجد على سبعة أعظم، ولا نكفَّ ثوبًا ولا شَعرًا " (4). الطَّريقان في "الصَّحيحين". * * * * * مسألة (156): المستحب أن ينهض في (5) السُّجود على صدور قدميه
معتمدًا على ركبتيه. وعنه: أنَّه يجلس جلسة الاستراحة على قدميه وأليتيه، وبه قال الشَّافعيُّ، إلا أنَّه قال: صفة الجلسة كالتي بين السَّجدتين. وقال مالك: ينهض من غير اعتماد ولا جلوس. 841 - قال التِّرمذيُّ: ثنا [يحيى] (1) بن موسى ثنا أبو معاوية ثنا خالد بن إلياس عن صالح مولى التَّوأمة عن أبي هريرة قال: كان النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينهض في الصَّلاة على صدور قدميه (2). 842 - قال التِّرمذيُّ: ثنا عليُّ بن حُجْر أنا هُشيم عن خالد الحذَّاء عن أبي قِلابة عن مالك بن الحُويرث أنَّه رأى النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلِّي، فكان إذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي جالسًا. قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (3). والذي قبله فيه خالد بن إلياس، قال أحمد: خالدٌ متروك الحديث (4). وقال يحيى: ليس بشيءٍ، ولا يكتب حديثه (5). ز: حديث مالك بن الحويرث: رواه البخاريُّ (6).
مسألة (157): التشهد الأخير فرض.
843 - وعن عبد الرَّحمن بن يزيد أنه رأى عبد الله بن مسعود يقوم على صدور قدميه في الصَّلاة، ولا يجلس إذا صلَّى في أوَّل ركعة حين يقضي السُّجود. 844 - وعن عطية العوفي قال: رأيت ابن عمر وابن عباس وابن الزُّبير وأبا سعيد الخدري يقومون على صدور أقدامهم في الصَّلاة. رواهما البيهقيُّ وقال: هو عن ابن مسعود صحيح، وعطية العوفي لا يحتج به (1) O. * * * * * مسألة (157): التشهد الأخير فرض. وقال مالك (2): تجب الجلسة دون الذِّكر. لنا: أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علمهم التشهد وأمرهم به، فقال: " قولوا: التحيات لله ... "، وسيأتي مسنداً - إن شاء الله - (3). 844 - وقد روى الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا علي بن عبد الله بن مبشر ثنا أحمد بن سنان القطان ثنا موسى بن داود ثنا زهير بن معاوية عن الحسن بن الحر عن القاسم بن مخيمرة قال: أخذ علقمة بيدي، وزعم أن ابن مسعود أخذ بيده، وزعم أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذ بيده فعلمه التشهد ... - إلى قوله: وأن محمداً
عبده ورسوله - قال: " إذا قضيت هذا - أو فعلت هذا - فقد قضيت صلاتك، إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تجلس فاجلس ". قال الدَّارَقُطْنِيُّ: الصَّحيح أنَّ قوله: (إذا قضيت هذا فقد قضيت صلاتك) من كلام ابن مسعود، فصله شَبابة عن زهير، وجعله من كلام ابن مسعود، وقوله أشبه بالصَّواب ممَّن أدرجه، وقد اتفق من روى تشهد ابن مسعود على حذفه (1). 845 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وأنا محمد بن يحيى بن مرداس ثنا أبو داود ثنا أحمد بن يونس ثنا زهير عن عبد الرَّحمن بن زياد بن أنعم عن عبد الرَّحمن بن رافع وبكر (2) بن سوادة عن عبد الله بن عمرو أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا قضى الإمام الصَّلاة وقعد، فأحدث قبل أن يسلِّم، فقد تمت صلاته ومن كان خلفه ممَّن ائتم به " (3). وهذا لا يصحُّ، قال أحمد: عبد الرَّحمن بن زياد لا يُروى عنه شيئًا. وقال يحيى (4) والنَّسائيُّ (5): ضعيفٌ. وقال ابن حِبَّان: يروي الموضوعات عن الثِّقات ويدلِّس (6).
مسألة (158): أفضل التشهد تشهد ابن مسعود.
ز: حديث ابن مسعود: رواه أحمد (1) وأبو داود (2). وحديث عبد الله بن عمرو: رواه أبوداود (3) والتِّرمذيُّ وقال: ليس إسناده بالقوي، وقد اضطربوا في إسناده (4). وسيأتي (5). 846 - وعن عاصم بن ضمرة عن عليٍّ عليه السلام (6) قال: إذا جلس مقدار التشهد ثم أحدث، فقد تمت صلاته. قال عليُّ بن سعيد: سألت أحمد بن حنبل عمن ترك التشهد فقال: يعيد. فقلت: فحديث علي: (من قعد مقدار التشهد). فقال: لا يصح (7) O. * * * * * مسألة (158): أفضل التشهد تشهد ابن مسعود. وقال مالك: تشهد ابن عمر (8).
وقال الشَّافعيُّ: تشهد ابن عباس. ذكر التَّشهُّدات تشهُّد ابن مسعود: 847 - قال أحمد: ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن شقيق عن عبد الله قال: كنَّا إذا جلسنا مع النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصَّلاة قلنا: (السَّلام على الله قبل عباده، السَّلام على جبريل، السَّلام على ميكائيل، السَّلام على فلان، السَّلام على فلان ...) فسَمِعَنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " إن الله عزَّ جلَّ هو السَّلام، فإذا جلس أحدكم في الصَّلاة فليقل: التَّحيات لله والصَّلوات والطَّيِّبات، السَّلام عليك أيُّها النَّبيُّ ورحمة الله وبركاته، السَّلام علينا وعلى عباد الله الصَّالحين - فإذا قالها اصابت كلَّ عبدٍ صالحٍ في السَّماء والأرض -، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله. ثُمَّ يتخيَّر بعدُ من الدُّعاء " (1). أخرجه البخاريُّ (2) ومسلمٌ (3) في " الصَّحيح ". وقال التِّرمذيُّ: أصحُّ حديثٍ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في التَّشهد: حديث ابن مسعود، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من الصَّحابة والتَّابعين (4). 848 - قال أحمد: وثنا يحيى بن آدم ثنا شَريك عن جامع بن أبي راشد عن أبي وائل عن عبد الله قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلِّمنا التَّشهد كما يعلِّمنا
السورة من القرآن (1). وهذا يقوي إيثاره (2) على غيره، ثم فيه (الواو) في قوله: (والصلوات والطيبات)، وهي موجبة للغيرية، فالصلوات شيء، والطيبات شيء. تشهد ابن عباس: 849 - قال أحمد: ثنا يونس ثنا ليث عن أبي الزُّبير عن سعيد بن جبير وطاوس عن ابن عباس قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلمنا التشهد كما يعلمنا القرآن، فكان يقول: " التحيات المباركات الصلوات لله، السلام عليك أيها النَّبِيُّ ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إِلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله " (3). قال التِّرمذيُّ: هذا حديث حسن صحيح غريب (4). ز: روى هذا الحديث مسلم (5) وغيره O. تشهد ابن عمر: 850 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أبو بكر الشَّافعيُّ ثنا محمد بن علي بن إسماعيل السكري ثنا خارجة بن مصعب بن خارجة عن موسى بن عبيدة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلمنا التشهد:
" التحيات الطيبات الزاكيات لله، السلام عليك أيها النَّبِيُّ ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إِلا لله وحده لا شريك له، وأن محمَّداً عبده ورسوله " (1). هذا لا يصح، قال يحيى: خارجة غير ثقة (2). وقال أحمد لابنه: لا تكتب عنه (3). وقال ابن حِبَّان: لا يحل الاحتجاج بخبره (4). قال أحمد: ولا تحل عندي الرواية عن موسى بن عبيدة (5). وقال يحيى: لا يحتج بحديثه (6). ز: سقط من إسناد حديث ابن عمر رجلان: خارجة بن مصعب؛ ومغيث بن بديل. قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أبو بكر الشَّافعيُّ ثنا محمد بن علي بن إسماعيل السكري ثنا خارجة بن مصعب بن خارجة، وحدَّثني أحمد بن محمد بن أبي عثمان الغازي أبو سعيد النيسابوريُّ ثنا أبو العباس محمد بن عبد الرَّحمن الدغولي ثنا خارجة بن مصعب بن خارجة، ثنا مغيث بن بديل ثنا خارجة بن مصعب عن موسى بن عبيدة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر فذكره. ثم قال: هذا لفظ ابن أبي عثمان، وموسى بن عبيدة وخارجة بن
مصعب ضعيفان (1). وخارجة بن مصعب - الصَّغير -: هو حفيد الكبير، قال ابن الجوزيِّ في كتاب " الضُّعفاء " بعد ذكر خارجة بن مصعب الكبير: وثَمَّ خارجة بن مصعب بن خارجة أبو منصور، يروي عن مغيث بن بُديل، لا يعرف فيه طعنًا (2). 851 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أبو بكر بن أبي داود ثنا نصر بن عليٍّ قال: أخبرني أبي أنا شعبة عن أبي بشر قال: سمعتُ مجاهدًا يحدِّث عن ابن عمر عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال في التَّشهُّد: " التَّحيَّات لله الصَّلوات الطََّيبات، السَّلام عليك أيُّها النبيُّ ورحمة الله - قال ابن عمر: وزدت فيها: وبركاته - السَّلام علينا وعلى عباد الله الصَّالحين، أشهد أن لا إله إلا الله - قال ابن عمر: وزدت فيها: وحده لا شريك له -، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله ". قال الدَّارَقُطْنِيُّ: هذا إسنادٌ صحيحٌ، وقد تابعه على رفعه ابن أبي عَدِيٍّ عن شعبة، ووقفه غيرهما (3). ورواه أبو داود (4) وأبو يعلى الموصليُّ وإسماعيل بن عبد الله سمويه وغيرهم عن نصر بن عليٍّ بنحوه. 852 - وقال الطبرانيُّ: ثنا عبدان بن أحمد ثنا دُحيم ثنا يحيى بن حسَّان ثنا سليمان بن موسى (5) ثنا جعفر بن سعد بن سمرة حدَّثني خُبيب بن سليمان
عن أبيه سليمان عن سمَرة قال: أمرنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا كُنَّا في وسط الصَّلاة أو حين انقضائها: " فابدؤا قبل التَّسليم بقول: التَّحيات الطََّيبات الصَّلوات والسَّلام والملك لله، ثُمَّ سلموا على النَّبيَّين، ثُمَّ سلَّموا على أقاربكم وعلى أنفسكم " (1) رواه أبو داود عن محمد بن داود بن سفيان عن يحيى بن حسَّان بنحوه (2). 853 - وعن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلِّمنا التَّشهُّد كما يعلِّمنا السُّورة من القرآن: " بسم الله وبالله، التَّحيَّات لله والصَّلوات والطَّيَّبات، السَّلام عليك أيُّها النَّبيُّ ورحمة الله وبركاته، السَّلام علينا وعلى عباد الله الصَّالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، أسأل الله الجنَّة وأعوذ بالله من النَّار ". رواه ابن ماجه (3) والنَّسائيُّ (4) من رواية أيمن بن نابل عن أبي الزُّبير عن جابر. وقد أنكره الدَّارَقُطْنِيُّ على أيمن بن نابل (5)، وقيل: إنَّ المحفوظ ما رواه الليث عن أبي الزُّبير عن سعيد بن جبير وطاوس عن ابن عباس.
وقال النَّسائيُّ: ولا نعلم أحدًا تابع أيمن على هذا الحديث، وخالفه الليث ابن سعد في إسناده، وأيمن عندنا لا بأس به، والحديث خطأ، وبالله التوفيق (1). 854 - وعن عبد الرَّحمن بن عبدٍ القاري أنَّه سمع عمر بن الخطََّاب - وهو على المنبَّر، وهو يعلم النَّاس التَّشهُّد - يقول: قولوا: التَّحيَّات لله، الزَّاكيات لله، الصَّلوات الطََّيبات لله، السَّلام عليك أيُّها النَّبيُّ ورحمة الله وبركاته، السَّلام علينا وعلى عباد الله الصَّالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله. رواه مالك في "الموطأ" (2). 855 - وعن القاسم بن محمد أن عائشة زوج النَّبيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانت تقول إذا تشهَّدتْ: التَّحيَّات الطََّّيبات الصَّلوات الزَّاكيات لله، أشهد أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا عبده ورسوله، السَّلام عليك أيَّها النَّبيُّ ورحمة الله وبركاته، السَّلام علينا وعلى عباد الله الصَّالحين، السَّلام عليكم. رواه مالك في "الموطأ" أيضًا (3). وقد روى مسلم حديث حطَّان بن عبد الله الرَّقاشيِّ عن أبي موسى في التَّشهُّد (4). وبأيِّ تشهُّدٍ تشهد مما صحَّ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاز O. * * * * *
مسألة (159): والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه فرض.
مسألة (159): والصَّلاة على النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه فرضٌ. وعنه: أنَّها سنَّةٌ، كقول أبي حنيفة ومالك. لنا أربعة أحاديث: 856 - الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن الحكم قال: سمعتُ ابن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عُجرة فقال: ألا أهدي لك هديَّة؟! خرج علينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلنا: يا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قد علمنا - أو: قد عرفنا - كيف السَّلام عليك، فكيف الصَّلاة؟ فقال: " قولوا: اللَّهم صلِّ على محمد، وعلى آل محمد، كما صلَّيت على آل إبراهيم، إنَّك حميدٌ مجيدٌ، اللَّهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنَّك حميدٌ مجيدٌ " (1) أخرجاه في "الصَّحيحين" (2).
وقد رواه التِّرمذيُّ وصحَّحه، فقال فيه: " اللَّهم صلِّ على محمد، وعلى آل محمد، كما صلَّيت على إبراهيم، إنَّك حميدٌ مجيدٌ، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، إنَّك حميدٌ مجيدٌ " (1). 857 - الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمد بن عبد الله الشَّافعيُّ ثنا محمد بن غالب ثنا عليُّ بن بحر ثنا عبد المهيمن بن عباس عن أبيه عن جدِّه سهل بن سعد أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا صلاة لمن لم يصلِّ على نبيِّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". قال الدَّارَقُطْنِيُّ: عبد المهيمن ليس بالقويِّ (2). وقال ابن حِبَّان: لا يحتجُّ به (3). ز: 858 - قال الطَّبرانيُّ: ثنا عبد الرَّحمن بن معاوية العتبيُّ المصريُّ ثنا عبيد الله بن محمد الكنديُّ (4) ثنا ابن أبي فديك عن أُبيِّ بن عباس بن سهل بن سعد عن أبيه عن جدِّه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه، ولا صلاة لمن لا يصلِّي على نبيِّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا صلاة لمن لا يحبُّ الأنصار " (5). وقد روي عن ابن أبي فديك عن عبد المهيمن بن عباس، وهو أشبه بالصَّواب.
وأُبيُّ بن عباس بن سهل بن سعد: تكلَّم فيه أيضًا الإمام أحمد (1) وابن معين (2) والدُّولابيُّ (3) والنَّسائيُّ (4) والعُقيليُّ (5)، وقد روى له البخاريُّ حديثًا: عن عليِّ بن المدينيِّ عن معن بن عيسى عن أُبيِّ بن عباس عن أبيه عن جدِّه كان للنَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرسٌ يقال له: اللُّحَيف (6) O. 859 - الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أحمد بن محمد بن سعيد ثنا جعفر بن عليِّ بن نجيح ثنا إسماعيل بن صبيح عن سفيان بن إبراهيم عن عبد المؤمن بن القاسم عن جابر عن أبي جعفر عن أبي مسعود الأنصاريِّ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من صلَّى صلاةً لم يصلِّ فيها عَلَيَّ ولا على أهل بيتي، لم تقبل منه ". جابرٌ ضعيفٌ، وقد اختلف عنه: فوقفه على أبي مسعود تارة، ورفعه تارة (7). 860 - الحديث الرَّابع: موقوفٌ، رواه ابن ماجه من حديث ابن
مسعود أنه قال: إذا صليتم على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقولوا: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد؛ وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد (1). ز: 861 - عن يحيى بن السباق عن رجل من بني الحارث عن ابن مسعود عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " إذا تشهد أحدكم في الصَّلاة فليقل: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، وارحم محمداً وآل محمد، كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد ". رواه البيهقيُّ (2). 862 - وروى الإمام أحمد (3) وأبو داود (4) والنَّسائيُّ (5) والتِّرمذيُّ وصححه (6) وابن حِبَّان في "صحيحه" (7) من حديث حيوة بن شريح: ثنا أبو هانئ الخولاني حدثني عمرو بن مالك الجنبي سمع فضالة بن عبيد يقول: سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً يدعو في صلاته، فلم يصلِّ على النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عجل هذا ". ثم دعاه، فقال له ولغيره: " إذا صلَّى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه، ثم ليصلِّ على النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم ليدع بعد ما شاء ". رواه الحاكم وقال: هو على شرط مسلم. وقال في موضع آخر: على
مسألة (160): يجلس في التشهد الأول مفترشا، وفي الثاني متوركا.
شرطهما (1) O. * * * * * مسألة (160): يجلس في التشهد الأول مفترشاً، وفي الثاني متوركاً. وقال مالك: يجلس في الجميع متوركاًَ. وقال أبو حنيفة: يفترش في الكل. لنا ثلاثة أحاديث: 863 - الحديث الأوَّل: قال البخاريُّ: ثنا يحيى بن بكير ثنا الليث عن خالد عن سعيد عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن محمد بن عمرو بن عطاء أنه كان جالساً مع نفر من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكرنا صلاة النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال أبو حميد الساعدي: أنا كنت أحفظكم لصلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رأيته إذا كبر جعل يديه حذو منكبيه، وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه، ثم هصر ظهره، وإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كل فقار مكانه، فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما، واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة، وإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى، وإذا جلس في الركعة الأخيرة قدم رجله اليسرى ونصب الأخرى، وقعد على مقعده. انفرد بإخراجه البخاريُّ (2).
مسألة (161): الخروج من الصلاة بالتسليم فرض.
864 - الحديث الثَّاني: قال التِّرمذيُّ: ثنا أبو كريب ثنا عبد الله بن إدريس ثنا عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر قال: قدمت المدينة، فقلت: لأنظرن إلى صلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما جلس افترش رجله اليسرى، ووضع يده اليسرى على فخذه اليسرى، ونصب رجله اليمنى (1). 865 - الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا ابن صاعد ثنا بندار ثنا عبد الوهاب ثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: سنة الصَّلاة أن يفترش اليسرى، وينصب اليمنى (2). * * * * * مسألة (161): الخروج من الصَّلاة بالتسليم فرض. وقال أبو حنيفة: لا يجب، بل يجوز أن يخرج بكل ما ينافيها. لنا: قوله عليه السلام: "وتحليلها التسليم"، وقد سبق بإسناده (3). احتجُّوا بحديثين: 866 - أحدهما: رواه التِّرمذيُّ: ثنا أحمد بن محمد ثنا عبد الله بن المبارك أنا عبد الرَّحمن بن زياد عن عبد الرَّحمن بن رافع وبكر بن سوادة أخبراه
مسألة (162): السلام من الصلاة.
عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا أحدث وقد جلس في آخر صلاته قبل أن يسلِّم، فقد جازت صلاته ". قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ ليس إسناده بالقويِّ، وقد اضطربوا في إسناده (1). قلت: وهذا الحديث قد سبق بلفظٍ آخر في مسألة: التَّشهُّد الأخير، وذكرنا الجرح للأفريقيِّ (2). وحديثهم الثَّاني: حديث ابن مسعود أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علَّمه التَشهُّد، وقال: " فإذا قلت ذلك فقد تمَّت صلاتك ". وقد سبق هناك بإسناده والكلام عليه (3). * * * * * مسألة (162): السَّلام من الصَّلاة. وقال أبو حنيفة: ليس منها. لنا: قوله: " وتحليلها التَّسليم "، وقد سبق (4). وقول ابن مسعود: لا أنسى تسليم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصَّلاة.
مسألة (163): تجب التسليمة الثانية في المكتوبة.
وقول سهل بن سعد وعائشة: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صلاته. وسيأتي ذلك بأسانيده (1). * * * * * مسألة (163): تجب التَّسليمة الثَّانية في المكتوبة. وعنه: أنَّها سنَّةٌ، كقول أبي حنيفة والشَّافعيِّ في الجديد. وقال مالك: السُّنَّة الاقتصار على واحدة. لنا سبعة أحاديث: الحديث الأوَّل: حديث جابر بن سَمُرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ألا يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه، ثُمَّ يسلِّم عن يمينه وشماله ". وقد ذكرناه بإسناده في مسألة: رفع الأيدي (2). 867 - الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا البغويُّ ثنا منصور بن أبي مزاحم (3) ثنا أبو سعيد المؤدِّب عن زكريا عن الشَّعبيِّ عن مسروق عن عبد الله بن مسعود قال: ما نسيت من الأشياء فلم أَنْسَ تسليم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصَّلاة عن يمينه وعن شماله: " السَّلام عليكم ورحمة الله، السَّلام عليكم ورحمة الله " (4).
868 - طريق آخر: قال أحمد: ثنا وكيع ثنا سفيان عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يسلم عن يمينه وعن يساره: " السَّلام عليكم ورحمة الله، السَّلام عليكم ورحمة الله " (1). 869 - طريق آخر: قال أحمد: وثنا حميد بن عبد الرَّحمن ثنا الحسن عن أبي إسحاق ثنا أبو الأحوص عن عبد الله قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده (2). ز: ورواه أبو داود (3) والنَّسائيُّ (4) وابن ماجه (5) والتِّرمذيُّ وقال: حديث حسن صحيح (6). وقال العقيليُّ: والأسانيد صحاح ثابتة في حديث ابن مسعود في التسليمتين، ولا يصح في تسليمة شيء (7). 870 - وعن أبي معمر (8) أن أميراً كان بمكة يسلم تسليمتين، فقال عبد الله - يعني ابن مسعود -: أنى عَلِقَها؟! إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يفعله.
رواه مسلم (1) O. 871 - الحديث الثَّالث: قال أحمد: وثنا يحيى بن إسحاق ثنا ابن لهيعة عن محمد بن عبد الله بن مالك عن سهل بن سعد أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يسلم في صلاته عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده (2). 872 - الحديث الرَّابع: قال أحمد: وثنا ابن مهدي ثنا عبد الله بن جعفر الزهري عن إسماعيل بن محمد بن سعد عن عامر بن سعد عن أبيه عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يسلم عن يمينه حتى يرى بياض خده، وعن يساره حتى يرى بياض خده (3). قال الدَّارَقُطْنِيُّ: هذا إسناد صحيح. قلت: انفرد بإخراجه مسلم (4). 873 - الحديث الخامس: قال أحمد: وثنا عبد الصمد ثنا ملازم قال: حدَّثني هوذة بن قيس بن طلق عن أبيه عن جدِّه قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده الأيمن وبياض خده الأيسر (5). ز: ورواه إسماعيل بن عبد الله عن عليِّ بن المدينيِّ عن ملازم بن عمرو، ورواه الإمام أحمد أيضاً عن عليِّ بن المدينيِّ قبل أن يمتحن (6)، ورواه أبو القاسم الطَّبرانيُّ عن العباس بن محمد المجاشعي الأصبهاني عن محمد بن أبي
يعقوب الكرماني عن ملازم (1) O. 874 - الحديث السادس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا ابن صاعد ثنا فضالة بن الفضل ثنا أبو بكر بن عياش عن أبي إسحاق عن صلة بن زفر عن عمار بن ياسر قال: كان رسول الله إذا سلم عن يمينه يرى بياض خده الأيمن، وإذا سلم عن يساره يرى بياض خده الأيمن والأيسر، وكان تسليمه: " السَّلام عليكم ورحمة الله " (2). ز: قال ابن أبي حاتم: فضالة بن الفضل الكوفي، روى عن أبي بكر ابن عياش، كتب عنه أبي، وسئل عنه فقال: صدوق (3). وصححه (4) النَّسائيُّ (5) وابن حِبَّان (6) O. 875 - الحديث السَّابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا أبو بكر بن أبي داود ثنا عمرو بن علي ثنا عبد الله بن داود عن حريث عن الشَّعبيِّ عن البراء بن عازب أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يسلم تسليمتين (7). ز: حريث هو: ابن أبي مطر - واسمه: عمرو الفزاريُّ - أبو عمرو الحنَّاط الكوفيُّ، وقد تكلم فيه ابن معين (8) والفلاس (9) وأبو حاتم (10)
والبخاريُّ (1)، وتركه النَّسائيُّ (2) وابن الجنيد (3) والدُّولابيُّ (4) والأزديُّ (5). 876 - وعن وائل بن حُجْر قال: صلَّيت مع النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكان يسلِّم عن يمينه: " السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته "، وعن شماله: " السَّلام عليكم ورحمة الله ". رواه أبو داود (6). 877 - وعن أبي موسى قال: صلَّى بنا عليٌّ يوم الجمل صلاةً ذكَّرنا صلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإمَّا أن نكون نسيناها، وإمَّا أن نكون تركناها، فسلَّم عن يمينه وعن شماله. رواه ابن ماجه (7)، وإسناده صحيحٌ. 878 - وعن حذيفة بن اليمان قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسلِّم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خدِّه: " السَّلام عليكم ورحمة الله، السَّلام عليكم ورحمة الله " (8). رواه ابن ماجه أيضًا، وإسناده صحيحٌ، وفي بعض النُّسخ الصَّحيحة:
(عمَّار بن ياسر) بدل (حذيفة) وهو سهوٌ (1) O. احتجُّوا بأربعة أحايث: 879 - الحديث الأوَّل: قال التِّرمذيُّ: ثنا محمد بن يحيى النَّيسابوريُّ ثنا عمرو بن أبي سلمة عن زهير بن محمد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يسلِّم في الصَّلاة تسليمةً واحدةً تلقاءَ وجهه، ثُمَّ يميلُ إلى الشِّق الأيمن شيئًا (2). 880 - الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا يزداد بن عبد الرَّحمن ثنا الزُّبير بن بكَّار ثنا عتيق بن يعقوب ثنا عبد المهيمن بن عباس عن أبيه عن جدِّه أنَّه سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسلِّم تسليمةً واحدةً لا يزيد عليها (3). 881 - الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا محمد بن خلف (4) ثنا الرَّماديُّ ثنا نُعيم ثنا رَوْح بن عطاء بن أبي ميمونة (5) عن أبيه عن الحسن عن
سمرة بن جندب قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسلم واحدة في الصَّلاة قبل وجهه، فإذا سلم عن يمينه سلم عن يساره (1). 882 - الحديث الرَّابع: قال ابن ماجه: ثنا محمد بن الحارث المصري ثنا يحيى بن راشد عن يزيد - مولى سلمة - عن سلمة بن الأكوع قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلِّي، فسلم مرة واحدة (2). والجواب: أن هذه الأحاديث ضعاف: أما الأوَّل: ففيه زهير بن محمد، قال البخاريُّ: هو من أهل الشام، يروى عنه مناكير (3). وقال يحيى: ضعيف (4). وقال التِّرمذيُّ: لا يعرف هذا الحديث مرفوعاً إلا من هذا الوجه (5). وفي الحديث الثاني: عبد المهيمن، قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ليس
بالقويِّ (1). وقال ابن حِبَّان: بطل الاحتجاج به (2). وفي الحديث الثَّالث: رَوْح، قال أحمد: منكر الحديث (3) وتركه يحيى (4). وفي الرَّابع: يحيى بن راشد، قال يحيى: ليس بشيءٍ (5) وقال النَّسائيُّ: ضعيفٌ (6). ز: حديث عائشة: رواه ابن ماجه (7) والدَّارَقُطْنِيُّ (8) والحاكم وقال: على شرطهما، ورواه وهيب عن عُبيد الله بن عمر عن القاسم عن عائشة أنَّها كانت تُسلِّم تسليمةً واحدةً (9). وزهير بن محمد: من رجال "الصَّحيحين" (10)، لكن له مناكير،
وهذا الحديث منها. قال أبو حاتم الرَّازيُّ: هو حديثٌ منكرٌ (1). وقال الأثرم: سمعت أبا عبد الله - وذكر رواية الشَّاميين عن زهير بن محمد - قال: يروون عنه أحاديث مناكير هؤلاء. ثُمَّ قال: أمَّا رواية أصحابنا عنه فمستقيمة - عبد الرَّحمن بن مهديٍّ وأبو عامر -، وأمَّا أحاديث أبي حفص ذاك التَّنَّيسيُّ عنه، فتلك بواطيل موضوعة. أو نحو هذا، فأما (بواطيل) [] (2) فقد قاله (3). وحديث سهل بن سعد: رواه ابن ماجه أيضًا (4)، ورواه الدَّارَقُطْنِيُّ أيضاً (5) من رواية عبد الله بن نافع الصائغ عن عبد المهيمن. 883 - وروت عائشة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أوتر بتسع ركعات لم يقعد إلا في الثامنة، فيحمد الله ويذكره ويدعو، ثم ينهض ولا يسلم، ثم يصلِّي التاسعة فيجلس فيذكر الله عزَّ وجلَّ ويدعو، ويسلم تسليمة يسمعنا، ثم يصلِّي ركعتين وهو جالس، فلما كبر وضعف أوتر بسبع ركعات لا يقعد إلا في السادسة، ثم ينهض ولا يسلم، ثم يصلِّي السابعة، ثم يسلم تسليمة، ثم يصلِّي ركعتين وهو جالس. رواه الإمام أحمد (6) والنَّسائيُّ - وهذا لفظه (7) - وزاد الإمام أحمد: ثم يسلم تسليمة واحدة: " السَّلام عليكم " يرفع بها صوته حتى يوقظنا.
مسألة (164): وينوي بالسلام الخروج من الصلاة.
وإسناده صحيحٌ. 884 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفصل بين الشَّفع والوتر بتسليمة يسمعناها. رواه الإمام أحمد (1) O. * * * * * مسألة (164): وينوي بالسَّلام الخروج من الصَّلاة. وقال الحنفيَّة والشَّافعيَّة: ينوي السَّلام على الملائكة والمأمومين. لنا: قوله عليه السَّلام: " وتحليلها التَّسليم "، وقد سبق (2). * * * * *
مسألة (165): لا يجوز أن يدعو في صلاته بما ليس فيه قربة إلى الله
مسائل ما يجوز في الصَّلاة وما لا يجوز مسألة (165): لا يجوز أن يدعو في صلاته بما ليس فيه قربة إلى الله عزَّ وجلَّ، ولا ورد به الأثر، كقوله: ارزقني جاريةً حسناء، بستانًا أنيقًا. وقال مالك والشَّافعيُّ: يجوز. لنا: قوله عليه السَّلام: " إنَّ هذه الصَّلاة لا يصلح فيها شيءٌ من كلام النَّاس، إنَّما هي التَّسبيح والتَّكبير وقراءة القرآن ". وقد ذكرناه بإسناده في مسألة: التَّكبير وأنَّه من الصَّلاة (1). ز: احتجَّ لمالك والشَّافعيِّ بقول النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث ابن مسعود: " ثُمَّ ليتخيَّر من الدُّعاء أعجبه إليه " (2)، وفي لفظٍ: " ثُمَّ يتخيَّر من المسألة ما شاء " (3). متفقٌ عليهما. وحمله من لم يجوِّز ذلك على أنَّه يتخيرَّ من الدُّعاء المأثور O.
مسألة (166): الإغماء لا يسقط فرض الصلاة قل أو كثر.
مسألة (166): الإغماء لا يسقط فرض الصَّلاة قلَّ أو كثر. وقال أبو حنيفة: إن كان يومًا وليلة لم يسقط. وقال مالك والشَّافعيُّ: يسقط الصَّلاة. وهذه مسألةٌ قد اختلف فيها الصَّحابة والتَّابعون. فأصحابنا يستدلُّون: 885 - بما روي عن عليٍّ وعمَّار أنَّهما قضيا ما فات حال الإغماء، وكذلك قال عمران وسمرة. 886 - وقال عطاء: يقضي صلاته كلَّها. 887 - وروى نافع عن ابن عمر أَنَّه أغمي عليه ثلاثة أيَّام فلم يقض شيئًا وأعاد صلاة يومه الذي أفاق فيه فحسب. 888 - وأغمي على محمد بن سيرين ستَّة أيَّام فلم يقض. 889 - وقال النَّخعيُّ: يعيد صلاة يومه وليلته، ولا يعيد ما كان قبل ذلك. 890 - وقال الحسن: إذا أغمي على الرَّجل صلاتين فلا إعادة عليه، فإن أغمي عليه صلاةً واحدةً أعادها. ولا نعرف في ذلك حديثًا مرفوعًا إلا: 891 - ما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا عثمان بن أحمد الدَّقَّاق ثنا محمد بن الفضل بن سلمة (1) ثنا إسماعيل بن أبي أويس قال: حدَّثني إسماعيل بن داود
ابن عبد الله بن مخراق عن سليمان بن بلال عن أبي حسين (1) عن الحكم بن عبد الله الأيلي أن القاسم بن محمد حدَّثه أن عائشة سألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الرجل يغمى عليه، فيترك الصَّلاة، فقالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس لشيء من ذلك قضاء، إِلاَّ أن يغمى عليه في وقت صلاة فيفيق وهو في وقتها فيصليها " (2). وهذا حديث لا يصح: قال أحمد: لا ينبغي أن يروى عن الحكم بن عبد الله شيء (3). وقال يحيى: ليس بشيء (4). وقال أبو داود: تركوا حديثه (5). ز: هذا الكلام الذي حكاه المؤلف إنما قاله أحمد وابن معين وأبو داود في الحكم بن عبد الله بن مسلمة أبي مطيع البلخي القاضي. وأما راوي هذا الحديث: هو الحكم بن عبد الله بن سعد الأيلي، قال أحمد: أحاديثه موضوعة (6). وقال ابن معين: ليس بثقة ولا مأمون (7). وكذّبه الجوزجاني (8) وأبو حاتم (9)، وتركه النَّسائيُّ (10) وابن الجنيد (11)
مسألة (167): إذا سلم على المصلي رد بالإشارة.
والدَّارَقُطْنِيُّ (1)، وقال البخاريُّ: تركوه (2). وقال أبو زرعة: [اضربوا] (3) على حديثه (4). وقال ابن حِبَّان: يروي الموضوعات عن الأثبات (5). ولا يصح إسناد هذا الحديث إلى الحكم، فإنه مظلم. وأبو الحسن مجهول. قاله البيهقيُّ (6). وقد روى ابن عدي هذا الحديث في كتاب "الكامل" من رواية خارجة ابن مصعب - وهو ضعيف - عن عبد الله بن عطاء عن الحكم بن عبد الله الأيلي عن القاسم عن عائشة. ورواه أيضًا من رواية خارجة عن عبد الله بن عطاء عن الحكم عن نافع عن ابن عمر (7)، ورواه عن الحكم، وهو متهم (8) O. * * * * * مسألة (167): إذا سُلِّم على المصلي ردَّ بالإشارة. وقال أبو حنيفة: لا يرد.
لنا ثلاثة أحاديث: 892 - الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا حجَّاج بن محمد ثنا ليث بن سعد قال: حدَّثني بكير بن عبد الله بن الأشج عن نابل - صاحب العباء - عن عبد الله بن عمر عن صهيب قال: مررت برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يصلِّي، فسلَّمت، فردَّ إليَّ إشارةً. وقال: لا أعلم إلا أنَّه قال: إشارة بأصبعه (1). ز: ورواه أبو داود (2) والنَّسائيُّ (3) والتِّرمذيُّ وقال: حديثٌ حسنٌ، لا نعرفه إلا من حديث بكير (4). ورواه الطَّبرانيُّ (5) وأبو حاتم البستيُّ (6) O. 893 - الحديث الثَّاني: قال أحمد: وثنا وكيع ثنا هشام بن سعد عن نافع عن ابن عمر قال: قلت لبلال: كيف كان النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يردُّ عليهم حين كانوا يسلِّمون عليه في الصَّلاة؟ قال: كان يشير بيده (7). قال التِّرمذيُّ: كلا الحديثين عندي صحيحٌ، ويحتمل أن يكون ابن عمر سمعه منهما جميعًا (8). ز: ورواه أبو داود عن الحسين بن عيسى الدَّامغانيِّ عن جعفر بن عون
عن هشام (1). ورواه التِّرمذيُّ عن محمود بن غيلان عن وكيع، وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ (2). ورواه أبو يعلى الموصليُّ ومحمد بن هارون الرُّويانيُّ (3) والطَّبرانيُّ (4). 894 - وروى إسماعيل بن عبد الله العبديُّ سمُّويه: ثنا أبو الوليد ثنا حمَّاد عن أيُّوب عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يشير في الصَّلاة O. 895 - الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أبو بكر بن أبي داود ثنا سلمة بن شبيب ثنا عبد الرَّزَّاق أنا معمر عن الزُّهريِّ عن أنس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يشير في الصَّلاة (5). ز: وروى هذا الحديث الإمام أحمد عن عبد الرَّزَّاق عن معمر (6)، ورواه أبو داود في "سننه" عن أحمد بن محمد بن شَبُّويه ومحمد بن رافع عن عبد الرَّزَّاق (7)، ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" عن محمد بن رافع (8)،
ورواه أبو يعلى الموصليُّ عن يحيى بن معين عن عبد الرَّزَّاق (1)، ورواه أبو القاسم الطَّبرانيُّ عن إسحاق بن إبراهيم الدَّبريِّ عن عبد الرَّزَّاق (2)، ورواه ابو حاتم ابن حِبَّان عن أبي يعلى عن يحيى (3). قال أبو حاتم الرَّازيُّ: اختصر عبد الرَّزَّاق هذه الكلمة من حديث النََّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه ضَعُف، فقدَّم أبا بكر يصلِّي بالناس ... وقال: أخطأ عبد الرَّزَّاق في اختصاره هذه الكلمة، وأدخله في باب من كان يشير بأصبعه في الصَّلاة (4)، وأوهم أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّما أشار بيده في التَّشهُّد، وليس كذلك. قال عبد الرَّحمن بن أبي حاتم: قلت لأبي: فإشارة النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أبي بكر، كان في الصَّلاة، أو قبل دخول الصَّلاة؟ فقال: أمَّا في حديث شعيب عن الزُّهريِّ لا يدلُّ على شيءٍ من هذا. انتهى كلام أبي حاتم (5). وقد روى هذا الحديث غير عبد الرَّزَّاق: 896 - فروى الطَّبرانيُّ: ثنا عبد الصَّمد بن محمد العَيْنُونيُّ المقدسيُّ ثنا أبو هبيرة الوليد بن محمد الدِّمشقيُّ ثنا سلامة بن بشر ثنا يزيد بن السِّمط ثنا الأوزاعيُّ عن الزُّهريِّ عن أنس بن مالك أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يشير في الصَّلاة. قال الطَّبرانيُّ: لم يروه عن الأوزاعيِّ إلا يزيد، تفرَّد به سلامة (6) O.
احتجُّوا: 897 - بما روى ابن شاهين: ثنا يوسف بن يعقوب النَّيسابوريُّ ثنا إسماعيل بن حفص ثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق عن يعقوب بن عتبة عن أبي غطفان عن أبي هريرة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أشار في الصَّلاة إشارةً تفقه - أو: تفهم - فقد قطع الصَّلاة " (1). قال المؤلِّف: وهذا حديثٌ لا يصحُّ، ابن إسحاق مجروحٌ قد كذَّبه مالك (2) وهشام بن عروة (3)، وأبو غطفان مجهولٌ. ز: روى هذا الحديث أبو داود في "سننه" عن عبد الله بن سعيد عن يونس بن بكير، وقال: وهذ الحديث وَهْمٌ (4). وأبو غطفان هو: ابن طَريف، ويقال: ابن مالك المُرِّيُّ، قال عباس الدُّوريُّ: سمعت يحيى بن معين يقول فيه: ثقةٌ (5). وقال النَّسائيُّ في " الكنى ": أبو غطفان ثقةٌ، قيل: اسمه سعد (6). وذكره ابن حِبَّان في كتاب
مسألة (168): تنبيه الآدمي بالتسبيح والتكبير والقرآن لا يبطل
"الثِّقات" (1)، وروى له مسلم في "صحيحه" (2). [وذكر] (3) ابن القطان أن راوي هذا الحديث غير المُرِّيِّ، لا يعرف (4). وليس كما قال. وقال إسحاق بن إبراهيم بن هانئ: سئل أبو عبد الله عن حديث النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أشار في صلاته إشارة تفهم عنه فليعد الصَّلاة ". قال: لا يثبت هذا الحديث، إسناده ليس بشيء (5). وقال عبد الغني بن سعيد المصري: أبو غطفان بن طريف المُرِّيِّ، قيل: إن اسمه يزيد (6). وقال البيهقيُّ: قال عليُّ - يعني: الدَّارَقُطْنِيّ -: قال لنا ابن أبي داود: أبو غطفان مجهول (7) O. * * * * * مسألة (168): تنبيه الآدميِّ بالتسبيح والتكبير والقرآن لا يبطل الصَّلاة.
وقال أبو حنيفة: يبطل، وعن أحمد مثله. لنا حديثان: 898 - الأوَّل: قال أحمد: ثنا عفَّان ثنا حمَّاد بن زيد ثنا أبو حازم عن سهل بن سعد عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " إذا نابكم (1) في صلاتكم شيءٌ فليسبِّح الرِّجال، وليصفِّح (2) النِّساء " (3). أخرجاه في "الصَّحيحين" (4). 899 - الحديث الثَّاني: قال التِّرمذيُّ: ثنا هنَّاد ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " التَّسبيح للرِّجال، والتَّصفيق للنِّساء ". قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (5). ز: حديث أبي هريرة: رواه الجماعة (6) O. * * * * *
مسألة (169): والمرأة تصفق.
مسألة (169): والمرأة تصفِّق. وقال مالك: تسبِّح كالرجل. لنا: ما تقدَّم من الحديثين. * * * * * مسألة (170): إذا تكلَّم في الصَّلاة عامدًا بطلت. وقال مالك: إذا كان لمصلحة الصَّلاة لم تبطل، ووافقه الخِرَقيُّ في كلام الإمام دون المأموم. لنا: 900 - ما روى الإمام أحمد: ثنا سفيان عن عاصم عن أبي وائل عن عبد الله قال: كنَّا نسلِّم على النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا كنَّا بمكَّة قبل أن نأتي أرض الحبشة - يعني وهو في الصَّلاة -، فلمَّا قدمنا من أرض الحبشة أتيناه فسلَّمنا عليه، فلم يردَّ، فأخذني ما قرب وما بعد حتى قضوا الصَّلاة، فسألتُه، فقال: " إنَّ الله عزَّ وجلَّ يحدث من أمره ما يشاء، وإنَّه قد أحدث من أمره أن لا تتكلَّموا في الصَّلاة " (1). ز: هذا حديثٌ صحيحٌ، وقد أخرجاه في "الصَّحيحين" (2) بغير هذا
مسألة (171): إذا تكلم في الصلاة ناسيا لم تبطل صلاته، وكذلك إذا
اللفظ: 901 - فروى الأعمش عن إبراهيم [عن] (1) علقمة عن عبد الله قال: كنَّا نسلِّم على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو في الصَّلاة فيردُّ علينا، فلمَّا رجعنا من عند النَّجاشيِّ سلَّمنا عليه، فلم يردَّ علينا، فقلنا: يا رسول الله، كنَّا نسلِّم عليك في الصَّلاة فتردَّ علينا. فقال: " إنَّ في الصَّلاة شُغْلاً ". لفظ مسلم O. * * * * * مسألة (171): إذا تكلَّم في الصَّلاة ناسيًا لم تبطل صلاتُه، وكذلك إذا تكلَّم مكرهًا أو جاهلاً بتحريم الكلام، وهو قول مالك والشَّافعيِّ. وقال أبو حنيفة: تبطل، وعن أحمد مثله. لنا: 902 - ما روى البخاريُّ قال: حدَّثني إسحاق ثنا ابن شميل أنا ابن عون عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال: صلَّى بنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إحدى صلاتي العَشِيِّ، فصلَّى بنا ركعتين، ثُمَّ سلَّم، فقام إلى خشبة معروضة في المسجد، فاتَّكأ عليها كأنَّه غضبان، ووضع يده اليمنى على اليسرى، وشبَّك بين أصابعه، ووضع خدَّه الأيمن على ظهر كفِّه اليسرى، وخرجت السَّرعان من
أبواب المسجد، فقالوا: قصرت الصَّلاة، وفي القوم أبو بكر وعمر، فهابا أن يكلِّماه، وفي القوم رجلٌ في يديه طولٌ، يقال له: ذو اليدين، فقال: يا رسول الله، نسيت أم قصرت الصَّلاة؟ فقال: " لم أنسَ ولم تقصر ". فقال: " أكما يقول ذو اليدين؟ " فقالوا: نعم. فتقدَّم فصلَّى ما ترك، ثمَّ سلَّم، ثمَّ كبَّر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثُمَّ رفع رأسه، ثُمَّ كبَّر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثُمَّ رفع رأسه وكبَّر. فربَّما سألوه: ثُمَّ سلَّم؟ فيقول (1): نبئت أنَّ عمران بن حصين قال: ثُمّ َسلَّم (2). أخرجاه في "الصَّحيحين" (3). 903 - وقال أحمد: ثنا إسماعيل أنا خالد الحذَّاء عن أبي قلابة عن أبي المهلَّب عن عمران بن حُصين أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سلَّم في ثلاث ركعات من العصر، ثُمَّ قام فدخل، فقام إليه رجلٌ يقال له: الخرباق، فكان في يديه طولٌ، فقال: يا رسول الله. فخرج إليه، فذكر له صنيعه، فجاء فقال: " أصدق هذا؟ " قالوا: نعم. فصلَّى الرَّكعة التي ترك، ثُمَّ سلَّم، ثُمَّ سجد سجدتين، ثُمَّ سلَّم (4). انفرد بإخراجه مسلم (5). ووجه دليلنا: أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تكلَّم معتقدًا أن صلاته قد تمَّت، وأنَّه ليس في الصَّلاة، وكذلك ذو اليدين تكلَّم معتقدًا أنَّها قد تمَّت لإمكان النَّسخ.
اعترض الخصم على حديث أبي هريرة بشيئين: أحدهما: الطعن فيه، وذلك من وجهين: أحدهما: أن راويه أبو هريرة، وإنما أسلم في سنة سبع، وذو اليدين قتل يوم بدر، وكيف يحكي أبو هريرة حالة ما شاهدها؟ والثاني: أن ألفاظه تختلف، وذلك يدل على وهائه، فتارةً يروي: (فسلم من ركعتين)، وتارةً: (من ثلاث). والثاني: أن هذا كان حين [كان] (1) الكلام مباحاً في الصَّلاة، ولهذا تكلم أبو بكر وعمر والناس عامدين. قلنا: أما الطعن فلا وجه له، لاتفاق الأئمة على صحته، واسم ذي اليدين: الخرباق، كما ذكرنا في حديث عمران، وعاش بعد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنما المقتول يوم بدر: ذو الشمالين، واسمه عمير، وإنما وقع اعتراضهم على رواية الزهري لهذا الحديث، فإنه قال في روايته: فقام ذو الشمالين. قال أبو داود السجستاني: وهم الزهري في هذا الحديث، فرواه عن ذي الشمالين، ظنًّا منه أن ذا الشمالين وذا اليدين واحد. وأما اختلاف ألفاظه، فجوابه من ثلاثة أوجه: أحدها: أن لفظ حديث أبي هريرة لم يختلف، وإنما يروي الثلاث عمران، وهو من أفراد مسلم، وحديث أبي هريرة أصح. والثاني: أن الشك في العدد لا يضر مع حفظ أصل الحديث، وثبوت الكلام ناسيًا. والثالث: أنه يحتمل أن يكون من الرواة.
وأما تحريم الكلام: فقال أبو حاتم بن حِبَّان الحافظ: إنما كان بمكة، فلما بلغ المسلمين بالمدينة سكتوا، فقال زيد بن أرقم - وهو من أهل المدينة - يحكي الحال: كنا نتكلم في الصَّلاة حتى نزلت: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] فأمرنا بالسكوت (1). وقال أبو سليمان الخطََّّابيُّ: نسخ الكلام بعد الهجرة بمدَّةٍ يسيرة (2). وعلى القولين قد كان ذاك قبل إسلام أبي هريرة بسنين. وأمَّا كلام أبي بكر وعمر والنَّاس: فقد ذكر الخطََّابيُّ فيه وجهين: أحدهما: أنَّ في رواية حمَّاد بن زيد عن أيُّوب أنَّهم أومؤا - أي نعم -، فدلَّ ذلك على أنَّ رواية من روى أنَّهم قالوا: (نعم) تجوز، كما يقول الرَّجل: قلت بيدي وبرأسي، وكقول الشَّاعر: فقالت له العينان سمعاً وطاعةً. . . . . . . . . . . والثَّاني: أن يكونوا قالوا بألسنتهم، ولا يضر ذلك، لأنَّه لم ينسخ من الكلام ما كان جواباً لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لقوله تعالى: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 24] (3). 904 - وفي أفراد البخاريِّ من حديث أبي سعيد بن المعلَّى قال: كنت أصلِّي في المسجد، فدعاني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم أجبه، ثُمَّ أتيته فقلت: يا رسول الله، إني كنت أصلِّي. فقال: " ألم يقل الله: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا
دَعَاكُمْ} [الأنفال: 24] " (1). وإذا ثبت أنَّ جواب الرَّسول واجبٌ، لم تبطل. ز: روى حديث ذي اليدين: ابن عمر أيضًا: 05 - 9 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أبو صالح الأصبهانيُّ عبد الرَّحمن بن سعيد ابن هارون وآخرون قالوا: ثنا أحمد بن سنان القطَّان ثنا أبو أسامة عن عبيد الله ابن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: صلَّى النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعني صلاةً -، فسهى فيها، فسلَّم في الرَّكعتين، فقال له رجلٌ يقال له ذو اليدين: يا رسول الله، أقصرت الصَّلاة أو نسيت؟ فقال: " ما قصرت الصَّلاة، وما نسيت ". فقال: إنَّك صلَّيت ركعتين. قال: " أكما يقول ذو اليدين؟ " قالوا: نعم. فتقدَّم فصلَّى ركعتين، ثُمَّ سلَّم، ثُمَّ سجد سجدتي السَّهو. قال الدَّارَقُطْنِيُّ: هذا حديثٌ غريبٌ من حديث عبيد الله عن نافع، تفرَّد به أبو أسامة حمَّاد بن [أسامة] (2) عنه، ولا نعلم حدَّث به عنه غير أحمد ابن سنان القطَّان، وهو من الثِّقات الأثبات (3). ورواه أبو بكر بن خزيمة في "صحيحه" عن أبي كريب الهمدانيِّ وبشر بن خالد العسكريِّ عن أبي أسامة (4). ورواه أبو داود (5) وابن ماجه (6) جميعًا عن أبي كريب بنحوه.
ورواه أبو داود أيضًا عن أحمد بن محمد بن ثابت عن أبي أسامة. ورواه ابن ماجه أيضًا عن أحمد بن سنان. فالعجب من الإمام الحافظ الدَّارَقُطْنِيُّ مع كثرة حديثه ومعرفته بالحديث، قال: (لا نعلم حدَّث به عن أبي أسامة غير أحمد بن سنان) وقد رواه عنه أبو كريب وأبو همَّام وبشر بن خالد العسكريُّ وغيرهم. وقال أبو بكر الأثرم: قلت لأبي عبد الله: حديث السَّهو - حديث ابن عمر - يرويه أحدٌ غير أبي أسامة؟ فقال: أبو أسامة وحده. وكأنَّه ضعَّفه. قال أبو عبد الله: زعموا أن يحيى بن سعيد قال: إنما هو عبيد الله عن نافع مرسل O. احتجُّوا بحديثين: 906 - الحديث الأوَّل: رواه أحمد: ثنا إسماعيل بن إبراهيم قال: حدَّثني الحجَّاج بن أبي عثمان قال: حدَّثني يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم قال: بينا نحن نصلِّي مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله، فرَمَاني القوم بأبصارهم، فقلت: وا ثُكلَ أُمَّياه، ما شأنكم تنظرون إليَّ؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلمَّا رأيتهم يُصَمِّتوني، لكنِّي سكتُّ، فلمَّا صلَّى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبأبي هو وأمِّي، ما رأيت معلِّما قبله ولا بعده أحسنَ تعليماً منه، والله ما كَهَرَنِي ولا شَتَمَني ولا ضَرَبَنِي، قال: " إنَّ هذه الصَّلاة لا يصلح فيها شيءٌ من كلام النَّاس هذا، إنَّما هي التَّسبيح والتَّكبير وقراءة القرآن " (1).
مسألة (172): إذا سبقه الحدث في الصلاة توضأ وابتدأ.
انفرد بإخراجه مسلمٌ (1). وجوابه: أنَّه حجَّة عليهم من جهة أنَّه لم يأمره بالإعادة، وإنَّما علَّمه أحكام الصَّلاة، ولا فرق بالاتفاق بين من تكلَّم جاهلاً بحظر الكلام، ومن تكلَّم ناسيًا، وإنَّما قال له: " لا يصلح " لأنَّه محظورٌ في الصَّلاة. الحديث الثَّاني: حديث جابر عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " الكلام ينقض الصَّلاة، ولا ينقض الوضوء ". وقد ذكرناه بإسناده، والكلام عليه، في مسألة القهقهة (2). * * * * * مسألة (172): إذا سبقه الحدث في الصَّلاة توضَّأ وابتدأ. وعنه: أنَّه يبني، كقول أبي حنيفة. وعنه: إن كان من السَّبيلين ابتدأ، وإن كان من غيرهما بنى. وعن الشَّافعيِّ كالروايتين الأوليين. 907 - قال أبو داود: ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا جرير بن عبد الحميد عن عاصم الأحول عن عيسى بن حِطَّان عن مسلم بن سلاَّم عن عليِّ بن طَلْق قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا فَسَا أحدكم في الصَّلاة فلينصرف، فليتوضَّأ،
مسألة (173): إذا سبق الإمام الحدث جاز له الاستخلاف على الرواية
وليعد صلاته " (1). ز: ورواه الإمام أحمد (2) والتِّرمذيُّ (3) والنَّسائيُّ (4) O. احتجُّوا: بحديث أبي سعيد وعائشة: " إذا قاء أحدكم في صلاته فلينصرف فليتوضأ، ثُمَّ ليبن على مامضى من صلاته ". وقد ذكرنا إسنادهما في نواقض الوضوء، وتكلَّمنا عليهما (5). * * * * * مسألة (173): إذا سبق الإمام الحدث جاز له الاستخلاف على الرِّواية التي تقول: إنَّ صلاة المأموم لا تبطل بحدثه (6). وقال الشَّافعيُّ في القديم: لا يجوز الاستخلاف، وعن أحمد نحوه (7).
مسألة (174): إذا تعمد المأموم سبق الإمام بركن بطلت صلاته.
لنا: أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج وأبو بكر يصلِّي، فصلَّى بالنَّاس تمام صلاة أبي بكر. 908 - قال أحمد: ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: وجد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من نفسه خِفَّة، فجاء حتى جلس عن يسار أبي بكر، فكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلِّي بالنَّاس قاعدًا، وأبو بكر قائمًا، يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والنَّاس يقتدون بصلاة أبي بكر (1). أخرجاه في "الصَّحيحين" (2). * * * * * مسألة (174): إذا تعمَّد المأموم سبق الإمام بركن بطلت صلاته. وقال الشَّافعيُّ: لا تبطل. لنا: 909 - ما روى أحمد: ثنا عبد الرَّزَّاق ثنا معمر عن الزُّهري عن أنس
قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنَّما جعل الإمام ليؤتمَّ به، فإذا كبَّر فكبِّروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا " (1). أخرجاه في "الصَّحيحين" (2). ز: 910 - وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحوِّل الله رأسه رأس حمار، أو يجعل صورته صورة حمار ". أخرجاه في "الصَّحيحين" (3). قال الإمام أحمد: لو كان لمن سبق الإمام صلاةً لرجي له الثَّواب ولم يخش عليه العقاب. 911 - وعن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أيُّها النَّاس، إنِّي إِمامُكم، فلا تسبقوني بالرُّكوع، ولا بالسُّجود، ولا بالقيام، ولا بالقعود، ولا بالانصراف ". رواه أحمد (4) ومسلم (5) O. * * * * *
مسألة (175): يقطع الصلاة الكلب الأسود البهيم، وفي المرأة
مسألة (175): يقطع الصَّلاة الكلب الأسود البهيم، وفي المرأة والحمار روايتان. وحكى التِّرمذيُّ قال: قال أحمد: الذي لا أشك فيه أن الكلب الأسود يقطع الصَّلاة، وفي نفسي من الحمار والمرأة شيءٌ (1). وقال أكثر الفقهاء: لا يقطع شيءٌ من ذلك. 912 - قال الإمام أحمد: ثنا عفان ثنا شعبة قال: أخبرني حميد بن هلال أنَّه سمع عبد الله بن الصَّامت عن أبي ذرٍّ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يقطع صلاة الرَّجل إذا لم يكن بين يديه كآخرة الرحل: المرأة، والحمار، والكلب الأسود ". قلت: فما بال الأسود من الأحمر؟ قال: ابن أخي، سألتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما سألتني، فقال: " الكلب الأسود شيطانٌ " (2). 913 - قال أحمد: وثنا معاذ بن هشام ثنا أبي عن قتادة عن زرارة (3) بن أبي أوفى عن سعد (4) بن هشام عن أبي هريرة أنَّ نبيَّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يقطع الصَّلاة: المرأة، والكلب، والحمار " (5). انفرد بإخراج الحديثين مسلمٌ. 914 - قال أحمد: وثنا عبد الأعلى ثنا سعيد عن قتادة عن الحسن عن
عبد الله بن مُغفَّل عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يقطع الصَّلاة: المرأة، والكلب، والحمار " (1). ز: عبد الله بن الصَّامت هو: ابن أخي أبي ذرٍّ الغفاريُّ البصريُّ، استشهد به البخاريُّ في "صحيحه"، واحتجَّ به مسلمٌ (2)، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه (3). وقال النَّسائيُّ: ثقةٌ (4). وذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثِّقات" (5). وقال البيهقيُّ: وأعرض محمد بن إسماعيل البخاريُّ عن الاحتجاج برواية عبد الله بن الصَّامت، واحتجَّ بها غيره من الحفَّاظ، وقد أشار الشَّافعيُّ إلى تضعيف الحديث في هذا الباب، وخلافه ما هو أثبت منه، فإمَّا أن يكون غير محفوظ، أو يكون المراد به أنَّه يلهو ببعض ما يمرُّ بين يديه فيقطعه عن الاشتغال بها، لا أنَّه يفسد الصَّلاة (6). وقد سُئل الدَّارَقُطْنِيُّ عن حديث سعد بن هشام عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يقطع الصَّلاة: المرأة، والكلب، والحمار "، فقال: يرويه قتادة واختلف عنه: فرواه هشام الدَّستوائيُّ، واختلف عن هشام: فرواه معاذ بن هشام ومحمد بن أبي عدي عن هشام عن قتادة عن زرارة
ابن أبي أوفى (1) عن سعد بن هشام عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقال يحيى القطان: عن هشام عن قتادة عن زرارة بن أوفى (2) عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وخالفه عبد الرَّحمن بن مهديٍّ وابن عليَّة ومسلم بن إبراهيم، رووه عن هشام عن قتادة عن زرارة عن أبي هريرة موقوفًا، ولم يذكروا فيه سعد بن هشام. وكذلك رواه معاذ بن معاذ وابن أبي عدي عن ابن أبي عروبة عن قتادة عن زرارة عن أبي هريرة موقوفًا. ورواه ابن عُليَّة عن سعيد فخالفهم، فقال: عن قتادة عن زرارة عن سعد ابن هشام عن أبي هريرة، وقال فيه: أحسِبه ذكره عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ورواه عبد الرَّحمن بن مهديٍّ عن همَّام (3) عن قتادة عن زرارة عن سعد ابن هشام عن أبي هريرة موقوفًا. ورواه الحكم بن عبد الملك عن قتادة فقال: عن الحسن [عن أبي هريرة ورفعه. ورواه ابن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن] (4) عن عبد الله بن مغفَّل عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وتابعه الخليل بن مُرَّة عن قتادة. ورواه شعبة عن قتادة عن عروة عن عائشة موقوفًا. ورواه حوشب عن الحسن عن الحكم بن عمرو الغفاريِّ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. والصَّحيح حديث قتادة عن زرارة عن سعد عن أبي هريرة، وحديث
قتادة عن الحسن عن عبد الله بن مغفَّل. انتهى كلامه (1). وحديث عبد الله بن مغفَّل: رواه ابن ماجه أيضًا عن جميل بن الحسن العَتَكيِّ عن عبد الأعلى بن عبد الأعلى (2)، وإسناده صحيحٌ. 915 - وروى أبو يعلى الموصليُّ: ثنا زهير ثنا يحيى - هو ابن سعيد - عن شعبة ثنا قتادة قال: سمعت جابر بن زيد يحدِّث عن ابن عباس - قال يحيى: لم يرفعه غير شعبة - قال: " يقطع الصَّلاة: المرأة الحائض، والكلب " (3). ورواه أبو داود وقال: وقفه سعيد وهشام وهمَّام عن قتادة على ابن عباس (4). ورواه النَّسائيُّ (5) وابن ماجه (6) وأبو حاتم البستيُّ (7) والطَّبرانيُّ (8). 916 - وروى المحامليُّ: ثنا محمد بن موسى البصريُّ ثنا محمد بن عبد الله الأنصاريُّ ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس مرفوعًا: " يقطع الصَّلاة: الكلب، والحمار، والمرأة " (9). يحتمل أن يكون شيخ المَحامليِّ: محمد بن يونس بن موسى الكديميُّ،
وهو ضعيفٌ. 917 - وقال الحافظ أبو بكر الخطيب: حدَّثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن محمد بن إبراهيم الأُشْنَانِيُّ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ثنا أبو حمزة الأنصاريُّ ثنا أبو زيد سعيد بن الرَّبيع الهرويُّ ثنا شعبة عن عبيد الله بن أبي بكر سمع أنسًا عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يقطع الصَّلاة: الحمار، والمرأة، والكلب " (1). أبو حمزة الأنصاريُّ هو: أنس بن خالد O. فإن قال قائلٌ: الحديث واحدٌ في حقِّ المرأة والحمار والكلب، فما وجه ما حكيتم عن أحمد أنَّه قال: (الذي لا أشكُّ فيه الكلب الأسود، وفي قلبي من المرأة والحمار شيءٌ)؟ قلنا: لأنَّه قد صحَّ في الحديث: 918 - عن عائشة أنَّها قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلِّي وأنا معترضةٌ بين [يديه] (2) كاعتراض الجنازة. 919 - وصحَّ عن ابن عباس أنَّه قال: أتيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يصلِّي، فنزلت عن الحمار وتركته أمام الصفِّ، فما بالاه. فهذا فهمٌ عجيب من أحمد حين رأى هذا مرويًّا في الحمار والمرأة ولم يجد شيئًا في الكلب الأسود (3). احتجُّوا بخمسة أحاديث:
920 - الحديث الأوَّل: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا الحسين بن إسماعيل ثنا إسحاق بن بهلول ثنا يحيى بن المتوكِّل ثنا إبراهيم بن يزيد ثنا سالم بن عبد الله عن أبيه أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبا بكر وعمر قالوا: " لا يقطع صلاة المسلم شيءٌ، وادرأ ما استطعت " (1). 921 - الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمد بن إسماعيل الفارسيُّ ثنا أحمد بن عبد الوهَّاب ثنا أبي ثنا إسماعيل بن عيَّاش عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يقطع صلاة المرء امرأةٌ ولا كلبٌ ولا حمار، وادرأ ما بين يديك ما استطعت " (2). 922 - الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا إبراهيم بن حمَّاد ثنا أحمد ابن بديل ثنا أبو أسامة ثنا مُجالد عن أبي الودَّاك عن أبي سعيد عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يقطع الصَّلاة شيءٌ " (3). 923 - الحديث الرَّابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا أحمد بن الحسين ثنا أيُّوب ابن سليمان ثنا أبو اليمان ثنا [عفير] (4) بن معدان عن سُليم بن عامر عن أبي أمامة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يقطع الصَّلاة شيءٌ " (5). 924 - الحديث الخامس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا الحسين بن الحسين (6)
الأنطاكيُّ ثنا إبراهيم بن منقذ الخولانيُّ ثنا إدريس بن يحيى الخولانيُّ عن بكر بن مضر عن صخر بن عبد الله بن حرملة أنَّه سمع عمر بن عبد العزيز يحدِّث عن أنس عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يقطع الصَّلاة شيءٌ " (1). والجواب: أنَّ هذه الأحاديث كلَّها ضعاف: أما الأوَّل: ففيه إبراهيم بن يزيد الخُوزيُّ، قال أحمد بن حنبل (2) والنَّسائيُّ (3): هو متروكٌ. وقال يحيى: ليس بشيءٍ (4). وأمَّا الثَّاني: ففيه ابن أبي فَروة، قال أحمد: لا تحلُّ عندي الرِّواية عنه (5). وقال يحيى: كذَّابٌ (6). وقال الفلاَّس (7) والدَّارَقُطْنِيُّ (8): متروك الحديث. وأمَّا الثَّالث: ففيه مُجالد، وقد ضعَّفه يحيى (9) والنَّسائيُّ (10) والدَّارَقُطْنِيُّ (11). وقال أحمد: ليس بشيءٍ (12). وقال ابن حِبَّان: لا يجوز
الاحتجاج به (1). وأمَّا الرَّابع: ففيه عفير، قال أحمد: ضعيفٌ، منكر الحديث (2). وقال يحيى: ليس بثقةٍ (3). وقال أبو حاتم الرَّازيُّ: ليس بشيءٍ (4). وأمَّا الخامس: ففيه صخر بن عبد الله، قال ابن عَدِيٍّ: يحدِّث عن الثِّقات بالأباطيل، عامة ما يرويه منكرٌ أو من موضوعاته (5). وقال ابن حِبَّان: لا تحلُّ الرِّواية عنه (6). ز: حديث أبي سعيد: رواه أبو داود عن محمد بن العلاء عن أبي أسامة، ثُمَّ قال: 925 - ثنا مسدَّد ثنا عبد الواحد بن زياد ثنا مُجالد ثنا أبو الودَّاك قال: مرَّ شابٌّ من قريش بين يدي أبي سعيد الخدريِّ رضي الله عنه وهو يصلِّي، فدفعه، ثُمَّ عاد، فدفعه - ثلاثَ مرَّات -، فلمَّا انصرف قال: إنَّ الصَّلاة لا يقطعها شيءٌ، ولكن قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ادرؤوا ما استطعتم، فإنَّه شيطانٌ " (7). وصخر بن عبد الله بن حرملة - الرَّاوي عن عمر بن عبد العزيز -: لم يتكلَّم فيه ابن عَدِيٍّ ولا ابن حِبَّان، بل ذكره ابن حِبَّان في "الثِّقات" (8)،
وقال النَّسائيُّ: هو صالحٌ (1). وإنَّما ضعَّف ابن عَدِيٍّ: صخر بن عبد الله الكوفيَّ، المعروف بـ (الحاجبيِّ) (2)، وهو متأخر عن ابن حرملة، روى عن مالك والليث وغيرهما. وعلى تقدير ثبوت قول النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يقطع الصَّلاة شيءٌ " لا يعارض به حديث أبي ذرٍّ وأبي هريرة وابن المغفَّل، لأنها خاصةٌ، فيجب تقديمها على العام O. * * * * *
مسألة (176): سجود التلاوة سنة.
مسائل سجود التِّلاوة مسألة (176): سجود التِّلاوة سُنَّةٌ. وقال أبو حنيفة: واجبٌ. 926 - قال الإمام أحمد: ثنا يحيى بن سعيد عن ابن أبي ذئب (1) عن يزيد بن عبد الله بن قُسيط عن عطاء عن زيد بن ثابت قال: قرأت على النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " النَّجم " فلم يسجد (2). أخرجاه في "الصَّحيحين" (3). وقد تأوَّله بعضهم فقال: إنَّما لم يسجد رسول الله لأنَّ زيدًا لم يسجد. فيقال له: لو كانت السَّجدة واجبةٌ لأمره بها. ز: 927 - وعن ربيعة بن عبد الله بن الهُدَير التَّيميِّ - قال أبو بكر (هو ابن أبي مليكة): وكان ربيعة من خيار النَّاس - عمَّا (4) حضر ربيعة من عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه، قرأ يوم الجمعة على المنبر بسورة " النَّحل " حتى
مسألة (177): في الحج سجدتان.
إذا جاء السَّجدة نزل فسجد وسجد النَّاس، حتَّى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها حتى إذا جاء السَّجدة قال: يا أيُّها النَّاس، إنَّما نمرُّ بالسُّجود فمن سجد فقد أصاب، ومن لم يسجد فلا إثم عليه. ولم يسجد عمر. وزاد نافع عن ابن عمر: إنَّ الله جلَّ وعزَّ لم يفرض السُّجود إلا أن نشاء. رواه بالزِّيادة البخاريُّ (1) O. * * * * * مسألة (177): في الحجِّ سجدتان. وقال أبو حنيفة ومالك: ليس فيها إلا الأولى. 928 - قال أحمد: ثنا أبو سعيد - مولى بني هاشم - ثنا ابن لهيعة عن مِشْرَح ابن هَاعَان عن عقبة بن عامر قال: قلت: يا رسول الله، أفضِّلت سورة " الحجِّ " بأنَّ فيها سجدتين؟ قال: " نعم، ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما " (2). فإن قالوا: ابن لهيعة ضعيفٌ. قلنا: قال ابن وهب: هو صادقٌ (3).
ز: ورواه أبو داود (1) والتِّرمذيُّ وقال: ليس إسناده بالقويِّ (2). ولفظ أبي داود: قلت لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: في سورة " الحجِّ " سجدتان؟ [قال: " نعم] (3)، ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما ". 929 - وعن عمرو بن العاص أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقرأه خمسَ عشرة سجدةً في القرآن، منها ثلاثٌ في المفصَّل، وفي " الحجِّ " سجدتين. رواه ابن ماجه (4) وأبو داود، وعنده: وفي سورة " الحجِّ " سجدتين (5). وسيأتي بإسناده (6). 930 - وعن أبي عبد الرَّحمن السُّلميِّ عن عليٍّ عليه السَّلام (7) أنَّه كان يسجد في " الحجِّ " سجدتين. 931 - وعن ابن عمر أنَّ عمر بن الخطَّاب سجد في " الحجِّ " سجدتين، وقال: إنَّ هذه السُّورة فضِّلت على سائر القرآن بسجدتين. رواهما سعيد بن منصور. 932 - وعن عبد الله بن ثعلبة قال: رأيتُ عمر سجد في " الحجِّ " سجدتين. قلت: في الصُّبح؟ قال: في الصُّبح.
مسألة (178) سجدة " ص ": سجدة شكر.
رواه الدَّارَقُطْنِيُّ (1). 933 - وعن نافع قال: كان ابن عمر يسجد فيها سجدتين. رواه البيهقيُّ. قال: وروي عن عليٍّ وعبد الله بن مسعود وعمَّار وأبي موسى وأبي الدَّرداء أنَّهما كانوا يسجدون في " الحجِّ " سجدتين. 934 - وروى عن ابن عباس قال: في سورة " الحجِّ " سجدتان (2) O. * * * * * مسألة (178) سجدة " ص ": سجدةُ شكرٍ. وعنه: أنَّها من سجود التَّلاوة، وهو قول أبي حنيفة ومالك. 935 - وقال التِّرمذيُّ: ثنا ابن أبي عمر ثنا سفيان عن أيُّوب عن عكرمة عن ابن عباس قال: رأيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسجد في " ص ". قال ابن عباس: وليست من عزائم السُّجود. قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (3). 936 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا محمد بن عبد الله
ابن عبد الحكم ثنا أبي وشعيب بن الليث قالا: ثنا الليث ثنا خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سَرْح عن أبي سعيد الخدريِّ أنَّه قال: خطبنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومًا، فقرأ " ص "، فلمَّا مرَّ بالسُّجود، نزل فسجد وسجدنا معه، وقرأها مرَّة أخرى، فلما بلغ السَّجدة تشزَّنا (1) للسجود، فلما رآنا قال: " إنَّما هي توبةُ نبيٍّ، ولكنِّي أراكم قد استعددتم للسُّجود ". فنزل فسجد وسجدنا (2). ز: حديث ابن عباس: رواه البخاريُّ في "صحيحه" (3). وحديث أبي سعيد: رواه أبو داود عن أحمد بن صالح عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن ابن أبي هلال بنحوه (4). ورواه أبو حاتم البستيُّ عن ابن سلم عن حرملة عن ابن وهب (5)، ورواه البيهقيُّ عن الحاكم عن أبي العباس محمد بن يعقوب عن [بحر] (6) بن نصر عن ابن وهب، وقال: هذا حديثٌ حسن الإسناد صحيحٌ (7).
937 - وعن مجاهد أنَّه سأل ابن عباس: أفي " ص " سجدة؟ قال: نعم. ثُمَّ تلا: {وَوَهَبْنَا لَهُ ...} إلى قوله: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 84 - 90] ثُمَّ قال: هو منهم. زاد يزيد بن هارون [و] (1) محمد بن عبيد وسهل بن يوسف عن العوَّام عن مجاهد: قلت لابن عباس .... : فقال: نبيُّكم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ممَّن أُمر أن يقتدي بهم O. احتجُّوا: 938 - بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث ثنا محمد بن آدم ثنا حفص بن غياث عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سجد في " ص " (2). 939 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا محمد بن نوح الجُنْدَيْسَابوريُّ ثنا جعفر بن محمد بن حبيب ثنا عبد الله بن رُشَيْد ثنا عبد الله بن بزيع عن عمر بن ذرٍّ عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " سجد بها نبيُّ الله داود، وسجدناها شكرًا " يعني صاد (3). والجواب: أما الحديث الأوَّل: فقد ذكرنا أنَّه سجد، وبيَّن في حديثنا أنَّها ليست من سجود التِّلاوة.
وأمَّا الحديث الثَّاني: ففيه ابن بزيع، قال ابن عَدِيٍّ: ليس ممَّن يحتجُّ به (1). ز: حديث أبي هريرة: قال ابن أبي داود: لم يروه إلا حفص (2). وقال الدَّارَقُطْنِيُّ في كتاب "العلل": انفرد حفص بن غياث بذلك، وخالفه إسماعيل بن جعفر وغيره عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سجد في " إذا السَّماء انشقت "، وهو الصَّواب (3). وحديث ابن عباس: لم ينفرد به ابن بزيع عن عمر بن ذرٍّ، فقد رواه النَّسائيُّ عن إبراهيم بن الحسن المقْسَميِّ عن حجَّاج بن محمد عن عمر (4). ورواه الدَّارَقُطْنِيُّ من وجه آخر عن عمر (5). 940 - وعن أبي سعيد الخدريِّ قال: رأيت رؤيا: وأنا أكتب سورة " ص "، فلمَّا بلغت السَّجدة رأيت الدَّواة والقلم وكلُّ شيءٍ يحضرني انقلب ساجدًا! قال: فقصصتها على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم يزل يسجد بها. رواه الإمام أحمد من رواية بكر بن عبد الله المزنيِّ عن أبي سعيد (6). وسئل عنه الدَّارَقُطْنِيُّ فقال: يرويه حميد الطََّويل وعاصم الأحول ومحمد ابن جحادة عن بكر، واختلفوا فيه: فرواه حميد الطَّويل واختلف عنه:
مسألة (179): في المفصل ثلاث سجدات.
قال هُشيم: عن حميد عن بكر عن أبي سعيد، وقال مسدَّد: عن هُشيم عن حميد عن بكر عن رجل عن أبي سعيد. وأرسله ابن أبي عَدِيٍّ وحمَّاد بن سلمة عن حميد عن بكر أنَّ أبا سعيد رأى فيما يرى النَّائم. وقال ابن جحادة: عن بكر أنَّ أبا موسى الأشعريَّ أتى النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقال عاصم: عن بكر أنَّ رجلاً أتى النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يسمِّه. وقول مسدَّد عن هُشيم أشبهها بالصَّواب (1) O. * * * * * مسألة (179): في المفصَّل ثلاث سجدات. وقال مالك في رواية: لا سجود في المفصَّل. 941 - قال الإمام أحمد: ثنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن أبي بكر الأنصاريِّ عن عمر بن عبد العزيز عن أبي بكر المخزوميِّ (2) عن أبي هريرة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سجد في " إذا السَّماء انشقَّت " و" اقرأ " (3). انفرد بإخراجه مسلمٌ من هذه الطََّريق (4)، وقد أخرجاه من طريق آخر
ليس فيها: (" اقرأ ") (1). ز: لم أر هذه الطَّريق في "صحيح مسلم". وأبو بكر الأنصاريُّ هو: أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم. وأبو بكر المخزوميُّ هو: أبو بكر بن عبد الرَّحمن بن الحارث بن هشام. وقد روى هذا الحديث التِّرمذيُّ (2) والنَّسائيُّ (3) وابن ماجه (4) من رواية سفيان بن عيينة أيضًا. وقال الذُّهليُّ: لا أعلم روى هذا الحديث عن يحيى بن سعيد غير ابن عيينة، وهو عندي وهمٌ، إنَّما روى النَّاس عن يحيى في هذا الإسناد حديث الإفلاس (5). وقد سئل الدَّارَقُطْنِيُّ عن حديث أبي بكر بن عبد الرَّحمن بن الحارث بن هشام عن أبي هريرة: سجدنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في " إذا السَّماء انشقَّت " و" اقرأ باسم ربك ". فقال: يرويه عمر بن عبد العزيز واختلف عنه:
فرواه ابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن أبي بكر بن محمد بن [عمرو] (1) ابن حزم عن عمر بن عبد العزيز عن أبي بكر بن عبد الرَّحمن عن أبي هريرة. وكذلك روي عن الثَّوريِّ - وهو غريبٌ عنه -، قاله أحمد بن عبيد عن أبي أحمد الزُّبيريِّ عنه. وكذلك روي عن مالك عن يحيى، قاله أبو يحيى بن أبي ميسرة عن محمد ابن حرب عن مالك. ورواه محمد بن قيس القاص عن عمر بن عبد العزيز عن أبي سلمة بن عبد الرَّحمن عن أبي هريرة: 942 - حدَّثنا محمد بن عبد الله بن الحسين العلاَّف - ولم نكتبه إلا عنه - ثنا أحمد بن عبيد بن ناصح ثنا أبو أحمد الزُّبيريُّ ثنا سفيان الثَّوريُّ ثنا يحيى بن سعيد عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمر بن عبد العزيز عن أبي بكر بن عبد الرَّحمن بن الحارث بن هشام عن أبي هريرة قال: سجدنا مع النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في " إذا السَّماء انشقَّت " و" اقرأ باسم ربك ". [قال] (2) أبو أحمد: قلت لسفيان: و" اقرأ باسم ربك "؟ قال: نعم (3) O. 943 - وقال التِّرمذيُّ: ثنا قتيبة ثنا سفيان بن عيينة عن أيُّوب بن موسى عن عطاء بن مينَاء عن أبي هريرة قال: سجدنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في " اقرأ باسم ربك " و" إذا السَّماء انشقَّت " (4).
944 - قال التِّرمذيُّ: وثنا هارون بن عبد الله البزَّاز ثنا عبد الصَّمد بن عبد الوارث ثنا أبي عن أيُّوب عن عكرمة عن ابن عباس قال: سجد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها - يعني: " النَّجم " - والمسلمون والمشركون (1). قال التِّرمذيُّ: الحديثان صحيحان (2). قال المؤلِّف: قلت: وقد انفرد بهذا الحديث البخاريُّ (3). ز: حديث عطاء بن ميناء عن أبي هريرة: رواه مسلمٌ في "صحيحه" عن أبي بكر بن أبي شيبة وعمرو النَّاقد عن ابن عيينة عن أيُّوب بن موسى (4). ورواه الثَّوريُّ وابن جريج أيضًا عن أيُّوب بن موسى، واختلف عن الثوريِّ: فقيل: عن وكيع عن الثَّوريِّ عن أيُّوب بن موسى عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة. قال الدَّارَقُطْنِيُّ: هذا وهمٌ، والصَّحيح: عطاء [بن] (5) ميناء: 945 - حدَّثنا عليُّ بن عبد الله بن مبشِّر ثنا أحمد بن سنان (ح) وثنا أحمد ابن العباس البغويُّ ثنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطََّان، قالا: ثنا عبد الرَّحمن بن مهديٍّ ثنا سفيان عن أيُّوب بن موسى عن عطاء بن ميناء عن أبي هريرة: سجدنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في " إذا السَّماء انشقَّت " و" اقرأ باسم ربك الذي خلق " (6).
946 - وقال مسلمٌ: وثنا محمد بن رمح أنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن صفوان بن سُليم عن عبد الرَّحمن (1) الأعرج - مولى بني مخزوم - عن أبي هريرة أنَّه قال: سجد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في " إذا السَّماء انشقَّت " و" اقرأ باسم ربك " (2). 947 - وعن أبي رافع قال: صلَّيت مع أبي هريرة العتمة، فقرأ: " إذا السَّماء انشقَّت "، فسجد فيها. فقلت: ما هذه؟ قال: سجدت بها خلف أبي القاسم، فلا أزال أسجد فيها حتى ألقاه. رواه البخاريُّ (3) ومسلمٌ، وعنده: ما هذه السَّجدة (4)؟ 948 - وعن عبد الله - هو ابن مسعود - عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قرأ " والنَّجم " بمكَّة، فسجد فيها وسجد من كان معه، غير أنَّ شيخًا أخذ كفًّا من حصى وتراب، فرفعه إلى جبهته، وقال: يكفيني هذا. قال عبد الله: لقد رأيته بعدُ قتل كافرًا. رواه البخاريُّ (5) ومسلمٌ وهذا لفظه، غير أنَّه لم يقل: (بمكَّة) (6)، وهو في البخاريِّ وفيه: وسجد من معه. 949 - وعن المطََّّلب بن أبي وداعة قال: رأيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سجد في " النَّجم " وسجد النَّاس معه. قال المطََّلب: ولم أسجد معهم - وهو يومئذٍ
مشركٌ -. قال المطَّلب: ولا أدع السُّجود فيه أبدًا. رواه الإمام أحمد (1) والنَّسائيُّ (2) O. 950 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا [محمد بن أحمد] (3) بن عمرو ثنا أحمد بن محمد بن رشدين ثنا ابن أبي مريم ثنا نافع [بن] (4) يزيد عن الحارث بن سعيد عن عبد الله بن مُنْين عن عمرو بن العاص أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن، منها ثلاث في المفصَّل، وفي سورة " الحجِّ " سجدتين (5). وهذ الحديث لا يعتمد عليه، قال ابن عَدِيٍّ: ابن رشدين كذَّبوه، وأنكرت عليه أشياء (6). وقال يحيى: ابن أبي مريم ليس بشيءٍ (7). ز: ابن أبي مريم الذي تكلَّم فيه يحيى هو أبو بكر، وأمَّا راوي هذا الحديث فهو سعيد بن أبي مريم، وقد احتجَّ به البخاريُّ (8) ومسلمٌ (9) في " صحيحيهما "، ووثَّقه أبو حاتم الرَّازيُّ (10) والعجليُّ (11)، وقال أبو داود:
هو عندي حجَّةٌ (1). وقد حدَّث بهذا الحديث عنه غير أحمد بن محمد بن رشدين، فرواه أبو داود عن محمد بن عبد الرَّحيم بن البَرْقيِّ عنه عن نافع بن يزيد (2)، ورواه ابن ماجه عن محمد بن يحيى الذُّهليِّ عن ابن أبي مريم أيضًا (3). وإسناد الحديث لا بأس به، لكن عبد الله بن مُنين فيه جهالة، لم يرو عنه غير الحارث، وقال عبد الحقِّ في " الأحكام ": عبد الله بن مُنين لا يحتجُّ به (4) O. احتجُّوا: 951 - بما رواه أبو داود: ثنا محمد بن رافع ثنا أزهر بن القاسم ثنا أبو قدامة عن مَطَر الورَّاق عن عكرمة عن ابن عباس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يسجد في شيءٍ من المفصَّل منذ تحوَّل إلى المدينة (5). والجواب: أنَّ هذا لا يصحُّ، وأبو قدامة اسمه: الحارث بن عبيد، قال أحمد: هو مضطرب الحديث (6). وقال يحيى: ليس بشيءٍ، ولا يكتب حديثه (7).
ز: الحارث بن عبيد: روى له مسلمٌ في "صحيحه" (1)، وتكلَّم فيه أيضًا أبو حاتم الرَّازيُّ (2) والنَّسائيُّ (3) والأزديُّ وابن حِبَّان (4). وأزهر بن القاسم: وثَّقه الإمام أحمد بن حنبل (5) والنَّسائيُّ (6)، وقال [أبو حاتم] (7): شيخٌ يكتب حديثه ولا يحتجُّ به (8). وذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثِّقات" وقال: كان يخطئ (9). وقد رواه أبو داود الطَّيالسيُّ عن الحارث أبي قدامة عن مَطَر الورَّاق - أو رجل - عن عكرمة عن ابن عباس (10). ولو صحَّ هذا الحديث كان حديث ابن مسعود وأبي هريرة مقدَّمًا عليه، لأنَّه إثباتٌ، والإثبات مقدَّمٌ على النَّفي، وأبو هريرة إنَّما أسلم بعد الهجرة في السَّنة السَّابعة. ويمكن الجمع بين الأحاديث بحمل السُّجود على الاستحباب، وتركه السُّجود يدلُّ على عدم الوجوب، فلا تعارض إذًا. 952 - وروي عن أبي الدَّرداء قال: سجدت مع النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إحدى
مسألة (180) سجود الشكر عند تجدد النعم واندفاع النقم سنة.
عشرة سجدة، ليس فيها من المفصَّل شيءٌ. رواه ابن ماجه هكذا (1)، وقال أبو داود: إسناده واهٍ (2). 953 - وقال الإمام أحمد في "مسنده": حدَّثنا يحيى بن غيلان ثنا رشدين قال: حدَّثني عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال عن عمر الدِّمشقيِّ أنَّ مخبرًا عن أمِّ الدَّرداء عن أبي الدَّرداء أنَّه قال: سجدت مع النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إحدى عشرة سجدة، منهنَّ " النَّجم " (3). وهذا إسنادٌ ضعيفٌ O. * * * * * مسألة (180) سجود الشُّكر عند تجدُّد النِّعم واندفاع النِّقم سنَّةٌ. وقال أبو حنيفة ومالك: ليس بسنَّةٍ ويكره. لنا أربعة أحاديث: 954 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: ثنا أبو سعيد مولى بني هاشم ثنا سليمان بن بلال ثنا عمرو بن أبي عمرو عن عبد الواحد بن محمد بن عبد الرَّحمن بن عوف عن عبد الرَّحمن بن عوف قال: خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتوجَّه نحو صدقته، فدخل، فاستقبل القبلة، فخرَّ ساجدًا، فأطال السُّجود
حتى ظننت أنَّ الله عزَّ وجلَّ قبض نفسه فيها، فدنوت منه، ثُمَّ جلست، فرفع رأسه، فقال: " من هذا؟ " قلت: عبد الرَّحمن. قال: " ما شأنك؟ " قلت: يا رسول الله، سجدت سجدةً خشيت أن يكون الله عزَّ وجلَّ قد قبض نفسك فيها. فقال: " إنَّ جبريل أتاني فبشَّرني، فقال: إنَّ الله عزَّ وجلَّ يقول لك: من صلَّى عليك صليتُ عليه، ومن سلَّم عليك سلَّمت عليه. فسجدت لله عزَّ وجل شكرًا " (1). ز: 955 - ورواه أحمد بن عمرو بن أبي عاصم: ثنا الحَوْطيُّ عبد الوهَّاب بن نَجْدة ثنا عبد العزيز بن محمد عن عمرو بن أبي عمرو عن عبد الواحد - وهو ابن محمد بن عبد الرَّحمن بن عوف - عن أبيه عن جدِّه (2) قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سجد سجدةً فأطال، فرفع رأسه، فسألته عن ذلك، فقال: " إنَّ جبريل لقيني فقال: من صلَّى عليك صلَّى الله عليه، ومن سلَّم عليك سلَّم الله عليه - قال: أحسبه (عشرًا) قال: - فسجدت لله شكرًا " (3). سئل الدَّارَقُطْنِيُّ عن حديث عبد الواحد بن محمد بن عبد الرَّحمن بن عوف عن جدِّه عبد الرَّحمن أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أطال في سجوده ... الحديث، فقال: يرويه عمرو بن أبي عمرو عن عبد الواحد، واختلف عنه: فرواه سعيد ابن سلمة بن أبي الحسام والدَّرَاورَدِيُّ عن عمرو بن أبي عمرو عن عبد الواحد بن محمد عن عبد الرَّحمن بن عوف. وخالفهما سليمان بن بلال، فرواه عن عمرو بن أبي عمرو عن عاصم بن
عمر عن قتادة عن عبد الواحد، زاد في إسناده: عاصمًا. ورواه الحمانيُّ فجعله عن عبد الواحد عن أبيه عن عبد الرَّحمن بن عوف، وليس ذلك بمحفوظ. والصواب قول سعيد بن سلمة والدَّرَاوْرَدِيُّ. [وعند عمرو بن أبي عمرو] (1) فيه إسنادٌ آخر: يرويه الليث عن ابن الهاد عن عمرو عن عبد الرَّحمن أبي الحويرث عن محمد بن جبير عن عبد الرَّحمن ابن عوف. ورواه أبو الزُّبير المكيُّ، واختلف عنه: فرواه عمرو بن الحارث عن أبي الزُّبير عن سهيل بن عبد الرَّحمن عن عبد الرَّحمن بن عوف. وخالفه إسحاق بن أبي فروة، فرواه عن أبي الزُّبير عن حميد بن عبد الرَّحمن عن أبيه (2) O. 956 - الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا إسماعيل بن العباس الورَّاق ثنا عليُّ بن حرب ثنا أبو عاصم عن بكَّار بن عبد العزيز بن أبي بكرة عن أبيه عن أبي بكرة قال: كان النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أتاه الشيءُ يسرُّه خرَّ ساجدًا شكرًا لله عزَّ وجل (3).
ز: رواه الإمام أحمد (1) وأبو داود (2) والتِّرمذيُّ (3) وابن ماجه (4) والحاكم وصحَّحه (5). ولفظ أحمد: أنَّه شهد النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتاه بشيرٌ يبشِّره بظفر جندٍ له على عدوِّهم ورأسه في حجر عائشة، فقام فخرَّ ساجدًا له. وبكَّار بن عبد العزيز بن أبي بكرة: تكلَّموا فيه، قال عباس الدُّوريُّ وغيره عن يحيى بن معين: ليس بشيءٍ (6). وقال إسحاق بن منصور عن يحيى: صالحٌ (7). وقال ابن عَدِيٍّ: أرجو أنَّه لا بأس به، وهو من جملة الضُّعفاء الذين يكتب حديثهم (8). وقال الحاكم: بكَّار صدوقٌ (9) O. 957 - الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا محمد بن هارون ثنا عبد الرَّحمن بن واقد ثنا هُشيم عن جابر الجُعفيِّ عن أبي جعفر أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى رجلاً من النُّغاشيين فخرَّ ساجدًا (10). قال المؤلِّف: النُّغاشيُّ: الرَّجل القصير.
ز: هذا إسنادٌ منقطع، وجابر الجعفيُّ ضعيفٌ O. 958 - الحديث الرَّابع: قال ابن ماجه: ثنا يحيى بن عثمان (1) المصريُّ قال: حدَّثني أبي قال: ثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عمرو بن الوليد ابن عبدة (2) السَّهميِّ، عن أنس بن مالك أنَّ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشِّر بحاجةٍ فخرَّ ساجدًا (3). ز: هذا إسنادٌ ضعيفٌ، فإنَّ ابن لهيعة غير محتجٍّ به. وعمرو لم يروه عنه غير يزيد، وهو ابن الوليد بن عبدة القرشيُّ السَّهميُّ البصريُّ مولى عمرو بن العاص، ذكره ابن حِبَّان في "الثِّقات" (4)، وقال سعد ابن عمير: (5) كان فاضلاً فقيهًا. 959 - وقد روى أبو داود سليمان بن الأشعث: ثنا أحمد بن صالح ثنا ابن أبي فديك قال: حدَّثني موسى بن يعقوب عن ابن [عثمان] (6) - قال أبو داود: وهو يحيى بن الحسن بن عثمان - عن أشعث بن إسحاق بن سعد عن عامر بن سعد عن أبيه قال: خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مكَّة نريد المدينة، فلمَّا كنَّا قريبًا من عَزُوْرَا، نزل فرفع يديه، فدعا الله ساعةً، ثُمَّ خرَّ ساجدًا، فمكث طويلاً، ثُمَّ قام فرفع يديه فدعا الله ساعةً، ثُمَّ خرَّ ساجدًا - ذكره أحمد
ثلاثًا -، قال: " إنِّي سألت ربِّي وشفعتُ لأُمَّتي، فأعطاني ثلث أمَّتي، فخررت ساجدًا شكرًا لربِّي، ثُمَّ رفعت رأسي فسألت ربِّي لأمَّتي، فأعطاني ثلث أمَّتي، فخررت ساجدًا لربِّي شكرًا، ثُمَّ رفعت رأسي، فسألت ربِّي لأمَّتي، فأعطاني الثُّلث الآخر، فخررت ساجدًا لربِّي ". قال أبو داود: (أشعث بن إسحاق) أسقطه أحمد بن صالح حين حدَّثنا به، فحدَّثني به عنه موسى بن سهل الرَّمليُّ (1). ولم يرو أبو داود لأشعث بن إسحاق بن سعد بن أبي وقَّاص سوى هذا الحديث الواحد. 960 - وسجد أبو بكر رضي الله عنه حين جاءه قتل مسيلمة. رواه سعيد. 961 - وسجد عليٌّ رضي الله عنه حين وجد ذا الثُّديَّة في الخوارج. رواه أحمد في "مسنده" (2). 962 - وسجد كعب بن مالك في عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لماَّ بشِّر بتوبة الله عليه. وقصَّته في "الصَّحيحين" (3).
مسألة (181): إذا مر بالمصلي آية رحمة سأل ذلك، وإذا مرت به آية
وقال الحاكم بعد أن روى حديث بكَّار بن عبد العزيز بن أبي بكر عن أبيه: وله شواهد: منها أنَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى القرد فخرَّ ساجدًا، ومنها أنَّه رأى رجلاً به زمانة فخرَّ ساجدًا، ومنها أنَّه رأى نُغاشيًّا فخرَّ ساجدًا (1). ذكرها بلا إسناد. 963 - وروى البيهقيُّ بإسناده عن حفص بن غياث عن مِسْعَر عن محمد ابن عبيد الله عن عرفجة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبصر رجلاً به زمانة فسجد. قال محمد بن عبيد الله: وأنَّ أبا بكر رضي الله عنه أتاه فتحٌ فسجد، وأنَّ عمر رضي الله عنه أتاه فتحٌ فسجد، أو أبصر رجلاً به زمانة فسجد. قال البيهقيُّ: يقال هذا عرفجة السُّلميُّ، ولا يرون له صحبة، فيكون مرسلاً (2) O. * * * * * مسألة (181): إذا مرَّ بالمصلِّي آية رحمة سأل ذلك، وإذا مرَّت به آية عذاب استعاذ منه. وعنه أنَّه يجوز ذلك في النَّفل ويكره في الفرض، وبه قال أبو حنيفة. وكان شيخنا أبو بكر الدِّينوريُّ يقول: المراد بمذهبنا أنَّه يعيد الآية. ونِعْمَ ما قال! لأنَّه لا يجوز الكلام في الصَّلاة.
مسألة (182): إذ شك في عدد الركعات بنى على اليقين، وهو
دليلنا: 964 - ما روى الإمام أحمد: ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن الأعمش عن سعد (1) بن عُبيدة عن المستورد عن صِلَة عن حذيفة قال: صلَيت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فما مرَّ بأية رحمة إلا وقف عندها فسأل، ولا آية عذاب إلا تعوَّذ منها (2). ز: روه مسلم (3) وأصحاب " السُّنن الأربعة " (4) من حديث جماعة عن الأعمش O. * * * * * مسألة (182): إذ شكَّ في عدد الرَّكعات بنى على اليقين، وهو الأقل. وعنه: أَنَّه يتحرَّى، فإن لم يكن له رأي بنى على اليقين. وقال أبو حنيفة: إن كان ذلك أوَّل مرَّة بطلت صلاته، وإن تكرَّر منه تحرَّى، فإن لم يكن له ظنٌّ بنى على اليقين.
لنا على أنَّه يبني على اليقين حديثان: 965 - الحديث الأوَّل: قال التِّرمذيُّ: ثنا محمد بن بشَّار ثنا محمد بن خالد ثنا إبراهيم بن سعد قال: حدَّثني محمد بن إسحاق عن مكحول عن كريب عن ابن عباس عن عبد الرَّحمن بن عوف قال: سمعتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إذا سها أحدكم في صلاته فلم يدر أواحدة صلَّى أو اثنتين؟ فليبن على واحدة، فإن لم يدر أثنتين صلَّى أو ثلاثًا فليبن على اثنتين، فإن لم يدر ثلاثًا صلَّى أو أربعًا؟ فليبن على ثلاث، وليسجد سجدتين قبل أن يسلِّم ". قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (1). ز: وروى هذا الحديث الإمام أحمد (2) وابن ماجه (3) وأبو يعلى الموصليُّ (4) والحاكم (5) بنحوه من حديث ابن إسحاق. ورواه إسماعيل المكيُّ عن الزُّهريِّ عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس: 966 - قال الهيثم بن كليب الشَّاشيُّ: ثنا العباس الدُّوريُّ ثنا محمد بن عبد الله ثنا إسماعيل المكيُّ عن الزُّهريِّ عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال: كنت أذاكر عمر شيئًا من الصَّلاة، قال: فأتانا عبد الرَّحمن بن عوف فقال: ألا أحدِّثكما حديثًا سمعته من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: قلنا: بلى. قال: أشهد شهادة الله لسمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إذا كان أحدكم في شكٍّ من
النُّقصان في صلاته، فليصلِّ حتى يكون في شكٍّ من الزِّيادة " (1). 967 - قال الهيثم: وثنا أبو حاتم الرَّازيُّ محمد بن إدريس ثنا الأنصاريُّ ثنا إسماعيل عن الزُّهريِّ عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال: حدَّثني عبد الرَّحمن بن عوف أن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا شكَّ أحدكم في صلاته فلا يدري ثلاثًا صلَّى أم أربعًا؟ فليصلِّ ركعة ثُمَّ ليسجد سجدتين " (2). ورواه إسحاق بن راهويه عن عبد الرَّزَّاق عن ابن المبارك عن إسماعيل ابن مسلم (3). وسئل الدَّارَقُطْنِيُّ عنه، فقال: رواه إبراهيم بن سعد ومحمد بن سلمة وعيسى بن عبد الله الأنصاريُّ وطلحة بن زيد عن محمد بن إسحاق عن مكحول عن كريب عن ابن عباس عن عبد الرَّحمن بن عوف. ورواه حمَّاد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن مكحول مرسلاً، وكذلك سمعه محمد بن إسحاق عن مكحول مرسلاً. ورواه إسماعيل بن عُليَّة وعبد الله بن نمير وعبد الرَّحمن المحاربيُّ عن محمد بن إسحاق عن مكحول مرسلاً، وعن محمد بن إسحاق عن حسين بن عبد الله عن مكحول عن كريب عن ابن عباس عن عبد الرَّحمن. فضبط هؤلاء الثَّلاثة عن ابن إسحاق المرسل والمتَّصل. وروى هذا الحديث الزُّهريُّ عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس، حدَّث به عنه إسماعيل بن مسلم المكيُّ وبحر السَّقَّاء.
ورواه محمد بن يزيد الواسطيُّ واختلف عنه: فرواه إسماعيل بن هود عنه عن ابن إسحاق عن الزُّهريِّ. ورواه إسحاق بن بهلول عن عمَّار بن سلام عن محمد بن يزيد عن سفيان ابن حسين. وكلاهما وهمٌ. ورواه أحمد بن حنبل عن محمد بن يزيد على الصواب: (عن إسماعيل ابن مسلم عن الزُّهريِّ) فرجع الحديث إلى إسماعيل بن مسلم، وإسماعيل ضعيفٌ. انتهى كلام الدَّارَقُطْنِيِّ (1). 968 - وفي "مسند الإمام أحمد": ثنا إسماعيل ثنا محمد بن إسحاق حدَّثني مكحول أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا صلَّى أحدكم فشكَّ ... " فذكره، قال محمد بن إسحاق: وقال لي حسين بن عبد الله: هل أسنده لك؟ فقلت: لا. فقال: لكنَّه حدَّثني أنَّ كريبًا مولى ابن عباس حدَّثه عن ابن عباس قال: جلست إلى عمر بن الخطاب ... فذكر الحديث (2). وحسين بن عبد الله: تكلَّم فيه غير واحدٍ O. 969 - الحديث الثَّاني: قال أحمد: ثنا يونس بن محمد ثنا فليح عن زيد ابن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدريِّ أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا شكَّ أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلَّى؟ فليبن على اليقين، حتى إذ استيقن أن قد أتمَّ فليسجد قبل أن يسلِّم، فإنَّه إن كانت صلاته وترًا شفعها، وإن كانت شفعًا
كان ذانك ترغيمًا للشَّيطان " (1). انفرد بإخراجه مسلمٌ (2). ولنا على أنه يتحرَّى: 970 - ما روى أحمد: ثنا جرير عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا شكَّ أحدكم في صلاته فليتحرَّ الصواب، فإذا سلَّم فليسجد سجدتين " (3). أخرجاه في "الصَّحيحين" (4). ولنا على أنَّ صلاته لا تبطل: ما تقدَّم من الأحاديث. ز: المشهور في مذهب الإمام أحمد: أنَّ المنفرد يبني على اليقين، والإمام يبني على غالب ظنِّه للجمع بين الأحاديث، ومن جهة المعنى: أنَّ الإمام له من ينبهه ويذكِّره إذا أخطأ، فيتأكد عنده صواب نفسه، ولأَنَّه إن أصاب أقرَّه المأمومون، وإن أخطأ سبَّحوا به فرجع إليهم، فيحصل له الصَّواب في الحالين، بخلاف المنفرد ليس له من يذكِّره فيبني على اليقين، ليحصل له إتمام صلاته. هذا اختيار الخرقيِّ. والقول بالبناء على اليقين مطلقًا اختاره أبو بكر عبد العزيز، وروي عن
مسألة (183): سجود السهو قبل السلام إلا في موضعين
ابن عمر وابن عباس وابن عَمرو وغيرهم، وهو قول ربيعة ومالك والثَّوريِّ والأوزاعيِّ والشافعيِّ وإسحاق، وروي عن أحمد. والقول بالبناء على غلبة الظَّن مطلقًا رواه الأثرم عن أحمد، وروي عن عليِّ بن أبي طالب وابن مسعود رضي الله عنه، وهو قول النَّخعيِّ O. * * * * * مسألة (183): سجود السَّهو قبل السَّلام إلا في موضعين: أحدهما: إذا سلم من نقصان، والثاني: إذا شكَّ الإمام - وقلنا: يتحرَّى، على رواية - فإنَّه يسجد بعد السَّلام استحساناً لمكان الحديث. وعنه: أنَّ الكل قبل السَّلام، وهو قول الشَّافعيِّ. وعنه: إن كان من نقصان كان قبل السَّلام، وإن كان من زيادة كان بعد السَّلام، وهو قول مالك. وقال أبو حنيفة وداود: كلُّه بعد السَّلام. فإذا دللنا على أبي حنيفة، فلنا سبعة أحاديث: 971 - الحديث الأوَّل: قال التِّرمذيُّ: ثنا قتيبة ثنا الليث عن ابن شهاب عن الأعرج عن عبد الله بن بُحَيْنَةَ أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام في صلاة الظُّهر وعليه جلوس، فلمَّا أتمَّ صلاته سجد سجدتين، وكبَّر في كلِّ سجدة وهو جالسٌ قبل أن يسلِّم، وسجدهما النَّاس معه مكان ما نسي من الجلوس (1).
أخرجاه في "الصَّحيحين" (1). الحديث الثَّاني: حديث عبد الرَّحمن بن عوف. والثَّالث: حديث أبي سعيد الخدريِّ. والرَّابع: حديث ابن مسعود (2). وقد تقدَّموا بأسانيدهم (3). 972 - الحديث الخامس: قال التِّرمذيُّ: وثنا محمد بن يحيى ثنا محمد ابن عبد الله الأنصاريُّ قال: أخبرني أشعث عن ابن سيرين عن خالد الحذَّاء عن أبي قِلابة عن أبي المهلَّب عن عمران بن حُصين أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى بهم فسهَا، فسجد سجدتين، ثُمَّ تشهَّد، ثُمَّ سلَّم (4). ز: ورواه أبو داود عن محمد بن يحيى (5)، ورواه الحاكم وقال: على شرطهما (6). وأشعث هو: ابن عبد الملك الحُمرانيُّ، قال يحيى القطََّان: هو عندي
ثقةٌ مأمونٌ (1). ووثَّقه يحيى بن معين (2) والنَّسائيُّ (3) وغيرهما، ولم يخرِّجا له في "الصَّحيحين". وقال البيهقيُّ: تفرَّد بهذا الحديث أشعث الحُمْرانيُّ، وقد رواه شعبة ووهيب وابن عُليَّة والثَّقفيُّ وهُشيم وحمَّاد بن زيد ويزيد بن زُريع وغيرهم عن خالد الحذَّاء، لم يذكر أحدٌ منهم ما ذكره أشعث عن محمد عنه. ورواه أيوب عن محمد قال: أخبرت عن عمران ... فذكر السَّلام دون التَّشهُّد. وفي رواية هُشيم ذكر التَّشهُّد قبل السَّجدتين، وذلك يدلُّ على خطأ أشعث فيما رواه (4) O. 973 - الحديث السَّادس: قال التِّرمذيُّ: وثنا قتيبة ثنا الليث عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنَّ الشَّيطان يأتي أحدكم في صلاته فيَلْبِسُ عليه، حتى لا يدري كم صلَّى؟ فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجدْ سجدتين وهو جالسٌ ". قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (5). ز: ورواه أبو داود (6) وابن ماجه، وفيه: " فليسجد سجدتين قبل أن
يسلِّم " (1). وهو لبقيَّة الجماعة إلا قوله: (قبل أن يسلَّم) (2) O. 974 - الحديث السَّابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا الحسين بن إسماعيل ثنا عبد الله بن شبيب قال: حدَّثني ذؤيب بن عمامة ثنا عبد المهيمن بن عباس عن أبيه عن جدِّه عن المنذر بن عمرو أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سجد سجدتي السَّهو قبل التَّسليم (3). ذؤيب وعبد المهيمن: ضعيفان. ز: وعبد الله بن شبيب: ضعَّفه غير واحد O. قال أصحاب أبي حنيفة: نعارض أحاديثكم بستَّة أحاديث: الحديث الأوَّل: حديث ذي اليدين، وأنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سجد بعد السَّلام وقد سبق في رواية أبي هريرة وعمران (4). 975 - الحديث الثَّاني: قال التِّرمذيُّ: ثنا إسحاق بن منصور ثنا عبد الرَّحمن بن مهديٍّ ثنا شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى الظُّهر خمساً، فقيل له: أزيد في الصَّلاة؟ فسجد سجدتين بعد ما سلَّم (5).
أخرجاه في "الصَّحيحين" (1)، وفي لفظٍ متَّفقٍ عليه: سجد بعد السَّلام والكلام (2). 976 - الحديث الثَّالث: قال أحمد: ثنا حمَّاد بن خالد ثنا مالك عن داود بن الحصين عن أبي سفيان عن أبي هريرة قال: سجد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سجدتي السَّهو بعد السَّلام (3). 977 - الحديث الرَّابع: قال أحمد: وثنا حجَّاج قال: قال ابن جريج أخبرني عبد الله بن مسافع أنَّ مصعب بن شيبة أخبره عن عقبة بن محمد بن الحارث عن عبد الله بن جعفر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من شكَّ في صلاته فليسجد سجدتين بعد ما يسلِّم " (4). 978 - الحديث الخامس: قال أحمد: وثنا الحكم بن نافع ثنا إسماعيل بن عيَّاش عن عبيد الله بن عبيد الكَلاعيِّ عن زهير عن عبد الرَّحمن بن جبير عن أبيه جبير بن نفير عن ثوبان عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لكلِّ سهوٍ سجدتان بعدما يسلِّم " (5). 979 - الحديث السَّادس: قال أحمد: وثنا عبد الرَّزَّاق أنا سفيان عن ابن أبي ليلى عن الشَّعبيِّ عن المغيرة بن شعبة أنَّه قام في الرَّكعتين الأوليين فسبَّحوا به فلم يجلس، فلما قضى صلاته سجد سجدتين بعد التَّسليم، ثُمَّ قال: هكذا فعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (6).
والجواب: أمَّا حديث ذي اليدين: فنحن نقول به استحسانًا. وكذلك حديث ابن مسعود، نحمله على الإمام إذا شكَّ - وقلنا: يتحرَّى - بدليل: أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جرى له ذلك في حالة الإمامة، وقال لهم ذلك، فكأنَّه علَّم الأئمة ما يصنعون إذا شكُّوا، وهذان الموضعان اللذان استثنيناهما في رأس المسألة. وأمَّا حديث أبي هريرة: ففيه داود بن الحصين، وهو ضعيفٌ، قال ابن حِبَّان: حدَّث عن الثِّقات بما لا يشبه حديث الأثبات، فيجب مجانبة روايته (1). وأمَّا حديث ابن جعفر: ففيه مصعب بن شيبة، قال أحمد: روى أحاديث مناكير (2). وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ليس بالقويِّ ولا بالحافظ (3). وأمَّا حديث ثوبان: ففيه إسماعيل بن عيَّاش، وقد سبق القدح فيه (4). وأما حديث المغيرة: ففيه ابن أبي ليلى، وقد ضعَّفوه. قال أبو بكر الأثرم: لا يثبت حديث ابن جعفر ولا حديث ثوبان، وحديث المغيرة قد رواه ابن عون موقوفًا، وهو أثبت من ابن أبي ليلى. ثُمَّ نحمل أحاديثهم على أحد أمرين: إمَّا أن تكون منسوخة، بدليل قول الزُّهريِّ: كان آخر الأمرين من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السُّجود قبل السَّلام.
والثَّاني: على ما إذا كان السَّهو في أحد الموضعين المستثنيين. ز: داود بن الحصين في حديث أبي هريرة: محتجٌ به في "الصحيحين" (1)، ووثَّقه يحيى بن معين (2) وغيره، وذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثِّقات" أيضًا وقال: كان يذهب مذهب الشَّراة، وكلُّ من ترك حديثه على الإطلاق وَهِمَ، لأَنَّه لم يكن داعيةً إلى مذهبه (3). ويحتمل أن يكون حديث أبي هريرة هذا بعض حديث ذي اليدين، بل الظَّاهر أنَّه مختصرٌ منه، وقد رواه النَّسائيُّ عن قتيبة عن مالك فذكر قصَّة ذي اليدين (4). وأمَّا حديث عبد الله بن جعفر: فرواه إمام الأئمة (5) ابن خزيمة في "صحيحه": 980 - ثنا أبو موسى ثنا روح ثنا ابن جريج قال: أخبرني عبد الله بن مسافع أنَّ مصعب بن شيبة أخبره عن عقبة بن محمد بن الحارث عن عبد الله بن جعفرعن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من نسي شيئًا من صلاته فليسجد سجدتين وهو جالسٌ ". قال ابن خزيمة: هكذا قال لنا أبو موسى: (عن عقبة بن محمد بن الحارث)، وهذا الشَّيخ يختلف أصحاب ابن جريج في اسمه، قال حجَّاج بن
محمد وعبد الرَّزَّاق: (عن عتبة بن محمد) وهذا هو الصَّحيح علمي (1). 981 - وقال الطَّبرانيُّ: ثنا إدريس بن جعفر العطَّار (2) ثنا روح بن عبادة، (ح) قال الطَّبرانيُّ: وثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا يحيى بن معين ثنا حجَّاج بن محمد، كلاهما عن ابن جريج أخبرني عبد الله بن مسافع عن مصعب ابن شيبة عن عُقبة بن محمد بن الحارث عن عبد الله بن جعفر أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من شكَّ في شيءٍ من صلاته فليسجد سجدتين بعدما يسلِّم " (3). ورواه الإمام أحمد أيضًا: عن روح بن عبادة (4)؛ وعن عليِّ بن إسحاق عن ابن المبارك، ولم يذكر مصعب بن شيبة في هذه الرِّواية (5). ورواه أبو داود عن أحمد بن إبراهيم عن حجَّاج بن محمد بإسناده، غير أنَّ عنده: عتبة بن محمد (6). ورواه النَّسائيُّ عن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم عن حجَّاج (7)، وعن هارون بن عبد الله عن حجَّاج وروح (8)، وعن سويد بن نصر عن عبد الله بن المبارك (9)، وعن محمد بن هاشم البعلبكِّيِّ عن الوليد (1)، جميعًا عن ابن
جريج عن عبد الله بن مسافع عن عتبة (1) بن محمد، ولم يذكر مصعبًا (2). وعتبة بن محمد: قال النَّسائيُّ فيه: ليس بمعروف. قال: وقيل: عقبة (3). وذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثِّقات" (4)، وقال الإمام أحمد: أخطأ روح في قوله: (عقبة) إنَّما هو (عتبة) (5). ومصعب بن شيبة: روى له مسلمٌ في "صحيحه" (6)، وتكلَّم فيه غير واحدٍ. وقال البيهقيُّ: إسناد هذا الحديث لا بأس به (7). وأمَّا حديث ثوبان: فرواه أبو داود عن عمرو بن عثمان والرَّبيع بن نافع وعثمان بن أبي شيبة وشجاع بن مَخْلد، أربعتهم عن إسماعيل بن عيَّاش عن عبيد الله بن عُبيد الكَلاعيِّ عن زهير بن سالم العَنْسيِّ عن عبد الرَّحمن بن جُبير بن
نُفير - قال عمرو وحده: عن أبيه - عن ثوبان، ولم يقل: (عن أبيه) غير عمرو (1). ورواه ابن ماجه عن عثمان بن أبي شيبة بإسناده ولم يقل: (عن أبيه) (2). وزهير بن سالم العَنْسيُّ - بالنون -: كنيته أبو المخارق، وهو شاميٌّ، ذكره أبو حاتم ابن حِبَّان في كتاب "الثِّقات" (3)، ولم يرو له أبو داود وابن ماجه غير هذا الحديث. وقال البيهقيُّ: في إسناده ضعفٌ (4). وقد رواه عبد الرَّزَّاق عن إسماعيل بن عيَّاش عن عبد العزيز بن عبيد الله عن عبد الرَّحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن ثوبان (5). وأمَّا ابن أبي ليلى في حديث المغيرة: فلم يضعِّفه الكلُّ، بل ضعَّفه غير واحد كالقطَّان (6)، وقال أبو حاتم: محلُّه الصِّدق، كان سيء الحفظ (7).
مسألة (184): إذا سبح بالإمام ثقتان (3) من المأمومين لزمه الرجوع
وقال أبو زرعة: صالحٌ، ليس بالقويِّ (1). وقد روى حديثه هذا أبو عيسى التِّرمذيُّ عن أحمد بن منيع عن هُشيم عنه، ولفظه: ثُمَّ سجد سجدتي السَّهو وهو جالسٌ. ولم يقل بعد التَّسليم. ثُمَّ قال التِّرمذيُّ: قد تكلَّم بعض أهل العلم في ابن أبي ليلى من قبل حفظه، قال أحمد: لا يحتجُّ بحديث ابن أبي ليلى. وقال محمد بن إسماعيل: ابن أبي ليلى صدوقٌ ولا أروي عنه، لأنَّه لا يدري صحيح حديثه من سقيمه (2) O. * * * * * مسألة (184): إذا سبَّح بالإمام ثقتان (3) من المأمومين لزمه الرُّجوع إلى قولهما بكلِّ حالٍ. وقال الشَّافعيُّ: لا يرجع، ويبني على يقين نفسه (4). وقال أبو حنيفة: يرجع إلى قول واحد. لنا: حديث ذي اليدين، وقد تقدَّم بإسناده (5)، وأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يرجع إلى قوله وحده، ورجع إلى قول أبي بكر وعمر.
مسألة (185): إذا قام إلى خامسة ساهيا ثم ذكر، عاد إلى ترتيب
ز: قوله: (بكلِّ حالٍ) يعني سواء غلب على ظنِّه صواب قولهما أو خلافه، فأمَّا إن كان الإمام على يقين من صواب نفسه لم يجز له متابعتهم. وقال أبو الخطََّاب: يلزمه الرُّجوع كالحاكم يحكم بالشَّاهدين، ويترك يقين نفسه. قال صاحب "المغني": وليس بصحيحٍ، لأَنَّه يعلم خطأهم فلا يتبعهم في الخطأ، وكذا نقول في الشَّاهدين، متى علم الحاكم كذبهما لم يجز له الحكم بقولهما، لعلمه انَّهما شاهدا زورٍ، ولا يحلُّ الحكم بقول الزُّور، ولأنَّ العدالة اعتبرت في الشَّهادة ليغلب على الظَّنِّ صدق الشُّهود، وردَّت شهادة غيرهم لعدم ذلك، فمع يقين الكذب أولى أن لا تقبل (1) O. * * * * * مسألة (185): إذا قام إلى خامسةٍ ساهيًا ثُمَّ ذكر، عاد إلى ترتيب صلاته. وقال أبو حنيفة: إن سجد في الخامسة أتمَّها وأضاف إليها أخرى، فإن كان قعد في الرَّابعة فقد تمَّ ظهره، والرَّكعتان نافلة، وإن لم يكن قعد فالجميع نفل (2). لنا: حديث ابن مسعود أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى خمساً، فقيل له فسجد. وقد
مسألة (186): إذا سها عن واجب سجد للسهو.
سبق بإسناده (1)، والحُجَّة فيه: أَنَّه لم يضف إلى الخامسة شيئًا ولا أعاد. * * * * * مسألة (186): إذا سها عن واجب سجد للسَّهو. وقال أبو حنيفة والشَّافعيُّ: لا يسجد إلا للتَّشهُّد الأوَّل والقنوت. لنا: حديث ثوبان: " لكلِّ سهوٍ سجدتان ". وقد سبق بإسناده (2). * * * * * مسألة (187): إذا: قرأ في الرَّكعتين الأخريين بالحمد وسورة؛ أو صلَّى على النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في التَّشهُّد الأوَّل؛ أو قرأ في موضع تشهُّد؛ أو تشهّد في قيامه = سجد في جميع ذلك للسَّهو. وعنه: لا يسجد، كقول أكثرهم.
مسألة (188): إذا تعمد ترك ما يسجد لأجله لم يسجد.
لنا: حديث ثوبان المتقدِّم (1). * * * * * مسألة (188): إذا تعمَّد تَرْك ما يُسْجَدُ لأجله لم يسجد. وقال الشَّافعيُّ: يسجد. لنا: أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جعل سجود السَّهو ترغيماً للشَّيطان - على ما ذكرناه في حديث أبي سعيد، وقد تقدَّم بإسناده (2) -، وهذا يختصُّ بالسَّهو. * * * * * مسألة (189): سجود السَّهو واجبٌ. ووافقنا مالك إذا كان عن نقصان. وقال الشَّافعيُّ: هو مسنونٌ. لنا:
مسألة (190): إذا نسي السجود في محله سجد ما لم يتطاول الزمان،
أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر به بقوله: " من شكَّ في صلاته فليسجد ". وقد ذكرناه في حديث عبد الرَّحمن بن عوف (1) وابن مسعود (2). * * * * * مسألة (190): إذا نسي السجود في محلِّه سجد ما لم يتطاول الزَّمان، أو يخرج من المسجد، وإن تكلَّم. وعنه: يسجد وإن خرج وتباعد. وقال أبو حنيفة: لا يسجد بعد الكلام والخروج. وقال الشَّافعيُّ: إن ذكر قريبًا سجد، وإن تباعد فعلى قولين. لنا: حديث ابن مسعود، وأنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سجد بعد السَّلام والكلام، وقد سبق (3). * * * * *
مسألة (191): يجوز قضاء الفوائت في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها.
مسائل أوقات النَّهيِّ مسألة (191): يجوز قضاء الفوائت في الأوقات المنهيِّ عن الصَّلاة فيها. وقال أبو حنيفة: لا يجوز عند طلوع الشَّمس وزوالها وغروبها. لنا ثلاثة أحاديث: 982 - الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا يزيد بن هارون أنا شعبة (1) عن قتادة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من نسي صلاة أو نام عنها، فكفارتها أن يصلِّيها إذا ذكرها " (2). أخرجاه في "الصَّحيحين" (3). 983 - الحديث الثَّاني: قال مسلم بن الحجَّاج: ثنا حرملة بن يحيى أنا ابن وهب قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيّب عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من نسي الصَّلاة فليصلِّها إذا ذكرها " (4). 984 - الحديث الثَّالث: قال التِّرمذيُّ: ثنا قتيبة ثنا حمَّاد بن زيد عن
ثابت البُنَانيِّ عن عبد الله بن رباح عن أبي قتادة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا نسي أحدكم صلاةً أو نام عنها فليصلِّها إذا ذكرها ". قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (1). ز: 985 - عن أبي قتادة قال: ذكروا للنَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نومهم عن الصَّلاة، قال: " إنه ليس في النَّوم تفريط، إنَّما التَّفريط على من لم يصلِّ الصَّلاة حتى يجيء وقت الأخرى، فمن فعل ذلك فليصلِّها حين ينتبه لها، فإذا كان الغد فليصلِّها عند وقتها ". رواه مسلم هكذا (2)، وقيل: إنَّ قوله: (إذا كان الغد فليصلِّها عند وقتها) وهمٌ من عبد الله بن رباح الذي روى عن أبي قتادة، أو من أحد الرُّواة في إسناد حديثه، والله أعلم (3). وفي آخر حديث أبي قتادة: قال عبد الله بن رباح: إنِّي لأحدِّث هذا الحديث في مسجد الجامع إذ قال عمران بن حُصين: انظر أيُّها الفتى كيف تحدِّث! فإنِّي أحد الرَّكب تلك الليلة. قال: قلت: فأنت أعلم بالحديث. فقال: ممَّن أنت؟ قلت: من الأنصار. قال: حدِّث، فأنتم أعلم بحديثكم. قال: فحدَّث (4) القوم، فقال عمران: لقد شهدت تلك الليلة، وما شعرت أنَّ أحدًا حفظه كما حفظته! وحُكي عن البخاريِّ أنَّه قال: لا يتابع في قوله: (فليصلِّ إذا ذكرها
ولوقتها من الغد) (1) O. احتجُّوا بخمسة أحاديث: 986 - الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا بَهْز ثنا أبان عن قتادة عن أبي العالية عن ابن عباس قال: شهد عندي رجالٌ مرضيُّون، وأرضاهم عندي عمر، أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول: " لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشَّمس، ولا صلاة بعد صلاة الصُّبح حتى تطلع الشَّمس " (2). أخرجاه في "الصَّحيحين" (3). 987 - الحديث الثَّاني: قال أحمد: وثنا يحيى ثنا هشام بن عروة قال: أخبرني أبي قال: أخبرني ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تتحرَّوا بصلاتكم طلوع الشَّمس ولا غروبها، فإنَّها تطلع بين قرني شيطان، فإذا طلع
حاجب الشَّمس فلا تصلُّوا حتى تبرز، وإذا غاب حاجب الشَّمس فلا تصلُّوا حتى تغيب " (1). أخرجاه في "الصَّحيحين" (2). 988 - الحديث الثَّالث: قال يحيى بن يحيى: أنا عبد الله بن وهب عن موسى بن عُلَيٍّ عن أبيه قال: سمعت عقبة بن عامر يقول: ثلاث ساعات كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينهانا أن نصلِّي فيهن أو نَقْبُر فيهن موتانا: حين تطلع الشَّمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظَّهيرة حتى تميل الشَّمس، وحين تضيَّف الشَّمس للغروب حتى تغرب. انفرد بإخراجه مسلمٌ عن يحيى بن يحيى (3). 989 - الحديث الرَّابع: أخرجه في أفراده أيضًا من حديث عمرو بن عَبَسَة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: " صلِّ الصُّبح ثُمَّ أقصر عن الصَّلاة حتى تطلع الشَّمس، فإذا طلعت فلا تصلِّ حتى ترتفع، فإنَّها تطلع بين قرني شيطان، وحينئذٍ يسجد لها الكفَّار، [ثم صلِّ حتى تصلِّي العصر، ثم أقصر عن الصَّلاة حتى تغرب الشَّمس، فإنَّها تغرب بين قرني شيطان، وحينئذٍ يسجد لها الكفَّار] (4) " (5). 990 - الحديث الخامس: أخرجه في أفراده من حديث أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن الصَّلاة بعد الفجر حتى تطلع الشَّمس، وبعد العصر
مسألة (192): لا يجوز فعل النافلة في أوقات النهي وإن كان لها سبب.
حتى تغرب الشَّمس (1). وهذا كلُّه محمولٌ على النَّافلة بأدلَّتنا. ز: حديث أبي هريرة: لم ينفرد بإخراجه مسلم، بل رواه البخاريُّ أيضًا (2). 991 - وأخرجاه في "الصَّحيحين" من حديث أبي سعيد الخدريِّ أيضًا قال: سمعتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا صلاة بعد الصُّبح حتى تطلع الشَّمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشَّمس " (3) O. * * * * * مسألة (192): لا يجوز فعل النَّافلة في أوقات النَّهي وإن كان لها سبب. وعنه: الجواز فيما لها سبب، كقول الشَّافعيِّ. لنا: الأحاديث المتقدِّمة. 992 - وقال التِّرمذيُّ: ثنا عقبة بن مكرم العَمِّيُّ ثنا عمرو بن عاصم ثنا همَّام عن قتادة عن النَّضر بن أنس عن بَشير بن نَهِيك عن أبي هريرة قال: قال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من لم يصلِّ ركعتي الفجر، فليصلِّهما بعد ما تطلع الشَّمس " (1). فإن قالوا: قد قال التِّرمذيُّ: هذا الحديث لا نعرفه إلا من حديث عمرو بن عاصم. قلنا: عمرو ثقةٌ، أخرج عنه البخاريُّ في "صحيحه" (2). ز: ورواه الحاكم وقال: على شرطهما. ولفظه: " من لم يصلِّ ركعتي الفجر حتى تطلع الشَّمس فليصلِّهما " (3) O. احتجُّوا: 993 - بما روى التِّرمذيُّ: ثنا محمد بن عمرو السَّوَّاق ثنا عبد العزيز بن محمد عن سعد بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن جدِّه قيس - وهو ابن عمرو ابن سهل (4) - قال: خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأقيمت الصَّلاة، فصلَّيت معه الصُّبح، ثُمَّ انصرف، فوجدني أُصلِّي، فقال: " مهلاً يا قيس، أصلاتان معًا؟! " قلت: يا رسول الله، إنِّي لم أكن ركعتُ ركعتي الفجر. قال: " فلا إذًا " (5). والجواب: قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ لا نعرفه إلا من حديث سعد بن
سعيد، وإسناده ليس بمتصل، محمد بن إبراهيم لم يسمع من قيس. قلت: قال أحمد بن حنبل: سعد بن سعيد ضعيفٌ (1). وقال ابن حِبَّان: لا يحلُّ الاحتجاج به (2). ز: وروى هذا الحديث الإمام أحمد (3) وابن ماجه (4) وأبو داود، ولفظه: رأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً يصلِّي بعد صلاة الصُّبح ركعتين، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صلاة الصُّبح ركعتان! ". فقال الرَّجل: إنِّي لم أكن صلَّيت الرَّكعتين اللتين قبلهما، فصلَّيتهما الآن. فسكت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (5). وإسناد الحديث ليس بمتَّصلٍ. قاله الإمام أحمد (6) والتِّرمذيُّ (7). وسعد بن سعيد: هو أخو يحيى وعبد ربِّه، وقد روى له مسلم في "صحيحه" (8)، وقال ابن معين: صالح (9). وقال محمد بن سعد: كان ثقةً، قليل الحديث (10). وقال النَّسائيُّ: ليس بالقويِّ (11).
مسألة (193): يكره التنفل في أوقات النهي بمسجد مكة كغيره إلا
ولم يتكلَّم فيه ابن حِبَّان، بل ذكره في كتاب "الثِّقات" وقال: كان يخطئ (1). وإنَّما تكلَّم في سعد بن أبي سعيد المقبريِّ (2) O. * * * * * مسألة (193): يكره التَّنفل في أوقات النَّهي بمسجد مكَّة كغيره إلا ركعتي الطَّواف. وقال الشَّافعيُّ: لا يكره. لنا: عموم النَّهي في الأحاديث المتقدِّمة. ولهم: 994 - ما روى الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمد بن مخلد ثنا عليُّ بن حرب ثنا سعيد بن سالم القدَّاح عن عبد الله بن المؤمّل المخزوميِّ عن حميد مولى عفراء عن قيس بن سعد عن مجاهد قال: قدم أبو ذرٍّ فأخذ بعضادة باب الكعبة، ثمَّ قال: سمعتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا يصلِّينَّ أحدٌ بعد الصُّبح إلى طلوع الشَّمس، ولا بعد العصر حتى تغرب الشَّمس إلا بمكَّة ". يقول ذلك ثلاثًا (3).
والجواب: أنَّ هذا الحديث لا يصحُّ، قال أحمد: أحاديث ابن المؤمَّل مناكير (1). وقال يحيى: هو ضعيف الحديث (2). ز: وروى هذا الحديث الشَّافعيُّ وغيره عن عبد الله بن المؤمَّل. وقال البيهقيُّ: وهذا الحديث يُعدُّ في أفراد عبد الله بن المؤمَّل، وهو ضعيفٌ، إلا أنَّ إبراهيم بن طهمان قد تابعه في ذلك عن حميد، وأقام إسناده: 995 - أخبرناه أبو نصر عمر بن عبد العزيز بن قتادة أنا أبو محمد أحمد ابن إسحاق بن شيبان بن البغداديُّ الهرويُّ بها أنا معاذ بن نجدة ثنا خلاَّد بن يحيى ثنا إبراهيم [] (3) - هو ابن طهمان - ثنا حميد مولى عفراء عن قيس بن سعد عن مجاهد قال: جاءنا أبو ذرٍّ فأخذ بحلقة الباب، ثُمَّ قال: سمعتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول - بأذنيَّ هاتين -: " لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشَّمس، ولا بعد الفجر حتى تطلع الشَّمس، إلا بمكَّة، إلا بمكَّة، إلا بمكَّة ". قال البيهقيُّ: حميد الأعرج ليس بالقويِّ، ومجاهدٌ لا يثبت له سماعٌ من أبي ذرٍّ، وقوله: (جاءنا) يعني جاء بلدنا، والله أعلم. 996 - وقد روي من وجه آخر عن مجاهد: أنا أبو سعد المالينيُّ أنا أبو أحمد ابن عَدِيٍّ ثنا محمد بن يونس العُصفُرِيُّ ثنا محمد بن موسى الحَرَشيُّ حدَّثني اليسع بن طلحة القرشيُّ من أهل مكَّة قال: سمعتُ مجاهدًا يقول: بلغنا أنَّ أبا
ذرٍّ قال: رأيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخذٌ بحلقتي الكعبة، يقول ثلاثًا: " لا صلاة بعد العصر إلا بمكَّة ". قال البيهقيُّ: اليسع بن طلحة ضعَّفوه، والحديث منقطع، مجاهدٌ لم يدرك أبا ذرٍّ، والله أعلم (1). وسيأتي حديث جبير بن مطعم في المسألة التي بعد هذه (2)، وهو حجَّة الشَّافعيِّ على أنَّ النَّفل في أوقات النَّهي بمكَّة لا يكره. 997 - وعن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا بني عبد مناف، لا تمنعوا أحدًا صلَّى عند هذا البيت، أيَّة ساعة شاء من ليلٍ أو نهارٍ ". رواه الدَّارَقُطْنِيُّ (3). 998 - وروى أيضًا من رواية أبي الوليد العدنيِّ عن رجاء أبي سعيد عن مجاهد عن ابن عباس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يا بني عبد المطلب - أو: يا بني عبد مناف -، لا تمنعوا أحدًا يطوف بالبيت ويصلِّي، فإنه لا صلاة بعد الصُّبح حتى تطلع الشَّمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشَّمس، إلا عند هذا البيت، يطوفون ويصلُّون " (4). قال الشَّيخ الضِّياء: أبو الوليد العدنيُّ: لم أر له ذكرًا في " الكنى " لأبي أحمد الحاكم.
مسألة (194): ولا تكره ركعتا الطواف في أوقات النهي.
ورجاء بن الحارث أبو سعيد المكيُّ: ضعَّفه يحيى بن معين (1) O. * * * * * مسألة (194): ولا تكره ركعتا الطَّواف في أوقات النَّهي. وقال أبو حنيفة: تكره. 999 - قال النَّسائيُّ: أنا محمد بن منصور، وقال التِّرمذيُّ: ثنا عليُّ ابن خَشْرَم (2)، قالا: أنا سفيان بن عيينة عن أبي الزُّبير عن عبد الله بن باباه عن جبير بن مُطعم أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يا بني عبد مناف، لا تمنعوا أحدًا طاف بهذا البيت وصلَّى، أيَّة ساعة شاء من ليلٍ أو نهارٍ " (3). قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (4). ز: ورواه الإمام أحمد (5) وأبو داود (6) وابن ماجه (7) وأبو حاتم البستيُّ (8) من رواية أبي الزُّبير عن عبد الله بن باباه.
ورواه الإمام أحمد أيضًا عن يعقوب عن أبيه عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي نجيح عن عبد الله بن باباه (1)، ويقال فيه: (ابن بابيه)، ويقال: (ابن بابي)، وهو مكيٌّ. قال أبو الحسن محمد بن أحمد بن البرَّاء: قال عليُّ بن المدينيِّ: عبد الله ابن بابيه، من أهل مكَّة، معروفٌ، ويقال له أيضًا: ابن باباه (2). وقال البخاريُّ: عبد الله بن باباه - ويقال: ابن بابي (3) -. وقال عباس الدُّوريُّ عن يحيى بن معين: هؤلاء ثلاثة مختلفون (4). قال ابن البرَّاء: والقول عندي ما قال ابن المدينيِّ والبخاريُّ، لا ما قال يحيى بن معين (5). وقال النَّسائيُّ: عبد الله بن باباه: ثقةٌ (6). 1000 - وقال ابن عَدِيٍّ: ثنا جعفر بن أحمد بن عاصم ثنا هشام بن عمَّار ثنا مروان بن معاوية ثنا سعيد بن أبي راشد عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة مرفوعًا: " لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشَّمس، ولا بعد العصر حتى تغرب الشَّمس، من طاف فليصلِّ، أي حينٍ طاف ".
مسألة (195): يكره التنفل يوم الجمعة عند الزوال.
قال ابن عَدِيٍّ: وهذا يرويه عن عطاء: سعيدٌ، وزاد في متنه: (من طاف فليصلِّ أي حين طاف). قال: وهو يحدِّث عن عطاء وغيره بما لا يتابع عليه (1). وقال البيهقيُّ: وذكره البخاريُّ في "التَّاريخ" وقال: لا يتابع عليه (2) O. * * * * * مسألة (195): يكره التَّنفُّل يوم الجمعة عند الزَّوال. وقال الشَّافعيُّ: لا يكره. لنا: عموم النَّهي في الأحاديث المتقدِّمة. وللشَّافعيِّ: 1001 - حديث رواه أبو داود: ثنا محمد بن عيسى ثنا حسَّان بن إبراهيم عن ليث عن مجاهد عن أبي الخليل عن أبي قتادة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّه كره الصَّلاة نصف النَّهار إلا يومَ الجمعة، وقال: " إنَّ جهنم تُسْجَرُ، إلا يوم الجمعة ".
مسألة (196): تحرم النوافل بطلوع الفجر إلا ركعتي الفجر.
قال أبو داود: هو مرسل، أبو الخليل لم يسمع من أبي قتادة (1). قلت: وليثٌ ضعيفٌ بمرَّةٍ. ز: 1002 - وعن أبي خالد الأحمر عن شيخ من أهل المدينة يقال له: عبد الله عن سعيد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تحرم - يعني الصَّلاة - إذا انتصف النَّهار كلَّ يومٍ، إلا يوم الجمعة ". رواه البيهقيُّ، ورواه أيضًا من رواية الإمام الشَّافعيِّ عن إبراهيم بن محمد عن إسحاق بن عبد الله (2) عن سعيد عن أبي هريرة (3). وإبراهيم بن محمد هو: ابن أبي يحيى الأسلميُّ، وقد كذَّبه مالك (4) ويحيى القطَّان (5) ويحيى بن معين (6) وغيرهم O. * * * * * مسألة (196): تحرم النَّوافل بطلوع الفجر إلا ركعتي الفجر. وقال أكثرهم: لا تحرم إلا بعد صلاة الفجر.
لنا حديثان: 1003 - الحديث الأوَّل: قال التِّرمذيُّ: ثنا أحمد بن عَبْدة الضَّبِّيُّ ثنا عبد العزيز بن محمد عن قدامة بن موسى عن محمد بن الحصين عن أبي علقمة عن يسار - مولى ابن عمر - عن ابن عمر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا صلاة بعد الفجر إلا سجدتين " (1). 1004 - الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا يزيد بن الحسن البَّزار ثنا محمد بن إسماعيل الحسَّانيُّ ثنا وكيع ثنا سفيان ثنا عبد الرَّحمن بن زياد بن أنعم عن عبد الله بن يزيد عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتين " (2). قالوا: أمَّا الحديث الأوَّل: فقد قال التِّرمذيُّ: هو غريب، لا نعرفه إلا من حديث قدامة (3). وأمَّا الثَّاني: فابن أنعم هو: الأفريقيُّ، قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ليس بقويٍّ (4). قلنا: أمَّا قدامة: فمعروفٌ، ذكره البخاريُّ (5) في "تاريخه" (6)،
وأخرج عنه مسلمٌ في "صحيحه" (1). وأمَّا الأفريقيُّ: فقد قال يحيى بن معين: لا يسقط حديثه (2). ز: حديث ابن عمر: رواه الإمام أحمد: 1005 - ثنا عفان ثنا وهيب ثنا قدامة بن موسى ثنا أيُّوب بن حُصين التَّميميُّ عن أبي علقمة مولى عبد الله بن عباس عن يسار - مولى عبد الله بن عمر - قال: رآني ابن عمر وأنا أصلِّي بعد ما طلع الفجر، فقال: يا يسار، كم صلَّيت؟ قلت: لا أدري. قال: لا دريت، إنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج علينا ونحن نصلِّي هذه الصَّلاة، فقال: " ألا ليبلِّغ شاهدكم غائبكم، ألا لا صلاة بعد الصُّبح إلا سجدتان " (3). ورواه أبو داود عن مسلم بن إبراهيم عن وهيب (4)، وروى منه ابن ماجه: " ليبلِّغ شاهدكم غائبكم " عن أحمد بن عبدة بإسناد التِّرمذيِّ (5). قال ابن أبي حاتم: محمد بن حصين التَّميميُّ، وقال بعضهم: أيُّوب ابن حصين، ومحمد أصحُّ (6). وسُئل عنه الدَّارَقُطَْنِيُّ فقال: يرويه الدَّراورديُّ عن قدامة بن موسى عن محمد بن الحصين عن أبي علقمة مولى ابن عباس عن يسار مولى ابن عمر عن ابن
عمر، وتابعه عمر بن عليٍّ المقدَّميُّ. وخالفهم سليمان بن بلال ووهيب فروياه عن قدامة بن موسى عن أيُّوب ابن الحصين عن أبي علقمة عن يسار عن ابن عمر. ويشبه أن يكون القول قول سليمان بن بلال ووهيب، لأنَّهما ثبتان. فقد اختلف قول ابن أبي حاتم وقول الدَّارَقُطْنِيِّ، والله أعلم بالصَّواب. 1006 - وقال الطَّبرانيُّ: ثنا يحيى بن أيُّوب العلاف ثنا سعيد بن أبي مريم أنا يحيى بن أيُّوب حدَّثني محمد بن النّيل أنَّ أبا بكر بن يزيد بن سرجس حدَّثه أنَّ عبد الله بن عمر رأى مولى له - يقال له: يسار - يصلِّي بعد طلوع الفجر، فقال: ما هذه الصَّلاة؟ فقال: شيءٌ بقي عليَّ من حزبي. فقال ابن عمر: خرج علينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد صلاة الفجر، فقال: " إذا طلع الفجر فلا صلاة إلا ركعتين، فليبلِّغ الشَّاهد الغائب ". محمد بن النّيل وشيخه: لا يعرفان. 1007 - وقال أبو يعلى الموصليُّ في "مسنده": " حدَّثنا هارون بن معروف ثنا ابن وهب ثنا يحيى بن أيُّوب عن عبيد الله بن زَحْر عن محمد بن أبي أيُّوب عن أبي علقمة مولى بني هاشم عن عبد الله بن عمر أنَّه رأى مولى له - يقال له: يسار - يصلِّي بعد الفجر فنهاه، فقال: إنَّه بقي من حزبي. فقال له عبد الله: أفلا أخَّرته حتى يكون ذلك من النَّهار؟ ثُمَّ قال عبد الله: خرج علينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والنَّاس يصلُّون بعد طلوع الفجر، فقال: " إنَّه لا صلاة بعد الفجر إلا ركعتان " (1).
1008 - وقال أبو أحمد بن عَدِيٍّ في ترجمة محمد بن الحارث الحارثيِّ: حدَّثنا عمران بن موسى بن فضالة ثنا بندار ثنا محمد بن الحارث حدَّثني محمد بن عبد الرَّحمن عن أبيه عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا طلع الفجر فلا صلاة إلا الرَّكعتين قبل المكتوبة " (1). هذا إسنادٌ ضعيفٌ، فإنَّ محمد بن الحارث الحارثيَّ ومحمد بن عبد الرَّحمن البيلمانيَّ: مجمعٌ على ضعفهما. وقد استوفيت الكلام على طرق حديث ابن عمر هذا في جزءٍ مفردٍ. وأمَّا حديث عبد الله بن عمرو: فلا يصحُّ، والأكثر على تضعيف الأفريقيِّ، وقد رواه جعفر بن عون عنه عن عبد الله بن يزيد عن عبد الله بن [عمرو] (2) موقوفًا، ولفظه: لا صلاة بعد أن يصلِّي الفجر إلا ركعتين. 1009 - وروى الحسين بن حفص عن سفيان عن عبد الرَّحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيّب قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا صلاة بعد النِّداء إلا سجدتين - يعني الفجر - ". رواه البيهقيُّ وقال: روي موصولاً بذكر أبي هريرة فيه، ولا يصحُّ وصله (3). والصَّحيح أنَّ النَّهي في الفجر لا يتعلَّق بطلوعه، بل بفعل الصَّلاة، كالعصر، وهذا مذهب الشَّافعيِّ وإحدى الرِّوايتين عن الإمام أحمد. والدَّليل على ذلك:
1010 - ما أخرجاه في "الصَّحيحين" - واللفظ لمسلم - عن أبي سعيد الخدريِّ رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشَّمس، ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشَّمس " (1). 1011 - وروى البخاريُّ عن عمر رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشَّمس، ولا صلاة بعد صلاة الصُّبح حتى تطلع الشَّمس " (2). ورواه الإمام أحمد (3) وأبو داود (4) وقالا فيه: (بعد صلاة العصر). وقد تقدَّم (5) حديث عمرو بن عَبَسة وفيه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: " صلِّ الصُّبح ثُمَّ أقصر عن الصَّلاة حتى تطلع الشَّمس ". رواه مسلمٌ (6)، وفي رواية للإمام أحمد - وهذا لفظه (7) - وأبي داود (8) وابن ماجه (9): يا رسول الله، علِّمني ممَّا تعلم وأجهل، فهل من السَّاعات
مسألة (197): إذا طلعت الشمس وهو في صلاة الصبح أتم.
ساعةٌ أفضل من الأخرى؟ قال: " جوف الليل الآخر أفضل، فإنَّها مشهودةٌ متقبَّلةٌ حتى تصلِّي الفجر، ثُمَّ الهه حتى تطلع الشَّمس، وما دامت كالحَجَفة (1) حتى تنتشر " O. * * * * * مسألة (197): إذا طلعت الشَّمس وهو في صلاة الصُّبح أتمَّ. وقال أبو حنيفة: تبطل صلاته. لنا ثلاثة أحاديث: 1012 - الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا عبد الرَّزَّاق ثنا معمر عن الزُّهريِّ عن أبي سلمة عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشَّمس فقد أدركها، ومن أدرك [من] الصُّبح ركعة قبل أن تطلع الشَّمس فقد أدركها، ومن أدرك ركعة من الصَّلاة فقد أدرك الصَّلاة " (2). أخرجاه في "الصَّحيحين" (3). 1013 - الحديث الثَّاني: قال أحمد: وثنا زكريا بن عَدِيٍّ ثنا ابن المبارك عن يونس عن الزُّهريِّ قال: حدَّثني عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أدرك سجدة من العصر قبل أن تغرب الشَّمس، ومن الفجر قبل أن تطلع الشَّمس فقد أدركها " (1). انفرد بإخراجه مسلمٌ، وليس في حديثه ذكر الفجر (2). 1014 - الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمد بن مخلد ثنا العباس بن يزيد ثنا معاذ بن هشام قال: حدَّثني أبي عن قتادة عن عَزْرة بن تميم (3) عن أبي هريرة أنَّ نبيَّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا صلَّى أحدكم ركعةً من صلاة الصُّبح، ثُمَّ طلعت الشَّمس فليصلِّ إليها أخرى " (4). ز: رواه النَّسائيُّ عن عمرو بن عليٍّ عن معاذ (5) O. احتجُّوا: 1015 - بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا عمر بن أحمد بن عليٍّ المروزيُّ ثنا أحمد بن عتيق ثنا محمد بن سنان ثنا همَّام قال: سمعتُ قتادة يحدِّث عن النَّضر بن أنس عن بشير بن نَهِيك عن أبي هريرة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من صلَّى ركعة من الصُّبح، ثُمَّ طلعت الشَّمس، فليصلِّ الصُّبح " (6). وهذا لا حجَّة فيه، لأنَّ معناه فليتمَّ صلاة الصُّبح، بيانه:
1016 - أنَّا قد روينا بهذا الإسناد إلى قتادة عن خِلاس عن أبي رافع عن أبي هريرة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من صلَّى ركعةً من صلاة الصُّبح، ثُمَّ طلعت الشَّمس، فليتمَّ صلاته " (1). ز: وروى هذا الحديث الحاكم، فقال: 1017 - أنا المحبوبيُّ ثنا أبو النَّضر أحمد بن عتيق المروزيُّ ثنا محمد بن سنان العَوَقِيُّ ثنا همَّام ثنا قتادة عن النَّضر بن أنس عن بشير بن نَهِيك عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من صلَّى ركعة من الصُّبح ثُمَّ طلعت الشَّمس، فليصلِّ الصُّبح ". قال الحاكم: على شرطهما إن كان ابن عتيق حفظه، وهو ثقةٌ لكن ثناه أبو إسحاق المزكيُّ ثنا عمر بن عليٍّ الجوهريُّ ثنا أحمد بن عتيق ثنا محمد ثنا همَّام عن قتادة عن خِلاس عن أبي رافع عن أبي هريرة مرفوعًا، والإسنادان صحيحان (2). 1018 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أحمد بن العباس البغويُّ ثنا عبَّاد بن الوليد (3) ثنا عفَّان ثنا همَّام قال: سئل قتادة عن رجلٍ صلَّى ركعةً من صلاة الصُّبح، ثُمَّ طلعت الشَّمس، فقال: حدَّثني خِلاس عن أبي رافع عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يتمُّ صلاته " (4). ورواه النَّسائيُّ عن أبي داود عن أبي الوليد عن همَّام (5) O. * * * * *
مسألة (198): إذا صلى فريضة ثم أدركها في جماعة، استحب له
مسألة (198): إذا صلَّى فريضة ثُمَّ أدركها في جماعة، استحبَّ له إعادتها، إلا المغرب. وعنه: أَنَّه يفعل المغرب، إلا أنَّه يشفعها برابعة. وقال أبو حنيفة: لا يعيد إلا الظُّهر وعشاء الآخرة. وقال الشَّافعيُّ: يعيد الجميع والمغرب ولا يشفعها (1). 1019 - قال الإمام أحمد: ثنا هُشيم أنا يعلى بن عطاء قال: حدَّثني جابر (2) بن يزيد بن الأسود العامريُّ عن أبيه قال: شهدتُ مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجَّته. قال: فصلَّيت معه صلاة الفجر في مسجد الخيف، فلمَّا قضى صلاته إذا هو برجلين في آخر المسجد لم يصلِّيا معه، فقال: " عَلَيَّ بهما " فأُتي بهما ترعد فرائصهما، قال: " ما منعكما أن تصلِّيا معنا؟ ". قالا: يا رسول الله، قد صلِّينا في رحالنا. قال: " فلا تفعلا، إذا صلَّيتما في رحالكما، ثُمَّ أتيتما مسجد جماعة، فصلِّيا معهم، فإنَّها لكما نافلة " (3). قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (4). 1020 - قال أحمد: وثنا وكيع ثنا سفيان عن زيد بن أسلم عن ابن مِحْجَن عن أبيه قال: أتيت النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو في المسجد، فحضرت الصَّلاة، فصلَّى، وقال لي: " ألا صلَّيت؟ " قلت: يا رسول الله، إنِّي قد صلَّيت في الرَّحل، ثُمَّ أتيتك. قال: " فإذا جئت فصلِّ معهم، واجعلها نافلة " (5).
وقد روى قومٌ حديث العامريِّ فقالوا: (وليجعل التي صلَّى في بيته نافلة). والصَّحيح جعل هذه نافلة، كذلك رواه المتقنون. ز: حديث يزيد بن الأسود: رواه أبو داود (1) والتِّرمذيُّ (2) والنَّسائيُّ (3). وجابر بن يزيد: وثَّقه النَّسائيُّ (4). وحديث مِحْجَن: رواه النَّسائيُّ (5). 1021 - وعن أبي ذرٍّ قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخِّرون الصَّلاة عن وقتها - أو يميتون الصَّلاة عن وقتها - ". قال: قلت: فما تأمرني؟ قال: " صلِّ الصَّلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم فصلِّ، فإنَّها لك نافلةٌ ". رواه مسلمٌ (6)، وفي الباب عن جماعة من الصَّحابة O. احتجُّوا: 1022 - بما رواه الإمام أحمد: ثنا يحيى عن حسين بن ذكوان ثنا عمرو ابن شعيب ثنا سليمان مولى ميمونة (7) قال: أتيت على ابنِ عمر ذات يومٍ - وهو
بالبلاط - والنَّاس يصلُّون في المسجد، فقلت: ما يمنعك أن تصلِّي مع النَّاس؟ قال: إنِّي قد صلَّيت، إنِّي سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا تصلِّ صلاةً في يومٍ فريضتين " (1). وجواب هذا: أنَّه لا يعتقد وجوب فريضتين، إنَّما تقع الثَّانية نافلة. ز: وروى هذا الحديث أبو داود (2) والنَّسائيُّ (3) وأبو بكر بن خزيمة في "صحيحه" (4) وأبو حاتم بن حِبَّان البستيُّ (5) وأبو القاسم الطَّبرانيُّ (6) والدَّارَقُطْنِيُّ بطرقٍ عن حسين المعلِّم. وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: تفرَّد به حسين المعلِّم عن عمرو بن شعيب، والله أعلم (7) O. * * * * *
مسائل التطوع
مسائل التَّطوُّع مسألة (199): النَّوافل الرَّاتبة تقضى. وقال مالك: لا تقضى. وعن الشَّافعيِّ كالمذهبين. وقال أبو حنيفة: لا تقضى إلا إذا فاتت مع الفرائض. لنا أربعة أحاديث: الحديث الأوَّل: حديث أبي هريرة: " من لم يصلِّ ركعتي الفجر، فليصلِّهما بعد ما تطلع الشَّمس ". والحديث الثَّاني: حديث قيس. وقد سبقا (1) بإسنادهما في مسألة: فعل النَّافلة في أوقات النَّهي (2). 1023 - الحديث الثَّالث: قال الإمام أحمد: ثنا يزيد أنا هشام عن الحسن عن عمران بن حُصين قال: سرينا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلما كان من آخر الليل عرَّسنا، فلم نستيقظ حتى أيقظنا حرُّ الشَّمس، فجعل الرَّجل منَّا يقوم دهشًا إلى طهوره، فأمرهم النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يسكنوا، ثُمَّ ارتحلنا، فسرنا حتى إذا
ارتفعت الشَّمس نزلنا، ثُمَّ أمر بلالاً فأذَّن، ثُمَّ صلَّى الرَّكعتين قبل الفجر، ثُمَّ أقام فصلَّينا، فقالوا: يا رسول الله، إلا نعيدها في وقتها من الغد؟ قال: " أينهاكم ربُّكم تعالى عن الرِّبا ويقبله منكم؟! " (1). ز: قال عليُّ بن المدينيِّ (2) وأبو حاتم الرَّازيُّ (3) وغيرهما: الحسن لم يسمع من عمران O. 1024 - الحديث الرَّابع: قال أحمد: وثنا عفَّان ثنا حمَّاد بن سلمة ثنا عمرو بن دينار عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: كان النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفرٍ، فقال: " من يكلؤنا الليلة؟ ". فقال بلالٌ: أنا. فاستقبل مطلع الشَّمس، فما أيقظهم إلا حرُّ الشَّمس، فقاموا، فأذَّن بلالٌ، وصلَّوا الرَّكعتين، ثُمَّ صلَّوا الفجر (4). ز: ورواه النَّسائيُّ (5) ومحمد بن هارون الرُّويانيُّ وأبو القاسم الطَّبرانيُّ (6) بطرقٍ عن حمَّاد بن سلمة. وسُئل عنه الدَّارَقُطْنِيُّ فقال: رواه حمَّاد بن سلمة عن عمرو بن دينار عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه. وخالفه ابن عيينة، فرواه عن عمرو عن نافع بن جبير عن رجلٍ من أصحاب النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لم يسمِّه.
مسألة (200): إذا أدرك الإمام وهو في فرض الصبح ولم يصل سنة
وخالفه إبراهيم بن يزيد الخوزيُّ، فرواه عن عمرو عن نافع بن جبير عن أبي شُريح الخزاعيِّ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ووهم فيه. وأشبهها بالصَّواب قول ابن عيينة O. * * * * * مسألة (200): إذا أدرك الإمام وهو في فرض الصُّبح ولم يصلِّ سنَّة الفجر، دخل معه في الفرض. وقال أبو حنيفة: إن كان خارج المسجد ولم يخش فوات الرُّكوع في الثَّانية صلَّى ركعتي الفجر. 1025 - قال الإمام أحمد: ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن ورقاء عن عمرو بن دينار عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّه قال: " إذا أقيمت الصَّلاة، فلا صلاة إلا المكتوبة " (1). انفرد بإخراجه مسلمٌ (2). * * * * * مسألة (201): الأفضل في التَّطوُّع أن يسلِّم من كل ركعتين. وقال أبو حنيفة: من أربع.
لنا أربعة أحاديث: 1026 - الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا إسماعيل ثنا أيُّوب عن نافع عن ابن عمر قال: قال رجلٌ: يا رسول الله، كيف تأمرنا أن نصلِّي من الليل؟ قال: " يصلِّي أحدكم مثنى مثنى، فإذا خشي الصُّبح صلَّى واحدة فأوترت له ما صلَّى من الليل " (1). أخرجاه في "الصَّحيحين" (2). 1027 - الحديث الثَّاني: قال أحمد: ثنا وكيع ثنا شعبة عن يعلى بن عطاء عن عليٍّ الأزديِّ عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صلاة الليل والنَّهار مثنى مثنى " (3). ز: ورواه أبو داود (4) والتِّرمذيُّ (5) وابن ماجه (6) والنَّسائيُّ (7) وابن خزيمة في "صحيحه" (8) وأبو حاتم البستيُّ (9) والدَّارَقُطْنِيُّ (10) بطرقٍ عن شعبة. وقال التِّرمذيُّ: اختلف أصحاب شعبة في حديث ابن عمر، فرفعه
بعضهم، ووقفه بعضهم. وسئل البخاريُّ عن هذا الحديث: أصحيحٌ هو؟ فقال: نعم (1). وقال النَّسائيُّ: هذا الحديث عندي خطأٌ، والله أعلم. وقال ابن أبي داود: هذه سنَّةٌ تفرَّد بها أهل مكَّة (2) O. 1028 - الحديث الثَّالث: قال أحمد: ثنا روح ثنا شعبة قال: سمعتُ عبدَ ربِّه بن سعيد يحدِّث عن أنس بن أبي أنس عن عبد الله بن نافع بن العمياء عن عبد الله بن الحارث عن المطَّلب بن ربيعة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّه قال: " الصَّلاة مثنى مثنى، وتشهد في كلِّ ركعتين " (3). ز: ورواه أبو داود (4) والنَّسائيُّ (5) وابن ماجه (6) إلا أنَّه قال: (المطَّلب بن أبي وداعة) وهو وهمٌ. وقال التِّرمذيُّ: سمعت محمد بن إسماعيل يقول: روى شعبة هذا الحديث عن عبد ربِّه فأخطأ في مواضع: فقال: (عن أنس بن أبي أنس) وهو: (عمران بن أبي أنس)؛ وقال: (عن عبد الله بن الحارث) وإنَّما هو: (عبد الله بن نافع بن العمياء عن ربيعة بن الحارث)؛ وقال: (عن عبد الله بن الحارث عن المطَّلب) وإنَّما هو: (ربيعة بن الحارث بن عبد المطَّلب عن الفضل
ابن عباس). قال: وحديث الليث بن سعد أصحُّ من حديث شعبة (1) O. 1029 - الحديث الرَّابع: قال أحمد: وثنا عليُّ بن إسحاق ثنا ابن المبارك ثنا ليث بن سعد ثنا عبد ربِّه بن سعيد عن عمران بن أبي أنس عن عبد الله ابن نافع عن ربيعة (2) بن الحارث عن الفضل بن العباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الصَّلاة مثنى مثنى، تشهّد في كلِّ ركعتين " (3). ز: رواه التِّرمذيُّ (4) والنَّسائيُّ (5) عن سويد بن نصر عن ابن المبارك O. احتجُّوا: 1030 - بما روى أحمد: ثنا أبو معاوية ثنا عُبيدة عن إبراهيم عن سَهْم ابن مِنْجَاب عن قَزَعَة عن القَرْثَع عن أبي أيُّوب الأنصاريِّ قال: أدمن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربع ركعات عند زوال الشَّمس، فقلت: يا رسول الله، ما هذه الرَّكعات التي أراك قد أدمنتها؟ قال: " إنَّ أبواب السَّماء تفتح عند زوال الشَّمس، فلا ترتج حتى يصلَّى الظُّهر، فأحبُّ أن يصعد لي فيها خيرٌ ". قلت: يا رسول الله، يقرأ فيهنَّ كلهنَّ؟ قال: " نعم ". فقلت: فيهما سلامٌ فاصلٌ؟ قال: " لا " (6). فالجواب: أنَّ هذا الحديث ضعيفٌ:
أمَّا عُبيدة فهو: ابن مُعَتِّب، قال يحيى: ليس بشيءٍ (1). وقال أحمد: ترك النَّاس حديثه (2). وقال محمد بن سعد: كان ضعيفًا جدًّا (3). وقال الفلاَّس: متروكٌ (4). وقال النَّسائيُّ: كان قد تغيَّر (5). قال ابن حِبَّان: اختلط بأخرة، فبطل الاحتجاج به (6). وأمَّا قَزَعَة فهو: ابن سُويد (7)، قال أحمد: هو مضطرب الحديث (8). وقال الرَّازيُّ: لا يحتجُّ به (9). قال أحمد بن خازم: رأيت أحمد بن حنبل وإسحاق بن أبي إسرائيل جاءا إلى الجامع قبل الصَّلاة، فصلَّى أبو عبد الله قبل الصَّلاة عشر ركعات، ركعتين ركعتين، وصلَّى إسحاق ثمان ركعات، أربعًا أربعًا، لم يفصل بينهنَّ بسلام، فقلت لإسحاق: صلَّيت أربعًا؟! فقال: حديث أبي أيُّوب. فجئت إلى أبي عبد الله، فقلت له: صلَّيت مثنى مثنى؟! فقال: حديث ابن عمر: صلاة الليل والنَّهار مثنى مثنى. فقلت له: حديث أبي أيُّوب؟ فقال: رواه قَزَعَة وقَرْثع، ومن قَزَعَة؟ ومن قَرْثع؟ ثُمَّ نحمله على الجواز لا على الأفضل.
ز: روى هذا الحديث أبو داود عن ابن مثنَّى عن محمد بن جعفر عن شعبة عن عُبيدة عن إبراهيم عن ابن مِنْجَاب - وهو سهم - عن قَرْثَع، وقال: عُبيدة ضعيفٌ (1). ورواه التِّرمذيُّ في " الشَّمائل " عن أحمد بن منيع عن هُشيم عن عُبيدة عن إبراهيم عن سَهْم عن قَرْثَع - أو قَزَعَة عن قَرْثَع -، وعن أحمد بن مَنِيع عن أبي معاوية عن عُبيدة عن قَزَعَة عن قَرْثَع، بلا شكٍّ (2). ورواه ابن ماجه عن عليِّ بن محمد الطَّنافسيِّ عن وكيع عن عُبيدة بن مُعَتِّب الضَّبِّيِّ (3). وقَزَعَة هو: ابن يحيى - ويقال: ابن الأسود -، أبو الغادية البصريُّ، تابعيٌّ، روى عن ابن عمر وأبي سعيد وغيرهما، واحتجَّ به البخاريُّ (4) ومسلمٌ (5) في " صحيحيهما "، وقال العجليُّ: بصريٌّ، تابعيٌّ، ثقةٌ (6). وقال ابن خراش: صدوقٌ (7). وذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثِّقات" (8). وأمَّا قَزَعَة بن سُويد بن حُجَير الباهليُّ، أبو محمد البصريُّ، فمتأخرٌ عن ابن يحيى، روى عن ابن المنكدر وأبي الزُّبير وغيرهما، وروى له التِّرمذيُّ
وابن ماجه، وتكلَّم فيه الإمام أحمد (1) ويحيى - في رواية (2) - وأبو حاتم الرَّازيُّ (3) والبخاريُّ (4) وأبو داود (5) والنَّسائيُّ (6)، ووثَّقه ابن معين - في رواية الدَّارميِّ (7) -، وقال ابن عَدِيٍّ: أرجو أنَّه لا بأس به (8). وأمَّا قَرْثع فهو: الضَّبيُّ الكوفيُّ، وقد روى عنه أربعة نفر، وقال أبو معشر: ثنا إبراهيم عن علقمة عن القرثع الضَّبِّيِّ وكان من القرَّاء الأوَّلين (9). وقد سُئل الدَّارَقُطْنِيُّ عن حديث قرثع هذا، فتكلَّم عليه، وذكر الاختلاف فيه، ثُمَّ قال: وقول أبي معاوية أشبه بالصَّواب (10). وذكره ابن خزيمة في "مختصر المختصر" بإسناده، ثُمَّ ضعَّفه وقال: عُبيدة بن مُعَتِّب: ليس ممَّن يجوز الاحتجاج بخبره عند من له معرفة برواية الأخبار، وسمعت أبا موسى يقول: ما سمعت يحيى بن سعيد ولا عبد الرَّحمن ابن مهديٍّ حدَّثا عن سفيان عن عُبيدة بن مُعَتِّب بشيءٍ قطُّ، وسمعت أبا قِلابة يحكي عن هلال بن يحيى قال: سمعتُ يوسف بن خالد السَّمتيَّ يقول لعُبيدة بن مُعَتِّب: هذا الذي ترويه عن إبراهيم، سمعته كلّها؟ قال: منه ما سمعتُه، ومنه ما أقيس عليه. قال: قلت: حدِّثني بما سمعت، فإنِّي أعلم بالقياس منك.
مسألة (202): الوتر سنة.
قال ابن خزيمة: وروى شبيهًا بهذا الخبر الأعمش عن المسيَّب بن رافع عن عليِّ بن الصَّلت عن أبي أيُّوب عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلا أَنَّه ليس فيه: (لا يسلِّم بينهن)، حدَّثناه أبو موسى ثنا أبو أحمد ثنا شَريك عن الأعمش (ح) وحدَّثنا أبو موسى ثنا مؤمَّل بن إسماعيل ثنا سفيان عن الأعمش عن المسَّيب بن رافع عن رجل من الأنصار عن أبي أيُّوب. قال ابن خزيمة: ولست أعرف عليَّ بن الصَّلت هذا، ولا أدري من أيِّ بلاد الله هو؟ ولا أدري ألقي أبا أيُّوب أم لا؟ ولا يحتجُّ بمثل هذه الأسانيد علمي إلا معاند أو جاهل (1) O. * * * * * مسألة (202): الوتر سنَّةٌ. وقال أبو حنيفة: واجبٌ. لنا أحاديث: 1031 - قال الإمام أحمد: ثنا عليُّ بن بحر ثنا عيسى بن يونس ثنا زكريا عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضَمْرة عن عليٍّ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا أهل القرآن، أوتروا، فإنَّ الله يحبُّ الوتر " (2). وقد روى أبو داود من حديث ابن مسعود عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحوه، وقال فيه: فقال أعرابيٌّ: ما تقول؟ قال: " ليس لكَ، ولا لأصحابك " (3).
1032 - قال أحمد: وثنا عبد الرَّحمن بن مهديٍّ ثنا سفيان عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضَمْرة عن عليٍّ قال: الوتر ليس بحتم كهيئة الصَّلاة، ولكنَّه سنَّةٌ سنَّها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1). ز: حديث عاصم بن ضَمْرة عن عليٍّ: رواه أبو داود (2) والتِّرمذيُّ - وحسَّنه - (3) وابن ماجه (4) والنَّسائيُّ (5) وابن خزيمة في "صحيحه" (6) وأبو يعلى الموصليُّ (7) وأبو القاسم الطَّبرانيُّ (8) وغيرهم. وحديث ابن مسعود: رواه ابن ماجه (9) أيضًا، وقد روي مرسلاً، ذكره الدَّارَقُطْنِيُّ في كتاب "العلل" وبيَّن الاختلاف فيه (10) O. 1033 - قال أحمد: وثنا يزيد أنا يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حَبَّان أنَّ ابن مُحَيْرِيز القرشيَّ أخبره أنَّ المُخْدَجِيَّ - رجلٌ من بني كنانة - أخبره أنَّ رجلاً من الأنصار بالشَّام يُكْنى أبا محمد أخبره أنَّ الوتر واجبٌ، فذكر المُخْدَجِيُّ أنَّه راح إلى عبادة بن الصَّامت، فذكر له أنَّ أبا محمد يقول: الوتر واجبٌ. فقال: كذب أبو محمد، سمعتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " خمس صلوات كتبهنَّ
الله تعالى على العباد، مَنْ أتى بهنَّ كان له عند الله تعالى عهد أن يدخله الجنَّة، ومن لم يأت بهنَّ فليس له عند الله عهدٌ، إن شاء عذَّبه، وإن شاء غفر له " (1). قال الخطَّابيُّ: أراد بقوله: (كذب) أخطأ في الفتوى، لأنَّ الكذب إنَّما يكون في الأخبار، ولم يخبر عن غيره. قال: وأبو محمد هو صحابيٌّ، اسمه: مسعود بن زيد بن سبيع (2). كذا قال، ولا نعرفه في الصَّحابة (3). ز: روى هذا الحديث أبو داود (4) والنَّسائيُّ (5) وابن ماجه (6) والرُّويانيُّ والطَّبرانيُّ (7) وأبو حاتم البستيُّ وقال: المُخْدَجِيُّ هو: أبو رفيع (8). وذكره في كتاب "الثِّقات" (9)، وقيل: إنَّ المُخْدَجِيَّ رفيع (10) O. 1034 - قال أحمد: وثنا عبد الرَّحمن بن مهديٍّ عن مالك عن أبي بكر ابن عمر بن عبد الرَّحمن عن سعيد بن يسار عن ابن عمر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوتر
على البعير (1). أخرجاه في "الصَّحيحين" (2). 1035 - وقال التِّرمذيُّ: ثنا قتيبة ثنا مالك بن أنس عن أبي بكر بن عمر بن عبد الرَّحمن عن سعيد بن يسار قال: كنت مع ابن عمر في سفرٍ فتخلَّفت عنه، فقال: أين كنت؟ فقلت: أوترت. فقال: أليس لك في رسول الله أسوة؟! رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوتر على راحلته (3). أخرجاه في "الصَّحيحين" (4). وقد استدلَّ أصحابنا بأحاديث أخر فيها ضعفٌ: 1036 - قال الإمام أحمد: ثنا شجاع بن الوليد عن أبي جناب الكلبيِّ عن عكرمة عن ابن عباس قال: سمعتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ثلاثٌ هُنَّ عَلَيَّ فرائض، وهُنَّ لكم تطوُّع: الوتر، والنَّحر (5)، وصلاة الضحى " (6). 1037 - قال أحمد: وثنا وكيع عن إسرائيل عن جابر عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أمرتُ بركعتي الضُّحى والوتر، ولم تكتب " (7).
1038 - وقال ابن شاهين: حدَّثنا أحمد بن محمد بن سعيد ثنا محمد بن أحمد بن زياد ثنا وضَّاح بن يحيى ثنا مِنْدل عن يحيى بن سعيد عن عكرمة عن ابن عباس [قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (1): " ثلاثٌ عَلَيَّ فريضة، وهُنَّ لكم تطوُّع: الوتر، وركعتا الفجر، وركعتا الضُّحى " (2). 1039 - قال ابن شاهين: وثنا محمد بن عيسى البُرُوجِرْديُّ ثنا عمير (3) بن مرداس ثنا محمد بن بكير ثنا مروان بن معاوية ثنا عبد الله بن [محرَّر] (4) عن قتادة عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أمرت بالضُّحى والوتر، ولم تفرض عَلَيَّ " (5). أمَا أبو جناب: فاسمه: يحيى بن أبي حيَّة، قال يحيى القطَّان: لا أستحلُ الرِّواية عنه (6). وقال الفلاَّس: متروكٌ (7). وأمَّا جابر الجُعفيُّ: فقد سبق جرحه في مواضع (8). وأمَّا الوضَّاح: فقال ابن حِبَّان: لا يحتجُّ به (9).
قال: وابن [محرَّر] (1): كان يكذب (2). احتجَّ الخصم بأحاديث: 1040 - قال أحمد: ثنا الحسين (3) بن يحيى ثنا الفضل بن موسى عن عبيد الله العتكيِّ عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الوتر حقٌّ، فمن لم يوتر فليس منَّا " (4). 1041 - قال أحمد: وثنا وكيع قال: حدَّثني خليل بن مرَّة عن معاوية ابن قُرَّة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من لم يوتر فليس منَّا " (5). 1042 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا إسماعيل بن العباس الورَّاق ثنا محمد بن حسَّان الأزرق ثنا سفيان بن عيينة عن الزُّهريِّ عن عطاء بن يزيد عن أبي أيُّوب عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الوتر حقٌّ واجبٌ، فمن شاء أن يوتر بثلاث فليوتر، ومن شاء أن يوتر بواحدة فليوتر بواحدة " (6). 1043 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا محمد بن مخلد ثنا حمزة بن العباس ثنا عبدان ثنا أبو حمزة قال: سمعتُ محمد بن عبيد الله يحدِّث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه قال: مكثنا زمانًا لا نزيد على الصَّلوات الخمس، فأمرنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاجتمعنا، فحمد الله وأثنى عليه، ثُمَّ قال: " إن الله قد
زادكم صلاة ". فأمرنا بالوتر (1). 1044 - قال أحمد: وثنا يزيد بن هارون ثنا الحجَّاج بن أرطأة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنَّ الله قد زادكم صلاةً، وهي الوتر " (2). 1045 - وقد روي هذا الحديث عن النَّضر [أبي] (3) عُمر (4) عن عكرمة عن ابن عباس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنَّ الله أمدَّكم بصلاةٍ، وهي الوتر ". 1046 - قال أحمد: وثنا يزيد بن هارون أنا محمد بن إسحاق عن يزيد ابن أبي حبيب عن عبد الله بن راشد عن عبد الله بن أبي مُرَّة عن خارجة بن حذافة قال: خرج علينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات غداة، فقال: " لقد أمدَّكم الله بصلاةٍ هي خير لكم من حُمْر النَّعم ". قلنا: وما هي يا رسول الله؟ قال: " الوتر فيما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر " (5). 1047 - قال أحمد: وثنا يحيى بن إسحاق ثنا ابن لهيعة ثنا عبد الله بن هبيرة قال: سمعت أبا تميم الجيشانيَّ يقول: سمعت عمرو بن العاص يقول: أخبرني رجلٌ من أصحاب النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنَّ الله عزَّ وجلَّ
زادكم صلاةً فصلُّوها فيما بين صلاة العشاء إلى صلاة الصُّبح، الوتر، الوتر ". ألا وإنَّه أبو بصرة الغفاريُّ. قال أبو تميم: فكنت أنا وأبو ذرٍّ قاعدين، فأخذ بيدي أبو ذرٍّ، فانطلقنا إلى أبي بصرة، فقال أبو ذرٍّ: يا أبا بصرة أنت سمعت النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إنَّ الله زادكم صلاةً فصلُّوها ما بين صلاة العشاء إلى صلاة الصُّبح، الوتر، الوتر "؟ قال: نعم. قال: أنت سمعته؟ قال: نعم. قال: أنت سمعته؟ قال: نعم (1). 1048 - وقال عبد الله بن الإمام أحمد: ثنا هارون بن معروف ثنا ابن وهب قال: أخبرني يحيى بن أيُّوب عن عبيد الله بن زحر عن عبد الرَّحمن بن رافع التَّنوخيِّ القاضي أنَّ معاذ بن جبل قدم الشَّام، وأهل الشَّام لا يوترون، [فقال لمعاوية: ما لي أرى أهل الشَّام لا يوترون؟] (2) فقال معاوية: وواجب ذلك عليهم؟ قال: نعم، سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " زادني ربِّي عزَّ وجلَّ صلاةً، وهي الوتر، ووقتها ما بين العشاء إلى طلوع الفجر " (3). 1049 - وقد روى أحمد بن عبد الرَّحمن بن وهب عن عمِّه ابن وهب عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " إنَّ الله زادكم صلاةً إلى صلاتكم، وهي الوتر ". والجواب: أمَّا حديث بريدة: ففي إسناده عبيد الله العتكيُّ، قال البخاريُّ: عنده
مناكير (1). وقال النَّسائيُّ: ضعيفٌ (2). وقد وثَّقه يحيى في رواية (3). وأمَّا حديث أبي هريرة: ففيه الخليل بن مُرَّة، ضعَّفه يحيى (4) والنَّسائيُّ (5)، وقال البخاريُّ: منكر الحديث (6). وأمَّا حديث أبي أيُّوب: ففيه محمد بن حسَّان، وقد ضعَّفوه، قال الدَّارَقُطْنِِيُّ: قوله: (واجب) ليس بمحفوظٍ، لا أعلم أحدًا تابع محمد بن حسَّان عليه، إنَّما روي: (الوتر حقٌّ) (7). وقال أصحابنا: لو ثبت (8) لفظة: (حقٍّ) فمعناها: أنَّه مشروع في السّنة؛ وقوله: (ليس منَّا) إذا صحَّ، كان المراد به: لم يتخلَّق بأخلاقنا. وقد روى حديث أبي أيُّوب أبو داود، فقال فيه: (حقٌّ على كلِّ مسلمٍ) (9) ويتأوَّل (10): أنَّه حقٌّ في باب الاستحباب. وأمَّا حديث عمرو بن شعيب: ففيه محمد بن عبيد الله العرزميُّ، قال
أحمد: ترك النَّاس حديثه (1). وطريقه الثَّاني: فيه الحجَّاج بن أرطأة، قال أحمد: لا يحتجُّ به (2). وأمَّا حديث ابن عباس: ففيه النَّضر، قال أحمد: ليس بشيءٍ (3). وقال يحيى: لا يحلُّ لأحدٍ أن يروي عنه (4). وأمَّا حديث خارجة: ففيه ابن إسحاق، وقد كذَّبه مالك (5). وفيه عبد الله بن راشد، وقد ضعَّفه الدَّارَقُطْنِيُّ (6)، وقال البخاريُّ: لا يعرف إلا بحديث الوتر، ولا يعرف سماع ابن راشد من ابن أبي مُرَّة (7). وأمَّا حديث أبي تميم: ففيه ابن لهيعة، وهو متروكٌ. وأمَّا حديث معاذ: ففيه عبيد الله بن زحر، قال يحيى: ليس بشيءٍ (8). وقال ابن حِبَّان: يروي الموضوعات عن الأثبات (9). وفيه عبد الرَّحمن بن رافع، قال البخاريُّ: في حديثه مناكير (10).
وأمَّا حديث ابن عمر: فقال ابن حِبَّان: لا يخفى على من كتب حديث ابن وهب أن هذا الحديث موضوع، وأحمد بن عبد الرَّحمن كان يأتي عن عمِّه بما لا أصل له (1). ز: حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه: رواه أبو داود عن محمد بن المثنَّى عن أبي إسحاق الطََّالْقانيِّ عن الفضل بن موسى (2). ورواه الحاكم وصحَّحه وقال: أبو المنيب ثقةٌ (3). يعني عبيد الله العتكيَّ، ووثَّقه يحيى بن معين أيضًا (4)، وقال عبد الرَّحمن بن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: هو صالح الحديث. وأنكر على البخاريِّ إدخاله في كتاب " الضُّعفاء " وقال: يحوَّل (5). وقد تكلَّم فيه أيضًا النَّسائيُّ (6) وابن حِبَّان (7) والعقيليُّ (8)، وقال ابن عَدِيٍّ: هو عندي لا بأس به (9). وأمَّا حديث معاوية بن قُرَّة عن أبي هريرة: فإنَّه منقطع، قال أحمد: لم يسمع معاوية بن قُرَّة من أبي هريرة ولا لقيه. 1050 - وأمَّا حديث أبي أيُّوب: فرواه الطَّبرانيُّ: ثنا معاذ بن المثنَّى ثنا عبد الرَّحمن بن المبارك ثنا قريش بن حيَّان عن بكر بن وائل عن الزُّهريِّ عن
عطاء بن يزيد عن أبي أيُّوب قال: قال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الوتر حقٌّ، فمن أحبَّ أن يوتر بخمس فليوتر، ومن أحبَّ أن يوتر بواحدة فليوتر " (1). ورواه من طريقٍ أخرى عن عطاء عن أبي أيُّوب مرفوعًا، ولفظه: " فمن شاء يوتر بسبع، ومن شاء يوتر بخمس، ومن شاء يوتر بثلاث، ومن شاء أن يوتر بواحدة " (2). ورواه الإمام أحمد (3) وأبو داود (4) وابن ماجه (5) والنَّسائيُّ (6) وأبو حاتم البستيُّ (7) والحاكم وقال: على شرطهما (8). وسُئل عنه الدَّارَقُطْنِيُّ فقال: رواه بكر بن وائل والأوزاعيُّ والزُّبيديُّ ومحمد بن أبي حفصة وسفيان بن حسين ومحمد بن إسحاق عن الزُّهريِّ مرفوعًا إلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. واختلف عن يونس: فرواه حرملة عن ابن وهب عن يونس مرفوعًا. وخالفه ابن أخي ابن وهب عن عمِّه عن يونس فوقفه. وتابعه عثمان بن عمر عن يونس. واختلف عن معمر: فرفعه عديُّ بن الفضل عن معمر.
ووقفه حمَّاد بن زيد وابن عُليَّة وعبد الأعلى وعبد الرَّزَّاق. واختلف عن ابن عيينة: فرفعه محمد بن حسَّان الأزرق عنه. ووقفه الحميديُّ وقتيبة وسعيد بن منصور. والذين وقفوه عن معمر أثبت ممَّن رفعه (1). وأمَّا قوله في حديث أبي أيُّوب: (فيه محمد بن حسَّان، وقد ضعَّفوه) فليس بصحيح، ولا نعلم أحدًا ضعَّف محمد بن حسَّان، بل قال عبد الرَّحمن ابن أبي حاتم: سمعت منه مع أبي، وهو صدوقٌ، ثقةٌ (2). وأمَّا حديث خارجة: فرواه أبو داود (3) وابن ماجه (4) والتِّرمذيُّ وقال: حديثٌ غريبٌ، لا نعرفه إلا من حديث يزيد (5). ورواه الحاكم وصحَّحه وقال: تركاه لتفرُّد التَّابعيِّ عن الصَّحابيِّ (6). وتضعيف المؤلِّف لابن إسحاق ليس بشيءٍ، وقد تابعه الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب. وقوله في عبد الله بن راشد: (ضعَّفه الدَّارَقُطْنِيُّ) وهمٌ بيِّن، فإنَّه إنَّما ضعَّف عبد الله بن راشد البصريَّ، مولى عثمان بن عفَّان، الرَّاوي عن أبي سعيد
الخدريِّ (1). وأمَّا راوي حديث خارجة فهو: الزَّوفيُّ، أبو الضَّحاك، المصريُّ، قال ابن إسحاق: الزَّوْفيُّ من حمير، وليس إلا حديثه في الوتر، ولا يعرف سماعه من ابن أبي مُرَّة (2). وكذلك قال البخاريُّ: لا يعرف سماعه منه (3). وذكره أبو حاتم بن حِبَّان في كتاب "الثِّقات" (4). وأمَّا حديث أبي تميم: فرواه غير ابن لهيعة عن ابن هبيرة، قال الإمام أحمد: ثنا عليُّ بن إسحاق ثنا عبد الله - يعني ابن مبارك - أنا سعيد بن يزيد حدَّثني ابن هبيرة فذكره (5). وسعيد بن يزيد من الثِّقات، ورواه يحيى الحمانيُّ عن ابن المبارك.
مسألة (203): يجوز الوتر بركعة، فإن أوتر بثلاث فصل بسلام.
وأمَّا حديث معاذ: فلا يثبت، لأنَّ في إسناده ضعفًا (1) وانقطاعًا، فإنَّ عبد الرَّحمن بن رافع التَّنُوخِيَّ - قاضي أفريقية - لم يدرك معاذًا، والله أعلم. وقد روي في ركعتي الفجر حديث صحيح كما روي في الوتر: 1051 - قال البيهقيُّ: أنا أبو عبد الله الحافظ حدَّثني أبو الحسن أحمد ابن محتاج الكُشَانيُّ - ببخارى من أصل كتابه - ثنا عمر بن محمد بن بُجَيْر ثنا العباس بن الوليد الخلاَّل - بدمشق - ثنا مروان بن محمد الدِّمشقيُّ ثنا معاوية بن سلاَّم عن يحيى بن أبي كثير عن أبي نضرة العبديِّ عن أبي سعيد الخدريِّ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنَّ الله عزَّ وجلَّ زادكم صلاةً إلى صلاتكم، هي خير من حُمْر النَّعم، إلا وهي الرَّكعتان قبل صلاة الفجر ". قال العباس بن الوليد: قال لي يحيى بن معين: هذا حديثٌ غريبٌ من حديث معاوية بن سلاَّم، ومعاوية بن سلاَّم محدِّث أهل الشَّام، وهو صدوق الحديث، ومن لم يكتب حديثه - مسنده ومنقطعه - فليس بصاحب حديث. وقال ابن خزيمة: لو أمكنني أن أرحل إلى ابن بُجَيْر لرحلت إليه في هذا الحديث (2) O. * * * * * مسألة (203): يجوز الوتر بركعة، فإن أوتر بثلاث فصل بسلام. وقال أبو حنيفة: الوتر ثلاث بسلام واحد، لا يزيد ولا ينقص.
وقال مالك: بل يسلِّم عقيب الثَّانية. لنا أحاديث: 1052 - قال البخاريُّ: ثنا أبو النُّعمان ثنا حمَّاد بن زيد ثنا أنس بن سيرين عن ابن عمر قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلِّي من الليل مثنى مثنى، ويوتر بركعة (1). 1053 - قال البخاريُّ: وثنا عبيد الله (2) بن موسى أنا حنظلة عن القاسم بن محمد عن عائشة: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلِّي من الليل ثلاث عشرة ركعة، منها الوتر وركعتا الفجر (3). الحديثان في "الصَّحيحين". 1054 - وقال الإمام أحمد: ثنا عبد الصَّمد ثنا همَّام ثنا قتادة عن أبي مجلز قال: سألت ابن عباس عن الوتر، فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ركعة من آخر الليل " (4). وقد ذكرنا في مسألة التَّطوُّع بركعتين (5) من حديث ابن عمر: " فإذا خشي الصُّبح صلَّى واحدة، فأوترت له ما صلَّى من الليل ". وهو في "الصَّحيحين".
1055 - وقال النَّسائيُّ: أنا الحسن بن محمد عن عفَّان ثنا همَّام ثنا قتادة عن عبد الله بن شقيق عن ابن عمر أنَّ رجلاً سأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن صلاة الليل، قال: " مثنى مثنى، والوتر ركعةٌ من آخر الليل " (1). 1056 - قال النَّسائيُّ: وثنا قتيبة ثنا خالد بن زياد عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صلاة الليل مثنى مثنى، والوتر ركعةٌ واحدةٌ " (2). ز: روى حديث عبد الله بن شقيق عن ابن عمر: أبو داود عن محمد ابن كثير عن همَّام (3). وخالد بن زياد: وثَّقه ابن حِبَّان (4) وغيره، وكان على القضاء بترمذ O. فصلٌ ويدلُّ على الفصل بالسَّلام: 1057 - ما روى أحمد: ثنا أبو المغيرة ثنا الأوزاعيُّ قال: حدَّثني أسامة بن زيد قال: حدَّثني زبان (5) بن عبد العزيز قال: حدَّثني عمر بن عبد العزيز عن عائشة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلِّي في الحجرة وأنا في البيت، فيفصل بين الشَّفع والوتر بتسليم يسمعناه (6).
1058 - قال أحمد: وثنا عتَّاب بن زياد ثنا أبو حمزة السُّكَّريُّ عن إبراهيم الصَّائغ عن نافع عن ابن عمر: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفصل بين الوتر والشَّفع بتسليمة يسمعناها (1). أمَّا الحديث الأوَّل: فمنقطعٌ، لأنَّ (2) عمر لم يسمع من عائشة؛ وأسامة ضعيفٌ. والثَّاني أصلح. ز: أسامة بن زيد هو: الليثيُّ المدنيُّ، روى له مسلم في "صحيحه" (3)، ووثَّقه ابن معين (4) وغيره، وتكلَّم فيه الإمام أحمد (5) وغيره. وزبان بن عبد العزيز: هو أخو عمر، ذكره ابن أبي حاتم في كتابه، وقال: روى عنه الليث بن سعد (6). وفي ذلك نظرٌ. وروى حديث نافع عن ابن عمر: أبو حاتم بن حِبَّان البستيُّ (7) والطَّبرانيُّ وقال: لم يرو هذا الحديث عن إبراهيم الصَّائغ إلا أبو حمزة السُّكَّريُّ (8).
وإبراهيم بن ميمون الصَّائغ: وثَّقه ابن معين (1) والنَّسائيُّ في رواية (2)، وقال مرَّةً: ليس به بأس (3). وقال أحمد: ما أقرب حديثه (4). وقال أبو زرعة: لا بأس به (5). وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتجُّ به (6). وقد روى ابن حِبَّان هذا الحديث من رواية الوليد بن مسلم عن الوَضِين ابن عطاء عن سالم عن أبيه (7). الوَضِين فيه كلامٌ O. فصلٌ ويدلُّ على جواز الزِّيادة على الثَّلاث: 1059 - ما روى أحمد: ثنا جرير بن عبد الحميد عن منصور عن الحكم عن مِقْسم عن أمِّ سلمة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوتر بسبعٍ وبخمسٍ، لا يفصل بينهن بسلامٍ ولا كلامٍ (8). ز: رواه النَّسائيُّ من حديث جرير (9) وسفيان (10)، ورواه ابن ماجه
من حديث زهير (1)، كلُّهم عن منصور. ورواه النَّسائيُّ أيضًا من رواية إسرائيل عن منصور، فزاد فيه: ابن عباس (2). 1060 - وروى عن إسماعيل بن مسعود عن يزيد - هو ابن زُريع - عن شُعبة عن الحكم قال: قلت لمِقْسم: إنِّي أسمع الأذان فأوتر بثلاث، ثُمَّ أخرج إلى الصَّلاة خشية أن تفوتني. فقال: إنَّ ذلك لا يصلح إلا بسبع أو خمس. فحدَّثت بذلك مجاهداً ويحيى بن الجزَّار فقالا: سله عمَّن؟ فسألته، فقال: عن الثَّقة عن الثَّقة عن عائشة وميمونة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (3) O. 1061 - وقال التِّرمذيُّ: ثنا إسحاق بن منصور أنا عبد الله بن نمير ثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كانت صلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر من ذلك بخمسٍ، لا يجلس إلا في آخرهنَّ (4). ز: أخرجاه في "الصَّحيحين" (5) O.
احتجَّ الخصم بأربعة أحاديث: 1062 - الحديث الأوَّل: قال التِّرمذيُّ: ثنا هنَّاد ثنا أبو بكر بن عيَّاش عن أبي إسحاق عن الحارث عن عليٍّ قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوتر بثلاث (1). 1063 - الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا الحسن بن رشيق ثنا محمد بن أحمد بن حمَّاد ثنا أبو خالد يزيد بن سنان ثنا يحيى بن زكريا الكوفيُّ ثنا الأعمش عن مالك بن الحارث عن عبد الرَّحمن بن يزيد النَّخعيِّ عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وتر الليل ثلاث، كوتر النَّهار - صلاة المغرب - " (2). 1064 - الحديث الثَّالث: قال أبو حاتم بن حِبَّان: أنا أحمد بن يحيى ابن زهير ثنا عبد الله بن الصَّباح ثنا أبو بحر (3) البكراويُّ عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن سعد بن هشام عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الوتر ثلاث، كصلاة المغرب " (4). 1065 - الحديث الرَّابع: رووا أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن البتيراء. قالوا: وهي الوتر بركعة. والجواب: أمَّا الحديث الأوَّل: ففيه الحارث الأعور، قال الشَّعبيُّ (5) وابن
المدينيِّ (1): هو كذَّابٌ. ثُمَّ لا حجَّة في الحديث، فإنَّا لا نمنع من الوتر بثلاث. وأمَّا حديث ابن مسعود: ففيه يحيى بن زكريا (2)، قال الدَّارَقُطْنِيُّ: لم يروه عن الأعمش مرفوعًا غيره، وهو ضعيفٌ (3). وأمَّا حديث عائشة: ففيه إسماعيل المكيُّ، قال يحيى: ليس بشيءٍ (4). وقال ابن المدينيِّ: لا يكتب حديثه (5). وقال النَّسائيُّ: متروكٌ (6). وأمَّا الحديث الرَّابع: فالمروي عن ابن عمر أَنَّه فسَّر البتيراء: أن يصلِّي بركوعٍ ناقصٍ، وسجودٍ ناقص (7). وقد قابل أصحابنا هذين الحديثين بحديث رواه الدَّارَقُطْنِيُّ: 1066 - ثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا موهب بن يزيد بن خالد ثنا عبد الله ابن وهب قال: حدَّثني سليمان بن بلال عن صالح بن كيسان عن عبد الله بن الفضل (8) عن أبي سلمة و (9) الأعرج (10) عن أبي هريرة عن رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال: " لا توتروا بثلاث، أوتروا بخمس أو بسبع، ولا تشبهوا بصلاة المغرب ". قال الدَّارَقُطْنِيُّ: كلُّهم ثقات (1). ز: ورواه الدَّارَقُطْنِيُّ أيضًا عن ابن أبي داود عن أحمد بن صالح عن ابن وهب، ورواه الحاكم وقال: على شرطهما (2). 1067 - وروى الحاكم أيضًا من رواية عمرو بن الرَّبيع بن طارق ثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن عراك عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا توتروا بثلاث تشبهوا بصلاة المغرب، ولكن أوتروا بخمس، أو بسبع، أو بتسع، أو بإحدى عشرة ركعة، أو أكثر " (3) O. فصلٌ واحتجَّ الخصم على أنَّه لا يسلِّم من ركعتين: 1068 - بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا الحسين بن إسماعيل ثنا أحمد بن منصور ثنا شجاع بن الوليد ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن زرارة بن أبي أوفى عن سعد بن هشام عن عائشة قالت: كان النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يسلِّم في ركعتي الوتر (4). وهذا لا حجَّة لهم فيه، لأنَّه جائزٌ عندنا أن يوتر بثلاث بسلامٍ واحد،
مسألة (204): يجوز التنفل بركعة.
ولكن يجلس عقيب الثَّانية. ز: روى هذا الحديث الإمام أحمد بغير هذا اللفظ (1)، ورواه النَّسائيُّ بهذا اللفظ عن إسماعيل بن مسعود عن بشر بن المفضَّل عن سعيد (2)، ورواه الحاكم ولفظه: (لا يسلِّم في الرَّكعتين الأوليين من الوتر) وقال: على شرطهما (3). وقد نقل عن الإمام أحمد أَنَّه ضعَّف إسناد هذا الحديث (4). 1069 - وقال شيبان بن فرُّوخ: ثنا أبان بن يزيد عن قتادة عن زرارة عن سعد عن عائشة كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوتر بثلاث، لا يقعد إلا في آخرهن. رواه الحاكم (5) O. * * * * * مسألة (204): يجوز التَّنفُّل بركعة. وعنه: لا يجوز، كقول أبي حنيفة. لنا: ما تقدَّم من أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يوتر بركعة (6). * * * * *
مسألة (205): المستحب لمن أوتر بثلاث أن يقرأ في الأولى: بـ {سبح
مسألة (205): المستحبُّ لمن أوتر بثلاث أن يقرأ في الأولى: بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى}، وفي الثَّانية: بـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ}، وفي الثَّالثة: بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}. وقال مالكٌ والشَّافعيُّ (1): يضمُّ إلى سورة الإخلاص المعوذتين. لنا حديثان: 1070 - قال الإمام أحمد: ثنا إسحاق بن عيسى ثنا إسرائيل (2) عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ في الوتر: بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى}، و {قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ}، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (3). ز: رواه التِّرمذيُّ (4) والنَّسائيُّ (5) وابن ماجه (6). وكذا رواه شريك وزكريا بن أبي زائدة ويونس بن أبي إسحاق. ورواه أبو نعيم عن زهير عن أبي إسحاق، ولم يرفعه O. 1071 - قال أحمد: وثنا عبد الرَّزَّاق أنا سفيان عن زبيد عن ذرٍّ بن عبد الله المُرْهبي عن سعيد بن عبد الرَّحمن بن أبزى عن أبيه قال: كان رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوتر: بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى}، و {قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ}، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}؛ وإذا أراد أن ينصرف من الوتر قال: " سبحان الملك القدُّوس ". ثلاث مرَّات، ثُمَّ يرفع صوته في الثَّالثة (1). ز: رواه النَّسائيُّ بطرقٍ كثيرة (2)، وقد أرسله بعضهم O. احتجُّوا: 1072 - بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أحمد بن محمد بن إسماعيل الآدميُّ ثنا أحمد بن منصور ثنا سعيد بن عفير ثنا يحيى بن أيُّوب عن يحيى بن سعيد عن عَمْرة عن عائشة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقرأ في الرَّكعتين اللتين يوتر بعدهما: بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى}، و {قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ}؛ ويقرأ في الوتر {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ}، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} (3). وقد رواه الدَّارَقُطْنِيُّ من حديث محمد بن سلمة (4). والطَّريقان لا يصحَّان: أمَّا الأوَّل: فإنَّ يحيى بن أيُّوب لا يحتجُّ به، قاله أبو حاتم الرَّازيُّ (5).
وأمَّا محمد بن سلمة: فضعيفٌ. وقد أنكر أحمد ويحيى زيادة المعوِّذتين. ز: يحيى بن أيُّوب: من رجال "الصَّحيحين" (1) وقد روى حديثه هذا الحاكم في "المستدرك" وقال: على شرطهما (2). ورواه ابن أبي مريم عن يحيى بن أيُّوب. وقال الخلال في "العلل": ثنا محمد بن إسماعيل ثنا ابن أبي مريم قال: أخبرني عثمان بن الحكم - وكان من أفضل من بمصر - قال: سألت يحيى بن سعيد عن هذا الحديث، فقال: لا أعرفه. يعني حديث الوتر (3). وقال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يُسأل عن يحيى بن أيُّوب المصريِّ، فقال: كان يحدِّث من حفظه، وكان لا بأس به، وكان كثير الوهم في حفظه. فذكرت له من حديثه: عن يحيى عن عَمْرة عن عائشة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقرأ في الوتر ... الحديث، فقال: ها، من يحتمل هذا (4)؟!. وقال مرَّةً: كم قد روى هذا عن عائشة من النَّاس، ليس فيه هذا، وأنكر حديث يحيى خاصةً. انتهى ما ذكره (5).
مسألة (206): يسن القنوت في الوتر في جميع السنة.
وأمَّا محمد بن سلمة الخزاعيُّ (1): فصدَّقه أحمد (2) وغيره، وروى له مسلمٌ في "صحيحه" (3)، وقد روى حديثه أبو داود (4) وابن ماجه (5) والتِّرمذيُّ وقال: حديث حسنٌ غريبٌ (6). رواه محمد بن سلمة عن خُصيف عن عبد العزيز بن جريج عن عائشة. وقال البخاريُّ: عبد العزيز بن جريج عن عائشة في الوتر لا يتابع في حديثه (7) O. * * * * * مسألة (206): يسنُّ القنوت في الوتر في جميع السَّنة. وقال مالكٌ والشَّافعيُّ: لا يسنُّ إلا في النِّصف الأخر من رمضان. لنا: 1073 - ما روى الإمام أحمد: ثنا يزيد أنا حمَّاد بن سلمة عن هشام عن
عمرو (1) عن عبد الرَّحمن بن الحارث بن هشام عن عليٍّ أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول في آخر وتره: " اللهم إنِّي أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك " (2). ز: رواه أبو داود (3) والتِّرمذيُّ (4) وابن ماجه (5) والنَّسائيُّ (6) من حديث حمَّاد، وقال التِّرمذيُّ: حسنٌ غريبٌ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث حمَّاد بن سلمة. وهشام بن عمرو الفزاريُّ: وثَّقه الإمام أحمد (7) ويحيى بن معين (8) وأبو حاتم الرَّازيُّ (9) وغيرهم، وقال أبو داود: هشام أقدم شيخٍ لحمَّاد، وبلغني عن يحيى بن معين أَنَّه قال: لم يرو عنه غير حمَّاد بن سلمة (10). وسئل الدَّارَقُطْنِيُّ عن هذا الحديث، فقال: روي عن إبراهيم بن الحجَّاج عن حمَّاد بن سلمة عن هشام بن عروة عن عبد الرَّحمن بن الحارث عن عليٍّ، وهو وهمٌ.
وقال أسود بن عامر: شاذان عن حمَّاد بن سلمة عن هشام بن عمرو عن عبد الرَّحمن بن الحارث عن عليٍّ، وهو الصَّحيح (1). وقد رواه عبد الله بن أحمد عن إبراهيم بن الحجَّاج عن حمَّاد على الصَّواب (2)، فلعل بعض الرُّواة عن إبراهيم غلط فيه، والله أعلم (3) O. احتجُّوا: 1074 - بما روى الجوهريُّ أنا الحسين بن عمر الضَّرَّاب ثنا حامد بن محمد بن شعيب ثنا شريح (4) بن يونس ثنا هشيم أنا يونس عن الحسن أنَّ عمر ابن الخطَّاب جمع النَّاس على أُبيِّ بن كعب، فكان يصلِّي بهم عشرين ليلة من الشَّهر، ولا يقنت بهم إلا في النِّصف الثَّاني، فإذا كان العشر الأواخر تخلَّف فصلَّى في بيته. والجواب: أنَّ هذا الحديث منقطع، فإنَّ الحسن لم يدرك عمر (5). ثُمَّ هو فعل صحابيٍّ، وما روينا فعل رسول الله، فهو مقدَّمٌ. ز: 1075 - قال أبو داود: ثنا أحمد بن حنبل ثنا محمد بن بكر أنا هشام عن محمد عن بعض أصحابه أنَّ أُبيَّ بن كعب أمَّهم - يعني في رمضان - وكان يقنت في النِّصف الآخر من رمضان.
مسألة (207): لا يسن القنوت في الفجر.
1076 - قال أبو داود: ثنا شجاع بن مَخْلد ثنا هُشيم أنا يونس بن عُبيد عن الحسن أنَّ عمر بن الخطَّاب جمع النَّاس على أُبيِّ بن كعب، فكان يصلِّي لهم عشرين ليلة "، ولا يقنت بهم إلا في النِّصف الباقي، فإذا كانت العشر الأواخر تخلَّف فصلَّى في بيته، فكانوا يقولون: أَبَقَ أُبيٌّ. قال أبو داود: وهذان الحديثان يدلان على ضعف حديث أُبيٍّ: أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قنت في الوتر (1). 1077 - وقال ابن عَدِيٍّ: ثنا الحسين بن عبد الله القطَّان ثنا أيُّوب الوزَّان ثنا غسَّان بن عبيد ثنا أبو عاتكة عن أنس قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقنت في النِّصف من رمضان إلى آخره (2). أبو عاتكة: طريف بن سلمان، وهو ضعيفٌ؛ وقال البيهقيُّ: هذا حديثٌ ضعيفٌ، لا يصحُّ إسناده (3) O. * * * * * مسألة (207): لا يسنُّ القنوت في الفجر. وقال مالكٌ والشَّافعيُّ: يسنُّ. لنا تسعة أحاديث: 1078 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: ثنا يزيد بن هارون أنا أبو مالك قال: قلت لأبي: يا أبت، إنَّك قد صلَّيت خلف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي
بكر وعمر وعثمان وعليٍّ ههنا بالكوفة قريباً من خمس سنين، أكانوا يقنتون؟ فقال: أي بني محدثٌ (1). 1079 - وقال النَّسائيُّ: أنا قتيبة عن خلف عن أبي مالك الأشجعيِّ عن أبيه قال: صلَّيت خلف النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يقنت، وصلَّيت خلف أبي بكر فلم يقنت، وصلَّيت خلف عمر فلم يقنت، وصلَّيت خلف عثمان فلم يقنت، وصلَّيت خلف عليٍّ فلم يقنت. ثُمَّ قال: يا بنيَّ، إنُّها بدعةٌ (2). اسم أبي مالك: سعد بن طارق بن الأشيم، قال البخاريُّ: طارق بن الأشيم، له صحبة (3). وهذا الإسناد صحيحٌ، وقد تعصَّب أبو بكر الخطيب فقال: في صحبة طارق نظرٌ. قال: وإن صحَّ الحديث حملناه على دعاءٍ أحدثه أهل ذلك العصر. وهذا منه تعصُّبٌ باردٌ، إذ لا وجه للنَّظر بعد ثبوت صحبته عند البخاريِّ ومحمد بن سعدٍ (4) وغيرهما ممَّن ذكر الصَّحابة؛ وأمَّا حمله فحمل من لا يفهم، لأنَّ الإنكار كان للدُّعاء في ذلك الوقت، لا لنفس الدُّعاء. ز: روى هذا الحديث أيضًا: ابن ماجه (5) والتِّرمذيُّ وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ (6).
وقد وثَّق أبا مالك: الإمام أحمد بن حنبل (1) ويحيى بن معين (2) وأحمد ابن عبد الله العجليُّ (3)، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، يكتب حديثه (4). وقال النَّسائيُّ: ليس به بأسٌ (5). وقال العقيليُّ: لا يتابع على حديثه عن أبيه في القنوت (6). وذكره أبو حاتم بن حِبَّان في كتاب "الثِّقات" (7). وقال أبو العباس أحمد بن محمد بن مفرج الأشبيليُّ النَّباتيُّ (8): يقال: أمسك يحيى القطَّان عن الرِّواية عنه (9). وقد روى مسلم في "صحيحه" حديثين من رواية يزيد بن هارون عن أبي مالك عن أبيه سوى هذا (10). وقال البيهقيُّ: طارق بن أشيم الأشجعيُّ لم يحفظه عن من صلَّى خلفه، فرآه محدثاً، وقد حفظه غيره، فالحكم له دونه (11).
كذا قال. وقال غيره: ليس في هذا الحديث دليلٌ على أنَّهم ما قنتوا قطُّ، بل [] (1) اتَّفق أن طارقًا صلَّى خلف كلٍّ منهم، وأخير بما رأى، ومن المعلوم أنَّهم كانوا يقنتون في النَّوازل، وهذا الحديث يدلُّ على أنَّهم ما كانوا يحافظون على قنوتٍ راتبٍ O. 1080 - الحديث الثَّاني (2): قال الخطيب في كتاب "القنوت" له: أخبرني عُبيد الله بن أبي الفتح ثنا المعافى بن زكريا (3) ثنا محمد بن مرزوق ثنا محمد ابن عبد الله الأنصاريُّ ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس أنَّ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لا يقنت إلا إذا دعا لقومٍ أو دعا على قومٍ (4). ز: هذا إسنادٌ صحيحٌ، والحديث نصٌّ في أنَّ القنوت مختصٌّ بالنَّازلة. 1081 - وروى أبو حاتم بن حِبَّان من حديث إبراهيم بن سعد عن الزُّهريِّ عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لا يقنت إلا أن يدعو لأحدٍ أو يدعو على أحدٍ (5).
رواته ثقات O. 1082 - الحديث الثَّالث: قال الخطيب: وأخبرني الحسين بن أبي الحسن ثنا عمر بن أحمد الواعظ ثنا أحمد بن محمد بن سعيد ثنا الحسن بن عليٍّ ابن عفَّان ثنا عبد الحميد الحمَّانيُّ عن سفيان عن عاصم عن أنس بن مالك أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يقنت إلا شهرًا واحدًا حتى مات. فإن قالوا: عبد الحميد قد ضعَّفه أحمد (1). قلنا: قد وثَّقه يحيى بن معين (2). ز: عبد الحميد بن عبد الرَّحمن أبو يحيى الحمَّانيُّ: روى له البخاريُّ في "صحيحه" (3). وابن سعيد هو: ابن عقدة الحافظ، وهو صاحب مناكير O. 1083 - الحديث الرَّابع: قال أبو بكر أحمد بن عليٍّ: وأنا أحمد بن أبي
جعفر أنا عبيد الله بن أحمد بن يعقوب ثنا إسحاق بن بيان أنا أبو همَّام ثنا عمر بن عبد الواحد عن ابن ثوبان عن الحسن بن الحرِّ عن إبراهيم عن الأسود عن عمر ابن الخطَّاب أنَّه لم يكن يقنت إلا أن يستنصر، قال: ولا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا أبو بكر. فإن قالوا: ابن ثوبان ضعيفٌ. قلنا: قد قال يحيى: ليس به بأس (1). ز: ابن ثوبان هو: عبد الرَّحمن بن ثابت بن ثوبان، قال الإمام أحمد: أحاديثه مناكير (2). ووثَّقه أبو حاتم (3) وغيره، وقال أبو زرعة: لا بأس به (4). وقال النَّسائيُّ: ليس بالقويِّ (5) O. 1084 - الحديث الخامس: قال أحمد بن عليِّ بن ثابت: وأنا الحسين ابن عمر بن برهان ثنا إسماعيل بن محمد الصَّفَّار أنا عبد الرَّحمن بن مرزوق ثنا شبابة ثنا قيس بن الرَّبيع عن عاصم بن سليمان قال: قلنا لأنس: إنَّ قومًا يزعمون أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يزل يقنت بالفجر. فقال: كذبوا، إنَّما قنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شهرًا واحدًا، يدعو على حيٍّ من أحياء المشركين. فإن قالوا: انفرد به قيس بن الرَّبيع، وقد ضعَّفه يحيى (6). قلنا: قد كان شعبة يثني عليه (7).
1085 - الحديث السَّادس: قال الإمام أحمد: ثنا يحيى عن هشام ثنا قتادة عن أنس قال: قنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شهرًا بعد الرُّكوع، يدعو على حيٍّ من أحياء العرب، ثُمَّ تركه (1). أخرجاه في "الصَّحيحين" (2). 1086 - الحديث السَّابع: قال الحافظ أبو بكر الخطيب: ثنا الحسن بن الحسن بن المنذر ثنا عثمان بن أحمد ثنا إبراهيم بن الهيثم ثنا أبو غسَّان ثنا شريك عن أبي حمزة عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه لم يكن يقنت في شيءٍ من الصَّلوات إلا الوتر، وكان إذا حارب قنت في الصَّلوات كلِّها، يدعو على المشركين. وفي لفظٍ يرويه أبو حمزة أيضًا عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: ما قنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صلاة الغداة إلا ثلاثن ليلة، كان يدعو على فخذٍ من بني سليم، ثُمَّ تركه بعد. أبو حمزة: اسمه ميمون، قال أحمد بن حنبل: هو متروك الحديث (3). وقال يحيى بن معين: لا يكتب حديثه، ليس بشيءٍ (4). وقال النَّسائيُّ: ليس بثقةٍ (5). 1087 - الحديث الثَّامن: قال أبو بكر بن ثابت: وثنا عليُّ بن أبي
عليٍّ المعدِّل أنا أبو زرعة أحمد بن الحسين الرَّازيُّ ثنا عبد الرَّحمن بن محمد الحنظليُّ ثنا أبي ثنا هشام بن عبيد الله ثنا ابن جابر عن حمَّاد عن إبراهيم عن علقمة والأسود قالا: قال عبد الله: ما قنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شيءٍ من الصَّلوات إلا في الوتر، وأنَّه كان إذا حارب يقنت في الصَّلاة كلِّها يدعو على المشركين، وما قنت أبو بكر ولا عمر ولا عثمان حتى ماتوا، ولا قنت عليٌّ حتى حارب أهلَ الشَّام. ابن جابر: اسمه محمد، وقد ضعَّفه يحيى (1) والنَّسائيُّ (2)، وقال أحمد بن حنبل: لا يحدِّث عنه إلا من هو شرٌّ منه (3). وقال الفلاَّس: متروك الحديث (4). 1088 - الحديث التَّاسع: قال الخطيب: وأنا محمد بن عبد الملك ثنا عليُّ بن عمر ثنا أحمد بن إسحاق بن البهلول قال: حدَّثني أبي ثنا محمد بن يعلى السُّلميُّ عن عنبسة بن عبد الرَّحمن عن ابن نافع عن أبيه عن أمِّ سلمة قالت: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن القنوت في الفجر. محمد بن يعلى: ليس بشيءٍ، قال أبو حاتم الرَّازيُّ: هو متروكٌ (5). وقال ابن حِبَّان: لا يجوز الاحتجاج به فيما خالف الثِّقات (6). وقد روى هذا الحديث هيَّاج بن بسطام عن عنبسة عن ابن نافع عن أبيه عن صفيَّة بنت أبي عبيد عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال أحمد: هيَّاج متروك الحديث (1). وقال يحيى: ليس بشيءٍ (2). وقال ابن حِبَّان: يروي المعضلات عن الثِّقات (3). وقال يحيى: وعنبسة ليس بشيءٍ (4). وقال النَّسائيُّ: متروكٌ (5). وقال أبو حاتم الرَّازيُّ: كان يضع الحديث (6). وقال ابن حِبَّان: هو صاحب أشياء موضوعة، لا يحلُّ الاحتجاج به (7). وأمَّا ابن نافع: فاسمه عبد الله، قال يحيى: ليس بشيءٍ (8). وقال عليٌّ: يروي أحاديث منكرة (9). وقال النَّسائيُّ: متروك الحديث (10). ونافع لم يصحّ له سماع من أمِّ سلمة (11). وصفيَّة بنت أبي عبيد لم تدرك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. والاعتماد على الأحاديث الأُول، دون هذه المتأخرة، وإنَّما ذكرناها بعللها لئلا يظنَّ ظانٌّ أنَّا تركنا ما يحتجُّ به.
ز: روى حديث أمِّ سلمة: ابن ماجه عن حاتم بن بكر (1) الضَّبِّيِّ عن محمد بن يعلى زُنْبُور (2) O. وفد احتجَّ الخصم بأحاديث، وأحاديثهم تنقسم أربعة أقسام: أحدها: ما هو مطلق، وأنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قنت؛ وهذا لا تنازع فيه، لأَنَّه قد ثبت أنَّه قنت. والثَّاني: مقيَّدٌ بأنَّه قنت في صلاة الصُّبح، وهذا لا نزاع فيه، لأنَّه قد فعل ذلك شهرًا. والثَّالث: لفظ محتمل (كان يقنت في الصُّبح) فنحمله على ما فعله شهر [اً] (3) بأدلتنا، ومنه: 1089 - ما رواه التِّرمذيُّ: ثنا قتيبة ثنا محمد بن جعفر عن شعبة عن عمرو بن مُرَّة عن ابن أبي ليلى عن البراء بن عازب أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقنت في صلاة الصُّبح والمغرب (4). ز: رواه الإمام أحمد (5) ومسلم (6) وأبو داود (7) والنَّسائيُّ (8)، وقال التِّرمذيُّ: حسنٌ صحيحٌ.
ولم يذكر بعض الرُّواة (المغرب)، وقال الإمام أحمد بن حنبل: ليس يروى عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قنت في المغرب إلا في هذا الحديث (1) O. 1090 - أنبأنا محمد بن عبد الباقي قال: أنبأنا أبو محمد الجوهريُّ أنا عليُّ بن محمد بن لؤلؤ أنا أحمد بن الوليد بن إبراهيم الأزديُّ ثنا عبد الله بن عبد المؤمن ثنا عمر بن حبيب عن هشام عن الحسن عن أنس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقنت بعد الرُّكوع في صلاة الصُّبح في الرَّكعة الأخيرة. ز: هذا إسنادٌ ضعيفٌ، فإنَّ عمر بن حبيب هو: العدويُّ القاضي، وقد كذَّبه يحيى بن معين في رواية (2)، وضعَّفه في أخرى (3)، وقال البخاريُّ: يتكلَّمون فيه (4). وقال النَّسائيّ: ضعيفٌ (5). وقال ابن عَدِيٍّ: هو حسن الحديث، يكتب حديثه مع ضعفه (6). وقال ابن حِبَّان: لا يجوز الاحتجاج به (7). وعبد الله بن عبد المؤمن الواسطيُّ: محلُّه الصِّدق، وقد روى عنه ابن ماجه، وذكره ابن حِبَّان في "الثِّقات" (8). وأحمد بن الوليد: ذكره الخطيب في "تاريخه" وقال: كان صدوقًا (9) O.
واللفظ الرَّابع صريحٌ فيه (1) حجَّتهم: 1091 - قال الإمام أحمد: ثنا عبد الرَّزَّاق أنا أبو جعفر الرَّازيُّ عن الرَّبيع بن أنس عن أنس بن مالك قال: مازال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقنت في الفجر حتى فارق الدُّنيا (2). 1092 - وقال الحافظ أبو بكر الخطيب: أنا عبد الله بن يحيى السُّكَّريُّ أنا جعفر بن محمد بن أحمد الواسطيُّ ثنا موسى بن إسحاق ثنا يحيى بن بشر ثنا جعفر الأحمر عن عيسى بن ماهان عن الرَّبيع بن أنس قال: كنت عند أنس بن مالك، فجاء رجلٌ فقال: ما تقول في القنوت؟ فبدره رجلٌ فقال: قنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعين يومًا. فقال أنس: ليس كما تقول، قنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى قبضه الله عزَّ وجلَّ. 1093 - قال الخطيب: وأنا البرقانيُّ أنا إبراهيم بن محمد المزكيُّ أنا أحمد ابن محمد الأزهر ثنا أبو حمة محمد بن يوسف ثنا عبد الرَّزَّاق أنا سفيان عن أبي جعفر الرَّازيِّ عن الرَّبيع بن أنس عن أنس قال: مازال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقنت حتى فارق الدُّنيا. 1094 - قال الخطيب: وأنا أبو القاسم الأزهريُّ أنا القاضي أبو محمد عبد الله بن محمد بن عتبة (3) أنا أبو بكر بن زياد النَّيسابوريُّ ثنا أحمد بن يوسف السُّلميُّ ثنا عبيد الله بن موسى ثنا أبو جعفر الرَّازيُّ عن الرَّبيع بن أنس عن أنس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قنت شهرًا، يدعو عليهم، ثُمَّ تركه، وأمَّا في الصُّبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدُّنيا.
1095 - قال الخطيب: وأنا إبراهيم بن عمر البرمكيُّ أنا أبو الفتح محمد بن الحسين الحافظ (1) أنا إبراهيم بن عبد العزيز ثنا أحمد بن حمدون ثنا ابن عمَّار (2) ثنا عمر بن أيُّوب عن قيس بن الرَّبيع عن أبي حصين قال: قلت لأنس ابن مالك: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ترك القنوت؟ قال: والله ما زال يقنت حتى لحق بالله. 1096 - قال الخطيب: وأنا ابن الفضل أنا أحمد بن عثمان الآدميُّ ثنا [الحسن] (3) بن الفضل الزَّعفرانيُّ ثنا أبو معمر ثنا عبد الوارث بن سعيد عن عمرو بن عبيد عن الحسن قال: قيل لأنس بن مالك: إنَّما قنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شهرًا. قال: مازال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقنت حتى مات، وأبو بكر حتى مات، وعمر حتى مات. 1097 - قال الخطيب: وأنا محمد بن أحمد بن رزق (4) أنا أحمد بن كامل القاضي ثنا أبو عبد الله أحمد بن محمد بن غالب ثنا دينار بن عبد الله خادم أنس بن مالك عن أنس بن مالك قال: ما زال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقنت في صلاة الصُّبح حتى مات. 1098 - قال الخطيب: وأنا البرقانيُّ أنا أبو بكر الإسماعيليُّ ثنا موسى ابن عيسى بن محمد بن حكيم ثنا صهيب بن محمد بن عبَّاد ثنا حسين بن حكيم
البصريُّ ثنا السَّريُّ بن عبد الرَّحمن عن أيُّوب عن الحسن ومحمد عن أنس قال: ما زال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقنت حتى مات. والجواب: أنَّ جميع هذه الأحاديث الصَّريحة ضعاف: أمَّا الأربعة الأوائل: فراويها أبو جعفر الرَّازيُّ، واسمه عيسى بن ماهان، قال عليُّ بن المدينيِّ: كان يخلِّط (1). وقال يحيى: كان يخطئ (2). وقال أحمد بن حنبل: ليس بقويٍّ في الحديث (3). وقال أبو زرعة: كان يهم كثيرًا (4). وقال ابن حِبَّان: كان يتفرَّد بالمناكير عن المشاهير (5). وأمَّا حديث أبي حصين: فيرويه قيس بن الرَّبيع، قال يحيى: ليس بشيءٍ (6). وقال أحمد: كان كثير الخطأ في الحديث، وروى أحاديث منكرة (7). ثُمَّ إنَّ الرَّاوي عنه عمر بن أيُّوب، قال ابن حِبَّان: لا يحلُّ الاحتجاج به (8). وأمَّا حديث عمرو بن عبيد: فقال أيُّوب السَّختيانيُّ (9) ويونس (1):
كان عمرو يكذب في الحديث. وقال ابن المدينيِّ: ليس بشيءٍ (1). وقال النَّسائيُّ: متروكٌ (2). وأمَّا حديث دينار: فإيراد الخطيب له محتجًا به، مع السكوت عن القدح فيه وقاحةٌ عند علماء النَّقل، وعصبيَّةٌ باردةٌ، وقلَّة دينٍ، لأنَّه يعلم أنَّه باطل، قال أبو حاتم بن حِبَّان: دينار يروي عن أنس أشياء موضوعة، لا يحلُّ ذكره في الكتب إلا على سبيل القدح فيه (3). فواعجباً للخطيب! أما سمع في الحديث الصَّحيح عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من حدَّث عنِّي حديثًا يرى أنَّه كذبٌ، فهو أحد الكاذبين "، وهل مثله إلا كمثل من أنفق بهرجًا ودلَّسه، فإن أكثر النَّاس لا يعرفون الكذب من الصَّحيح، وإذا أورد الحديث محدثٌ حافظٌ، وقع في النُّفوس أنَّه ما احتجَّ به إلا وهو صحيحٌ، ولكنَّ عصبيَّته معروفةٌ، ومن نظر من علماء النَّقل في: كتابه الذي صنَّفه في القنوت، وكتابه الذي صنَّفه في الجهر، ومسألة الغيم، واحتجاجه بالأحاديث التي يعلم وهاءها = عَلِم فرط عصبيَّته. 1099 - وقد روى في كتاب "القنوت" من حديث حمَّاد بن زيد عن العوَّام - رجلٌ من بني مازن - أنَّ أبا بكر وعمر قنتا. أترى هذا يثبت برجلٍ مجهولٍ (4)؟!
وروى من طريق جابر الجُعفيِّ عن عمر وعليٍّ، وجابرٌ كذَّاب. وروى عن عليٍّ من طريق فطر، وهو ضعيفٌ (1). وعن ابن عباس من طريق عمر بن حبيب، وقال يحيى: كان عمر يكذب (2). ومن طريق خلاس بن عمرو، وكان لا يعبأون بحديثه (3) (*)، والبهارج لا تخفى على النُّقاد (4). وأما حديث السَّريِّ (5): ففيه مجاهيل. ثُمَّ جميع هذه الأحاديث محمولةٌ على أَنَّه لم يترك الدُّعاء عند النَّوازل، والكلام في غير النَّوازل. ز: أجود هذه الأحاديث حديث أبي جعفر الرَّازيِّ، وله طرقٌ عدَّةٌ في كتاب "القنوت" للحافظ أبي موسى المدينيِّ. 1100 - قال المحَامليُّ: ثنا أحمد بن منصور وأحمد بن عيسى قالا: ثنا أبو نُعيم ثنا أبو جعفر الرَّازيُّ عن الرَّبيع بن أنس قال: كنت جالسًا عند أنس، فقيل له: إنَّما قنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شهرًا. فقال: ما زال يقنت في صلاة الغداة حتى فارق الدُّنيا.
1101 - وقال الحافظ أبو موسى: أنا الحدَّاد أنا أبو نعيم ثنا فاروق ثنا أبو مسلم ثنا أبو عمر الضَّرير ثنا النُّعمان بن عبد السَّلام عن أبي جعفر الرَّازيِّ عن الرَّبيع عن أنس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قنت حتى مات. 1102 - وقال ابن المقرئ: ثنا أبو يعلى ثنا زهير ثنا وكيع ثنا أبو جعفر الرَّازيُّ عن الرَّبيع عن أنس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قنت في الفجر (1). قال الحاكم: هذا حديثٌ صحيحٌ سنده، وثقةٌ رواته، ذاكرت به بعض الحفَّاظ فقال: غير الرَّبيع بن أنس. فما زلت أتأمَّل التَّواريخ وأقاويل الأئمة في الجرح والتعديل فلم أجد أحدًا طعن فيه (2).
وقال أبو حاتم الرَّازيُّ: الرَّبيع بن أنس صدوق، وهو أحبُّ أليَّ في أبي العالية من أبي خلدة (1). وقال العجليُّ: بصريٌّ صدوقٌ (2). وقال النَّسائيُّ: ليس به بأسٌ (3). وقال الإمام أحمد بن حنبل في أبي جعفر الرَّازيِّ: صالح الحديث. رواه حنبل عنه (4). وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: ليس بالقويِّ في الحديث (5). وقال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين: كان ثقةً خراسانيًّا، انتقل إلى الرَّيِّ، ومات بها (6). وقال أحمد بن سعد بن أبي مريم عن يحيى بن معين: يكتب حديثه ولكنَّه يخطئ (7). وقال أبو بكر بن أبي خيثمة عن يحيى بن معين: صالحٌ (8). وقال عباس الدُّوريُّ عن يحيى بن معين: ثقةٌ، وهو يغلط فيما يروي عن مغيرة (9). وقال عبد الله بن عليِّ بن المدينيِّ عن أبيه: هو نحو موسى بن عبيدة، وهو يخلِّط فيما روى عن مغيرة ونحوه (1). وقال محمد بن
عثمان بن أبي شيبة عن عليِّ بن المدينيِّ: كان عندنا ثقةٌ (1). وقال محمد بن عبد الله بن عمَّار الموصليُّ: ثقةٌ (2). وقال عمرو بن عليٍّ: فيه ضعفٌ، وهو من أهل الصِّدق، سيء الحفظ (3). وقال أبو زرعة: شيخٌ يهم كثيرًا (4). وقال أبو حاتم: ثقةٌ، صدوقٌ، صالحُ الحديث (5). وقال زكريا بن يحيى السَّاجيُّ: صدوقٌ، ليس بمتقن (6). وقال النَّسائيُّ: ليس بالقويِّ (7). وقال ابن خراش: سيء الحفظ، صدوقٌ (8). وقال ابن عَدِيٍّ: له أحاديث صالحة، وقد روى عنه النَّاس، وأحاديثه عامتها مستقيمة، وأرجو أَنَّه لا بأس به (9). وقال محمد بن سعد: كان أصله من مرو، ومن قريةٍ يقال لها: (بُرَز)، وهي التي نزلها الرَّبيع بن أنس، ثُمَّ تحوَّل أبو جعفر بعد ذلك إلى الرَّيِّ فمات بها، فقيل له: الرَّازيُّ، وكان ثقةً، وكان يقدم بغداد فيسمعون منه (10) وإن صحَّ الحديث فهو محمولٌ على أَنَّه ما زال يطوِّل في صلاة الفجر، فإنَّ القنوت لفظٌ مشتركٌ بين الطَّاعة والقيام والسُّكوت والخشوع وغير ذلك، قال الله تعالى {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ} [النحل: 120]، وقال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ} [الزمر: 9]، وقال تعالى: {وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} الاَية [الأحزاب: 31]، وقال: {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي
وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران: 43]، وقال: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238]، وقال {كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ} [البقرة: 116]، وقال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أفضل الصَّلاة طول القنوت ". 1103 - وقال الحسن بن سفيان في "مسنده": ثنا جعفر بن مهران السَّبَّاك ثنا عبد الوارث بن سعيد ثنا عوف عن الحسن عن أنس قال: صلَّيت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم يزل يقنت في صلاة الغداة حتى فارقته، وخلف عمر فلم يزل يقنت في صلاة (1) حتى فارقت. رواه أبو سعيد النَّقَّاش عن بشر بن أحمد ومنصور بن العباس ومحمد بن أحمد العُمريُّ ومحمد بن أحمد بن القاسم الدِّهِسْتانيُّ قالوا: ثنا الحسن بهذا. قال الحافظ أبو موسى: وجعفر بن مهران من جملة الثِّقات، فلم يبق في هذا الإسناد إشكالٌ يطعن به عليه. 1104 - وقال أبو خليفة: ثنا أبو معمر ثنا عبد الوارث عن عمرو عن الحسن عن أنس قال: صلَّيت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يزل يقنت بعد الرُّكوع حتى فارقته، وصلَّيت مع أبي بكر وعمر فلم يزالا يقنتان بعد الرُّكوع في صلاة الغداة حتى فارقتهما. وكذا رواه أبو عمر الحوضيُّ عن عبد الوارث فقال: عن عمرو، وهو ابن عبيد رأس الاعتزال. وهذا هو المحفوظ عن عبد الوارث، وهو علَّةٌ لحديث السَّبَّاك، ولعلَّه عند عبد الوارث عن هذا وعن هذا لكنَّه بعيدٌ، ولو كان عند أبي معمر عن عبد الوارث عن عوف ما تأخَّر البخاريُّ عن إخراجه، والسَّبَّاك ثقةٌ، لكنَّ الثِّقة يغلط.
1105 - وقال سفيان: عن منصور عن إبراهيم عن أبي الشَّعثاء - وهو من أئمة التَّابعين - قال: سألت ابن عمر عن القنوت في الفجر، فقال: ما شعرت أنَّ أحدًا يفعله. 1106 - وقال مالك عن نافع: كان ابن عمر لا يقنت في الفجر. 1107 - وقال عبد الله بن أبي نجيح: سألت سالم بن عبد الله: هل كان عمر يقنت في الصُّبح؟ قال: لا، إنَّما هو شيءٌ أحدثه النَّاس. 1108 - وقال معمر: كان الزُّهريُّ يقول: من أين أخذ النَّاس القنوت - وتعجَّب -؟! إنَّما قنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أيَّامًا ثُمَّ ترك ذلك. قال أبو محمد بن حزم: صحَّ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعن أصحابه، أنَّهم قنتوا وتركوا، وكلٌّ مباح؛ فأمَّا قول مالك (1) الأشجعيِّ (إنَّه بدعة) فمراده الرَّاتب، وأخبر بما رأى من التَّرك: وجهل الفعل في وقتٍ. قال: والعجب من المالكيَّة يحتجُّون بابن عمر قولاً وفعلاً ثُمَّ سهل عليهم مخالفته ومخالفة أبيه وابنه! قال: والقنوت يمكن أن يخفى، لأنَّه سكوتٌ متصلٌ بقيامٍ (2). وقد قنت نبيُّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرَّات في أوقاتٍ مختلفةٍ، قنت للقرَّاء، وقنت يدعو بالنَّجاة للمستضعفين بمكَّة، وقنت يوم أحدٍ. واعلم أنَّ قول المؤلِّف في حديث قيس بن الرَّبيع: (ثُمَّ إنَّ الرَّاوي عنه عمر بن أيُّوب، قال ابن حِبَّان: لا يحلُّ الاحتجاج به) وهمٌ، فإن ابن حِبَّان
مسألة (208): الأفضل في القنوت بعد الركوع.
إنَّما ضعَّف عمر بن أيُّوب المزنيَّ (1)، وأمَّا الرَّاوي عن قيس فهو الموصليُّ أبو حفص العبديُّ، وقد روى له مسلمٌ في "صحيحه" (2)، وروى عنه الإمام أحمد بن حنبل، وأثنى عليه (3)، وقال يحيى بن معين: ثقةٌ مأمون (4). وقال أبو داود: ثقةٌ (5). قد ترك المؤلِّف الكلام على غير واحدٍ من الضُّعفاء والمجاهيل، وتكلَّم في من هو أحسن حالاً منهم، فممَّن لم ينبِّه عليه من الضُّعفاء: أبو عبد الله أحمد ابن محمد بن غالب، الرَّاوي عن دينار، ويعرف بـ " غلام خليل "، وكان كذَّابًا، وقال أبو داود: أخشى أن يكون دجَّال بغداد (6). ولمَّا مات لم يصلِّ عليه أبو داود، وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: متروكٌ (7). وقال ابن عَدِيٍّ: هو بيِّن الأمر في الضُّعفاء (8) O. * * * * * مسألة (208): الأفضل في القنوت بعد الرُّكوع. وقال مالك وأبو حنيفة: قبله.
لنا حديثان: أحدهما: حديث أنس: قنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد الرُّكوع شهرًا. وقد تقدَّم بإسناده (1)، وهو في "الصَّحيحين". 1109 - وقال الإمام أحمد: ثنا يحيى أنا التَّيميُّ عن أبي مجْلَز عن أنس قال: قنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شهرًا بعد الرُّكوع، يدعو على رِعْل وذَكْوان (2). انفرد بإخراجه مسلمٌ (3). 1110 - الحديث الثَّاني: قال الخطيب: أنا محمد بن أحمد الدَّقَّاق أنا محمد بن عبد الله الشَّافعيُّ ثنا أبو الوليد محمد بن أحمد الأنطاكيُّ ثنا محمد بن كثير (4) عن الأوزاعيِّ عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قنت في صلاة العشاء الآخرة، في الرَّكعة الأخيرة بعد الرُّكوع. احتجُّوا بحديثين: 1111 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: ثنا أبو معاوية ثنا عاصم الأحول عن أنس، قال: سألته عن القنوت: أقبل الرُّكوع أو بعد الرُّكوع؟ [فقال: قبل الركوع.] (5) فقلت: إنََّّهم يزعمون أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قنت بعد الرُّكوع؟ فقال: كذبوا (6).
أخرجاه في "الصَّحيحين" (1). 1112 - الحديث الثَّاني: قال الخطيب: ثنا أبو الحسن أحمد بن محمد الأهوازيُّ أنا أحمد بن محمد بن سعيد ثنا أحمد بن الحسين بن عبد الملك ثنا منصور ابن أبي نويرة عن شريك عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقنت في الوتر قبل الرُّكوع. والجواب: أنَّ حفَّاظ الحديث قدَّموا أحاديثنا، فقال أبو بكر الخطيب: الأحاديث التي جاء فيها قبل الرُّكوع كلُّها معلولةٌ. ز: خبر عاصم في "الصَّحيحين"، وقد نقل أنَّه محمول على طول القيام، وتطويل الصُّبح. 1113 - وروى عبد العزيز بن صهيب عن أنس أنَّه سئل عن القنوت: بعد الرُّكوع أو عند فراغٍ من القراءة؟ قال: لا، بل عند فراغٍ من القراءة. رواه البخاريُّ (2). وقال الأثرم: قلت لأحمد: يقول أحدٌ في حديث أنس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قنت قبل الرُّكوع غير عاصم الأحول؟ فقال: ما علمت أحدًا يقوله غيره، خالفهم كلَّهم: هشام عن قتادة، والتَّيميُّ عن أبي مجلز، وأيُّوب عن ابن سيرين، وغير واحدٍ عن حنظلة السَّدوسيُّ، كلَّهم عن أنس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قنت بعد الرُّكوع.
قيل لأحمد بن حنبل: سائر الأحاديث أليس إنَّما هي بعد الرُّكوع؟ قال: بلى، خُفاف بن إيماء وأبو هريرة. قلت لأبي عبد الله: فلم ترخِّص إذًا في القنوت قبل الركوع، وإنما صحَّ بعده؟! فقال: القنوت في الفجر بعد الرُّكوع، وفي الوتر يختار بعد الرُّكوع، ومن قنت قبل الرُّكوع فلا بأس، لفعل الصَّحابة واختلافهم، فأمَّا في الفجر فبعد الرُّكوع (1). 1114 - وقال أبو همَّام السَّكونيُّ: ثنا إسماعيل بن جعفر عن حميد عن أنس، وسئل عن القنوت في صلاة الصُّبح: قبل الرُّكوع أم بعد؟ فقال: كلاً قد كنا نفعل، قبل وبعد. رواه ابن ماجه عن نصر بن عليٍّ عن سهل بن يوسف عن حميد (2). وقال أبو موسى المدينيُّ: هذا إسنادٌ صحيحٌ، لا مطعن على أحدٍ من رواته بوجهٍ O. * * * * *
مسائل الجماعة والإمامة
مسائل الجماعة والإمامة مسألة (209): الجماعة واجبةٌ على الأعيان. وزاد داود فجعلها شرطًا. وقال أكثرهم: لا تجب. لنا ثلاثة أحاديث: 1115 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لقد هممت أن آمر المؤذِّن فيؤذِّن، ثُمَّ آمر رجلاً فيصلِّي بالنَّاس، ثُمَّ انطلق معي برجالٍ معهم حزم الحطب إلى قومٍ يتخلَّفون عن الصَّلاة، فأحرِّق عليهم بيوتهم بالنَّار " (1). أخرجه البخاري ومسلم في "الصَّحيحين" (2). 1116 - الحديث الثَّاني: قال أحمد: وثنا يحيى بن آدم ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لقد هممت أن آمر رجلاً فيصلِّي بالنَّاس، ثُمَّ آمر بأُناسٍ لا يصلُّون معنا، فنحرِّق عليهم بيوتهم " (3).
ز: هذا الحديث رواه مسلمٌ بغير هذا اللفظ، فقال: 1117 - ثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ثنا زهير ثنا أبو إسحاق عن أبي الأحوص سمعه منه عن عبد الله أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لقومٍ يتخلَّفون عن الجمعة: " لقد هممت أن آمر رجلاً يصلِّي بالنَّاس، ثُمَّ أحرِّق على رجالٍ يتخلَّفون عن الجمعة بيوتهم " (1). 1118 - قال مسلمٌ: وثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا محمد بن بشر العبديُّ ثنا زكريا بن أبي زائدة ثنا عبد الملك بن عمير عن أبي الأحوص قال: قال عبد الله: لقد رأيتنا وما تخلَّف عن الصَّلاة إلا منافق قد علم نفاقه أو مريضٌ، إن كان المريض ليمشي بين رجلين حتى يأتي الصَّلاة. وقال: إنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علَّمنا سنن الهدى، وإنَّ من سنن الهدى الصَّلاة في المسجد الذي يؤذَّن فيه (2). 1119 - قال مسلم: وثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا الفضل بن دكين عن أبي العميس عن عليِّ بن الأقمر عن أبي الأحوص عن عبد الله قال: من سرَّه أن يلقى الله غدًا مسلمًا، فليحافظ على هؤلاء الصَّلوات حيث ينادى بهنَّ، فإنَّ الله شرع لنبيِّكم سنن الهدى، وإنَّهنَّ من سنن الهدى، ولو أنَّكم صلَّيتم في بيوتكم كما يصلِّي هذا المتخلِّف في بيته لتركتم سنَّة نبيِّكم، ولو تركتم سنَّة نبيِّكم لضللتم، وما من رجلٍ يتطهَّر فيحسن الطُّهور، ثُمَّ يعمد إلى مسجدٍ من هذه المساجد، إلا كتب الله له بكلِّ خطوةٍ يخطوها حسنةً، ويرفعه بها درجة، ويحطُّ عنه بها سيِّئةً، ولقد رأيتنا وما يتخلَّف عنها إلا منافق معلوم النِّفاق، ولقد كان الرَّجل يؤتى به يهادى بين الرَّجلين حتى يقام في الصَّف (3) O.
1120 - الحديث الثَّالث: قال أحمد: وثنا أبو النَّضر ثنا شيبان عن عاصم عن أبي رزين عن عمرو بن أمِّ مكتوم قال: جئت رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: يا رسول الله، أنا ضريرٌ، شاسع الدَّار، ولي قائدٌ لا يلائمني، فهل تجد لي رخصة أن أصلِّي في بيتي؟ قال: " أتسمع النِّداء؟ " قلت: نعم. قال: " ما أجد لك رخصةً " (1). ز: رواه أبو داود من حديث حمَّاد بن زيد عن عاصم بن بهدلة (2)، وابن ماجه من رواية زائدة عن عاصم (3)، والحاكم في "المستدرك" من طريق حمَّاد بن سلمة عن عاصم (4). 1121 - وروى سفيان الثَّوريُّ عن عبد الرَّحمن بن عابس عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن ابن أمِّ مكتوم أَنَّه قال: يا رسول الله، إنَّ المدينة كثيرة الهوام والسِّباع. فقال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تسمع (حيَّ على الصَّلاة، حيَّ على الفلاح)؟ " قال: نعم. قال: " فحيَّ هلاً ". رواه أبو داود (5) والنَّسائيُّ (6) والحاكم أبو عبد الله وصحَّحه (7). قال النَّسائيُّ: وقد اختلف على ابن أبي ليلى في هذا الحديث، فرواه بعضهم عنه مرسلاً (8) O.
1122 - طريق آخر: قال أحمد: وثنا عبد الصَّمد (1) ثنا عبد العزيز ابن مسلم ثنا الحصين عن عبد الله بن شدَّاد بن الهاد عن ابن أمِّ مكتوم أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتى المسجد فرأى في القوم رقةً، فقال: " أنِّي لأهمُّ أن أجعل للنَّاس إمامًا، ثُمَّ أخرج فلا أقدر على إنسان يتخلَّف عن الصَّلاة في بيته إلا أحرقته عليه ". فقال ابن أمِّ مكتوم: يا رسول الله، إنَّ بيني وبين المسجد نخلاً وشجرًا، ولا أقدر على قائدٍ كلَّ ساعةٍ، أيسعني أن أصلِّي في بيتي؟ فقال: " أتسمع الإقامة؟ " قال: نعم. قال: " فأتها " (2). ز: رواه الحاكم في " مستدركه " بمعناه، من رواية أبي جعفر الرَّازيِّ عن حصين بن عبد الرَّحمن، وصحَّحه (3) O. احتجَّ داود: 1123 - بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمد بن يحيى [بن] (4) مرداس ثنا أبو داود ثنا قتيبة ثنا جرير عن أبي جناب عن مغراء العبديِّ عن عَدِيٍّ بن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من سمع المنادي فلم يمنعه من اتِّباعه عذرٌ - قالوا: وما العذر؟ قال: خوفٌ أو مرضٌ - لم تقبل منه الصَّلاة التي صلَّى " (5). أبو جناب: اسمه يحيى بن أبي حيَّة، كان يحيى القطَّان يقول: لا
أستحل أن أروي عنه (1). وقال الفلاَّس: متروك الحديث (2). وقال يحيى ابن معين: هو صدوقٌ، لكنَّه يدلِّس (3). ز: روى هذا الحديث أبو داود في "سننه" بهذا الإسناد (4) وأبو حاتم البستيُّ (5) والحاكم (6) بنحوه. وأبو جناب: ضعَّفه عثمان بن سعيد الدَّارميُّ (7) ومحمد بن سعد كاتب الواقديِّ (8) وأحمد بن عبد الله العجليُّ (9) ويعقوب بن سفيان الفارسيُّ (10) والنَّسائيُّ (11) والدَّارَقُطْنِيُّ (12) وغيرهم، وقال أبو زرعة الرَّازيُّ (13) وابن خراش (14): كان صدوقًا، وكان يدلِّس. وقال ابن عَدِيٍّ: هو من جملة الشِّيعة (15).
1124 - وقال ابن ماجه في "سننه": ثنا عبد الحميد بن بيان الواسطيُّ أنا هُشيم عن شعبة عن عَدِيٍّ بن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من سمع النِّداء فلم يأته، فلا صلاة له، إلا من عذر " (1). ورواه بقي بن مخلد عن عبد الحميد، ورواه الدَّارَقُطْنِيُّ عن عليِّ بن عبد الله بن مبشّر عن عبد الحميد (2)، وهو ثقةٌ من شيوخ مسلم (3). 1125 - وقال قاسم بن أصبغ: ثنا إسماعيل بن إسحاق ثنا حفص بن عمر وسليمان بن حرب وعمرو بن مرزوق قالوا: ثنا شعبة عن عَدِيِّ بن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: من سمع النِّداء فلم يجب، فلا صلاة له، إلا من عذر. قال إسماعيل: فبهذا الإسناد رواه النَّاس عن شعبة. 1126 - وحدَّثنا أيضًا سليمان عنه عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من سمع النِّداء فلم يجب فلا صلاة له ". ثنا بهذا سليمان مرفوعًا، وبالأوَّل موقوفًا (4). 1127 - وروى الدَّارَقُطْنِيُّ (5) والحاكم (6) من رواية عبد الرَّحمن بن غزوان قراد عن شعبة عن عَدِيِّ بن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنَّ
النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من سمع النِّداء فلم يجب، فلا صلاة له ". ورواه الحاكم أيضًا من رواية عبد الحميد وغيره عن هُشيم ثنا شعبة ... فذكره، وقال: على شرطهما، وقد وقفه غُنْدر وأكثر أصحاب شعبة، وهُشيم وقُراد ثقتان (1). 1128 - وروى الحاكم من رواية سوار بن سهل البصريِّ: ثنا سعيد ابن عامر عن شعبة عن عَدِيٍّ عن سعيد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من سمع النِّداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذرٍ " (2). تابعه داود عن الحكم عن شعبة. وداود وسوار لا يعرفان. قاله شيخنا أبو الحجَّاج. 1129 - وروى أيضًا من رواية أبي بكر بن عيَّاش عن أبي حَصِيْن عن أبي بُردة عن أبيه: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من سمع النِّداء فارغًا صحيحًا فلم يجب، فلا صلاة له ". وقال: صحيحٌ (3). كذا رواه مرفوعًا، والمعروف أَنَّه موقوفٌ على أبي موسى. وقد رواه البيهقيُّ من رواية أبي بكر بن عيَّاش عن أبي حَصِيْن مرفوعًا، ومن رواية مِسْعَر وزائدة بن قدامة عن أبي حَصِيْن موقوفًا (4)، والله أعلم O. * * * * *
مسألة (210): يكبر المأموم بعد فراغ الإمام من التكبير.
مسألة (210): يكبِّر المأموم بعد فراغ الإمام من التَّكبير. وقال أبو حنيفة: إن شاء كبَّر معه، وإن شاء كبَّر بعده. لنا أربعة أحاديث: 1130 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: ثنا عبد الرَّزَّاق ثنا معمر عن الزُّهريِّ عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنَّما جعل الإمام ليؤتَّم به، فإذا كبَّر فكبِّروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا " (1). 1131 - الحديث الثَّاني: قال أحمد: وثنا يحيى ثنا هشام قال: أخبرني أبي عن عائشة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنَّما جعل الإمام ليؤتمَّ به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا " (2). 1132 - الحديث الثَّالث: قال أحمد: وثنا عبد الرَّحمن عن سفيان عن أبي إسحاق عن عبد الله بن [يزيد] (3) ثنا البراء بن عازب قال: كنَّا إذا صلَّينا خلف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فرفع رأسه من الرُّكوع، لم يحن رجلٌ منَّا ظهره حتى يسجد رسول الله فنسجد (4). الأحاديث الثَّلاثة في "الصَّحيحين". 1133 - الحديث الرَّابع: قال أحمد: وثنا يحيى بن سعيد ثنا هشام ثنا
مسألة (211): لا يكره للعجوز حضور الجماعة.
قتادة عن يونس بن جبير عن حطان بن عبد الله عن أبي موسى عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " أقيموا صفوفكم، وليؤمَّكم أقرؤكم، فإذا كبَّر وركع، فكبِّروا واركعوا، فإنَّ الإمام يركع قبلكم، ويرفع قبلكم، وإذا كبَّر وسجد، فكبِّروا واسجدوا، فإنَّ الإمام يسجد قبلكم، ويرفع قبلكم ". انفرد بإخراجه مسلم (2). * * * * * مسألة (211): لا يكره للعجوز حضور الجماعة. وقال أبو حنيفة: يكره إلا الفجر والعشاء والعيد. 1134 - قال الإمام أحمد: ثنا يحيى عن عُبيد الله قال: أخبرني نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله " (3). 1135 - قال أحمد: وثنا عبد الأعلى عن معمر عن الزُّهريِّ عن سالم عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا استأذنت أحدكم امرأته أن تأتي المسجد فلا يمنعها " (4). 1136 - قال أحمد: وثنا معاوية بن عمرو ثنا زائدة عن الأعمش ثنا مجاهد قال: قال عبد الله بن عمر: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ائذنوا للنساء إلى
مسألة (212): يستحب للنساء أن يصلين جماعة.
المسجد بالليل " (1). الطرق الثَّلاثة في "الصَّحيحين". * * * * * مسألة (212): يستحبُّ للنِّساء أن يصلِّين جماعةً. وعنه: لا يستحبُّ، كقول أبي حنيفة ومالك. لنا: حديث أمِّ ورقة: أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أذن لها أن تؤمَّ نساءها. وقد سبق في مسائل الأذان (2). وروي في حديث: وتصلِّي معهنَّ في الصَّفِّ. * * * * * مسألة (213): إذا صلَّت امرأةٌ في صفِّ الرِّجال لم تبطل صلاتها، ولا صلاة من يليها. وقال أبو حنيفة: تبطل صلاة من يلي جانبيها، ومن يحاذيها من ورائها.
وقال داود: تبطل صلاتها دون الرِّجال. لنا: 1137 - ما روى الإمام أحمد: ثنا سفيان عن الزُّهريِّ عن عروة عن عائشة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلِّي صلاته من الليل، وأنا معترضةٌ بينه وبين القبلة، كاعتراض الجنازة (1). أخرجاه في "الصَّحيحين" (2). احتجُّوا بحديثين: الحديث الأوَّل: قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يقطع الصَّلاة: المرأة، والكلب، والحمار ". وقد ذكرناه بإسناده فيما يقطع الصَّلاة (3). قلنا: إنَّما هذا إذا مرَّت بين يديّ المصلِّي، ولهذا في أوَّل حديث أبي ذرٍّ: " يقطع صلاة الرَّجل إذا لم يكن بين يديه كآخرة الرَّحل: المرأة، والحمار، والكلب الأسود "، وقد ذكرناه أيضًا بإسناده (4). 1138 - الحديث الثَّاني: قال مسلم بن الحجَّاج: ثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك أنَّ جدَّته مليكة دعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لطعامٍ صنعته، فأكل منه، ثُمَّ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قوموا فلأُصَلِّي لكم ". قال أنس: فقمت إلى حصيرٍ لنا قد اسودَّ من
مسألة (214): القارئ الخاتم إذا كان يعرف أحكام الصلاة، أولى من
طول ما لُبس (1)، فنضحته بماءٍ، فقام عليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقمت أنا واليتيم وراءه، وقامت العجوز من ورائنا، فصلَّى بنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ركعتين، ثُمَّ انصرف (2). أخرجاه في "الصَّحيحين" (3). قالوا: وهذا يدلُّ على أنَّه ليس لها في الصَّفِّ موقفٌ. قلنا: لا ينكر أنَّ موقفها متأخِّرٌ، لكن ندبًا لا وجوبًا. * * * * * مسألة (214): القارئ الخاتم إذا كان يعرف أحكام الصَّلاة، أولى من الفقيه الذي لا يحسن إلا الفاتحة، خلافًا لهم. لنا أربعة أحاديث: الحديث الأوَّل: حديث أبي موسى: " وليؤمّكم أقرؤكم ". وقد تقدَّم بإسناده (4). 1139 - الحديث الثَّاني: قال الإمام أحمد: ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن أوس بن ضَمْعَج (5) عن أبي مسعود الأنصاريِّ قال:
قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يؤمُّ القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء، فأعلمهم بالسُّنَّة، فإن كانوا في السُّنَّة سواء، فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء، فأكبرهم سنًّا، ولا تؤمَّنَّ رجلاً في سلطانه، ولا تجلس على تكرمته في بيته، حتى يأذن لك " (1). ز: إسماعيل بن رجاء الزُّبيديُّ الكوفيُّ: وثَّقه يحيى بن معين (2) وأبو حاتم (3) والنَّسائيُّ (4)، وقال الأعمش: كان يجمع صبيان المكاتب ويحدِّثهم، لكي لا ينسى حديثه (5). وأوس بن ضَمْعَج الحضرميُّ ويقال: النخعيُّ الكوفيُّ، روى له الجماعة سوى البخاريُّ هذا الحديث الواحد (6)، وقال ابن أبي حاتم: ثنا محمد بن سعيد المقرئ قال: قيل لعبد الرَّحمن - يعني: ابن الحكم بن بشير -: من أوس ابن ضَمْعَج؟ فقال: قال إسماعيل بن أبي خالد: كان من القرَّاء الأُول. وذكر منه فضلاً (7). وقال محمود بن غيلان: ثنا شبابة ثنا شعبة - وذكر عنده أوس بن ضَمْعَج - فقال: والله ما أراه إلا كان شيطانًا! يعني لجودة حديثه (8). وقال أبو معين الحُسين بن الحسن الرَّازيُّ: قيل ليحيى بن معين: أوس بن
ضَمْعَج الذي روى عن سلمان، وروى عنه أبو إسحاق الهمداني؟ قال: لا أعرفه (1). قال شيخنا أبو الحجَّاج: كأنَّه أراد أنَّه غير الذي روى عنه إسماعيل بن رجاء، وأمَّا الذي روى عنه إسماعيل بن رجاء فإنَّه معروفٌ مشهورٌ، والله أعلم (2) O. 1140 - الحديث الثَّالث: قال أحمد: وثنا يحيى ثنا هشام (3) وشعبة قالا: ثنا قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا كانوا ثلاثة فليؤمُّهم أحدهم، وأحقُّهم بالإمامة أقرؤهم " (4). انفرد مسلمٌ بإخراج هذه الأحاديث الثَّلاثة. 1141 - الحديث الرَّابع: قال أحمد: وثنا إسماعيل أنا أيُّوب عن عمرو ابن سَلِمة قال: كان الرُّكبان يمرُّون بنا راجعين من عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأدنو منهم، فأسمع، حتى حفظت قرآنًا، فانطلق أبي بإسلام قومه، فقال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قدِّموا أكثركم قرآنًا ". فنظروا، فما وجدوا منهم أحدًا أكثر قرآنًا منِّي، فقدَّموني وأنا غلامٌ، فصلَّيت بهم (5). انفرد بإخراجه البخاريُّ (6). * * * * *
مسألة (215): لا تصح إمامة الفاسق.
مسألة (215): لا تصحُّ إمامة الفاسق. وعنه: تصحُّ، كقول أبي حنيفة والشَّافعيِّ. لنا ثلاثة أحاديث: 1142 - الحديث الأوَّل: قال أبو بكر أحمد بن عليٍّ الخطيب: أنبأ أبو الحسن عليُّ بن أحمد الرزَّاز أنا أبو الحسين محمد بن إسماعيل بن موسى الرَّازيُّ ثنا عمرو بن تميم الطَّبريُّ ثنا هوذة بن خليفة عن ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن سَرَّكم أن تزكُّوا صلاتكم، فقدِّموا خياركم ". قال الخطيب: هذا حديثٌ منكرٌ بهذا الإسناد، ورجاله كلُّهم ثقات، والحمل فيه على الرَّازيِّ (1). ز: هذا الحديث ليس بصحيحٍ، ولو صحَّ لم يكن فيه دليلٌ على أنَّ إمامة الفاسق لا تصحُّ. ومحمد بن إسماعيل بن موسى بن هارون أبو الحسين الرَّازيُّ المكتب: ذكره الخطيب في "التَّاريخ"، وروى له أحاديث باطلة غير هذا الحديث، وقال: كان غير ثقةٍ (2). وقال حمزة السَّهميُّ: سمعت أبا محمد ابن غلام الزُّهريِّ يقول: محمد بن إسماعيل بن موسى الرَّازيُّ المكتب ضعيفٌ (3). وكذَّبَه هبة الله بن الحسن الطَّبريُّ اللالكائيُّ الحافظ (4) O. 1143 - الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمد بن أحمد بن أسد
الهرويُّ ثنا الحسين بن نصر المؤدِّب ثنا سلام بن سليمان ثنا عمر - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: هو عندي عمر بن يزيد، قاضي المدائن - عن محمد بن واسع عن سعيد بن جبير عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اجعلوا أئمَّتكم خياركم، فإنَّهم وفدكم فيما بينكم وبين ربِّكم " (1). ز: هذا حديث منكرٌ، ولو صحَّ حُمل على الأولويَّة. وسلام بن سليمان هو: أبو العباس المدائنيُّ الضَّرير، وقد تكلَّم فيه أبو حاتم (2) والعقيليُّ (3) وابن عَدِيٍّ (4). والحسين بن نصر هو: المؤدِّب، أبو عليٍّ الفارسيُّ، ويعرف بـ " الخُرْسيِّ "، ذكره الخطيب في "التَّاريخ"، ولم يتكلَّم فيه بجرحٍ ولا تعديل (5). وشيخ الدَّارَقُطْنِيُّ: وثَّقه الخطيب، ووصفه بالحفظ، ويعرف بـ " ابن البُسْتنبان " (6). وقد روى البيهقيُّ هذا الحديث في " السُّنن الكبير " عن أبي حازم الحافظ عن أبي أحمد الحافظ عن أبي بكر محمد بن أحمد بن أسد الهرويِّ عن حسين بن نصر عن سلام بن سليمان عن عمر بن عبد الرَّحمن بن يزيد عن ابن واسع. وقال: إسناد هذا الحديث ضعيفٌ (7) O.
1144 - الحديث الثَّالث: رواه أصحابنا من حديث عليٍّ عليه السَّلام (1) عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " لا تقدِّموا صبيانكم ولا سفهاءكم في صلاتكم، فإنَّهم وفدكم إلى الله تعالى " (2). ز: هذا حديثٌ لا يصحُّ، ولا يعرف له إسنادٌ صحيحٌ، بل روي بعضه بإسنادٍ مظلمٍ: 1145 - قال عبد الله بن زيدان البجليُّ الكوفيُّ: ثنا أبي ثنا موسى بن هشام البجليُّ عن يحيى بن يعلى ثنا عبد الله بن زيد عن حرملة بن عمر عن (3) عبد العزيز بن حكيم عن عليٍّ بن أبي طالب قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تقدِّموا سفهاءكم في صلاتكم، ولا على جنائزكم، فإنَّهم وفدكم إلى ربِّكم ". قال شيخنا أبو الحجَّاج: في إسناده غير واحدٍ من المجهولين. 1146 - وقد روي عن جابر عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " لا تؤمَّنَّ امراةٌ رجلاً، ولا أعرابيٌّ مهاجرًا، ولا يؤمَّنَّ فاجرٌ مؤمنًا، إلا أن يقهره بسلطانٍ، يخاف سوطه وسيفه ". رواه ابن ماجه عن محمد بن عبد الله بن نمير عن الوليد بن بكير عن عبد الله بن محمد عن عليِّ بن زيد بن جُدعان عن سعيد بن المسيّب عن جابر (4). ورواه موسى بن داود عن الوليد بن بكير فقال: عن محمد بن عبد الله (5).
وابن جُدعان: تكلَّم فيه غير واحدٍ من الأئمة. والحمل في هذا الحديث على: عبد الله بن محمد العدويِّ التَّميميِّ، ويكنى أبا الحباب، قال وكيع: يضع الحديث. رواه ابنه سفيان عنه (1)، وقال البخاريُّ: منكر الحديث، لا يتابع في حديثه (2). وقال أبو حاتم: منكر الحديث، شيخٌ مجهولٌ (3). وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: متروكٌ (4). وقال ابن حِبَّان: لا يجوز الاحتجاج بخبره (5). وقال ابن عَدِيٍّ: له من الحديث شيءٌ يسيرٌ (6) O. احتجُّوا بستَّة أحاديث: 1147 - الحديث الأوَّل: قال عمر (7) بن شاهين: ثنا أحمد بن محمد ابن [أبي] (8) شيبة ثنا [محمد بن عمرو] (9) بن حنان (10) ثنا أبو إسحاق القِنَّسْرِينيُّ قال: حدَّثني فرات بن سلمان عن محمد بن علوان (11) عن الحارث
عن عليٍّ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أصل الدِّين الصَّلاة خلف كلِّ برٍّ وفاجرٍ، والصَّلاة على من مات من أهل القبلة " (1). 1148 - الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمد بن أحمد بن أسد الهرويُّ ثنا أبو الأخوص محمد بن نصر المخرميُّ (2) ثنا محمد بن أحمد الحرانيُّ ثنا مخلد بن يزيد عن عمر بن صبح عن منصور عن إبراهيم عن علقمة والأسود عن عبد الله عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ثلاثٌ من السُّنَّة: الصَّفُّ خلف كلِّ إمامٍ، لك صلاتك وعليه إثمه؛ والجهاد مع كلِّ أميرٍ، لك جهادك وعليه شرُّه؛ والصَّلاة على كلِّ ميِّتٍ من أهل التَّوحيد، وإن كان قاتل نفسه " (3). 1149 - الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا أبو حامد محمد بن هارون الحضرميُّ ثنا عليٌّ ثنا عليُّ بن مسلمٍ ثنا ابن أبي فديك ثنا عبد الله بن محمد ابن يحيى بن عروة عن هشام بن عروة عن أبي صالح السَّمَّان عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " سيليكم بعدي ولاةٌ، فيليكم البرُّ ببرِّه، والفاجر بفجوره، فاسمعوا لهم وأطيعوا فيما وافق الحقَّ، وصلَّوا وراءهم، فإن أحسنوا فلكم، وإن أساءوا فلكم وعليهم " (4). 1150 - طريقٌ ثانٍ: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا محمد بن سليمان النُّعمانيُّ ثنا محمد بن عمرو بن حَنان ثنا بقيَّة ثنا الأشعث (5) عن يزيد بن يزيد بن جابر عن مكحول عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الصَّلاة واجبةٌ عليكم مع كلِّ مسلمٍ، برٍّ كان أو فاجرٍ، وإن هو عمل بالكبائر؛ والجهاد واجبٌ عليكم مع كلِّ
أمير، برٍّ كان أو فاجرٍ وإن هو عمل بالكبائر " (1). 1151 - طريقٌ ثالثٌ: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا أبو روق الهِزَّانيُّ ثنا بحر ابن نصر ثنا ابن وهبٍ قال: حدَّثني معاوية بن صالح عن العلاء بن الحارث (2) عن مكحول عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " صلُّوا خلف كلِّ برٍّ وفاجرٍ، وصلُّوا على كلِّ برٍّ وفاجرٍ، وجاهدوا مع كلِّ برٍّ وفاجرٍ " (3). 1152 - الحديث الرَّابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا محمد بن عبد الله الشَّافعيُّ ثنا محمد بن حمَّاد بن ماهان ثنا عيسى بن إبراهيم البركيُّ (4) ثنا الحارث ابن نبهان ثنا عتبة بن اليقظان عن أبي سعيد عن مكحول عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تكفِّروا أهل مِلَّتكم (5)، وإن عملوا بالكبائر، وصلُّوا مع كلِّ إمامٍ، وجاهدوا مع كلِّ أميرٍ، وصلُّوا على كلِّ ميِّتٍ ". وفي رواية عتبة عن أبي سعيد الشَّاميِّ، وفيه: " صلُّوا على كلِّ ميِّتٍ من أهل القبلة " (6). 1153 - الحديث الخامس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا إسماعيل بن العباس الورَّاق ثنا عبَّاد بن الوليد ثنا الوليد بن الحجَّاج الخرسانيُّ (7) عن مكرم بن حكيم
الخثعميِّ عن سيف بن منير (1) عن أبي الدَّرداء قال: أربع خصال سمعتهن من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، [سمعته] (2) يقول: " لا تكفِّروا أحدًا من أهل قبلتي بذنبٍ، وإن عملوا الكبائر، وصلُّوا خلف كلِّ إمام، وجاهدوا مع كلِّ أميرٍ، والرَّابعة: لا تقولوا في أبي بكر الصِّدِّيق ولا في عمر ولا في عثمان بن عفَّان ولا في عليٍّ إلا خيرًا، قولوا: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ} [البقرة: 134] (3). 1154 - طريقٌ ثانٍ: قال العقيليُّ: ثنا إبراهيم بن عبد الوهَّاب الأَبْزَاريُّ ثنا إسحاق بن وهب العلاَّف (4) ثنا الوليد بن الفضل العنزيُّ (5) ثنا عبد الجبَّار بن الحجَّاج بن ميمون عن مكرم بن حكيم عن منير بن سيف عن أبي الدَّرداء قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " صلُّوا خلف كلِّ إمامٍ، وقاتلوا مع كلِّ أميرٍ " (6). 1155 - الحديث السَّادس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمد بن إسماعيل الفارسيُّ ثنا محمد بن عبد الله البصريُّ ثنا حجَّاج بن نصير ثنا عثمان بن عبد الرَّحمن عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صلُّوا على من
قال: لا إله إلا الله، وصلُّوا خلف من قال: لا إله إلا الله " (1). 1156 - طريقٌ ثانٍ: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا محمد بن عمرو [بن] (2) البختريُّ ثنا محمد بن عيسى بن حَيَّان ثنا محمد بن الفضل ثنا سالم الأفطس (3) عن مجاهد عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صلُّوا على من قال: لا إله إلا الله، وصلُّوا وراء من قال: لا إله إلا الله " (4). 1157 - طريقٌ ثالثٌ: قال الحافظ أبو بكر أحمد بن عليِّ بن ثابت الخطيب: ثنا محمد بن عليِّ بن يعقوب القاضي ثنا إسحاق بن إبراهيم بن أحمد الجرجانيُّ ثنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن سعيد الرَّازيُّ ثنا العباس بن حمزة ثنا عبد السَّلام بن مسلم الدِّمشقيُّ ثنا وهب بن وهب عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " صلُّوا خلف من قال: لا إله إلا الله، وصلُّوا على من قال: لا إله إلا الله " (5). 1158 - طريقٌ رابعٌ: قال الخطيب: وأنا محمد بن عليٍّ بن مخلد ثنا أبو حفص عمر بن محمد النَّاقد ثنا عليُّ بن إسحاق بن زاطِيَا ثنا عثمان بن عبد الله العثمانيُّ ثنا مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " صلُّوا خلف من قال: لا إله إلا الله، وصلُّوا على من مات من أهل لا إله إلا الله " (6).
1159 - طريقٌ خامسٌ: قال الخطيب: وأنا أبو الحسين محمد بن عبد الرَّحمن بن عثمان (1) التَّميميُّ أنا القاضي أبو بكر يوسف بن القاسم الميانجيُّ ثنا عثمان بن نصر الطَّائيُّ ثنا العلاء بن سالم (2) الواسطيُّ ثنا أبو الوليد المخزوميُّ عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صلُّوا على من قال: لا إله إلا الله، وصلُّوا وراء من قال: لا إله إلا الله " (3). والجواب: أمَّا الحديث الأوَّل: ففيه الحارث الأعور، قال الشَّعبيُّ (4) وابن المدينيِّ (5): كان كذَّابًا. وفيه فرات بن سلمان، قال ابن حِبَّان: منكر الحديث جدًّا، يأتي بما لا يشكُّ أَنَّه معمولٌ (6). وأمَّا حديث ابن مسعود: ففيه عمر بن صُبح، قال ابن حِبَّان: كان يضع الحديث (7). وأمَّا حديث أبي هريرة: ففي طريقه الأوَّل: عبد الله بن محمد بن
يحيى، قال أبو حاتم الرَّازيُّ: هو متروك الحديث (1). وقال ابن حِبَّان: لا يحلُّ كتب حديثه (2). وفي طريقه الثَّاني: أشعث، وهو مجروحٌ (3). وبقيَّة مدلسٌ لا يعوَّل على روايته. قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ومكحول لم يلق أبا هريرة (4). وقد روى محمد بن سعد أنَّ جماعةً من العلماء ضعَّفوا رواية مكحول (5). وأمَّا طريقه الثَّالث: ففيه معاوية بن صالح، قال الرَّازيُّ: لا يحتجُّ به (6). وأمَّا حديث واثلة: ففيه مكحول، وقد قلنا فيه، قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وأبو سعيد مجهولٌ (7). وفيه عتبة، قال عليُّ بن الحسين بن الجنيد: لا يساوي شيئًا (8). وفيه الحارث بن نبهان، قال يحيى: ليس بشيءٍ (9). وقال النَّسائيُّ:
متروكٌ (1). وقال ابن حِبَّان: لا يحتجُّ به (2). وأمَّا حديث أبي الدَّرداء: فقال العقيليُّ في الطريق الثَّاني: إسناده مجهولٌ، غير محفوظٍ (3). وقال الدَّارَقُطْنِيُّ في الطََّريق الأوَّل: لا يثبت إسناده، ما (4) بين عبَّاد وأبي الدَّرداء ضعفاء (5). وأمَّا حديث ابن عمر: ففي طريقه الأوَّل: عثمان بن عبد الرَّحمن، قال يحيى: ليس بشيءٍ، كان يكذب (6). وقال البخاريُّ (7) والنَّسائيُّ والرَّازيُّ (8) وأبو داود (9): ليس بشيءٍ. وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: متروكٌ (10). وفي طريقه الثَّاني: محمد بن الفضل، قال أحمد: ليس حديثه بشيءٍ، حديثه حديث أهل الكذب (11). وقال يحيى: كان كذَّابًا (12). وقال
النَّسائيُّ: متروك الحديث (1). وأمَّا الطَّريق الثَّالث: ففيه وهب بن وهب، وكان كذَّابًا يضع الحديث بإجماعهم. وأمَّا الطَّريق الرَّابع: ففيه عثمان بن عبد الله، قال ابن حِبَّان: كان يضع الحديث على الثِّقات، لا يحلُّ كتب حديثه إلا على سبيل الاعتبار (2). وقال ابن عَدِيٍّ: له أحاديث موضوعات (3). وفي طريقه الخامس: أبو الوليد المخزوميُّ، واسمه: خالد بن إسماعيل، قال ابن عَدِيٍّ: كان يضع الحديث على الثِّقات (4). وقال أبو جعفر العقيليُّ: وليس في هذا المتن إسنادٌ يثبت (5). وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ليس فيها ما يثبت (6). وسئل أحمد بن حنبل عن هذا الحديث: " صلُّوا خلف كلِّ برٍّ وفاجرٍ "، فقال: ما سمعنا بهذا. ثُمَّ لو قدَّرنا الصِّحَّة - ولا وجه لها - حملناه على الأُمراء الَّذين يخاف منهم، فيصلِّي وراءهم ما لا يكون إلا بهم، كالجمعة والعيدين. ز: هذه الأحاديث في بعض أسانيدها مجاهيل وضعفاء لم يتكلَّم عليهم
المؤلِّف، وقد نُبِّه على بعضهم في الحواشي، وما نقله من الكلام في غير واحدٍ من الضُّعفاء يشتمل على عِدَّةٍ أوهام، وقد نُبِّه أيضًا على بعضها في الحواشي. ثُمَّ إنَّه أخذ يتكلَّم في مكحول ومعاوية بن صالح وهما من رجال الصَّحيح! وقد روى حديث مكحول عن أبي هريرة: أبو داود في "سننه" عن أحمد ابن صالح عن ابن وهب عن معاوية بن صالح (1). وقال التِّرمذيُّ وغيره: مكحول لم يسمع من أبي هريرة (2). وروى حديث مكحول عن واثلة بن الأسقع: ابن ماجه في "سننه" عن أحمد بن يوسف السُّلميِّ عن مسلم بن إبراهيم عن الحارث بن نبهان عن عتبة بن يقظان (3). وروى حديث عثمان بن عبد الله العثمانيِّ عن مالك عن نافع عن ابن عمر: تمَّام في "فوائده" عن أبي الحسن علي بن الحسين بن محمد بن هاشم الوَّراق البغداديِّ عن أبي العباس أحمد بن عمر بن موسى بن زنجويه عن عثمان (4). وروى حديث أبي الوليد المخزومي عن عبيد الله بن عُمر عن نافع عن ابن عمر: الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد في كتاب "المختارة" من طريق الدَّارَقُطْنِيُّ ثنا يحيى بن محمد بن صاعد ومحمد بن مخلد قالا: ثنا العلاء بن سالم ثنا أبو الوليد المخزومي فذكره (5).
مسألة (216): لا تصح إمامة الصبي في الفرض، وفي النفل روايتان.
وأبو الوليد المخزومي: اسمه خالد بن إسماعيل، وهو كذَّابٌ وضَّاعٌ، وكأنَّ الحافظ أبا عبد الله لم يعرف اسمه، وفي "المختارة" أحاديث كثيرة ضعيفة، وهذا الحديث منها O. * * * * * مسألة (216): لا تصحُّ إمامة الصَّبيِّ في الفرض، وفي النَّفل روايتان. وقال الشَّافعيُّ: تصحُّ في الموضعين. وقد ذكرنا أنَّ أصحابنا قد رووا عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " لا تقدِّموا صبيانكم ". احتجَّ الخصم: 1160 - بما روى البخاريُّ: ثنا سليمان بن حرب ثنا حمَّاد بن زيد عن أيُّوب عن أبي قِلابة عن عمرو بن سَلِمة قال: كنَّا بماء ممرِّ النَّاس، وكان يمرُّ بنا الرُّكبان، فنسألهم: ما للنَّاس؟ ما للنَّاس؟ ما هذا الرَّجل؟ فيقولون: يزعم أنَّ الله أرسله وأوصى إليه بكذا. وكنت أحفظ ذلك الكلام، وكانت العرب تلوَّم (1) بإسلامها الفتح، فيقولون: اتركوه وقومه، فإنَّه إن ظهر عليهم فهو نبيٌّ صادقٌ. فلمَّا كانت وقعة الفتح بادر كلُّ قومٍ بإسلامهم، وبادر أبي قومي بإسلامهم، فلمَّا قدم قال: جئتكم من عند النَّبيِّ حقًّا، قال: " صلُّوا صلاة كذا في حين كذا، وصلاة كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصَّلاة فليؤذِّن أحدكم، وليؤمُّكم أكثركم قرآنًا " فنظروا، فلم يكن أحدٌ أكثر قرآنًا مني، لما
كنت أتلقى من الرُّكبان، فقدَّموني بين أيديهم، وأنا ابن ستِّ سنين، أو سبع سنين، وكانت عَلَيَّ بردةٌ، كنت إذا سجدتُ تقلَّصت عنِّي، فقالت امرأة من الحيِّ: ألا تغطُّوا عنَّا است قارئكم؟! فقطعوا لي قميصًا، فما فرحت بشيءٍ فرحي بذلك القميص. انفرد بإخراجه البخاريُّ (1). والجواب: أَنَّه لا حجَّة في هذا، لأَنَّه كان في أوَّل إسلام القوم، ولم يعلموا بجميع الواجبات، وليس فيه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقرَّ على ذلك. ز: قال أبو داود: قيل لأحمد: حديث عمرو بن سَلِمة. قال: لا أدري أيُّ شيءٍ هذا؟! (2). وقال الخطَّابيُّ: كان أحمد يضعِّف أمر عمرو بن سلمة، وقال مرَّةً: دعه، ليس بشيءٍ (3). وقال عبد الرَّحمن بن أبي حاتم في عمرو بن سلمة: وروى بعضهم أنَّ أباه ذهب به إلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (4). وقال الحافظ عبد الغني المقدسيُّ: هو معدودٌ فيمن نزل البصرة، ولم يلق النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يثبت له سماعٌ منه، وقد وفد [أبوه] (5) سلمة على النَّبيِّ
مسألة (217): لا يصح اقتداء المفترض بالمتنفل، ولا من يصلي الظهر
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد روي من وجهٍ غريبٍ أنَّ عَمْرواً أيضًا قدم على النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1). 1161 - وقد روى الأثرم في "سننه" عن ابن مسعودٍ أنَّه قال: لا يؤمُّ الغلام حتى تجب عليه الحدود. 1162 - وعن ابن عباس قال: لا يؤمُّ الغلام حتى يحتلم (2). وذكر أبو الخطَّاب روايةً عن الإمام أحمد في صحة إمامة الصَّبيِّ في الفرض. وقال ابن عقيل: يخرَّج في صحة إمامة ابن عشر سنين وجهٌ، بناءً على القول بوجوب الصَّلاة عليه O. * * * * * مسألة (217): لا يصحُّ اقتداء المفترض بالمتنفِّل، ولا من يصلِّي الظُّهر بمن يصلِّي العصر. وقال الشَّافعيُّ: يصحُّ، وعن أحمد نحوه. لنا: 1163 - ما روى الإمام أحمد: ثنا عبد الرَّزَّاق ثنا معمر عن الزُّهريِّ عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنَّما جعل الإمام ليؤتَّم به، فلا تختلفوا عليه " (3). أخرجاه في "الصَّحيحين" (4).
ز: هذا الحديث لا دليل فيه على عدم جواز ائتمام المفترض بالمتنفِّل، بل المراد به عدم الاختلاف في الأفعال، لأنَّه إنَّما ذكر في الحديث الأفعال فقال: " فإذا سجد فاسجدوا "، ولهذا صحَّ ائتمام المتنفِّل بالمفترض O. احتجُّوا بثلاثة أحاديث: 1164 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: ثنا سفيان عن عمرو سمعه من جابر قال: كان معاذ يصلِّي مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يرجع فيؤمُّنا. وقال مرَّةً: فيصلِّي بقومه (1). أخرجاه في "الصَّحيحين" (2). وجوابه: أن يقال: هذه قضيَّة في عينٍ، فيحتمل أن يكون معاذ يصلِّي مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نافلة (3).
فإن قالوا: قد جاء في الحديث: (فتكون له تطوَّعًا) (1). قلنا: هذا ظنٌّ من الرَّاوي. 1165 - الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا الحسين بن إسماعيل ثنا محمد بن عمرو بن أبي مذعور ثنا عبد الوهَّاب الثقفيُّ ثنا عنبسة عن الحسن عن جابر أنَّ نبيَّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان محاصِرًا بني محارب، طائفةٌ مقبلةٌ على العدو، وصلَّى بطائفة ركعتين، ثُمَّ سلَّم، فانصرفوا، فكانوا مكان إخوانهم، وجاءت الطَّائفة الأخرى، فصلَّى بهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ركعتين، فكان للنَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربع ركعات، ولكلِّ طائفةٍ ركعتين (2). فحجتَّهم أَنَّه كان بالرَّكعتين الأخريين متنفِّلاً. وجواب هذا: أَنَّه لا يصحُّ، قال يحيى بن معين: عنبسة ليس بشيءٍ (3). وقال النَّسائيُّ: متروكٌ (4). وقال أبو حاتم الرَّازيُّ: كان يضع الحديث (5). وقال ابن حِبَّان: لا يحلُّ الاحتجاج به (6). ز: عنبسة الذي ذكر المؤلِّف فيه الجرح: هو عنبسة بن عبد الرً حمن بن
عنبسة بن سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أميَّة الأمويُّ، وقد تركوه. قاله البخاريُّ (1)، وروى له من أصحاب " السُّنن ": التِّرمذيُّ وابن ماجه (2). وأمَّا راوي هذا الحديث فهو عنبسة بن سعيد القطَّان الواسطيُّ، ويقال: البصريُّ، أخو أبي الرَّبيع السَّمَّان أشعث بن سعيد، وقد تكلَّم فيه غير واحدٍ من الأئمة، قال عباس الدُّوريُّ عن يحيى بن معين: ضعيفٌ (3). وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، يأتي بالطَّامات (4). وقال الفلاَّس: كان مختلطًا، لا يروى عنه، قد سمعت منه، وجلست إليه، متروك الحديث، وكان صدوقًا لا يحفظ (5). وقال أبو عبيد الآجريُّ عن أبي داود: ثقةٌ (6). وقال ابن عَدِيٍّ: بعض أحاديثه مستقيمة، وبعضها لا يتابع عليه (7). وقد روى له أبو داود حديثًا واحدًا، مقرونًا بحميد الطَّويل (8). 1166 - قال النَّسائيُّ في "سننه": أخبرني إبراهيم بن يعقوب ثنا عمرو بن عاصم ثنا حمَّاد بن سلمة عن قتادة عن الحسن عن جابر بن عبد الله أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى بطائفةٍ من أصحابه ركعتين، ثُمَّ سلَّم، ثُمَّ صلَّى بآخرين أيضًا
ركعتين، ثُمَّ سلَّم (1). 1167 - وروى هشام الدَّستوائيُّ عن قتادة عن سليمان اليشكري عن جابر قال: فصلَّى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالَّذين يلونه ركعتين، ثُمَّ سلَّم، ثُمَّ تأخَّر الَّذين يلونه على أعقابهم، فوقفوا مقام أصحابه (2)، وجاء الآخرون فصلَّى بهم ركعتين، والأخرى تحرس، ثُمَّ سلَّم. تابعه أبو بشر عن سليمان. وقد اعتمد على هذا الحديث أبو محمد بن حزم (3). وقال التِّرمذيُّ: سمعت محمَّدًا يقول: سليمان اليشكريُّ يقال: إنَّه مات في حياة جابر، ولم يسمع منه قتادة ولا أبو بشر. قال: ولا أعرف لأحدٍ منه سماعًا، إلا أن يكون عمرو بن دينار، فلعلَّه سمع منه في حياة جابر، وإنَّما يحدِّث قتادة عن صحيفة سليمان (4). وقال أبو زرعة (5) والنَّسائيُّ (6): سليمان ثقة. وقال أبو حاتم: جالس جابرًا وسمع منه، وكتب عنه صحيفةً، وتوفي وبقيت الصَّحيفة عند امرأته،
وروى أبو الزُّبير وأبو سفيان والشَّعبيُّ عن جابر، وهم قد سمعوا من جابر، وأكثره من الصَّحيفة، وكذلك قتادة (1). وقال أبو داود: مات قبل جابر، في فتنة ابن الزُّبير (2). وقال ابن حِبَّان في كتاب "الثِّقات": يقال: إنَّه مات في فتنة ابن الزُّبير، قبل جابر (3) O. 1168 - الحديث الثَّالث: رووه عن أبي بكرة أن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى بقومٍ المغرب ثلاث ركعات، ثُمَّ جاء آخرون فصلَّى بهم ثلاث ركعات. وهذا لا يعرف. ز: 1169 - قال أبو داود في "سننه": ثنا عبيد الله بن معاذ ثنا أبي ثنا الأشعث عن الحسن عن أبي بكرة قال: صلَّى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في خوفٍ الظُّهر، فصفَّ بعضهم خلفه، وبعضهم بإزاء العدو، فصلَّى ركعتين، ثُمَّ سلَّم، فانطلق الَّذين صلُّوا معه، فوقفوا موقف أصحابه (4)، ثُمَّ جاء أولئك، فصلَّوا خلفه، فصلَّى بهم ركعتين، ثُمَّ سلَّم، فكانت لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعاً، ولأصحابه ركعتين ركعتين. وبذلك كان يفتي الحسن. قال أبو داود: وكذلك في المغرب، يكون للإمام ستُّ ركعاتٍ، وللقوم ثلاثٌ ثلاثٌ. قال: وكذلك رواه يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن جابر عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكذلك قال سليمان اليشكريُّ عن جابر عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (5).
مسألة (218): لا يصح أن يأتم القادر على القيام بالعاجز، إلا إذا
1170 - وقال النَّسائيُّ: أنا محمد بن عبد الأعلى وإسماعيل بن مسعود - واللفظ له - قالا: ثنا خالد عن أشعث عن الحسن عن أبي بكرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى بالقوم في الخوف ركعتين، ثُمَّ سلَّم، ثُمَّ صلَّى بالقوم الآخرين ركعتين، ثُمَّ سلَّم، فصلَّى النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعًا (1). 1171 - قال: وأنا عمرو بن عليٍّ ثنا يحيى بن سعيد ثنا الأشعث عن الحسن عن أبي بكرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صلاة الخوف، صلَّى بهم ركعتين، وبهؤلاء ركعتين، فكانت للنَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعًا، ولهم ركعتان ركعتان (2). وقد روى ابن حزم حديث أبي بكرة من رواية القطَّان ومعاذ بن معاذ عن أشعث الحمراني، وساق أحاديث في هذا، ثُمَّ قال: وفي هذا دليلٌ على أنَّه صلَّى تطوَّعًا بقومٍ، وهذا قول جمهور الصَّحابة وطاوس وعطاء والشَّافعيِّ وأبي ثور وداود، لأنَّهم صحَّ عندهم جواز صلاة الإمام الفرض بجماعةٍ، ثُمَّ يصلِّي تلك الصَّلاة بطائفةٍ أخرى في حال الأمن، وبغير ضرورةً O. * * * * * مسألة (218): لا يصحُّ أن يأتمَّ القادر على القيام بالعاجز، إلا إذا كان إمام الحيِّ مريضًا، وكان يرجى برؤه. وقال أبو حنيفة: يجوز بكلِّ حالٍ.
مسألة (219): فإن صلى بهم جالسا من أول الصلاة، فمذهب أحمد
وعن مالك: كمذهبهم، وعنه: المنع على الإطلاق. 1172 - قال الإمام أحمد: ثنا عبد الرَّحمن بن مهديٍّ ثنا زائدة عن موسى بن أبي عائشة عن عبيد الله بن عبد الله عن عائشة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجد خفَّةً، فخرج، فجلس إلى جنب أبي بكر، فجعل أبو بكر يصلِّي قائمًا، ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلِّي قاعدًا (1). 1173 - قال أحمد: وثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: وجد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من نفسه خِفَّةً، فجاء وأبو بكر يصلِّي بالنَّاس، فجلس عن يسار أبي بكر، فكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلِّي بالنَّاس قاعدًا، وأبو بكر قائمًا، يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والنَّاس يقتدون بصلاة أبي بكر (2). الحديثان في "الصَّحيحين". * * * * * مسألة (219): فإن صلَّى بهم جالسًا من أوَّل الصَّلاة، فمذهب أحمد أنَّهم يصلُّون خلفه جلوسًا، خلافًا لأكثر الفقهاء.
ويستدلُّ أحمد بثلاثة أحاديث: 1174 - الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا عبد الرَّزَّاق ثنا معمر عن الزُّهريِّ عن أنس قال: سقط رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من فرسٍ، فجحش (1) شقه الأيمن، فدخلوا عليه، فصلَّى بهم قاعدًا، وأشار إليهم أن اقعدوا، فلمَّا سلَّم، قال: " إنَّما جعل الإمام ليؤتمَّ به، فإذا كبَّر فكبِّروا، واذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربَّنا ولك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، واذا صلَّى جالسًا فصلُّوا جلوسًا أجمعون " (2). 1175 - الحديث الثَّاني: قال أحمد: وثنا يحيى ثنا هشام قال: أخبرني أبي عن عائشة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل عليه النَّاس في مرضه يعودونه، فصلَّى بهم جالسًا، فجعلوا يصلُّون قيامًا، فأشار إليهم أن اجلسوا، فلمَّا فرغ، قال: " إنَّما جعل الإمام ليؤتمَّ به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، واذا صلَّى جالسًا فصلُّوا جلوسًا " (3) 1176 - الحديث الثَّالث: قال أحمد: وثنا وكيع ثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر بن عبد الله قال: صرع (4) النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من فرسٍ على جذع نخلةٍ، فانفكَّت قدمه، فدخلنا عليه نعوده، فوجدناه يصلِّي، فصلَّينا بصلاته ونحن قيام، فلمَّا صلَّى، قال: " إنَّما جعل الإمام ليؤتمَّ به، فإن صلَّى قائمًا فصلُّوا قيامًا، وإن صلَّى جالسًا فلا تقوموا وهو جالس، كما تفعل أهل فارس
بعظمائها " (1). انفرد بإخراج هذا مسلم (2)، واللذان قبله في "الصَّحيحين". وقد حكى البخاريُّ عن الحميديِّ أنَّه قال: هذا كان في مرضه القديم، ثُمَّ صلَّى بعد جالسًا والنَّاس خلفه قيام، لم يأمرهم بالقعود، وإنَّما يؤخذ بالآخر فالآخر من فعل النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (3). قال المؤلِّف: وهذا عندي هو الصَّحيح. ز: قد روي أنَّ أبا بكر كان هو الإمام في آخر الأمر: 1177 - قال التِّرمذيُّ: حدَّثنا عبد الله بن أبي زياد ثنا شبابة بن سَوَّار ثنا محمد بن طلحة عن حميد عن ثابت عن أنس قال: صلَّى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مرضه خلف أبي بكر قاعدًا في ثوبٍ متوشِّحًا به. قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، وهكذا رواه يحيى بن أيُّوب عن حميد عن ثابت عن أنس، وقد رواه غير واحد عن حميد عن أنس، ولم يذكروا فيه: (عن ثابت)، ومن ذكر فيه: (عن ثابت) فهو أصحُّ (4). 1178 - وقال محمد بن إسماعيل التِّرمذيُّ: ثنا أيُّوب بن سليمان حدَّثني أبو بكر بن أبي أويس عن سليمان عن حميد عن ثابت البنانيِّ عن أنس قال: آخر صلاةٍ صلاَّها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع القوم، صلَّى في ثوبٍ واحدٍ متوشِّحًا
به، خلف أبي بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه (1). ورواه أبو حاتم محمد بن حِبَّان البستيُّ عن عمر بن محمد بن بحير الهمدانيِّ عن إسحاق بن إبراهيم بن سويد الرَّملي (2) عن أيُّوب بن سليمان (3). 1179 - وقال خيثمة بن سليمان: ثنا إسحاق بن سيَّار أبو يعقوب النَّصِيبيُّ ثنا [عمرو] (4) بن الرَّبيع قال: حدَّثني يحيى بن أيُّوب عن حميد قال: حدَّثني ثابت البنانيُّ عن أنس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى خلف أبي بكر في ثوبٍ واحدٍ، فخالف بين طرفيه، فلمَّا أراد أن يقوم قال: " ادعوا لي أسامة ". فجاءه، فأسند ظهره إلى نحره، فكانت آخر صلاةٍ صلاَّها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (5). 1180 - وقال النَّسائيُّ: أنا عليُّ بن حُجر ثنا إسماعيل (6) ثنا حميد عن أنس قال: آخر صلاة صلاَّها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع القوم، صلَّى في ثوبٍ واحدٍ، متوشِّحًا به، خلف أبي بكر (7). هكذا رواه النَّسائيُّ في "سننه"، ولم يذكر ثابتًا. 1181 - وقال التِّرمذيُّ: ثنا محمود بن غيلان ثنا شبابة عن شعبة عن
مسألة (220): يجوز أن ينفرد [المأموم] (5) لعذر، فإن لم يكن
نُعيم بن أبي هند (1) عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة قالت: صلَّى النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلف أبي بكر في مرضه الذي مات فيه قاعدًا. قال التِّرمذيُّ: حديثٌ حسنٌ غريبٌ صحيحٌ (2). 1182 - وقال النَّسائيُّ: أنا محمد بن المثنى ثنا بكر بن عيسى سمعت شعبة يذكر عن نعيم بن أبي هند عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة أن أبا بكر صلَّى بالنَّاس، ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصَّفِّ (3). قال التِّرمذيُّ: وقد روي عن عائشة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " إذا صلَّى الإمام جالسًا فصلُّوا جلوسًا ". وروي عنها أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج في مرضه، وأبو بكر يصلِّي بالنَّاس، فصلَّى إلى جنب أبي بكر، النَّاس يأتمُّون بأبي بكر، وأبو بكر يأتمُّ بالنَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وروي عنها أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى خلف أبي بكر قاعدًا (4) O. * * * * * مسألة (220): يجوز أن ينفرد [المأموم] (5) لعذر، فإن لم يكن عذر، فعلى روايتين.
مسألة (221): يكره للإمام أن يكون موضعه أعلى من المأموم.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز بحال، فإن فعل بطلت الصَّلاة. لنا: أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى بهم ركعة في الخوف، ثُمَّ انتظرهم حتى أتمُّوا لأنفسهم. وسيأتي مسندًا إن شاء الله. * * * * * مسألة (221): يكره للإمام أن يكون موضعه أعلى من المأموم. وقال الشَّافعيُّ: إذا كان يعلّمهم الصَّلاة، استحبَّ ذلك. لنا حديثان: 1183 - الحديث الأوَّل: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أحمد بن محمد بن زياد ثنا محمد بن غالب ثنا زكريا بن يحيى زحمويه ثنا زياد بن عبد الله بن الطُّفيل عن الأعمش عن إبراهيم عن همَّام عن أبي مسعود الأنصاريِّ قال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقوم الإمام فوق شيءٍ والنَّاس خلفه. يعني أسفل منه (1). فإن قالوا: قد قال الدَّارَقُطْنِيُّ: لم يروه غير زياد، ولم يروه غير همَّام، فيما أعلم. وقد ضعَّف ابنُ المدينيِّ (2) ويحيى (3) زيادًا.
قلنا: قال أحمد: هو ثقةٌ. وقال أبو زرعة: صدوقٌ (1). ز: زياد بن عبد الله: هو البَكَّائيُّ، وقد روى له البخاريُّ حديثًا واحدًا مقرونًا بغيره (2)، ومسلم (3) والتِّرمذيُّ وابن ماجه (4)، وقال عبد الله ابن أحمد عن أبيه: ليس به بأسٌ، حديثه حديث أهل الصِّدق (5). وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، ولا يحتجُّ به (6). وقال النَّسائيُّ: ضعيفٌ (7). وقال مرَّةً: ليس بالقويِّ (8). وقال ابن عَدِيٍّ: له أحاديث صالحة، وقد روى عنه الثِّقات من النَّاس، وما أرى برواياته بأسًا (9). 1184 - وقال أبو بكر محمد بن عبد الله بن ابراهيم الشَّافعيُّ: ثنا محمد ابن غالب بن حرب ثنا زكريا بن يحيى ثنا زياد - يعني البَكَّائيُّ - ثنا الأعمش عن إبراهيم عن همَّام (10) قال: صلَّى حذيفة بالنَّاس بالمدائن، فقام فوق دكَّان، فأتى أبو مسعود فجمع ثيابه فمدَّه، فرجع ورآه، فلمَّا قضى الصَّلاة، قال له أبو مسعود: الم تعلم أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى أن يقوم الإمام فوق شيءٍ والنَّاس خلفه؟ قال: أفلم تراني أجبتك حين مددتني. 1185 - وقال أبو داود: ثنا أبو مسعود الرَّازيُّ أحمد بن الفرات وأحمد
ابن سنان - المعنى - قالا: ثنا يعلى ثنا الأعمش عن إبراهيم عن همَّام أنَّ حذيفة أمَّ النَّاس بالمدائن على دكَّان، فأخذ أبو مسعود بقميصه فجبذه، فلمَّا فرغ من صلاته، قال: ألم تعلم أنَّهم كانوا ينهون عن ذلك؟! قال: بلى، قد ذكرت حين مددتني (1) O. 1186 - الحديث الثَّاني: قال أبو داود: ثنا أحمد بن إبراهيم (2) ثنا حجَّاج عن ابن جريج قال: أخبرني أبو خالد عن عَدِيِّ بن ثابت الأنصاريِّ قال: حدَّثني رجلٌ أنَّه كان مع عمَّار بن ياسر بالمدائن، فأقيمت الصَّلاة، فتقدَّم عمَّار [فقام] (3) على دكَّان يصلِّي، والنَّاس أسفل منه، فتقدَّم حذيفة، فأخذ على يديه، فاتَّبعه عمَّار، حتى أنزله حذيفة، فلمَّا فرغ عمَّار من صلاته، قال له حذيفة: ألم تسمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إذا أمَّ الرَّجلُ القوم قلا يقم في مكان أرفع من مقامهم - أو نحو ذلك - ". قال عمَّار: لذلك اتَّبعتك حين أخذت على يدي (4). ز: في إسناد هذا الحديث رجلٌ مبهمٌ، وأبو خالد ليس بمعروفٍ، ويحتمل أن يكون الدَّالانيُّ، وفيه كلامٌ O. * * * * *
مسألة (222): صلاة الفذ خلف الصف باطلة، خلافا لأكثرهم.
مسألة (222): صلاة الفذِّ خلف الصَّفِّ باطلةٌ، خلافًا لأكثرهم. لنا حديثان: 1187 - الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن عمرو بن مُرَّة عن هلال بن يَساف عن عمرو بن [راشد] (1) عن وابصة بن معبد أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى رجلاً يصلِّي وحده خلف الصَّفِّ، فأمره أن يعيد صلاته (2). ز: روى هذا الحديث أبو داود (3) والتِّرمذيُّ وقال: حديثٌ حسنٌ (4). وقال الإمام أحمد: حديث وابصة حديثٌ حسنٌ (5). وقال ابن المنذر: ثبَّته أحمد وإسحاق (6). وقد رواه التِّرمذيُّ أيضًا من رواية حُصَين عن هلال بن يَساف قال: أخذ زياد بن أبي الجعد بيدي ونحن بالرَّقة، فقام بي على شيخٍ يقال له: وابصة، فقال زياد: حدَّثني هذا الشَّيخ - والشَّيخ يسمع - أن رجلاً صلَّى ... فذكر معناه. قال: واختلف أهل العلم في هذا: فقال بعضهم: حديث عمرو بن مُرَّة أصحُّ، وقال بعضهم: حديث حُصين أصحُّ، وهو عندي أصحُّ من
حديث عمرو (1). ورواه ابن ماجه من حديث حُصين عن هلال بن يَساف قال: أخذ بيدي زياد بن أبي الجعد، فأوقفني على شيخٍ بالرَّقَّة - يقال له: وابصة بن معبد - فقال: صلَّى رجلٌ خلف الصَّفِّ وحده، فأمره النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يعيد (2). ولم يذكر: (حدَّثني هذا الشَّيخ)، فكأنَّ هلالاً رواه عن وابصة نفسه (3) O. 1188 - الحديث الثَّاني: قال أحمد: وثنا عبد الصَّمد ثنا ملازم بن عمرو أنا عبد الله بن بدر أنَّ عبد الرَّحمن بن عليٍّ حدَّثه أنَّ أباه عليَّ بن شيبان حدَّثه أَنَّه خرج وافدًا إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: فصلَّينا خلف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فرأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً يصلِّي خلف الصَّفِّ، فوقف حتى انصرف الرَّجل، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " استقبل صلاتك، فلا صلاة لفردٍ خلف الصَّفِّ " (4).
مسألة (223): إذا أحس الإمام بداخل، استحب له الانتظار ما لم
ز: روى هذا الحديث ابن ماجه في "سننه" بنحوه عن أبي بكر عن ملازم (1)، وإسناده قويٌّ. وقال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: حديث ملازم بن عمرو - يعني هذا الحديث - في هذا أيضًا حسنٌ؟ قال: نعم (2) O. * * * * * مسألة (223): إذا أحسَّ الإمام بداخلٍ، استحبَّ له الانتظار ما لم يشق (3). وقال أبو حنيفة ومالك: يكره. لنا: أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انتظر النَّاس في صلاة الخوف، لإدراك فضيلة الجماعة. وسيأتي مسندًا. * * * * * مسألة (224): إذا صلَّى الكافر حكم بإسلامه. وقال أبو حنيفة: إن صلَّى في جماعة.
مسألة (225): إذا صلى بقوم وهو محدث: فإن كان عالما بحدث
وقال مالكٌ والشَّافعيُّ وداود: لا يحكم بإسلامه. وقد استدلَّ أصحابنا: 1189 - بما رووا أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من صلَّى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فهو المسلم ". وهذا الحديث إنَّما نعرفه بتمامٍ يمنع الاستدلال به. 1190 - قال الإمام أحمد: ثنا عليُّ بن إسحاق أنا عبد الله بن مبارك ثنا حميد الطَّويل عن أنس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أمرت أن أقاتل النَّاس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله، فإذا شهدوا أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله، واسقبلوا قبلتنا، وأكلوا ذبيحتنا، وصلُّوا صلاتنا، فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقِّها، لهم ما للمسلمين، وعليهم ما عليهم " (1). انفرد بإخراجه البخاريُّ (2). * * * * * مسألة (225): إذا صلَّى بقومٍ وهو محدثٌ: فإن كان عالمًا بحدث
نفسه، أعاد وأعادوا بكلِّ حالٍ؛ وإن كان ناسيًا فذكر في أثناء الصلاة، فعليه الإعادة، وفي المأموم روايتان؛ وإن ذكر بعد الفراغ أعاد وحده. وقال مالكٌ: إن تعمَّد أعاد وأعادوا، وإن كان ناسيًا أعاد وحده. وقال الشَّافعيُّ: يعيد، ولا يعيدون بكلِّ حالٍ. وقال أبو حنيفة: يعيد، ويعيدون بكلِّ حالٍ. 1191 - قال أبو الحسن الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا الحسين بن محمد بن سعيد البزَّاز ثنا جحدر بن الحارث (1) ثنا بقيَّة بن الوليد عن عيسى بن إبراهيم (2) عن جويبر عن الضَّحاك عن البراء بن عازب عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أيُّما إمامٍ سهى، فصلَّى بالقوم وهو جنب، فقد مضت صلاتهم، ثُمَّ ليغتسل هو، ثُمَّ ليعيد صلاته، فإن صلَّى بغير وضوءٍ فمثل ذلك " (3). 1192 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا عبد الله بن أحمد بن عتاب ثنا أحمد بن الفرج الحمصيُّ ثنا بقيَّة بن الوليد ثنا عيسى بن عبد الله الأنصاريُّ عن جويبر عن الضَّحَّاك عن البراء قال: صلَّى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقومٍ وليس هو على وضوءٍ، فتمَّت للقوم صلاتهم، وأعاد النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (4). هذان حديثان لا يصحَّان، بقيَّة مدلسٌ، وعيسى ضعيفٌ، وجويبر متروكٌ، والضَّحَّاك لم يلق البراء.
ز: عيسى بن عبد الله الأنصاريُّ: قال ابن عَدِيٍّ: عامة ما يرويه لا يتابع عليه. وروى هذا الحديث في ترجمته، ولم يذكر جويبرًا في الإسناد، فقال: 1193 - حدَّثنا أبو عروبة ثنا ابن مصفَّى ثنا بقيَّة عن عيسى بن عبد الله الأنصاريِّ عن الضَّحَّاك بن مزاحم عن البراء قال: صلَّى النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأصحابه على غير وضوءٍ، فأعاد ولم يعيدوا (1) O. احتجُّوا بثلاثة أحاديث: 1194 - الحديث الأوَّل: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا يعقوب بن إبراهيم البزَّاز ثنا أحمد بن محمد بن يحيى (2) الجلاب ثنا أبو معاوية ثنا ابن أبي ذئب عن أبي جابر البياضيِّ (3) عن سعيد بن المسيّب أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى بالنَّاس وهو جنب، فأعاد وأعادوا (4). 1195 - الحديث الثَّاني: رووه عن عليٍّ عن النَّبيِّ أَنَّه صلَّى بهم، ثُمَّ انصرف، ثُمَّ جاءَ ورأسه يقطر، فأعاد بنا. 1196 - الحديث الثَّالث (5): رووه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا فسدت صلاة الإمام، فسدت صلاة من خلفه ".
والجواب: أمَّا الحديث الأوَّل: فقال الدَّارَقُطْنِيُّ: هو مرسلٌ، وأبو جابر متروك الحديث (1). وأمَّا الحديثان الآخران: فلا يعرفان. ز: 1197 - روى ابن المنكدر عن الشَّريد الثَّقفيِّ أنَّ عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه صلَّى بالنَّاس وهو جنبٌ، فأعاد، ولم يأمرهم أن يعيدوا. 1198 - وعن عبد الرَّحمن بن مهديٍّ عن هُشيم عن خالد بن سلمة عن محمد بن عمرو بن الحارث بن أبي ضرارٍ أنَّ عثمان بن عفَّان رضي الله عنه صلَّى بالنَّاس وهو جنبٌ، فلمَّا أصبح نظر في ثوبه احتلامًا، فقال: كبرت والله، لا أراني أجنب ثُمَّ لا أعلم! ثُمَّ أعاد، ولم يأمرهم أن يعيدوا. قال عبد الرَّحمن: وهذا المجتمع عليه، الجنب يعيد ولا يعيدون، ما أعلم فيه اختلافًا. 1199 - وعن عبد الرَّزَّاق عن معمر عن الزُّهريِّ عن سالم عن ابن عمر أنَّه صلَّى بهم وهو على غير وضوءٍ، فأعاد، ولم يأمرهم بالإعادة. 1200 - وعن عمرو بن خالد عن حبيب بن أبي ثابت عن عاصم بن ضمرة عن عليٍّ رضي الله عنه أنَّه صلَّى بالقوم وهو جنب، فأعاد، ثُمَّ أمرهم فأعادوا. روى هذا كلَّه البيهقيُّ، وقال في حديث عليٍّ: إنَّما يرويه عمرو بن خالد، أبو خالد الواسطيُّ، وهو متروكٌ، رماه الحفَّاظ بالكذب، وقال وكيع: كان كذَّابًا، فلمَّا عرفناه بالكذب تحوَّل إلى مكانٍ آخر، حدَّث عن
حبيب بن أبي ثابت عن عاصم بن ضمرة عن عليٍّ أنَّه صلَّى بهم وهو على غير طهارة، فأعاد وأمرهم بالإعادة. وقال عبد الرَّحمن بن مهديٍّ عن سفيان الثَّوريِّ: حبيب بن أبي ثابت لم يرو عن عاصم بن ضمرة شيئًا قطُّ. وقال عبد الله بن المبارك: ليس في الحديث قوَّةً لمن يقول: إذا صلَّى الإمام بغير وضوءٍ أنَّ أصحابه يعيدون، والحديث الآخر أثبت أن لا يعيد القوم، هذا لمن أراد الإنصاف بالحديث. 1201 - وقال عليُّ بن المدينيِّ: ثنا عبد الرَّحمن بن مهديٍّ عن سفيان وشعبة عن مغيرة عن إبراهيم في الرَّجل يصلِّي بقومٍ وهو على غير وضوءٍ، قال: يعيد ولا يعيدون. قال عبد الرَّحمن: قلت لسفيان: تعلم أحدًا قال: يعيد ويعيدون، غير حمَّاد؟ قال: لا (1) O. ويُحتجُّ على الشَّافعيِّ: 1202 - بما روى الإمام أحمد: ثنا قتيبة ثنا عبد العزيز بن محمد عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الإمام ضامن " (2). ز: روى مسلم بهذا الإسناد نحوًا من أربعة عشر حديثًا (3). وروى أبو داود هذا الحديث عن الحسن بن عليٍّ عن ابن نمير عن الأعمش قال: نُبِّئت عن أبي صالح ولا أراني إلا وقد سمعته منه. وعن أحمد بن حنبل عن ابن فُضَيل عن الأعمش عن رجل عن أبي
مسألة (226): ما يدركه المأموم آخر صلاته.
صالح (1). ورواه التِّرمذيُّ عن هنَّاد عن أبي الأحوص وأبي معاوية عن الأعمش عن أبي صالح، وقال: رواه سفيان الثَّوريُّ وحفص بن غياث وغير واحد عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة. وروى أسباط عن الأعمش قال: حدِّثت عن أبي صالح عن أبي هريرة. وروى نافع بن [] (2) سليمان عن محمد بن أبي صالح عن أبيه عن عائشة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا الحديث. وسمعت أبا زرعة يقول: حديث أبي صالح عن أبي هريرة أصحُّ من حديث أبي صالح عن عائشة. وسمعت محمدًا يقول: حديث أبي صالح عن عائشة أصحُّ. وذكر عن عليِّ بن المدينيِّ أنَّه لم يثبت حديث أبي صالح عن أبي هريرة، ولا حديث أبي صالح عن عائشة في هذا (3) O. * * * * * مسألة (226): ما يدركه المأموم آخر صلاته. وعنه: أوَّلها، كقول الشَّافعيِّ. 1203 - قال محمود بن إسحاق الخزاعيُّ: ثنا البخاريُّ ثنا أبو نعيم ثنا
ابن عيينة عن الزُّهريِّ عن سعيد بن المسيّب عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " ما أدركتم فصلُّوا، وما فاتكم فاقضوا " (1). أخرجاه في "الصَّحيحين" (2). وفي لفظٍ أخرجه مسلم: " واقض ما سبقك " (3). وكذلك روى أبو سلمة وابن سيرين وأبو رافع، كلُّهم عن أبي هريرة: " واقضوا ". وكذلك روى أبو ذرٍّ وأنس عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " واقضوا " (4). وقد روى جماعة عن أبي هريرة: " وما فاتكم فأتمُّوا "، منهم ابن أبي ذئب وإبراهيم بن سعد ومعمر وشعيب عن الزُّهريِّ. وما ذهبنا إليه أكثر وأقوى، ثُمَّ نحمله على أن يكون المعنى: فأتمُّوا قضاءً. ز: لم يخرِّج البخاريُّ ومسلمٌ قوله: " وما فاتكم فاقضوا " في " صحيحيهما "، وإنَّما لفظهما: " وما فاتكم فأتمُّوا ": 1204 - فعن أبي قتادة قال: بينما نحن نصلِّي مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ سمع جَلبَة رجالٍ، فلمَّا صلَّى قال: " ما شأنكم؟ " قالوا: استعجلنا إلى الصَّلاة. قال: " فلا تفعلوا، إذا أتيتم الصَّلاة فعليكم السَّكينة، فما أدركتم فصلُّوا، وما فاتكم فأتمُّوا ".
متفقٌ عليه (1). 1205 - وعن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا سمعتم الإقامة فامشُوا إلى الصَّلاة وعليكم السَّكينة والوقار، ولا تُسرعوا، فما أدركتم فصلُّوا، وما فاتكم فأتمُّوا ". متفقٌ عليه (2)، وهذا لفظ البخاريِّ. وفي لفظٍ لمسلمٍ: " صلِّ ما أدركت، واقض ما سبقك ". ورواه الإمام أحمد عن سفيان بن عيينة عن الزُّهريِّ عن سعيد بن المسيّب عن أبي هريرة: " وما فاتكم فاقضوا " (3). ورواه مسلمٌ عن أبي بكر بن أبي شيبة وعمرو النَّاقد وزهير بن حرب عن سفيان بن عيينة عن الزُّهريِّ عن سعيد عن أبي هريرة - ولم يذكر لفظه -، ثُمَّ ساقه من طريق إبراهيم بن سعد عن الزُّهريِّ - ولم يذكر لفظه أيضًا -، ثُمَّ ذكره من طريق يونس عن الزُّهريِّ ولفظه: " وما فاتكم فأتمُّوا " (4). وقال أبو داود: قال يونس والزُّبيديُّ وابن أبي ذئب وإبراهيم بن سعد ومعمر وشعيب بن أبي حمزة عن الزُّهريِّ: " وما فاتكم فأتمُّوا "، وقال ابن عيينة عن الزُّهريِّ وحده: " فاقضوا ". وقال محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وجعفر بن ربيعة عن الأعرج عن أبي هريرة: " فأتمُّوا ". وابن مسعود عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو قتادة وأنس عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كلُّهم:
" فأتمُّوا " (1). وروى البيهقيُّ من طريق أحمد بن سلمة قال: سمعت مسلم بن الحجَّاج يقول: لا أعلم هذه اللفظة رواها عن الزُّهريِّ غير ابن عيينة: " واقضوا ما فاتكم ". قال مسلم: أخطأ ابن عيينة في هذه اللفظة (2). وقال البيهقيُّ: والَّذين قالوا: " فأتمُّوا " أكثر وأحفظ وألزم لأبي هريرة، فهو أولى، والله أعلم (3). 1206 - وقال أبو داود: ثنا أبو الوليد الطَّيالسيُّ ثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم قال: سمعت أبا سلمة عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ائتوا الصَّلاة وعليكم السَّكينة، فصلُّوا ما أدركتم، واقضوا ما سبقكم ". قال أبو داود: وكذا قال ابن سيرين عن أبي هريرة: " ويقضي "، وكذا قال أبو رافع عن أبي هريرة. وأبو ذرٍّ روي عنه: " فأتمُّوا " و" اقضوا " اختلف عنه (4). والتَّحقيق أنَّه ليس بين اللفظين فرقٌ، فإنَّ القضاء هو الإتمام في عرف الشَّارع، قال الله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ} [البقرة: 200]، وقال تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ} [الجمعة: 10] (5) O. * * * * *
مسألة (227): يجوز إعادة الجماعة في مسجد له إمام راتب.
مسألة (227): يجوز إعادة الجماعة في مسجدٍ له إمامٌ راتبٌ. وقال أبو حنيفة: لا يجوز. وقال أبو يوسف: يجوز، لكن لا تجوز إعادة الأذان والإقامة. وقال أصحاب الشَّافعيِّ: لا يجوز ذلك في المسجد الذي لا تكرَّر فيه الجماعة، مثل مساجد الدُّروب، ويجوز ذلك في مساجد الأسواق التي تكرَّر فيها. لنا ثلاثة أحاديث: 1207 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: ثنا محمد بن أبي عَدِيٍّ عن سعيد بن أبي عروبة قال: حدَّثني سليمان النَّاجيُّ عن أبي المتوكِّل عن أبي سعيد أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى بأصحابه، ثُمَّ جاء رجلٌ، فقال نبيُّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من يتَّجر على هذا - أو: من يتصدَّق على هذا - فيصلِّي معه؟ " قال: فصلَّى معه رجلٌ (1). ز: روى هذا الحديث أبو داود (2) والتِّرمذيُّ - وقال: حديثٌ حسنٌ (3) - وأبو بكر بن خزيمة في "صحيحه" (4) وابن حِبَّان (5) والحاكم وقال: على شرط مسلم (6) O.
1208 - الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمد بن مخلد ثنا إسحاق ابن داود بن عيسى ثنا خالد بن عبد السَّلام الصَّدفيُّ ثنا الفضل بن المختار عن عبيد الله بن موهب عن عصمة بن مالك قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد صلَّى الظُّهر وقعد في المسجد، إذ دخل رجلٌ يصلِّي، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ألا رجلٌ يقوم فيتصدَّق على هذا فيصلِّي معه؟ " (1). وهذا الحديث ضعيفٌ من جهة الفضل بن المختار، قال الرَّازيُّ: هو مجهولٌ، وأحاديثه منكرة، يحدِّث بالأباطيل (2). ز: 1209 - عن حمَّاد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن رجلاً جاء وقد صلَّى النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقام يصلِّي وحده، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من يتَّجر على هذا فيصلِّي معه؟ ". رواه الدَّارَقُطْنِيُّ عن ابن صاعد عن عمر بن محمد بن الحسن الأسديِّ عن أبيه عن حمَّاد (3). ورواه الطَّبرانيُّ عن محمد بن العباس الأخرم عن عمر بن محمد، وقال: لم يروه عن حمَّاد بن سلمة إلا محمد بن الحسن الأسديُّ (4). ومحمد بن الحسن بن الزُّبير الأسديُّ المعروف بـ " التَّل "، قال يحيى بن معين: ليس بشيءٍ. حكاه ابن عَدِيٍّ (5) وغيره عنه، وحكى ابن أبي حاتم عن
يحيى أَنَّه قال: هو شيخٌ (1). وقال أبو حاتم: شيخٌ (2). وقال أبو عبيد الآجريُّ عن أبي داود: صالحٌ، يكتب حديثه (3). وقال أبو جعفر العقيليُّ: لا يتابع على حديثه (4). وقال ابن عَدِيٍّ: حدَّث عنه الثِّقات من النَّاس، ولم أر بحديثه بأسًا (5). وقال أبو حاتم في ابنه عمر: محلُّه الصِّدق (6). وقال النَّسائيُّ: صدوقٌ (7). وقد روى البخاريُّ عن عمر بن محمد عن أبيه (8) O. الحديث الثَّالث: حديث محجن: أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: " صلِّ وإن كنت قد صلَّيت ". وقد سبق بإسناده في مسائل أوقات النَّهي (9). احتجَّ الخصم: بقوله: " لا تصلُّوا صلاةً في يومٍ مرَّتين ".
مسألة (228): الترتيب مستحق في قضاء الفوائت وإن كثرت.
وقد سبق في مسائل أوقات النَّهي وجوابه (1). * * * * * مسألة (228): الترتيب مستحقٌّ في قضاء الفوائت وإن كثرت. وقال الشَّافعيُّ: لا يستحقُّ. وقال أبو حنيفة ومالك في الخمس فما دون كقولنا، وفيما زاد كقوله (2). لنا ثلاثة أحاديث: 1210 - الحديث الأوَّل: قال البخاريُّ: ثنا مكيُّ بن إبراهيم ثنا هشام عن يحيى عن أبي سلمة عن جابر بن عبد الله أنَّ عمر جاء يوم الخندق بعدما غربت الشَّمس، فجعل يسبُّ كفَّار قريش، وقال: يا رسول الله، ما كدت أُصلِّي حتى كادت الشَّمس تغرب؟ فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " والله ما صلَّيتها ". فنزلنا مع النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُطحان، فتوضَّأ وتوضَّأنا، فصلَّى العصر بعد ما غربت الشَّمس، ثُمَّ صلَّى بعدها المغرب (3).
أخرجاه في "الصَّحيحين" (1). 1211 - الحديث الثَّاني: قال الإمام أحمد: ثنا موسى بن داود ثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن محمد بن يزيد أنَّ عبد الله بن عوف حدَّثه أنَّ أبا جمعة حبيب بن سباع حدَّثه أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام الأحزاب صلَّى المغرب، فلمَّا فرغ قال: " هل علم أحدٌ منكم أنِّي صلَّيت العصر؟ " قالوا: لا يا رسول الله، ما صلَّيتها. فأمر المؤذِّن فأقام، فصلَّى العصر، ثُمَّ أعاد المغرب (2). ز: ابن لهيعة فيه، وهو ضعيفٌ، لا يحتجُّ به إذا انفرد. ومحمد بن يزيد هو: ابن أبي زياد الفلسطينيُّ، صاحب حديث الصُّور، روى عنه جماعة، لكن قال أبو حاتم: هو مجهول (3). وقال ابن يونس: كان يجالس يزيد بن أبي حبيب (4). وعبد الله بن عوف هو: القارئ، روى عنه الزُّهريُّ وغيره، وكان عامل عمر بن عبد العزيز على ديوان فلسطين O. 1212 - الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: روى أبو إبراهيم التُّرجمانيُّ عن سعيد بن عبد الرَّحمن الجمحيِّ عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من نسي صلاةً فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام، فليصلِّ مع الإمام، فإذا فرغ من صلاته، فليعد الصَّلاة التي نسي، ثُمَّ ليعد الصَّلاة التي صلاَّها مع الإمام " (5).
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وهم في رفعه التُّرجمانيُّ، والصَّحيح أنَّه موقوفٌ من قول ابن عمر، كذلك رواه مالكٌ عن نافع عن ابن عمر قوله (1). ز: روى هذا الحديث أبو يعلى الموصليُّ عن إسماعيل بن إبراهيم أبي إبراهيم التُّرجمانيِّ (2) مرفوعًا (3). ورواه الدَّارَقُطْنِيُّ عن جعفر بن محمد الواسطيِّ عن موسى بن هارون عن يحيى بن أيُّوب عن سعيد بن عبد الرَّحمن عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: إذا نسي أحدكم ... - موقوف -. قال موسى: وثناه أبو إبراهيم التُّرجمانيُّ ثنا سعيد، ورفعه إلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ووهم في رفعه، والصَّحيح موقوف من قول ابن عمر (4). ورواه البيهقيُّ وقال: تفرَّد أبو إبراهيم التُّرجمانيُّ برواية هذا الحديث مرفوعاً، والصَّحيح أنَّه من قول ابن عمر موقوفًا، كذا رواه غير أبي إبراهيم عن سعيد. ورواه من طريق مالك بن أنس وعبيد الله (5) بن عمر موقوفاً (6). * * * * *
مسائل القصر والجمع
مسائل القصر والجمع مسألة (229): يجوز القصر والفطر في ستَّة عشر فرسخاً. وقال أبو حنيفة: لا يجوز في أقل من مسافة ثلاثة أيام سير الإبل. وقال داود: يجوز في السَّفر القصير والطََّويل. 1213 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثني أحمد بن محمد بن زياد ثنا أبو إسماعيل التِّرمذيُّ ثنا إبراهيم بن العلاء ثنا إسماعيل بن عيَّاش عن عبد الوهَّاب ابن مجاهد عن أبيه وعطاء بن أبي رباح عن ابن عباس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يا أهل مكَّة، لا تقصروا الصَّلاة في أدنى من أربعة بُردٍ من مكَّة إلى عسفان " (1). إسماعيل بن عيَّاش ضعيفٌ. وعبد الوهَّاب أشدُّ ضعفًا، قال أحمد (2) ويحيى (3): ليس عبد الوهَّاب
مسألة (230): القصر رخصة.
بشيءٍ. وقال الثَّوريُّ: هو كذَّابٌ (1). وقال النَّسائيُّ: متروك الحديث (2). ز: روي عن جماعةٍ من السَّلف جواز القصر في أقل من يومٍ، والصَّحيح جواز القصر في السَّفر الطَّويل والقصير. قال صاحب "المغني": ولا أرى لما صار إليه الأئمَّة حجَّةً، لأنَّ أقوال الصَّحابة مختلفةٌ متعارضةٌ، ولا حجَّة فيه مع الاختلاف، ثُمَّ [لو] (3) لم يوجد ذلك لم يكن قولهم حجَّةً مع قول النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفعله، وإذا لم تثبت أقوالهم امتنع المصير إلى التَّقدير الَّذي ذكروه لوجهين: أحدهما: أنَّه مخالفٌ للسُّنَّة التي رويناها ولظاهر القرآن، فإنَّ ظاهر القرآن إباحة القصر لمن ضرب في الأرض. والثَّاني: [أنَّ] (4) التَّقدير بابه التَّوقيف، فلا يجوز المصير إليه برأي مجردٍ، سيَّما وليس له أصلٌ يردُّ إليه، ولا نظيرٌ يقاس عليه، والحجَّة مع من أباح القصر لكلِّ مسافرٍ، إلا أن ينعقد الإجماع على خلافه (5) O. * * * * * مسألة (230): القصر رخصةٌ. وقال أبو حنيفة: عزيمةٌ.
وعن أصحاب مالك كالمذهبين. لنا أربعة أحاديث: 1214 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: ثنا ابن إدريس أنا ابن جريج عن ابن أبي عمَّار عن عبد الله بن باباه (1) عن يعلى بن أميَّة قال: سألت عمر بن الخطَّاب، قلت: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: 101]، وقد أمن النَّاس؟ فقال لي عمر: عجبتُ ممَّا عجبتَ منه، فسألتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك، فقال: " صدقةٌ تصدَّق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته " (2). انفرد بإخراجه مسلمٌ (3). 1215 - الحديث الثَّاني: قال التِّرمذيُّ: ثنا أبو كريب ثنا وكيع ثنا أبو هلال عن عبد الله بن سوادة عن أنس بن مالك - رجل من بني عبد الله بن كعب - قال: أغارت علينا خيل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأتيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوجدته يتغدَّى، فقال: " ادن فكل ". فقلت: إنِّي صائم. فقال: " ادن أحدِّثك عن الصوم، إنَّ الله وضع عن المسافر الصَّوم وشطر الصَّلاة، وعن الحامل أو المرضع الصَّوم ". فيا لهف نفسي! أن لا أكون طعمت من طعام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (4).
ليس لأنس هذا غير هذا الحديث، وهو يدلُّ على أنَّ فرض المسافر أربع. ز: روى هذا الحديث أبو داود (1) وابن ماجه (2) والنَّسائيُّ من طرقٍ كثيرةٍ (3)، وقال التِّرمذيُّ: حسنٌ، ولا نعرف لأنس بن مالك هذا عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير هذا الحديث O. 1216 - الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا الحسين بن إسماعيل ثنا سعيد بن محمد بن ثواب (4) ثنا أبو عاصم ثنا عمر بن سعيد (5) عن عطاء بن أبي رباح عن عائشة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقصر في السَّفر ويتم، ويفطر ويصوم. قال الدَّارَقُطْنِيُّ: إسنادٌ صحيحٌ (6). وقد اعترض على هذا الحديث بعض الفقهاء فقال: يرويه مغيرة بن زياد، وقد ضعَّفه أحمد (7)، وقال أبو زرعة: لا يحتجُّ بحديثه (8). ولعمري أنَّه قد رواه مغيرة عن عطاء، غير أنَّا لم نخرِّجه من تلك الطَّريق، ثُمَّ إنَّ المغيرة قد وثَّقه وكيع (9) ويحيى بن معين (10).
ز: هذا الحديث من طريق المغيرة أشهر. قال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل: سألتُ أبي عن حديث المغيرة بن زياد عن عطاء عن عائشة قالت: قصر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في السَّفر وأتمَّ، وصام وأفطر، فأنكره، وقال: المغيرة ضعيفٌ. وسألت يحيى عنه فقال: ليس به بأسٌ (1). وقد رواه البيهقيُّ من رواية دلهم بن صالح والمغيرة بن زياد وطلحة بن عمرو - ثلاثتهم ضعفاء - عن عطاء عن عائشة (2)، والصَّحيح عن عائشة أنَّها كانت تتمُّ موقوفًا. 1217 - قال البيهقيُّ: أنا أبو حامد أحمد بن عليٍّ الرَّازيُّ الحافظ أنا زاهر بن أحمد ثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا محمد بن يحيى وإبراهيم بن مرزوق ومحمد بن عبيد الله قالوا: ثنا وَهْبُ بن جرير ثنا شعبة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنَّها كانت تصلِّي في السَّفر أربعًا، فقلت لها: لو صلَّيت ركعتين؟ فقالت: يا ابن أختي، إنَّه لا يشقُّ عليَّ (3) O. 1218 - الحديث الرَّابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا عبد الله بن محمد بن عمرو الغزيُّ ثنا محمد بن يوسف الفريابيُّ ثنا العلاء بن زهير عن عبد الرَّحمن بن الأسود عن أبيه عن عائشة قالت: خرجت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عمرةٍ في رمضان، فأفطرَ وصمتُ، وقصرَ وأتممت؛ فقلت: بأبي وأمي، أفطرتَ وصمتُ، وقصرتَ وأتممتُ؟ قال: " أحسنت يا عائشة ".
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: هذا إسنادٌ حسنٌ (1). ز: هذا حديث منكر، وقوله: (في عمرةٍ في رمضان) باطلٌ، فإنَّ نبيَّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يعتمر في رمضان قطُّ. والعلاء بن زهير: قال فيه ابن حِبَّان: يروي عن الثِّقات ما لا يشبه حديث الأثبات فبطل الاحتجاج به فيما لم يوافق الثِّقات (2). كذا قال في كتاب " الضُّعفاء "، وذكره أيضًا في كتاب "الثِّقات" (3) فتناقض! وقد وثَّقه يحيى بن معين في رواية إسحاق بن منصور (4). 1219 - وقد روى هذا الحديث النَّسائيُّ في "سننه" فقال: أخبرنا أحمد بن يحيى الصُّوفيُّ أنا أبو نعيم ثنا العلاء بن زهير الأزديُّ ثنا عبد الرَّحمن بن الأسود عن عائشة أنَّها اعتمرت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المدينة إلى مكَّة، حتى إذا قدمت مكَّة قالت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمِّي، قصرتَ وأتممتُ، وأفطرتَ وصمتُ؟ قال: " أحسنت يا عائشة ". وما عاب عَلَيَّ (5). لم يذكر الأسود، وقال أبو بكر النَّيسابوريُّ: هكذا قال أبو نعيم: (عن عبد الرَّحمن عن عائشة)، ومن قال: (عن أبيه) في هذا الحديث فقد أخطأ (6).
وقد روى البيهقيُّ هذا الحديث من رواية عبد الرَّحمن عن أبيه عن عائشة، وقال: إسناده صحيحٌ (1). ومن رواية عبد الرَّحمن عن عائشة - كما رواه النَّسائيُّ -، وقال عَلِيٌّ - يعني الدَّارَقُطْنِيُّ -: الأوَّل متصلٌ، وهو إسنادٌ حسنٌ، وعبد الرَّحمن قد أدرك عائشة، فدخل عليها وهو مراهقٌ (2) O. 1220 - وقد احتجَّ أصحابنا بحديثٍ خامسٍ، ذكره أبو بكر الأثرم من حديث أنس بن مالك قال: كنَّا نسافر فمنَّا المتمُّ، ومنَّا المقصر، لا يعيب بعضناعلى بعض. غير أنَّ هذا الحديث لا يصحُّ، تفرَّد به زيدٌ العميُّ، وليس بشيءٍ، وإنَّما الحديث المعروف: فمنَّا الصَّائم، ومنَّا المفطر. احتجُّوا بحديثٍ وثلاثة آثار: 1221 - أمَّا الحديث: فرواه الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أحمد بن محمد بن المغلس ثنا أبو همَّام قال: حدَّثني بقيَّة بن الوليد عن أبي يحيى المدنيِّ عن عمرو بن شعيب (3). وقال العقيليُّ: ثنا الحسن بن عليِّ بن زياد ثنا موسى بن إبراهيم الفرَّاء (4) ثنا بقيَّة بن الوليد عن عبد العزيز بن عبيد الله عن عمر بن سعيد. كلاهما عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " المتمُّ الصَّلاة في السَّفر كالمقصر في الحضر " (5).
وأمَّا الآثار: 1222 - فروى الإمام أحمد: ثنا وكيع ثنا سفيان عن زُبيد الإيَاميِّ عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن عمر قال: صلاة السَّفر ركعتان، وصلاة الأضحى ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، وصلاة الجمعة ركعتان، تمامٌ غير قصر، على لسان محمدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1). ز: روى هذا الحديث النَّسائيُّ (2) وابن ماجه (3) وأبو حاتم بن حِبَّان (4)، وقال النَّسائيُّ: ابن أبي ليلى لم يسمعه من عمر. ويدلُّ على صحَّة قول النَسائيِّ رواية ابن ماجه له عن محمد بن عبد الله بن نمير عن محمد بن بشر عن يزيد بن زياد بن أبي الجعد عن زُبيد عن عبد الرَّحمن ابن أبي ليلى عن كعب بن عجرة عن عمر (5). وقال أبو محمد بن أبي حاتم: سألت أبي عن حديثٍ رواه محمد بن بشر عن يزيد بن زياد بن أبي الجعد عن زُبيد عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عُجرة عن عمر قال: صلاة السَّفر ركعتان على لسان النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ورواه الثَّوريُّ عن زُبيد عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن عمر - ليس فيه كعب - قال: صلاة السَّفر ركعتان. قال أبي: الثَّوريُّ أحفظ. انتهى كلامه (6).
وقد رواه الهيثم بن كليب: ثنا عيسى بن أحمد العسقلانيُّ أنا يزيد بن هارون أنا سفيان عن زُبيد الياميُّ عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى قال: سمعت عمر ابن الخطَّاب يقول ... فذكره (1). ورواه أبو خيثمة زهير بن حرب وإسحاق بن أبي إسرائيل عن يزيد بن هارون. قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ولم يتابع يزيد بن هارون على هذا (2). ورواه أبو يعلى الموصليُّ عن القواريريِّ عن يحيى بن سعيد عن سفيان عن زبيد عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن الثِّقة عن عمر (3). وقال مسلم بن الحجَّاج في خطبة كتابه: وأسند عبد الرَّحمن بن أبي ليلى وقد حفظ عن عمر بن الخطَّاب (4). 1223 - وقد روى أبو يعلى الموصليُّ عن محمد بن عليِّ بن الحسن بن شقيق قال: سمعت أبي يقول: ثنا الحسين بن واقد عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت أنَّ عبد الرَّحمن بن أبي ليلى حدَّثه قال: خرجت مع عمر بن الخطَّاب إلى مكَّة، فاستقبلنا أمير مكَّة نافع بن علقمة، فقال: من استخلِف على مكَّة؟ قال: استخلف عليها عبد الرَّحمن بن أبزى (5).
الحديث مذكورٌ في مسلم من طريق أبي الطُّفيل (1)، وهذا الطَّريق الذي ذكره أبو يعلى فيه دليلٌ على صحبة عبد الرَّحمن بن أبي ليلى لعمر رضي الله عنه. وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ قال: قال محمد بن عليٍّ الوَّراق: قلت لأبي نعيم: سمع ابن أبي ليلى من عمر؟ قال: لا أدري. قال محمد بن عليٍّ: قلت ليحيى بن معين: سمع ابن أبي ليلى من عمر؟ فلم يثبت ذاك (2). وقال العباس بن محمد الدُّوريُّ: سئل يحيى بن معين عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن عمر، فقال: لم يره. فقلت له: الحديث الذي يروي كنَّا مع عمر نتراءى الهلال؟ فقال: ليس بشيءٍ (3) O. 1224 - قال: والثَّاني في أفراد مسلم من قول ابن عباس: فرض الله الصَّلاة على نبيِّكم في الحضر أربعًا، وفي السَّفر ركعتين، وفي الخوف ركعة (4). 1225 - والثَّالث: في "الصَّحيحين" عن عائشة قالت: فُرضت الصَّلاة ركعتين، فأُقرَّت صلاة السَّفر، وزيد في صلاة الحضر (5).
والجواب: أمَّا الحديث: فلا يصحُّ، في طريقه الأوَّل ابن المغلس، وكان كذَّابًا. وفي طريقه الثَّاني عبد العزيز، قال أبو زرعة: هو واهي الحديث (1). وقال النَّسائيُّ: متروكٌ. قال العقيليُّ: عمر مجهولٌ في النَّقل، وليس في هذا المتن شيءٌ يثبت، وإنَّما روي هذا الحديث بلفظٍ آخر: " الصَّائم في السَّفر كالمفطر في الحضر "، مع ضعف الرِّواية فيه (2). وأمَّا قول عمر: فالمراد أنَّها مجزئةٌ تامةٌ، لا تقصر عن إدراك الثَّواب بالأربع، وكيف يدعي أنَّها غير مقصورة، ولفظ القرآن والإجماع يخالفه؟! وأمَّا قول ابن عباس: فجوابه من وجهين: أحدهما: أَنَّه رأيه (3).
مسألة (231): القصر أفضل من الإتمام، خلافا لأحد قولي الشافعي.
والثَّاني: أنَّا نحمله على من اختار القصر، فإنَّه فرضه. وجواب حديث عائشة من وجهين: أحدهما: أنَّه رأيٌ لا رواية. والثَّاني: أنَّها تشير إلى المفروض الأوَّل، يدلُّ عليه أنَّ عائشة كانت تتمُّ في السَّفر. ز: أحمد بن محمد بن المغلس شيخ الدَّارَقُطْنِيُّ: ثقةٌ، اشتبه على المؤلِّف بأحمد بن محمد بن الصَّلت بن المغلس الحمانيِّ، وهو كذَّابٌ وضَّاعٌ. والحديث لا يصحُّ، لأنَّ راويه مجهولٌ. وما أجاب به المؤلِّف عن حديث عمر وابن عباس وعائشة فيه نظرٌ، والله أعلم O. * * * * * مسألة (231): القصر أفضل من الإتمام، خلافًا لأحد قولي الشَّافعيِّ. 1226 - قال الإمام أحمد: ثنا قتيبة ثنا عبد العزيز بن محمد عن عمارة ابن غَزيَّة عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنَّ الله تبارك وتعالى يحبُّ أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته " (1). ز: روي عن عمارة بن غَزيَّة عن حرب بن قيس عن نافع:
1227 - قال عليُّ بن المدينيِّ: ثنا أبي وعبد العزيز - يعني ابن محمد - عن عمارة بن غَزيَّة عن حرب بن قيس عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنَّ الله عزَّ وجلَّ يحبُّ أن تؤتى رخصه، كما يكره أن تؤتى معصيته " (1). وقال إسماعيل بن عبد الله: ثنا سعيد بن الحكم بن أبي مريم ثنا يحيى بن أيُّوب ثنا ابن غَزيَّة عن حرب بن قيس عن نافع عن ابن عمر. 1228 - قال إسماعيل: وثنا سعيد بن منصور ثنا عبد العزيز عن عمارة ابن غَزيَّة عن حرب بن قيس عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنَّ الله يحبُّ أن تؤتى رخصه، كما يكره أن تؤتى معصيته ". 1229 - وقال أبو يعلى الموصليُّ: ثنا إسحاق بن أبي إسرائيل ثنا عبد العزيز بن محمد ثنا عمارة بن غَزيَّة عن حرب بن قيس عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنَّ الله عزَّ وجلَّ يحبُّ أن تؤتى رخصه، كما يحبُّ أن تؤتى عزائمه ". ورواه محمد بن إسحاق بن خزيمة في "صحيحه" عن أحمد بن عبد الله ابن عبد الرَّحيم البرقيِّ عن ابن أبي مريم (2). ورواه أبو حاتم بن حِبَّان البستيُّ عن محمد بن إسحاق الثَّقفيِّ عن قتيبة ابن سعيد (3).
وسئل عنه الدَّارَقُطْنِيُّ فقال: رواية ابن لهيعة وإبراهيم بن أبي يحيى عن عمارة بن غَزيَّة عن نافع. وكذلك قال قتيبة بن سعيد عن الدَّراورديِّ. وخالفه سعيد بن منصور وعليُّ بن المدينيِّ وإسحاق بن أبي إسرائيل رووه عن الدَّراورديِّ عن عمارة بن غَزيَّة عن حرب بن قيس عن نافع عن ابن عمر. وكذلك رواه يحيى بن عبد الله بن سالم ويحيى بن أيُّوب المصريُّ وعبد الله ابن جعفر المديني عن عمارة بن غَزيَّة عن حرب بن قيس، وهو الصَّواب. انتهى كلامه. وعمارة بن غَزيَّة (1): احتجَّ به مسلمٌ (2)، ووثَّقه أحمد (3) وأبو زرعة (4)، وقال يحيى بن معين: صالحٌ (5). وقال أبو حاتم: ما بحديثه بأسٌ، كان صدوقًا (6). وقال محمد بن سعد: كان ثقةً، كثير الحديث (7). وضعَّفه ابن حزمٍ وحده (8). وحرب بن قيس: ذكره ابن أبي حاتم في كتابه، ولم يذكر فيه جرحًا (9).
1230 - وقال ابن عَدِيٍّ: ثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز ثنا الحكم بن موسى ثنا يحيى بن حمزة عن الحكم بن عبد الله الأيليَّ أَنَّه سمع القاسم عن عائشة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنَّ الله عزَّ وجلَّ يحبُّ أن يعمل برخصه، كما يحبُّ أن يعمل بفرائضه " (1). الحكم بن عبد الله بن سعد الأيليُّ: تركوه، وقال السَّعديُّ: جاهلٌ كذَّابٌ، وأمره أوضح من ذلك (2). 1231 - وروى أبو بكر بن أبي شيبة بإسناده عن أبي هريرة أنَّ رجلاً قال لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أقصر الصَّلاة في سفري؟ قال: " نعم، إنَّ الله يحبُّ أن يؤخذ برخصه، كما يحبُّ أن يؤخذ بفريضته ". قال: يا رسول الله، فما الطهور على الخفَّين؟ قال: " للمقيم يومٌ وليلةٌ، وللمسافر ثلاثة أيَّام ولياليهن ". ورواه أبو أحمد بن عَدِيٍّ أيضًا (3)، وهو من رواية عمر بن عبد الله بن أبي خثعم، وهو ضعيف الحديث O. 1232 - قال أحمد: وثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن مسلم عن مسروق (4) عن عائشة قالت: رخَّص لنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أمرٍ، فتنزَّه عنه ناسٌ من النَّاس، فبلغ ذلك النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فغضب حتى بان الغضب في وجهه، ثُمَّ قال: " ما بال أقوامٍ يرغبون عن ما رُخِّص لي فيه؟! فوالله لأنا أعلمهم بالله عزَّ وجلَّ، واشدُّهم له خشيةً " (5).
مسألة (232): سفر المعصية لا يبيح الرخص.
أخرجاه في "الصَّحيحين" (1). * * * * * مسألة (232): سفر المعصية لا يبيح الرُّخص. وقال أبو حنيفة وداود: يجوز له التَّرخُّص. وأصحابنا يستدلُّون: بقوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ} [البقرة: 173]، وبالقياس، إلا أنِّي رأيت القاضي أبا يعلى محمد بن الحسين بن الفرَّاء قد استدلَّ في " تعليقته الكبرى " بحديثٍ استظرفت استدلاله به، فإنَّه قال: 1233 - أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد الضَّرير المقرئ - بانتقاء أبي الحسن الدَّارَقُطْنِيِّ - أنا محمد بن الحسن بن زياد المقرئ ثنا عبد الرَّحمن بن يحيى الزُّبيديُّ ثنا عبد الله بن عبد الجبَّار الخبائزيُّ ثنا الحكم بن عبد الله قال: حدَّثني الزُّهريُّ عن سعيد بن المسيّب عن عائشة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ثلاثةٌ لا يقصرون الصَّلاة: الفاجر في أفقه الفقه، والمرأة تزور غير أهلها، والرَّاعي ". قال: فقد نصَّ على أنَّ الفاجر لا يقصر! وهذا تصحيفٌ، قد أضيف إليه كلمةٌ، ولا معنى له، لأنَّ ذكر (أفقه الفقه) لا معنى له في حقِّ الفاجر، ولا أدري هذا التَّصحيف من أيِّ الرُّواة هو؟ وإنَّما الحديث غير ذا:
1234 - قال أبو أحمد بن عَدِيٍّ: ثنا هنبل بن محمد ثنا عبد الله بن عبد الجبَّار ثنا الحكم بن عبد الله قال: حدَّثني الزُّهريُّ عن سعيد بن المسيّب عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثلاثةٌ لا يقصرون الصَّلاة: التاجر في أُفقه، والمرأة تزور أهلها، والرَّاعي " (1). هذا هو الحديث، وليس بصحيحٍ، والمتَّهم به الحكم، قال أحمد بن حنبل: كلُّ أحاديثه موضوعةٌ (2). وقال أبو حاتم الرَّازيُّ: هو كذَّابٌ (3). وإنَّما ذكرت هذا ليعرف. ز: الظاهر أنَّ التخليط في اللفظ الأوَّل من محمد بن الحسن بن أبي بكر النَّقَّاش المقرئ، فإنَّه لا يعتمد عليه، وهو ضعيفٌ عندهم، وقد اتَّهمه بعضهم بالكذب، وقال البرقانيُّ: كلُّ حديثه منكرٌ (4). وقال الخطيب: أحاديثه مناكير بأسانيد مشهورة (5). واللفظ الثَّاني: رواه ابن عَدِيٍّ في ترجمة الحكم بن عبد الله بن سعد الأيليِّ، وفيه: " والمرأة تزور غير أهلها "، ثُمَّ قال: وبهذا الإسناد ثنا هنبل غير ما ذكرت، أكثر من خمسة عشر حديثًا، كلُّها مع ما ذكرت موضوعةٌ، والحكم ضعفه بيِّنٌ على حديثه (6) O. * * * * *
مسألة (233): إذا أقام في بلد على تنجيز حاجة، ولم ينو الإقامة،
مسألة (233): إذا أقام في بلدٍ على تنجيز حاجة، ولم ينو الإقامة، قصر أبدًا. وقال الشَّافعيُّ: يقصر إلى سبعة عشر أو ثمانية عشر يومًا. 1235 - قال الإمام أحمد: ثنا عبد الرَّزَّاق ثنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرَّحمن بن ثوبان عن جابر بن عبد الله قال: أقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتبوك عشرين يومًا يقصر الصَّلاة (1). ز: رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل عن عبد الرَّزَّاق، وقال: غير معمر لا يسنده (2). وقال البيهقيُّ: تفرَّد معمر بروايته مسندًا؛ ورواه عليُّ بن المبارك وغيره عن يحيى عن ابن ثوبان عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً؛ وروي عن الأوزاعيِّ عن يحيى عن أنس وقال: بضع عشرة، ولا أراه محفوظًا؛ وقد روي من وجهٍ آخر عن جابر: بضع عشرة (3) O. احتجُّوا: 1236 - بما رواه التِّرمذيُّ: ثنا هنَّاد ثنا أبو معاوية عن عاصم الأحول عن عكرمة عن ابن عباس قال: سافر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سفرًا، فصلَّى سبعة (4) عشر يومًا، ركعتين ركعتين. قال ابن عباس: فنحن نصلِّي فيما بيننا وبين سبعة (5) عشر، ركعتين ركعتين، فإذا أقمنا أكثر من ذلك صلَّينا أربعًا.
قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (1). ولا حُجَّة لهم فيه، لأَنَّه اتَّفقت الإقامة تلك المدَّة، وظاهر الحال أنَّها لو زادت دام على القصر. ز: 1237 - عن ابن عباس قال: أقام النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسعة عشر يقصر، فنحن إذا سافرنا تسعة عشر قصرنا، وإن زدنا أتممنا. رواه البخاريُّ (2). وقال البيهقيُّ: اختلفت الروايات في تسع عشرة وسبع عشرة، وأصحُّها عندي - والله أعلم - رواية من روى تسع عشرة، وهي الرِّواية التي أودعها محمد بن إسماعيل البخاريُّ " الجامعَ الصَّحيح "، فأحد من رواها ولم يختلف عليه - عِلْمي - عبدُ الله بن المبارك، وهو أحفظ من رواه عن عاصم الأحول، والله أعلم (3) O. * * * * *
مسائل الجمع
مسائل الجمع مسألة (234): يجوز الجمع في السَّفر. وقال أبو حنيفة: لا يجوز. لنا أحاديث: 1238 - قال أحمد: ثنا يحيى بن غيلان ثنا المفضَّل بن فضالة قال: حدَّثني عُقيل عن ابن شهاب عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أراد ان يرتحل قبل أن تزيغ الشَّمس أخَّر الظُّهر إلى وقت العصر، ثُمَّ ينزل فيجمع بينهما، وإذا زاغت الشَّمس قبل أن يرتحل صلَّى الظُّهر، ثُمَّ ركب (1). 1239 - قال أحمد: وثنا محمد بن فضيل عن يزيد (2) عن عطاء عن ابن عباس قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجمع بين صلاتين في السَّفر: المغرب والعشاء؛ والظُّهر والعصر (3). الحديثان في "الصَّحيحين" (4).
1240 - قال أحمد: وثنا عبد الرَّزَّاق أنا ابن جريج قال: أخبرني حسين بن عبد الله بن (1) عبيد الله بن عباس عن عكرمة وكريب أنَّ ابن عباس قال: إلا أحدِّثكم عن صلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في السَّفر؟ قلنا: بلى. قال: كان إذا زاغت الشَّمس في منزله جمع بين الظُّهر والعصر قبل أن يركب، وإذا لم تزغ له في منزله سار، حتى إذا حانت العصر نزل فجمع بين الظُّهر والعصر، وإذا حانت المغرب له في منزله جمع بينها وبين العشاء، وإذا لم تحن في منزله ركب، حتى إذا حانت العشاء نزل فجمع بينهما (2). ز: حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس المدنيُّ: تكلَّم فيه غير واحدٍ من الأئمَّة، قال أبو بكر الأثرم عن أحمد: له أشياء منكرة (3). وقال أبو بكر بن أبي خيثمة عن يحيى بن معين: ضعيف (4). وقال أحمد بن سعد بن أبي مريم عن يحيى: ليس به بأسٌ، يكتب حديثه (5). وقال البخاريُّ: قال عليٌّ: تركت حديثه. وتركه أحمد أيضًا (6). وقال أبو زرعة: ليس بقويٍّ (7). وقال أبو حاتم: ضعيفٌ، وهو أحبُّ إليَّ من حسين بن قيس، يكتب حديثه ولا يحتجُّ به (8). وقال الجوزجانيُّ: لا يشتغل بحديثه (9). وقال النَّسائيُّ: متروكٌ (10). وقال مرَّة: ليس بثقةٍ (11). وقال العقيليُّ: له غير
حديث لا يتابع عليه (1). وقال أيضًا: ثنا آدم سمعت البخاريَّ يقول: يقال: حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس وعبد الله بن يزيد بن فِنْطِس متهمان بالزَّندقه (2). وقال محمد بن سعد: كان كثير الحديث، ولم أرهم يحتجُّون بحديثه (3). وروى ابن عَدِيٍّ هذا الحديث في ترجمته، وقال: أحاديثه يشبه بعضها بعضًا، وهو ممَّن يكتب حديثه، فإنِّي لم أجد في أحاديثه حديثًا منكرًا قد جاوز المقدار (4) O. 1241 - وقال مسلم بن الحجَّاج: ثنا يحيى بن حبيب ثنا خالد بن الحارث ثنا قُرَّة بن خالد ثنا أبو الزُّبير ثنا عامر بن واثلة (5) أبو الطُّفيل ثنا معاذ بن جبل قال: جمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة تبوك بين الظُّهر والعصر، وبين المغرب والعشاء. قال: فقلت: ما حمله على ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أمَّته. انفرد بإخراجه مسلمٌ (6). 1242 - وقال التِّرمذيُّ: ثنا قتيبة ثنا الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطُّفيل عن معاذ بن جبل أن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل زيغ الشَّمس، أخَّر الظُّهر إلى أن يجمعها إلى العصر، فيصلَّيهما جميعًا، وإذا ارتحل بعد زيغ الشَّمس، عجَّل العصر إلى الظُّهر، ويصلِّي الظُّهر والعصر جميعًا، وإذا ارتحل قبل المغرب، أخَّر المغرب حتى يصلِّيها مع العشاء،
وإذا ارتحل بعد المغرب، عجَّل العشاء فصلاَّها مع المغرب (1). وقد روى عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجمع بين الصَّلاتين: عليُّ بن أبي طالب وابن عمر وعائشة. ز: روى هذه الحديث أيضًا الإمام أحمد (2) وأبو داود (3) عن قتيبة. وقال أبو داود: لم يرو هذا الحديث إلا قتيبة وحده. وقال التِّرمذيُّ: حديث معاذ حديثٌ حسنٌ غريبٌ، تفرَّد به قتيبة، لا نعرف أحدًا رواه عن الليث غيره، والمعروف عند أهل العلم ما روى أبو الزُّبير المكيُّ عن أبي الطُّفيل عن معاذ بن جبل أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جمع في غزوة تبوك بين الظُّهر والعصر، وبين المغرب والعشاء. روى هذا الحديث قرَّة بن خالد وسفيان الثَّوريُّ ومالك بن أنس وغير واحد من الأئمة عن أبي الزُّبير المكيِّ. وروى عليُّ بن المدينيِّ عن أحمد بن حنبل عن قتيبة هذا الحديث، حدَّثنا بذلك عبد الصَّمد بن سليمان ثنا زكريا بن يحيى اللؤلؤيُّ ثنا أبو بكر الأعين عن عليِّ بن المدينيِّ (4). وقال البيهقيُّ: تفرَّد به قتيبة بن سعيد عن ليث عن يزيد، أنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا الحسن محمد بن موسى بن عمران الفقيه الصَّيدلانيَّ يقول: سمعت أبا بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول: سمعت
صالح بن حفصويه - نيسابوريٌّ، صاحب حديث - يقول: سمعت محمد بن إسماعيل البخاريَّ يقول: قلت لقتيبة بن سعيد: مع من كتبت عن الليث بن سعد حديث يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطُّفيل؟ فقال: كتبته مع خالد المدائنيِّ. قال محمد بن إسماعيل: وكان خالد المدائنيُّ هذا يدخل الأحاديث على الشُّيوخ. قال البيهقيُّ: وإنَّما أنكروا من هذا رواية يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطُّفيل، فأمَّا رواية أبي الزُّبير عن أبي الطُّفيل فهي محفوظةٌ صحيحةٌ (1). 1243 - وقال أبو داود في "سننه": ثنا يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب الرَّمليُّ ثنا المفضَّل بن فضالة والليث بن سعدٍ عن هشام بن سعدٍ (2) عن أبي الزُّبير عن أبي الطُّفيل عن معاذ بن جبل أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان في غزوة تبوك إذا زاغت الشَّمس قبل أن يرتحل، جمع بين الظُّهر والعصر، وإن ترَّحل قبل أن تزيغ الشَّمس أخَّر الظُّهر حتى ينزل العصر، وفي المغرب مثل ذلك إن غابت الشَّمس قبل أن يرتحل، جمع بين المغرب والعشاء، وإن ارتحل قبل أن تغيب الشَّمس، أخَّر المغرب حتى ينزل للعشاء، ثُمَّ جمع بينهما. قال أبو داود: رواه هشام بن عروة عن حسين بن عبد الله عن كريب عن ابن عباس عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نحو حديث المفضَّل والليث (3). وقد بسطنا الكلام على الأحاديث الواردة في جمع التَّقديم في كتاب " الأحكام الكبير "، والله أعلم O.
احتجُّوا: 1244 - بما روى التِّرمذيُّ: ثنا يحيى بن خلف ثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه عن حنش عن عكرمة عن ابن عباس عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " من جمع بين صلاتين من غير عذرٍ، فقد أتى بابًا من أبواب الكبائر " (1). هذا لا يصحُّ، وحنشٌ هو: أبو عليٍّ الرَحبيُّ، واسمه حسين بن قيس، وإنَّما حنش لقبه، كذَّبه أحمد (2)، وقال مرَّةً: هو متروك الحديث (3). وكذلك قال النَّسائيُّ (4) والدَّارَقُطْنِيُّ (5)، وقال يحيى: ليس بشيءٍ (6). وقال العقيليُّ: وهذا الحديث لا أصل له (7). ز: روى هذا الحديث الحاكم في "المستدرك" وقال: حنش هو ابن قيس، ثقةٌ (8). ولم يتابع الحاكم على توثيقه. وقال البيهقيُّ: تفرَّد به حسين بن قيس أبو عليٍّ الرَّحبيُّ - المعروف بـ " حنش " -، وهو ضعيفٌ عند أهل النَّقل، لا يحتجُّ بخبره.
1245 - قال: وأنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا: ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أَسِيد بن عاصم ثنا الحسين بن حفص عن سفيان عن سعيد عن قتادة عن أبي العالية عن عمر قال: جمع الصَّلاتين من غير عذرٍ من الكبائر. قال الشَّافعيُّ في " سنن حرملة ": العذر يكون بالسَّفر والمطر، وليس هذا بثابت عن عمر، هو مرسلٌ. قال البيهقيُّ: هو كما قال الشَّافعيُّ رحمه الله، فالإسناد المشهور لهذا الأثر ما ذكرنا، وهو مرسل، أبو العالية لم يسمع من عمر رضي الله عنه، وقد روي ذلك بإسنادٍ آخر قد أشار الشَّافعيُّ إلى متنه في بعض كتبه: 1246 - أنا أبو الحسن محمد بن الحُسين العلويُّ أنا عبد الله بن محمد بن الحسن الرَّمْجَاريُّ ثنا عبد الرَّحمن بن بشر ثنا يحيى بن سعيد عن يحيى بن صَبيح قال: حدَّثني حميد بن هلال عن أبي قتادة - يعني العدويَّ - أنَّ عمر رضي الله عنه كتب إلى عامل له: ثلاثٌ من الكبائر: الجمع بين الصَّلاتين إلا من عذر، والفرار من الزَّحف، والنُّهبى. أبو قتادة العدويُّ أدرك عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه، فإن كان شَهِده كتب، فهو موصولٌ، وإلا فهو إذا انضمَّ إلى الأوَّل صار قويًّا (1) O. * * * * *
مسألة (235): يجوز الجمع لأجل المطر.
مسألة (235): يجوز الجمع لأجل المطر. وقال أبو حنيفة: لا يجوز. 1247 - قال أحمد: ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن حبيب عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال: جمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين الظُّهر والعصر، والمغرب والعشاء بالمدينة، في غير خوفٍ ولا مطرٍ (1). وفي هذا دليلٌ على أَنَّه يكون الجمع في المطر. 1248 - وقد روى أصحابنا أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جمع بين العشاءين في ليلةٍ مطيرةٍ. ز: 1249 - قال مسلمٌ في "صحيحه": ثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن أبي الزُّبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: صلَّى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهر والعصر جميعًا، والمغرب والعشاء جميعًا، في غير خوفٍ ولا سفرٍ. 1250 - قال: وثنا أحمد بن يونس وعون بن سلاَّم جميعًا عن زهير - قال ابن يونس: ثنا زهير - ثنا أبو الزُّبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: صلَّى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهر والعصر جميعًا بالمدينة، في غير خوفٍ ولا سفرٍ. قال أبو الزُّبير: فسألت سعيدًا: لم فعل ذلك؟ فقال: سألتُ ابن عباس كما سألتني، فقال: أراد أن لا يحرج أحدًا من أمَّته (2).
1251 - قال: وثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا: ثنا أبو معاوية، (ح) وثنا أبو كريب وأبو سعيد الأشج - واللفظ لأبي كريب - قالا: ثنا وكيع، كلاهما عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: جمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين الظُّهر والعصر، والمغرب والعشاء، بالمدينة، في غير خوفٍ ولا مطرٍ. في حديث وكيع: قال: قلت لابن عباس: لم فعل ذلك؟ قال: كي لا يحرج أمَّته. وفي حديث أبي معاوية: قيل لابن عباس: ما أراد إلى ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أمَّته (1). قال البيهقيُّ: ولم يخرج هذا الحديث البخاريُّ مع كون حبيب بن أبي ثابت من شرطه، ولعلَّه إنَّما أعرض عنه - والله أعلم - لما فيه من الاختلاف على سعيد بن جبير في متنه (2). وقال مالك في قوله: (ولا سفر) أرى ذلك كان في مطرٍ. 1252 - وروى عن نافع أنَّ عبد الله بن عمر كان إذا جمع الأمراء بين المغرب والعشاء في المطر، جمع معهم (3). 1253 - وعن أبي سلمة بن عبد الرَّحمن أنَّه قال: إنَّ من السُّنَّة اذا كان يوم مطرٍ أن يجمع بين المغرب والعشاء. رواه أبو بكر الأثرم في "سننه" (4) O. * * * * *
فصلٌ (1) (236) وهذا الجمع يخصُّ العشاءين. وقال الشَّافعيُّ: يجوز الجمع في المطر في الظُّهر والعصر، والعشاءين. لنا: الحديث المتقدِّم. ز: ذهب جماعة من أصحابنا إلى جواز الجمع لأجل المطر بين الظُّهر والعصر، منهم القاضي وأبو الخطَّاب. واحتجُّوا: 1254 - بما روي عن يحيى بن واضح عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جمع في المدينة بين الظُّهر والعصر في المطر. وهذا حديثٌ لا يعرف ولا يصحُّ. قال أبو بكر الأثرم: قيل لأبي عبد الله: الحمع بين الظُّهر والعصر في المطر؟ قال: لا، ما سمعته (2) O. * * * * *
مسألة (237): يجوز الجمع لأجل المرض، خلافا لأصحاب الشافعي.
مسألة (237): يجوز الجمع لأجل المرض، خلافًا لأصحاب الشَّافعيِّ. لنا: أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أجاز لحمنة بنت جحش لمَّا استحيضت أن تجمع بين الصَّلاتين. وقد ذكرناه بإسناده في كتاب الحيض (1). * * * * *
مسائل الجمعة
مسائل الجمعة مسألة (238): تجب الجمعة على من سمع النِّداء من المصر، إذا كان المؤذِّن صيِّتًا، والرِّيح ساكنة. وقد حدَّه مالكٌ بفرسخٍ، ولم يحدَّه الشَّافعيُّ. وعن أحمد في التَّحديد نحو قولهما. وقال أبو حنيفة: لا تجب على من بينه وبين المصر فرجة. 1255 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث ثنا هشام ابن خالد ثنا الوليد عن زهير بن محمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنَّما الجمعة على من سمع النِّداء " (1). ز: قال البيهقيُّ: هكذا ذكره الدَّارَقُطْنِيُّ رحمه الله في كتابه بهذا الإسناد مرفوعًا، وروي عن حجَّاج بن أرطأة عن عمرو كذلك مرفوعًا. 1256 - وقد أنا أحمد بن محمد بن أحمد بن الحارث الأصبهانيُّ أنا أبو محمد بن حَيَّان ثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن الحسن ثنا أبو عامر موسى بن عامر ثنا الوليد - هو ابن مسلم - قال: وأخبرني زهير بن محمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه عبد الله بن عمرو قال: إنَّما تجب الجمعة على من سمع النِّداء، فمن سمعه فلم يأته فقد عصى ربَّه.
وهذا موقوف (1) O. 1257 - وقال أبو داود: ثنا محمد بن يحيى بن فارس ثنا قَبيصة ثنا سفيان عن محمد بن سعيد عن أبي سلمة بن نُبَيْه عن عبد الله بن هارون عن عبد الله بن عمرو عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الجمعة على من سمع النِّداء ". قال أبو داود: روى هذا الحديث جماعةٌ عن سفيان مقصورًا على عبد الله ابن عمرو، لم يرفعوه، أسنده قَبيصة (2). ز: هذا الإسناد فيه جهالةٌ، فإنَّ أبا سلمة وعبد الله بن هارون غير مشهورين. وقال ابن أبي داود: محمد بن سعيد الطَّائفيُّ ثقةٌ، وهذه سنَّةٌ تفرَّد بها أهل الطََّائف (3). وقال البيهقيُّ: قبيصة بن عقبة من الثِّقات، ومحمد بن سعيد هذا هو الطَّائفيُّ، ثقةٌ (4) O. وقال التِّرمذيُّ: سمعت أحمد بن الحسن يقول: كنَّا عند أحمد بن حنبل، فذكروا على من تجب الجمعة، فلم يذكر فيه أحمد عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئًا، فقلت لأحمد: فيه عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقال: عن النَّبيِّ؟! قلت: نعم. 1258 - حدَّثنا حجَّاج بن نصير ثنا معارك بن عبَّاد عن عبد الله بن
سعيد المقبريِّ عن أبيه عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الجمعة على من آواه الليل إلى أهله ". قال: فغضب عَلَيَّ أحمد بن حنبل، وقال: استغفر ربَّك، استغفر ربَّك. قال التِّرمذيُّ: إنَّما فعل به أحمد هذا لأنَّه لم يعدَّ هذا الحديث شيئًا، لحال إسناده (1). قلت: أمَّا معارك: فقد ضعَّفه الدَّارَقُطْنِيُّ (2)، وقال أبو زرعة: واهي الحديث (3). وقال أبو حاتم الرَّازيُّ: أحاديثه منكرة (4). وأمَّا عبد الله بن سعيد: فقال أحمد والفلاَّس: منكر الحديث متروكه (5). وقال يحيى بن سعيد: استبان لي كذَّبه في مجلسٍ (6). وقال يحيى بن معين: ليس بشيءٍ، ولا يكتب حديثه (7). وأمَّا حجَّاج: فقال ابن المدينيِّ: ذهب حديثه (8). وقال أبو حاتم الرَّازيُّ (9) وأبو داود السِّجستانيُّ: تركوا حديثه (10). ز: رواه غير حجَّاج عن معارك:
مسألة (239): لا تنعقد الجمعة بأقل من أربعين رجلا.
1259 - قال ابن عَدِيٍّ: أنا أبو يعلى ثنا محمد بن أبي بكر ثنا مسلم - يعني ابن إبراهيم - عن المعارك بن عبَّاد عن عبد الله بن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من علم أنَّ الليل يأويه إلى أهله، فليشهد الجمعة ". قال البيهقيُّ: تفرَّد به معارك بن عبَّاد عن عبد الله بن سعيد، وقد قال أحمد بن حنبل: معارك لا أعرفه. وعبد الله متروكٌ (1) O. * * * * * مسألة (239): لا تنعقد الجمعة بأقلّ من أربعين رجلاً. وعنه: خمسون. وعنه: ثلاثة. وقال أبو حنيفة: ثلاثة والإمام. وقال مالك: يعتبر عدد تُقَرى بهم (2) قرية في العادة. لنا حديثٌ، وللخصم حديثٌ، ولا تعويل عليهما. 1260 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: قرئ على عبد الرَّحمن بن عبد الله بن هارون الأنباريِّ وأنا أسمع: حدَّثكم إسحاق بن خالد بن يزيد ثنا عبد العزيز بن عبد الرَّحمن ثنا خُصيف عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله قال: مضت
السُّنَّة أنَّ في كل أربعين فما فوق ذلك جمعة وأضحى وفطر (1). 1261 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا أبو عبد الله محمد بن عليٍّ الأبليُّ ثنا يحيى بن عثمان ثنا عمرو بن الرَّبيع بن طارق ثنا مَسلمة بن عُليٍّ عن محمد بن مطرِّف عن الحكم بن عبد الله بن سعد عن الزُّهريِّ عن أمِّ عبد الله الدَّوسيَّة قالت: سمعتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " الجمعة واجبةٌ على أهل كلِّ قريةٍ، وإن لم يكونوا إلا ثلاثةً رابعهم إمامهم " (2). 1262 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا أبو عبد الله الأبليُّ ثنا عبيد الله (3) بن محمد بن خنيس (4) ثنا موسى بن محمد بن عطاء ثنا الوليد بن محمد ثنا الزُّهريُّ قال: حدَّثتني أمُّ عبد الله الدَّوسيَّة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الجمعة واجبةٌ على كلِّ قريةٍ فيها إمامٌ، وإن لم يكونوا إلا أربعةً " (5). أمَّا الحديث الأوَّل: ففيه عبد العزيز، قال أحمد: اضرب على أحاديثه، فإنَّها كذبٌ - أو قال: موضوعةٌ (6) -. وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: هو منكر الحديث (7). وأمَّا الثَّاني: فإنَّ الزُّهريَّ لم يسمع من الدَّوسيَّة، قال الدَّارَقُطْنِيُّ: لا
يصحُّ هذا عن الزُّهريِّ، كلُّ من رواه عنه متروكٌ (1). والوليد الموقريُّ متروكٌ. والحكم متروكٌ، قال أحمد: أحاديث الحكم كلُّها موضوعةٌ (2). وقال يحيى: ليس بثقةٍ، ولا مأمون (3). وقال أبو حاتم الرَّازيُّ: هو كذَّابٌ (4). وقال النَّسائيُّ (5) والدَّارَقُطْنِيُّ (6): متروكٌ. وقال ابن حِبَّان: يروي الموضوعات عن الأثبات (7). وأمَّا مسلمة بن عليٍّ، فقال يحيى: ليس بشيءٍ (8). وقال النَّسائيُّ (9) والدَّارَقُطْنِيُّ (1): متروكٌ. ز: ترك المؤلِّف الكلام على موسى بن محمد بن عطاء البلقاويِّ، وهو كذابٌ، كذَّبه أبو زرعة (11) وأبو حاتم (12) وغيرهما، وقال النَّسائيُّ: ليس بثقةٍ (13). وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: متروكٌ (14). وقال ابن حِبَّان: لا تحلُّ الرِّواية
مسألة (240): لا تجب الجمعة على العبيد.
عنه، كان يضع الحديث (1). وقال ابن عَدِيٍّ: كان يسرق الحديث (2). وقد احتجَّ من قال: لا تنعقد الجمعة إلا بخمسين: 1263 - بما روى ابن عَدِيٍّ: أنا أبو خولة البهرانيُّ ثنا محمد بن آدم ثنا مروان عن جعفر بن الزُّبير عن القاسم عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الجمعة واجبةٌ على خمسين رجلاً، وليست على من دون الخمسين جمعة " (3). 1264 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمد بن الحسن النَّقَّاش ثنا محمد بن عبد الرَّحمن السَّاميُّ والحسين بن إدريس قالا: ثنا خالد بن الهيَّاج حدَّثني أبي عن جعفر بن الزُّبير عن القاسم عن أبي أمامة أن نبيَّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " على الخمسين جمعة، وليس فيما دون ذلك " (4). هذا حديثٌ لا يصحُّ، وجعفر بن الزُّبير تركوه O. * * * * * مسألة (240): لا تجب الجمعة على العبيد. وعنه: تجب، كقول داود. لنا حديثان: 1265 - الحديث الأوَّل: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا عبيد الله بن عبد الصَّمد
ابن المهتدي ثنا يحيى بن نافع بن خالد ثنا سعيد بن أبي مريم ثنا ابن لهيعة قال: حدَّثني معاذ بن محمد الأنصاريُّ (1) عن أبي الزُّبير عن جابر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة يوم الجمعة، إلا على مريضٍ، أو مسافرٍ، أو امرأةٍ، أو صبيٍّ، أو مملوكٍ " (2). ز: هذا حديث لا يصحُّ، وابن لهيعة - فيه - ضعيفٌ (3)، وقد رواه ابن عَدِيٍّ عن البغويِّ عن كامل بن طلحة عن ابن لهيعة، وليس فيه: " أو امرأة " (4) O. 1266 - الحديث الثَّاني: رواه أبو داود من حديث طارق بن شهاب أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الجمعة حقٌّ واجبٌ على كلِّ مسلمٍ في جماعة، إلا أربعة: عبدٌ مملوك، أو امرأةٌ، أو صبيٌّ، أو مريضٌ ". قال أبو داود: طارق قد رأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يسمع منه (5). ز: رواه أبو داود عن عباس بن عبد العظيم عن إسحاق بن منصور عن هُرَيم بن سفيان عن إبراهيم بن محمد المنتشر عن قيس بن مسلم عن طارق. ورواه الطََّبرانيُّ عن محمد بن عبد الله الحضرميِّ عن أبي بكر بن أبي شيبة عن إسحاق بن منصور (6).
ورواه الحاكم في " مستدركه " وصحَّحه، وذكر أنَّ هريم بن سفيان رواه عن إبراهيم، فزاد في إسناده (عن أبي موسى) (1). وقال البيهقيُّ: ورواه عبيد بن محمد العجليُّ عن العباس بن عبد العظيم فوصله، [بذكر] (2) أبي موسى الأشعريِّ فيه، وليس بمحفوظٍ، فقد رواه غير العباس أيضًا عن إسحاق دون ذكر أبي موسى فيه (3). وقال في موضعٍ آخر: وهذا الحديث وإن كان فيه إرسال، فهو مرسلٌ جيِّدٌ، فطارق من كبار التَّابعين، وممَّن رأى النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإن لم يسمع منه، ولحديثه هذا شواهد، منها: 1267 - ما أنا عليُّ بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصَّفَّار ثنا عليُّ ابن الحسين بن بيان ثنا سعيد بن سليمان ثنا محمد بن طلحة بن مصرِّف (ح) وأنا أبوحازم الحافظ أنا أبو أحمد الحافظ - يعني النَّيسابوريَّ - أنا أبو أحمد محمد بن سليمان بن فارس ثنا محمد - يعني ابن إسماعيل البخاريَّ - حدَّثني إسماعيل بن أبان ثنا محمد بن طلحة عن الحكم أبي عمرو عن ضرار بن عمرو عن أبي عبد الله الشَّاميِّ عن تميم الدَّاريِّ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الجمعة واجبةٌ إلا على صبيٍّ، أو مملوكٍ، أو مسافرٍ ". وفي رواية ابن عبدان: " إنَّ الجمعة واجبةٌ إلا على صبيٍّ، أو مملوكٍ، أو مسافرٍ ".
مسألة (241): تجب على الأعمى إذا وجد قائدا.
1268 - ومنها: ما أنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا الحسن بن عليِّ بن عفَّان ثنا يحيى بن فضيل ثنا حسن - يعني ابن صالح بن حيٍّ - حدَّثني أبي حدَّثني أبو حازم عن مولى لآل الزُّبير يرفعه إلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " الجمعة واجبةٌ على كلِّ حالمٍ، إلا على الصَّبيِّ، والمملوك، والمرأة، والمريض ". 1269 - ومنها: ما أنا أبو الحسين بن بشران ببغداد أنا أبو جعفر الرَّزَّاز ثنا عيسى بن عبد الله الطَّيالسيُّ ثنا أَسِيد بن زيد ثنا حلو بن السّريِّ عن أبي البلاد عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " الجمعة واجبةٌ إلا على ما ملكت أيمانكم، أو ذي عِلَّةٍ " (1). 1270 - وقال الشَّافعيُّ: أنا إبراهيم بن محمد حدَّثني سلمة بن عبد الله الخطميُّ عن محمد بن كعب أَنَّه سمع رجلاً من بني وائل يقول: قال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تجب الجمعة على كلِّ مسلمٍ إلا امرأةً، أو صبيًّا، أومملوكًا " (2) O. * * * * * مسألة (241): تجب على الأعمى إذا وجد قائدًا. وقال أبو حنيفة: تجب (3) عليه. لنا:
مسألة (242): يجوز عند أحمد إقامة الجمعة قبل الزوال، خلافا
الحديث المتقدِّم في التي قبلها. * * * * * مسألة (242): يجوز عند أحمد إقامة الجمعة قبل الزَّوال، خلافًا لأكثرهم. لنا ثلاثة أحاديث: 1271 - الحديث الأوَّل: قال البخاريُّ: ثنا يحيى بن بكير ثنا يعقوب ابن عبد الرَّحمن عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: ما كنَّا نتغدَّى ولا نقيل إلا بعد الجمعة (1). 1272 - وقال أحمد: ثنا عبد الرَّحمن بن مهديٍّ ثنا يعلى بن الحارث قال: سمعت إياس بن سلمة بن الأكوع يحدِّث عن أبيه قال: كنَّا نصلِّي مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجمعة، ثُمَّ نرجع فلا نجد للحيطان فيأً نستظل به (2). الحديثان في "الصَّحيحين". 1273 - قال أحمد: وثنا يعقوب ثنا أبي عن ابن إسحاق قال: حدَّثني عاصم بن عمر بن قتادة عن أنس بن مالك قال: كنَّا نصلِّي مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الجمعة، ثُمَّ نرجع إلى القائلة فنقيل (1). انفرد بإخراجه البخاريُّ. ز: لم يروه البخاريُّ من هذه الطَّريق، ولفظه: كنَّا نبكِّر بالجمعة، ونقيل بعد الجمعة (2). 1274 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا يزيد بن الحسن بن يزيد البزَّاز أبو الطيب ثنا محمد بن إسماعيل الحسَّانيُّ ثنا وكيع ثنا جعفر بن بُرقان عن ثابت بن الحجَّاج الكلابيِّ عن عبد الله بن سِيْدان السُّلميِّ قال: شهدت الجمعة مع أبي بكر رضي الله عنه، فكانت صلاته وخطبته قبل نصف النَّهار، ثُمَّ شهدتها مع عمر رضي الله عنه، فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول انتصف النَّهار، ثُمَّ شهدتها مع عثمان، فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول زال النَّهار، فما رأيت أحدًا عاب ذلك ولا أنكره (3). رواه الإمام أحمد عن وكيع، واحتجَّ به. وثابت بن الحجَّاج: ذكره البخاريُّ في "تاريخه" (4) وابن أبي حاتم في كتابه (5)، ولم يذكرا فيه جرحًا. وعبد الله بن سِيْدان السُّلميُّ: من أهل الرابذة (6)، قال البخاريُّ:
لا يتابع في حديثه (1). وقال ابن عَدِيٍّ: شبه المجهول (2). وقال هبة الله الطَّبريُّ: مجهولٌ، لا تقوم بروايته حُجَّةٌ (3) O. احتجَّ الخصم بثلاثة أحاديث: 1275 - الحديث الأوَّل: قال التِّرمذيُّ: ثنا أحمد بن منيع ثنا سريج ابن النُّعمان ثنا فُليح بن سليمان عن عثمان بن عبد الرَّحمن التَّيميِّ عن أنس بن مالك أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلِّي الجمعة حين تميل الشَّمس. قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (4). ز: رواه البخاريُّ عن سريج (5)، ورواه أبو داود عن الحسن بن عليٍّ عن زيد بن الحبُاب عن فُليح (6) O. 1276 - الحديث الثَّاني: قال مسلم بن الحجَّاج: ثنا عبد الله بن عبد الرَّحمن ثنا يحيى بن حسَّان ثنا سليمان بن بلال عن جعفر بن محمد عن أبيه أنَّه سأل جابر بن عبد الله: متى كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلِّي الجمعة؟ قال: كان يصلِّي، ثُمَّ نذهب إلى جمالنا فنريحها، حين تزول الشَّمس (7). انفرد بإخراجه مسلمٌ. 1277 - الحديث الثَّالث: قال الشَّافعيُّ: أنا سفيان بن عيينة عن
مسألة (243): إذا وقع العيد يوم الجمعة أجزأ حضوره عن الجمعة،
عمرو بن دينار عن يوسف بن ماهك قال: قدم معاذ بن جبل على أهل مكَّة وهم يصلُّون الجمعة، والفيء في الحِجْر، فقال: لا تصلُّوا حتى تفئ الكعبة من وجهها (1). ز: هذا مرسلٌ، فإن يوسف بن ماهك لم يدرك معاذًا O. * * * * * مسألة (243): إذا وقع العيد يوم الجمعة أجزأ حضوره عن الجمعة، خلافًا لأكثرهم. لنا ثلاثة أحاديث: 1278 - الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا عبد الرَّحمن ثنا إسرائيل عن عثمان بن المغيرة (2) عن إياس بن أبي رملة قال: شهدت معاوية سأل زيد بن أرقم: شهدتَ مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عيدين اجتمعا؟ قال: نعم، صلَّى العيد أوَّل النَّهار، ثُمّ َرخَّص في الجمعة، ثُمَّ قال: " من شاء أن يجمِّع فليجمِّع " (3). ز: رواه أبو داود (4) والنَّسائيُّ (5) وابن ماجه (6) والحاكم وصحَّحه (7)،
وليس لإياس في السُّنن غير هذا الحديث O. 1279 - الحديث الثَّاني: قال يوسف بن يعقوب بن البهلول ثنا محمد ابن عمرو بن حنان ثنا بقيَّة ثنا شعبة عن المغيرة الضَّبيِّ عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح عن أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " قد اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنِّا مجمِّعون إن شاء الله ". رواه الخطيب عن أحمد بن محمد بن أحمد بن حمَّاد عن يوسف (1). ز: رواه أبو داود عن محمد بن مصفَّى وعمر بن حفص الوُصَابيِّ عن بقيَّة (2). وقال ابن عساكر في " الأطراف ": ورواه النَّسائيُّ عن محمد بن يحيى عن (3) يزيد بن عبد ربِّه عن بقيَّة نحوه. ولم أره في كتاب النَّسائيِّ، وإنَّما رواه ابن ماجه عن محمد بن يحيى (4)، ولم يذكره. ورواه الحاكم في "المستدرك" وقال: صحيحٌ غريبٌ على شرط مسلمٍ (5). وقد رواه ابن ماجه من حديث ابن عباس: 1280 - فقال: حدَّثنا محمد بن المصفَّى ثنا بقيَّة ثنا شعبة حدَّثني مغيرة الضَّبِّيُّ عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح عن ابن عباس عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال: " اجتمع عيدان في يومكم هذا، فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنَّا مجمِّعون إن شاء الله " (1) O. 1281 - الحديث الثَّالث: قال ابن ماجه: ثنا جبارة بن المغلِّس ثنا مندل بن عليٍّ عن عبد العزيز بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: اجتمع عيدان على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فصلَّى بالنَّاس، ثُمَّ قال: " من شاء أن يأتي الجمعة فليأتها، ومن شاء أن يتخلَّف فليتخلَّف " (2). الاعتماد على الحديث الأوَّل. فأمَّا حديث أبي هريرة: فقال الدَّارَقُطْنِيُّ: هو غريبٌ من حديث مغيرة، ولم يرفعه عنه غير شعبة، وهو أيضًا غريبٌ عن شعبة، لم يروه عنه غير بقيَّة. وقد رواه زياد البكائيُّ وصالح بن موسى الطَّلحيُّ عن عبد العزيز بن رُفيع متصلاً؛ وروي عن الثَّوريِّ عن عبد العزيز متصلاً، وهو غريبٌ عنه. ورواه جماعة عن عبد العزيز عن أبي صالح عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً، ولم يذكروا أبا هريرة (3). قلت: وكذا قال أحمد بن حنبل: إنَّما رواه النَّاس عن أبي صالح مرسلاً. وتعجب من بقيَّة كيف رفعه (4)؟! وقد كان بقيَّة يروي عن ضعفاء ويدلِّس.
وأمَّا حديث ابن عمر: فإنَّ مندل بن عليٍّ ضعيفٌ، وجبارة ليس بشيءٍ أصلاً، قال يحيى بن معين: هو كذَّابٌ (1). وقال ابن نمير: كان يوضع له الحديث فيحدِّث به (2). ز: 1282 - قال النَّسائيُّ في "سننه": أنا محمد بن بشَّار ثنا يحيى ثنا عبد الحميد بن جعفر حدَّثني وهب بن كيسان قال: اجتمع عيدان على عهد ابن الزُّبير فأخَّر الخروج حتى تعال النَّهار، ثُمَّ خرج فخطب فأطال الخطبة، ثُمَّ نزل فصلَّى ركعتين، ولم يصلِّ للنَّاس يومئذ الجمعة، فذُكر ذلك لابن عباس، فقال: أصاب السُّنَّة (3). ورواه الحاكم في " مستدركه " وقال: على شرطهما. ولفظه: قال وهب ابن كيسان: شهدت ابن الزُّبير بمكَّة وهو أميرٌ، فوافق يوم فطرٍ أو أضحى يوم الجمعة، فأخَّر الخروج حتى ارتفع النَّهار، فخرج، وصعد المنبر، فخطب، فأطال، ثُمَّ صلَّى ركعتين، ولم يصلِّ الجمعة، فعاتبه عليه ناسٌ من بني أميَّة، فبلغ ذلك ابن عباس، فقال: أصاب ابن الزُّبير السُّنَّة. فبلغ ابن الزُّبير، فقال: رأيتُ عمر إذا اجتمع عيدان صنع مثل هذا (4). 1283 - وقال أبو داود: ثنا محمد بن طريف البجَليُّ ثنا أسباط (5) عن الأعمش عن عطاء بن أبي رباح قال: صلَّى بنا ابن الزُّبير في يوم عيدٍ، في يوم جمعةٍ، أوَّل النَّهار، ثُمَّ رحنا إلى الجمعة، فلم يخرج إلينا، فصلَّينا وحدانًا،
مسألة (244): إذا صلى الظهر من عليه الجمعة، قبل الفراغ من صلاة
وكان ابن عباس بالطَّائف، فلمَّا قدم ذكرنا ذلك له، فقال: أصاب السُّنَّة (1). 1284 - قال أبو داود: وثنا يحيى بن خلف ثنا أبو عاصم عن ابن جريج قال: قال عطاء: اجتمع يوم جمعة ويوم فطرٍ على عهد ابن الزُّبير، فقال: عيدان اجتمعا في يومٍ واحدٍ. فجمعهما جميعًا، فصلاهما ركعتين بكرةً، لم يزد عليهما حتى صلَّى العصر (2). وهذا الَّذي فعله ابن الزُّبير يدلُّ على جواز فعل الجمعة في وقت العيد، وأنَّها تجزئ عن العيد والظُّهر O. * * * * * مسألة (244): إذا صلَّى الظُّهر من عليه الجمعة، قبل الفراغ من صلاة الجمعة، لم تصحَّ صلاته. وقال أبو حنيفة: تصحُّ، فإن خرج يريد الجمعة انتقضت صلاته. وقال مالك: إن صلَّى في وقتٍ لو سعى إلى الجمعة لأدرك منها ركعة، لم يجزئه. وقال الشَّافعيُّ في الجديد كقولنا، وفي القديم: يجزئه بكلِّ حالٍ. والمسألة مبنيَّة على أنَّ فرض الوقت الجمعة، وعندهم الظُّهر، وله إسقاطها بالجمعة.
مسألة (245): الخطبة شرط في الجمعة.
لنا على هذا الأصلِّ: حديث جابر: " من كان يؤمن بالله فعليه الجمعة ... ". وقد تقدَّم بإسناده (1). * * * * * مسألة (245): الخطبة شرطٌ في الجمعة. وقال داود: مستحبةٌ. قوله: " صلُّوا كما رأيتموني أصلِّي ". وقد سبق بإسناده (2). * * * * * مسألة (246): لا تجب القعدة بين الخطبتين. وقال الشَّافعيُّ: تجب. واحتجَّ:
مسألة (247): السنة إذا صعد المنبر أن يسلم.
1285 - بما روى أحمد: ثنا أبو كامل ثنا زهير ثنا سماك بن حرب قال: نبأني جابر بن سمرة أنَّه رأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب قائمًا على المنبر، ثُمَّ يجلس، ثُمَّ يقوم فيخطب قائمًا. قال جابر: فمن نبَّأك أَنَّه كان يخطب قاعدًا فقد كذب، فقد والله صلَّيت معه أكثر من ألفي صلاة (1). 1286 - قال أحمد: وثنا عبد الرَّزَّاق ثنا معمر أنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: كان النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب يوم الجمعة مرَّتين، بينهما جلسةٌ (2). أخرجاه في "الصَّحيحين" (3). وانفرد بالَّذي قبله مسلمٌ. وأصحابنا قد حملوا هذا على الاستحباب. 1287 - ورووا عن ابن عباس أنَّه قال: لمَّا ثقل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جلس. * * * * * مسألة (247): السُّنَّة إذا صعد المنبر أن يسلِّم. وقال أبو حنيفة ومالك: لا يسلِّم.
1288 - قال أبو بكر أحمد بن محمد الأثرم: ثنا عمرو بن خالد المصريُّ ثنا ابن لهيعة عن محمد بن زيدٍ عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: كان النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا صعد المنبر سلَّم. 1289 - قال الأثرم: وثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا أبو أسامة ثنا مجالد عن الشَّعبيِّ قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا صعد المنبر يوم الجمعة استقبل النَّاس، فقال: " السَّلام عليكم ". ويحمد الله، ويثني عليه، ويقرأ سورة، ثُمَّ يجلس، ثُمَّ يقوم فيخطب، ثُمَّ ينزل، وكان أبو بكر وعمر يفعلانه. ز: حديث جابر: رواه ابن ماجه عن محمد بن يحيى عن عمرو بن خالد (1)، وابن لهيعة ضعيفٌ. ومجالدٌ ليِّنٌ، وحديثه مرسلٌ. وقال عبد الرَّحمن بن أبي حاتم: سألتُ أبي عن حديثٍ رواه عمرو بن خالد الحرَّانيُّ عن ابن لهيعة عن محمد بن زيد بن المهاجر عن محمد بن المنكدر عن جابر أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا صعد المنبر سلَّم. قال أبي: هذا حديثٌ موضوعٌ (2). 1290 - وقال أبو عليٍّ الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان: أنا أبو محمد عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم الخراساني ثنا إبراهيم - هو ابن الهيثم - ثنا محمد بن أبي السَّريِّ ثنا الوليد بن مسلمٍ ثنا عيسى بن عبد الله الأنصاريُّ عن نافع عن ابن عمر قال: كان النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا دخل المسجد يوم الجمعة يسلِّم على من عند المنبر، فإذا صعد المنبر سلَّم على النَّاس.
مسألة (248): يحرم الكلام حين سماع الخطبة.
رواه الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد في كتاب "المختارة" ولم يتكلَّم عليه. وعيسى بن عبد الله الأنصاريُّ: قال ابن عَدِيٍّ: عامَّة ما يرويه لا يتابع عليه. وروى هذا الحديث في ترجمته: 1291 - فقال: حدَّثنا أبو عروبة ثنا عبد الوهَّاب بن الضَّحَّاك (ح) وثنا الفضل بن عبد الله بن سليمان ثنا الوليد بن عتبة، قالا: ثنا الوليد بن مسلم عن عيسى بن عبد الله الأنصاريِّ - وقال الوليد (1): حدَّثني عيسى بن أبي عون القرشيُّ - عن نافع عن ابن عمر قال: كان النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا دنا من منبره يوم الجمعة سلَّم على من عنده من الجلوس، فإذا صعد المنبر استقبل النَّاس بوجهه ثُمَّ سلَّم (2) O. * * * * * مسألة (248): يحرم الكلام حين سماع الخطبة. وعنه: لا يحرم. وعن الشَّافعيِّ كالرِّوايتين. لنا حديثان: 1292 - الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا حمَّاد بن خالد عن مالك وابن
أبي ذئب عن الزُّهريِّ عن سعيد بن المسيّب عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا قلت لصاحبك - والإمام يخطب يوم الجمعة -: (انصت) فقد لغوت " (1). أخرجاه في "الصَّحيحين" (2). 1293 - الحديث الثَّاني: قال أحمد: وثنا ابن نمير عن مجالد عن الشَّعبيِّ عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من تكلَّم يوم الجمعة والإمام يخطب، فهو كمثل الحمار يحمل أسفارًا " (3). ز: هذا الحديث لم يخرجه أصحاب " السُّنن "، ومجالد ليس بالقويِّ (4) O. * * * * *
فصل (249) ويحرم الكلام على المستمع دون الخاطب، خلافًا لأكثرهم في قولهم إنَّهما سواء. لنا ثلاثة أحاديث: 1294 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: ثنا محمد بن جعفر ثنا سعيد عن الوليد أبي بشر عن طلحة أنَّه سمع جابر بن عبد الله يحدِّث أنَّ سليكًا جاء ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب، فجلس، فأمره النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يصلِّي ركعتين، ثُمَّ أقبل على النَّاس فقال: " إذا جاء أحدكم والإمام يخطب، فليصلِّ ركعتين يتجوَّز فيهما " (1). أخرجاه في "الصَّحيحين" (2). 1295 - الحديث الثَّاني: قال أحمد: وثنا زيد بن الحُباب قال: حدَّثني حسين بن واقد قال: حدَّثني عبد الله بن بريدة قال: سمعت أبي يقول: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطبنا، فجاء الحسن والحسين، عليهما قميصان أحمران، يمشيان ويعثران، فنزل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المنبر، فحملهما، فوضعهما بين يديه، ثُمَّ قال: " صدق الله ورسوله: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن: 15]،
نظرت إلى هذين الصَّبيين يمشيان ويعثران، فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما " (1). ز: إسناد هذا الحديث على شرط مسلم، وقد رواه أبو داود (2) وابن ماجه (3) والنَّسائيُّ (4) وابن خزيمة في "صحيحه" (5) والتِّرمذيُّ، وقال: حديثٌ غريبٌ، لا نعرفه إلا من حديث الحسن بن واقد (6) O. 1296 - الحديث الثَّالث: قال أبو داود: ثنا يعقوب بن كعب الأنطاكيُّ ثنا مخلد بن يزيد أنا ابن جريج عن عطاء عن جابر قال: لمَّا استوى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الجمعة قال: " اجلسوا ". فسمع ذلك ابن مسعود، فجلس على باب المسجد، فرآه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " تعال يا عبد الله بن مسعود " (7). ز: رواه الحاكم أبو عبد الله في "المستدرك" وقال: على شرطهما (8). وقال أبو داود: هذا يعرف مرسلاً، إنَّما رواه النَّاس عن عطاء عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: ومخلد هو شيخٌ. وسُئل عنه الدَّارَقُطْنِيُّ فقال: رواه معاذ بن معاذ ومخلد بن يزيد وأبو زيد النَّحويُّ عن ابن جريج عن عطاء عن جابر.
مسألة (250): لا يكره الكلام قبل الابتداء بالخطبة وبعد الفراغ منها.
وخالفهم إسماعيل بن عيَّاش، فرواه عن ابن جريج عن عطاء عن ابن مسعود. وخالفهم الوليد بن مسلم، فرواه عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس. ورواه عمرو بن دينار عن عطاء مرسلاً، والمرسل أشبه (1) O. * * * * * مسألة (250): لا يكره الكلام قبل الابتداء بالخطبة وبعد الفراغ منها. وقال أبو حنيفة: يكره. 1297 - قال البخاريُّ: ثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو ثنا عبد الوارث ثنا عبد العزيز عن أنس قال: أقيمت الصَّلاة والنَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يناجي [رجلاً] (2) في جانب المسجد، فما قام إلى الصَّلاة حتى نام القوم (3). أخرجاه (4). 1298 - وقال أحمد: ثنا وكيع ثنا جرير بن حازم عن ثابت البنانيِّ عن أنس قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينزل من المنبر يوم الجمعة، فيكلِّم (5) الرَّجل في
مسألة (251): السنة أن يقرأ في الجمعة بـ " الجمعة " و " المنافقين "،
الحاجة، فيكلمه ثُمَّ يتقدَم إلى مصلاَّه فيصلِّي (1). ز: رواه أبو داود عن مسلم بن إبراهيم عن جرير، وقال: والحديث ليس بمعروفٍ عن ثابت، هو ممَّا تفرَّد به جرير بن حازم (2). ورواه التِّرمذيُّ عن بندار عن أبي داود عنه، وقال: غريبٌ لا نعرفه إلا من حديث جرير، سمعت محمدًا يقول: وهم جرير في هذا، والصَّحيح ما روي عن ثابت عن أنس قال: أقيمت الصَّلاة، فأخذ رجلٌ بيد النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... الحديث هو هذا، وجرير ربَّما يهم في الشيءِ، وهو صدوقٌ (3). ورواه النَّسائيُّ عن محمد بن عليِّ بن ميمون عن الفريابيِّ عنه (4). ورواه ابن ماجه عن بندار (5) O. * * * * * مسألة (251): السُّنَّة أن يقرأ في الجمعة بـ " الجمعة " و" المنافقين "، وهو قول الشَّافعيِّ. وقال مالكٌ: بـ " سبِّح " و" الغاشية ". وقال أبو حنيفة: ليس فيها معيَّنٌ.
1299 - قال مسلم بن الحجَّاج: ثنا قتيبة ثنا حاتم بن إسماعيل عن جعفر عن أبيه عن عبيد الله بن أبي رافع قال: استخلف مروان أبا هريرة على المدينة، وخرج إلى مكَّة، وصلَّى لنا أبو هريرة يوم الجمعة، فقرأ بسورة " الجمعة " في السَّجدة الأوَّلى، وفي الآخرة " إذا جاءك المنافقون "، قال: فأدركت أبا هريرة حين انصرف، فقلت: إنَّك قرأت بسورتين كان عليٌّ يقرأ بهما بالكوفة. فقال أبو هريرة: فإنِّي سمعتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ بهما يوم الجمعة. انفرد بإخراجه مسلمٌ (1). ولمالك: 1300 - ما روى أحمد: ثنا عبد الرَّحمن بن مهديٍّ ثنا مالك عن ضمرة ابن سعيد عن عبيد الله بن عبد الله أنَّ الضَّحَّاك بن قيس سأل النُّعمان بن بشير: ما كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ في الجمعة مع سورة " الجمعة "؟ قال: " هل أتاك حديث الغاشية " (2). 1301 - قال أحمد: وثنا سفيان عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه عن حبيب بن سالم عن أبيه عن النُّعمان بن بشير أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأ في العيدين بـ " سبِّح اسم ربِّك الأعلى " و" هل أتاك حديث الغاشية "، وإن وافق يوم الجمعة قرأ بهما جميعًا (3). انفرد بهذه الطَّريق مسلمٌ، واتَّفقا على التي قبلها (4).
ز: حديث ضمرة بن سعيد عن عبيد الله: لم يتَّفقا عليه، إنَّما رواه مسلم منفردًا به عن عمرو النَّاقد عن سفيان بن عيينة عنه بنحوه (1). ورواه أبو داود عن القعنبيِّ (2)، والنَّسائيُّ عن قتيبة (3)، كلاهما عن مالك. وحديث النُّعمان: رواه مسلمٌ من رواية أبي عوانة وجرير كلاهما عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه عن حبيب بن سالم عن النُّعمان، وليس فيه (عن أبيه) (4)، وهو الصَّواب، ولم يروه من حديث سفيان. وقال التِّرمذيُّ: وهكذا روى الثَّوريُّ ومِسْعر عن إبراهيم، وأمَّا سفيان ابن عيينة فيختلف عليه: يروى عنه عن إبراهيم عن أبيه عن حبيب عن أبيه عن النُّعمان، ولا يعرف لحبيب رواية عن أبيه (5). وقال أبو عبد الرَّحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل: حبيب بن سالم سمعه من النُّعمان، وكان كاتبه، وسفيان يخطئ فيه، يقول: حبيب بن سالم عن أبيه، وهو سمعه من النُّعمان (6) O. * * * * *
مسألة (252): إذا أدرك المسبوق دون الركعة من الجمعة = صلى ظهرا.
مسألة (252): إذا أدرك المسبوق دون الرَّكعة من الجمعة = صلَّى ظهرًا. وقال أبو حنيفة: يصلِّي ركعتين (1). لنا: حديث أبي هريرة: " من أدرك ركعةً من الصَّلاة، فقد أدرك الصَّلاة ". وعن عائشة نحوه. وقد ذكرناهما بإسنادهما فيما تقدَّم (2). 1302 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا البغويُّ ثنا الحكم بن موسى ثنا عبد الرَّزَّاق بن عمر الدِّمشقيُّ عن الزُّهريِّ عن سعيد بن المسيّب عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أدرك من الجمعة ركعةً فليضف إليها أخرى " (3). إلا أنَّ هذا الحديث لا يصلح الاحتجاج به، لأجل عبد الرَّزَّاق بن عمر، قال يحيى: ليس بشيءٍ، كذَّابٌ (4). وقال البخاريُّ: منكر الحديث (5). وقال أبو حاتم الرازيُّ: لا يكتب حديثه (6). وقال ابن حِبَّان: يقلب الأخبار، فاستحقَّ التَّرك (7).
1303 - وقد روى إبراهيم بن عطيَّة الثَّقفيُّ عن يحيى بن سعيد عن الزُّهريِّ عن سالم عن أبيه عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " من أدرك من الجمعة ركعة فليصلِّ إليها أخرى ". وهذا الحديث لا يصحُّ أيضًا، قال أبو حاتم بن حِبَّان الحافظ: إبراهيم ابن عطيَّة منكر الحديث جدًّا، وكان هشيم يدلِّس عنه أخبارًا لا أصل لها. قال: وهذا الحديث خطأٌ، إنَّما الخبر: " من أدرك من الصَّلاة ركعة ... "، وذكر الجمعة. قاله أربعة أنفس عن الزُّهريِّ عن أبي سلمة كلُّهم ضعفاء (1). ز: حديث أبي هريرة: رواه ابن ماجه عن محمد بن الصَّبَّاح عن عمر ابن حبيب عن ابن أبي ذئب عن الزُّهريِّ عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة، ولفظه: " من أدرك من الجمعة ركعة فليصلِّ إليها أخرى " (2). وعمر بن حبيب ضعيفٌ. وقد رواه الحاكم وصحَّحه من حديث الوليد بن مسلم عن الأوزاعيِّ حدَّثني الزُّهريُّ عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أدرك من صلاة الجمعة ركعة فقد أدرك الصَّلاة ". ورواه من حديث يحيى بن أيُّوب: ثنا أسامه بن زيد الليثيُّ عن الزُّهريِّ عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعًا: " من أدرك من الجمعة ركعة فليصلِّ إليها أخرى" (3). وقد روى الدَّارَقُطْنِيُّ حديث أبي هريرة بطرقٍ كثيرةٍ (4)، وروى حديث
ابن عمر أيضًا: 1304 - فقال: حدَّثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث ثنا محمد بن مصفَّى وعمرو بن عثمان قالا: ثنا بقيَّة حدَّثني يونس بن يزيد الأيليُّ عن الزُّهريِّ عن سالم بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أدرك ركعةً من صلاة الجمعة وغيرها، فليضف إليها أخرى، وقد تمَّت صلاته ". وقال عمرو: " وقد أدرك الصَّلاة ". قال الدَّارَقُطْنِيُّ: قال لنا أبو بكر - يعني عبد الله بن سليمان -: لم يروه عن يونس إلا بقيَّة (1). 1305 - وقال النَّسائيُّ: أخبرني موسى بن سليمان بن إسماعيل بن القاسم ثنا بقيَّة عن يونس حدَّثني الزُّهريُّ عن سالم عن أبيه عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أدرك ركعةً من الجمعة أو غيرها، فقد تمَّت صلاته ". كذا رواه في "سننه"، وروى بعده: 1306 - عن محمد بن إسماعيل التِّرمذيِّ عن أيُّوب بن سليمان عن أبي بكر بن أبي أويس عن سليمان بن بلال عن يونس عن ابن شهاب عن سالم أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أدرك ركعةً من صلاةٍ من الصَّلوات، فقد أدركها، إلا أنَّه يقضي ما فاته " (2). ورواه النَّسائيُّ أيضًا (3) وابن ماجه (4) جميعًا عن عمرو بن عثمان بن كثير عن بقيَّة كما تقدَّم.
1307 - وقال الطَّبرانيُّ: ثنا عليُّ بن عبد الصَّمد الطَّيالسيُّ - علاَّن ما غمَّه - ثنا الجرَّاح بن مخلد (1) ثنا إبراهيم بن سليمان الدَّبَّاس ثنا عبد العزيز بن مسلم القسمليُّ عن يحيى بن سعيد الأنصاريِّ عن نافع عن ابن عمر أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أدرك ركعةً من الجمعة فقد أدرك ". قال الطَّبرانيُّ: لم يروه عن يحيى إلا عبد العزيز، تفرَّد به ابراهيم بن سليمان (2). وقد رواه الدَّارَقُطْنِيُّ من رواية عيسى بن إبراهيم عن عبد العزيز. وقد رواه محمد بن هارون الحضرميُّ عن يعيش بن الجهم عن عبد الله بن نمير عن يحيى بن سعيد (3). وسئل عنه الدَّارَقُطْنِيُّ فقال: يرويه يحيى بن سعيد الأنصاريُّ، واختلف عنه: فرواه ابن نمير وعبد العزيز بن مسلم القسمليُّ عن يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. كذلك قال يعيش بن الجهم عن ابن نمير، وغيره [يرويه] (4) عن ابن نمير موقوفًا. وكذلك رواه زهير بن معاوية ويحيى القطَّان وهشيم عن يحيى عن نافع عن ابن عمر موقوفًا، وهو الصَّواب.
وكذلك رواه عبيد الله بن عمر وعليُّ بن الحكم عن نافع عن ابن عمر موقوفًا. وقد روى مطر الوَّراق عن نافع عن ابن عمر عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا يصحُّ (1) O. * * * * *
مسائل العيد
مسائل العيد مسألة (253): التكبرات الزَّوائد: في الأولى ستٌّ، وفي الثانية خمسٌ. وقال أبو حنيفة: ثلاثٌ في الأولى، وثلاثٌ في الثَّانية. وقال الشَّافعيُّ: في الأولى سبعٌ، وفي الثَّانية خمسٌ. لنا ستَّة أحاديث: 1308 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: ثنا وكيع ثنا عبد الله بن عبد الرَّحمن سمعه من عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كبَّر في عيد ثنتي عشرة تكبيرة، سبعًا في الأولى، وخمسًا في الآخرة، ولم يصلِّ قبلها ولا بعدها. قال الإمام أحمد: أنا أذهب إلى هذا (1). ز: رواه أبو داود، ولفظه: قال: قال نبيُّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " التَّكبير في الفطر سبعٌ في الأولى، وخمسٌ في الآخرة، والقراءة بعدهما كلتيهما " (2). ورواه ابن ماجه، ولفظه: كبَّر في صلاة العيدين سبعٌ وخمسٌ (3).
وعبد الله بن عبد الرَّحمن الطَّائفيُّ: روى له مسلمٌ (1)، وقال يحيى بن معين: صالحٌ (2). وقال مُرَّة: ضعيفٌ (3). وقال مرَّةً: ليس به بأس، يكتب حديثه (4). وقال أبو حاتم: ليس بقويٍّ، ليِّن الحديث، بابةُ طلحة بن عمرو وعُمر بن راشد وعبد الله بن المؤمَّل (5). وقال النَّسائيُّ: ليس بذاك القويّ، ويكتب حديثه (6). وذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثِّقات" (7) O. 1309 - الحديث الثَّاني: قال أحمد: وثنا يحيى (8) ثنا ابن لهيعة ثنا الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " التَّكبير في العيدين: سبعٌ قبل القراءة، وخمسٌ بعد القراءة " (9). 1310 - الحديث الثَّالث: قال أحمد: وثنا أبو سعيد مولى بني هاشم ثنا ابن لهيعة عن عُقيل عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يكبر في العيدين سبعًا، وخمسًا، قبل القراءة (10). 1311 - الحديث الرَّابع: قال التِّرمذيُّ: ثنا مسلم بن عمرو الحذَّاء ثنا عبد الله بن نافع عن كثير بن عبد الله عن أبيه عن جدِّه أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كبَّر في
العيدين: في الأولى سبعًا قبل القراءة، وفي الآخرة خمسًا قبل القراءة (1). ز: رواه ابن ماجه عن أبي مسعود محمد بن عبد الله بن عبيد بن عقيل عن محمد بن خالد بن عثمة عن كثير، ولفظه: كبَّر في العيدين سبعًا في الأولى، وخمسًا في الآخرة (2). قال التِّرمذيُّ: سألتُ محمدًا - يعني البخاريَّ - عن هذا الحديث، فقال: ليس في هذا الباب شيءٌ أصحّ من هذا، وبه أقول. قال: وحديث عبد الله بن عبد الرَّحمن الطائفيِّ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه في هذا الباب هو صحيحٌ أيضًا (3) O. 1312 - الحديث الخامس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا عثمان بن أحمد الدَّقَّاق ثنا أحمد بن عليٍّ الخرَّاز ثنا سعيد (4) بن عبد الحميد ثنا فرج بن فضالة عن يحيى ابن سعيد عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " التَّكبير في العيدين: في الرَّكعة الأولى سبعُ تكبيرات، وفي الآخرة خمسُ تكبيرات " (5). ز: كذا فيه (سعيد بن عبد الحميد)، والمعروف سعد، وهو صدوقٌ تكلَّم فيه ابن حِبَّان (6) O. 1313 - الحديث السَّادس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا إسماعيل بن محمد
الصَّفَّار ثنا محمد بن عليٍّ الوَّراق ثنا أحمد بن الحجَّاج ثنا عبد الرَّحمن بن سعد بن عمَّار عن عبد الله بن محمد بن عمَّار عن أبيه عن جدِّه قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكبِّر في العيدين، في الأولى سبعًا، وفي الآخرة خمسًا (1). ز: 1314 - روى ابن ماجه عن هشام بن عمَّار عن عبد الرَّحمن بن سعد بن عمَّار بن سعد - مؤذِّن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: حدَّثني أبي عن أبيه عن جدِّه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يكبِّر في العيدين، في الأولى سبعًا قبل القراءة، وفي الآخرة خمسًا قبل القراءة (2). هذا الحديث ليس إسناده [] (3) بالقويِّ O. قال المؤلِّف: أصلح هذه الأحاديث الأوَّل، وهو حديث عمرو بن شعيب، وفي إسناده عبد الله بن عبد الرَّحمن وهو الطَّائفيُّ، وقد ضعَّفه يحيى، وقال مرَّةً: ليس به بأس. وقال مرَّة: صويلح (4). وأمَّا حديث أبي هريرة وعائشة: ففيهما ابن لهيعة، وهو ضعيفٌ جدًّا. وأمَّا حديث كثير بن عبد الله: فقد قال التِّرمذيُّ: هو أحسن شيءٍ في هذا الباب! وقد تعجَّبتُ من قوله هذا (5)، فإنَّه قد قال أحمد بن حنبل: لا تحدِّث
عن كثير بن عبد الله، لا يساوي شيئًا. وضرب على حديثه في "المسند" ولم يحدِّث به (1). وقال يحيى: ليس حديثه بشيءٍ، ولا يكتب (2). وقال النَّسائيُّ (3) والدَّارَقُطْنِيُّ (4): متروك الحديث. وقال أبو زرعة: واهي الحديث (5). وقال الشَّافعيُّ: هو ركنٌ من أركان الكذب (6). وقال أبو حاتم ابن حِبَّان الحافظ: روى عن أبيه عن جدِّه نسخةً موضوعةً، لا يحلُّ ذكرها في الكتب، ولا الرِّواية عنه إلا على جهة التَّعجُّب (7). وأمَّا الحديث الخامس: ففيه فرج بن فضالة، قال يحيى: ضعيفٌ (8). وقال ابن حِبَّان: لا يحلُّ الاحتجاج به (9). وأمَّا السَّادس: ففيه عبد الله بن محمد بن عمَّار، قال يحيى: ليس بشيءٍ (10). قال أصحاب الشَّافعيُّ: إنَّما التَّكبيرات السَّبع غير تكبيرة الإحرام. واستدلُّوا بحديثين:
1315 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا محمد بن إسحاق أنا إسحاق بن عيسى قال: حدَّثني ابن لهيعة ثنا خالد بن يزيد عن الزُّهريِّ عن عروة عن عائشة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكبِّر في العيدين اثنتي عشرة تكبيرة، سوى تكبيرة الافتتاح، ويقرأ بـ " قاف والقرآن المجيد " و" اقتربت الساعة " (1). 1316 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا عثمان بن أحمد الدَّقَّاق ثنا الحسن بن سلام ثنا أبو نعيم ثنا عبد الله بن عبد الرَّحمن الطََّائفيُّ قال: سمعت عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كبَّر في العيد يوم الفطر: سبعًا في الأولى، وفي الآخرة خمسًا، سوى تكبيرة الصَّلاة (2). والجواب: أمَّا الحديث الأوَّل: فيرويه ابن لهيعة - وهو ذاهب الحديث - عن خالد ابن يزيد، وقد قال أحمد: خالدٌ ليس بشيءٍ (3). وقال النَّسائيُّ: ليس بثقةٍ (4). وأمَّا الحديث الثاني: فيحمل قوله: (سوى تكبيرة الصَّلاة) على أنَّها تكبيرة الرُّكوع، يدلُّ عليه ما روى الدَّارَقُطْنِيُّ: 1317 - ثنا ابن أبي داود ثنا أبو الطََّاهر أنا ابن وهب قال: أخبرني ابن لهيعة عن خالد بن يزيد عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كبَّر في الفطر والأضحى سبعًا وخمسًا، سوى تكبيرتي الرُّكوع (5).
ز: روى هذا الحديث أبو داود عن أبي الطََّاهر (1)، وابن ماجه عن حرملة بن يحيى عن ابن وهبٍ عن ابن لهيعة عن خالد بن يزيد وعُقيل عن ابن شهاب (2). وخالد بن يزيد هو: الجمحيُّ، أبو عبد الرَّحيم المصريُّ، وقد روى له البخاريُّ (3) ومسلمٌ (4) في " صحيحيهما " ووثَّقه أبو زرعة (5) والنَّسائيُّ (6). والذي تكلَّم فيه أحمد والنَّسائيُّ وغيرهما هو الدِّمشقيُّ، والله أعلم O. واحتجَّ الحنفيُّون: 1318 - بما روى أبو داود: ثنا محمد بن العلاء ثنا زيد بن الحُباب عن عبد الرَّحمن بن ثوبان عن أبيه (7) عن مكحول قال: أخبرني أبو عائشة - جليسٌ لأبي هريرة -: أنَّ سعيد بن العاص سأل أبا موسى وحذيفة: كيف كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكبِّر في الأضحى والفطر؟ فقال أبو موسى: كان يكبِّر أربعًا، تكبيرَهُ على الجنائز. فقال حذيفة: صدق (8). والجواب: قال يحيى: ابن ثوبان ضعيفٌ (9). وقال أحمد: لم يكن بالقويِّ،
مسألة (254): القراءة بعد التكبيرات في الركعتين.
وأحاديثه مناكير (1). قال: وليس يروى في التَّكبير في العيدين عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثٌ صحيحٌ. ز: وقد روى هذا الحديث الإمام أحمد في "مسنده" عن زيد بن الحبُاب (2). وعبد الرَّحمن بن ثابت بن ثوبان: [وثَّقه] (3) غير واحد، وقال يحيى ابن معين في رواية: ليس به بأسٌ (4). وقال بعضهم: حديث أبي موسى ضعيفٌ، وأبو عائشة غير معروف. وقال أبو محمد بن حزم: أبو عائشة مجهولٌ (5). وقال ابن القطَّان: لا تعرف حاله (6) O. * * * * * مسألة (254): القراءة بعد التَّكبيرات في الرَّكعتين. وعنه: يوالي بين القراءتين، فيكبِّر في الأولى قبل القراءة، وفي الثَّانية
مسألة (255): السنة أن يقرأ في الأولى بـ " سبح "، وفي الثانية بـ
بعد القراءة، كقول أبي حنيفة. لنا: حديث عائشة: أَنَّه كان يكبِّر قبل القراءة. وقد سبق (1). * * * * * مسألة (255): السُّنَّة أن يقرأ في الأولى بـ " سبِّح "، وفي الثَّانية بـ " الغاشية ". وعنه: ليس فيه معَّينٌ، كقول أبي حنيفة. وقال مالك: يقرأ بـ " سبِّح " و" الشَّمس ". وقال الشَّافعيُّ: يقرأ في الأولى " قاف "، وفي الثانية " اقتربت ". لنا حديثان: الحديث الأوَّل: حديث النُّعمان بن بشير. وقد سبق بإسناده في مسائل الجمعة (2). 1319 - الحديث الثَّاني: قال أحمد: ثنا محمد بن جعفر أنا شعبة قال: سمعت معبد بن خالد يحدِّث عن زيد بن عقبة عن سمرة بن جندب أنَّ
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقرأ في العيدين بـ " سبِّح اسم ربِّك الأعلى "، و" هل أتاك حديث الغاشية " (1). ز: لم يخرج هذا الحديث بهذا الإسناد في " الصَّحيح " ولا في " السُّنن ". 1320 - وقد روى أبو داود (2) والنَّسائيُّ (3) من رواية زيد بن عقبة عن سمرة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقرأ بهما في الجمعة. 1321 - وعن ابن عباس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقرأ في العيد بـ " سبِّح اسم ربِّك الأعلى "، و" هل أتاك حديث الغاشية ". رواه ابن ماجه من رواية موسى بن عُبيدة (4)، وقد تكلَّم فيه غير واحدٍ من الأئمة O. ولأصحاب الشَّافعيِّ حديثان: الحديث الأوَّل: حديث عائشة. وقد تقدَّم بإسناده (5). 1322 - الحديث الثَّاني: قال أحمد: ثنا عبد الرَّحمن بن مهديٍّ ثنا مالك عن ضمرة بن سعيد عن عبيد الله بن عبد الله أنَّ عمر بن الخطَّاب سأل أبا واقد الليثيَّ (6): بما كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ في العيد؟ قال: بـ " قاف "
مسألة (256): لا يسن التطوع قبل صلاة العيد ولا بعدها.
و" اقتربت " (1). انفرد بإخراجه مسلمٌ (2). * * * * * مسألة (256): لا يسنُّ التَّطوُّع قبل صلاة العيد ولا بعدها. وقال الشَّافعيُّ: يسنُّ. وقال مالكٌ كقولنا إن كان في المصلَّى، وإن كان في المسجد فعلى روايتين. وقال أبو حنيفة: يتنفَّل بعدها إن شاء. لنا ثلاثة أحاديث: الحديث الأوَّل: حديث عبد الله بن عمرو. وقد سبق بإسناده في التَّكبيرات الزَّوائد (3). 1323 - الحديث الثَّاني: قال التِّرمذيُّ: ثنا محمود بن غيلان ثنا أبو داود الطَّيالسيُّ ثنا شعبة عن عديِّ بن ثابت قال: سمعتُ سعيد بن جبير يحدِّث عن ابن عباس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج يوم الفطر فصلَّى ركعتين، ثُمَّ لم يصلِّ قبلها ولا بعدها (4).
ز: روى هذا الحديث البخاريُّ (1) ومسلمٌ (2) من رواية شعبة O. 1324 - الحديث الثَّالث: قال التِّرمذيُّ: وثنا الحسين بن حُريث ثنا وكيع عن أبان بن عبد الله البَجليِّ عن أبي بكر بن حفص عن ابن عمر أنَّه خرج يوم عيدٍ ولم يصلِّ قبلها ولا بعدها، وذكر أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يفعله (3). قال التِّرمذيُّ: الحديثان صحيحان (4). ز: روى هذا الحديث أيضًا الإمام أحمد (5) والحاكم وصحَّحه (6). وأبان بن عبد الله: وثَّقه يحيى بن معين (7)، وقال الفلاَّس: كان ابن مهديٍّ يحدِّث عن سفيان عنه، وما سمعت يحيى بن سعيد يحدِّث عنه قطُّ (8). وقال أحمد: صدوقٌ، صالح الحديث (9). وقال ابن حِبَّان: كان ممَّن فحش خطؤه، وانفرد بالمناكير (10). وقال ابن عَدِيٍّ: لم أجد له حديثًا منكر المتن فأذكره، وأرجو أَنَّه لا بأس به (11) O. * * * * *
مسألة (257): يبتدئ التكبير في الأضحى من صلاة الفجر يوم
مسألة (257): يبتدئ التَّكبير في الأضحى من صلاة الفجر يوم عرفة، فإن كان محرمًا فمن صلاة الظُّهر يوم النَّحر، ويقطعه آخر أيَّام التَّشريق. ووافق أبو حنيفة في الابتداء، وقال: يقطع العصر من يوم النَّحر. وقال مالك: يكبِّر من الظُّهر يوم النَّحر إلى الصُّبح من آخر أيَّام التَّشريق. وعن الشَّافعيِّ ثلاثة أقوال: أحدها: كقولنا، ولم يفرق بين المحل والمحرم. والثَّاني: كمذهب مالك. والثَّالث: من صلاة المغرب ليلة النَّحر إلى الصُّبح من آخر أيَّام التَّشريق. 1325 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أبو بكر عبد الله بن يحيى بن يحيى (1) الطَّلحيُّ ثنا عبيد (2) بن كثير ثنا محمد بن جنيد ثنا مصعب بن سلام عن عمرو عن جابر عن أبي جعفر بن (3) عليِّ بن حسين عن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكبِّر في صلاة الفجر من يوم عرفة، إلى صلاة العصر من [آخر] (4) أيَّام التَّشريق، حين يسلِّم من المكتوبات (5). 1326 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا عثمان بن السماك ثنا أبو قِلابة قال:
حدَّثني نائل بن نجيح (1) ثنا عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر وعبد الرَّحمن بن سابط عن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا صلَّى الصُّبح من غداة عرفة أقبل على أصحابه فيقول: " على مكانكم ". ويقول: " الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد ". فيكبِّر من غداة عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيَّام التَّشريق (2). هذا حديثٌ لا يثبت، قال يحيى: عمرو بن شمر ليس بشئٍ، لا يكتب حديثه (3). وقال السَّعديُّ: كذَّابٌ (4). وقال النَّسائيُّ (5) والرَّازيُّ (6) والدَّارَقُطْنِيُّ (7): متروكٌ. وجابر هو: الجُعفيُّ، قال يحيى: لا يكتب حديثه (8). وقد وثَّقه الثَّوريُّ وشعبة (9).
مسألة (258): والسنة أن يكبر شفعا.
وقد روى هذا الحديث عمرو بن شمر عن جابر عن أبي الطُّفيل عن عليٍّ وعمَّار أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يفعل ذلك. * * * * * مسألة (258): والسُّنَّة أن يكبِّر شفعًا. وقال الشَّافعيُّ: يكبِّر ثلاثًا في آخره. وقال أبو حنيفة: واحدة. لنا: حديث جابر المتقدِّم (1). * * * * * مسألة (259): إذا غُمَّ هلال الفطر، ثُمَّ علم به بعد الزوال، صلُّوا من الغد؛ وكذلك في الأضحى. وقال مالك: لا يصلَّى العيد في غير يومه. وعن الشَّافعيِّ كالمذهبين.
1327 - قال أحمد: ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن أبي بشر عن أبي عمير بن أنس عن عمومته من أصحاب النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه جاء ركبٌ إلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فشهدوا أنَّهم رأوه بالأمس - يعني الهلال -، فأمرهم، فأفطروا، وأن يخرجوا من الغد (1). ز: رواه أبو داود (2) وابن ماجه (3) والنَّسائيُّ (4)، وصحَّحه الخطَّابيُّ (5) وغيره، وقال ابن حزمٍ: سنده صحيحٌ (6). وقال أبو بكر بن المنذر: هو حديثٌ ثابتٌ، يجب العمل به (7). وقال ابن القطَّان: عندي أَنَّه حديثٌ ينبغي أن ينظر فيه، ولا يقبل إلا أن تثبت عدالة أبي عمير (8) O. * * * * *
مسألة (260): إذا كان العدو في غير جهة القبلة، فرق الإمام الناس
مسائل صلاة الخوف مسألة (260): إذا كان العدوُّ في غير جهة القبلة، فرَّق الإمامُ النَّاسَ طائفتين: طائفةٌ بإزاء العدو، وطائفةٌ خلفه؛ فيصلِّي بها ركعةً، ويثبتُ قائمًا حتى تتمَّ لأنفسها، وتسلِّم، وتنصرف إلى وجاه العدو؛ ثُمَّ تجيء الطَّائفة الأخرى، فتحرم خلفه، فيصلِّي بها الرَّكعة الثَّانية، ويجلس للتشهُّد، وتقوم الطَّائفة فتصلِّي ركعة ثانيةً، وتجلس، فتتشهَّد، ويسلِّم بهم. وقال أبو حنيفة: يصلِّي بالأولى ركعةً وتنصرف؛ وتجيء الأخرى فتحرم معه، فيصلِّي بها ركعةً، وتتشهّد، وتسلِّم، وتنصرف إلى مقامها؛ وتجيء الأولى فتصلِّي ركعة بغير قراءة، وتنصرف إلى مقامها، وتجيء الثَّانية فتصلِّي ركعة بقراءةٍ وتشهَّد، وتسلِّم. وعن مالك كمذهبنا، وعنه أنَّ الإمام يسلِّم ولا ينتظر الثَّانية. وقال داود: جميع ما روي عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صلاة الخوف جائزٌ، لا يرجَّح بعضه على بعض. لنا: حديث سهل بن أبي حَثْمة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى كما وصفنا. وحديثه مخرَّجٌ في "الصَّحيحين" (1).
مسألة (261): إذا كان العدو في جهة القبلة أحرم بهم أجمعين،
وقد روى ابن عمر كما وصفوا. وخبرنا موافقٌ للكتاب والأصول: أمَّا الكتاب: فقوله تعالى: {فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَآئِكُمْ} [النساء: 102]، والمراد: سجود الأولى. وأمَّا الأصول: فإنَّ العمل الكثير من غير ضرورة يبطل الصَّلاة. قال أحمد بن حنبل: ما أعلم في هذا الباب إلا حديثًا صحيحًا، وأختار حديث سهل بن أبي حَثْمة (1). * * * * * مسألة (261): إذا كان العدو في جهة القبلة أحرم بهم أجمعين، وقرأ، وركع بهم، فإذا سجد سجدوا معه أجمعون، إلا الصَّف الذي يلي الإمام، فإنَّهم يقفون يحرسونهم، فإذا قاموا من الرَّكعة سجد الذين حرسوا، ولحقوا بهم؛ ثُمَّ يصلِّي بهم أجمعين حتى يرفع من الرُّكوع، فإذا سجد سجد معه الذين حرسوا في الرَّكعة الأولى، وحرس الآخرون، فإذا صلَّى الرَّكعة وجلس، سجدوا ولحقوه في الجلوس، ثُمَّ يسلم بالجميع (2). وقال أبو حنيفة: لا يصلِّي إلا كصلاته اذا كان العدو في غير جهة القبلة.
لنا: أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى بعسفان كما وصفنا. 1328 - قال أحمد: ثنا عبد الرَّزَّاق ثنا الثَّوريُّ (1) عن منصور عن مجاهد عن أبي عيَّاش الزُّرقيَّ قال: كنَّا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعسفان، فاستقبلنا المشركون - عليهم خالد بن الوليد - وهم بيننا وبين القبلة، فصلَّى بنا النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهر، فقالوا: قد كانوا على حالة لو أصبنا غرتهم؟! ثُمَّ قالوا: تأتي عليهم الآن صلاةٌ هي أحبُّ إليهم من أبنائهم وأنفسهم. قال: فنزل جبريل عليه السَّلام [بهذه] (2) الآيات بين الظُّهر والعصر: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} [النساء: 102]، قال: فحضرتْ، فأمرهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخذوا السِّلاح. قال: فصففنا خلفه صفَّين. قال: ثُمَّ ركع، فركعنا جميعًا، ثُمَّ رفع فرفعنا جميعًا، ثُمَّ سجد النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالصَّف الذي يليه، والآخرون قيام يحرسونهم، فلمَّا سجدوا وقاموا جلس الآخرون، فسجدوا في مكانهم، ثُمَّ تقدَّم هؤلاء إلى مصافِّ هؤلاء، وجاء هؤلاء إلى مصافِّ هؤلاء. قال: ثُمَّ ركع فركعوا جميعًا، ثُمَّ رفع فرفعوا جميعًا، ثمَّ سجد النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسجدوا (3)، ثُمَّ سلَّم عليهم، ثُمَّ انصرف، فصلاَّها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرَّتين: مرَّةً بعسفان، ومرَّة بأرض بني سليم (4).
مسألة (262): تصح الصلاة في حال المسايفة، ولا يجوز تأخيرها عن
ز: رواه الإمام أحمد أيضًا عن محمد بن جعفر عن شعبة عن منصور (1)، ورواه أبو داود عن سعيد بن منصور عن جرير بن عبد الحميد عن منصور (2)، ورواه النَّسائيُّ عن محمد بن مثنى ومحمد بن بشَّار عن غندر عن شعبة، وعن عمرو بن عليٍّ عن عبد العزيز بن عبد الصَّمد عن منصور بنحوه (3). ورواه أبو حاتم البستيُّ عن أبي يعلى الموصليِّ عن أبي خيثمة عن جرير بن عبد الحميد عن منصور عن مجاهد ثنا أبو عيَّاش الزُّرقيُّ قال: كنَّا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال قبل هذه الرِّواية: ذكر الخبر المدحض قول من زعم أنَّ مجاهدًا لم يسمع هذا الخبر من أبي عيَّاش الزُّرقيِّ، ولا لأبي عيَّاش الزُّرقيِّ صحبة فيما زعم (4). ورواه عن الحسن بن سفيان عن أبي بكر بن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان (5). ورواه الحاكم وقال: على شرطهما (6) O. * * * * * مسألة (262): تصحُّ الصَّلاة في حال المسايفة، ولا يجوز تأخيرها عن
وقتها. وقال أبو حنيفة: يجوز تأخيرها، وإن فعلها لم تصحّ. 1329 - قال البخاريُّ: ثنا عبد الله بن يوسف ثنا مالك عن نافع أنَّ عبد الله بن عمر كان إذا سئل عن صلاة الخوف وصفها، ثُمَّ قال: وإن كان خوفٌ أشدُّ من ذلك صلَّوا رجالاً، قيامًا على أقدامهم، أو ركبانًا، مستقبلي القبلة، أو غير مسقبليها. قال نافع: لا أُرى عبد الله بن عمر ذكر ذلك إلا عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1). * * * * * مسألة (263): لا يجوز الجلوس على الحرير ولا الاستناد إليه. وقال أبو حنيفة: يجوز. 1330 - قال البخاريُّ: ثنا آدم ثنا شعبة ثنا قتادة قال: سمعت أبا عثمان النَّهديَّ قال: أتانا كتاب عمر - ونحن مع عتبة بن فرقد -: أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن الحرير إلا هكذا، وأشار بإصبعيه اللتين تليان الإبهام (2). أخرجاه في "الصَّحيحين" (3).
مسألة (264): ولا يجوز لبس الحرير في الحرب، ولا الركوب عليه،
وهذا النَّهي يعمُّ: لبسه، والجلوس عليه، والاستناد إليه. 1331 - وقد روى أصحابنا من حديث حذيفة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن لبس الحرير، وأن يجلس عليه. ز: حديث حذيفة هذا الذي عزاه إلى رواية الأصحاب، قد رواه البخاريُّ في "صحيحه"، ولفظه: قال: نهانا النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نشرب في آنية الذَّهب والفضَّة، وأن نأكل فيها، وعن لبس الحرير والدِّيباج، وأن نجلس عليه (1) O. * * * * * مسألة (264): ولا يجوز لبس الحرير في الحرب، ولا الرُّكوب عليه، في إحدى الرِّوايتين. وعنه: يجوز، كقول أبي حنيفة والشَّافعيِّ. لنا: ما تقدَّم من الحديث. * * * * *
مسألة (265): صلاة الكسوف ركعتان، في كل ركعة ركوعان.
مسائل صلاة الكسوف مسألة (265): صلاة الكسوف ركعتان، في كلِّ ركعة ركوعان. وعنه: في كلِّ ركعة أربع ركوعات. وقال أبو حنيفة: صفتها كصلاتنا هذه، ثُمَّ الدُّعاء حتى تنجلي. لنا حديثان: 1332 - الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا إسحاق بن عيسى (1) ثنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس قال: خسفت الشَّمس، فصلَّى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والنَّاس معه، فقام قيامًا طويلاً نحوًا من سورة " البقرة " ثُمَّ ركع ركوعًا طويلاً، ثُمَّ رفع فقام قيامًا طويلاً - وهو دون القيام الأوَّل -، ثُمَّ ركع طويلاً - وهو دون الرُّكوع الأوَّل -، ثُمَّ سجد، ثُمَّ قام، فقام قيامًا طويلاً - وهو دون القيام الأوَّل -، ثُمَّ ركع ركوعًا طويلاً - وهو دون الركوع الأوَّل -. قال أحمد: وفيما قرأت على عبد الرَّحمن: قال: ثُمَّ قام قيامًا طويلاً - وهو دون القيام الأوَّل -، ثمَّ ركع ركوعًا طويلاً - وهو دون الرُّكوع الأوَّل -، ثُمَّ سجد، ثُمَّ انصرف (2).
1333 - الحديث الثَّاني: قال أحمد: وثنا بشر بن شعيب قال: حدَّثني أبي عن الزُّهريِّ قال: أخبرني عروة بن الزُّبير أنَّ عائشة قالت: كسفت الشَّمس على حياة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فخرج إلى المسجد، فقام فكبَّر، وصفَّ النَّاس وراءه فكبروا، فقرأ قراءةً طويلةً، ثُمَّ كبَّر فركع ركوعًا طويلاً، ثُمَّ قال: " سمع الله لمن حمده "، فقام ولم يسجد، فاقترأ قراءةً طويلة - هي أدنى من القراءة الأولى - ثُمَّ كبَّر وركع ركوعًا طويلاً - هو أدنى من الرُّكوع الأوَّل -، ثُمَّ قال: " سمع الله لمن حمده، ربَّنا ولك الحمد "، ثُمَّ سجد، ثُمَّ فعل في الرَّكعة الأخرى مثل ذلك، فاستكمل أربع ركعات وأربع سجدات، وانجلت الشَّمس قبل أن ينصرف. وكان كثير بن [عباس] (1) يحدِّث أنَّ عبد الله بن [عباس] (2) كان يحدِّث عن صلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم كسفت الشَّمس، مثل ما حدَّث عروة عن عائشة، فقلت لعروة: إنَّ أخاك لم يزد على ركعتين مثل [] (3) صلاة الصُّبح؟! فقال: إنَّه أخطأ السُّنَّة (4). الحديثان في "الصَّحيحين". أمَّا حجتُّهم: 1334 - فقال أحمد: ثنا (5) عبد الوهَّاب الثَّقفيُّ ثنا أيُّوب عن أبي قلابة
عن النُّعمان بن بشير قال: انكسفت الشَّمس على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فخرج، فكان يصلِّي ركعتين ويسلِّم (1)، ويصلِّي ركعتين ويسلِّم (2)، حتى انجلت (3). 1335 - قال أحمد: وثنا حجَّاج أنا شعبة عن عاصم الأحول عن أبي قلابة عن النُّعمان بن بشير قال: انكسفت الشَّمس على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فصلَّى، فكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يركع ويسجد. قال حجَّاج: مثل صلاتنا (4). والجواب: أنَّ أحاديثنا أكثر وأصحُّ، ثُمَّ إنَّ قوله: (كان يصلِّي ركعتين) لا ينافي مذهبنا، وأنَّه كان في كل ركعةٍ ركوعان. وقول حجَّاج: (مثل صلاتنا) ظنٌّ منه. ز: روى حديث النُّعمان: أبو داود (5) والنَّسائيُّ (6) وابن ماجه (7) والحاكم وقال: على شرطهما ولم يخرجاه (8). وأبو قلابة لم يسمع من النُّعمان فيما قيل، قال ابن أبي حاتم: قال أبي: أبو قلابة عن النُّعمان بن بشير، قال يحيى بن معين: هو مرسلٌ. قال أبي: قد أدرك أبو قلابة النُّعمان بن بشيرٍ، ولا أعلم سمع منه (9).
مسألة (266): ويسن الجهر فيها بالقراءة، وبه قال أبو يوسف
وقد رواه عفَّان عن عبد الوارث عن أيُّوب عن أبي قلابة عن رجلٍ عن النُّعمان. ورواه وهيب وعبيد الله بن الوازع عن أيُّوب عن أبي قلابة عن قبيصة بن مخارق. ورواه عبَّاد بن منصور عن أيُّوب عن أبي قلابة عن هلال بن عامر عن قبيصة O. * * * * * مسألة (266): ويسنُّ الجهر فيها بالقراءة، وبه قال أبو يوسف ومحمد، خلافًا لأكثرهم. 1336 - قال أبو داود: ثنا العباس بن الوليد بن مَزْيَد قال: أخبرني أبي ثنا الأوزاعيُّ قال: أخبرني الزُّهريُّ قال: أخبرني عروة عن عائشة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأ قراءةً طويلةً يجهر بها. يعني في صلاة الكسوف (1). ز: رواه الحاكم وقال: على شرطهما ولم يخرجاه هكذا (2). 1337 - وقال مسلمٌ في "صحيحه": حدَّثنا محمد بن مهران ثنا [] (3) الوليد بن مسلم أنا عبد الرَّحمن بن نمر أنَّه سمع ابن شهاب يخبر عن
عروة عن عائشة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جهر في صلاة الخسوف بقراءته، فصلَّى أربع ركعات في ركعتين، بأربع سجدات (1). وروى البخاريُّ نحوه عن محمد بن مهران، وقال: تابعه سفيان بن حسين وسليمان بن كثير عن الزُّهريِّ في الجهر (2) O. واحتجُّوا: 1338 - بما روى أحمد: ثنا أبو كامل ثنا زهير ثنا الأسود بن قيس قال: حدَّثني ثعلبة بن عِبَاد عن سمرة قال: اسودَّت الشَّمس، فقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كأطول ما قام بنا في صلاةٍ قطٌّ، لا نسمع له صوتًا (3). وهذا يحتمل أَنَّه يكون لبعده منه، لأنَّه قال في الحديث: أتينا والمسجد قد امتلأ. ز: حديث سمرة هذا بعض حديثٍ طويلٍ رواه أبو داود (4)، ورواه التِّرمذيُّ مختصرًا: (صلَّى بنا في كسوفٍ لا نسمع له صوتًا) وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ (5). ورواه ابن ماجه (6) والنَّسائيُّ (7) وأبو حاتم بن حِبَّان البستيُّ (8) والحاكم وقال: على شرطهما (9). واختصره بعضهم.
مسألة (267): ولا يسن في الكسوفين خطبة.
وثعلبة بن عِبَاد العبديُّ البصريُّ: ذكره ابن المدينيِّ في جملة المجهولين (1)، والله أعلم. وقال البخاريُّ - فيما حكاه عنه التِّرمذيُّ -: حديث عائشة (أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جهر بالقراءة في صلاة الكسوف) أصحُّ عندي من حديث سمرة (أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسرَّ القراءة فيها) (2). وقال الإمام أحمد: حديث عائشة في الجهر ينفرد به الزُّهريُّ (3) O. * * * * * مسألة (267): ولا يسنُّ في الكسوفين خطبةٌ. وقال الشَّافعيُّ: يسنُّ كخطبتي العيد. لنا ثلاثة أحاديث:
1339 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: ثنا يزيد بن هارون أنا إسماعيل عن قيس عن أبي مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنَّ الشَّمس والقمر لا ينكسفان لموتِ أحدٍ ولا لحياته، ولكنهما آيتان من آيات الله، فإذا رأيتموهما فصلُّوا " (1). 1340 - الحديث الثَّاني: قال أحمد: وثنا هارون بن معروف ثنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث أنَّ عبد الرَّحمن بن القاسم حدَّثه عن أبيه عن عبد الله بن عمر عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّه قال: " إنَّ الشَّمس والقمر لا ينكسفان لموت أحدٍ ولا لحياته، ولكنَّهما آيةٌ من آيات الله تعالى، فإذا رأيتموهما فصلُّوا " (2). 1341 - الحديث الثَّالث: قال أحمد: وثنا بشر بن شعيب قال: حدَّثني أبي عن الزُّهريِّ قال: أخبرني عروة عن عائشة قالت: كسفت الشَّمس، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنَّما هما آيتان من آيات الله، فإذا رأيتموهما فافزعوا إلى الصَّلاة " (3). الأحاديث الثَّلاثة في "الصَّحيحين". فإن قيل: ففي بعض ألفاظ "الصَّحيحين" من حديث عائشة أَنَّه خطب. فالجواب: المراد منه أنه خطب بعدها لا لها، ليحذَّر النَّاس من قولهم:
(إن الشَّمس كسفت لموت إبراهيم)، ولهذا في بعض ألفاظه: أنَّه خطب فقال: " إنَّ الشَّمس والقمر لا ينكسفان لموت أحدٍ ولا لحياته ". * * * * *
مسألة (268): تسن الصلاة للاستسقاء.
مسائل صلاة الاستسقاء مسألة (268): تسنُّ الصَّلاة للاستسقاء. وقال أبو حنيفة: لا تسنُّ. لنا حديثان: 1342 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: ثنا أبو نعيم ثنا ابن أبي ذئب عن الزُّهريِّ عن عبَّاد بن تميم عن عمِّه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج فتوجَّه إلى القبلة يدعو، وحوَّل رداءه، ثُمَّ صلَّى ركعتين جهر فيها بالقراءة (1). أخرجاه في "الصَّحيحين" (2). 1343 - الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا عليُّ بن سعيد بن جرير ثنا سهل بن بكَّار ثنا محمد بن عبد العزيز عن أبيه عن طلحة قال: أرسلني مروان إلى ابن عباس أسأله عن سُنَّة الاستسقاء، فقال: سُنَّةُ الاستسقاء سُنَّةُ الصَّلاة في العيدين، إلا أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قلب رداءه، فجعل يمينه على يساره، ويساره على يمينه، وصلَّى ركعتين، كبَّر في الأولى سبع تكبيرات، وقرأ بـ " سبِّح اسم ربِّك الأعلى "، وقرأ في الثَّانية " هل أتاك حديث الغاشية "، وكبَّر فيها خمس تكبيرات (3).
مسألة (269): ولا تسن الخطبة للاستسقاء.
ز: رواه الحاكم وصحَّحه (1)، وهو حديثٌ منكرٌ. ومحمد بن عبد العزيز هو: ابن عمر بن عبد الرَّحمن بن عوف الزُّهريُّ القرشيُّ المدنيُّ، وهو ضعيفٌ، قال البخاريُّ: منكر الحديث (2). وقال النَّسائيُّ: متروك الحديث (3). وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، ليس له حديثٌ مستقيمٌ (4). وقد تكلَّم فيه أيضًا ابن حِبَّان (5) وغيره، وروى عنه هذا الحديث غير سهل O. * * * * * مسألة (269): ولا تسنُّ الخطبة للاستسقاء. وعنه: تسنُّ، كقول الشَّافعيِّ، إلا أنَّه قال: يخطب خطبتين بعد الصَّلاة، يدعو في الثانية مستقبل القبلة (6). 1344 - قال أحمد: ثنا وكيع ثنا سفيان عن هشام بن إسحاق بن عبد الله بن كنانة عن أبيه عن ابن عباس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج متخشِّعًا، متضرِّعًا، متواضعًا، متبذِّلاً، فصلَّى بالنَّاس ركعتين، كما يصلِّي في العيد، لم
يخطب كخطبتكم هذه (1). ز: رواه أبو داود (2) والتِّرمذيُّ - وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ (3) - وابن ماجه (4) والنَّسائيُّ (5) وأبو حاتم البستيُّ (6) وأبو عوانة الإسفرائينيُّ في "صحيحه" (7) والحاكم في " مستدركه " (8). وذكر أبو حاتم الرَّازيُّ أنَّ رواية إسحاق بن عبد الله عن ابن عباس مرسلةٌ (9). وقال عبد الرَّحمن بن أبي حاتم: سئل أبو زرعة عن إسحاق بن عبد الله ابن كنانة، فقال: مدنيٌّ ثقةٌ (10). وقال النَّسائيُّ: ليس به بأسٌ (11) O. احتجُّوا: 1345 - بما روى أحمد: ثنا إسحاق ثنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر أنَّه سمع عبَّاد بن تميم يقول: سمعت عبد الله بن زيد يقول: خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المصلَّى، واستسقى، وحوَّل رداءه حين استقبل القبلة، وبدأ بالصَّلاة
مسألة (270): والإمام مخير بين أن يدعو قبل الصلاة وبعدها.
قبل الخطبة، ثُمَّ استقبل القبلة فدعا (1). والجواب: أنَّ قوله: (قبل الخطبة) محمولٌ على أنَّه أراد قبل أن يتشاغل بالدُّعاء والاستغفار، فسمَّى ذلك خطبةً (2). * * * * * مسألة (270): والإمام مخيَّرٌ بين أن يدعو قبل الصَّلاة وبعدها. وقال الشَّافعيُّ: يدعو بعد الصَّلاة. وعن أحمد نحوه. لنا: أنَّ الأخبار مختلفةٌ، فقد ذكرنا في حديث عبد الله بن زيد الذي ذكرناه في دليلنا: أَنَّه دعى ثُمَّ صلَّى (3)؛ وفي حديثه الذي في حجَّتهم: أَنه صلَّى ثُمَّ دعا (4). وذكرنا في حديث ابن عباس مثل اللفظ الأوَّل (5)، وقد روى جابر وأبو هريرة وأبو سعيد مثل اللفظ الثَّاني. * * * * *
مسألة (271): تحويل الرداء وقلبه في أثناء الدعاء سنة.
مسألة (271): تحويل الرِّداء وقلبه في أثناء الدُّعاء سنَّةٌ. وقال أبو حنيفة: لا يسنُّ (1). لنا: ما تقدَّم من الأحاديث (2). * * * * * مسألة (272): مذهب أحمد رضي الله عنه أَنَّه يكفر تارك الصَّلاة عمدًا. وعنه: لا يكفر، ولكن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل. وبه قال مالك والشَّافعيُّ. وقال أبو حنيفة: يستتاب، ويحبس، ولا يقتل. ووجه الرِّواية الأولى ثلاثة أحاديث: 1346 - الحديث الأوَّل: قال التِّرمذيُّ: ثنا هنَّاد ثنا وكيعٌ عن سفيان عن أبي الزُّبير عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بين العبد وبين الكفر: ترك الصَّلاة " (3).
انفرد بإخراجه مسلمٌ (1). 1347 - الحديث الثَّاني: قال أحمد: ثنا زيد بن الحباب قال: حدَّثني حسين بن واقد قال: حدَّثني عبد الله بن بريدة قال: سمعت أبي يقول: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بيننا وبينهم ترك الصَّلاة، فمن تركها فقد كفر " (2). ز: رواه التِّرمذيُّ ُوقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ (3). ورواه ابن ماجه (4) والنَّسائيُّ (5) وابن حِبَّان (6) والحاكم وقال: صحيحٌ ولا تعرف له علَّةً (7) O. 1348 - الحديث الثَّالث: قال أحمد: وثنا أبو عبد الرَّحمن ثنا سعيد قال: حدَّثني كعب بن علقمة عن عيسى بن هلال الصَّدفيِّ عن عبد الله بن عمرو عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه ذكر الصَّلاة يومًا فقال: " من حافظ عليها كانت له نورًا وبرهانًا ونجاةً يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأُبيِّ بن خلف " (8). ز: إسناد هذا الحديث جيِّدٌ، ولم يخرجوه في " السُّنن ".
وعيسى بن هلال: لم يذكر فيه ابن أبي حاتم جرحًا (1)، بل روى عنه غير واحدٍ، وذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثِّقات" (2). 1349 - وقد روى الإمام أحمد من رواية مكحول عن أمِّ أيمن أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تترك الصَّلاة متعمدًا، فإنَّه من ترك الصَّلاة متعمدًا فقد برئت منه ذمَّة الله ورسوله " (3). وهذا منقطعٌ، فإنَّ مكحولاً لم يدرك أمَّ أيمن. 1350 - وقال الحاكم: أنا أحمد بن سهل الفقيه - ببخارى - أنا قيس ابن أنيف ثنا [قتيبة] (4) ثنا بشر بن المفضَّل عن الجُريريِّ عن عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة قال: كان أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يرون شيئًا من الأعمال تركه كفر غير الصَّلاة (5). رواه التِّرمذيُّ - دون ذكر أبي هريرة - عن قتيبة (6). 1351 - وقال البيهقيُّ: روينا عن عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه أنَّه قال: لاحظَّ في الإسلام لمن ترك الصَّلاة. 1352 - وعن عليٍّ رضي الله عنه: من لم يصلِّ فهو كافر. 1353 - وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: من لم يصلِّ فلا دين له (7) O. * * * * *
مسائل الجنائز
مسائل الجنائز مسألة (273): الأفضل أن يغسَّل الميِّت في قميص. وقال أبو حنيفة ومالك: الأفضل أن يغسَّل مجرَّدًا، إلا أنَّه تستر عورته. 1354 - قال أحمد: ثنا يعقوب ثنا أبي عن ابن إسحاق قال: حدَّثني حسين بن عبد الله عن عكرمة عن ابن عباس أنَّ عليًّا غسَّل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأسنده إلى صدره وعليه قميصه، وكان أسامة وصالح يصبَّان الماء، وعليٌّ يغسِّله (1). ز: حسين: ضعَّفه غير واحدٍ من الأئمة. 1355 - وقال أبو معاوية: ثنا أبو بردة (2) عن علقمة بن مرثد عن ابن بريدة عن أبيه قال: لمَّا أخذوا في غسل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ناداهم منادٍ من الدَّاخل: لا تنزعوا عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قميصه. رواه ابن ماجه عن سعيد بن يحيى بن الأزهر عن أبي معاوية (3). وابن بريدة هو: سليمان، وهو ثقةٌ، روى له مسلمٌ في "صحيحه" (4).
مسألة (274): يستحب في الغسلة الأخيرة شيء من كافور.
وأبو بردة هو: عمرو بن يزيد، وهو ضعيفٌ، تكلَّم فيه ابن معين (1) وأبو حاتم (2) وأبو داود (3) وغيرهم. وذكر الحاكم أنَّ هذا الحديث على شرط الشَّيخين (4)، وهو واهمٌ في ذلك، وكأَنَّه ظنَّ أنَّ أبا بردة هو بُريد بن عبد الله بن أبي بردة، أحد الثِّقات المشهورين، المخرَّج لهم في "الصَّحيحين" (5)، وليس به، وإن كان أبو معاوية يروي عن بُريد، فإنَّ بُريدًا لا تعرف له رواية عن علقمة بن مرثد، والله أعلم O. * * * * * مسألة (274): يستحبُّ في الغسلة الأخيرة شيءٌ من كافور. وقال أبو حنيفة: لا يستحبُّ. 1356 - قال أحمد: ثنا إسماعيل ثنا أيُّوب عن محمد عن أمِّ عطيَّة قالت: أتانا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونحن نغسِّل ابنته، فقال: " اغسلنها ثلاثًا، أو خمسًا، أو أكثر من ذلك - إن رأيتنَّ ذلك - بماءٍ وسدرٍ، واجعلن في الآخرة كافورًا - أو شيئًا من كافور -، فإذا فرغتنَّ فآذنَّني ". قالت: فلمَّا فرغنا آذنَّاه،
مسألة (275): يضفر شعر المرأة ثلاثة قرون.
فألقى إلينا حَقْوه، وقال: " أَشْعِرْنَهَا (1) إيَّاه " (2) أخرجاه في "الصَّحيحين" (3). * * * * * مسألة (275): يضفر شعر المرأة ثلاثة قرون. وقال أبو حنيفة: يكره ذلك، ولكن ترسله الغاسلة غير مضفور بين يديها من الجانبين، وتسدل خمارها عليه. 1357 - قال البخاريُّ: ثنا قبيصة عن سفيان عن هشام عن أمِّ الهذيل عن أمِّ عطيَّة قالت: ضفرنا شعر بنت النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاثة قرون (4). 1358 - وقال سعيد بن منصور: أنا أبو معاوية عن رجلٍ عن هشامٍ (5) عن حفصة عن أمِّ عطيَّة قالت: لمَّا ماتت زينب بنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال لنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اغسلنها وترًا، واجعلن شعرها ضفائر ". * * * * *
مسألة (276): إذا غسل الميت، وخرج منه شيء بعد الغسل،
مسألة (276): إذا غُسَّل الميت، وخرج منه شيءٌ بعد الغسل، وجبت إعادة الغسل. وقال أبو حنيفة: لا يجب غسل ما عَدا النَّجاسة. لنا: قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اغسلنها ثلاثًا، أو خمسًا، أو أكثر - إن رأيتنَّ - ". يعني: إن حدَّث بها حدثٌ. * * * * * مسألة (277): لا ينجس الآدميُّ بالموت. وعنه: ينجس، كقول أبي حنيفة. وعن الشَّافعيِّ كالمذهبين. لنا حديثان: 1359 - الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا ابن أبي عديٍّ عن حميد عن بكر عن أبي رافع عن أبي هريرة قال: لقيت النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا جنبٌ، فانسللت، فاغتسلت، فقال: " أين كنت؟ " فأخبرته، فقال: " إنَّ المؤمن لا ينجس " (1). أخرجاه في "الصَّحيحين" (2).
مسألة (278): لا ينقطع حكم الإحرام بالموت.
1360 - الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أبو سهل بن زياد ثنا عبيد العجليُّ ثنا يحيى بن معلَّى بن منصور ثنا عبد الرَّحمن بن يحيى بن إسماعيل بن عبيد الله المخزوميُّ ثنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تنجسوا موتاكم، فإنَّ المسلم ليس بنجسٍ حيًّا ولا ميِّتًا " (1). عبد الرَّحمن بن يحيى فيه ضعفٌ. ز: روى هذا الحديث الحاكم في "المستدرك" من رواية أبي بكر وعثمان ابني أبي شيبة عن ابن عيينة، وقال: صحيحٌ على شرطهما، ولم يخرجاه (2). وقال الحافظ محمد بن عبد الواحد: إسناده عندي على شرط الصَّحيح. 1361 - وقال البخاريُّ: قال ابن عباس: المسلم لا ينجس حيًّا ولا ميِّتًا (3). وعبد الرَّحمن بن يحيى: لا نعلم أحدًا ضعَّفه، بل صدَّقه أبو حاتم وروى عنه (4) O. * * * * * مسألة (278): لا ينقطع حكم الإحرام بالموت.
وقال أبو حنيفة ومالك: ينقطع. 1362 - قال أحمد: ثنا هشيم أنا أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنَّ رجلاً كان مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوقصته ناقته وهو محرمٌ، فمات، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اغسلوه بماءٍ وسدرٍ، وكفِّنوه في ثوبه، ولا تمسُّوه طيبًا، ولا تخمِّروا رأسه، فإنَّه يبعث يوم القيامة ملبدًا " (1). أخرجاه في "الصَّحيحين" (2). احتجُّوا: 1362/أ- بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا محمد بن عليٍّ السَّرخسيُّ (3) ثنا عليُّ بن عاصم عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المحرم يموت، قال: " خمِّروهم، ولا تشبَّهوا باليهود " (4). هذا حديثٌ لا يصحُّ، قال يزيد بن هارون: ما زلنا نعرف عليَّ بن عاصم بالكذب (5). وكان أحمد سيء الرأي فيه (6)، وقال يحيى: ليس
مسألة (279): يجوز للزوج أن يغسل زوجته.
بشيءٍ (1). وقال النَّسائيُّ: متروك الحديث (2). قلت: بل قد روي هذا الحديث مرسلاً: 1363 - قال سعيد بن منصور: ثنا إسماعيل بن إبراهيم عن ابن جريج عن عطاء قال: إذا مات المحرم خمِّروا وجهه، فإنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " خمِّروا وجوههم، ولا تشبَّهوا بأهل الكتاب ". * * * * * مسألة (279): يجوز للزَّوج أن يغسِّل زوجته. وقال أبو حنيفة: لا يجوز. 1364 - قال الإمام أحمد: ثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن يعقوب بن عتبة عن الزُّهريِّ عن عبيد الله بن عبد الله عن عائشة قالت: رجع إليَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يومٍ من جنازةٍ بالبقيع، وأنا أجد صداعًا في رأسي، وأنا أقول: وا رأساه، فقال: " بل أنا وا رأساه ". ثُمَّ قال: " ما ضرّك لو متِّ قبلي، فغسَّلتك، وكفَّنتك، ثُمَّ صلَّيت عليك، ودفنتك ". قلت: لكأنِّي بكَ والله لو فعلت ذلك، لقد رجعت إلى بيتي، فأعرست فيه ببعض نسائك! فتبسَّم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ بُدئ في وجعه الَّذي مات فيه (3).
ز: رواه ابن ماجه عن الذُّهلِيِّ عن أحمد بن حنبل (1)، ورواه النَّسائيُّ عن عمرو بن هشام عن محمد بن سلمة نحوه (2) O. فإن قيل: قد روى هذا الحديث البخاريُّ في "صحيحه" فقال فيه: قلت: وا رأساه. فقال: " ذلك لو كان وأنا حيٌّ، فأستغفر لك، وأدعو لك " (3). ورواه صالح بن كيسان عن الزُّهريِّ فقال فيه: " وددت أنَّ ذلك كان وأنا حيٌّ، فهيأتك ودفنتك ". ولم يقل: (غسَّلتك) إلا محمد بن إسحاق، وقد كذَّبه مالك (4). قلنا: إنَّما كذَّبه مالك بقول هشام بن عروة: (إنَّه حدَّث عن امرأتي (5) وما رآها رجلٌ قطٌّ)، وقد تأوَّل هذا أحمد بن حنبل فقال: يمكن أن تكون خرجت إلى المسجد فسمع منها (6). وقال يحيى بن معين: محمد بن إسحاق ثقةٌ (7). وقال شعبة: صدوقٌ (8). 1365 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا عبد الباقي بن قانع ثنا عبد الله بن أحمد ابن حنبل ثنا عبد الله بن صندل (9). ثنا عبد الله بن نافع المدنيُّ عن محمد بن
موسى عن عون بن محمد عن أمِّه عن أسماء بنت عميس أنَّ فاطمة عليها السَّلام (1) أوصت أن يغسِّلها زوجها عليٌّ وأسماء، فغسَّلاها (2). وقد رواه هبة الله الطَّبريُّ عن أسماء: أنَّ عليًّا غسَّل فاطمة، قالت أسماء: وأعنته عليها. ولم ينكر عليه أحدٌ من الصَّحابة، فصار كالإجماع. فإن قيل: قد أنكر أحمد هذا الحديث، ثُمَّ في الإسناد عبد الله بن نافع، قال يحيى: ليس بشيءٍ (3). وقال النَّسائيُّ: متروكٌ (4). قلنا: قد قال يحيى في روايةٍ: يكتب حديثه (5). قال بعض المتفقِّهة: لو صح هذا الحديث = قلنا: إنَّما غسَّلها لأنَّها زوجته في الآخرة، فما انقطعت الزَّوجيَّة. قلنا: لو بقيت الزَّوجيَّة لما تزوَّج بنت أختها أمامة بنت زينب بعد موتها، وقد مات عن أربع حرائر. قالوا: فقد روي أنَّها اغتسلت وماتت، فاكتفوا بغسلها ذلك: 1366 - أخبرنا عبد الله بن عليٍّ المقرئ أنا أبو منصور محمد بن أحمد ابن عبد الرَّزَّاق أنا عبد الملك بن محمد أنا أبو عليٍّ أحمد بن الفضل بن خزيمة ثنا
محمد بن سويد الطَّحَّان ثنا عاصم بن عليٍّ (1) ثنا إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق عن عُبيد الله بن عليِّ بن أبي رافع عن أبيه عن أمِّه سلمى قالت: اشتكت فاطمة، فمرَّضتها، فقالت لي يومًا - وخرج عليٌّ عليه السَّلام (2) -: يا أمتاه، اسكبي لي غسلاً. فسكبت، ثُمَّ قامت فاغتسلت كأحسن ما كنت أراها تغتسل، ثُمَّ قالت: هاتي لي ثيابي الجدد. فأتيتها بها، فلبستها، ثُمَّ جاءت إلى البيت الَّذي كانت فيه، فقالت لي [قدِّمي لي] (3) الفراش إلى وسط البيت. ثُمَّ اضطجعت، ووضعت يدها تحت خدِّها، واستقبلت القبلة، ثُمَّ قالت: يا أمتاه، إنِّي مقبوضةٌ اليوم، وإنِّي قد اغتسلت، فلا يكشفني أحدٌ. قالت: فقبضت مكانها، فجاء عليٌّ عليه السَّلام (4)، فأخبرته، فقال: لا والله، لا يكشفها أحدٌ، فدفنها بغسلها ذلك. قلنا: هذا حديثٌ لا يصحُّ، في إسناده ابن إسحاق وعليُّ بن عاصم، وقد سبق جرحهما (5). وقد رواه نوح بن يزيد عن إبراهيم بن سعد بهذا الإسناد، ورواه الحكم ابن أسلم عن إبراهيم أيضًا. ورواه عبد الرَّزَّاق عن معمر عن عبد الله بن محمد بن عقيل: أنَّ فاطمة اغتسلت ... هكذا ذكره مرسلاً. ونوح والحكم كلاهما متشيِّعٌ (6)، وابن عقيل ضعيفٌ، وحديثه
مرسلٌ، والتَّخليط فيه من بعض الرُّواة، وكيف يكون صحيحًا والغسل إنَّما شرع لحدث الموت؟! فكيف يقع قبله؟! وحوشي عليٌّ وفاطمة أن يخفى عليهما مثل هذا. ز: هذا الحديث منكرٌ جدًّا، أنكره الإمام أحمد وغيره، وإن كان قد رواه في "مسنده" عن أبي النَّضر عن إبراهيم بن سعد (1). قال حنبل: سمعت أبا عبد الله أنكر حديث إبراهيم بن سعد عن محمد ابن إسحاق أنَّ فاطمة غسَّلت نفسها وكفَّنتها. وعبيد الله بن عليِّ بن أبي رافع شيخٌ مقلٌّ، قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن عبيد الله بن عليِّ بن [أبي] (2) رافع، قال: هو ابن أخي عبيد الله بن أبي رافع، كاتب عليٍّ، روى عنه سعيد بن أبي هلال ومحمد بن إسحاق، لابأس بحديثه، ليس بمنكر الحديث. قلت: يحتجُّ بحديثه؟ قال: لا، هو يحدِّث بشيءٍ يسير، وهو شيخٌ (3). وقول المؤلِّف: (في إسناده ابن إسحاق وعليُّ بن عاصم، وقد سبق جرحهما) فيه نظرٌ، وقد تقدَّم قريبًا احتجاج المؤلِّف بابن إسحاق (4)! وراوي هذا الحديث إنَّما هو: عاصم بن عليٍّ الواسطيُّ - لا أبوه: عليُّ بن عاصم -، وعاصم روى عنه البخاريُّ في "صحيحه" (5). وقوله: (ونوح والحكم كلاهما متشيِّعٌ) فيه نظرٌ أيضًا، فإنَّ نوح بن
مسألة (280): لا يجوز للمسلم غسل قريبه الكافر ولا دفنه.
يزيد: هو المؤدِّب، وهو صدوقٌ ثقةٌ، من أصحاب إبراهيم بن سعد، ولا نعلم أحدًا رماه بالتَّشيُّع. والحكم بن أسلم: قال فيه أبو حاتم الرَّازيُّ: قدريٌّ، بصريٌّ، صدوقٌ (1). والله أعلم O. قالوا: نعارض حجَّتكم بما: 1367 - روي عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " لا ينظر الله عزَّ وجلَّ إلى رجلٍ نظر إلى فرج امرأةٍ وابنتها ". قالوا: وعندكم أنَّه إذا ماتت الزَّوجة قبل الدُّخول، فلزوجها أن يتزوَّج ابنتها ويغسِّل الزَّوجة، فينظر إلى فرجها. قلنا: لا تعرف صحَّة هذا الحديث، ولو صحَّ فنقول: متى ماتت الزَّوجة قبل الدُّخول جرى الموت مجرى الدُّخول، فلا يجوز للرَّجل أن يتزوَّج ابنتها في رواية؛ ولو سلَّمنا قلنا: المراد بالحديث النَّظر على وجه الاستمتاع، وذلك لا يحلُّ بعد الموت، ثُمَّ ليس من ضرورة الغسلِ النَّظرُ إلى الفرج. * * * * * مسألة (280): لا يجوز للمسلم غسل قريبه الكافر ولا دفنه. وقال أبو حفص العكبريُّ: لا بأس بذلك، وزعم أنَّه قولٌ لأحمد (2).
1368 - قال الخطيب: أخبرني محمد بن عبد الواحد ثنا عبيد الله بن أحمد بن يعقوب المقرئ ثنا العباس بن عليٍّ (1) النَّسائيُّ ثنا يحيى بن معلى ثنا سهل ابن المغيرة ثنا أبو معشر عن محمد بن كعبٍ القرظيِّ عن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه قال: جاء ثابت بن قيس بن شمَّاس إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: إنَّ أمَّه توفيت وهي نصرانيَّة، وهو يحب أن يحضرها، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اركب دابتك وسر أمامها، فإنَّك إذا كنت أمامها لم تكن معها " (2). ز: هذا حديثٌ لا يصحُّ، وأبو معشر ضعيفٌ O. احتجُّوا: 1369 - بما روى النَّسائيُّ قال: أخبرني عبيد الله بن سعيد ثنا يحيى عن سفيان قال: حدَّثني أبو إسحاق عن ناجية بن كعب عن عليٍّ قال: قلت للنَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ عمَّك الشَّيخ الضَّال مات، فمن يواريه؟ قال: " اذهب فوار أباك، ولا تحدثنَّ حدثًا حتى تأتيني ". فواريته، ثُمَّ جئت، فأمرني فاغتسلت، ودعا لي (3). والجواب: أنَّ هذا كان في أوَّل الإسلام (4).
ز: رواه الإمام أحمد عن وكيع عن سفيان (1)، وروى أبو داود عن [مسدَّد] (2) عن يحيى بن سعيد عن سفيان (3). ورواه النَّسائيُّ أيضًا عن ابن مثنَّى عن غندر عن شعبة عن أبي إسحاق (4). وسُئل الدَّارَقُطْنِيُّ عن هذا الحديث، فقال: رواه شعبة والثَّوريُّ وإسرائيل وشريك وزهير وقيس وورقاء وإبراهيم بن طهمان عن [أبي] (5) إسحاق عن ناجية بن كعبٍ عن عليٍّ. وخالفهم الحسين بن واقد وأبو حمزة السُّكريُّ فروياه عن أبي إسحاق عن الحارث عن عليٍّ، ووهما في ذكر الحارث. وذكر فيه من الاختلاف غير هذا، وقال: والمحفوظ قول الثَّوريِّ وشعبة ومن تابعهما عن [أبي] (6) إسحاق عن ناجية بن كعب عن عليٍّ، وكذلك رواه فرات القزَّاز عن ناجية بن كعبٍ أيضًا (7). وروي نحوه عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن عليٍّ. والله أعلم O. * * * * *
مسألة (281): يغسل السقط ويصلى عليه، إذا استكمل أربعة أشهر.
مسألة (281): يغسل السَّقط ويصلَّى عليه، إذا استكمل أربعة أشهر. وقال أبو حنيفة ومالك: لا يغسَّل، ولا يصلَّى عليه، إلا أن يستهلَّ. وقال الشَّافعيُّ: يغسل، وفي الصَّلاة عليه قولان. لنا حديثان: 1370 - الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا هاشم بن القاسم ثنا المبارك قال: أخبرني زياد بن جبير قال: أخبرني أبي عن المغيرة بن شعبة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " والسّقط يصلَّى عليه، ويدعى لوالديه بالمغفرة والرَّحمة " (1). قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (2). ز: روى هذا الحديث: أبو داود (3) والترمذيُّ (4) والنَّسائيُّ (5) وابن ماجه (6) بنحوه، واختصره بعضهم، وقد روي موقوفًا، ورواه الحاكم وقال: على شرط البخاريِّ (7) O. 1371 - الحديث الثَّاني: قال ابن ماجه: ثنا هشام بن عمَّار ثنا البختري بن عبيد عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صلُّوا على أطفالكم، فإنَّهم من أفراطكم " (8).
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: البختري ضعيفٌ، وأبوه مجهولٌ (1). احتجُّوا: 1372 - بما روى التِّرمذيُّ: ثنا أبو عمَّار ثنا محمد بن يزيد عن إسماعيل ابن مسلم عن أبي الزُّبير عن جابر عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الطِّفل لا يصلَّى عليه، ولا يورث، ولا يرث، حتى يستهلَّ " (2). والجواب: أنَّ هذا لا يصحُّ، قال أحمد: إسماعيل بن مسلم منكر الحديث (3). وقال يحيى: ليس بشيءٍ، لم يزل مختلطًا (4). وقال ابن المدينيِّ: لا يكتب حديثه (5). وقال التِّرمذيُّ: قد روي مرفوعًا وموقوفًا، وكأنَّ الموقوف أصحُّ (6). ز: 1373 - روى البيهقيُّ من رواية يحيى بن أبي طالب عن يزيد بن هارون عن محمد بن إسحاق عن عطاء عن جابر بن عبد الله قال: إذا استهلَّ الصَّبيُّ وُرِّث، وصلِّي عليه. هكذا رواه موقوفًا، ثُمَّ رواه من رواية إسماعيل المكيِّ عن أبي الزُّبير عن جابر مرفوعًا، وقال: إسماعيل بن مسلم المكيُّ غيره أوثق منه (7).
1374 - وروى النَّسائيُّ من رواية المغيرة بن مسلم عن أبي الزُّبير عن جابر مرفوعًا: " الصَّبيُّ إذا استهلَّ وُرِّث وصُلِّي عليه ". ثُمَّ قال: وعند المغيرة بن مسلم عن أبي الزُّبير غير حديثٍ منكر (1). 1375 - وروى الحاكم أبو عبد الله عن أحمد بن سلمان الفقيه عن هلال ابن العلاء الرَّقيِّ عن أبيه عن بقيَّة عن الأوزاعيِّ عن أبي الزُّبير عن جابر مرفوعًا: " إذا استهلَّ المولود صُلِّي عليه، ووَرِث ووُرِّث " (2). 1376 - وروى أبو القاسم الطَّبرانيُّ عن محمد بن عبد الرَّحيم الدِّيباجيِّ عن محمد بن أحمد بن أبي خلف عن إسحاق الأزرق عن سفيان عن أبي الزُّبير عن جابر مرفوعًا: " إذا استهلَّ الصَّبيُّ ورث ووُرِّث، وصُلِّي عليه " (3). 1377 - وروى ابن ماجه عن هشام بن عمَّار عن الرَّبيع بن بدر عن أبي الزُّبير عن جابر بن عبد الله مرفوعًا: " إذ استهلَّ الصَّبيُّ صُلِّي عليه وورث " (4). والرَّبيع بن بدر: يعرف بـ " عُلَيلَة "، وقد ضعَّفوه، وقال النَّسائيُّ (5) وغيره: متروك الحديث O. * * * * *
مسألة (282): الشهيد لا يصلى عليه، وهو قول الشافعي.
مسألة (282): الشَّهيد لا يصلَّى عليه، وهو قول الشَّافعيِّ. وعنه يصلَّى [عليه] (1)، وهو قول أبي حنيفة ومالك. لنا حديثان: 1378 - الحديث الأوَّل: قال التِّرمذيُّ: ثنا قتيبة ثنا الليث عن ابن شهاب عن عبد الرَّحمن بن كعب بن مالك أنَّ جابر بن عبد الله أخبره أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يجمع بين الرَّجلين من قتلى أحدٍ في الثَّوب الواحد، ثُمَّ يقول: " أيُّهما أكثر أخذاً للقرآن؟ " فإذا أشير له إلى أحدهما قدَّمه في اللحد، وقال: " أنا شهيدٌ على هؤلاء يوم القيامة ". وأمر بدفنهم في ثيابهم، ولم يصلِّ عليهم، ولم يُغسَّلوا (2). انفرد بإخراجه البخاريُّ (3). 1379 - الحديث الثَّاني: قال الإمام أحمد: ثنا صفوان بن عيسى ثنا أسامة بن زيد عن الزُّهريِّ عن أنس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يوم أحد يكفِّن الرَّجلين والثَّلاثة في الثَّوب الواحد، ودفنهم، ولم يصلِّ عليهم (4). ز: رواه أبو داود عن أحمد بن صالح وسليمان بن داود المَهْريِّ عن ابن وهب عن أسامة بن زيد (5). ورواه الحاكم من رواية ابن وهب أيضًا، وقال: على شرط مسلم (6).
وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: يشبه أن يكون حديث أسامة بن زيد محفوظًا (1). وقال البخاريُّ - فيما حكاه عنه التِّرمذيُّ -: حديث عبد الرَّحمن بن كعب بن مالك عن جابر عبد الله هو حديثٌ حسنٌ، وحديث أسامة بن زيدٍ هو غير محفوظٍ، غلط فيه أسامة بن زيدٍ (2) O. احتجُّوا: 1380 - بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا ابن صاعد ثنا بندار ثنا ابن أبي عَدِيٍّ ثنا شعبة عن حصين عن أبي مالك قال: كان يجاء بقتلى أحد: تسعة وحمزة عاشرهم، فيصلِّي عليهم النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يدفنون التِّسعة ويَدعون حمزة، ويجاء بتسعة وحمزة عاشرهم، فيصلِّي عليهم، فيرفعون التِّسعة ويدَعون حمزة (3). 1381 - وقال أحمد بن محمد بن النَّقُّور: ثنا عيسى بن عليٍّ أنا البغويُّ ثنا محمد بن جعفر الوركانيُّ ثنا سعيد بن ميسرة عن أنس قال: كان النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا صلَّى على جنازة كبَّر عليها أربعًا، وأَنَّه كبَّر على حمزة سبعين تكبيرة (4). 1382 - وقال ابن ماجه: ثنا محمد بن عبد الله بن نمير ثنا أبو بكر بن عيَّاش عن يزيد بن أبي زياد عن مِقْسم عن ابن عباس قال: أُتي بهم رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أحد، فجعل يصلِّي على عشرة عشرة، وحمزة كما هو، يُرفعون وهو كما هو موضوع (5). ثُمَّ قد روي لنا أنَّه لم يصلِّ على غير حمزة:
1383 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا عبد الملك بن أحمد الدَّقَّاق ثنا يعقوب الدَّورقيُّ ثنا عثمان بن عمر ثنا أسامة بن زيد عن الزُّهريِّ عن أنس بن مالك أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرَّ بحمزة، فكفنه بنمرة، ولم يصلِّ على أحدٍ من الشُّهداء غيره (1). فإن قيل: قد قال الدَّارَقُطْنِيُّ: لم يقل هذه اللفظة غير عثمان بن عمر، وليست بمحفوظةٍ. قلنا: عثمان مخرَّج عنه في "الصَّحيحين" (2)، والزِّيادة من الثِّقة مقبولةٌ. وأمَّا حديثهم الأوَّل: فإنَّ حصينًا ضعيفٌ، قال يزيد بن هارون: كان قد نسي (3). وقال النَّسائيُّ: تغيرَّ (4). وأمَّا الثَّاني: فقال البخاريُّ: سعيد بن ميسرة عنده مناكير (5). وقال ابن عَدِيٍّ: هو مظلم الأمر (6). وقال ابن حِبَّان: يروي الموضوعات (7). وأمَّا الثَّالث: ففيه يزيد بن أبي زياد، قال ابن المبارك: ارم به. وقال البخاريُّ: منكر الحديث، ذاهبٌ. وقال النَّسائيُّ: متروك الحديث (8).
ز: حصين في الحديث الأوَّل: هو ابن عبد الرَّحمن الكوفيُّ، أحد الثِّقات المخرَّج لهم في "الصَّحيحين" (1). والحديث مرسلٌ جيِّدٌ، قال البيهقيُّ: هو أصحُّ ما في هذا الباب (2). 1384 - وقد رواه أبو داود في " المراسيل " عن محمد بن كثير عن سليمان - يعني: ابن كثير - عن حصين عن أبي مالك، ولفظه: أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحمزة فوُضع، وجيئَ بتسعةٍ فوضعوا، فصلَّى عليهم سبع صلوات، حتى صلُّوا على سبعين رجلاً، وفيهم حمزة في كلِّ صلاة صلاَّها (3). وأبو مالك هو: الغفاريُّ، الكوفيُّ، واسمه: غزوان، وهو تابعيٌّ، روى عن جماعة من الصَّحابة، ووثَّقه يحيى بن معين (4) وغيره. وحديث سعيد بن ميسرة عن أنس: لم يخرجوه، وسعيد متهمٌ بالوضع، قال الحاكم: روى عن أنس بن مالك أحاديث موضوعة، وكذَّبه يحيى بن سعيد القطَّان (5). وأخطأ ابن حِبَّان في قوله: (روى عنه يحيى القطَّان) (6) فإنَّ الرَّاوي عنه إنَّما هو يحيى بن سعيد العطَّار الحمصيُّ، وهو شيخٌ متكلَّم فيه، يروي عن الضُّعفاء كثيرًا، ويحيى بن سعيد القطَّان أجلُّ قدرًا من أن يروي عنه، وقد كذَّبه هو وغيره.
وحديث مِقْسم عن ابن عباس: من أفراد ابن ماجه، وقد قال البيهقيُّ: لا أحفظه إلا من حديث أبي بكر بن عيَّاش عن يزيد بن أبي زياد، وكانا غير حافظين (1). وقد وهم المؤلِّف في كلامه على يزيد بن أبي زياد، فإنَّ ما حكاه عن البخاريِّ والنَّسائيِّ إنما هو في يزيد بن زياد، وقال (2): ابن أبي زياد الشَّاميُّ الرَّاوي عن الزُّهريِّ، وهو ضعيفٌ بلا خلاف. وأمَّا راوي هذا الحديث فهو الكوفيُّ، ولا يقال فيه: ابن زياد، وهو ممَّن يكتب حديثه على لينه، وقد روى له مسلم مقرونًا بغيره (3)، وروى له أصحاب السُّنن (4)، وقال أبو داود: لا أعلم أحدًا ترك حديثه (5). وقد جعل المؤلِّف هذين الرَّجلين واحدًا في كتاب " الضُّعفاء " (6)، وقد نبَّهنا على وهمه هناك، والله الموفق. وحديث الزُّهريِّ عن أنس: رواه أبو داود عن عباس العنبريِّ عن عثمان ابن عمر (7). ورواه الحاكم من رواية عثمان بن عمر وروح عن أسامة (8).
مسألة (283): إذا استشهد الجنب غسل.
1385 - وقد روى الحسن بن عمارة - وهو ضعيفٌ لا يحتجُّ بروايته - عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى على قتلى أحدٍ. 1386 - وفي " الصَّحيح " من رواية عقبة بن عامر أَنَّه صلَّى عليهم بعد ثمان سنين كالمودِّع للأحياء والأموات (1). وفي لفظٍ: صلَّى عليهم صلاته على الميِّت (2) O. * * * * * مسألة (283): إذا استشهد الجنب غسِّل. وقال مالكٌ والشَّافعيُّ: لا يغسَّل. 1387 - وقال محمد بن سعدٍ: لما قتل حنظلة بن أبي عامر قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنِّي رأيت الملائكة تغسل حنظلة بن أبي عامر بين السَّماء والأرض، بماء المزن في صحاف الفضَّة ". قال أبو أسيد السَّاعديُّ: فذهبنا، فنظرنا إليه، فإذا رأسه يقطر ماءً، فرجعت إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرته، فأرسل إلى امرأته فسألها، فأخبرته أَنَّه خرج وهو جنبٌ. فولده يقال لهم: بنو غسيل الملائكة (3). ز: 1388 - وروى محمد بن إسحاق في " المغازي " عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنَّ صاحبكم لتغسّله
مسألة (284): يكره أن يكفن في قميص وعمامة.
الملائكة - يعني حنظلة -، فاسألوا أهله: ما شأنه؟ " فسئلت صاحبته، فقالت: خرج وهو جنب حين سمع الهائعة (1). فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لذلك غسَّلته الملائكة" (2). 1389 - وروى أبو شيبة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال: نظر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى حنظلة الرَّاهب وحمزة بن عبد المطَّلب تغسلهما الملائكة. رواه البيهقيُّ، وقال: أبو شيبة ضعيفٌ (3) O. * * * * * مسألة (284): يكره أن يكفَّن في قميص وعمامة. وقال أبو حنيفة: يستحب ذلك. 1390 - قال البخاريُّ: ثنا إسماعيل قال: حدَّثني مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّن في ثلاثة أثواب بيض سحوليَّة، ليس قميص ولا عمامة (4).
مسألة (285): ويستحب أن يكون الكفن ثلاثة أثواب، لفائف،
أخرجاه في "الصَّحيحين" (1). 1391 - وقال التِّرمذيُّ: ثنا قتيبة ثنا حفص بن غِياث عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كُفِّن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ثلاثة أثواب بيض يمانيَة، ليس فيها قميصٌ ولا عمامة. قال: فذكروا لعائشة قولهم: في ثوبين وبرد حبرة. قالت: قد أتي بالبرد، ولكنَّهم ردُّوه، لم يكفِّنوه فيه. قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ، وهو أصحُّ الرِّوايات في كفن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (2). * * * * * مسألة (285): ويستحب أن يكون الكفن ثلاثة أثواب، لفائف، بيضًا كلَّها. وقال أبو حنيفة: ثوبان وحبَرة. لنا ثلاثة أحاديث: الحديث الأوَّل: حديث عائشة المتقدِّم (3). 1392 - الحديث الثَّاني: قال أحمد: ثنا عليُّ بن عاصم أنا عبد الله بن عثمان بن خُثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" البسوا من ثيابكم البياض، فإنَّها من خير ثيابكم، وكفِّنوا فيها موتاكم ". ز: رواه أبو داود (2) والتِّرمذيُّ - وقال: حسنٌ صحيحٌ (3) - وابن ماجه (4) والحاكم وقال: على شرط مسلمٍ (5) O. 1393 - الحديث الثَّالث: قال أحمد: ثنا يحيى بن سعيد عن سفيان قال: حدَّثني حبيب بن أبي ثابت عن ميمون بن أبي شبيب عن سمرة بن جندب عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " البسوا الثِّياب البيض، فإنَّها أطهر وأطيب، وكفِّنوا فيها موتاكم " (6). قال التِّرمذيُّ: الحديثان صحيحان. ز: رواه التِّرمذيُّ (7) والنَّسائيُّ (8) والحاكم وصحَّحه (9)، ورواه ابن ماجه ولم يقل: وكفِّنوا فيها موتاكم (10) O. * * * * *
مسألة (286): يكره أن تكفن المرأة في المعصفر.
مسألة (286): يكره أن تكفَّن المرأة في المعصفر. وقال أبو حنيفة: لا يكره. لنا: قوله: " خير ثيابكم البياض ". * * * * * مسألة (287): المشي أمام الجنازة أفضل، وفي حقِّ الرَّاكب خلفها. وقال أبو حنيفة: خلفها أفضل بكلِّ حالٍ. وقال الشَّافعيُّ: أمامها بكلِّ حالٍ. 1394 - قال الإمام أحمد: ثنا سفيان عن الزُّهريِّ عن سالم عن أبيه أَنَّه رأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبا بكر وعمر يمشون أمام الجنازة (1). هذا إسنادٌ صحيحٌ. فإن قالوا: قال التِّرمذيُّ: قد رواه جماعة من الحفَّاظ عن الزُّهريِّ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والمرسل أصحُّ (2). قلنا: الرَّاوي قد يسند الحديث وقد يرسله، ومن رواه مرفوعًا فقد أتى بزيادة على من أرسل، فوجب تقديم قوله.
ز: روى هذا الحديث: أبو داود (1) والتِّرمذيُّ (2) والنَّسائيُّ (3) وابن ماجه (4) وغيرهم. 1395 - وقال الطََّبرانيُّ: ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدَّثني أبي ثنا حجَّاج بن محمد قال: قرأت على ابن جريج: ثنا زياد بن سعد أنَّ ابن شهاب أخبره: حدَّثني سالم عن ابن عمر أنَّه كان يمشي بين يدي الجنازة، وقد كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر وعمر يمشون أمامها. قال أبي: هذا الحديث: (وأنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ...) إنَّما هو عن الزُّهريِّ مرسلٌ، وحديث سالم فعل ابن عمر، وحديث ابن عيينة كأنَّه وهمٌ (5). ورواه أبو حاتم البستيُّ من رواية سفيان عن الزُّهريِّ، ثُمَّ قال: ذكر الخبر المدحض قول من زعم أنَّ هذا الحديث أخطأ فيه سفيان. ورواه عن محمد ابن عبيد الله بن الفضل الكلاعيِّ عن عمرو بن عثمان بن سعيد عن أبيه عن شعيب بن أبي حمزة عن الزُّهريِّ عن سالم عن أبيه، وفيه ذكر عثمان (6). وقال النَّسائيُّ في هذا الحديث: والصَّواب مرسلٌ (7). وسئل عنه الدَّارَقُطْنِيُّ، فذكر فيه كلامًا كثيرًا واختلافًا، وذكر رواية شعيب ابن أبي حمزة وغيره عن الزُّهريِّ، ثُمَّ قال: والصَّحيح عن الزُّهريِّ قول من قال: عن سالم عن أبيه أنَّه كان يمشي، وقد مشى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر وعمر.
وقال أيضًا: وروي عن شريك عن خالد بن ذؤيب عن الزُّهريِّ: رأيت ابن عمر يمشي أمام الجنازة. قال: والزُّهريُّ وإن كان لقي ابن عمر، فإنَّ هذا القول وهمٌ، لأنَّ الحفَّاظ رووه عن الزُّهريِّ عن سالم أنَّه رأى ابن عمر، وهو الصَّواب. 1396 - وروى المغيرة بن شعبة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " الرَّاكب يسير خلف الجنازة، والماشي يمشي أمامها قريبًا منها، عن يمينها أو عن يسارها ". رواه الإمام أحمد وأصحاب " السُّنن " والحاكم وقال: على شرط البخاريِّ (1) O. احتجُّوا بخمسة أحاديث: الحديث الأوَّل: حديث كعب بن مالك، وقول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنَّك إذا كنت أمامها لم تكن معها ". وقد سبق بإسناده آنفًا (2). 1397 - الحديث الثَّاني: قال الإمام أحمد: ثنا أبو كامل ثنا زهير ثنا يحيى الجابر عن أبي ماجد عن عبد الله بن مسعود قال: سألنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المشي خلف الجنازة، فقال: " الجنازة متبوعةٌ ولا تَتْبع، ليس منَّا من تقدَّمها " (3). 1398 - الحديث الثَّالث: قال أحمد: وثنا عبد الواحد الحدَّاد ثنا سعيد
ابن عبيد الله الثَّقفيُّ عن زياد بن جبير عن أبيه عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الرَّاكب خلف الجنازة، والماشي حيث شاء منها " (1). 1399 - الحديث الرَّابع: قال أحمد: وثنا يزيد ثنا حمَّاد بن سلمة عن يعلى بن عطاء بن عبد الله بن يسار (2) أنَّ عمرو بن حريث (3) قال لعليٍّ: كيف تقول في المشي مع الجنازة؟ فقال عليٌّ: إنَّ فضل المشي خلفها على بين يديها كفضل صلاة المكتوبة في جماعة على الوحدة. قال عمرو: فإنِّي رأيت أبا بكر وعمر يمشيان أمام الجنازة. قال عليٌّ: إنَّهما كرها أن يحرجا النَّاس (4). 1400 - طريقٌ آخر: قال ابن شاهين: ثنا الحسين بن القاسم ثنا عليُّ ابن حرب ثنا المحاربيُّ ثنا مطرح أبو المهلب عن عبيد الله بن زحر عن عليِّ بن يزيد عن القاسم عن أبي سعيد قال: قلت لعليِّ بن أبي طالب: المشي أمام الجنازة أفضل؟ فقال: إنَّ فضل الماشي خلفها على الماشي أمامها كفضل صلاة المكتوبة على التَّطوُّع. قلت: برأيك تقول؟ قال: بل سمعته من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير مرَّة، ولا مرَّتين ... حتى بلغ سبع مرَّات (5). 1401 - الحديث الخامس: قال أحمد: ثنا أبو سعيد ثنا حرب ثنا يحيى
ثنا باب (1) بن عمير قال: حدَّثني رجلٌ من أهل المدينة أنَّ أباه أخبره عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تتبع الجنازة بصوتٍ، ولا يمشى بين يديها " (2). والجواب: أمَّا حديث كعب: ففيه أبو معشر، وقد ضعَّفه يحيى (3). وقال النَّسائيُّ: ليس إسناده بشيءٍ (4). وأمَّا حديث ابن مسعود: ففيه يحيى الجابر، قال يحيى بن معين: ليس بشيءٍ (5). وقال ابن حِبَّان: يروي المناكير، لا يجوز الاحتجاج به بحالٍ (6). قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وأبو ماجد مجهولٌ (7). وأمَّا حديث المغيرة: فقد صحَّحه التِّرمذيُّ، وغايته الجواز لا المسنون، على أنَّه قد روي بلفظٍ آخر يقوِّي ما نقول:
1402 - قال الإمام أحمد: ثنا هاشم بن القاسم ثنا المبارك قال: أخبرني زياد بن جبير قال: أخبرني أبي عن المغيرة بن شعبة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الرَّاكب خلف الجنازة، والماشي أمامها قريبًا، عن يمينها، أو عن يسارها " (1). وأمَّا حديث عمرو بن حريث: فإنَّه رأي لعليٍّ عليه السَّلام (2) لا رواية. وأمَّا حديث أبي سعيد عنه: فحديثٌ باطلٌ، في إسناده جماعة متروكون، قال يحيى بن معين: مطََّرح، ليس بشيءٍ (3)، ولا عبيد الله بن زحر (4). وقال النَّسائيُّ (5) والدَّارَقُطْنِيُّ (6): عليُّ بن يزيد متروكٌ. وقال أبو حاتم ابن حِبَّان: القاسم كان يروي عن أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المعضلات، فإذا اجتمع في إسناد خبرٍ: عبيد الله بن زحر وعليُّ بن يزيد والقاسم = لم يكن ذلك الخبر إلا ممَّا عملته أيديهم (7). وأمَّا حديث أبي هريرة: ففيه رجلان مجهولان. ز: حديث كعب: لا يصحُّ كما تقدَّم (8)، لكنَّ المؤلِّف احتجَّ به ثُمَّ ضعَّفه!
وحديث أبي ماجد عن ابن مسعود: رواه أبو داود (1) وابن ماجه (2) والتِّرمذيُّ وقال: غريبٌ، وسمعت محمد بن إسماعيل يضعِّف حديث أبي ماجدٍ هذا (3). وقال البيهقيُّ: هو حديثٌ ضعيفٌ، يحيى بن عبد الله الجابر ضعيفٌ، وأبو ماجدة - وقيل: أبو ماجد - مجهولٌ (4). وقال البرقانيُّ: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: أبو ماجد - وقيل: أبو ماجدة - عن ابن مسعود، مجهولٌ متروكٌ (5). وقال البخاريُّ: قال الحميديُّ عن ابن عيينة قال: قلت ليحيى الجابر: من أبو ماجد؟ قال: طار طيرٌ علينا فحدَّثنا. وهو منكر الحديث (6). وقال التِّرمذيُّ: أبو ماجد رجلٌ مجهولٌ (7). وأمَّا حديث المغيرة: فقد رووه في " السُّنن " بطرقٍ، وفي لفظه اختلاف (8). وأمَّا [حديث] (9) عمرو بن حريث عن عليٍّ: فإنَّه مختصرٌ من حديثٍ
مسألة (288): الوالي أحق بالصلاة من [] (6) الولي.
فيه طولٌ، روى ابن حِبَّان البُستيُّ بعضه (1)، ورواه إسحاق بن راهويه في "مسنده" عن النَّضر [بن] (2) شميل عن حمَّاد بن سلمة (3). وأمَّا حديث أبي هريرة: فرواه أبو داود عن هارون بن عبد الله عن عبد الصَّمد، وعن ابن مثنى عن أبي داود، جميعًا عن حرب بن شدَّاد عن يحيى ابن أبي كثير عن باب بن عمير (4). وسئل عنه الدَّارَقُطْنِيُّ، فذكر الاختلاف فيه، ثُمَّ قال: وقول حرب بن شدَّاد أشبه بالصَّواب (5) O. * * * * * مسألة (288): الوالي أحقّ بالصَّلاة من [] (6) الولي. وقال الشَّافعيُّ في الجديد: الولي. لنا: حديث أبي مسعود عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يُؤمُّ الرَّجلُ في سلطانه ".
مسألة (289): لا يصلى على الجنازة عند طلوع الشمس، وقيامها،
وقد سبق بإسناده في مسألة تقديم القارئ على الفقيه (1). * * * * * مسألة (289): لا يصلَّى على الجنازة عند طلوع الشَّمس، وقيامها، وغروبها، خلافًا للشَّافعيِّ. 1403 - قال أحمد: ثنا وكيع وعبد الرَّحمن بن مهديِّ قالا: ثنا موسى ابن عُلَيِّ بن رباح اللخميُّ قال: سمعتُ أبي يقول: سمعتُ عقبة بن عامر يقول: ثلاث ساعات كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينهانا أن نصلِّي فيهنَّ، وأن نقبر فيهنَّ موتانا: حين تطلع الشَّمس بازغة حتى ترتفع، وعند قيام الظَّهيرة حتى تميل الشَّمس، وحين تضيَّف للغروب حتى تغرب (2). انفرد بإخراجه مسلم (3). * * * * * مسألة (290): لا تكره الصَّلاة على الميِّت في المسجد. وقال أبو حنيفة ومالك: تكره. 1404 - قال أحمد: ثنا يونس ثنا فليح عن صالح بن عجلان عن عبَّاد
ابن عبد الله بن الزُّبير عن عائشة قالت: لمَّا توفِّي سعدٌ وأتي بجنازته - أمرت بها عائشة أن يمرَّ به عليها -، فمُرَّ به في المسجد، فدعت له، فأنكر ذلك عليها، فقالت: ما أسرع النَّاس إلى القول؟! ما صلَّى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ابن بيضاء إلا في المسجد (1). انفرد بإخراجه مسلمٌ (2). ز: 1405 - قال سعيد بن منصور: ثنا عبد العزيز بن محمد عن هشام ابن عروة عن أبيه قال: صُلِّي على أبي بكر في المسجد. 1406 - وقال: ثنا مالك عن نافع عن ابن عمر قال: صُلِّي على عمر في المسجد (3). 1407 - وعن إسماعيل بن أبان الغنويِّ عن هشام عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما ترك أبو بكر دينارًا ولا درهمًا، ودفن ليلة الثُّلاثاء، وصُلِّي عليه في المسجد. رواه البيهقيُّ، وقال: إسماعيل الغنويُّ متروكٌ (4). 1408 - وروى من رواية عبد الله بن الوليد عن (5) سفيان الثَّوريِّ عن هشام بن عروة عن أبيه أنَّ أبا بكرٍ رضي الله عنه صُلِّي عليه في المسجد. 1409 - وروى من رواية وهيب عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن
عمر أنَّ عمر رضي الله عنه صُلِّي عليه في المسجد، وصلَّى عليه صهيب (1) O. احتجُّوا: 1410 - بما روى أحمد: ثنا وكيع ثنا ابن أبي ذئب عن صالح مولى التَّوأمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من صلَّى على جنازةٍ في المسجد فليس له شيءٌ " (2). والجواب: أنَّ صالحًا مجروحٌ، كان شعبة لا يروي عنه، وينهى عنه (3)، وقال مالكٌ (4) ويحيى (5): ليس بثقةٍ. وقال ابن حِبَّان: تغيَّر، فجعل يأتي بالأشياء التي تشبه الموضوعات عن الثِّقات، فاختلط حديثه الأخير بحديثه القديم، ولم يتميَّز، فاستحقَّ التَّرك (6). ز: روى هذا الحديث أبو داود عن مسدَّد عن يحيى عن ابن أبي ذئب (7)، ورواه ابن ماجه عن عليِّ بن محمد عن وكيع (8). وصالح بن نبهان مولى التوأمة: قال يحيى بن معين: هو ثقةٌ حُجَّةٌ، وابن أبي ذئب سمع منه قبل أن يخرِّف (9). وقال الجوزجانيُّ: تغيَّر أخيرًا،
فحديث ابن أبي ذئب عنه مقبول، لسنِّه وسماعِه القديم عنه (1). وقال أبو زرعة (2) والنَّسائيُّ (3) وغيرهما: ضعيفٌ. وقال ابن عَدِيٍّ: لا بأس به، وبرواياته، وحديثه (4). وقال أبو عمر بن عبد البرِّ: من أهل العلم من لا يحتجُّ بحديثه أصلاً لضعفه، ومنهم من يقبل منه ما رواه ابن أبي ذئب خاصةً (5). وقال البيهقيُّ في هذا الحديث: رواه جماعة عن ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة، وهو ممَّا يعدُّ في أفراد صالح، وحديث عائشة رضي الله عنها أصحُّ منه، وصالح مولى التوأمة مختلفٌ في عدالته، كان مالك بن أنس يجرحه (6). وقال أبو زكريَّا النَّواويُّ (7): أجابوا عن هذا الحديث بأجوبة: أحدها: أنَّه ضعيف لا يصحُّ الاحتجاج به، قال أحمد بن حنبل (8): هذا حديثٌ ضعيفٌ، تفرَّد به صالح مولى التوأمة، وهو ضعيفٌ. والثَّاني: أنَّ الَّذي في النُّسخ المشهورة المحقَّقة المسموعة من " سنن أبي داود ": " من صلَّى على جنازة في المسجد فلا شيء عليه " (9)، فلا حُجَّة فيه حينئذٍ.
مسألة (291): السنة أن يقف الإمام عند صدر الرجل، ووسط المرأة.
الثَّالث: أنَّه لو ثبت الحديث، وثبت أَنَّه: " فلا شيء له " لوجب تأويله على: " فلا شيء عليه "، ليجمع بين الرِّوايتين، وبين هذا الحديث وحديث سهيل بن بيضاء، وقد جاء (له) بمعنى (عليه)، كقوله تعالى: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7]. الرَّابع: أنَّه محمولٌ على نقص الأجر في حقِّ من صلَّى في المسجد ورجع، ولم يشيِّعها إلى المقبرة، لما فاته من تشييعه إلى المقبرة وحضور دفنه، والله أعلم (1) O. * * * * * مسألة (291): السُّنَّة أن يقف الإمام عند صدر الرَّجل، ووسط المرأة. وقال أبو حنيفة: بحذاء صدرها (2). وقال مالك: عند وسط الرَّجل ومنكب المرأة. وقال الشَّافعيُّ كقولنا في المرأة، واختلف أصحابه في الرَّجل: فقال بعضهم كقولنا، وبعضهم: عند رأسه. لنا حديثان: 1411 - الحديث الأوَّل: قال التِّرمذيُّ: ثنا عبد الله بن منير عن سعيد ابن عامر عن همَّام عن أبي غالب قال: صلَّيت مع أنس بن مالك على جنازة
رجلٍ، فقام حيال رأسه، ثُمَّ جاءوا بجنازة امرأة، فقام حيال وسط السَّرير، فقال له العلاء بن زياد: هكذا رأيتَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام على الجنازة مقامك منها، ومن الرَّجل مقامك منه؟ قال: نعم. فلمَّا فرغ، قال: احفظوا (1). ز: رواه الإمام أحمد بن حنبل (2) وأحمد بن منيع (3) جميعًا عن يزيد بن هارون عن همَّام، ورواه أبو داود عن داود بن معاذ عن عبد الوارث عن نافع أبي غالب (4)، ورواه ابن ماجه عن نصر بن عليٍّ عن سعيد بن عامر (5). وقد رواه عبد الرَّحمن بن أبي الصَّهباء عن نافع أيضًا. وقد تكلَّم بعضهم في نافع أبي غالب، وهو الباهليُّ، الخيَّاط، البصريُّ، وقال يحيى بن معين: هو صالحٌ (6). وقال أبو حاتم الرَّازيُّ: شيخٌ (7). وذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثِّقات" (8) O. 1412 - الحديث الثَّاني: قال أحمد: ثنا عبد الصَّمد ثنا حسين المعلِّم ثنا عبد الله بن بريدة أنَّه سمع سمرة بن جندب يقول: صلَّى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أمِّ كعب - ماتت نفساء -، فقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للصَّلاة عليها وسطها (9).
مسألة (292): يصلى على الميت الغائب بالنية، خلافا لأبي حنيفة
أخرجاه في "الصَّحيحين" (1). * * * * * مسألة (292): يصلَّى على الميِّت الغائب بالنِّيَّة، خلافًا لأبي حنيفة ومالك. 1413 - قال أحمد: ثنا هشيم أنا يونس عن أبي قلابة عن أبي المهلَّب عن عمران بن حصين أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنَّ أخاكم النجاشيَّ قد مات، فصلُّوا عليه ". فقام فصفَّنا خلفه، فصلَّى عليه (2). انفرد بإخراجه مسلمٌ (3). ز: قد أخرج البخاريُّ ومسلمٌ في " صحيحيهما " من حديث جابر (4) وأبي هريرة (5) أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى على النَّجاشيِّ. وقد يقال: لا حُجَّة في هذا على جواز الصَّلاة على الغائب بالنِّيَّة مطلقًا، لاحتمال أن يكون النَّجاشيُّ لم يُصلَّ عليه بالحبشة.
مسألة (293): تجب قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة.
وفي المسألة ثلاثة أقوال أعدلها الصَّلاة عليه إذا لم يكن قد صُلِّي عليه، والله أعلم O. * * * * * مسألة (293): تجب قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة. وقد قال أبو حنيفة: لا تقرأ، ولكن يذكر الله ويثنى عليه في الأولى. لنا حديثان: 1414 - الحديث الأوَّل: قال التِّرمذيُّ: ثنا محمد بن بشَّار ثنا عبد الرَّحمن بن مهديٍّ ثنا سفيان عن سعد بن إبراهيم عن طلحة بن عبد الله بن عوف أنَّ ابن عباس صلَّى على جنازة، فقرأ بفاتحة الكتاب، فقلت له، فقال: إنَّه من السُّنَّة - أو من تمام السُّنَّة - (1). 1415 - قال التِّرمذيُّ: وثنا أحمد بن منيع ثنا زيد بن الحبُاب أنا إبراهيم بن عثمان عن الحكم عن مِقْسم عن ابن عباس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب (2). 1416 - الحديث الثَّاني: قال ابن ماجه: ثنا إبراهيم بن المستمر ثنا أبو عاصم ثنا حمَّاد بن جعفر العبديُّ قال: حدَّثني شَهْر بن حَوْشب قال: حدَّثتني أمُّ شَريك الأنصاريَّة قالت: أمرنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نقرأ على الجنازة
بفاتحة الكتاب (1). أمَّا حديث ابن عباس الأوَّل: فعليه الاعتماد، قد صحَّحه التِّرمذيُّ. وأمَّا حديثه الثَّاني: فلا يثبت، لأنَّ فيه إبراهيم بن عثمان، وقد كذَّبه شعبة (2)، وقال ابن المبارك: إرم به (3). وقال النَّسائيُّ: متروك الحديث (4). وأمَّا حديث أمِّ شَريك: ففيه شَهْر، وقد ضعَّفوه. ز: حديث ابن عباس الأوَّل: رواه البخاريُّ (5) وأبو داود (6) والنَّسائيُّ (7) والحاكم وقال: على شرطهما (8). وحديثه الثَّاني: رواه ابن ماجه أيضًا عن أحمد بن منيع (9)، وقال
التِّرمذيُّ: ليس إسناده بذاك القويِّ، إبراهيم بن عثمان هو: أبو شيبة الواسطيُّ، منكر الحديث (1). وحديث أمِّ شريك: انفرد ابن ماجه بإخراجه. وحمَّاد بن جعفر العبديُّ البصريُّ: قال يحيى بن معين: ثقةٌ (2). وذكره ابن حِبَّان في "الثِّقات" (3)، وقال ابن عَدِيٍّ: منكر الحديث. وروى هذا الحديث من رواية أبي عاصم النَّبيل ومرزوق أبي عبد الله الشَّامي عن حمَّاد عن شَهْر بن حَوْشب، وروى له حديثًا آخر، وقال: لم أجد لحمَّاد بن جعفر غير هذين الحديثين (4). وقال شيخنا أبو الحجَّاج في هذا الحديث: رواه حمَّاد بن بشير الجهضميُّ وأبو عبيدة الحدَّاد عن مرزوق أبي عبد الله الشَّامي عن شَهْر. وروى عبد المنعم السَّقاء عن الصَّلت بن دينار عن أبي يزيد المدنيِّ عن امرأة منهم - يقال لها: ابنة عفيف - عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثله (5). وفي قول المؤلِّف: (وأمَّا حديث أمِّ شريك: ففيه شهر، وقد ضعَّفوه) نظرٌ، فإنَّ شهرًا لم يضعِّفه الكلُّ، بل ضعَّفه جماعةٌ، ووثَّقه آخرون، وممَّن وثَّقه الإمام أحمد بن حنبل (6) ويحيى بن معين (7) ويعقوب بن شيبة (8) وأحمد بن
مسألة (294): يسن قضاء ما فات من التكبير.
عبد الله العجليُّ (1)، والله أعلم. 1417 - وقال الشَّافعيُّ: ثنا إبراهيم بن أبي يحيى ثنا عبد الله بن محمد ابن عقيل عن جابر قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكبِّر على جنائزنا أربعًا، ويقرأ بفاتحة الكتاب في الأولى (2). 1418 - وروى الشَّافعيُّ أيضًا من حديث أبي أمامة بن سهلٍ أنَّه أخبره رجلٌ من أصحاب النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّ السُّنَّة في الصَّلاة على الجنازة أن يكبِّر الإمام، ثُمَّ يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التَّكبيرة الأولى، سرًّا في نفسه، ثُمَّ يصلِّي على النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويخلص الدُّعاء للجنازة في التَّكبيرات، لا يقرأ في شيءٍ منهن، ثُمَّ يسلِّم سرًّا في نفسه (3). 1419 - وروى البخاريُّ في "تاريخه" من رواية فضالة بن أبي أميَّة قال: قرأ الَّذي صلَّى على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما بفاتحة الكتاب (4). وقد ذكر ابن أبي حاتم في "كتابه" فضالة، وذكر له هذا الحديث، وقال: هو والد المبارك (5) O. * * * * * مسألة (294): يسنّ قضاء ما فات من التَّكبير.
مسألة (295): يجوز أن يصلي على الجنازة من لم يصل مع الإمام.
وعنه: يجب ذلك، وبه قال أكثرهم. 1420 - روى أصحابنا من حديث عائشة أنَّها قالت: يا رسول الله، إنِّي أصلِّي على الجنازة، ويخفى عليَّ بعض التَّكبير؟ فقال: " ما سمعت فكبِّري، ومافاتك فلا قضاء عليك ". ويحتج الخصم: بقوله عليه السَّلام: " وما فاتكم فاقضوا ". وهو احتجاجٌ حسنٌ، إلا أنَّا نحمله على المفروضات غير الجنازة. * * * * * مسألة (295): يجوز أن يصلِّي على الجنازة من لم يصلِّ مع الإمام. وقال أبو حنيفة ومالك: لا تعاد الصَّلاة إلا أن يكون الوليُّ حاضرًا، فيصلِّي غيره. لنا أربعة أحاديث: 1421 - الحديث الأوَّل: قال البخاريُّ: ثنا سليمان بن حرب ثنا حمَّاد ابن زيد عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة أنَّ رجلاً أسودَ - أو: امرأة سوداء - كان يقمُّ المسجد فمات، فسأل عنه النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالوا: مات. فقال: " أفلا كنتم آذنتموني به؟! دلُّوني على قبره - أو قال: قبرها - ". فأتى قبره، فصلَّى عليه (1).
أخرجاه في "الصَّحيحين" (1). 1422 - الحديث الثَّاني: قال أحمد: ثنا أبو معاوية ثنا الشَّيبانيُّ عن الشَّعبيِّ عن ابن عباس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى على قبرٍ بعد ما دفن (2). 1423 - طريقٌ آخر: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا ابن صاعد ثنا عَبْدَة بن عبد الله الصَّفَّار ثنا يزيد بن هارون أنا شَريك عن أبي إسحاق عن الشَّعبيِّ عن ابن عباس قال: أبصر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبرًا حديثًا، فقال: " إلا آذنتموني بهذا؟ " قالوا: كنت نائمًا، فكرهنا أن نوقظك. فقام، فصلَّى عليه، فقمت عن يساره، فجعلني عن يمينه (3). 1424 - طريقٌ آخر: قال التِّرمذيُّ: ثنا أحمد بن منيع ثنا هُشيم ثنا الشَّيبانيُّ أنا الشَّعبيُّ قال: أخبرني من رأى النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى قبرًا منتبذًا، فصفَّ أصحابه، فصلَّى عليه. قيل له: من أخبرك؟ فقال: ابن عباس (4). 1425 - الحديث الثَّالث: قال أحمد: ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن حبيب بن الشَّهيد عن ثابت عن أنس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى على قبر امرأة قد دفنت (5). 1426 - الحديث الرَّابع: قال التِّرمذيُّ: ثنا محمد بن بشَّار (6) ثنا يحيى ابن سعيد عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيّب أنَّ أمَّ سعدٍ
ماتت والنَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غائبٌ، فلمَّا قدم صلَّى عليها، وقد مضى لذلك شهرٌ (1). ز: حديث ابن عباس: أخرجاه في "الصَّحيحين". 1427 - قال مسلمٌ: ثنا حسن بن الرَّبيع ومحمد بن عبد الله بن نمير قالا: ثنا عبد الله بن إدريس عن الشَّيبانيِّ عن الشَّعبيِّ أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى على قبرٍ بعد ما دفن، فكبَّر عليه أربعًا. قال الشيبانيُّ: فقلت للشَّعبيِّ: من حدَّثك بهذا؟ قال: الثِّقة عبد الله بن عباس (2). هذا لفظ حديث حسن، وفي رواية ابن نمير: قال: انتهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى قبرٍ، فصلَّى عليه، وصلُّوا خلفه، وكبر أربعًا. قلت لعامر: من حدَّثك؟ قال: الثِّقة من شهده ابن عباس (1). ورواه البخاريُّ من رواية شعبة (3) وأبي معاوية (4) وجماعة (5) عن أبي إسحاق الشَّيبانيِّ. وأمَّا حديث أنس: فرواه مسلمٌ في "صحيحه" فقال: 1428 - حدَّثني إبراهيم بن محمد بن عرعرة السَّاميُّ ثنا غُنْدر ثنا شعبة عن حبيب بن الشَّهيد عن ثابت عن أنس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى على قبرٍ (6). ورواه ابن ماجه عن عباس بن عبد العظيم العنبريِّ ومحمد بن يحيى الذُّهْليِّ كلاهما عن أحمد بن حنبل، وزاد: بعد ما دفن (7).
مسألة (296): لا يصلي الإمام على الغال، ولا على من قتل نفسه،
وأمَّا حديث سعيد بن المسيّب: فمرسلٌ صحيحٌ، وهو من أفراد التِّرمذيُّ. 1429 - وقد رواه سويد بن سعيد عن يزيد بن زريع عن شعبة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس موصولاً، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هذه وهذه في الدِّية سواء - يعني: الخنصر والإبهام - ". فقيل له: لو صلَّيت على أمِّ سعدٍ. فصلَّى عليها، وقد أتى لها شهرٌ، وقد كان النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غائبًا. قال البيهقيُّ: وهذا الكلام في صلاته على أمِّ سعد في هذا الإسناد يتفرَّد به سويد بن سعيد، والمشهور عن قتادة عن ابن المسيّب عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً. وحكى أبو داود أنه قيل لأحمد بن حنبل: حدَّث به سويد عن يزيد. قال: لا تحدِّث بمثل هذا (1) O. احتجَّ أبو زيد (2): 1430 - بما روي أنَّ عمر أتي بجنازة قد صلَّى عليها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأراد أن يُصلِّي عليها ثانيًا، فأخبره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّ الصَّلاة على الجنازة لا تعاد. وهذا شيءٌ لا يعرف. * * * * * مسألة (296): لا يصلِّي الإمام على الغالِّ، ولا على من قتل نفسه، خلافًا لأكثرهم. لنا حديثان:
1431 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: ثنا يحيى بن سعيد (1) عن يحيى بن سعيد (2) عن محمد بن يحيى بن حَبَّان عن أبي عمرة عن زيد بن خالد الجهنيِّ أنَّ رجلاً من أشجع من أصحاب النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توفي يوم خيير، فذكر ذلك للنَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " صلُّوا على صاحبكم ". فتغيَّرت وجوه النَّاس من ذلك، فقال: " إنَّ صاحبكم غلَّ في سبيل الله ". ففتَّشنا متاعه، فوجدنا خرزًا من خرز يهود، ما يساوي درهمين (3)! ز: رواه أبو داود (4) وابن ماجه (5) والنَّسائيُّ (6) والحاكم وقال: أبو عمرة جهنيٌّ، صدوقٌ (7). واحتجَّ به الإمام أحمد (8) O. 1432 - الحديث الثَّاني: قال أحمد: وثنا أبو كامل ثنا شَريك عن سِماك عن جابر بن سمرة أنَّ رجلاً قتل نفسه، فلم يصلِّ عليه النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (9). ز: رواه التِّرمذيُّ عن يوسف بن عيسى عن وكيع عن إسرائيل وشَريك
كلاهما عن سِماك، وقال: حسنٌ (1). ورواه ابن ماجه عن عبد الله بن عامر بن زرارة عن شَريك أتمَّ منه (2). ورواه الحاكم من رواية إسرائيل عن سِماك، وقال: على شرط مسلم (3). 1433 - وروى من رواية بكر بن بكَّار ثنا شَريك ثنا سِماك عن جابر: مات رجلٌ على عهد النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأتاه رجلٌ، فقال: مات فلان. قال: " لم يمت ". ثمَّ أتاه الثَّانية، فقال: مات فلان. فقال: " لم يمت ". ثُمَّ أتاه الثَّالثة، فقال: مات. فقال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كيف مات؟ " قال: قتل نفسه بمشقص كان معه. فلم يصلِّ عليه النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (4) O. 1434 - طريقٌ آخر: قال النَّسائيُّ: أنا إسحاق بن منصور أنا أبو الوليد ثنا أبو خيثمة زهير ثنا سماك عن جابر بن سمرة أنَّ رجلاً قتل نفسه بمشاقص، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أمَّا أنا فلا أصلِّي عليه " (5). ز: 1435 - رواه مسلم في "صحيحه" فقال: حدَّثنا عون بن سلاَّم الكوفيُّ أنا زهير عن سِماك عن جابر بن سمرة قال: أُتي النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برجلٍ قتل نفسه بمشاقص، فلم يصلِّ عليه (6) O. * * * * *
مسألة (297): يصلي الإمام على من قتل حدا.
مسألة (297): يصلِّي الإمام على من قُتل حدًّا. وقال مالك: لا يُصلِّي عليه. 1436 - قال الإمام أحمد: ثنا عبد الرَّزَّاق ثنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة عن أبي المهلَّب عن عمران بن حصين أنَّ امرأةً من جهينة اعترفت عند النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بزنًا، وقالت: أنا حبلى. فدعا النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وليَّها، فقال: " أحسن إليها، فإذا وضعت فأخبرني ". ففعل، فأمر بها النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فشُكَّت (1) عليها ثيابها، ثُمَّ أمر برجمها، فرجمت، ثُمَّ صلَّى عليها، فقال عمر ابن الخطَّاب: يا رسول الله، رجمتَها، ثُمَّ تُصلِّي عليها؟! فقال: " لقد تابت توبةً لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت شيئًا أفضل من أن جادت بنفسها لله تبارك وتعالى؟! " (2). انفرد بإخراجه مسلمٌ (3). احتجُّوا: 1437 - بما روى أبو داود: ثنا أبو كامل ثنا أبو عوانة عن أبي بشر قال: حدَّثني نفرٌ من أهل البصرة عن أبي بَرْزة الأسلميِّ أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يصلِّ على ماعز بن مالك، ولم ينه عن الصَّلاة عليه (4). والجواب: أن هذا الحديث يرويه مجاهيل، ثُمَّ لو صحَّ فصلاته على تلك المرأة كانت بعد ذلك، لأنَّ أوَّل مرجوم كان ماعز، ولهذا قالت له: تريد أن
ترددني كما رددت ماعزًا. ز: انفرد أبو داود برواية هذا الحديث. وقال الإمام أحمد: ما نعلم أن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ترك الصَّلاة على أحدٍ، إلا على الغالِّ وقاتل نفسه (1). 1438 - وعن جابر أنَّ رجلاً من أسلم جاء إلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاعترف بالزِّنا، وأعرض عنه، حتى شهد على نفسه أربع مرَّات، فقال له: " أبك جنونٌ؟ " قال: لا. قال: " آحصنت؟ ". قال: نعم. فأمر به فرجم بالمصلَّى، فلمَّا أذلقته (2) الحجارة فرَّ، فأُدرك فرجم حتى مات. فقال له النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيرًا، وصلَّى عليه. رواه البخاريُّ في "صحيحه" (3). ورواه أحمد (4) وأبو داود (5) والنَّسائيُّ (6) والتِّرمذيُّ وصحَّحه (7)، وقالوا: ولم يصلِّ عليه. قال بعض العلماء: ورواية الإثبات أولى. وخالفه غيره، والله أعلم بالصوَّاب. ورواية الإثبات رواها البخاريُّ عن محمود عن عبد الرَّزَّاق عن معمر عن
مسألة (298): السنة تسنيم القبور.
الزُّهريِّ عن أبي سلمة عن جابر، وقال: لم يقل يونس وابن جريج عن الزُّهريِّ: (فصلَّى عليه). وسئل عن قوله: (فصلَّى عليه) يصحُّ؟ قال: رواه معمر. قيل له: رواه غير معمر؟ قال: لا. ورواه التِّرمذيُّ عن الحسن بن عليٍّ الخلاَّل عن عبد الرَّزَّاق عن معمر عن الزُّهريِّ وفيه: (ولم يصلِّ عليه). فقد اختلف على عبد الرَّزَّاق عن معمر، وكذلك رواه النَّسائيُّ عن محمد ابن يحيى ونوح بن حبيب عن عبد الرَّزَّاق كرواية التِّرمذيِّ، وكذلك رواه إسحاق بن راهويه وغيره عن عبد الرَّزَّاق. وقال البيهقيُّ: رواية محمود بن غيلان خطأٌ، لإجماع أصحاب عبد الرزاق على خلافه، ثُمَّ إجماع أصحاب الزُّهريِّ على خلافه (1) O. * * * * * مسألة (298): السُّنَّة تسنيم القبور. وقال الشَّافعيُّ: تسطيحها. لنا: أنَّ قبر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسنَّمٌ. 1439 - روى البخاريُّ في "صحيحه" (2) من حديث أبي بكر بن
عيَّاش عن سفيان التَّمَّار قال: رأيت قبر النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسنَّمًا (1). 1440 - وقال أبو داود: ثنا محمد بن العلاء أنَّ أبا بكر بن عيَّاش حدَّثهم: ثنا صالح بن أبي صالح (2) قال: رأيت قبر النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شبرًا - أو نحوًا من شبر (3) -. 1441 - قال أبو داود: ثنا محمد بن بشَّار ثنا عبد الرَّحمن ثنا سفيان عن أبي حصين عن الشَّعبيِّ قال: رأيت قبور الشُّهداء مسنَّمة (4). احتجُّوا بثلاثة أحاديث: 1442 - الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا وكيع ثنا سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي وائل عن أبي الهيَّاج قال: قال لي عليٌّ: أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبرًا مشرفًا إلا سوَّيته (5). 1443 - الحديث الثَّاني: قال أحمد: وثنا عبد الرَّزَّاق أنا ابن جريج قال: أخبرني أبو الزُّبير عن جابر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينهى أن يقعد
مسألة (299): يجوز تطيين القبور.
على القبر، وأن يُقَصَّص أو يبنى عليه (1). 1444 - الحديث الثَّالث: قال مسلم بن الحجَّاج: حدَّثني أبو الطَّاهر أحمد بن عمرو ثنا ابن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث أنَّ أبا عليٍّ الهمداني حدَّثه قال: كنَّا مع فضالة بن عُبيد برُودس، فتوفي صاحب لنا، فأمر فضالة بقبره فسُوِّي، ثُمَّ قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمر بتسويتها (2). انفرد بإخراج هذه الأحاديث الثَّلاثة مسلمٌ. والجواب: أنَّ هذا محمولٌ على ما كانوا يفعلونه من تعلية القبور بالبناء المستحسن العالي، وبيانه: 1445 - ما رواه البخاريُّ: ثنا إسماعيل قال: حدَّثني مالك عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت: لمَّا اشتكى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكرت له بعض نسائه كنيسة رأتها بأرض الحبشة، وكانت أمُّ سلمة وأمُّ حبيبة أتتا أرض الحبشة، فذكرتا من حسنها وتصاوير فيها، فقال: " أولئك إذا مات منهم الرُّجل الصالح، بنوا على قبره مسجدًا، ثُمَّ صوَّروا فيه تلك الصُّور، وأولئك شرار الخلق عند الله تعالى " (3). * * * * * مسألة (299): يجوز تطيين القبور.
مسألة (300): يكره المشي في المقبرة بنعلين، خلافا لأكثرهم (3).
وقال أبو حنيفة: لا تطيَّن. لنا حديثان: 1446 - الحديث الأوَّل: قال أبو داود: ثنا عبد الله بن مسلمة أنَّ عبد العزيز بن محمد حدَّثهم عن عبد الله بن محمد بن عمر عن أبيه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رشَّ على قبر إبراهيم عليه السَّلام (1)، وأنَّه قال حين دفن وفرغ منه: " سلامٌ عليكم " (2). 1447 - وقال سعيد بن منصور: ثنا عبد العزيز بن محمد الدَّراورديُّ عن جعفر بن محمد عن أبيه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُشَّ على قبره، وجُعل عليه حصباء من حصباء الغابة، ورُفع قدر شبرٍ. ز: الحديثان منقطعان، وليس فيهما دليلٌ على المسألة، والله أعلم O. * * * * * مسألة (300): يكره المشي في المقبرة بنعلين، خلافًا لأكثرهم (3). 1448 - قال الإمام أحمد: ثنا يزيد بن هارون أنا أسود بن شيبان عن خالد بن سُمير عن بشير بن نَهيِك عن بشير بن الخَصَاصِية قال: كنت أماشي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأتينا على قبور المشركين، فقال: " لقد سبق هؤلاء خيرًا كثيرًا " ثلاث مرَّات. ثُمَّ أتينا على قبور المسلمين، فقال: " لقد أدرك هؤلاء
خيرًا كثيرًا " ثلاث مرَّات. فبصر برجلٍ يمشي بين المقابر في نعليه، فقال: " ويحك يا صاحب السِّبْتِيَّتَيْنِ! الق سِبْتِيَّتَيْك " مرَّتين أو ثلاثًا. فنظر الرَّجل، فلمَّا رأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلع نعليه (1). ز: رواه أبو داود (2) والنَّسائيُّ (3) وابن ماجه (4) والحاكم وصحَّحه (5). وقال الإمام أحمد: إسناده جيِّدٌ (6). وقال ابن ماجه: ثنا محمد بن بشَّار ثنا عبد الرَّحمن بن مهديٍّ قال: كان عبد الله بن عثمان يقول: حديثٌ جيدٌ، ورجلٌ ثقةٌ (7). وخالد بن سُمير: وثَّقه النَّسائيُّ (8) وابن حِبَّان (9)، ولم يرو عنه غير الأسود بن شيبان. والأسود: وثَّقه يحيى بن معين (10)، وقال أبو حاتم: صالح الحديث (11). وروى له مسلمٌ في "صحيحه" (12)، وقال الإمام أحمد: كان من عباد الله الصَّالحين، وكان يحجُّ على ناقة، فلا يتزوَّد شيئًا، يشرب من لبنها
مسألة (301): يكره الجلوس على القبر، والاتكاء إليه.
حتى يرجع (1)! وقال الأثرم: قال لي أبو عبد الله: الأسود بن شيبان ثقةٌ ثقةٌ، وبشير بن نهيك (2) روى عنه عدَّةٌ. قلت: روى عنه النَّضر بن أنس وأبو مجلز وبركة؟ قال: نعم (3). وقال عبد الله بن أحمد: سمعت بعض المشايخ - وأظنُّه أبي - يقول: كان يزيد بن زريع في جنازة، فأراد أن يدخل المقابر، فوقف، فقال: حديثٌ حسنٌ، وشيخٌ ثقةٌ. وخلع نعليه ودخل O. * * * * * مسألة (301): يكره الجلوس على القبر، والاتكاء إليه. وقال مالك: لا يكره. لنا أربعة أحاديث: الحديث الأوَّل: حديث جابر المتقدِّم. 1449 - الحديث الثَّاني: قال أحمد: ثنا عبد الصَّمد أنا حمَّاد قال: حدَّثني سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لأن يجلس أحدكم على جمرةٍ تحرق ثيابه، وتخلص إليه، خيرًا له من أن يطأ على قبر" (4).
1450 - طريقٌ آخر: قال أحمد: وثنا وكيع ثنا سفيان عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لأن يجلس أحدكم على جمرة حتى تحرق ثيابه، خيرٌ له من أن يجلس على قبرٍ " (1). 1451 - الحديث الثَّالث: قال أحمد: وثنا الوليد بن مسلم قال: سمعت عبد الرَّحمن بن يزيد بن جابر يقول: حدَّثني بُسْر بن عبيد الله الحضرميُّ أنَّه سمع واثلة بن الأسقع يقول: حدَّثني أبو مرثد الغنويُّ أنَّه سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا تصلُّوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها " (2). انفرد بإخراج هذا الحديث والذي قبله مسلمٌ. 1452 - الحديث الرَّابع: قال أحمد: وثنا عليُّ بن عبد الله ثنا ابن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث عن بكر بن سوادة الجذاميِّ عن زياد بن نعيم الحضرميِّ عن عمرو بن حزم قال: رآني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا متكئٌ على قبر، فقال: " لا تؤذ صاحب القبر " (3). 1453 - طريقٌ آخر: قال أحمد: وثنا معاوية بن عمرو ثنا عبد الله بن وهب عن عمرو عن سعيد بن أبي هلال عن أبي بكر بن حزم أنَّ النَّضر بن عبد الله أخبره عن عمرو بن حزم أنَّه سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا تقعدوا على القبور" (4).
مسألة (302): يكره الجلوس قبل أن توضع الجنازة.
ز: حديث زياد بن نعيم عن عمرو: انفرد به الإمام أحمد، وإسناده صحيحٌ. وزياد بن نعيم هو: ابن ربيعة بن نعيم، وقد وثَّقه العجليُّ (1) وابن حِبَّان (2). وحديث النَّضر عن عمرو: رواه النَّسائيُّ عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن شعيب بن الليث عن أبيه عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال (3). والنَّضر: غير مشهورٍ، ولم يرو له النَّسائيُّ غير هذا الحديث، والله أعلم O. * * * * * مسألة (302): يكره الجلوس قبل أن توضع الجنازة. وقال مالك والشَّافعيُّ: لا يكره. 1454 - قال البخاريُّ: ثنا مسلم بن إبراهيم ثنا هشام ثنا يحيى عن أبي سلمة عن أبي سعيد الخدريِّ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا رأيتم الجنازة فقوموا، فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع " (4).
مسألة (303): لا يكره البكاء بعد الموت.
أخرجاه في "الصَّحيحين" (1). * * * * * مسألة (303): لا يكره البكاء بعد الموت. وقال الشَّافعيُّ: يكره. 1455 - قال أحمد: ثنا عبد الرَّزَّاق قال: أخبرني ابن جريج قال: أخبرني هشام بن عروة عن وهب بن كيسان عن محمد بن عمرو أنَّه أخبره أنَّ سلمة بن الأزرق كان جالسًا مع عبد الله بن عمر فمرَّ بجنازة يُبكى عليها، فعاب ذلك عبد الله بن عمر، وانتهرهنَّ، فقال له سلمة بن الأزرق: لا تقل هذا، فإنِّي لأشهد على أبي هريرة لسمعته يقول - وتوفِّيت امرأةٌ من كنائن مروان وشهدها، وأمر مروان بالنِّساء اللاتي يبكين يطردن - فقال أبو هريرة: دعهنَّ يا أبا عبد الملك، فإنَّه مُرَّ على النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بجنازةٍ يبكى عليها - وأنا معه، ومعه عمر بن الخطَّاب -، فانتهر عمر النِّساء اللاتي يبكين مع الجنازة، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " دعهنَّ يا ابن الخطَّاب، فإنَّ النَّفس مصابةٌ، والعين دامعةٌ، وإنَّ العهد حديثٌ ". قال: أنت سمعته؟ قال: نعم. قال: فالله ورسوله أعلم (2). ز: روى بعض هذا الحديث: النَّسائيُّ وابن ماجه، فرواه النَّسائيُّ عن عليِّ بن حجر عن إسماعيل بن جعفر عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن محمد ابن عمرو بن عطاء عن سلمة بن الأزرق (3)، ورواه ابن ماجه عن أبي بكر بن
أبي شيبة عن [عفَّان] (1) عن حمَّاد بن سلمة عن هشام بن عروة (2)، وعن عليِّ بن محمد وأبي بكر عن وكيع عن هشام، ولم يذكر سلمة في إسناده (3). ورواه الحاكم من رواية عبدة عن هشام بن عروة ولم يذكر سلمة، وقال: على شرطهما (4). وقد ذكر الدَّارَقُطْنِيُّ هذا الحديث في كتاب "العلل"، وذكر الاختلاف في إسناده (5) O. 1456 - قال أحمد وثنا محمد بن عبيد الطَّنافسيُّ ثنا يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: زار رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبر أمِّه، فبكى، وأبكى من حوله، ثُمَّ قال: " استأذنت ربِّي عزَّ وجلَّ أن أزور قبرها فأذن لي، واستأذنته أن أستغفر لها فلم يأذن لي " (6). انفرد بإخراجه مسلمٌ (7). احتجُّوا: 1457 - بما روى أحمد: ثنا صفوان بن عيسى ثنا أسامة بن زيدٍ عن نافع عن ابن عمر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمَّا رجع من أحدٍ سمع نساء الأنصار يبكين على أزواجهنَّ، فقال: " لكنَّ حمزة لا بواكي له ". فبلغ ذلك نساء الأنصار،
فجئن يبكين على حمزة، قال: فانتبه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الليل، فسمعهن، وهنَّ يبكين، فقال: " ويحهنَّ لم يزلن يبكين بعدُ منذ الليلة؟! مروهنَّ فليرجعن، ولا يبكين على هالكٍ بعد اليوم " (1). ز: رواه الإمام أحمد أيضًا عن عثمان بن عُمر (2) وزيد بن الحُباب (3) عن أسامة، ورواه ابن ماجه عن هارون بن سعيد المصريِّ عن ابن وهبٍ عن أسامة (4). ورواه أبو يعلى الموصليُّ عن زكريا بن يحيى الواسطيُّ عن روح عن أسامة عن نافع عن ابن عمر، وعن الزُّهريِّ عن أنس (5). وأسامة: روى له مسلمٌ في "صحيحه" (6). ورواه الحاكم من حديث أنس، وقال: على شرط مسلم، وهو أشهر حديث بالمدينة، فإنَّ نساء الأنصار لا يندبن موتاهنَّ حتى يبكين حمزة، وإلى يومنا هذا! (7) O. والجواب من ثلاثة أوجه: أحدها: أَنَّه ضعيفٌ، قال أحمد: أسامة روى عن نافع أحاديث
مناكير، ترك يحيى بن سعيد حديثه (1). وقال يحيى بن معين: ترك حديثه بأخرة. ز: الَّذي قال: (ترك حديثه بأخرة) هو يحيى بن سعيد، لا يحيى بن معين، وقد وثَّقه ابن معين في رواية غير واحدٍ عنه (2)، والله أعلم O. والثَّاني: أنَّه لمَّا رأى كثرة بكائهنَّ ودوامهنَّ على ذلك نهاهنَّ، وعلى هذا يحمل ما يحتجُّون به أيضًا وهو: 1458 - ما رواه أحمد: ثنا ابن نمير ثنا يحيى عن عمرة عن عائشة قالت: لمَّا جاء نعي جعفر بن أبي طالب وزيد وابن رواحة، جلس رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعرف في وجهه الحزن، فأتى رجلٌ فقال: يا رسول الله، إنَّ نساء جعفر ... فذكر من بكائهنَّ، فأمره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن ينهاهنَّ، فذهب، ثُمَّ جاء فقال: قد نهيتهنَّ - أو أنَّهنَّ لم يطعنه -. حتى كان في الثَّالثة فزعمت أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " احث في أفواههنَّ التُّراب " (3). ز: هذا الحديث مخرَّجٌ في "الصَّحيحين" (4) من حديث يحيى، وهو ابن سعيدٍ الأنصاريُّ O. والثَّالث: أنَّ المراد بالبكاء الَّذي نهى عنه: البكاء الذي معه ندبٌ على الميت، لا مجرَّد الدَّمع.
مسألة (304): تسن التعزية قبل الدفن وبعده.
سمعت شيخنا أبا منصور اللغويَّ يقول: يقال للبكاء الَّذي يتبعه النَّدب: بكاءٌ. * * * * * مسألة (304): تسنُّ التَّعزية قبل الدَّفن وبعده. وقال أبو حنيفة: لا تسنُّ بعده. 1459 - قال ابن ماجه: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا خالد بن مخلد قال: حدَّثني قيس أبو عمارة مولى الأنصار قال: سمعت عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم يحدِّث عن أبيه عن جدِّه عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " ما من مؤمنٍ يعزِّي أخاه بمصيبة إلا كَسَاه الله من حُلَلِ الكرامة يوم القيامة " (1). 1460 - وقال أبو نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ: ثنا محمد بن حميد ثنا عبد الله بن ناجية ثنا الحسين بن علي الصُّدائيُّ (2) ثنا حمَّاد بن الوليد (3) عن
سفيان الثَّوريِّ عن محمد بن سُوَقة عن إبراهيم عن الأسود عن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من عزَّى مصابًا كان له مثل أجره " (1). تفرَّد به حمَّاد بن الوليد عن الثَّوريِّ، وهو ضعيفٌ جدًّا؛ وقد روي هذا الحديث من طرقٍ لا تثبت. ز: الحديث الأوَّل: انفرد به ابن ماجه، وفيه إرسالٌ، ومحمد بن عمرو بن حزم ولد في حياة النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سنة عشرٍ من الهجرة. وقيس أبو عمارة: ذكره ابن أبي حاتم في "كتابه"، ولم يذكر فيه جرحًا (2)، وقال ابن عَدِيٍّ: سمعت ابن حمَّاد يقول: قال البخاريُّ: فيه نظرٌ. قال ابن عَدِيٍّ: وإنَّما له حديثٌ واحدٌ (3). وذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثِّقات" (4). والحديث الثَّاني: رواه التِّرمذيُّ عن يوسف بن عيسى عن عليِّ بن عاصم ثنا - والله - محمد بن سُوقة، وقال: غريبٌ لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث عليِّ بن عاصم (5). ورواه ابن ماجه عن عمرو بن رافع عن عليِّ بن عاصم (6). وقال البيهقيُّ: تفرَّد به عليُّ بن عاصم، وهو أحد ما أنكر عليه، وقد روي أيضًا عن غيره، والله أعلم (7).
مسألة (305): إذا تطوع الإنسان بقربة كالصلاة والصدقة والقراءة،
وقد تكلَّم في عليٍّ غير واحدٍ من الأئمة، وقال ابن عَدِيٍّ في ترجمته: وروى عن محمد بن سُوقة عن إبراهيم عن الأسود عن عبد الله عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من عزَّى مصابًا فله مثل أجره ". قال: وقد رواه مع عليِّ بن عاصم عن ابن سُوقة: محمد بن الفضل بن عطيَّة، وعبد الرَّحمن بن مالك بن مغول. وقد روي عن الثَّوريِّ وإسرائيل وقيس وغيرهم عن ابن سُوقة، ومنهم من يزيد في الإسناد: علقمة. وأنكر النَّاس على عليِّ بن عاصم حديث ابن سُوقة هذا. قال: والضَّعف على حديث عليِّ بن عاصم بيِّنٌ (1). وقال الخطيب: وقد روى حديث ابن سُوقة: عبد الحكم بن منصور مثل ما رواه عليُّ بن عاصم، وروي كذلك عن سفيان الثَّوريِّ وشعبة وإسرائيل ومحمد بن الفضل بن عطيَّة وعبد الرَّحمن بن مالك بن مغول والحارث بن عمران الجعفريِّ كلِّهم عن ابن سُوقة، وليس شيءٌ منها ثابتًا (2) O. * * * * * مسألة (305): إذا تطوَّع الإنسان بقربةٍ كالصَّلاة والصَّدقة والقراءة، وجعل ثواب ذلك للميِّت صحَّ وانتفع به، خلافًا لأكثرهم (3).
1461 - قال التِّرمذيُّ: ثنا أحمد بن منيع ثنا روح بن عبادة ثنا زكريا ابن إسحاق قال: حدَّثني عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس أنَّ رجلاً قال: يا رسول الله، إنَّ أمِّي توفِّيت، أفينفعها إن تصدَّقت عنها؟ قال: " نعم ". قال: فإن لي مخرفًا، فأشهدك أنِّي قد تصدَّقت به عنها (1). 1462 - وقال أحمد: ثنا عبد الرَّزَّاق أنا ابن جريج قال: أخبرني يعلى أَنَّه سمع عكرمة يقول: أنبأنا ابن عباس أنَّ سعد بن عبادة توفِّيت أمُّه وهو غائبٌ عنها، فقال: يا رسول الله، إنَّ أمِّي توفِّيت وأنا غائبٌ عنها، فهل ينفعها إن تصدَّقت بشيءٍ عنها؟ قال: " نعم ". قال: فإنِّي أشهدك أنَّ حائطي المخرف صدقةٌ عنها (2). انفرد بإخراجه البخاريُّ (3). 1463 - قال أحمد: وثنا حجَّاج قال: سمعت شعبة يحدِّث عن قتادة قال: سمعت الحسن يحدِّث عن سعد بن عبادة أنَّ أمَّه ماتت، فقال لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ أمِّي ماتت، أفأتصدَّق عنها؟ قال: " نعم ". قال: فأيُّ الصَّدقة أفضل؟ قال: " سقي الماء ". قال: فتلك سقاية آل سعد بالمدينة، قال شعبة: فقلت لقتادة: من يقول: (تلك سقاية آل سعد)؟ قال: الحسن (4). ز: روى هذا الحديث النَّسائيُّ عن إبراهيم بن الحسن عن حجَّاج (5)، والحسن عن سعد مرسلٌ.
1464 - وقال أبو مصعب أحمد بن أبي بكر الزُّهريُّ: ثنا مالك عن سعيد بن عمرو بن شرحبيل بن سعيد بن سعد بن عبادة عن أبيه عن جدِّه أَنَّه قال: خرج سعد بن عبادة مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بعض مغازيه، وحضرت أمَّه الوفاة بالمدينة، فقيل لها: أوصي. فقالت: فيم أوصي؟ إنَّما المال مال سعد! فتوفِّيت قبل أن يقدم سعد، فلمَّا قدم سعد وذُكر له ذلك، فقال سعد: يا رسول الله، ينفعها أن أتصدَّق عنها؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نعم ". فقال سعد: حائط كذا وكذا صدقة عنها. لحائطٍ سمَّاه (1). رواه النَّسائيُّ عن الحارث بن مسكين عن ابن القاسم عن مالك (2)، ورواه ابن حِبَّان البستيُّ عن عمر بن سعيد بن سنان عن أحمد بن أبي بكر (3)، ورواه الحاكم وصحَّحه (4). وسعيد بن عمرو: وثَّقه النَّسائيُّ (5) وابن حِبَّان (6). [وأبوه] (7) عمرو بن شرحبيل: روى عنه غير واحد، وذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثِّقات" (8). وجدُّه شرحبيل بن سعيد: ذكره ابن حِبَّان أيضًا في "الثِّقات" (9).
والحديث فيه إرسالٌ، والله أعلم O. 1465 - قال أحمد: وثنا سليمان بن داود أنا إسماعيل قال: أخبرني العلاء عن أبيه عن أبي هريرة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاث: إلا من صدقةٍ جارية، أو علمٍ ينتفع به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له " (1). انفرد بإخراجه مسلمٌ (2). 1466 - وفي أفراده من حديث أبي هريرة أنَّ رجلاً قال للنَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ أبي مات ولم يوص، أينفعه أن أتصدق عنه؟ قال: " نعم " (3). * * * * *
كتاب الزكاة
كتاب الزكاة مسألة (306): إذا زادت الإبل على عشرين ومائة واحدةً، استقرَّت الفريضة، ففي كل خمسين حقَّةٌ، وفي كلِّ أربعين بنت لبون. وعنه: لا يتغيَّر الفرض حتى تبلغ ثلاثين ومائة، فيستقرُّ ما ذكرنا. وعن مالك كالرِّوايتين. وقال أبو حنيفة: في مائة وعشرين حقَّتان، ويستأنف لما بعدها، فتجب في كل خمسِ شاةٌ. لنا: 1467 - ما روى البرقانيُّ: ثنا أحمد بن إبراهيم الإسماعيليُّ قال: أخبرني الحسن بن سفيان ثنا محمَّد بن المثنَّى ثنا محمَّد بن عبد الله الأنصاريَّ قال: حدَّثني أبي قال: حدَّثني ثمامة أن أنسًا حدَّثه أنَّ أبا بكر الصدِّيق لمَّا استخلف أنس بن مالك على البحرين، كتب هذا الكتاب، فكتب: هذه فريضة الصَّدقة الَّتي فرض رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المسلمين: في أربع وعشرين من الإبل فما دونها من الغنم، في كلِّ خمسٍ شاةٌ؛ فإذا بلغت خمسًا وعشرين إلى خمسٍ - وثلاثين، ففيها ابنة مخاض أنَثى، فإن لم يكن فيها ابنة مخاض فابن لبون ذكر؛ فإذا بلغت ستًا وثلاثين إلى خمسٍ وأربعين، ففيها ابنة لبون؛ فإذا بلغت ستًا وأربعين إلى ستين، ففيها حِقَّةٌ طروقة الجمل؛ فإذا بلغت واحدًا وستين إلى خمسٍ وسبعين، ففيها جذعة؛ فإذا بلغت ستًا وسبعين إلى التسعين، ففيها
ابنتا لبون؛ فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة، ففيها حِقَّتان طروقتا الجمل؛ فإذا زادت على عشرين ومائة، ففي كلِّ أربعين ابنة لبون، وفي كلِّ خمسين حِقَّة؛ ومن بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وليست عنده جذعة، وعنده حِقَّة، فإئَها تقبل منه الحِقَّة، ويجعل معها شاتين إن تيسَّرتا، أو عشرين درهمًا-؛ ومن بلغت عنده صدقةُ الحِقَّة وليست عنده حِقَّة، وعنده جذعة، فإنها تقبل منه الجذعة، ويعطيه المُصَّدق عشرين درهمًا، أو شاتين؛ ومن بلغت صدقته الِحقَّة، وعنده ابنة لبون، فإنَّها تقبل منه، ويعطي معها شاتين، أو عشرين درهمًا؛ ومن بلغت صدقته ابنة لبون وليست عنده، وعنده حِقَّة، فإنَّها تقبل منه، ويعطيه المُصَدق عشرين درهمًا، أو شاتين. انفرد بإخراجه البخاريَّ (1). 1468 - وقال التِّرمذيُّ: ثنا زياد بن أيُّوب ثنا عبَّاد بن العوَّام عن سفيان بن حسين عن الزُّهريِّ عن سالم عن أبيه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب كتاب الصَدقة، فلم يخرج إلى عمَّاله حتَّى قبض، فلمَّا قبض عَمل به أبو بكر حتَّى قبض، وعمر حتَّى قبض، وكان فيه: " فإذا زادت على عشرين ومائة: ففي كلِّ خمسين حِقَّة، وفي كلِّ أربعين بنتُ لبونٍ ". وكان فيه: " ولا يجمع بين متفرِّق، ولا يفرِّق بين مجتمع، مخافة الصَّدقة؛ وما كان من خليطين فإنَّهما
يتراجعان بالسوية ". قال التِّرمذيُّ: هذا حديث صحيحٌ (1). فإن قيل: قد رواه جماعة عن الزهري عن سالم فلم يرفعوه، وما رفعه إلا سفيان بن حسين. قلنا: سفيان ثقة، أخرج عنه مسلم (2). 1469 - وقد روى أبو سعيد عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " فإذا بلغت عشرين ومائة: ففي كل خمسين حِقَّةٌ، وفي كل أربعين ابنة لبونِ ". ز: حديث ابن عمر: رواه الإمام أحمد (3) وأبو داود (4) والحاكم (5)، وقال التِّرمذيُّ: حديث حسن. وقال في كتاب "العلل": سألت محمَّد بن إسماعيل البخاريَّ عن هذا الحديث، فقال: أرجو أن يكون محفوظًا، وسفيان بن حسين صدوقٌ (6). وقال ابن عَدِيٍّ: وقد وافق سفيان بن حسين على هذه الرِّواية عن سالم عن أبيه حديث الصَّدقات= سليمان بن كثير، أخو محمَّد بن كثير، ثناه ابن صاعد عن يعقوب الدَّورقي عن عبد الرَّحمن بن مهديٍّ عن سليمان كذلك. قال: وقد رواه عن الزُّهريِّ عن سالم عن أبيه جماعةٌ فأوقفوه، وسفيان
ابن حسين وسليمان بن كثير رفعاه إلى النَبيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1). وقال ابن عبد البرِّ: هو أحسن شيءٍ رُوي في أحاديث الصَّدقات (2). وسفيان بن حسين: روى له مسلمٌ في " مقدمة كتابه " (3)، وتكلَّم الحفَّاظ في روايته عن الزُّهريِّ، قال أحمد بن حنبل: ليس بذاك في حديثه عن الزُّهريِّ (4). وقال يحيى بن معين: ثقةٌ، وهو في الزُّهريِّ ضعيف (5). وقال العجليُّ (6) وغيره: ثقةٌ: وقال النَّسائيُّ: ليس به بأسٌ إلا في الزُّهريِّ (7). وقال ابن عَدِيٍّ: هو في غير الزُّهريِّ صالح الحديث، وفي الزُّهريِّ روى أشياء خالف النَّاس (8) O. احتجُّوا: 1470 - بما رواه أبو داود في " المراسيل ": ثنا موسى بن إسماعيل قال: قال حمَّاد بن سلمة: قلت لقيس بن سعد: خُذْ لي كتابَ محمَّد بن عمرو ابن حزم. فأعطاني كتابًا أخبر أنَّه أخذه من أبي بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتبه لجدِّه، فقرأته، فكان فيه ذكر ما يُخرج من فرائض الإبل ... فقصَّ الحديث، إلى أن بلغ عشرين ومائة: " فإذا كانت أكثر من عشرين ومائة،
فعُد في كلِّ خمسين، حِقَّةٌ، وما فضل فإنَّه يعاد إلى أوَّل فريضة الإبل، وما كان أقلَّ من خمسِ وعشرين ففيه الغنم، في كلِّ خمسِ ذود شاةٌ " (1). وقد قال أحمد بن حنبل: كتاب عمرو بن حزم في الصَّدقات صحيحٌ (2). قلت: هذا حديثٌ مرسلٌ، ذكره أبو داود في " المراسيل ". قال هبة الله الطَّبريُّ: وهذا الكتاب صحيفة ليست بسماع، ولا يعرف أهلُ المدينة كلُّهم عن كتاب عمرو بن حزم إلا مثل روايتنا، رواها الزُّهري وابن المبارك وأبو أويس كلُّهم عن أبي بكر محمَّد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جدِّه مثل قولنا، وإليها أشار أحمد بالصِّحَّة (3). ثُم لو تعارضت الرّوايتان عن عمرو بن حزم بقيت روايتنا عن أبي بكر الصدِّيق، وهي في " الصَّحيح "، وبها عمل الخلفاء الأربعة. ز: قال البيهقيُّ في هذا الحديث: هو منقطع بين أبي بكر بن حزم إلى النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقيس بن سعد أخذه عن كتاب لا عن سماع، وكذلك حمَّاد بن سلمة أخذه عن كتاب لا عن سماع، وقيس بن سعد وحمَّاد بن سلمة- وإن كانا من الثقات- فروايتهما هذه تخالف رواية الحفَّاظ عن كتاب عمرو بن حزم وغيره. وحمماد بن سلمة ساء حفظه في آخر عمره، فالحفاط لا يحتجُّون بما يخالف فيه، ويتجنَّبون ما يتفرد به عن قيس بن سعدٍ خاصة وأمثاله، وهذا الحديث قد جمع الأمرين، مع ما فيه من الانقطاع، وبالله التَّوفيق (4) O. *****
مسألة (307): لا زكاة في الأوقاص، وهو قول أبي حنيفة وأبي
مسألة (307): لا زكاة في الأوقاص، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف، خلافًا لأحد قولي مالك، وأحد قولي الشَّافعي في أنَّها تتعلَّق بالنِّصاب والوقص، حتَّى أنَّه لو تلف من تسعة أربعة، وجب عند الخصم خمسة أتساع شاة. وهذه الفائدة لا تتحقَّق عندنا، لأنَّا نقول: لو تلف جميع المال قبل إمكان الأداء لم تسقط الزكاة، لأنَّ إمكانه ليس بشرطٍ عندنا في وجوب الزَّكاة. 1471 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا عثمان بن أحمد الدَّقَّاق ثنا محمَّد بن عبيد الله بن المنادي ثنا أبو بدر ثنا الحسن بن عمارة ثنا الحكم عن طاوس عن ابن عبَّاس قال: لَمَّا بعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معاذًا إلى اليمن، قيل له: بما أُمرت؟ قال: أُمرت أن آخذ من البقر: من كلِّ ثلاثين تبيعًا أو تبيعة، ومن كل أربعين مسِنَّة. قيل له: أُمرت في الأوقاص بشيءٍ؟ فقال: لا، وسأسْأل النَّبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فسأله، فقال: " لا " (1). ز: الحسن بن عمارة: ضعَّفوه وتركوه، وقال السَّاجيُّ: أجمع أهل الحديث على ترك حديثه (2). وقال ابن عَدِيٍّ: هو إلى الضَّعف أقرب (3). 1472 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أبو سهل بن زياد ثنا جعفر بن محمَّد الفريابيُّ ثنا عمرو بن عثمان ثنا بقيَّة حدَّثني المسعوديَّ عن الحكم عن طاوس عن ابن عبَّاس قال: لَمَّا بعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معاذًا إلى اليمن، أمره أن يأخذ من البقر: من كلِّ ثلاثين تبيعًا أو تبيعة- جذعٌ أو جذعة-، ومن كلِّ أربعين بقرة بقرةً مسِنَّة. فقالوا: فالأوقاص؟ قال: ما أمرني فيها بشيءٍ، وسأسأل
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قدمت عليه. فلمَّا قدم على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سأله عن الأوقاص، فقال: " ليس فيها شيءٌ ". وقال المسعوديَّ: والأوقاص: ما دون الثَّلاثين، وما بين الأربعين إلى السِّتِّين، فإذا كان ستُّون (1) ففيها تبيعان، فإذا كانت سبعون (2) ففيها مسِنَّة وتبيعٌ، فإذا كانت ثمانون ففيها مسنتان، فإذا كانت تسعون ففيها ثلاث تبائع، قال بقيَّة: قال المسعوديَّ: الأوقاص هي بالسِّين (الأوقاس)، فلا تجعلها بصاد (3). 1473 - وقال الشَّافعيُّ: أنأ مالك عن حميد بن قيس عن طاوس اليماني أنَّ معاذ بن جبل أخذ من ثلاثين بقرة تبيعًا، ومن أربعين بقرة مسِنَّةً، وأُتي بما دون ذلك فأبى أن يأخذ منه شيئًا، وقال: لم أسمع من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيه شيئًا حتَّى ألقاه وأسأله. فتوفي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل أن يقدم معاذ بن جبل (4). 1474 - قال الشَّافعيُّ: وأنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوس أنَّ معاذ بن جبل أُتي بوقس البقر، فقال: لم يأمرني النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه بشيءٍ. قال الشَّافعيُّ: والوقس: ما لم يبلغ الفريضة (5) O. 1475 - وقال أحمد: ثنا معاوية بن عمرو عن حيوة (6) عن يزيد بن أبي حبيب عن سلمة بن أسامة عن يحيى بن الحكم أنَّ معاذًا قال: بعثني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُصَدّق أهل اليمن، فأمرني أن آخذ من البقر: من كلِّ ثلاثين تبيعًا، ومن كل أربعين مُسِنَّةً. قال: فعرضوا عَلَيَّ أن آخذ ما بين الأربعين
والخمسين، وبين السِّتِّين والسبعين، فأبيت ذلك، وقلت لهم: حتَّى أسأل رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك، فقدمت، فأخبرت النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمرني أن لا آخذ ما بين ذلك، وزعم أنَّ الأوقاص لا فريضة فيها (1). 1476 - قال أبو عبيد: وكان في كتاب رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى عمرو بن حزم: " فإذا بلفت الإبل عشرين ومائة، فليس فيما زاد فيما دون العشر شيءٌ" (2). 1477 - وقد روى القاضي أبو يعلى وأبو إسحاق الشِّيرازيُّ في " كتابيهما " أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " في خمس من الإبل: شاةٌ، ولا شيء في الزّيادة" حتَّى تبلغ عشرًا ". ز: حديث يحيى بن الحكم عن معاذ فيه إرسالٌ، ولم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب الكتب السِّتَّة. وسلمة بن أسامة ويحيى: غير مشهورين، ولم يذكرهما ابن أبي حاتم في "كتابه". وقد اختصر المؤلِّف لفظ الحديث، وأسقط من الإسناد رجلاً، فإنَّ الإمام أحمد رواه مطوَّلاً عن شيخين: أحدهما: معاوية بن عمرو، والآخر هارون بن معروف، كلاهما عن عبد الله بن وهب عن حيوة- وهو ابن شريح المصريُّ-، فأسقط المؤلِّف (ابن وهب) من الإسناد، لأمرٍ ذكره الإمام أحمد يشتبه على من لم يتبحَّر في العلم، واختصر الحديث، وذكره عن أحد الشَّيخين وهو [معاوية] (3) بن عمرو، مع أنَّ بعض الألفاظ الَّتي ذكرها من رواية
مسألة (308): إذا أخرج حاملا أو سنا أعلى مكان أدنى أجزأه.
هارون بن معروف وحده، والله الموفِّق للصَّواب. وقوله في الحديث: (فقدمت فأخبرت النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ليس بصحيحٍ، فإنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توفِّي قبل أن يقدم معاذ بن جبل، والله أعلم O. ***** مسألة (308): إذا أخرج حاملاً أو سِنًّا أعلى مكان أدنى أجزأه. وقال داود: لا يجزئ. 1478 - قال أحمد: ثنا يعقوب ثنا أبي عن محمَّد بن إسحاق ثنا عبد الله ابن أبي بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرَّحمن عن عمارة بن عمرو بن حزم عن أُبيِّ بن كعب قال: بعثني رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصدِّقًا، فمررت برجلٍ، فلم أجد عليه في ماله إلا ابنة مخاض، فأخبرته أنها صدقته، فقال: ذاك ما لا لبن فيه ولا ظهر، وما كنت لأقرض الله تعال من مالي ما لا لبن فيه ولا ظهر! ولكن هذه ناقةٌ سمينةٌ فخذها. فقلت: ما أنا بآخذٍ ما لم أومر به، فهذا رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منك قريبٌ. فخرج معي، وخرج بالنَّاقة، حتَّى قدمنا على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخبره الخبر، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ذاك الذي عليك، وإن تطوَّعت بخيرٍ قبلناه منك، وآجرك الله فيه ". قال: فخذها. فأمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقبضها، ودعا له بالبركة (1). ز: رواه أبو داود عن محمَّد بن منصور الطُّوسيِّ عن يعقوب بن إبراهيم
مسألة (309): لا يجب فيما زاد على الأربعين من البقر شيء حتى يبلغ
ابن سعد (1) ورواه أبو حاتم بن حِبَّان البستيُّ (2) والحاكم في "المستدرك" وقال: على شرط مسلمٍ (3) O. ***** مسألة (309): لا يجب فيما زاد على الأربعين من البقر شيءٌ حتَّى يبلغ ستِّين. وعن أبي حنيفة: يجب فيها بالحساب؛ وعنه: لا شيء فيها حتَّى تبلغ خمسين، فتجب مُسِنَّةٌ وربعٌ. لنا: حديث معاذ الَّذي تقدَّم، وأنَّه لم يأخذ من الأوقاص شيئًا. ***** مسألة (310): المال المستفاد في أثناء الحول بابتياعٍ أو هبةٍ أو إرثٍ، لا يضمُّ إلى نصاب الحول. وقال أبو حنيفة: المستفاد من جنس النِّصاب، يضمُّ إلى النِّصاب في
حكم الحول. وعن مالك كالمذهبين. لنا أربعة أحاديث: 1479 - الحديث الأوَّل: قال التِّرمذيُّ: ثنا يحيى بن موسى ثنا هارون ابن صالح الطَّلحيُّ ثنا عبد الرَّحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من استفاد مالاً فلا زكاة عليه، حتَّى يحول عليه الحول " (1). عبد الرَّحمن بن زيدٍ قد ضعَّفه الكلُّ، وقد رواه إسحاق بن إبراهيم الحنينيُّ عن مالك عن نافع عن ابن عمر. قال الدَّارَقُطْنِيُّ: والصَّحيح عن مالك موقوفٌ. قلت: والحنينيُّ ليس بمرضيٍّ عندهم. وقال التِّرمذيُّ: وقد روي هذا الحديث موقوفًا على ابن عمر، وهو أصحُّ (2). ز: رواه التِّرمذيُّ موقوفًا عن ابن بشَّار عن الثَّقفيَّ عن أيُّوب عن نافع عن ابن عمر. ورفعُه وهمٌ، والله أعلم O. 1480 - الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا الحسن بن أحمد بن صالح الحلبيُّ ثنا سعيد بن عثمان الورَّاق ثنا هشام بن عبد الملك ثنا بقيَّة عن
إسماعيل عن [عبيد الله] (1) بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا زكاة في مال امرئ حتَّى يحول عليه الحول ". قال الدَّارَقُطْنِيُّ: قد رواه معتمر وغيره موقوفًا (2). ز: إسماعيل هو: ابن عيَّاش، وهو ضعيفٌ في روايته عن غير الشَّاميين. 1481 - وروى البيهقيُّ من رواية ابن نمير عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: ليس في مالٍ زكاةٌ حتَّى يحول عليه الحول. وقال: هذا هو الصَّحيح موقوفٌ، ورواه بقيَّة عن إسماعيل بن عيَّاش عن عبيد الله بن عمر مرفوعًا، وليس بصحيحٍ (3) O. 1482 - الحديث الثَالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا الحسن بن الخضر المعدّل ثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس ثنا محمَّد بن سليمان الأسديُّ ثنا حسَّان ابن سياه عن ثابت عن أنس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ليس في مالٍ زكاةٌ حتى يحول عله الحول ". قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حسَّان ضعيفٌ (4). ز: حسَّان: ضعَّفه ابن عَدِيٍّ (5) وابن حِبَّان (6) والحاكم (7) أيضًا.
وروى ابن عَدِيٍّ هذا الحديث في ترجمته عن إسحاق بن إبراهيم بن يونس وغير واحدٍ عن لُوَين- وهو محمَّد بن سليمان-، وقال: وهذا الحديث لا أعلم يرويه عن ثابت غير حسَّان بن سياه (1) O. 1483 - الحديث الرَّابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا عليُّ بن عبد الله بن مبشِّر ثنا عليُّ بن محمَّد الجواربيُّ ثنا إسحاق بن منصور ثنا هريم عن حارثة عن عَمرة عن عائشة قالت: قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس في المال زكاةٌ حتَّى يحول عليه الحول " (2). حارثة ضعيفٌ جدًا، قال أحمد بن حنبل: ليس بشيءٍ (3). وقال يحيى: ليس بثقةٍ، لا يكتب حديثه (4). ز: روى هذا الحديث ابن ماجة عن نصر بن عليِّ الجهضميِّ عن أبي بدر شجاع بن الوليد السكوني عن حارثة بن محمَّد (5). 1484 - وروى الثَّوريُّ عن حارثة عن عمرة عن عائشة موقوفًا: ليس في مالٍ مستفادٍ زكاةٌ، حتَّى يحول عليه الحول. وهذا أصحُّ من المرفوع. 1485 - وروى أبو داود: ثنا سليمان بن داود المَهْريُّ أنا ابن وهبٍ
مسألة (311): تجب الزكاة في صغار النعم إذا انفردت وبلغت
قال: أخبرني جرير بن حازم- وسمَّى آخر- عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة والحارث الأعور عن عليٍّ رضي الله عنه عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول، ففيها خمسة دراهم، وليس عليك شيءٌ- يعني في الذَّهب- حتَّى يكون لك عشرون دينارًا، فإذا كانت لك عشرون دينارًا وحال عليها الحول، ففيها نصف دينار، فما زاد فبحساب ذلك- قال: فلا أدري أعليٌّ يقول: (فبحساب ذلك) أو رفعه إلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ - وليس في مالٍ زكاةٌ حتَّى يحول عليه الحول ". إلا أنَّ جريرًا قال: ابن وهبٍ يزيد في الحديث عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس في مالٍ زكاةٌ، حتَّى يحول عليه الحول ". كذا أخرجه أبو داود، وقال: رواه شعبة وسفيان وغيرهما عن أبي إسحاق ولم يرفعوه (1). 1486 - وقال الشَّافعيُّ: أنا مالك عن ابن عقبة عن القاسم بن محمَّد قال: لم يكن أبو بكر رضي الله عنه يأخذ من مالٍ زكاةً حتَّى يحول عليه الحول (2). وقال البيهقيُّ: الاعتماد في هذا على الآثار الصَّحيحة، فيه: عن أبي بكر الصدِّيق، وعثمان بن عفَّان، وعبد الله بن عمر، وغيرهم رضي الله عنهم (3) O. ***** مسألة (311): تجب الزَّكاة في صغار النَّعم إذا انفردت وبلغت نصابًا، ويخرج منها سواء ابتدأ ملكها من أوَّل الحول، أو نتجت عنده
وهلكت (1) الأمَّهات قبل الحول، وهو قول مالكٍ والشَّافعيِّ وأبي يوسف وزفر، إلا أنَّ مالكًا وزفر يقولان: تجب فيها كبيرة من جنسها. وعن أحمد: لا تجب، وهو قول أبي حنيفة. لنا: 1487 - ما روى الإمام أحمد: ثنا أبو اليمان عن شعيب عن الزُّهريِّ قال: حدَّثني عبيد الله بن عبد الله أنَّ أبا هريرة قال: لَمَّا توفِّي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واستُخلف أبو بكر، وكفر من كفر من العرب، قال قائلٌ لأبي بكر: كيف تقاتل النَّاس وقد قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أمرت أن أقاتل الناس حتَّى يقولوا: لا إله إلا الله ". فقال أبو بكر: والله لو منعوني عناقًا كانوا يؤدُّونها إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقاتلتهم عليها (2). أخرجه البخاريُّ (3) ومسلمٌ (4) في "الصَّحيحين". أمَّا حجَّتهم: 1488 - قال أحمد: ثنا هشيم (5) ثنا هلال بن خبَّاب عن ميسرة أبي صالح عن سويد بن غفلة قال: أتانا مصدِّق رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجلست إلى جنبه. قال: فسمعته يقول: إنَّ في عهدي (6) أن لا آخذ من راضعِ لبنٍ شيئًا. وأتاه رجلٌ بناقةٍ كوماء، فقال: خذ هذه. فأبى أن يأخذها (7).
1489 - قالوا: وقد روى الشَّعبيُّ أنَّ النَّبيَّ قال: " لا زكاة في السِّخال ". 1490 - وروى أبو عبيد أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ليس في الكُسعة صدقةٌ" (1). قالوا: وهي صغار الغنم. والجواب: أمَّا حديث سويد: ففيه هلال بن خبَّاب وهو ضعيفٌ، قال أبو حاتم ابن حِبَّان: اختلط في آخر عمره، وكان يحدِّث بالشيء على التَّوهُّم، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد (2). والكوماء: المشرفة السَّنام. وأمَّا حديث الشَّعبيِّ: فمرسلٌ، ثُمَّ إنَّ راويه جابر الجُعفيَّ، وقد كذَبوه. وأمَّا الكُسعة: فقال أبو عبيد: هي الحمير، سمِّيت كُسعةً لأنَّها تكسع في أدبارها. وقال ابن الأعرابي: الكُسعة: الرَّقيق، لأَنك تكسعها في طلب حاجتك. وقال ابن قتيبة: هي العوامل من الإبل (3). فأمَّا تفسيرهم فلا يعرف. ز: هلال بن خبَّاب: وثَّقه الإمام أحمد بن حنبل (4) ويحيى بن معين (5)
وأبو حاتم الرَّازيُّ (1) وغيرهم، وذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثِّقات" وقال: يخطئ، ويخالف (2). وذكره أيضًا في كتاب " الضُّعفاء " كما ذكره المؤلِّف، وهكذا يفعل ابن حِبَّان كثيرًا، يدخل (3) الرَّجل في كتابيه "الثِّقات" و"الضعفاء"! وميسرة أبو صالح: كوفيٌّ، روى عنه غير واحد، ولا نعلم أحدًا تكلَّم فيه، بل ذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثِّقات" (4). وقد روى الحديث أبو داود عن مسدَّد عن أبي عوانة عن هلال بن خَبَّاب (5)، ورواه النَّسائيُّ عن هنَّاد بن السَّري عن هُشيم (6) O. ***** مسألة (312): تجزئ الجذعة من الضَّأن، والثَّنِيُّ من المعز. وقال أبو حنيفة: لا يجزئ إلا الثَّنيُّ فيهما. وقال مالك: يجزئ الجذع فيهما. 1491 - قال أحمد: ثنا روح ثنا زكريا بن إسحاق قال: حدَّثني عمرو
ابن أبي سفيان عن مسلم بن شعبة (1) عن سِعْر (2) قال: جاءني رجلان مرتدفان، فقالا: إنَّا رسولا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بعثنا إليك لتؤتينا صدقة غنمك. قلت: وما هي؟ قالا: شاةٌ. فعمدت إلى شاةٍ ممتلئة محاضًا (3) وشحمًا، فقالا: هذه شافعٌ، وقد نهانا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نأخذ شافعًا- والشَّافع: الَّتي في بطنها ولدها-. قلت: فأيُّ شيءٍ تأخذان؟ قالا: عناقًا: جذعة أو ثنيَّة. فأخرجت إليهما عناقًا، فتناولاها (4). ز: روى هذا الحديث أبو داود عن الحسن بن عليٍّ عن وكيع عن زكريا ابن إسحاق المكيِّ عن عمرو بن أبي سفيان الجُمَحيِّ عن مسلم بن ثَفِنة البكريِّ (5)، وعن محمَّد بن يونس النَّسائيِّ عن روح عن زكريا بن إسحاق وقال: (مسلم بن شعبة) (6). قال أبو داود: أبو عاصم رواه عن زكريا قال أيضًا: (مسلم بن شعبة)، كما قال روح. ورواه النَّسائيُّ عن محمَّد بن عبد الله بن المبارك عن وكيع (7)، وعن هارون بن عبد الله عن روح (8).
مسألة (313): للخلطة تأثير في الزكاة.
وقال: لا أعلم أحدًا تابع وكيعًا في قوله: (ابن ثَفِنة) (1). وقال الإمام أحمد: إنَّما هو مسلم بن شعبة، أخطأ فيه وكيع، ثناه روح فقال: (مسلم بن شعبة) (2). وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: (مسلم بن ثَفِنة) قاله وكيع ووهم، والصَّواب (مسلم بن شعبة) (3). وقال البيهقيُّ: الصَّواب (مسلم بن شعبة) قاله يحيى بن معين وغيره من الحفاظ (4) O. ***** مسألة (313): للخلطة تأثير في الزَّكاة. وقال أبو حنيفة: لا تأثير لها. لنا أربعة أحاديث: الحديث الأوَّل: حديث أنس: أنَّ أبا بكر كتب له فريضة الصَّدقة، وفيها: وما كان من خليطين فإنَّهما يتراجعان بينهما بالسَّويَّة. والثَّاني: حديث ابن عمر، وفيه ذكر التَّفريق والخليطين.
مسألة (314): تجب الزكاة في مال الصبي والمجنون.
وقد سبقا بإسنادهما (1). 1492 - والثَّالث: رواه الدَّارَقُطْنيُّ: ثنا البغويُّ ثنا داود بن رُشيد ثنا الوليد عن ابن لهيعة عن يحيى بن سعيد عن السَّائب بن يزيد عن سعد بن أبي وقَّاص قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يفرَّق بين مجتمعٍ، ولا يجمع بين متفرِّق، والخليطان ما اجتمعا على: الحوض، والرَّاعي، والفحل " (2). 1493 - والرَّابع: رواه أبو داود من حديث سُويد بن غَفَلَة قال: أتانا مُصَدِّق رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقرأت في عهده: " ولا يُجمع بين متفرِّق، ولا يُفرق بين مجتمع، خشية الصَّدقة " (3). ***** مسألة (314): تجب الزَّكاة في مال الصَّبي والمجنون. وقال أبو حنيفة: لا تجب. لنا ثلاثة أحاديث: 1494 - الحديث الأوَّل: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا عليُّ بن محمَّد بن أحمد المصريُّ ثنا الحسن بن غُليب الأزديُّ ثنا يحيى (4) بن أيُّوب عن المثنَّى بن الصَّبَّاح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه عبد الله بن عمرو بن العاص أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام فخطب النَّاس، فقال: " من ولي يتيمًا له مال فليتَّجر له، ولا
يتركه حتى تأكله الصدقة " (1). 1495 - الحديث الثَّاني: قال الدَارَقُطْنِيُ: وثنا ابن صاعد ثنا أحمد بن عبيد بن إسحاق العطََّار ثنا أبي (2) ثنا مندل عن أبي إسحاق الشَّيبانيِّ عن عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جدِّه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " احفظوا اليتامى في أموالهم، لا تأكلها الزَّكاة " (3). 1496 - الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا محمَّد بن الحسن بن عليٍّ البزَّار ثنا الحسين بن عبد الله بن يزيد القطَّان ثنا أيُّوب بن محمَّد الوزَّان ثنا رواد بن الجراح (4) ثنا محمَّد بن عبيد الله عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " في مال اليتيم زكاةٌ " (5). قالوا: أمَّا الحديث الأوَّل: ففيه المثنَّى بن الصَّبَّاح، قال أحمد: لا يساوي شيئًا (6). وأمَّا الثَّاني: ففيه مندل، قال ابن حِبَّان: كان يرفع المراسيل، ويسند الموقوفات من سوء حفظه، فلمَّا فحش ذلك منه استحقَّ التَّرك (7). وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: الصَّحيح أنَّه من كلام عمر (8).
وأمَّا الثَّالث: ففيه محمَّد بن عبيد الله العرزميُّ، قال الدَّارَقُطْنِيُّ: كان ضعيفًا (1). ثُمَّ إنَّ أحاديث عمرو عن أبيه عن جدِّه في الجملة ضعافٌ، قال يحيى بن سعيد: حديث عمرو واهٍ عندنا (2). وقال أبو حاتم بن حِبَّان الحافظ: لا يجوز الاحتجاج عندي بما رواه عمرو عن أبيه عن جدِّه، لأنَّ هذا الإسناد لا يخلو من أن يكون مرسلاً أو منقطعًا، لأنه عمرو بن شعيب بن محمَّد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، فإذا روى عن أبيه عن جدِّه فأراد بجدِّه محمَّدًا، فمحمدٌ لا صحبة له؛ وإن أراد عبد الله، فأبوه شعيب لم يلق عبد الله؛ والمنقطع والمرسل لا تقوم بهما حجَّةٌ، لأنَّ الله تعالى لم يكلِّف عباده أخذ الدِّين عن من لا يعرف (3). قلنا: أمَّا المثنَّى: فقد قال يحيى بن معين: يكتب حديثه، ولا يترك (4). وقال يحيى بن سعيد: اختلط في عطاء (5). وهذا يدلُّ على أنَّ اختلاطه في الإسناد في شخصٍ واحدٍ.
وأمَّا مَنْدل: فقال يحيى بن معين: ليس به بأسٌ (1). وقال ابن حِبَّان: هو عابدٌ ورعٌ (2). ثُمَّ لو صحَّ أنَّه موقوفٌ على عمر، فإنَّ عمر لا يقول مثل هذا برأيه. وأمَّا العرزميُّ: فقد روى عنه سفيان وشعبة وشريك، وقال ابن حِبَّان: كان صدوقًا، إلا أنَّ كتبه ذهبت، فكأن يحدِّث من حفظه فيهم (3). وأمَّا حديث عمرو بن شعيب: فإنَّهم لا يختلفون في توثيق عمرو (4)، قال ابن راهويه: عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه، كأيُّوب عن نافع عن ابن عمر (5). وقال البخاريّ: رأيت أحمد بن حنبل وعليَّ بن عبد الله وابن راهويه والحميديَّ يحتجُّون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه، فمن النَّاس بعدهم؟! (6). وأمَّا قول ابن حِبَّان: (لم يصحَّ سماع شعيب من جدِّه عبد الله)، فقال الدَّارَقُطْنِيُّ: هو خطأٌ، وقد روى عبيد الله بن عمر العمريُّ- وهو من الأئمة العدول- عن عمرو بن شعيب عن أبيه قال: كنت جالسًا عند عبد الله بن
عمرو، فجاء رجلٌ فاستفتاه في مسألة، فقال لي: يا شعيب، امض معه إلى ابن عبَّاس. فقد صحَّ بهذا سماع شعيب من جدِّه عبد الله (1). وقد أثبت سماعه منه أحمد بن حنبل (2) وغيره. قال الدَّارَقُطْنِيُّ: جدُّه الأدنى: محمَّد- ولم يدرك رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وجدُّه الأعلى: عمرو بن العاص- ولم يدركه شعيب-، وجدُّه الأوسط: عبد الله- وقد أدركه-، فإذا لم يسمِّ جدَّه احتمل أن يكون محمَّدًا، واحتمل أن يكون عمروًا، فيكون في الحالين مرسلاً؛ واحتمل أن يكون عبد الله الَّذي أدركه، فلا يصحُّ الحديث ويسلم من الإرسال إلا أن يقول فيه: عن جدِّه عبد الله بن عمرو. قلت: والحديث الَّذي احتججنا به قد سمَّى فيه جدَّه (عبد الله)، فسلم من الإرسال، على أنَّ المرسل عندنا حجَّةٌ. ز: هذه الأحاديث الثَّلاثة ضعافٌ لا تقوم بها حجَّةٌ. والحديث الأوَّل: رواه التِّرمذيُّ عن محمَّد بن إسماعيل عن إبراهيم بن موسى عن الوليد بن مسلم عن المثنَّى بن الصَّبَّاح، وقال: في إسناده مقالٌ، لأنَّ المثنَّى يضعَّف في الحديث (3). 1497 - وقد روى الشَّافعيُّ عن عبد المجيد عن ابن جريج عن يوسف ابن ماهك أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ابتغوا في مال اليتيم- أو في مال اليتامى-،
لا تذهبها- أو لا تستهلكها- الصدقة " (1). هذا مرسلٌ. 1498 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمَّد بن إسماعيل الفارسيُّ ثنا يحيى بن أبي طالب أنا عبد الوهَّاب ثنا حسين المعلِّم عن عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيَّب أنَّ عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه قال: ابتغوا بأموال اليتامى، لا تأكلها الصَّدقة (2). قال البيهقيُّ: هذا إسنادٌ صحيحٌ، وله شواهد عن عمر رضي الله عنه: 1499 - أنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العبَّاس محمَّد بن يعقوب ثنا الحسن بن مكرم ثنا يزيد بن هارون ثنا شعبة عن حميد بن هلال قال: سمعت أبا محجن- أو ابن محجن- (وكان خادمًا لعثمان بن أبي العاص) قال: قدم عثمان ابن أبي العاص على عمر بن الخطََّاب رضي الله عنه، فقال له عمر رضي الله عنه: كيف متجر أرضك؟ فإنَّ عندي مال يتيم قد كادت الزَّكاة أن تفنيه. قال: فدفعه إليه. كذا في هذه الرِّواية، ورواه معاوية بن قُرَّة عن الحكم بن أبي العاص عن عمر، وكلاهما محفوظٌ. ورواه الشَّافعيُّ من حديث عمرو بن دينار وابن سيرين عن عمر مرسلاً (3). 1500 - وقال يعقوب بن سفيان: ثنا أبو نعيم ثنا سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن بعض ولد أبي رافع قال: كان عليٌّ رضي الله عنه يزكِّي أموالنا ونحن
يتامى (1). 1501 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمَّد بن مخلد ثنا بشر بن مطر ثنا يزيد ابن هارون أنا أشعث عن حبيب بن أبي ثابت عن صلت المكيِّ عن أبي رافع (2) أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان أقطع أبا رافع أرضًا، فلمَّا مات أبو رافع باعها عمر رضي الله عنه بثمانين ألفًا، فدفعها إلى عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه، فكان يزكِّيها، فلمَّا قبضها ولد أبي رافع عدّوا مالهم فوجدوها ناقصة، فأتوا عليًّا رضي الله عنه، فأخبروه، فقال: أحسبتم زكاتها؟ قالوا: لا. قال: فحسبوا زكاتها فوجدوها سواء. فقال عليٌّ: أكنتم ترون يكون عندي مالٌ لا أؤدِّي زكاته؟! (3). قال البيهقيُّ: رواه حسن بن صالح وجرير بن عبد الحميد عن أشعث وقالا: عن ابن أبي رافع، وهو الصَّواب (4). 1502 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمَّد بن مخلد ثنا عليُّ بن سهل بن المغيرة ثنا محمَّد بن سعيد الأصبهانيُّ ثنا شريك عن أبي اليقظان عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى أن عليًّا رضي الله عنه زكَّى أموال بني أبي رافع، قال: فلمَّا دفعها إليهم وجدوها بنقص، فقالوا: إنَّا وجدناها بنقص! فقال عليٌّ رضي الله عنه: أترون أنَّه يكون عندي مالٌ لا أزكِّيه؟! (5) 1503 - وقال الشَّافعيُّ: أنا مالك عن عبد الرَّحمن بن القاسم عن أبيه
قال: كانت عائشة رضي الله عنها تليني وأخًا لي يتيمٌ (1) في حجرها، وكانت تخرج من أموالنا الزَّكاة (2). 1504 - قال الشَّافعيُّ: وثنا سفيان عن أيُّوب عن نافع عن ابن عمر أنَّه كان يزكِّي مال اليتيم (3). قال البيهقيُّ: وروي ذلك عن الحسن بن عليٍّ وجابر بن عبد الله رضي الله عنهما. 1505 - فأمَّا ما أخبرنا عليُّ بن محمَّد بن عبد الله بن بشران أنا إسماعيل ابن محمَّد الصَّفَّار ثنا سعدان بن نصر ثنا مُعَمَّر بن سليمان عن عبد الله بن بشر عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن مسعود قال: من ولي مال يتيمٍ فليحص عليه السِّنين، فإذا دفع إليه ماله أخبره بما فيه من الزَّكاة، فان شاء زكَّى، وإن شاء ترك. وكذلك رواه ابن عليَّة وغيره عن ليث. وقد أبناه أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العبَّاس محمَّد بن يعقوب أنا الرَّبيع بن سليمان قال: قال الشَّافعيُّ رحمه الله في مناظرةٍ جرت بينه وبن من خالفه، وجوابه عن هذا الأثر: مع أنَّك تزعم أنَّ هذا ليس بثابتٍ عن ابن مسعود من وجهين: أحدهما: أنَّه منطقعٌ، وأنَّ الَّذي رواه ليس بحافظٍ. قال البيهقيُّ: وجهة انقطاعه أنَّ مجاهدًا لم يدرك ابن مسعود، ورواية الَّذي ليس بحافظٍ (4) هو ليث بن أبي سليم، وقد ضعَّفه أهل العلم بالحديث.
وروي عن ابن عبَّاس إلا أنَّه ينفرد بإسناده ابن لهيعة، وابن لهيعة لا يحتجُّ به، والله أعلم (1). وقال المَرُّوذِيُّ: قال أبو عبد الله: عن خمسةٍ من أصحاب النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّهم يزكُّون مال اليتيم (2). وقال مُهَنَّا: سألت أحمد عن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " اتَّجروا بأموال اليتامى، لا تأكلها الزكاة "؟ فقال: ليس بصحيحٍ، هذا يرويه المثنَّى بن الصَّبَّاح عن عمرو (3) O. احتجُّوا: 1506 - بما روى أحمد: ثنا عفَّان ثنا حمَّاد عن حمَّاد عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " رفع القلم عن ثلاثة: عن النَّائم حتَّى يستيقظ، وعن الصَّبي حتَّى يحتلم، وعن المجنون حتَّى يعقل " (4). والجواب: أنَّ المراد به قلم الإثم، أو قلم الأداء. ز: روى هذا الحديث أبو داود (5) وابن ماجة (6) والنَّسائيُّ (7) والحاكم وقال: على شرط مسلمٍ (8).
مسألة (315): لا يجوز إخراج القيم (7) في الزكاة، وهو قول مالك
وهو من رواية حمَّاد بن سلمة عن حمَّاد أيضًا- وهو ابن أبي سليمان-، وقد روى له مسلمٌ مقرونًا بغيره (1)، ووثَّقه يحيى بن معين (2) والعجليُّ (3) والنَّسائيُّ (4) وغيرهم، وتكلَّم فيه الأعمش (5) ومحمَّد بن سعدٍ (6) وغيرهما. وقد روي هذا الحديث من غير رواية عائشة، والله أعلم O. ***** مسألة (315): لا يجوز إخراج القيم (7) في الزَّكاة، وهو قول مالك والشَّافعيِّ. وقال أبو حنيفة: يجوز، وعن أحمد نحوه. لنا حديثان: الحديث الأوَّل: حديث الصَّدقة المتقدِّم (8): " في كلُّ خمسٍ شاةٌ، فإذا بلغت خمسًا وعشرين ففيها بنت مخاض ". 1507 - الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا الرَّبيع بن سليمان ثنا ابن وهبٍ قال: حدَّثني سليمان بن بلال عن شريك بن
عبد الله بن أبي نمر عن عطاء بن يسار عن معاذ بن جبل أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثه إلى اليمن، فقال: " خذ الحبَّ من الحبَّ، والشَّاة من الغنم، والبعير من الإبل، والبقَرة من البقَر. " (1). ز: رواه أبو داود عن الرَّبيع بن سليمان (2)، ورواه ابن ماجة عن عمرو ابن سوَّاد المصريِّ (3)، كلاهما عن ابن وهبٍ. ورواه الحاكم وقال: على شرطهما إن صحَّ سماع عطاء من معاذ، فإنِّي لا أتقنه (4). كذا قال، وعطاء لم يسمع معاذًا، ولم يلقه O. احتجُّوا بثلاثة أحاديث: الحديث الأوَّل: حديث الصَّدقة المتقدِّم (5)، وفيه: " ومن بلغت صدقته الجذعة، وليست عنده جذعة، وعنده حِقَّة، فإنَّها تقبل منه الحِقَّة، ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له، أو عشرين درهمًا؛ ومن بلغت صدت الحِقَّة، وليست عنده الحِقَّة، وعنده الجذعة، فإنَّها تقبل منه الجذعة، ويعطيه المُصدِّق عشرين درهمًا، أو شاتين ". قالوا: وهذا يدلُّ على التَّعادل في القيمة. وجواب هذا: أن يقال: ليس [هذا على] (6) وجه القيمة، إنَّما هي
أصول، بدليل أنَّ القيمة تختلفُ بالأزمنة والأمكنة، فقدَّر الشَّرع شيئًا يزيل الاختلاف. 1508 - الحديث الثَّاني: قال أحمد: ثنا عتاب بن زياد ثنا ابن المبارك أنا مجالد (1) بن سعيد عن قيس بن أبي حازم عن الصُّنابحيِّ قال: رأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في إبل الصَّدقة ناقةً مسنَّةً، فغضب، وقال: " ما هذه؟ " فقال: يا رسول الله، ارتجعتها ببعيرين من حاشية الصَّدقة. فسكت (2). قالوا: والارتجاع: أن يأخذ سننًا مكان سنٍّ (3). كذلك فسَّره أبو عبيد، فقال: إذا وجبت على ربِّ المال أسنانٌ من الإبل، فأخذ المصدِّق مكانها أسنانًا فوقها أو دونها، فتلك الَّذي أخذ رِجعةٌ- بكسر الرَّاء-، لأنَّه ارتجعها من الَّتي وجبت على ربِّها (4). وجواب هذا الحديث: أنَّه مرسلٌ، ثُمَّ هو محمولٌ على أنَّه لمَّا قبضها اشترى بها من ربِّ المال، وذلك يسمَّى (ارتجاعًا) أيضًا، وقد قال أبو عبيد: الارتجاع: أن يَقدُم الرَّجُل المصر بإبله ويبيعها، ويشتري بثمنها مثلها أو غيرها (5). ز: قال التِّرمذيُّ في هذا الحديث: سألت البخاريَّ عنه فقال: روى هذا الحديث إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى في إبل الصَّدقة ... مرسلاً. وضعَّف مجالدًا (6) O.
1509 - الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أبو روق الهزانيُّ ثنا أحمد ابن روح ثنا سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة وعمرو بن دينار عن طاوس قال: قال معاذ بن جبل لأهل اليمن: ائتوني بخميسٍ (1) أو لبيسٍ آخذه منكم في الصَّدقة، فهو أهون عليكم، وخيرٌ للمهاجرين بالمدينة (2). وجوابه من وجهين: أحدهما: أنَّ هذا مرسلٌ، وطاوس لم يلق معاذًا، قاله الدَّارَقُطْنِيُّ (3). والثَّاني: أنَّه محمولٌ على الجزية، لأنَّ مذهب معاذ لا يجوز نقل الزَّكاة من بلدٍ إلى بلدٍ، وإنَّما سمَّاها صدقة تجوُّزًا، يدلُّ عليه: 1510 - ما روى أحمد: ثنا عبد الرَّزَّاق ثنا معمر والثَّوريُّ (4) عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق عن معاذ بن جبل قال: بعثه النَّبيُّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى اليمن، فأمره أن يأخذ من كلِّ ثلاثين بقرة تبيعًا أو تبيعة، ومن كلِّ أربعين مسنَّة، ومن كلِّ حالمٍ دينارًا أو عدله معافر (5).
مسألة (316): لا زكاة في الخيل.
ز: روى هذا الحديث أبو داود (1)، والتِّرمذيُّ وقال: حديثٌ حسنٌ (2)، وابن ماجة (3)، والنَّسائيُّ (4)، والحاكم وقال: على شرطهما (5). وقال الإسماعيليُّ: حديث طاوس عن معاذ إذا كان مرسلاً فلا حجَّة فيه، وقد قال فيه بعضهم: (من الجزية) بدل (الصَّدقة). قال البيهقيُّ: هذا هو الأليق بمعاذ، والأشبه بما أمره النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أخذ الجنس في الصَّدقات، وأخذ الدينار أو عدله معافر- ثيابٌ باليمن- في الجزية، وأن يرد الصَّدقات على فقرائهم لا (6) أن ينقلها إلى المهاجرين بالمدينة، الَّذين أكثرهم أهل فيءٍ لا أهل صدقةٍ، والله أعلم (7) O. ***** مسألة (316): لا زكاة في الخيل. وقال أبو حنيفة: تجب. لنا أربعة أحاديث:
1511 - الحديث الأوَّل: قال التِّرمذيُّ: ثنا محمَّد بن عبد الملك بن أبي الشَّوارب ثنا أبو عوانة عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن عليِّ بن أبي طالب قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قد عفوت لكم عن صدقة الخيل والرَّقيق، فهاتوا صدقة الرِّقَّة " (1). ز: رواه الإمام أحمد (2) وأبو داود (3) والنِّسائيُّ (4). وقال أبو داود: روى هذا الحديث الأعمش عن أبي إسحاق كما قال أبو عوانة، ورواه شيبان أبو معاوية وإبراهيم بن طهمان عن أبي إسحاق عن الحارث عن عليٍّ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقال التِّرمذيُّ: سألت محمَّدًا عن هذا الحديث، فقال: كلاهما عندي صحيحٌ عن أبي إسحاق، يحتمل أن يكون روى عنهما O. 1512 - الحديث الثَّاني: قال التِّرمذيُّ: وثنا أبو كريب ومحمود بن غيلان قالا: ثنا وكيع عن سفيان وشعبة عن عبد الله بن دينار عن سليمان بن يسار عن عِرَاك بن مالك عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس على المسلم في فرسه ولا عبده صدقةٌ " (5). ز: أخرجاه في "الصَّحيحين" عن عبد الله بن دينار (6) O.
1513 - طريقٌ آخر: قال أحمد: ثنا سفيان عن أيُّوب بن موسى عن مكحول عن سليمان بن يسار عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقةٌ " (1). ز: روى هذا الحديث مسلمٌ في "صحيحه" عن عمرو النَّاقد وزهير بن حرب عن سفيان بن عيينة، وقال فيه: (عن سليمان بن يسار عن عراك بن مالك عن أبي هريرة) (2). ورواه النَّسائيُّ من رواية إسماعيل بن أميَّة عن مكحول عن عراك، ولم يذكر سليمان بن يسار (3) O. 1514 - الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا عبد الله بن جعفر بن درستويه ثنا يعقوب بن سفيان ثنا أحمد بن الحارث البصريُّ ثنا الصَّقر بن حبيب قال: سمعت أبا رجاء العطارديَّ يحدِّث عن ابن عبَّاس عن عليّ بن أبي طالب أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ليس في العوامل صدقةٌ، ولا في الجبهة صدقةٌ ". قال الصَّقر: الجبهة: الخيل والبغال والعبيد (4). وقال أبو عبيد: الجبهة: الخيل (5). الصَّقر: ضعيفٌ، قال ابن حِبَّان: ليس هو من كلام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وإنَّما يعرف بإسنادٍ منقطع، فقلبه الصَّقر (1) على أبي رجاء، وهو يأتي بالمقلوبات (2). ز: أبو حاتم بن حِبَّان يسمي هذا الشَّيخ: (الصَّعق بن حبيب)، وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: إنَّما هو الصَّقر بن حبيب (3). وأحمد بن الحارث الرَّاوي عنه: هو الغسَّانيُّ، قال أبو حاتم الرَّازيُّ: هو متروك الحديث (4) O. 1515 - الحديث الرَّابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا ابن صاعد ثنا عليُّ بن داود ثنا يزيد بن خالد بن موهب ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن عبيد الله بن عمر عن أبي الزِّناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس في الخيل والرَّقيق صدقةٌ، إِلا أنَّ في الرَّقيق صدقة الفطر " (5). احتجُّوا بحديثين: 1516 - الحديث الأوَّل: قال البخاريُّ: ثنا عبد الله بن يوسف أنا مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن أبي صالح السَّمَّان عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر الخيل، فقال: " ورجلٌ ربطها تغنِّيًا وتعفُّفًا، ثُمَّ لم ينس حقَّ الله في رقابها، ولا ظهورها، فهي لذلك سترٌ " (6).
أخرجاه في "الصَّحيحين" (1). وجواب هذا من وجهين: أحدهما: أن يريد بالحقِّ: إعارتها وحمل المنقطعين عليها، وذلك يكون على وجه النَّدب. والثَّاني: أن يكون ذلك قد كان واجبًا ثُمَّ نسخ، بدليل قوله: " عفوت لكم عن صدقة الخيل "، والعفو إنَّما يكون عن لازمٍ. 1517 - الحديث الثَّاني: قال الخطيب: أنا أبو محمَّد الخلال ثنا الحسن ابن العبَّاس بن الفضل الشِّيرازيُّ ثنا محمَّد بن عليّ بن مهران ثنا إسماعيل بن يحيى بن بحر الكرمانيُّ ثنا الليث بن حمَّاد الإصطخريُّ (2) ثنا أبو يوسف عن غُورَك بن الخِضْرِم أبي عبد الله عن جعفر بن محمَّد عن أبيه عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " في الخيل السَّائمة: في كلِّ فرسٍ دينارٌ " (3). قال الدَّارَقُطْنِيُّ: تفرَّد به غورك عن جعفر، وهو ضعيفٌ جدًّا، ومن دونه ضعفاء (4). *****
مسألة (317): لا تجب الزكاة في العوامل والمعلوفة.
مسألة (317): لا تجب الزَّكاة في العوامل والمعلوفة. وقال مالكٌ: تجب. لنا أربعة أحاديث: 1518 - الحديث الأوَّل: قال البخاريُّ: ثنا محمَّد بن عبد الله الأنصاريُّ قال: حدَّثني أبي قال: حدَّثني ثمامة بن عبد الله أنَّ أنسًا حدَّثه أنَّ أبا بكر كتب له هذا الكتاب لَمَّا وجَّهه إلى البحرين: هذه فريضة الصَّدقة التي قرض رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المسلمين، والَّتي أمر الله بها رسوله ... فذكر فيه: وفي صدقة الغنم: في سائمتها إذا كانت أربعون إلى عشرين ومائة شاةٌ، فإذا زادت على عشرين ومائة إلى مائتين شاتان (1). فوجه الحجَّة: أنَّه اعتبر السَّوم، فدلَّ على أنَّ عدمه يمنع الوجوب. الحديث الثَّاني: حديث عليّ عليه السَّلام (2): " ليس في العوامل صدقةٌ ". وقد سبق بإسناده (3). 1519 - وقد روى الحارث عن عليّ عليه السَّلام (4) عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (5) أنَّه قال: " ليس في العوامل شيءٌ ". إلا أنَّ الحارث كذَّابٌ.
ز: قال أبو داود: ثنا عبد الله بن محمَّد النُّفيليُّ ثنا زهير ثنا أبو إسحاق عن عاصم بن ضمرة وعن الحارث الأعور عن عليِّ- قال زهير: أحسبه عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنَّه قال: هاتوا ربع العشور، من كلِّ أربعين درهمًا درهمٌ .... فذكر الحديث، وقال فيه: وليس على العوامل شيءٌ (1). وقال ابن القطََّان: إسناده صحيحٌ. قال: ولم أعن (2) إلا رواية عاصم، لا رواية الحارث (3) O. 1520 - الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا عثمان بن أحمد بن سِمْعَان ثنا محمود بن محمَّد الواسطيُّ ثنا زكريا بن يحيى الواسطيُّ ثنا سوَّار عن ليث عن مجاهد وطاوس عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس في البقر العوامل صدقةٌ " (4). ليثٌ ضعيفٌ، قال أحمد: هو مضطرب الحديث، ولكن قد حدَّث عنه النَّاس (5). وقد روي هذا الحديث من حديث غالب بن عبيد الله عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلا أنَّ غالبًا لا يعتمد عليه، قال يحيى: ليس بثقةٍ (6). وقال الرَّازيُّ (7) والدَّارَقُطْنِيُّ (8): متروكٌ. ز: حديث ابن عبَّاس: رواه أبو أحمد بن عَدِيّ عن محمود بن محمَّد
الواسطيّ (1). وقال البيهقيُّ: في إسناده ضعفٌ (2). وسوَّار الرَّاوي عن ليث هو: ابن مصعب، وقد تركه الإمام أحمد (3) ويحيى بن معين (4) وأبو حاتم الرَّازيُّ (5) والنَّسائيُّ (6) والدَّارَقُطْنِيُّ (7) وغيرهم. 1521 - وقال ابن عَدِيٍّ: ثنا أحمد بن الحسن الصُّوفيُّ ثنا إبراهيم بن موسى المروزيُّ ثنا محمَّد بن حمزة الرَّقِّيُّ عن غالب القطَّّان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ليس في الإبل العوامل صدقةٌ " (8). كذا قال: (غالب القطَّان)، قال الدَّارَقُطْنِيُّ (9): وهو عندي غالب ابن عبيد الله (10) O. 1522 - الحديث الرَّابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا الحسن بن أحمد بن صالح ثنا عبد الله بن محمَّد بن إسحاق بن أبي مسلم ثنا محمَّد بن أبي موسى ثنا حجَّاج عن ابن جريج عن زياد بن سعد عن أبي الزُّبير عن جابر أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مسألة (318): لا يجب العشر فيما دون خمسة أوسق.
قال: " ليس في المثير" صدقة " (1). ز: هذا الحديث في إسناده ضعفٌ. قاله البيهقيُّ، وقال: والصَّحيح موقوفٌ. 1523 - وروى من رواية ابن أبي مريم عن يحيى بن أيُّوب أنَّ خالد بن يزيد حدَّثه أنَّ أبا الزُّبير حدَّثه أنَّه سمع جابر بن عبد الله يقول: ليس على مثير الأرض زكاةٌ. قال: وروي عن يحيى بن سعيد عن أبي الزُّبير بمعناه (2) O. ***** مسألة (318): لا يجب العشر فيما دون خمسة أوسق. وقال أبو حنيفة: يجب. لنا حديثان: 1524 - الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا حمَّاد بن خالد ثنا عبد الله العمريُّ عن العلاء بن عبد الرَّحمن عن أبيه عن أبي سعيد قال: قال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس فيما دون خمس ذودٍ صدقةٌ، وليس فيما دون خمس أواقٍ صدقةٌ، وليس فيما دون خمسة أوسق صدقةٌ " (3).
أخرجه البخاريُّ ومسلمٌ في "الصَّحيحين". ز: لم يخرجه البخاريُّ ومسلم من رواية العمريِّ عن العلاء عن أبيه عن أبي سعيد، بل ولا أحدٌ من أصحاب السُّنن، إنَّما رواه الجماعة كلُّهم من حديث يحيى بن عمارة بن أبي حسن المازنيِّ الأنصاريِّ المدنيِّ عن أبي سعيد (1)، والله أعلم O. 1525 - الحديث الثَّاني: قال أحمد: وثنا عليُّ بن إسحاق أنا ابن المبارك أنا معمر قال: حدَّثني سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ليس فيما دون خمسة أوسقٍ صدقةٌ، ولا فيما دون خمس أواقٍ صدقةٌ، ولا فيما دون خمس ذودٍ صدقةٌ " (2). ز: هذا إسناد صحيح O. احتجُّوا: 1526 - بما روى أبو مطيع البلخيُّ عن أبي حنيفة عن أبان بن أبي عيَّاش عن رجلٍ عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " فيما سقت السَّماء العشر، وفيما سقي بنضحٍ أو غرب نصف العشر، في قليله وكثيره ". وهذا إسنادٌ لا يساوي شيئًا.
مسألة (319): لا يجب العشر في الخضراوات.
أمَّا أبو مطيع: فقال يحيى بن معين: ليس بشيءٍ (1). وقال أحمد: لا ينبغي أن يروى عنه (2). وقال أبو داود: تركوا حديثه (3). وأمَّا أبان: فكان شعبة يقول: لأن أزني أحبُّ إليَّ من أن أحدِّث عنه (4)! ***** مسألة (319): لا يجب العشر في الخضراوات. وقال أبو حنيفة: يجب. لنا أحاديث إلا أنَّ كلَّها ضعافٌ: 1527 - الحديث الأوَّل: قال التِّرمذيُّ: ثنا عليُّ بن خَشْرم ثنا عيسى ابن يونس عن الحسن عن محمَّد بن عبد الرَّحمن بن عبيد عن عيسى بن طلحة عن معاذ أنَّه كتب إلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسأله عن الخضراوات- وهي البقول- فقال: "ليس فيها شيءٌ". قال التِّرمذيُّ: إسناد هذا الحديث ليس بصحيحٍ، وليس يصحُّ عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الباب شيءٌ، وإنَّما يروى هذا عن موسى بن طلحة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً (5).
ز: الحسن هو: ابن عمارة، وهو متروك الحديث، وقال التِّرمذيُّ: هو ضعيفٌ عند أهل الحديث، ضعَّفه شعبة وغيره، وتركه عبد الله بن المبارك (1) O. 1528 - الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا عبد الله بن جعفر بن درستويه ثنا يعقوب بن سفيان ثنا أحمد بن الحارث البصريُّ ثنا الصَّقر بن حبيب قال: سمعت أبا رجاء العطارديَّ يحدث عن ابن عبَّاس عن عليّ بن أبي طالب أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ليس في الخضراوات صدقةٌ " (2). الصَّقر ضعيفٌ، قال ابن حِبََان: يأتي بالمقلوبات عن الثِّقات (3). 1529 - الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا أبو حامد محمَّد بن هارون الحضرميُّ ثنا إبراهيم بن سعيد الجوهريُّ ثنا عبد الرَّحمن بن عمرو عن الحارث بن نبهان عن عطاء بن السَّائب، قال: وثنا أحمد بن محمَّد بن الجرَّاح ثنا عبد الله بن أحمد الدَّورقيُّ ثنا محمَّد ابن معاوية ثنا محمَّد بن جابر عن الأعمش، قال: وثنا أبو طالب الحافظ ثنا محمَّد بن نصر بن حمَّاد ثنا أبي عن شعبة عن الحكم، كلُّهم عن موسى بن طلحة عن أبيه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ليس في الخضراوات زكاةٌ " (4). قال يحيى بن معين: الحارث بن نبهان لا يكتب حديثه، ليس بشيءٍ (5).
وقال أحمد: منكر الحديث (1). وقال النسائيُّ: متروك الحديث (2). قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وعبد الرحمن بن عمرو متروك الحديث (3). والصحيح أنه مرسلٌ عن موسى بن طلحة عن النبيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (4). قال يحيى: وأمَّا محمَّد بن جابر فليس بشيء (5). وقال أحمد: لا يحدِّث عنه إلا شرٌّ منه (6). وأما نصر بن حماد: فقال يحيى: كذاب (7). وقال يعقوب بن شيبة: ليس بشيء (8). وقال مسلم بن الحجاج: ذاهب الحديث (9). ز: 153 - قال تمَّام في "فوائده": أنا الميمون عبد الرحمن بن عبد الله ابن عمر بن راشد ثنا أبو محمَّد مضر بن محمَّد البغداديُّ ثنا أبو كامل الجَحْدَريُّ ثنا الحارث بن نبهان عن عطاء بن السائب عن موسى بن طلحة عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس في الخضراوات صدقة " (10). الحارث بن نبهان: ضعَّفه جماعةٌ من الأئمة، وقد روى ابن عَدِيٍّ هذا
الحديث في ترجمته عن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز عن أبي كامل، وقال: لا أعلم يرويه عن عطاء غير الحارث، وله أحاديث حسان، وهو ممن يكتب حديثه (1). وقد سئل الدَّارَقُطْنِيُّ في كتاب "العلل" عن هذا الحديث، فقال: اختلف فيه على موسى بن طلحة، فروي عن عطاء بن السَّائب: فقال الحارث بن نبهان: عن عطاء عن موسى بن طلحة عن أبيه. وقال خالد الواسطيُّ: عن عطاء عن موسى بن طلحة- مرسل- أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وروي عن الأعمش عن موسى بن طلحة عن أبيه. ورواه الحكم بن عتيبة وعبد الملك بن عمير وعمرو بن عثمان بن موهب عن موسى بن طلحة عن معاذ بن جبل. وقيل: عن موسى بن طلحة عن عمر. وقيل: عن موسى بن طلحة عن أنس. وقيل: عن موسى بن طلحة مرسلٌ. وأصحُّها كلُّها المرسل، والله أعلم (2) O. 1531 - الحديث الرَّابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمَّد بن أحمد بن أبي الثَّلج ثنا نصر بن عبد الملك السِّنْجَاريُّ ثنا مروان بن محمَّد السِّنْجَاريُّ ثنا جرير
عن عطاء بن السَّائب عن موسى بن طلحة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس في الخضروات صدقةٌ " (1). قال ابن حِبَّان: مروان بن محمَّد السنجَاريُّ لا يحلُّ الاحتجاج به (2). وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ذاهب الحديث (3). 1532 - الحديث الخامس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا الحسن بن إسماعيل ثنا عبد الله بن شبيب قال: حدَّثني عبد الجبَّار بن سعيد قال: حدَّثني حاتم بن إسماعيل عن محمَّد بن أبي يحيى عن أبي كثير مولى ابن جحش عن محمَّد بن عبد الله بن جحش عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه أمر معاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن أن يأخذ من كلِّ أربعن دينارًا دينارًا، وليس في الخضراوات صدقةٌ (4). عبد الله بن شبيب: ضعيفٌ جدًّا، قال ابن حِبَّان: يقلب الأخبار ويسرقها، لا يجوز الاحتجاج به (5). 1533 - الحديث السَّادس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا عليُّ بن أحمد بن الأزرق ثنا محمَّد بن محمَّد بن النَّفَّاح الباهليُّ ثنا يحيى بن المغيرة ثنا ابن نافع قال: حدَّثني إسحاق بن يحيى بن طلحة عن عمِّه موسى بن طلحة عن معاذ بن جبل أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " فيما سقت السَّماء والبعل والسَّيل العشر " وفيما يسقى بالنَّضح نصف العشر، يكون ذلك في التَّمر والحنطة والحبوب، فأمَّا القثَّاء والبطِّيخ والرُّمان والقصب والخضر فعفوٌ عفا عنه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (6).
ابن نافع وإسحاق ضعيفان، قال يحيى بن سعيد: إسحاق شبه لا شيء (1). وقال يحيى بن معين: ليس بشيءٍ، لا يكتب حديثه (2). وقال أحمد (3) والنَّسائيُّ (4): متروك الحديث. ز: روى هذا الحديث الحاكم في "المستدرك" وصحَّحه (5)، وهو حديثٌ ضعيفٌ. وإسحاق: تركه غير واحد. وعبد الله بن نافع هو: الصَّائغ، وهو صدوقٌ، في حفظه شيءٌ، وقد روى له مسلمٌ في "صحيحه" (6). وزعم الحاكم (أنَّ موسى بن طلحة تابعيٌّ كبيرٌ، لا ينكر أن يدرك أيَّام معاذ) (7)، وفي قوله نظرٌ، وقد ذكر أبو زرعة أنَّ رواية موسى عن عمر مرسلةٌ (8)، ومعاذ توفِّي في خلافة عمر، فرواية موسى عنه أولى بالإرسال، والله أعلم O. 1534 - الحديث السَّابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أحمد بن إسحاق بن وهب ثنا موسى بن إسحاق ثنا محمَّد بن عبيد المحاربيُّ ثنا صالح بن موسى عن
منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس فيما أنبتت الأرض من الخضر زكاةٌ " (1). قال يحيى بن معين: صالح بن موسى ليس حديثه بشيءٍ (2). وقال البخاريُّ: منكر الحديث (3). وقال النَّسائيُّ: متروك الحديث (4). 1535 - الحديث الثَّامن: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا محمَّد بن إسماعيل الفارسيُّ ثنا يحيى بن أبي طالب أنا عبد الوهَّاب أنا هشام الدَّستوائيُّ عن عطاء بن السَّائب عن موسى بن طلحة أنَّ رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى أن يؤخذ من الخضروات صدقةٌ (5). عبد الوهَّاب ضعيفٌ، والحديث مرسلٌ (6). ز: عبد الوهاب هو: ابن عطاء الخفَّاف، وهو صدوقٌ، روى له مسلمٌ في "صحيحه" (7). والحديث مرسلٌ حسنٌ. وعطاء بن السَّائب: وثَّقه الإمام أحمد (8) وغيره، وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: اختلط، ولا يحتجُّ من حديثه إلا بما رواه عنه الأكابر: شعبة والثَّوريُّ ووهيب
مسألة (320): لا يحتسب على صاحب الأرض بزكاة ما يأكله من
ونظراؤهم، وأمَّا ابن عليَّة والمتأخرون ففي حديثهم عنه نظرٌ (1)، والله أعلم O. ***** مسألة (320): لا يحتسب على صاحب الأرض بزكاة ما يأكله من الثَّمرة. وقال أبو حنيفة والشَّافعيُّ: يحتسب. 1536 - قال التِّرمذيُّ: ثنا محمود بن غيلان ثنا أبو داود الطَّيالسيُّ أنا شعبة أنا خُبيب بن عبد الرَّحمن قال: سمعت عبد الرَّحمن بن مسعود يقول: جاء سهل بن أبي حثمة إلى مجلسنا يحدِّث أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول: " إذا خَرصْتم فخذوا، ودعوا الثُّلث، فإن لم تدعوا الثُّلث فدعوا الرُّبع " (2). ز: روى هذا الحديث: الإمام أحمد (3) وأبو داود (4) والنَّسائيُّ (5) وأبو حاتم بن حِبَّان البستيُّ (6) والحاكم أبو عبد الله وصحَّحه (7) O. ***** مسألة (321): يجب العشر في أرض الخراج. وقال أبو حنيفة: لا يجب.
1537 - قال التِّرمذيُّ: ثنا أحمد بن الحسن ثنا سعيد بن أبي مريم ثنا ابن وهبٍ قال: حدَّثني يونس عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه سنَّ فيما سقت السَّماء والعيون أو كان عثريًّا العشور، وفيما سُقي بالنَّضح نصف العشر (1). انفرد بإخراجه البخاريُّ (2)، وهو عامٌّ في الأرض الخراجيَّة وغيرها. قال ابن قتيبة: العثريُّ: الَّذي يؤتى بماء المطر إليه حتَّى يسقيه، وإنَّما سمِّي عثريًّا لأنَّهم يجعلون في مجرى السَّيل عاثورًا، فإذا صدمه الماء ترادّ فدخل في تلك المجاري، حتَّى يبلغ النَّخل ويسقيه. أمَّا حجَّتهم: 1538 - فقال الخطيب: أنا القاضي أبو الفرج محمَّد بن أحمد بن الحسن الشَّافعيُّ ثنا محمَّد بن حامد المعدّل ثنا محمَّد بن أحمد بن أبي مهزول المصيصيُّ ثنا يوسف بن سعيد بن مسلم ثنا يحيى بن عنبسة ثنا أبو حنيفة عن حمَّاد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يجتمع على مؤمنٍ خراجٌ وعشرٌ" (3). والجواب: قال أبو حاتم بن حِبَّان الحافظ: ليس هذا من كلام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
مسألة (322): يجب العشر في العسل.
ويحيى بن عنبسة دجَّالٌ يضع الحديث، لا تحلُّ الرِّواية عنه (1). وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: يحيى دجَّالٌ يضع الحديث، هو كَذِبٌ على أبي حنيفة ومن بعده إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (3). وقال أبو أحمد بن عَدِيٍّ الحافظ: لا يروي هذا الحديث غير يحيى بهذا الإسناد، وإنَّما يروى هذا من قول إبراهيم، ويحكيه أبو حنيفة عن حمَّاد عن إبراهيم من قوله، فجاء يحيى فوصله إلى النَّبيِّ صعلم، وأبطل فيه، ويحيى مكشوفُ الأمر، لرواياته عن الثِّقات الموضوعات (4). ***** مسألة (322): يجب العشر في العسل. وقال مالكٌ والشَّافعيُّ: لا يجب. لنا ثلاثة أحاديث: 1539 - الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا عبد الرَّحمن عن سعيد بن عبد العزيز عن سليمان بن موسى عن أبي سَيَّارة المتُعيِّ قال: قلت: يا رسول الله، إنَّ لي نحلاً. قال: " أد العشور ". قال: قلت: يا رسول الله، احم لي حبلها. قال: فحمى لي حبلها (5). ز: رواه ابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة وعليِّ بن محمَّد عن وكيع
عن سعيد بن عبد العزيز (1)، وإسناده منقطعٌ، لأنَّ سليمان لم يلق أبا سَيَّارة. وقال البيهقيُّ: هذا أصحُّ ما روي في وجوب العشر فيه، وهو منقطعٌ. قال أبو عيسى التِّرمذيُّ (2): سألت محمَّد بن إسماعيل البخاريَّ عن هذا، فقال: هذا حديثٌ مرسلٌ، وسليمان بن موسى لم يدرك أحدًا من أصحاب النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وليس في زكاة العسل شيءٌ يصحُّ (3). وقال الأحوص بن المفضَّل بن غسَّان الغلابيُّ عن أبيه: قال أبو مسهر: لم يدرك سليمانُ بن موسى كثيرَ بن مرَّة، ولا عبد الرَّحمن بن غنم. قال أبي: ولم يلق سليمان بن موسى أبا سيَّارة، والحديث مرسلٌ، وأبو سيَّارة مدنيٌّ (4). وقال الحافظ عبد الغني في " الكمال ": أبو سَيَّارة المتُعيُّ القيسيُّ، قيل: اسمه عميرة بن الأعلم، وقيل: إنَّه شامىٌّ، وحديثه في الشَّاميين، روى عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثًا في زكاة العسل، وليس له سواه (5). وقال ابن المنذر: ليس في وجوب الصَّدقة في العسل خبرٌ يثبت (6). وقال الزَّعفرانيُّ: قال أبو عبد الله الشَّافعيُّ: الحديث في أنَّ في العسل العشر ضعيفٌ، وفي أن لا يؤخذ منه العشر ضعيفٌ، إلا عن عمر بن عبد العزيز، واختياري أن لا يؤخذ منه، لأنَّ السُّنن والآثار ثابتة فيما يؤخذ منه، وليست فيه ثابتةٌ، فكأنه عفوٌ (7).
1540 - وقال عبيد الله بن عمر عن نافع: سألني عمر بن عبد العزيز عن صدقة العسل، فقلت: ما عندنا عسل، ولكن أخبرني المغيرة بن حكيم أنَّه قال: ليس في العسل زكاةٌ. فقال: عدلٌ مرضيٌ. فكتب إلى النَّاس أن يوضع عنهم. وقال الأثرم: سئل أبو عبد الله: أنت تذهب إلى أنَّ في العسل زكاةً؟ قال: نعم، أذهب إلى أنَّ في العسل زكاةً، العشر، قد أخذ عمر منهم الزَّّكاة، قلت: ذلك على أنَّهم تطوَّعوا به. قال: لا، بل أخذه منهم (1) O. 1541 - الحديث الثَّاني: قال النَّسائيُّ: ثنا المغيرة بن عبد الرَّحمن ثنا أحمد بن أبي شعيب عن موسى بن أعين (2) عن عمرو بن الحارث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه قال: جاء هلالٌ إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعشور نحله، وسأله أن يحمي له واديًا يقال له: سلبة، فحمى له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك الوادي، فلمَّا ولي عمر بن الخطَّاب، كتب سفيان بن وهب إلى عمر بن الخطََّاب يسأله، فكتب عمر: إن أدَّى إليَّ ما كان يؤدِّي إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عشر نحله، فاحم له سلبة، وإلا فإنَّما هي ذبابُ غيثٍ يأكله من شاء (3). ز: رواه أبو داود عن أحمد بن أبي شعيب الحرَّانِّي عن موسى (4)، وعن أحمد بن عبدة الضَّبِّي عن المغيرة- نسبه إلى عبد الرَّحمن بن الحارث المخزوميِّ- عن أبيه عن عمرو بنحوه (5). وعن الرَّبيع بن سليمان المؤذِّن عن ابن وهبٍ عن أسامة بن زيدٍ عن عمرو
ابن شعيب بمعنى حديث المغيرة (1). ورواه ابن ماجة عن محمَّد بن يحيى عن نعيم بن حمَّاد عن ابن المبارك عن أسامة بن زيد عن عمرو به مختصرًا: أنَّ النَّبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذ من العسل العشر (2) O. 1542 - الحديث الثَّالث: قال التِّرمذيُّ: ثنا محمَّد بن يحيى ثنا عمرو ابن أبي سلمة التِّنِّيسيُّ عن صدقة بن عبد الله عن موسى بن يسار عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في العسل: " في كلِّ عشرة أزُق (3) زِق ". قال التِّرمذيُّ: في هذا الإسناد مقالٌ، ولا يصحُّ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الباب كبير شيءٍ (4). قلت: قال أحمد بن حنبل: صدقة ليس يساوي حديثه شيئًا (5). وقال ابن حِبَّان: يروي الموضوعات عن الثِّقات (6). وقال أبو عبد الرَّحمن النِّسائيُّ: صدقة ليس بشيءٍ، وهذا حديثٌ منكرٌ (7). قال الرازي: وعمرو لا يحتج به (8). وقد رواه إسماعيل بن محمَّد بن يوسف عن عمرو بن أبي سلمة عن زهير ابن محمَّد عن موسى بن يسار.
قال ابن حِبَّان: إسماعيل يقلب الأسانيد، ويسرق الحديث، لا يجوز الاحتجاج به (1). قال يحيى بن معين: وعمرو بن أبي سلمة (2) وزهير (3) ضعيفان. ز: عمرو بن أبي سلمة (4) وزهير بن محمَّد (5): كلاهما من رجال "الصَّحيحين". وهذا الحديث إنَّما تكلِّم فيه من جهة صدقة، وقد ذكره ابن عَدِيّ في مناكيره (6). وقال البيهقيُّ: تفرَّد به صدقة بن عبد الله السَّمين، وهو ضعيفٌ، قد ضعَّفه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وغيرهما؛ وقال أبو عيسى التِّرمذيُّ (7): سألت محمَّد بن إسماعيل البخاريَّ عن هذا الحديث، فقال: هو عن نافع عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلٌ (8) O. *****
مسألة (323): ما زاد على نصاب الأثمان يجب فيه بحسابه.
مسائل الأثمان مسألة (323): ما زاد على نصاب الأثمان يجب فيه بحسابه. وقال أبو حنيفة: لا يجب فيما زاد على مائتي درهم حتَّى يبلغ أربعين، ولا فيما زاد على عشرين دينارًا حتَّى يبلغ أربعة مثاقيل. 1543 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمَّد بن أحمد بن إبراهيم الكاتب ثنا جعفر بن محمَّد الصَّائغ ثنا إسحاق بن المنذر ثنا أيُّوب بن جابر الحنفيُّ عن أبي إسحاق (1) عن الحارث عن عليٍّ قال: قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هاتوا ربع العشور، من كلِّ أربعين درهمًا (2)، وليس فيما دون المائتين شيءٌ، فإذا كانت مائتين ففيها خمسة دراهم، فما زاد فعلى حساب ذلك " (3). الحارث مجروحٌ. ز: 1544 - قال أبو داود: ثنا عبد الله بن محمَّد النُّفيليُّ ثنا زهير ثنا أبو إسحاق عن عاصم بن ضمرة وعن الحارث الأعور عن عليٍّ- قال زهير: أحسبه عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنَّه قال: هاتوا ربع العشور، من كلِّ أربعين درهمًا درهمٌ، وليس عليكم شيءٌ حتَّى تتمَّ مائتي درهم، فإذا كانت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم، فما زاد فعلى حساب ذلك (4) O.
أمَّا حجَّتُهم: 1545 - فروى الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أبو سعيد الحسن بن أحمد الإصطخريُّ ثنا محمَّد بن عبد الله بن نوفل ثنا أبي ثنا يونس بن بكير ثنا ابن إسحاق عن المنهال ابن الجرَّاح عن حبيب بن نجيح (1) عن عبادة بن نُسَي عن معاذ أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمره حين وجَّهه إلى اليمن: " أن لا تأخذ من الكسر شيئًا، إذا كانت الورق مائتي درهم فخذ منها خمسة دراهم، ولا تأخذ ممَّا زاد شيئًا حتَّى تبلغ أربعين درهمًا، فإذا بلغت أربعين درهمًا فخذ منها درهمًا ". قال الدَّارَقُطْنِيُّ: المنهال بن الجرَّاح متروك الحديث، وهو أبو العطوف، اسمه: الجرَّاح بن المنهال، وكان ابن إسحاق يقلب اسمه إذا روى عنه؛ وعبادة بن نَُسَي لم يسمع من معاذ (2). قلت: قال يحيى بن معين: ليس حديث الجرَّاح بن المنهال بشيءٍ (3). وقال ابن المدينيِّ: لا يكتب حديثه (4). وقال النَّسائيُّ: متروك الحديث (5). وقال ابن حِبَّان: كان يكذب (6). *****
مسألة (324): يضم الذهب إلى الفضة في إكمال النصاب.
مسألة (324): يضمُّ الذَّهب إلى الفضَّة في إكمال النِّصاب. وعنه: لا يضمُّ، كقول الشَّافعيِّ. احتجُّوا بحديثين: الحديث الأوَّل: حديث أبي سعيد الخدريِّ عن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس فيما دون خمس أواقٍ صدقة ". وهو في "الصَّحيحين"، وقد سبق بإسناده (1). 1546 - والثَّاني: رواه الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا عثمان بن أحمد الدَّقاق ثنا محمَّد ابن الفضل بن سلمة ثنا عبد الله بن محمَّد بن أبي شيبة ثنا عليُّ بن هانئ (2) عن ابن أبي ليلى عن عبد الكريم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " ليس في أقلِّ من خمس ذودٍ شيءٌ، ولا في أقلِّ من عشرين مثقالاً من الذَّهب شيءٌ، ولا في أقل من مائتي درهم شيءٌ " (3). ز: هذا الحديث لم يخرجه أحدٌ من أصحاب السُّنن. وقوله في الإسناد: (عليُّ بن هانئ) تصحيفٌ، والصَّواب: عليُّ بن هاشم، وهو: ابن البريد، وهو صدوقٌ، شيعيٌّ، روى له مسلمٌ في "صحيحيه " (4). وابن أبي ليلى هو: محمَّد بن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى، الفقيه، القاضي،
مسألة (325): لا تجب الزكاة في الحلي المباح.
وهو صدوقٌ، لكنَّه سيء الحفظ، وفي حديثه اضطراب. وعبد الكريم هو: ابن مالك الجزريُّ، وهو ثقةٌ من رجال "الصَّحيحين" (1)؛ ويحتمل أن يكون: ابن أبي المخارق، وقد تكلَّم فيه غير واحدٍ من الأئمة، والله أعلم O. ***** مسألة (325): لا تجب الزَّكاة في الحلي المباح. وعنه: فيه الزَّكاة، كقول أبي حنيفة. وعن الشَّافعيِّ كالمذهبن. 1547 - أنبأنا أحمد بن الحسن بن البنا قال: أنبأنا أبو الطَّيِّب الطَّبريُّ ثنا أبو محمَّد عبد الله بن محمَّد ثنا أحمد بن المظفَّر ثنا أحمد بن عمير بن جوصا ثنا إبراهيم بن أيُّوب ثنا عافية بن أيُّوب عن ليث بن سعد عن أبي الزُّبير عن جابر عن النَّبيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّه قال: " ليس في الحلي زكاةٌ ". قالوا: عافية ضعيفٌ. قلنا: ما عرفنا أحدًا طعن فيه. قالوا: فقد روي الحديث موقوفًا على جابر. قلنا: الرَّاوي قد يسند الشَّيء تارةً، ويفتي به أخرى.
ز: الصَّواب وقف هذا الحديث على جابر. وعافية: لا نعلم أحدًا تكلَّم فيه، وهو شيخٌ محلُّه الصَّدق، قال عبد الرَّحمن بن أبي حاتم: سئل أبو زرعة عن عافية بن أيُّوب فقال: أبو عبيدة عافية بن أيُّوب، مصريٌّ، ليس به بأسٌ (1). 1548 - وقد روى الشَّافعيُّ عن سفيان عن عمرو بن دينار قال: سمعت رجلاً يسأل جابر بن عبد الله عن الحلي: أفيه الزَّكاة؟ فقال جابر: لا. فقال: وإن كان يبلغ ألف دينار؟ فقال جابر: كثير (2). وقال الأثرم: سمع أبا عبد الله يقول: في زكاة الحلي عن خمسةٍ من أصحاب النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يرون فيه زكاةً، وهم: أنس وجابر وابن عمر وعائشة وأسماء (3) O. أمَّا حجَّتُهم: فلهم أحاديث، وهي على ضربين: عامة وخاصة. فالعامة ثلاثة أحاديث: الحديث الأوَّل: قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس فيما دون خمس أواق صدقة ". وقد سبق بإسناده من حديث أبي سعيدٍ (4)، وأخرجه مسلمٌ في أفراده
من حديث جابر عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1). الحديث الثَّاني: قوله عليه السَّلام: " هاتوا صدقة الرِّقَّة ". وقد ذكرناه بإسناده (2) في مسألة الخيل. قال ابن قتيبة: الرِّقَّة: الفضَّة، دراهم كانت أو غيرها (3). الحديث الثَّالث: قوله: " ليس في أقلِّ من عشرين مثقالاً من الذَّهب شيءٌ، ولا في أقلِّ من مائتي درهمٍ شيءٌ ". وقد ذكرناه بإسناده (4) في المسألة قبلها. وأمَّا الأحاديث الخاصة فثمانيةٌ: 1549 - الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا أبو معاوية ثنا حجَّاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه قال: أتت النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امرأتان في أيديهما أساور من ذهب، فقال لهما النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أتحبَّان أن يسوركما الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة أساور من نارٍ؟! " قالتا: لا. قال: " فأدِّيا حقَّ الله في الِّذي في أيديكما " (5).
طريقٌ ثانٍ: رواه المثنَّى بن الصَّبَّاح عن عمرو بن شعيب كما ذكرناه. طريقٌ ثالثٌ: رواه ابن لهيعة عن عمرو كذلك. 1550 - طريقٌ رابعٌ: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا الحسين بن إسماعيل ثنا يوسف بن موسى ثنا أبو أسامة عن حسين بن ذكوان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه قال: جاءت امرأةٌ وابنتها من أهل اليمن إل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفي يدها مسكتان غليظتان من ذهبٍ، فقال: " هل تعطين زكاة هذا؟ " قالت: لا. قال: " فيسرُّك أن يسوِّرك الله بسوارين من نارٍ؟! " قال: فخلعتهما، وقالت: هما لله ولرسوله (1). 1551 - الحديث الثَّاني: قال أحمد: ثنا عليُّ بن عاصم عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد قالت: دخلت أنا وخالتي على النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعلينا أسورةٌ من ذهبٍ، فقال لنا: " تعطيان زكاته؟ " فقلنا: لا. فقال: " أما تخافان أن يسوِّركما الله أسورة من نار؟! أدِّيا زكاته (2). 1552 - الحديث الثالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمَّد بن سليمان النُّعمانيُّ ثنا أبو عتبة أحمد بن الفرح ثنا عثمان بن سعيد بن كثير ثنا محمَّد بن مهاجر عن ثابت بن عجلان قال: حدَّثني عطاء عن أمِّ سلمة أنَّها كانت تلبس أوضاحًا من ذهبٍ، فسألت عن ذلك نبيَّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت: أكنزٌ هو؟ فقال: " إذا أدَّيت زكاته فليس بكنزٍ " (3). 1553 - الحديث الرَّابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا البغويُّ ثنا محمَّد بن هارون أبو نَشِيط ثنا عمرو بن الرَّبيع بن طارق ثنا يحيى بن أيُّوب عن عبيد الله بن
أبي جعفر أنَّ محمَّد بن عطاء أخيره عن عبد الله بن شدَّاد بن الهاد أنَّه قال: دخلنا على عائشة زوج النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت: دخل عَلَيَّ رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرأى في يدي فتخاتٍ من ورقٍ، فقال: " ما هذا يا عائشة؟ " فقلت: صنعتهن أتزيَّن لك فيهنَّ. فقال: " أتؤدِّين زكاتهنَّ؟ " قلت: لا- أو: ما شاء الله من ذلك-. قال: " هنَّ حسبك من النَّار " (1). 1554 - الحديث الخامس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا أحمد بن محمَّد بن سعيد ثنا يعقوب بن يوسف بن زياد ثنا نصر بن مزاحم ثنا أبو بكر الهذليُّ قال: حدَّثني شعيب بن الحبحاب عن الشَّعبيِّ قال: سمعت فاطمة بنت قيسٍ تقول: أتيت رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بطوقٍ فيه سبعون مثقالاً من ذهب، فقلت: يا رسول الله، خذ منه الفريضة. فأخذ منه مثقالاً وثلاثة أرباع مثقال (2). 1555 - الحديث السَّادس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا عبد الرَّحمن بن أحمد ابن عبد الله الختليُّ ثنا إسماعيل بن إبراهيم بن غالب الزَّعفرانيُّ ثنا أبي ثنا صالح ابن عمرو عن أبي حمزة ميمون عن الشَّعبيِّ عن فاطمة بنت قيسٍ أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " في الحلي زكاةٌ " (3). 1556 - الحديث السَّابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا محمَّد بن أحمد بن الحسن الصَّوَّاف ثنا حامد بن شعيب ثنا سُريج (4) ثنا عليُّ بن ثابت عن يحيى بن أبي أنيسة عن حمَّاد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال: قلت للنَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ لامرأتي حليًّا من عشرين مثقالاً. قال: " فأدِّ زكاته نصف
مثقال " (1). 1557 - الحديث الثامن: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا أحمد بن محمَّد بن سعيد ثنا أحمد بن محمَّد بن مقاتل الرَّازيُّ ثنا محمَّد بن الأزهر ثنا قبيصة عن سفيان عن حمَّاد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله أنَّ امرأةً أتت نبيَّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: إنَّ لي حليًّا، وإنَّ زوجي خفيف ذات اليد، وإنَّ لي بني أخٍ، أفيجزئ عنِّي أن أجعل زكاة الحلي فيهم؟ قال: " نعم " (2). والجواب: أمَّا الأحاديث العامة: فمحمولةٌ على المال المرصد للتِّجارة، وهو غير الحلي بأدلَّتنا. وأمَّا الخاصة: فكلُّها ضعافٌ. أمَّا حديث عمرو بن شعيب: ففي طريقه الأوَّل: حجَّاج بن أرطأة، قال أحمد بن حنبل: حجَّاج يزيد في الأحاديث، ويروي عمَّن لم يلقه، لايحتجُّ به (3). وكذا قال يحيى (4) والدَّارَقُطْنِيُّ (5): لا يحتجُّ به (6).
وأمَّا طريقه الثَّاني: ففيه المثنَّى بن الصَّبَّاح، قال أحمد (1) وأبو حاتم الرَّازيُّ (2): لا يساوي شيئًا، هو مضطرب الحديث. وقال النَّسائيُّ: متروك الحديث (3). وقال يحيى: ليس بشيءٍ (4). وقال ابن حِبَّان: تركه ابن المبارك ويحيى القطَّان وابن مهديٍّ ويحيى بن معين وأحمد بن حنبل (5). وأمَّا طريقه الثَّالث: ففيه ابن لهيعة، وكان يحيى بن سعيد لا يراه شيئًا (6). وقال أبو زرعة: ليس ممَّن يحتجُّ به (7). وأمَّا طريقه الرَّابع: ففيه حسين بن ذكوان، وقد أخرج عنه في الصِّحاح، لكن قال يحيى بن معين: فيه اضطرابٌ (8). وقال العقيليُّ: هو ضعيفٌ (9). وأمَّا حديث أسماء بنت يزيد: ففيه شهر بن حوشب، قال ابن عَدِيٍّ: لا يحتجُّ بحديثه (10). وقال ابن حِبَّان: كان يروي عن الثِّقات المعضلات (11). وفيه: عبد الله بن عثمان بن خثيم، قال يحيى بن معين: أحاديثه ليست
بالقويَّة (1). وفيه: عليُّ بن عاصم، قال يزيد بن هارون: ما زلنا نعرفه بالكذب (2). وكان أحمد سيء الرَّأي فيه (3)، وقال يحيى: ليس بشيءٍ (4). وقال النَّسائيُّ: متروك الحديث (5). وأمَّا حديث أمِّ سلمة: ففيه محمَّد بن مهاجر (6)، قال صالح بن محمَّد الأسديُّ: هو أكذب خلق الله (7). وقال ابن عقدة: ليس بشيءٍ، ضعيفٌ، ذاهبٌ (8). وقال ابن حِبَّان: يضع الحديث على الثِّقات، ويزيد في الأخبار ألفاظًا يسوِّيها على مذهبه (9). وقد رواه أبو داود من حديث عتَّاب بن بشير (10)، قال ابن المدينيِّ: ضربنا (11) على حديثه (12). وأمَّا حديث عائشة: ففيه محمَّد بن عطاء، قال الدَّارَقُطْنِيُّ: هو مجهولٌ (13).
وفيه: يحيى بن أيُّوب، قال أبو حاتم الرَّازيُّ: لا يحتجُّ به (1). وأمَّا حديث فاطمة بنت قيسٍ الأوَّل: ففيه أبو بكر الهذليُّ، قال الدَّارَقُطْنِيُّ: لم يأت بهذا الحديث غيره، وهو متروك الحديث (2). وقال غندر: هو كذَّابٌ (3). وقال يحيى (4) وابن المدينيِّ (5): ليس بشيءٍ. وفيه: نصر بن مزاحم، قال أبو خيثمة: كان كذَّابًا (6). وقال يحيى: ليس حديثه بشيءٍ (7). وقال أبو حاتم الرَّازيُّ: متروك الحديث (8). وأمَّا حديثها الثَّاني: ففيه ميمون، قال أحمد: متروك الحديث (9). وقال يحيى: ليس بشيءٍ، لا يكتب حديثه (10). وقال النَّسائيُّ: ليس بثقةٍ (11). وأمَّا حديث ابن مسعود: ففيه يحيى بن أبي أنيسة، قال أحمد: هو متروك (12). وقال عليٌّ (13) ويحيى (14): لا يكتب حديثه. وقال ابن حِبَّان:
لا يجوز الاحتجاج به بحالٍ (1). قال الدَّارَقُطْنِيُّ: يحيى متروكٌ، ورفع هذا الحديث وهمٌ، والصَّواب أنَّه مرسلٌ موقوفٌ (2). وأمَّا حديثه الثَّاني: فقال الدَّارَقُطْنِيُّ: هو وهمٌ، والصَّواب عن إبراهيم عن عبد الله مرسلٌ موقوفٌ (3). ز: حديث عمرو بن شعيب: رواه أبو داود عن أبي كامل وحميد بن مسعدة عن خالد بن الحارث عن حسين المعلَّم (4). وقال البيهقيُّ: ينفرد به عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدَّه (5). ورواه التِّرمذيُّ عن قتيبة عن ابن لهيعة عن عمرو بنحوه: أنَّ امرأتين أتتا النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفي أيديهما سواران ... الحديث، وقال: لا يصحُّ في هذا الباب عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيءٌ (6). ورواه النَّسائيُّ عن إسماعيل بن مسعود عن خالد عن حسين، وعن محمَّد بن عبد الأعلى عن المعتمر بن سليمان عن حسين المعلِّم عن عمرو، قال: جاءت امرأةٌ ... فذكره مرسلاً. وقال: خالد بن الحارث أثبت عندنا من معتمر، وحديث معتمر أولى بالصَّواب، والله أعلم (7).
وقال أبو عبيد: لا نعلم هذا الحديث إلا من وجهٍ قد تكلَّم النَّاس فيه قديمًا وحديثًا (1). وحسين بن ذكوان المعلِّم: روى له البخاريُّ ومسلمٌ في "صحيحيهما" (2)، ووثَّقه ابن معين (3) وأبو حاتم (4) والنَّسائيُّ (5)، وقال أبو زرعة: ليس به بأسٌ (6). ووهم المؤلِّف في قوله: (قال يحيى بن معين: فيه اضطرابٌ) فإنَّ الَّذي قال ذلك هو يحيى بن سعيد (7). ووهم أيضًا في قوله في المثنَّى بن الصَّبَّاح: (قال ابن حِبَّان: تركه ابن المبارك ... إلى آخره) فإنَّه إنَّما قال ذلك في العرزميِّ (8)! ولم يذكر من الجماعة أحمد بن حنبل، وإن كان أحمد قد قال في العرزميِّ: ترك النَّاس حديثه (9). لكن ابن حِبَّان لم يحك عنه ذلك. ثُمَّ رأيت ابن حِبَّان قد ذكر هذا الكلام الَّذي حكاه عنه المؤلِّف بعينه في الحجَّاج بن أرطأة (10)، وفي قول ابن حِبَّان نظرٌ، فإنَّ هؤلاء الَّذين ذكرهم لم
يتركوا كلُّهم الحجاج، بل تركه بعضهم (1)، والله الموفِّق. وقد وهم المؤلِّف أيضًا وهمًا قبيحًا في تضعيفه محمَّد بن مهاجر الرَّاوي عن ثابت بن عجلان، فإنَّه ثقةٌ شاميٌّ، وثَّقه أحمد (2) وابن معين (3) وأبو زرعة الدِّمشقيُّ (4) ودحيم (5) وأبو داود (6) وغيرهم، وقال النَّسائيُّ: ليس به بأسٌ (7). وذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثِّقات" وقال: كان متقنًا (8). وروى له مسلمٌ في "صحيحه" (9). وأمَّا محمَّد بن مهاجر الكذَّاب: فإنَّه متأخرٌ في زمان ابن معين. وقد روى حديث أمِّ سلمة: أبو داود عن محمَّد بن عيسى عن عتَّاب بن بَشير عن ثابت بن عجلان عن عطاء (10)، ورواه الحاكم وقال: صحيحٌ على شرط البخاريِّ، ولم يخرجاه (11). وقال البيهقيُّ: ينفرد به ثابت بن عجلان (12). وعتَّاب بن بَشير: وثَّقه يحيى بن معين (13)، وروى له البخاريُّ في
المتابعات (1)، وقال الإمام [أحمد] (2): أرجو أن لا يكون به بأسٌ (3) وقال ابن عَدِيٍّ: أرجو أنَّه لا بأس به (4). وثابت بن عجلان: روى له البخاريُّ (5)، ووثَّقه ابن معين (6)، وقال عبد الله بن أحمد: قلت لأبي: هو ثقةٌ؟ فسكت، كأنَّه مرَّض في أمره (7). وروى حديث عبد الله بن شدَّاد عن عائشة: أبو داود عن أبي حاتم الرَّازيِّ عن عمرو بن الرَّبيع بن طارق عن يحيى بن أيُّوب عن عبيد الله بن أبي جعفر عن محمَّد بن عمرو بن عطاء عن عبد الله بن شدَّاد (8). ومحمَّد بن عمرو بن عطاء ليس بمجهولٍ، لكنَّه لمَّا نسب إلى جدِّه ظنَّ الدَّارَقُطْنِيُّ أنَّه مجهولٌ، وليس كذلك. وقد قيل: إنَّ الحديث من مناكير يحيى بن أيُّوب، وإن كان من رجال "الصَّحيحين" O. ***** (1) " التعديل والتجريح" للباجي: (3/ 1037 - رقم: 1203). وفي هامش الأصل: (حـ: قال شيخنا: " روى له خ " ولم يقل متابعة) أ. هـ وانظر "تهذيب الكمال" لشيخه: (19/ 286 - رقم: 3763). (2) سقطت من الأصل و (ب). (3) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (7/ 13 - رقم: 56) من رواية أبي طالب. (4) "الكامل": (5/ 357 - رقم: 1517). (5) "التعديل والتجريح" للباجي: (1/ 448 - رقم: 181). (6) "التاريخ" برواية الدارمي: (ص: 84 - رقم: 206). (7) "العلل": (3/ 97 - رقم: 4358). (8) "سنن أبي داود": (2/ 314 - رقم: 1560).
مسألة (326): الدين يمنع وجوب الزكاة الأموال الباطنة، وهل
مسألة (326): الدَّين يمنع وجوب الزَّكاة الأموال الباطنة، وهل يمنع في الظَّاهرة؟ على روايتين: أصحُّهما المنع؛ وا أخرى لا يمنع، وبها قال مالك. وعن الشَّافعيِّ: أنَّه يمنع بكلِّ حالٍ، وعنه: لا يمنع بحالٍ. لنا ثلاثة أحاديث: 1558 - الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا وكيع ثنا زكريا بن إسحاق عن يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبي معبد عن ابن عبَّاس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمَّا بعث معاذ بن جبل إلى اليمن، قال: " إنَّك تأتي قومًا أهل كتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأنِّي رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أنَّ الله عزَّ وجلَّ فرض عليهم خمس صلوات في كلِّ يوم وليلةٍ، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أنَّ الله افترض عليهم صدقةً في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم وتردُّ في فقرائهم " (1). أخرجه البخاريُّ ومسلمٌ في "الصَّحيحين" (2). ووجه الحجَّة منه: أنَّ من عليه مثل ما معه فهو فقيرٌ. 1559 - الحديث الثَّاني: أنا محمَّد بن عبد الباقي أنا أبو القاسم عليُّ بن أحمد أنا أبو سهل محمود بن عمر العكيريُّ أنا أبو طالب عبد الله (3) بن محمَّد بن
شهاب ثنا موسى بن حمدون ثنا حامد بن يحيى البلخيُّ ثنا سفيان عن الزُّهريِّ قال: سمعت السَّائب بن يزيد يقول: سمعت عثمان بن عفَّان يقول: هذا شهر زكاتكم، فمن كان عليه دينٌ فليقضه، وزكُّوا بقيَّة أموالكم. ز: رواه أبو عبيد في "الأموال" عن إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب (1)، ورواه البخاريُّ [بمعناه] (2) عن أبي اليمان عن شعيب عن الزُّهريِّ (3) O. 1560 - الحديث الثَّالث: قال أصحابنا: روى أبو (4) نصر المالكيُ (5) عن ابن جريج عن نافع عن ابن عمر عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " إذا كان للرَّجل ألف درهم، وعليه ألف درهم، فلا زكاة فيه ". ز: هذا حديثٌ منكرٌ، يشبه أن يكون موضوعًا (6). 1561 - وقال صاحب "المغني": وروى أصحاب مالك عن عمير بن عمران عن شجاع عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا كان لرجلٍ ألف درهم، وعليه ألف درهم، فلا زكاة عليه " (7) O. *****
مسألة (327): تجب الزكاة في عروض التجارة، يخرجها عن كل
مسألة (327): تجب الزَّكاة في عروض التِّجارة، يخرجها عن كلِّ حولٍ. وقال مالك: إن كان ممَّن يتربص بسلعته النَّفاق والأسواق لم يجب تقويمها حتَّى يبيعها بذهبٍ أو ورقٍ، ويزكِّي لسنةٍ واحدةٍ، وإن كان مديرًا لا يعرف حول ما يشتري ويبيع، جعل لنفسه شهرًا في السَّنة، يقوِّم ماعنده (1) ويزكِّيه. وقال داود: لا زكاة في العروض بحالٍ. لنا حديثان: 1562 - الحديث الأوَّل: قال أبو داود السِّجستانيُّ: ثنا محمَّد بن داود ابن سفيان ثنا يحيى بن حسَّان ثنا سليمان بن موسى أبو داود ثنا جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب قال: حدَّثني خُبيب بن سليمان عن أبيه سليمان بن سمرة عن سمرة بن جندب قال: كان رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمرنا أن نخرج الصَّدقة من الَّذي نُعِدُّ للبيع (2). ز: انفرد أبو داود بإخراج هذا الحديث، وإسناده حسنٌ غريبٌ، وقد روى به أبو داود أحاديث (3).
1563 - وروى هذا الحديث الطَّبرانيُّ مطولاً، فقال: حدَّثنا عبدان بن أحمد ثنا دحيم ثنا يحيى بن حسَّان حدَّثني سليمان بن موسى ثنا جعفر بن سعد حدَّثني خبيب بن سليمان عن أبيه عن سمرة بن جندب أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يأمر برقيق الرَّجل والمرأة، الَّذي هو تلاده- وهم في عمله لا يريد بيعهم- وكان يأمرنا أن لا نخرج عنهم من الصَّدقة شيئًا، وكان يأمرنا أن نخرج الصَّدقة من الَّذي نُعِدُّ للبيع (1) O. 1564 - الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا أحمد بن منصور ثنا أبو عاصم عن موسى بن عبيدة قال: حدَّثني عمران بن أبي أنس عن مالك بن أوس بن الحدثان قال: بينا أنا جالسٌ عند عثمان، جاءه أبو ذرٍّ فسلَّم عليه، فقال له عثمان: كيف أنت يا أبا ذرٍّ؟ قال: بخيرٍ. ثُمَّ قام إلى سارية، فقام النَّاس إليه فاحتوشوه (2)، فكنت فيمن احتوشوه، فقالوا: يا أبا ذرٍّ، حدَّثنا عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " في الإبل صدقتها، وفي الغنم صدقتها، وفي البقر صدقتها، وفي البزِّ صدقته- قالها بالزَّاي- " (3). 1565 - قال أبو بكر النَّيسابوريُّ: وحدَّثنا جعفر بن محمَّد بن الحجَّاج (4) ثنا عبد الله بن معاوية ثنا محمَّد بن بكر عن ابن جريج عن عمران بن أبي أنس عن مالك بن أوس بن الحدثان عن أبي ذرٍّ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " في
الإبل صدقتها، وفي الغنم صدقتها، وفي البقر صدقتها، وفي البزِّ صدقته " (1). قال المؤلِّف: هذا الإسناد أصلح من الَّذي قبله- وإن كان فيه عبد الله ابن معاوية، وقد ضعَّفه النَّسائيُّ، وقال البخاريُّ: هو منكر الحديث (2) - فإنَّ الإسناد الَّذي قبله فيه موسى بن عبيدة، وكان أشدُّ ضعفًا، قال يحيى: ليس بشيءٍ (3). وقال أحمد بن حنبل: لا تحلُّ عندي الرِّواية عنه (4). ز: عبد الله بن معاوية الَّذي تكلَّم فيه البخاريُّ (5) والنَّسائيُّ (6) هو الزُّبيريُّ، من ولد الزُّبير بن العوَّام، يروي عن هشام بن عروة. وأمَّا راوي هذا الحديث: فهو الجمحيُّ، وهو صالح الحديث، وقال ابن القطَّان: لا يعرف حاله (7). وليس كما قال، بل هو مشهورٌ، روى عنه أبو داود وابن ماجة وغيرهما، وذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثَّقات" (8)، وكان من المعمَّرين. وقد روى هذا الحديث عن محمَّد بن بكر: يحيى بن موسى البلخيُّ (خت) (9) والإمام أحمد بن حنبل (10)، لكنَّه منطقعٌ، لم يسمعه ابن جريج من عمران (11) بن أبي أنس.
1566 - قال التِّرمذيُّ في كتاب "العلل": حدَّثنا يحيى بن موسى ثنا محمَّد بن بكر ثنا ابن جريج عن عمران بن أبي أنس عن مالك بن أوس بن الحدثان النصريِّ عن أبي ذرٍّ قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " في الإبل صدقتها، وفي الغنم صدقتها، وفي البقر صدقتها، وفي البزِّ صدقته ". ثُمَّ قال: سألت محمَّدًا عن هذا الحديث، فقال: ابن جريج لم يسمع من عمران بن أبي أنس، يقول: حُدِّثت عن عمران بن أبي أنس (1). 1567 - وقال الإمام أحمد في "المسند": حدَّثنا محمَّد بن بكر أنا ابن جريج عن عمران بن أبي أنس- بلغه عنه- عن مالك بن أوس بن الحدثان النصريِّ عن أبي ذرٍّ قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " في الإبل صدقتها، وفي الغنم صدقتها، وفي البقر صدقتها، وفي البزِّ صدقته " (2). ويحتمل أن يكون ابن جريج سمعه من موسى بن عبيدة. 1568 - وقد روى سعيد بن منصور والشَّافعيُّ (3) والإمام أحمد (4) وأبوعبيد (5) عن أبي عمرو بن حِمَاسٍ عن أبيه قال: أمرني عمر، فقال: أدِّ زكاة مالك. فقلت: مالي مالٌ إلا جعاب وأدمٌ. فقال: قوِّمها، ثُمَّ أدِّ زكاتها. 1569 - وقال الحاكم في "المستدرك": أخبرني دَعْلَج بن أحمد السِّجزيُّ- ببغداد- ثنا هشام بن عليِّ السَّدوسيُّ ثنا عبد الله بن رجاء ثنا سعيد ابن سلمة بن أبي الحسام ثنا عمران بن أبي أنس عن مالك بن أوس بن الحدثان
مسألة (328): الواجب في المعدن ربع العشر.
عن أبي ذرٍّ أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " في الإبل صدقتها، وفي الغنم صدقتها، وفي البقر صدقتها، وفي البزِّ صدقته، ومن رفع دنانير أو دراهم أو تبرًا أو فضَّةً لا يعدُّها لغريمٍ، ولا ينفقها في سبيل الله، فهو كنزٌ يكوى به يوم القيامة ". تابعه ابن جريج عن عمران بن أبي أنس: 1570 - أخبرناه أبو قتيبة سلم (1) بن الفضل الآدميُّ- بمكَّة- ثنا موسى بن هارون ثنا زهير بن حرب (2) ثنا محمَّد بن بكر عن ابن جريح عن عمران بن أبي أنس عن مالك بن أوس بن الحدثان عن أبي ذرٍّ قال: قال رسول اللهءصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " في الإبل صدقتها، وفي الغنم صدقتها، وفي البزِّ صدقته ". قال الحاكم: كلا الإسنادين صحيحان على شرط الشَّيخين ولم يخرجاه (3). كذا قال، وفيه نظرٌ، والله أعلم O. ***** مسألة (328): الواجب في المعدن ربع العشر. وقال أبو حنيفة: الخُمس. وعن الشَّافعيِّ كالمذهبين، وعنه: أنَّه إن أصاب المال مجتمعًا ففيه الخُمس، وإن كان متفرِّقًا، ولزمته مؤنةٌ، فربع العشر.
وعن مالك كقولنا، وعنه كالقول الأخير للشَّافعيِّ. لنا: 1571 - ما روى مالك عن ربيعة عن غير واحدٍ أنَّ النَّبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقطع بلال بن الحارث المعادن القبليَّة، وأخذ منه زكاتها (1). والزَّكاة لا تكون خُمسًا بحالٍ. فإن قيل: قوله: (عن غير واحدٍ) يقتضي الإرسال. قلنا: ربيعة قد لقي الصَّحابة، والجهل بالصَّحابيِّ لا يضرُّ، ولا يقال: هو مرسلٌ. 1572 - ثُمَّ رواه الدَّراورديُّ عن ربيعة عن الحارث بن بلال عن بلال (2) أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذ منه زكاة المعادن القبليَّة. قال ربيعة: وهذه المعادن تؤخذ منها الزَّكاة إلى هذا [الوقت] (3). ورواه ثور عن عكرمة عن ابن عبَّاس مثل حديث بلال. ز: 1573 - قال الشَّافعيُّ: أنا مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرَّحمن عن غير واحد من علمائهم أنَّ النَّبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قطع لبلال بن الحارث المزنيِّ معادن القبليَّة- وهي من ناحية الفُرْع-. فتلك المعادن لا تؤخذ منها إلا الزَّكاة (4) إلى
اليوم. قال الشَّافعيُّ: ليس هذا ممَّا يثبت أهل الحديث، ولو ثبَّتوه لم يكن فيه (1) رواية عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا إقطاعه، فأمَّا الزَّكاة في المعادن دون الخُمس فليست مرويَّةً عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه (2). قال البيهقيُّ: هو كما قال الشَّافعيُّ في رواية مالك، وقد روي عن عبد العزيز الدَّراورديِّ عن ربيعة موصولاً: 1574 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ ثنا محمَّد بن صالح بن هانئ ثنا الفضل بن محمَّد بن المسيَّب ثنا نعيم بن حمَّاد ثنا عبد العزيز بن محمَّد عن ربيعة بن أبي عبد الرَّحمن عن الحارث بن بلال بن الحارث عن أبيه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذ من المعادن القبليَّة الصَّدقة، وأنَّه أقطع بلال بن الحارث العقيق أجمع، فلمَّا كان عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه قال لبلال: إنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يُقْطِعك (3) إلا لتعمل. قال: فأقطع عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه للنَّاس العقيق (4). وقال الحاكم أبو عبد الله: هذا حديثٌ صحيحٌ لم يخرجاه، وقد احتجَّ البخاريُّ بنعيم بن حمَّاد، ومسلم بالدَّراورديِّ (5). كذا قال، ونعيم والدَّراورديِّ لهما ما ينكر، والحارث لا يعرف حاله، وقد تكلَّم الإمام أحمد بن حنبل في حديثٍ رواه الدَّراورديُّ عن ربيعة عن الحارث.
والصَّواب في هذا الحديث رواية مالك، والله أعلم. والقَبَليَّة- بفتح القاف والباء-: قيل: منسوبةٌ إلى ناحيةٍ من ساحل البحر، بينها وبين المدينة خمسة أيَّام؛ وقال أبو عبيد: القَبَلَيَّة: بلادٌ معروفةٌ بالحجاز. وفد احتج من أوجب في المعدن الخُمس: 1575 - بما روى البيهقيُّ قال: أخبرنا أبو الحسن عليُّ بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصَّفَّار ثنا عليُّ بن الصَّقر ثنا داود بن عمرو ثنا حبان بن عليٍّ عن عبد الله بن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الرِّكاز الذَّهب الَّذي ينبت في الأرض ". 1576 - قال: ورواه أبو يوسف عن عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن جدِّه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " في الرِّكاز الخُمس ". قيل: وما الرِّكاز يا رسول الله؟ قال: " الذَّهب والفضَّة الَّذي خلقه الله في الأرض يوم خلقت ". حدَّثناه أبو سعد الزَّاهد ثنا أبو العبَّاس بن ميكال ثنا إسماعيل بن إبراهيم الفقيه- بفارس- ثنا محمَّد بن الحسن ثنا بشر بن الوليد الكنديُّ ثنا أبو يوسف فذكره. وقد رواه سعيد والجوزجانيُّ بإسنادهما، وهو حديثٌ لا يصلح للاحتجاج به، لأنَّ عبد الله بن سعيد المقبريَّ تفرَّد به، وهو ضعيفٌ جدًا، جرحه يحيى بن سعيد القطَّان وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وجماعة من أئمة الحديث (1).
1577 - وروى مكحول أنَّ عمر بن الخطَّاب رضي الله [عنه] (1) جعل المعدن بمنزلة الرِّكاز، فيه الخُمس. وهو منقطعٌ، فإنَّ مكحولاً لم يدرك زمان عمر (2) O. *****
مسألة (329): تجب صدقة الفطر على الإنسان عن غيره.
مسائل زكاة الفطر مسألة (329): تجب صدقة الفطر على الإنسان عن غيره. وقال داود: لا تجب عليه إلا فطرة نفسه. 1578 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أحمد بن محمَّد بن سعيد ثنا القاسم بن عبد الله بن عامر بن زرارة ثنا عمير بن عمَّار الهمدانيُّ ثنا الأبيض بن الأغرِّ قال: حدَّثني الضَّحاك بن عثمان عن نافع عن ابن عمر قال: أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بصدقة الفطر عن الصَّغير والكبير، والحرِّ والعبد، ممَّن يمونون (1). ز: هذا إسنادٌ لا يثبت، لجهالة بعض رواته، فإنَّ القاسم وعميرًا غير مشهورين بعدالةٍ ولا جرحٍ، وكلاهما من أولاد المحدِّثن، فإنَّ والد القاسم مشهورٌ بالحديث، وجدُّ عمير هو: أبو الغريف الهمدانيُّ، الكوفيُّ، مشهورٌ. والأبيضى بن الأغر له مناكير، والله أعلم. ثُمَّ رأيت الدَّارَقُطْنِيَ قد تكلَّم عليه، فقال: رفعه هذا الشَّيخ (القاسم) وليس بالقويِّ، والصَّواب موقوفٌ (2). 1579 - وقال الشَّافعيُّ: أخبرنا إبراهيم بن محمَّد عن جعفر عن أبيه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرض زكاة الفطر على الحرِّ والعبد، والذَّكر والأنثى، ممَّن
يمونون (1) قال البيهقي: ورواه حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمَّد عن أبيه عن عليٍّ قال: فرض رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على كلِّ صغيرٍ أو كبيرٍ، حرٍّ أو عبدٍّ، ممَّن يمونون صاعًا من شعير، أو صاعًا من تمرٍ، أو صاعًا من زبيبٍ، عن كلِّ إنسان (2). وهذا الإسناد منطقعٌ، والأوَّل مرسلٌ، والله أعلم، لكن قال الشَّافعيُّ: يعضده حديث ابن عمر والإجماع (3). 1580 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أحمد بن محمَّد بن سعيد ثنا محمَّد بن المفضَّل بن إبراهيم الأشعريُّ ثنا إسماعيل بن همَّام حدَّثني عليُّ بن موسى الرِّضا عن أبيه عن جدِّه عن آبائه أنَّ النَّبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرض زكاة الفطر على الصَّغير والكبير، والذكر والأنثى، ممَّن تمونون قال الدَّارَقُطْنِيُّ: لا يثبت (4). وقال البيهقيُّ: إسناده غير قويٍّ (5) O. *****
مسألة (330): لا تلزمه فطرة عبده الكافر.
مسألة (330): لا تلزمه فطرة عبده الكافر. وقال أبو حنيفة: تلزمه. 1581 - قال أبو عيسى التِّرمذيُّ: ثنا إسحاق بن موسى الأنصاريُّ ثنا معن ثنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنَّ رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرض زكاة الفطر من رمضان، صاعًا من تمرٍ، أو صاعًا من شعيرٍ، على كل حرٍّ وعبدٍ، ذكرٍ وأنثى، من المسلمين (1). أخرجه البخاريُّ ومسلمٌ في "الصَّحيحين" (2). ز: ذكر أبو عيسى التِّرمذيُّ أنَّ مالكًا تفرَّد من بين الثِّقات بزيادة قوله: (من المسلمين)، وروى عبيد الله بن عمر وأيُّوب وغيرهما هذ الحديث عن نافع عن ابن عمر دون هذه الزِّيادة. وقد تبع التِّرمذيُّ على قوله هذا غيرُ واحدٍ؛ وليس الأمر كما قالوا، بل قد وافق مالكًا فيها ثقتان، وهما: الضَّحاك بن عثمان وعمر بن نافع، فرواية الضَّحاك في مسلم (3)، ورواية عمر في البخاريِّ (4)، وقد وافقه غيرهما أيضًا، والله أعلم O. احتجُّوا: 1582 - بما روى الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أبو ذرٍّ أحمد بن محمَّد الواسطيُّ ثنا
سعدان بن نمر ثنا هاشم بن القاسم ثنا سلام الطَّويل عن زيدٍ العَميِّ عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صدقة الفطر عن كلِّ صغيرٍ وكبيرٍ، ذكرٍ وأنثى، يهوديٍّ أونصرانيٍّ، حرٍّ أو مملوكٍ، نصف صاعٍ من برٍّ، أو صاعٌ من تمرٍ، أو صاعٌ من شعيرٍ ". قال المؤلِّف: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: لم يسنده غير سلام الطَّويل، وهو متروكٌ (1). قلت: قال يحيى بن معين: لا يكتب حديثه (2). وضعَّفه ابن المدينيِّ جدًّا (3)، وقال النَّسائيُّ: متروك الحديث (4). وقال ابن حِبَّان: يروي عن الثِّقات الموضوعات (5). 1583 - وقد روى عثمان بن عبد الرَّحمن الوقَّاصيُّ عن نافع عن ابن عمر أنَّه كلان يخرج عن كلِّ كافرٍ ومسلمٍ. قال يحيى بن معين: الوقَّاصيُّ يكذب (6). *****
مسألة (331): لا يعتبر ملك النصاب في الفطرة.
مسألة (331): لا يعتبر ملك النِّصاب في الفطرة. وقال أبو حنيفة: يعتبر. 1584 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا العبَّاس بن العبَّاس بن المغيرة ثنا أحمد بن منصور الرَّماديُّ ثنا سليمان بن حربٍ ثنا حمَّاد بن زيدٍ عن النُّعمان بن راشد عن الزُّهريِّ عن ثعلبة بن صُعَير (1) عن أبيه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أدُّوا صاعًا من قمحٍ- أو قال: برٍّ - عن الصَّغير والكبير، والذَّكر والأنثى، والحرِّ والمملوك، والغنيِّ والفقير، أمَّا غنيُّكم فيزكِّيه الله، وأمَّا فقيركم فيردُّ الله عليه أكثر ممَّا أعطى ". رواه الدَّارَقُطْنِيُّ من طريقٍ أخرى عن عبد الله بن ثعلبة بن صُعَير (2)، وهو الصَّحيح، لأنَّ ثعلبة هو الصَّحابيُّ لا صُعَير. ز: هذا حديثٌ مضطرب الإسناد والمتن، وقد تكلَّم فيه الإمام أحمد بن حنبل وغيره، وأنا أذكر بعض ألفاظه، وبعض ما قيل فيه: 1585 - قال الحافظ أبو حامد أحمد بن محمَّد بن الشَّرقيِّ: حدَّثنا محمَّد ابن يحيى الذُهْلِيُّ ثنا موسى بن إسماعيل المنقريُّ أبو سلمة ثنا همَّام عن (3) بكرٍ الكوفي أنَّ الزُّهريَّ حدَّثهم عن عبد الله بن ثعلبة بن صُعَير عن أبيه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام خطيبًا، فأمر بصدقة الفطر: صاعُ تمرٍ أو صاع شعيرٍ، عن كلِّ واحدٍ - أو عن كلِّ رأسٍ -، عن الصَّغير والكبير، والحرِّ والعبد. قال محمَّد- هو ابن يحيى الذُّهْلِيُّ (4) -: لم يقم أحدٌ هذا الحديث عن
الزُّهريِّ عن عبد الله بن ثعلبة إلا همَّام عن بكر، وبكر: هو ابن وائل، فوافق روايته (1) رواية ابن عمر عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 1586 - وقال أبو القاسم سليمان بن أحمد الطَّبرانيُّ الحافظ: حدَّثنا محمَّد بن أبان الأصبهانيُّ ثنا محمَّد بن عبد الملك الواسطيُّ ثنا عمرو بن عاصم ثنا همَّام عن بكر بن وائل عن الزُّهريِّ عن عبد الله بن ثعلبة بن صُعَير عن أبيه أنَّ النَبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام خطيبًا، فأمر بصدقة الفطر على الصَّغير والكبير، والحرِّ والعبد، صاع تمرٍ أو صاع شعيرٍ، عن كلِّ واحدٍ- أو عن كلِّ رأسٍ - صاعُ (2) قمحٍ بين اثنين (3). 1587 - وقال أبو إسحاق الجوزجانيُّ: حدَّثنا سليمان بن حرب ثنا حمَّاد ابن زيدٍ عن النُّعمان عن الزُّهريِّ عن ثعلبة عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أدُّوا صدقة الفطر، صاعًا من قمحٍ- أو قال: بُرٍّ- عن كل إنسانٍ، صغيرٍ أو كبيرٍ" (4). 1588 - وقال الإمام أحمد بن حنبل: حدَّثنا عفَّان قال: سألت حمَّاد بن زيد عن صدقة الفطر، فحدَّثني عن نعمان بن راشد عن الزُّهريِّ عن ابن ثعلبة بن أبي صُعَير عن أبيه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أدُّوا صاعًا من قمحٍ- أو صاعًا من تمرٍ (5)، وشكَّ حمَّاد-، عن كلِّ اثنين صغيرٍ أو كبيرٍ، ذكرٍ أو أنثى، حرٍّ أو مملوكٍ، غنٍّي أو فقيرٍ، أمَّا غنيُّكم فيزكِّيه الله، وأمَّا فقيركم فيردُّ عليه أكثر ممَّا يعطي " (6).
رواه أبو داود عن محمَّد بن يحيى النَّيسابوريِّ (1). وعن عليِّ بن الحسن الدَّرَابجِرديِّ عن عبد الله بن يزيد عن همَّام عن بكر عن الزُّهريِّ عن ثعلبة بن عبد الله- أو قال: عبد الله بن ثعلبة- عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (2). وعن مسدَّد وسليمان بن داود العتكيِّ عن حمَّاد بن زيد عن النُّعمان بن راشد عن الزُّهريِّ- قال مسدَّد: عن ثعلبة بن عبد الله بن أبي صُعير (3) عن أبيه. وقال سليمان: عبد الله بن ثعلبة أو ثعلبة بن عبد الله بن أبي صُعير عن أبيه- بمعناه (4). وعن أحمد بن صالح عن عبد الرَّزَّاق عن ابن جريج قال: وقال ابن شهاب: قال عبد الله بن ثعلبة: خطب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل الفطر بيومين بمعناه (5). ورواه الإمام أحمد عن عبد الرَّزَّاق أيضًا هكذا (6). ورواه الإمام أبو بكر محمَّد بن إسحاق بن خزيمة في "صحيحه" عن محمَّد بن يحيى عن موسى بن إسماعيل المنقريِّ عن همام عن بكرٍ الكوفيِّ (7). قال مُهنَّا: ذكرت لأحمد حديث ثعلبة بن أبي صُعير في صدقة الفطر
نصفُ صاعٍ من برٍّ، فقال: ليس بصحيحٍ، إنَّما هو مرسلٌ، يرويه معمر وابن جريج عن الزُّهريِّ مرسلاً. قلت: مِنْ قِبَل مَنْ هذا؟ قال: مِن قِبَل النُّعمان بن راشد، ليس هو بقويٍّ في الحديث. وضعَّف حديث ابن أبي صُعير، وسألته عن ابن أبي صُعَير: أمعروفٌ هو؟ قال: من يعرف ابن أبي صُعَير؟ ليس هو بمعروفٍ (1). وذكر أحمد وعليُّ بن المدينيِّ= ابن أبي صُعَير فضعَّفاه جميعًا (1). وقال ابن عبد البرِّ: ليس دون الزُّهريِّ مَنْ تقوم به حجَّةُ (2). وقال الجوزجانيُّ: والنِّصف صاعٍ ذكره عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وروابته ليس تثبت (3). وكذلك تكلَّم فيه ابن المنذر (4). والنُّعمان بن راشد: قال معاوية عن يحيى بن معين: ضعيفٌ (5). وقال عبَّاس عن يحيى: ليس بشيءٍ (6). وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه: مضطرب الحديث (7). وقال البخاريُّ: في حديثه وهمٌ كثيرٌ، وهو صدوقٌ في الأصل (8). وقال ابن عَدِيٍّ: والنُّعمان بن راشد قد احتمله النَّاس، روى عنه الثِّقات، مثل: حمَّاد بن زيدٍ وجرير بن حازمٍ ووهيب بن خالدٍ وغيرهم من
الثِّقات، وله نسخةٌ عن الزُّهريِّ، لا بأس به (1). وقال شيخنا أبو الحجَّاج في " التَّهذيب ": (خ د س) عبد الله بن ثعلبة ابن صُعَير- ويقال: ابن أبي صُعَير- العذريُّ، أبو محمَّد المدنيُّ، الشاعر، حليف بني زهرة، ويقال: ثعلبة بن عبد الله بن صُعَير، وأمُّه من بني زهرة، مسح رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجهه ورأسه زمن الفتح، ودعا له. روى (خ د س) عن: النَّبيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ و (د) عن أبيه ثعلبة بن صُعير وجابر ابن عبد الله و (خ) سعد بن أبي وقَّاص وعليُّ بن أبي طالب وعمر بن الخطَّاب و (س) أبي هريرة. روى عنه: سعد بن إبراهيم وعبد الله بن مسلم- أخو الزُّهريِّ- وعبد الحميد بن جعفر- ولم يدركه- و (خ د س) محمَّد بن مسلم بن شهاب الزُّهريُّ. قال سعد بن إبراهيم: ثنا عبد الله بن ثعلبة بن الأصعر بن أختٍ لنا. وقال محمَّد بن سعدٍ: كان أبوه ثعلبة بن صُعَير شاعرًا، وكان حليفًا لبني زهرة. وقال الحاكم أبو أحمد: أبو محمَّد عبد الله بن ثعلبة صُعَير العذريَّ، ابن عمِّ خالد بن عرفطة بن صُعَير، حليف بني زهرة. قيل: إنَّه ولد قبل الهجرة، وقيل: بعد الهجرة، وتوفِّي سنة سبعٍ- وقيل: سنة تسعٍ- وثمانين، وهو ابن ثلاث وثمانين، وقيل: ابن ثلاث وتسعين، وقيل غير ذلك في تاريخ وفاته، ومبلغ سنِّه (2) O. *****
مسألة (332): تجب صدقة الفطر بغروب الشمس من ليلة الفطر.
مسألة (332): تجب صدقة الفطر بغروب الشَّمس من ليلة الفطر. وقال أبو حنيفة: تجب بطلوع الفجر من يوم الفطر. وعن مالك والشَّافعيِّ كالمذهبن. لنا: حديث ابن عمر المتقدِّم (1) أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرض زكاة الفطر. وفي "الصَّحيحين" من حديثه أيضًا أنَّ رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بزكاة الفطر (2). فعلَّق الوجوب بالفطر، وإنَّما يكون ذلك بغروب الشَّمس. ***** مسألة (333): يجوز تقديم الفطرة بيوم أو يومين. وقال أبو حنيفة: يجوز تقديمها على رمضان. وقال الشَّافعيُّ: يجوز تعجيلها من أوَّل رمضان. لنا: 1589 - ما ووى الإمام أحمد، قال: حدَّثنا عتَّاب (3) ثنا عبد الله أنا
أسامة بن زيدٍ عن نافع عن ابن عمر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بزكاة الفطر أن تؤدَّى قبل خروج النَّاس إلى الصَّلاة (1). أخرجاه في "الصَّحيحين" (2). 1590 - وقال ابن ماجة: ثنا أحمد بن الأزهر ثنا مروان بن محمَّد ثنا أبو يزيد الخولانيُّ عن سيَّار بن عبد الرَّحمن عن عكرمة عن ابن عبَّاسٍ قال: فرض رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زكاة الفطرة طهرةً للصَّائم، فمن أدَّاها قبل الصَّلاة فهي زكاةٌ مقبولةٌ، ومن أدَّاها بعد الصَّلاة فهي صدقةٌ من الصَّدقات (3). ز: الحديث الأوَّل: [مخرَّج] (4) في "الصَّحيحين" من غير حديث أسامة بن زيدٍ (5). والحديث الثَّاني: رواه أبو داود عن محمود بن خالد وعبد الله بن عبد الرَّحمن السَّمرقنديِّ عن مروان بن محمَّد عن أبي يزيد الخولانيِّ - وكان شيخَ صدقٍ، وكان ابن وهبٍ يروي عنه- عن سيَّار بن عبد الرَّحمن (6). ورواه ابن ماجة أيضًا عن عبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان عن مروان (7).
وقال الدَّارَقُطْنِيُّ في رواته: ليس فيهم مجروحٌ (1). وقال صاحب "المغني": هذا إسنادٌ حسنٌ (2). وزعم الحاكم في "المستدرك" أنَّه صحيحٌ على شرط البخاريِّ ولم يخرجاه (3)، قال أبو الفتح القُشيريُّ: وفيما قال نظرٌ، فإنَّ أبا يزيد وسيَّارًا لم يخرج لهما الشَّيخان، وكأنَّ الحاكم أشار إلى عكرمة، فإنَّ البخاريَّ احتجَّ به (4). وهذا الَّذي قاله صحيحٌ، فإنَّ سيَّارًا وأبا يزيد لم يخرِّج لهما إلا أبو داود وابن ماجة. وأبو يزيد الخولانيُّ: هو الصَّغير، وقد أثنى عليه مروان بن محمَّد كما تقدَّم. وسيَّار بن عبد الرَّحمن: قال أبو زرعة. لا بأس به (5). وقال أبو حاتم: شيخٌ (6). وذكره ابن حِبَّان في "الثِّقات" (7). وهذان الحديثان لا حجَّة فيهما لما ذكره المؤلِّف من التَّقديم بيومٍ أو يومين. وقد احتجَّ أصحابنا على ذلك: 1591 - بما روى البخاريُّ بإسناده عن ابن عمر قال: فرض رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صدقة الفطر من رمضان ... وقال في آخره: وكلانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين (8).
مسألة (334): لا يجزئ في الفطرة أقل- من صاع.
قالوا: وهذا إشارةٌ إلى جميعهم، فيكون إجماعًا. واحتجُّوا على أنَّه لا يجوز قبل ذلك: 1592 - بما روى الجوزجانيُّ: حدَّثنا يزيد بن هارون أنا أبو مَعْشر عن نافع عن ابن عمر قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمر به فيقسم- قال يزيد: أظنُّ قال: يوم الفطر- ويقول: " أغنوهم عن الطَّواف في هذا اليوم " (1). قالوا: والأمر للوجوب، ومتى قدَّمها بالزَّمان الكثير لم يحصل إغناؤهم بها يوم العيد. لكن راوي هذا الحديث أبو معشر، ولا يحتجُّ بحديثه، والله أعلم O. ***** مسألة (334): لا يجزئ في الفطرة أقلِّ- من صاعٍ. وقال أبو حنيفة: يجزئ نصف صاع برٍّ. لنا سبعة أحاديث:
1593 - الحديث الأوَّل: قال البخاريُّ: ثنا عبد الله بن يوسف أنا مالك عن زيد بن أسلم عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سَرْح العامريِّ أنَّه سمع أبا سعيد الخدريَّ يقول: كنَّا نخرج زكاة الفطر: صاعًا من طعامٍ، أو صاعًا من شعيرٍ، أو صاعًا من تمرٍ، أو صاعًا من أقطٍ، أو صاعًا من زبيبٍ (1). أخرجاه في "الصَّحيحين" (2). وفي لفظٍ: فلمَّا جاء معاوية، وجاءت السَّمراء، قال: أرى مُدًّا من هذا يعدل مُدَّين (3). 1594 - الحديث الثاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا يوسف بن يعقوب ابن إسحاق بن بهلول ثنا جدِّي ثنا أبي ثنا مبارك بن فضالة عن أيُّوب عن نافع عن ابن عمر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرض على الذَّكر والأنثى، والحرِّ والعبد، صدقةَ رمضان: صاعًا من تمرٍ، أو صاعًا من طعام (4). 1595 - طريقٌ آخر: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا الحسين بن حمزة ثنا محمَّد ابن عبد الله بن سليمان ثنا زكريا بن يحيى بن صَبيح ثنا سعيد بن عبد الرَّحمن الجمحيُّ ثنا عبيد الله (5) عن نافع عن ابن عمر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرض زكاة الفطر: صاعًا من تمر، أو صاعًا من طعامٍ (6).
قال المؤلِّف: أمَّا الطَّريق الأوَّل: ففيه مبارك، كان أحمد بن حنبل يضعِّفه ولا يعبأ به (1)، وضعَّفه يحيى (2) والنَّسائيُّ (3). وفي الثَّاني: سعيد بن عبد الرَّحمن، قال ابن حِبَّان: كان يروي [عن] (4) الثِّقات موضوعات، كأَنَّه المتعمِّد لها (5). ز: هذا الحديث حسنٌ أو صحيحٌ. ومبارك بن فضالة: حسَّن أمره غير واحدٍ من الأئمة، قال عمرو بن عليٍّ: سمعت عفَّان يقول: كان مبارك ثقةً، وكان، وكان. قال عمرو: وسمعت يحيى بن سعيد القطََّان يحسن الثَّناء على مبارك بن فضالة (6). وسُئل أبو زرعة عن مبارك بن فضالة، فقال: يدلِّس كثيرًا، فإذا قال: (ثنا) فهو ثقةٌ (7). وقال ابن عَدِيٍّ: عامَّة أحاديثه أرجو أن تكون مستقيمة (8). وأمَّا سعيد بن عبد الرَّحمن الجمحيُّ: فروى له مسلمٌ في "صحيحه" (9)، ووثَّقه من هو أعلم من ابن حِبَّان كيحيى بن معين (10)، وقال أحمد: ليس به
بأسٌ (1). وقال النَّسائيُّ: لا بأس به (2). وقال ابن عَدِيٍّ: له أحاديث غرائب حسان، وأرجو أنَّها مستقيمة، وإنَّما يهم عندي في الشيء بعد الشيء، فيرفع موقوفًا، ويصل مرسلاً، لا عن تعمُّدِ (3). 1595 - وقد روى الحاكم حديث سعيد: عن أبي بكر محمَّد بن أحمد ابن بالويه عن أحمد بن عليٍّ الخرَّاز عن إسماعيل بن إبراهيم التَّرجُمانيِّ عنه عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر، وصحَّحه، ولفظه: أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرض زكاة الفطر صاعًا من تمرٍ، أو صاعًا من برٍّ، على كلِّ حرٍّ أو عبدٍ، ذكرٍ أو أنثى، من المسلمين (4). وقال البيهقيُّ: كذا قاله سعيد بن عبد الرَّحمن الجمحيُّ، وذِكْرُ البرِّ فيه ليس بمحفوظٍ (5) O. 1596 - الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا الحسين بن إسماعيل ومحمَّد بن مخلد قالا: ثنا أبو يوسف القُلُوسيُّ ثنا بكر بن الأسود ثنا عبَّاد بن العوَّام عن سفيان بن حسين عن الزُّهريِّ عن سعيد بن المسيَّب عن أبي هريرة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حضَّ على صدقة رمضان، على كلِّ إنسان: صاعٌ (6) من تمرٍ، أو صاعٌ من شعيرٍ، أو صاعٌ من قمحٍ (7).
قال يحيى: سفيان بن حسين لم يكن بالقويِّ (1). وقال ابن حِبَّان: يروي عن الزُّهريِّ المقلوبات (2). قلت: وقد أخرج عنه مسلمٌ (3). ز: سفيان بن حسين: الأكثر على تضعيفه في روايته عن الزُّهريِّ، قال النَّسائيُّ: ليس به بأسٌ إلا في الزُّهريِّ (4). وقال ابن عَدِيٍّ: هو في غير الزُّهريِّ صالح الحديث، وفي الزُّهريِّ يروي أشياء خالف النَّاس (5). وقد استشهد به البخاريُّ في " الصَحيح "، وروى له في " القراءة خلف الإمام " وفي "الأدب"، وروى له مسلمٌ في " مقدمة كتابه ". وبكر بن الأسود: تكلَّم فيه الدَّارَقُطْنِيُّ، وقال: ليس بالقويِّ (6). وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه، فقال: صدوقٌ (7). وقد روى الحاكم هذا الحديث وصحَّحه من هذه الطَّريق (8)، وفي كونه حسنًا نظر O. 1597 - الحديث الرَّابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا الحسن بن إسماعيل ثنا أبو الأشعث ثنا الثَّقفيُّ ثنا هشام عن محمَّد بن سيرين عن ابن عبَّاس قال:
أمرنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نعطي (1) صدقة رمضان عن الصَّغير والكبير، والحرِّ والمملوك، صاعًا من طعام، من أدَّى برًّا قبل منه، ومن أدَّى شعيرًا قبل منه، ومن أدَّى زبيبًا قبل منه، ومن أدَّى سُلتا (2) قبل منه (3). ز: هذا إسنادٌ جيدٌ، ورجاله ثقاثٌ مشهورون، ولكنَّه غير مخرَّجٍ في " السُّنن "، وفيه إرسالٌ. وقد قال أبو محمَّد بن أبي حاتم: سألت أبي عن حديثٍ رواه نصر بن عليٍّ عن عبد الأعلى عن هشام عن محمَّد عن ابن عبَّاس قال: أمرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نؤدِّي زكاة رمضان، صاعًا من طعامٍ، عن الصَّغير والكبير، والحرِّ والمملوك، من أدَّى سُلتا قبل منه. وأحسبه قال: ومن أدَّى دقيقًا قبل منه، ومن أدَّى سويقًا قبل منه. قال أبي: هذا حديثٌ منكرٌ (4). وقال الإمام أحمد (5) وابن المدينيِّ (6) وابن معين (7) والبيهقيُّ (8): محمَّد ابن سيرين لم يسمع من ابن عباس شيئًا.
وقد روى النَّسائيُّ حديث ابن سيرين عن ابن عبَّاس من قوله: صاعًا من تمرٍ (1). ورواه أبو داود (2) والنَّسائيُّ (3) من حديث الحسن عن عليٍّ قوله. 1598 - وقال البيهقيُّ: أنا أبو الحسن عليُّ بن أحمد بن عبدان أنا أحمد ابن عبيد الصَّفَّار ثنا إسماعيل بن إسحاق ثنا سليمان بن حربٍ ثنا حمَّاد بن زيدٍ عن أيُّوب قال: سمعت أبا رجاء يقول: سمعت ابن عبَّاس يخطب على المنبر، وهو يقول في صدقة الفطر: صاعًا من طعامٍ. قال البيهقيُّ: هذا هو الصَّحيح، موقوفٌ. 1599 - وقد أخبرنا أبو نصر بن قتادة وأبو بكر محمَّد بن إبراهيم الفارسيُّ قالا: أنا أبو عمرو بن مطر أنا محمَّد بن أيُّوب أنا عبد الله بن الجرَّاح ثنا حمَّاد بن زيد عن أيوب عن أبي رجاء العطارديِّ عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أدُّوا صاعًا من طعامٍ- يعني في الفطر- " (4) O. 1600 - الحديث الخامس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا ابن مخلد ثنا أحمد ابن إسحاق بن يوسف ثنا إسحاق بن إبراهيم الحنينيُّ عن كثير بن عبد الله بن عمرِو بن عوفٍ عن أبيه عن جدِّه قال: فرض رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زكاة الفطر على كلِّ صغيرٍ وكبيرٍ، صاعًا من تمرٍ، أو صاعًا من طعام، أو صاعًا من زبيبٍ (5).
قال أحمد: كثير بن عبد الله ليس بشيءٍ (1). وقال يحيى: ليس حديثه بشيءٍ (2). وقال النَّسائيُّ (3) والدَّارَقُطْنِيُّ (4): متروك الحديث. وقال الشَّافعيُّ: هو ركنٌ من أركان الكذب (5). وكان أحمد لا يرضى إسحاق الحنينيَّ (6). ز: هذا حديثٌ ضعيفٌ، وكثيرٌ مجمعٌ على ضعفه، ولم يُوَافَق التِّرمذيُّ على تصحيح حديثه في موضعٍ، وتحسينه في آخر. وإسحاق بن إبراهيم الحنينيُّ، وثَّقه ابن حِبَّان (7)، وكان مالكٌ يعظِّمه ويكرمه (8)، وتكلَّم فيه البخاريُّ (9) والنَّسائيُّ (10) وابن عَدِيٍّ (11) والأزديُّ (12)، وأحمد الذي كان لا يرضاه هو أحمد بن صالح (13)، لا أحمد بن حنبل، فلا ينبغي إطلاقه O.
1601 - الحديث السَّادس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا عليُّ بن محمَّد بن أحمد المصريُّ ثنا أحمد بن داود المكيُّ ثنا مسدَّد ثنا حمَّاد بن زيد عن النُّعمان بن راشد عن الزُّهريِّ عن ابن صُعَير عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أدُّوا صدقة الفطر، صاعًا من برٍّ أو قمحٍ، عن كل رأسٍ، صغيرٍ أو كبيرٍ " (1). قال أحمد: النُّعمان مضطرب الحديث، روى أحاديث مناكير. وقال يحيى: ليس بشيءٍ. ز: قد تقدَّم هذا الحديث والكلام عليه بما فيه كفاية (2) O. 1602 - الحديث السَّابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا عبد العزيز بن جعفر الخوارزميُّ ثنا محمَّد بن مرزوق ثنا محمَّد بن بكر ثنا عمر بن محمَّد بن صُهبان قال: أخبرني ابن شهابٍ الزُّهريِّ عن مالك بن أوس بن الحَدَثَان عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ!: " أخرجوا زكاة الفطر، صاعًا من طعامٍ " (3). قال أحمد: عمر بن صُهبان ليس بشيءٍ (4). وقال يحيى: لا يساوي فلسًا (5). وقال الرَّازيُّ (6) والنَّسائيُّ (7) والدَّارَقُطْنِيُّ (8): متروكٌ. ز: 1603 - روى الحاكم في "المستدرك" من حديث ابن عُليَّة عن
ابن إسحاق عن عبد الله بن عبد الله بن عَدِيٍّ بن حكيم بن حزام عن عياض بن عبد الله قال: قال أبو سعيد الخدريُّ- وذكر عنده صدقة الفطر- فقال: لا أخرج إلا ما كنت أخرجه في عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صاعًا من تمرٍ، أو صاعًا من حنطة، أو صاعًا من شعيرٍ، أو صاعًا من أقط. فقال له رجلٌ من القوم: أو مُدَّين من قمحٍ. فقال: لا، تلك قيمة معاوية لا أقبلها، ولا أعمل بها. كذا فيه، والصَّواب: عبد الله بن عبد الله بن عثمان بن حكيم بن حزام (1). قال أبو داود- بعد أن روى الحديث عن القعنبيِّ عن داود بن قيس عن عياض-: ورواه ابن عُليَّة وعبدة وغيرهما عن ابن إسحاق عن عبد الله بن عبد الله بن عثمان بن حكيم بن حزام عن عياض عن أبي سعيد بمعناه، حدَّثنا مسدَّد عن إسماعيل، وليس فيه ذكر الحنطة. وقال في (صاع الحنطة): ليس بمحفوظٍ (2). وقال الحاكم- بعد ذكر حديث أبي سعيد وغيره-: فهذه أحاديث صحيحة في صاع البرِّ، وأشهرها حديث أبي معشر عن نافع عن ابن عمر، وتركته لأنَّه ليس من شرط الكتاب. 1604 - وحدَّثنا أبو الفضل المزكِّي ثنا أحمد بن سلمة ثنا الحسن بن الصبَّاح ثنا أبو بكر بن عيَّاش عن أبي إسحاق عن الحارث عن عليٍّ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّه قال في صدقة الفطر: " عن كلِّ صغيرٍ وكبيرٍ، حرٍّ أو عبدٍ، صاعٌ من برٍّ، أو صاعٌ من تمرٍ" (3).
الحارث لا يحتجُّ به، وقد رواه سلامة بن روح ثنا عُقيل بن خالد عن أبي إسحاق عن الحارث عن عليٍّ موقوفًا، ورواية عُقيل عن أبي إسحاق غريبةٌ جدًّا. 1605 - وقال البيهقيُّ: أنا أبو بكر بن الحارث أنا عليُّ بن عمر الحافظ ثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا محمَّد بن عُزيز (ح) وأنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو الحسن محمَّد بن عبد الله العنزيُّ ثنا محمَّد بن إسحاق أنا محمَّد بن عُزيز الأبليُّ حدَّثني سلامة بن روح عن عُقيل بن خالد عن عتبة بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبي إسحاق الهمدانيِّ عن الحارث أنَّه سمع عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه يأمر بزكاة الفطر، فيقول: هي صاعٌ من تمرٍ، أو صاعٌ من شعيرٍ، أو صاعٌ من حنطةٍ، أو سُلتٍ، أو زبيبٍ. هذا حديث أبي بكر، ولم يذكر أبو عبد الله في إسناده (عتبة بن عبد الله). قال البيهقيُّ: وروي ذلك مرفوعًا، والموقوف أصحُّ (1). 1606 - وقد روى الحاكم من رواية عبَّاد بن زكريا ثنا سليمان بن أرقم عن الزُّهريِّ عن قبيصة بن ذؤيب عن زيد بن ثابت: خطبنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " من كان عنده طعامٌ فليتصدَّق بصاعٍ من برٍّ، أو صاعٍ من شعيرٍ، أو صاعٍ من تمرٍ، أو صاعٍ من دقيقٍ، أو صاعٍ من زبيبٍ، أو صاعٍ من سُلتٍ " (2). سليمان بن أرقم أجمعوا على ضعفه O. احتجُّوا بثمانية أحاديث: 1607 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد بن حنبل: حدَّثنا عتَّاب بن زياد ثنا عبد الله بن المبارك أنا ابن لهيعة عن محمَّد بن عبد الرَّحمن بن نوفل عن
فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر قالت: كنَّا نؤدِّي زكاة الفطر على عهد رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُدَّين من قمحٍ، بالمدِّ الَّذي تقتاتون به (1). 1608 - الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا محمَّد بن عبد الله بن غيلان (2) ثنا الحسن بن الصَّبَّاح البزَّار ثنا أبو بكر بن عيَّاش عن أبي إسحاق عن الحارث عن عليٍّ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال في صدقة الفطر: " نصف صاعٍ من برٍّ، أو صاعًا من تمرٍ " (3). 1609 - الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا إبراهيم بن محمَّد بن يحيى ثنا مكيُّ بن عبدان ثنا أبو الأزهر ثنا محمَّد بن شُرَحْبيل الصَّنعانيُّ ثنا ابن جريج عن سليمان بن موسى عن نافع أنَّه أخبره عن ابن عمر أنَّه قال: أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمرو بن حزم في زكاة الفطر: نصف صاعٍ من حنطة، أو صاعًا من تمرٍ (4). 1610 - طريقٌ آخر: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا أحمد بن محمَّد بن عليٍّ الدِّيباجيُّ ثنا أيُّوب بن سليمان الصُّغديُّ ثنا يزيد بن عبد ربِّه ثنا بقيَّة عن داود بن الزِّبرقان عن أيُّوب عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صدقة الفطر: صاعٌ من تمرٍ، أو صاعٌ من شعيرٍ، أو مُدَّان من حنطة " (5). 1611 - طريقٌ آخر: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا أحمد بن محمَّد بن سعدان ثنا شعيب بن أيُّوب ثنا حسين بن عليٍّ عن زائدة عن عبد العزيز بن أبي روَّاد عن
نافع عن ابن عمر قال: كان النَّاس يُخرجون صدقة الفطر على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صاعٌ من شعيرٍ، أو صاعٌ من تمرٍ أو زبيبٍ، فلمَّا كان عمر، وكثرت الحنطة، جعل نصف صاع حنطة مكانًا من تلك الأشياء (1). 1612 - الحديث الرَّابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا ابن مخلد ثنا أحمد ابن عبد الله الحدَّاد ثنا داود بن شبيب ثنا يحيى بن عبَّاد السَّعديُّ ثنا ابن جريج عن عطاء عن ابن عبَّاس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث صارخًا ببطن مكَّة، صاح: إنَّ صدقة الفطر حقٌّ واجبٌ، مُدَّان من قمحٍ، أو صاعٌ من شعيرٍ أو تمرٍ (2). 1613 - طريقٌ آخر: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا محمَّد بن أحمد بن أبي الثَّلج قال: حدَّثنى جدِّي ثنا محمَّد بن عمر الواقديُّ ثنا عبد الحميد بن عمران بن أبي أنس (3) عن أبيه عن أبي سلمة بن عبد الرَّحمن عن ابن عبَّاس عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أََّنه أمر بزكاة الفطر، صاعًا من تمرٍ، أو صاعًا من شعيرٍ، أو مُدَّين من قمح (4). 1614 - طريقٌ آخر: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا أبو ذرٍّ الواسطيُّ ثنا سعدان بن نصر ثنا هاشم بن القاسم ثنا سلام الطَّويل عن زيدٍ العَمِّيِّ عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صدقة الفطر عن كلِّ صغيرٍ وكبيرٍ، ذكرٍ وأنثى، نصف صاعٍ من برٍّ، أو صاعٌ من تمرٍ، أو صاعٌ من شعيرٍ " (5). 1615 - طريقٌ آخر: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا عليُّ بن عبد الله بن مبشِّر ثنا أحمد بن سنان ثنا يزيد بن هارون أنا حميد الطَّويل عن الحسن قال:
خطب ابن عبَّاس النَّاس في آخر رمضان، فقال: يا أهل البصرة، إنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرض صدقة رمضان، نصف صاعٍ من برٍّ، أو صاعًا من شعيرٍ، أو صاعًا من تمرٍ (1). 1616 - الحديث الخامس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا أحمد بن العبَّاس البغويُّ ثناعبَّاد بن الوليد ثنا عبَّاد بن زكريا الصُّريميُّ ثنا ابن أرقم عن الزُّهريِّ عن قبيصة بن ذؤيب عن زيد بن ثابت قال: خطبنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " من كان عنده فليتصدَّق بنصف صاعٍ من برٍّ، أو صاعٍ من شعيرٍ، أو صاعٍ من تمرٍ، أو صاعٍ من دقيقٍ، أو صاعٍ من زبيب، أو صاعٍ من سُلت " (2). 1617 - الحديث السَّادس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن البهلول ثنا جدِّي ثنا سالم بن نوحٍ عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه أنَّ النَّبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث مناديًا ينادي في فجاج مكَّة: ألا إنَّ زكاة الفطر واجبةٌ على كلِّ مسلمٍ، مُدَّان من قمحٍ، أو صاعًا ممَّا سواه من الطَّعام (3). 1618 - طريقٌ آخر: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا أبو سهل بن زياد ثنا عبد الكريم بن الهيثم ثنا إبراهيم بن مهديٍّ ثنا المعتمر قال: أنبأني عليُّ بن صالحٍ عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه أنَّ رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر صائحًا، فصاح: إنَّ صدقة الفطر حقٌّ واجبٌ على كل مسلمٍ، مُدَّان من قمحٍ، أو صاعٌ من شعيرٍ أو تمرٍ (4).
1619 - الحديث السَّابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا عثمان بن أحمد ثنا إبراهيم بن الهيثم ثنا إبراهيم بن مهديٍّ ثنا المعتمر قال: أنبأني عليُّ بن صالح عن يحيى بن جُرْجَة عن الزُّهريِّ عن عبد الله بن ثعلبة بن صُعير أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطب، فقال: " إنَّ صدقة الفطر مُدَّان من برٍّ عن كلِّ إنسانٍ، أو صاعٌ ممَّا سواه من الطََّعام " (1). 1620 - الحديث الثَّامن: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا محمَّد بن أحمد بن عمرو بن عبد الخالق ثنا أحمد بن رشدين ثنا سعيد بن عُفير ثنا الفضل بن المختار قال: حدَّثني عبيد الله بن موهب عن عصمة بن مالك عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صدقة الفطر: " مُدَّان من قمحٍ، أو صاعٌ من شعيرٍ أو تمرٍ أو زبيبٍ " (2). والجواب: ليس في هذه الأحاديث ما يثبت: أمَّا حديث أسماء: فيرويه ابن لهيعة، وقد قال السَّعديُّ: لا ينبغي أن يحتجَّ بروايته (3). وأمَّا حديث عليٍّ عليه السَّلام (4): فراويه الحارث الأعور، قال الشَّعبيُّ (5) وابن المدينيِّ (6): الحارث كذَّابٌ. وأمَّا حديث ابن عمر: فقي طريقه الأوَّل سليمان بن موسى، قال ابن
المدينيِّ: سليمان مطعونٌ عليه (1). وقال البخاريُّ: عنده مناكير (2). وفي طريقه الثَّاني: داود بن الزِّبرقان، قال أحمد: ليس حديثه بشيءٍ (3). وقال يحيى: ليس بشيءٍ (4). وقال ابن المدينيِّ: كتبت عنه شيئًا، ثُمَّ رميت به (5). وقال النَّسائيُّ: ليس بثقةٍ (6). وفي طريقه الثَّالث: ابن أبي روَّاد، قال ابن حِبَّان: كان يحدِّث على التَّوهُّم والحسبان، فسقط الاحتجاج به (7). قال المؤلِّف: قلت: وقد ذكرنا في حديث أبي سعيد أنَّه إنَّما عَدَّل القيمة في الصَّاع معاوية، فأمَّا عمر فإنَّه كان أشدّ إتباعًا للأثر من أن يفعل ذلك. وأمَّا حديث ابن عبَّاس: ففي طريقه الأوَّل: يحيى بن عبَّاد، قال العقيليُّ: حديث يحيى بن عبَّاد يدلُّك على الكذب (8). وفي طريقه الثَّاني: الواقديُّ، قال أحمد: هو كذَّابٌ (9). وقال
البخاريُّ (1) والرَّازيُّ (2) والنَّسائيُّ (3): متروكٌ. وفي طريقه الثَّالث: سلام الطَّويل، ولم يسند هذه الطَّريق غير سلام، وهو متروكٌ، وقد ذكرنا القدح في سلام آنفًا (4). وأمَّا الحديث الخامس: فقال الدَّارَقُطْنيُ: لم يروه بهذا الإسناد غير سليمان بن أرقم، وهو متروك الحديث (5). وقال أحمد بن حنبل: لا يروى عن سليمان الحديث (6). وقال يحيى: لا يساوي فلسًا (7). وقال الفلاس: ليس بثقةٍ (8). وأمَّا الحديث السَّادس: ففي طريقه الأوَّل: سالم بن نوح، قال يحيى ابن معين: ليس بشيءٍ (9). وفي طريقه الثَّاني: عليُّ بن صالح، وقد ضعَّفوه. وأمَّا الحديث السَّابع: ففيه عليُّ بن صالحٍ أيضًا. وفيه إبراهيم بن مهديٍّ، قال أبو بكر الخطيب: كان ضعيف الحديث (1).
وفيه إبراهيم بن الهيثم، قال ابن عَدِيٍّ: حدَّث ببغداد، فكذَّبه النَّاس (1). قال أحمد بن حنبل: وهذا الحديث يرويه النُّعمان بن راشدٍ فيقول: (ثعلبة بن أبي صُعير عن أبيه)، وغيره لا يرفعه، ولا يقول: (عن أبيه)، وليس بمحفوظٍ، وعامَّة الحديث ليس قيه: (عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، هذا ولا يعطي قيمته. وأمَّا الحديث الثَّامن: ففيه الفضل بن المختار، قال أبو حاتم الرَّازيُّ: يحدِّث بالأباطيل، وهو مجهولٌ (2). وفيه أحمد بن رشدين، قال ابن عَدِيٍّ: كذَّبوه، وأنكرت عليه أشياء (3). بلى قد روي لهم حديثٌ مرسلٌ: 1621 - فأنبأنا أحمد بن الحسن بن البنا- وأنا عنه ابن ناصر- أنا محمَّد ابن عليِّ الدَّجَّاجيُّ أنا عبد الله بن محمَّد الأسديُّ أنا عليُّ بن الحسن بن العبد ثنا أبو داود السِّجستانيُّ ثنا قتيبة أنا الليث عن عُقيل عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيَّب قال: فرض رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زكاة الفطر، مُدَّبن من حنطة (4).
وهذا مع إرساله يحتمل أن يكون آخر الخبر: (فرض زكاة الفطر)، ثُمَّ يكون الباقي تفسيرًا من سعيد. ز: القول بإيجاب نصف صاعٍ من برٍّ قولٌ قويٌّ، وأدلَّته كثيرةٌ، منها ما ذكره المؤلِّف، وفي بعض كلامه وهمٌ، وفي بعضه نظرٌ: فأمَّا حديث أسماء: فهو من رواية إمام عن ابن لهيعة، وهو ابن المبارك، وحديث ابن لهيعة يصلح للمتابعة. وأمَّا حديث عليٍّ: فهو من رواية الحارث عنه، وقد روي [عنه] (1) مرفوعًا وموقوفًا- وهو أشبه-، وقد اختلف في لفظه: فقيل: (نصف صاعٍ من برٍّ) كرواية الدَّارَقُطْنِيِّ؛ وقيل: (صاعٌ) كرواية الحاكم (2). وقد سئل عنه الحافظ أبو الحسن الدَّارَقُطْنِيُّ في كتاب "العلل" فقال: يرويه أبو إسحاق، واختلف عنه: فرواه أبو بكر بن عيَّاش عن أبي إسحاق عن الحارث عن عليٍّ، وقال فيه: (نصف صاعٍ من برٍّ/). واختلف عنه في رفعه: فرفعه أبو بكر محمَّد بن عبد الله بن غيلان الخزَّاز عن الحسن بن الصَّبَّاح البزَّار عن أبي بكر بن عيَّاش، ووهم في رفعه؛ وغيره يرويه موقوفًا. ورواه أبو عميس- واسمه عقبة بن عمد الله بن عتبة بن مسعود- عن أبي إسحاق عن الحارث عن عليٍّ، وقال فيه: (صاعًا من حنطة)، ووقفه أيضًا. والصَّحيح موقوفٌ (3).
وأمَّا حديث ابن عمر من رواية سليمان بن موسى عن نافع، ومن رواية داود بن الزِّبرقان عن أيُّوب: فمنكرٌ جدًّا. وقد روى البيهقيُّ في " السُّنن الكبير " حديثًا في هذا من رواية نافع، فقال: 1622 - أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنا أبو بكر محمَّد بن الحسين القطَّان ثنا أبو الأزهر ثنا محمَّد بن شُرحبيل ثنا ابن جريج قال: أخبرني أيُّوب بن موسى أنَّ نافعًا أخبره عن ابن عمر قال: أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمرو بن حزم في زكاة الفطر: " نصف صاعٍ من حنطة، أو صاعٌ من تمرٍ ". قال البيهقيُّ: وهذا لا يصحُّ، وكيف يكون ذلك صحيحًا ورواية الجماعة عن نافع عن ابن عمر أنَّ تعديل الصاع مدَّين من حنطة كان بعد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! (1). وأمَّا حديث ابن عمر من رواية عبد العزيز بن أبي روَّاد عن نافع: فرواه أبو داود عن الهيثم بن خالد الجُهنيِّ عن حسين بن عليٍّ الجُعفيِّ (2)، ورواه النَّسائيُّ عن موسى بن عبد الرَّحمن المسروقيِّ عن الحسين الجُعفيِّ (3). 1623 - وروى الحاكم من رواية مكيِّ بن إبراهيم عن عبد العزيز بن أبي روَّاد عن نافع عن ابن عمر قال: كانوا يخرجون صدقة الفطر على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صاعًا من شعيرٍ، أو صاعًا من تمرٍ، أو سُلت، أو زبيبٍ. صحَّحه الحاكم، وقال: وعبد العزيز بن أبي روَّاد ثقةٌ عابدٌ (4).
وقال صاحب "الإلمام" فيه: وأبو عمر خالفه في التَّصحيح كما دلَّ عليه كلامه وقد تكلَّم في ابن أبي روَّاد: ابن الجنيد (2) وابن حِبَّان (3)، ووثَّقه يحيى بن سعيد القطَّان (4) ويحيى بن معين (5) وأبو حاتم الرَّازيُّ (6) وغيرهم، والموثِّقون له أعرف من المضعِّفين- والله أعلم-، وقد أخرج له البخاريُّ استشهادًا. وأمَّا حديث ابن عبَّاس من رواية يحيى بن عبَّاد: فرواه البيهقيُّ، قال: 1624 - أخبرنا محمَّد بن عبد الله الحافظ ثنا أبو العبَّاس محمَّد بن يعقوب ثنا محمَّد بن علي الورَّاق- ولقبه " حمدان "- ثنا داود بن شبيب ثنا يحيى بن عبَّاد - وكان من خيار النَّاس- ثنا ابن جريج عن عطاء عن ابن عبَّاس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر صارخًا ببطن مكَّة ينادي: " إنَّ صدقة الفطر حقٌّ واجبٌ على كلِّ مسلمٍ، صغيرٍ أو كبيرٍ، ذكرٍ أو أنثى، حرٍّ أو مملوكٍ، حاضرٍ أو بادٍ، صاعٌ من شعيرٍ أو تمرٍ ". ورواه محمَّد بن مخلد عن حمدان، فزاد فيه: (مدَّان من قمحٍ)، وقاله الكديميُّ أيضًا عن داود بن شبيب. قال: وهذا حديثٌ ينفرد به يحيى بن عبَّاد عن ابن جريج هكذا، وإنَّما رواه غيره عن ابن جريجٍ عن عطاء من قوله في المُدَّين، وعن ابن جريج عن عمرو بن شعيب مرفوعًا إلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سائر ألفاظه: 1625 - أخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه أنا عليُّ بن عمر الحافظ ثنا
محمَّد بن إسماعيل الفارسيِّ ثنا يحيى بن أبي طالب ثنا عبد الوهَّاب بن عطاء أنا ابن جريج قال: قال عمرو بن شعيب: بلغني أنَّ النَّبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر صارخًا يصرخ: " على كلِّ مسلمٍ ... قال: فذكره ". قال: وثنا ابن جريج قال: قال عطاء: مُدَّين من قمحٍ، أو صاعٌ من تمرٍ أو شعيرٍ، الحرُّ والعبد فيه سواء. وكذلك رواه عبد الرَّزَّاق عن ابن جريج عن عمرو منقطعًا. 1626 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو الحسين أحمد بن عثمان الآدميُّ- ببغداد- ثنا أبو قلابة عبد الملك بن محمَّد الرَّقاشيُّ ثنا مالك بن عبد الواحد ثنا المعتمر بن سليمان عن عليِّ بن صالح عن ابن جريح عن عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جدِّه قال: قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " زكاة الفطر على الحاضر والبادي ". ورواه إبراهيم بن مهديٍّ عن المعتمر .. - وساق الحديث بطوله-، ورواه سالم بن نوح عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه مرفوعًا، إلا أنَّه لم يذكر (الحاضر والبادي). قال أبو عيسى التِّرمذيُّ (1): سألتُ محمَّدًا- يعني البخاريَّ- عن هذا الحديث، فقال: ابن جريج لم يسمع عمرو بن شعيب (2) 0 انتهى ما ذكره البيهقيُّ. وقد صحَّح حديث يحيى بن عبَّاد: الحاكم في " مستدركه " (3)، وتكلَّم
العقيليُّ في يحيى- كما تقدَّم (1) -، وكذلك ضعَّفه الدَّارَقُطْنِيُّ (2) وقال الأزديُّ: منكر الحديث جدًّا، عن ابن جريج (3). وقد روى الدَّارَقُطْنِيُّ حديث يحيى من غير رواية حمدان- كما تقدَّم (4) -، والله أعلم. وأمَّا حديث ابن عبَّاس من رواية الحسن عنه: فلم يتكلَّم عليه المؤلِّف، ورواته ثقاتٌ مشهورون، لكن فيه إرسال، فإنَّ الحسن لم يسمع من ابن عبَّاس فيما قيل، وقد جاء في " مسند أبي يعلى الموصليِّ " في حديثٍ أنَّه قال: (أخبرني ابن عبَّاس) (5) وهو- إن ثبت- يدلُّ على سماعه منه.
وقد روى حديث الحسن عن ابن عبَّاس في إخراج الصَّدقات: أبو داود عن ابن مثنَّى عن سهل بن يوسف قال حميد: أنا عن الحسن به (1)، ورواه النَّسائيُّ عن عليٍّ بن حُجر عن يزيد بن هارون عن حميد بنحوه (2)، ورواه عن ابن مثنَّى أيضًا (3)، وقال: الحسن أيسمع من ابن عبَّاس (4). وقال الحاكم: أن الحسن بن محمَّد الإسفرائيني ثنا محمَّد بن أحمد بن البرَّاء قال: سمعت عليَّ بن عبد الله المدينيِّ- وسئل عن حديث ابن عبَّاس عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في زكاة الفطر-، فقال (5): حديثٌ بصريٌّ، وإسناده مرسلٌ. قال: وقال عليٌّ (6): الحسن لم يسمع من ابن عبَّاس، وما رآه قطُّ، كان بالمدينة أيام كان ابن عبَّاس على البصرة. قال: وقال لي عليٌّ- في حديث الحسن: خطبنا ابن عبَّاس بالبصرة-: إنَّما هو كقول ثابت: (قدم علينا عمران بن حصين)، ومثل قول مجاهد (خرج علينا عليٌّ)، وكقول الحسن: (إنَّ سراقة بن مالك بن جعشم حدَّثهم)، الحسن لم يسمع من ابن عبَّاس (7). وقال البيهقيُّ: حديث الحسن عن ابن عبَّاس مرسلٌ، وقد روينا عن أبي رجاء العطارديِّ سماعًا من ابن عبَّاس في هذه الخطبة في صدقة الفطر صاعٌ
من طعامٍ (1). وأمَّا الحديث الخامس الَّذي من رواية سليمان بن أرقم: فإسناده ساقطٌ، ولفظه مختلفٌ: ففي الدَّارَقُطْنِيُّ: (نصف صاعٍ) (2)، وفي كتاب الحاكم: (صاعٌ) (3) كما تقدَّم ذكره. وأمَّا الحديث السَّادس: فقد تكلَّم عليه البيهقيُّ كما تقدَّم (4)، ورواه التِّرمذيُّ عن عقبة بن مكرم عن سالم بن نوح عن ابن جريج عن عمرو، وقال: حسنٌ غريبٌ (5). وتضعيف المؤلِّف سالم بن نوح: ليس بشيءٍ، فإنَّه صدوقٌ، روى له مسلمٌ في "صحيحه" (6)، وقال أبو زرعة: لا بأس به، صدوقٌ، ثقةٌ (7). وقال النَّسائيُّ: ليس بالقويِّ (8). وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: فيه شيءٌ. ووثَّقه أبو حاتم بن حِبَّان (9)، وقال ابن عَدِيٍّ: عنده غرائب وأفراد، وأحاديثه محتملة متقاربةٌ (1). وكذلك قول المؤلِّف: (وفي طريقه الثَّاني: عليُّ بن صالح، وقد ضعَّفوه) خطأٌ منه، ولم يزد في كتاب " الضُّعفاء "- في ترجمة عليٍّ- على هذا
القول، ولم يذكر أحدًا ضعَّفه (1)، ولا نعلم أحدًا ضعَّفه، لكنه غير مشهور الحال، ولا معروفٌ عند أبي حاتم الرَّازيِّ، وهو غير ابن حيّ، قال ابن أبي حاتم: عليُّ بن صالح، روى عن ابن جريج، روى عنه معتمر بن سليمان، سألت أبي عنه، فقال: لا أعرفه، مجهولٌ (2). وذكر غير أبي حاتم أنَّه مكيٌّ معروفٌ، وأنَّه أحد العبَّاد، [و] (3) كنيته أبو الحسن، وروى عن عمرو بن دينار وعبد الله بن عثمان بن خثيم ويحيى بن جُرْجَة والأوزاعيِّ وعبيد الله بن عمر وجماعة، وروى عنه سعيد بن سالم القدَّاح ومعتمر بن سليمان الرَّقِّىُّ والنُّعمان بن عبد السَّلام الأصبهانيُّ وسفيان الثَّوريُّ، وذكره ابن حِبَّان في كتَاب "الثِّقات" وقال: يغرب (4). وتوفي سنة إحدى وخمسن ومائة، وروى له التِّرمذيُّ في "جامعه ". وأمَّا كلام المؤلِّف في إبراهيم بن مهديٍّ في الحديث السَّابع، ونَقْلُه عن الخطيب تضعيفَه: فخطأٌ منه، فإنَّ الخطيب إنَّما ضعَّف إبراهيم بن مهديٍّ بن عبد الرَّحمن بن سعيد بن جعفر الأبليَّ البصريَّ، يكنَّى أبا إسحاق، ومات سنة ثمانين ومائتين (5). وأمَّا راوي الحديث عن معتمر بن سليمان فهو أقدم من هذا، وهو صدوقٌ، مات سنة خمسٍ وعشرين ومائتن، ويقال له: المصيصيُّ، وهو بغداديُّ الأصل، سكن المصيصة، وذكر البخاريُّ أنَّه من الأبناء (6)، ووثَّقه
أبو حاتم (1) وغيره. وكذلك كلام المؤلِّف في إبراهيم بن الهيثم البلديِّ: ليس بشيءٍ، فإنَّه صدوقٌ، وثَّقه الدَّارَقُطْنِيُّ (2) وغيره، وأمَّا ابن عَدِيٍّ فإنَّه قال فيه: حدَّث ببغداد بحديث الغار عن الهيثم بن جميل عن مبارك بن فضالة عن الحسن عن أنس عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكذَّبه فيه النَّاس وواجهوه، وأحاديثه مستقيمة سوى هذا الحديث الواحد الَّذي أنكروه عليه (3). ويحيى بن جُرجَة الذي في الحديث السَّابع: روى عنه ابن جريج وقزعة ابن سويد، قال أبو حاتم الرَّازيُّ: هو شيخٌ (4). وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ليس بقويٍّ (5). وأمَّا حديث سعيد بن المسيِّب الَّذي رواه أبو داود: فإسناده صحيحٌ كالشَّمس، لكنَّه مرسلٌ، ومرسل سعيد حجَّةٌ. وحمل المؤلِّف آخر الحديث على أنَّه من تفسير سعيد خطأٌ، وقد روي عن سعيد من غير وجه ما يدلُّ على ذلك. 1627 - قال سعيد بن منصور: حدَّثنا هشيم عن عبد الخالق الشَّيبانيِّ قال: سمعت سعيد بن المسيِّب يقول: كانت الصَّدقة تدفع على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر نصفُ صاعِ برٍّ.
1628 - وقال هشيم: أخبرني سفيان بن حسين عن الزُّهريِّ عن سعيد ابن المسيَّب قال: خطب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ ذكر صدقة الفطر، فحضَّ عليها، وقال: " نصف صاعٍ من برٍّ، أو صاعُ تمرٍ أو شعيرٍ، عن كلِّ حرٍّ وعبدٍ، ذكرٍ وأنثى ". 1629 - وقال الطَّحاويُّ: ثنا المزنيُّ ثنا الشَّافعيُّ عن يحيى بن حسَّان عن الليث بن سعدٍ عن عُقيل بن خالد وعبد الرَّحمن بن خالد بن مسافر عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيَّب أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرض زكاة الفطر، مُدَّين من حنطة. قال الشَّافعيُّ: حديث (مُدَّين) خطأٌ (1). قال البيهقيُّ: هو كما قال، فالأخبار الثابتة تدلُّ على أنَّ التَّعديل بمدَّين كان بعد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وروينا في جواز نصف صاعٍ من برٍّ" في صدقة الفطر عن أبي بكر الصِّدِّيق وعثمان بن عفَّان وعبد الله بن مسعود وجابر بن عبد الله وأبي هريرة، وفي إحدى الرِّوايتن عن عليٍّ وابن عبَّاس رضي الله عنهم. قال ابن المنذر: لا يثبت ذلك عن أبي بكر وعثمان. قال البيهقيُّ: هو عن أبي بكر منقطع، وعن عثمان موصول، والله أعلم. وقد وردت أخبار عن النَّبيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صاعٍ من برٍّ، ووردت أخبار في نصف صاعٍ، ولا يصحُّ شيءٌ من ذلك، وقد بيَّنت علَّة كلِّ واحدٍ منها في " الخلافيات " (2)؛ وروينا في حديث أبي سعيد الخدريِّ، وفي الحديث الثَّابت
مسألة (335): يجوز إخراج الدقيق والسويق على أنه أصل لا قيمة.
عن ابن عمر أنَّ تعديل مدَّين من برٍّ- وهو نصف صاعٍ- بصاعٍ من الشَّعير وقع بعد النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبالله التَّوفيق (1) O. ***** مسألة (335): يجوز إخراج الدَّقيق والسَّويق على أنَّه أصلٌ لا قيمة. وقال مالك والشَّافعيُّ: لا يجوز. 1630 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا عثمان بن أحمد الدَّقَّاق ثنا أحمد بن العبَّاس بن أشرس ثنا سعيد بن الأزهر (2) ثنا ابن عيينة عن ابن عجلان عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لهم في صدقة الفطر: " صاعٌ من زبيب، صاعٌ من تمرٍ، صاعٌ من أقطٍ، صاعٌ من دقيقٍ " (3). 1631 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا إبراهيم بن حمَّاد ثنا العبَّاس بن يزيد ثنا سفيان بن عيينة ثنا ابن عجلان عن عياض بن عبد الله أنَّه سمع أبا سعيد الخدريَّ يقول: ما أخرجنا على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا صاعًا من دقيقٍ، أو صاعًا من تمرٍ، أو صاعًا من سُلت، أو صاعًا من شعيرٍ، أو صاعًا من أقطٍ. فقال له عليُّ بن المدينيِّ: يا أبا محمَّد، أحدٌ لا يذكر في هذا (الدَّقيق)؟ قال: بلى، هو فيه (4).
ز: هذا إسنادٌ حسنٌ، لكن ذكر الدَّقيق قد أنكر على سفيان. 1632 - قال أبو داود: حدَّثنا حامد بن يحيى ثنا سفيان، وحدَّثنا مسدَّد ثنا يحيى عن ابن عجلان سمع عياضًا قال: سمعت أبا سعيد الخدريَّ يقول: لا أخرج أبدًا إلا صاعًا، إنَّا كنَّا نخرج على عهد رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صاعَ تمرٍ، أو شعيرٍ، أو أقطٍ، أو زبيبٍ. هذا حديث يحيى، زاد سفيان بن عيينة فيه: (أو صاعًا من دقيقٍ)، قال حامد: فأنكروا عليه، فتركه سفيان. قال أبو داود: فهذه الزِّيادة وهمٌ من ابن عيينة (1). قال البيهقيُّ: ورواه جماعة عن ابن عجلان، منهم: حاتم بن إسماعيل - ومن ذلك الوجه أخرجه مسلمٌ (2) في " الصَّحيح "- ويحيى القطَّان وأبو خالد الأحمر وحمَّاد بن مسعدة وغيرهم، فلم يذكر أحدٌ منهم (الدَّقيق) غير سفيان، وقد أنكر عليه، فتركه. وروي عن محمَّد بن سيربن عن ابن عبَّاس مرسلاً موقوفًا على طريق التَّوهُّم، وليس بثابتٍ، وروي من أوجهٍ ضعيفةٍ، لا تسوى ذكرها (3). وقال النَّسائيُّ في " السُّنن الكبير ": أنا محمَّد بن منصور ثنا سفيان ثنا ابن عجلان قال: سمعت عياض بن عبد الله يخبر عن أبي سعيد الخدريِّ قال: لم نخرج على عهد رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا صاعًا من تمرٍ، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من زبيبٍ، أو صاعًا من دقيقٍ، أو صاعًا من أقطٍ، أو صاعًا من
مسألة (336): يجوز إخراج الأقط على أنه أصل.
سُلتٍ. ثُمَّ شكَّ سفيان، فقال: دقيقٍ أو سُلتٍ. قال النَّسائيُّ: لا أعلم أحدًا قال في هذا الحديث (دقيق) غير ابن عيينة (1) O. ***** مسألة (336): يجوز إخراج الأقط على أنَّه أصلٌ. وقال أبو حنيفة: بالقيمة. وعن الشافعيِّ قولان. لنا: أنَّه منصوصٌ عليه فيما تقدَّم. ***** مسألة (337): الصَّاع خمسة أرطال وثلث. وقال أبو حنيفة: ثمانية. 1633 - ما روى البخاريُّ: حدَّثنا أبو الوليد ثنا شعبة عن عبد الرَّحمن ابن الأصبهانيِّ عن عبد الله بن معقل قال: جلست إلى كعب بن عجرة، فسألته
عن الفدية، فقال: نزلت فيَّ خاصة، وهي لكم عامَّة، حُملت إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وارقمل يتناثرعلى وجهي، فقال: " ما كنت أُرى الوجع بلغ بك ما أرى- أو ما كنت أُرى الجَهْدَ بلغ بك ما أَرى-؟! أتجد شاة؟ " فقلت: لا. فقال: " صم ثلانة أيَّام، أو أطعم ستَّة مساكين، لكلِّ مسكين نصف صاعٍ " (1). 1634 - قال البخاريُّ: وحدَّثنا إسحاق ثنا روح ثنا شِبْل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: حدَّثني عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رآه والقمل يسقط على وجهه، فقال: " أتؤذيك هوامُّك؟ " قال: نعم. فأمره أن يحلق، فأنزل الله تعال الفدية، فأمره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يطعم فَرَقًا بين ستَّةٍ، أو يهدي شاةً، أو يصوم ثلاثة أيَّام (2). الحديثان في "الصَّحيحين". وقوله: (نصف صاعٍ) حجَّةٌ لنا. قال ثعلب: والفَرَقُ: اثني عشر مُدًّا. وقال ابن قتيبة: الفَرَقُ: ستة عشر رطلا؛ والصَّاع: ثلث الفَرَق، خمسة أرطال وثلث؛ والمدُّ: رطلٌ وثلث (3). 1635 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا محمَّد بن مخلد ثنا أحمد بن بجيد الأشقر ثنا محمود بن موسى الطَّائيُّ ثنا إسماعيل بن سععيد الخراسانيُّ (4) ثنا
إسحاق بن سليمان الرَّازيُّ قال: قلت لمالك بن أنس: يا أبا عبد الله، كم قدر صاع النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: خمسة أرطال وثلث بالعراقيِّ، أنا حزرته. فقلت: يا أبا عبد الله، خالفت شيخ القوم! قال: من هو؟ قلت: أبو حنيفة، يقول: ثمانية أرطال. فغضب غضبًا شديدًا (1)، ثُمَّ قال لبعض جلسائه: يا فلان، هات صاع جدِّك؛ ويا فلان، هات صاع عمِّك؛ ويا فلان، هات صاع جدَّتك. قال إسحاق: فاجتمعت آصع، فقال مالك: ما تحفظون في هذا؟ فقال هذا: حدَّثني أبي عن أبيه أنَّه كان يؤدِّي بهذا الصَّاع إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقال الآخر: حدَّثني أبي عن أخيه أنَّه كان يؤدِّى بهذا الصَّاع إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقال الآخر: حدَّثني أبي عن أمِّه أنَّها أدَّت بهذا الصَّاع إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقال مالك: أنا حزرت هذا فوجدتها خمسة أرطال وثلث. قلت: يا أبا عبد الله، أُحدِّثك بأعجب من هذا عنه؟! إنَّه يدَّعي أن صدقة الفطر نصف صاعٍ، والصَّاع ثمانية أرطال! فقال: هذه أعجب من الأولى (2)! لا،
بل صاعٌ تامٌ عن كلِّ إنسان، هكذا أدركنا علماءنا ببلدنا هذا. ز: هذا إسنادٌ مظلمٌ، وبعض رجاله غير مشهور. 1636 - والمشهور ما رواه البيهقيُّ من حديث الحسين بن الوليد القرشيِّ - وهو ثقةٌ مأمون- قال: قدم علينا أبو يوسف من الحجِّ، فقال: إنِّي أريد أن أفتح عليكم بابًا من العلم أهمِّني، ففحصت عنه، فقدمت المدينة، فسألت عن الصَّاع، فقالوا: صاعنا هذا صاع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قلت لهم: ما حجَّتكم في ذلك؟ فقالوا: نأتيك بالحجَّة غدًا. فلمَّا أصبحت أتاني نحو من خمسين شيخًا من أبناء المهاجربن والأنصار، مع كلِّ رجلٍ منهم الصَّاع تحت ردائه! كلُّ رجل منهم يخبر عن أبيه وأهل بيته أنَّ هذا صاع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنظرت، فإذا هي سواء. قال: فعيَّرته، فإذا هو خمسة أرطال وثلث بنقصان معه يسير، فرأيت أمرًا قويًّا! فقد تركت قول أبي حنيفة في الصَّاع، وأخذت بقول أهل المدينة (1). هذا هو المشهور، من قول أبي يوسف رحمه الله، وقد روي أنَّ مالكًا ناظره في ذلك، واستدلَّ عليه بالصِّيعان الَّتي جاء به أولئك الرَّهط، فرجع أبو يوسف إلى قوله. وقال عثمان بن سعيد الدَّارميُّ: سمعت عليَّ بن المدينيِّ يقول: عيَّرت صاع النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوجدته خمسة أرطال وثلث رطلٍ بالتَّمر O. احتجُّوا بحديثين: 1637 - الحديث الأوَّل: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أحمد بن محمَّد بن زياد القطَّان وعليُّ بن الحسين السَّوَّاق قالا: ثنا محمَّد بن غالب ثنا أبو عاصم
موسى بن نصر الحنفيُّ ثنا عبدة بن سليمان عن إسماعيل بن أبي خالد عن جرير ابن يزيد عن أنس بن مالك أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يتوضَّأ برطلين، ويغتسل بالصَّاع، ثمانية أرطال (1). 1638 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا محمَّد بن أحمد النَّقَّاش ثنا أحمد بن محمَّد بن الحجَّاج بن رشدين ثنا يحيى بن سليمان الجعفيُّ ثنا صالح بن موسى الطََّلحيُّ ثنا منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: جرت السُّنَّة من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الغسل من الجنابة صاعٌ، والوضوء رطلين، والصَّاع ثمانية أرطال (2). قال المؤلِّف: هذان حديثان لا يصحَّان: أمَّا االأوَّل: ففيه جرير بن يزيد، قال أبو زرعة: منكر الحديث (3). وأمَّا الثَّاني: فقال الدَّارَقُطْنِيُّ: لم يروه عن منصور غير صالح الطَّلحيِّ، وهو ضعيف الحديث (4). قلت: قال يحيى بن معين: صالح الطَّلحيُّ ليس حديثه بشيءٍ (5).
وقال النَّسائيُّ: متروك الحديث (1). وقال ابن حِبَّان: يروي عن الثِّقات ما لا يشبه حديث الأثبات (2). قال المؤلِّف: وقد قال أصحابنا: صاع الوضوء غير صاع الزَّكاة. قال ابن قتيبة: لمَّا سمع العراقيون أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يغتسل بالصَّاع، وسمعوا في حديثٍ آخر أنَّه كان يغتسل بثمانية أرطال، توهَّموا أنَّ الصَّاع ثمانية، ولا اختلاف بين أهل الحجاز أنَّ الصَّاع خمسة أرطال وثلث (3). ز: الحمل في حديث أنس على موسى بن نصر، فإنَّه غير ثقةٍ. قاله الخطيب (4)، وقال أبو سعد الإدريسيُّ: حدَّث عن الثَّوريِّ ومالك وغيرهما بالطَّامات (5). وضعَّفه الدَّارَقُطْنِيُّ (6)، ولم يتكلَّم في إسناد الحديث إلا فيه، كما سيأتي كلامه. وقد ذهب غير واحدٍ من أصحابنا إلى أنَّ صاع الماء ثمانية أرطال، كالقاضي أبي يعلى، قال صاحب " المحرَّر ": وهو الأقوى، وقد أومئ إليه أحمد. واحتجُّوا على ذلك: 1639 - بما روى أحمد: ثنا وكيع ثنا شريك عن عبد الله بن عيسى عن ابن جَبْر بن عتيك عن أنس عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يجزئ في الوضوء رطلان من ماء "
1640 - وحدَّثنا أسود بن عامر شاذان (1) ثنا شريك عن عبد الله بن عيسى عن عبد الله بن جَبْر عن أنس قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضَّأ بإناءٍ يكون رطلن، ويغتسل بالصَّاع (2). ورواه أبو داود عن محمَّد بن الصَّبَّاح عن شَريك عن عبد الله بن عيسى عن عبد الله بن جَبْر، وقال: رواه يحيى بن آدم عن شَريك قال: ابن جَبْر بن عتيك، ورواه شعبة ثنا عبد الله بن عبد الله بن جَبْر، ورواه سفيان عن عبد الله ابن عيسى قال: أخبرني جَبْر بن عبد الله (3). 1641 - ورواه التِّرمذيُّ عن هنَّاد عن وكيع عن شَريك عن عبد الله بن عيسى عن ابن جَبْر عن أنس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يجزئ في الوضوء رطلان من ماء". ولم يسمِّ ابن جَبْر، وقال: غريبٌ لا نعرفه إلا من حديث شَريك بهذا اللفظ (4). 1642 - ورواه النَّسائيُّ عن عمرو بن عليٍّ عن يحيى عن شعبة حدَّثني عبد الله بن عبد الله بن جَبْر قال: سمعت أنسًا قال: كان النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضَّأ بمكُّوك، ويغتسل بخَمْس مكاكي (5).
وعن سويد بن نصر عن عبد الله بن المبارك عن شعبة به (1). قال أصحابنا: وهذا الحديث يفسِّر روايته المتَّفق على صحتها: أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يتوضَّأ بالمدِّ، ويغتسل بالصَّاع إلى خمسة أمداد. 1643 - وعن موسى الجهنيِّ" قال: أُتي مجاهد بقدحٍ حزرته ثمانية أرطال، فقال: حدَّثتني عائشة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يغتسل بمثل هذا. رواه النَّسائيُّ عن محمَّد بن عبيد عن يحيى بن زكريا عن موسى (2)، وهذا إسنادٌ صحيحٌ، وموسى بن عبد الله الجهنيُّ وثَّقوه. وقد سئل الدَّارَقُطْنِيُّ في "العلل" عن حديث أنس المتقدِّم، فقال: يرويه عيد الله بن عيسى بن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى، واختلف عنه: فرواه عمَّار بن رزيق عن عبد الله بن عيسى، فقال: (عن ابن جبر بن عبد الله بن عتيك عن أنس)، وإنَّما أراد: (عبد الله بن عبد الله بن عتيك عن أنس)، وهو عبد الله بن عبد الله بن جبر. ورواه أبو خالد الدَّالانيُّ عن عبد الله بن عيسى (3) عن عبد الله بن فلان الأنصاريِّ عن أنس، وأصاب. ورواه شريك عن عبد الله بن عيسى، فقال: عن عبد الله بن جبر عن أنس بن مالك، فأصاب في هذا الإسناد، ووهم في متنه، فقال: عن النَّبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " يكفي في الوضوء رطلان من ماءٍ ". وإنَّما ذكره شريك على المعنى، عنده أنَّ الصَّاع ثمانية أرطال.
والقول قول أبي خالد وعمَّار بن رزيق أنَّ النَّبيَّ- كان: " يكفي أحدكم من الوَضوء مدٌّ ". وروى هذا الحديث شيخٌ يعرف بـ: موسى بن نصر الحنفيِّ- ولم يكن بالحافظ، ولا القويِّ- رواه عن عبدة بن سليمان عن ابن أبي خالد عن جرير بن يزيد عن أنس، وتابع شريكًا على قوله: (أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يتوضَّأ برطلين)، وهذا غير محفوظ: المتن والإسناد جميعًا، وموسى بن نصر هذا ضعيفٌ، ليس بقويٍّ (1) O. *****
مسألة (338): إذا امتنع رب المال من أداء الزكاة أخذت من ماله.
مسألة (338): إذا امتنع ربُّ المال من أداء الزَّكاة أخذت من ماله. وقأل أبو حنيفة: يجبر على الدَّفع. 1644 - قال الإمام أحمد بن حنبل: ثنا يحيى بن سعيدٍ ثنا بهز قال: حدَّثني أبي عن جدِّي قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " في كلِّ إبل سائمة، في كلّ أربعين ابنة لبون، من أعطاها مؤتجرًا فله أجرها، ومن منعها فإنَّا آخذوها وشطر إبله عزمةٌ من عزمات ربِّنا، لا يحلُّ لآل محمَّدٍ منها شيءٌ " (1). ز: هذا حديث حسنٌ بل صحيحٌ، وقد رواه أبو داود عن موسى بن إسماعيل عن حمَّاد، وعن محمَّد بن العلاء عن أبي أسامة، جميعًا عن بهز بن حكيم (2). ورواه النَّسائيُّ عن عمرو بن عليٍّ عن يحيى (3)، وعن محمَّد بن عبد الأعلى عن معتمر، جميعًا عن بهز (4). وذكر صاحب "الإلمام" فيه أنَّ التِّرمذيَّ رواه (5)، وهو خطأٌ.
وقد رواه الحاكم في " مستدركه "، وقال: هذا حديثٌ صحيح الإسناد - على ما قدَّمنا ذكره في تصحيح هذه الصَّحيفة- ولم يخرجاه (1). وقد ذكر هذا الحديث الإمام أحمد بن حنبل فقال: ما أدري ما وجهه؟! وسُئل عن إسناده، فقال: هو عندي صالح الإسناد (2). وقال الشَّافعيُّ: هذا لا يثبته أهل العلم بالحديث، ولو ثبت قلت به (3). وقال البيهقيُّ: هذا حديثٌ قد أخرجه أبو داود في كتاب " السُّنن "، فأمَّا البخاريُّ ومسلم فإنَّهما لم يخرجاه جريًا على عادتهما في أنَّ الصَّحابيَّ أو التَّابع إذا لم يكن له إلا راوٍ واحدٍ لم يخرجا حديثه في "الصَّحيحين"، ومعاوية بن حيدة القشيريُّ لم تثبت عندهما رواية ثقةٍ عنه غير ابنه، فلم يخرجا حديثه في " الصَّحيح "، والله أعلم (4). وقال أبو حاتم بن حبَّان في بهز بن حكيم: كان يخطئ كثيرًا، فأمّا أحمد ابن حنبل وإسحاق بن إبراهيم- رحمهما الله- فهما يحتجَّان به، ويرويان عنه، وتركه جماعةٌ من أئمتنا، ولولا حديث: " إنَّا آخذوه وشطر إبله عزمةٌ من عزمات ربِّنا " لأدخلناه في الثِّقات، وهو ممَّن استخير الله فيه (5). كذا قال ابن حِبَّان، وفي قوله نظرٌ، وقد وَثَّق بهزًا أكثر العلماء، كيحيى
مسألة (339): إذا امتنع من أداء الزكاة مع اعتقاد وجوبها، استتيب
ابن معين (1) وابن المدينيِّ (2) والتِّرمذيِّ (3) والنَّسائيِّ (4) وأبي داود (5) وابن الجارود وغيرهم O. ***** مسألة (339): إذا امتنع من أداء الزَّكاة مع اعتقاد وجوبها، استتيب ثلاثًا، فإن تاب وإلا قتل. وقال أكثرهم: لا يقتل. 1645 - قال البخاريَّ: حدَّثنا عبد الله بن [محمَّد] (6) المُسْنديُّ ثنا الحرميُّ (7) بن عمارة ثنا شعبة عن واقد بن محمَّد قال: سمعت أبي يحدِّث عن ابن عمر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمَّدًا رسول الله، ويقيموا الصَّلاة، ويؤتوا الزَّكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا منِّي دماعمم وأموالهم، إلا بحقِّ الإسلام، وحسابهم على الله " (8). أخرجاه في "الصَّحيحين" (9). *****
مسألة (340): يجوز تعجيل الزكاة قبل الحول.
مسألة (340): يجوز تعجيل الزَّكاة قبل الحول. وقال مالك وداود: لا يجوز. 1646 - قال الإمام أحمد بن حنبل: حدَّثنا سعيد بن منصور ثنا إسماعيل بن زكريا عن حجَّاج بن دينار عن الحكم عن حُجيَّة بن عَدِيٍّ عن عليٍّ: أنَّ العبَّاس بن عبد المطَّلب سأل النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في تعجيل صدقته قبل أن تحلَّ، فرخَّص له في ذلك (1). 1647 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمَّد بن مخلد ثنا عبَّاس بن محمَّد ثنا إسحاق بن منصور السَّلوليُّ (2) ثنا إسرائيل عن حجَّاج بن دينار عن الحكم [عن] (3) حُجر العدويِّ عن عليٍّ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمر: " إنَّا قد أخذنا من العبَّاس زكاة العامِ عامَ أوَّل " (4). قال المؤلِّف: هذا الحديث أقوى من الأوَّل، لأنَّه (5) في الحديث الأوَّل حُجَيَّة، قال أبو حاتم الرَّازيُّ: لا يحتجُّ بحديثه، هو شبه المجهول (6). زْ: الحَكَم في الإسناد الأوَّل هو: ابن عتيبة؛ وفي الثَّاني: ابن جَحْل. 1648 - قال التِّرمذيُّ: حدَّثنا عبد الله بن عبد الرَّحمن أنا سعيد بن منصور ثنا إسماعيل بن زكريَّا عن الحجَّاج بن دينار عن الحكم بن عتيبة عن حُجَيَّة بن عَدِيٍّ عن عليٍّ: أنَّ العبَّاس سأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في تعجيل صدقته
قبل أن تحلَّ، فرخَّص له في ذلك. 1649 - حدَّثنا القاسم بن دينار الكوفيُّ ثنا إسحاق بن منصور عن إسرائيل عن الحجَّاج بن دينار عن الحكم بن جَحْل عن حُجْر العدويِّ عن عليٍّ أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لعمر: " إنَّا قد أخذنا زكما" العبَّاس عام الأوَّل للعام ". قال التِّرمذيُّ: وفي الباب عن ابن عبَّاس. ولا أعرف حديث تعجيل الزَّكاة من حديث إسرائيل عن الحجَّاج بن دينار إلا من هذا الوجه. وحديث إسماعيل بن زكريَّا عن الحجَّاج عندي أصحُّ من حديث إسرائيل عن الحجَّاج بن دينار. وقد روي هذا الحديث عن الحكم بن عتيبة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً (1). وقد روى حديث حُجَيَّة: أبو داود عن سعيد بن منصور، وقال: رواه هُشيم عن منصور بن زاذان عن الحكم عن الحسن بن مسلم عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحديث هُشيم أصحُّ (2). ورواه ابن ماجة عن محمَّد بن يحيى عن سعيد (3). وأمَّا حديث حُجْر: فانفرد به التِّرمذيُّ، وحُجْر غير معروفٍ، ولم يرو له التِّرمذيُّ غير هذا الحديث. وحُجيَّة بن عَدِيٍّ الكنديُّ الكوفيُّ أشهر منه، قال أبو حاتم الرَّازيُّ:
شيخ، لا يحتج بحديثه، شبيه بالمجهول، شبيهٌ بشريح بن النُّعمان الصَّائدي وهبيرة ابن يريم (1). وقال عليُّ بن المدينيِّ: لا أعلم روى عن حجيَّة إلا سلمة ابن كهيل، روى عنه أحاديث (2). وقال العجليُّ: كوفيٌّ، تابعيٌّ، ثقةٌ (3). وقال ابن القطَّان: هو رجلٌ مشهورٌ، وقد روى عنه سلمة بن كهيل وأبو إسحاق والحكم بن عتيبة، رووا عنه عدَّة أحاديث، وهو فيها مستقيمٌ لم يعهد منه خطأٌ ولا اختلاطٌ ولا نكارةٌ (4). وأمَّا الحكم بن جَحْل فهو: الأزديُّ، البصريُّ، وثَّقه ابن معين في رواية إسحاق بن منصور عنه (5)، ولا نعلم أحدًا تكلَّم فيه. وأمَّا الحجَّاج بن دينار فهو: الأشجعيُّ، الواسطيُّ، وثَّقه ابن المبارك (6) وأبو خيثمة زهير بن حربٍ (7) ويعقوب بن شيبة (8) والعجليُّ (9) والتِّرمذيُّ (10) وغرهم، وقال أبو زرعة: صالحٌ، صدوقٌ، مستقيم الحديث، لا بأس به (11). وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، ولا يحتجُّ به (12). وقد سُئل الحافظ أبو الحسن الدَّارَقُطْنِيُّ في كتاب "العلل" عن حديث
حُجيَّه بن عَدِيٍّ عن عليٍّ أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تعجَّل صدقة العبَّاس، فقال: هو حديثٌ يرويه الحكم بن عتيبة، واختلف عنه: فرواه الحجَّاج بن دينار، واختلف عن حجَّاج: فقال إسماعيل بن زكريا: عنه عن الحكم عن حُجَيَّة بن عَدِيٍّ عن عليٍّ. وقال إسرائيل: عن الحجَّاج بن دينار عن الحكم (1) عن حُجْر العدويِّ عن عليٍّ. وقال محمَّد بن عبيد الله العرزميُّ: عن الحكم عن مِقْسم عن ابن عبَّاس. وكلُّهم وهم. والصَّواب ما رواه منصور عن الحكم عن الحسن بن مسلم بن ينَّاق (2) مرسلاً عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقال الحسن بن عمارة عن الحكم عن موسى بن طلحة عن أبيه أنَّ النَّبيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تعجَّل صدقة العبَّاس (3). وقال الشَّافعيُّ: يروى عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا أدري أثبت أم لا؟ - أنَّ النَّبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسلَّف صدقة مال العبَّاس قبل تحلَّ (4) O. *****
فصل (341): فإن عجل زكاة عامين جاز.
فصلٌ (341) فإنَّ عجَّل زكاة عامين جاز. وعنه: لا يجوز، وهو قول زفر. وعن الشافعيَّة كالرِّوايتين. لنا حديثان ضعفيان: 1650 - الحديث االأوَّل: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أحمد بن محمَّد بن سعيد ثنا محمَّد بن عبيد بن عتبة ثنا وليد بن حمَّاد (1) ثنا الحسن بن زياد عن الحسن بن عمارة عن الحكم عن موسى بن طلحة عن طلحة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنَّا كنَّا احتجنا إلى مالٍ، فتعجَّلنا من العبَّاس صدقة ماله لسنتين " (2). 1651 - الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا محمَّد بن أحمد بن عمرو بن عبد الخالق ثنا إبراهيم بن محمَّد بن نائلة الأصبهانيُّ ثنا محمَّد بن المغيرة ثنا النُّعمان بن عبد السَّلام عن محمَّد بن عبيد الله عن الحكم عن مِقْسم عن ابن عبَّاس قال: بعث رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمر ساعيًا، قال: فأتى العبَّاس يطلب صدقةَ ماله، فأغلظ له، فخرج إلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبره، فقأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنَّ العبَّاس قد سلفنا زكاة ماله العامَ، والعامَ المقبل " (3). قال المؤلِّف: في الحديث الأوَّل: الحسن بن زياد، قال أحمد بن حنبل:
هو كذوبٌ، ليس بشيءٍ. وقال مرَّةً: كذَّابٌ خبيثٌ (1). وقال أبو حاتم الرَّازيُّ، ليس بثقةٍ، ولا مأمون (2). وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ضعيفٌ، متروكٌ (3). وفيه الحسن بن عمارة، قال شعبة: هو كذَّابٌ، يحدِّث بأحاديث قد وضعها (4). وقال أحمد (5) ويجيى والرَّازيُّ (6) والنَّسائيُّ (7): هو متروكٌ. وفي الحديث الثَّاني: محمَّد بن عبيد الله العرزميُّ، قال أحمد: ترك النَّاس حديثه (8). وقال يحيى (9) وأبو زرعة (10): لا يكتب حديثه. وقال ابن حِبَّان: كان رديء الحفظ، وذهبت كتبه، فجعل يحدِّث من حفظه، فيهم، فكثرت المناكير في روايته (11).
مسألة (342): يجوز صرف الزكاة إلى صنف واحد.
وقد رواه مندل، فقال: عن عبيد الله عن الحكم، وإنَّما أراد (محمَّد بن عبيد الله)، ومندل ضعيفٌ أيضًا. ز: 1652 - روى البيهقيُّ من حديث الأعمش عن عمرو بن مرَّة عن أبي البختريِّ عن عليٍّ- فذكر قصَّة في بعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمر رضي الله عنه ساعيًا، ومَنْع العبَّاس صدقته، وأنَّه ذكر للنَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما صنع العبَّاس- فقال: " أما علمت يا عمر، أنَّ عمَّ الرَّجل صنو أبيه؟! إنَّا كنَّا احتجنا فاستسلفنا العبَّاس صدقة عامين ". قال البيهقيُّ: وفي هذا إرسالٌ بين أبي البختريِّ وعليٍّ رضي الله عنه. قال: وقد ورد هذا المعنى في حديث أبي هريرة من وجهٍ ثابتٍ عنه. ثُمَّ ذكر الحديث المشهور الَّذي فيه: " وأمَّا العبَّاس فهي عليّ ومثلها "، وذكر اختلاف ألفاظه (1) O. ***** مسألة (342): يجوز صرف الزَّكاة إلى صنفٍ واحدٍ. وقال الشَّافعيُّ: لا يجوز. حديث معاذ: " أعلمهم أنَّ الله افترض عليهم صدقةً تؤخذ من أغنيائهم، وتردُّ في فقرائهم ".
وقد سبق بإسناده (1). ز: حديث معاذٍ: متَّفقٌ على صحَّته وثبوته، وهو دالٌ على جواز صرفها إلى صنفٍ واحدٍ، فإنَّه أخبر أنَّه مأمورٌ برد جملتها في الفقراء، وهم صنفٌ واحدٌ، ولم يذكر سواهم، وممَّا يدلُّ على جواز صرفها إلى صنفٍ واحدٍ: أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتاه بعد ذلك [مال] (2)، فجعله في صنفٍ واحدٍ سوى صنف الفقراء، وهم المؤلَّفة قلوبهم- الأقرع بن حابسٍ، وعيينة بن حصن، وعلقمة ابن عُلاثة وزيد الخيل-، قسم فيهم الذَّهبة الَّتي بعث بها إليه عليٌّ من اليمن، وإنَّما تؤخذ من أهل اليمن الصَّدقة، ثُمَّ أتاه مالٌ آخر فجعله في صنفٍ آخر، كقوله لقبيصة بن المخارق حين تحمَّل حمالةً فأتى النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسأله، فقال: " أقم يا قبيصة حتَّى تأتينا الصَّدقة، فنأمر لك بها ". وفي حديث سلمة بن صخر البياضيِّ أنَّه أمر له بصدقة قومه، ولو وجب صرفها إلى جميع الأصناف لم يجز دفعها إلى واحدٍ. وقد احتجَّ الشَّافعيُّ ومن وافقه بأنَّ الله تعالى جعل الصَّدقة لجميع الأصناف، وشرَّك بينهم فيها، فلا يجوز الاقتصار على بعضهم كأهل الخُمْس. وأجيب عن ذلك بأنَّ المراد بالآية بيان الأصناف الَّذين يجوز الدَّفع إليهم دون غيرهم، وكذلك المراد بآية الغنيمة بيان المصرف- على الصَّحيح- كما قد عرف في موضعه، والله أعلم O. *****
مسألة (343): لا يجوز نقل الزكاة إلى بلد تقصر فيه الصلاة.
مسألة (343): لا يجوز نقل الزَّكاة إلى بلد تقصر فيه الصَّلاة. وعنه: يجوز، كقول أبي حنيفة ومالك. وعن الشَّافعيِّ كالمذهبين. لنا: قوله: " تؤخذ من أغنيائهم، وتردُّ على فقرائهم ". ز: 1653 - قال سعيد: ثنا سفيان عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال: في كتاب معاذ بن جبل: من أخرج من مخلافٍ (1) إلى مخلافٍ، فإنَّ صدقته وعُشره يردُّ إلى مخلافه O. ***** مسألة (344): يجوز للمرأة دفع زكاتها إلى زوجها. وعنه: لا يجوز، كقول أبي حنيفة. 1654 - قال الإمام أحمد بن حنبل: ثنا محمَّد بن جعفر ثنأ شعبة عن سليمان عن أبي وائلٍ عن عمرو بن الحارث عن زينب- امرأة عبد الله- أنَّها قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تصدَّقنَّ ولو من حليِّكنَّ ". قالت: وكان عبد الله خفيف ذات اليد، فقالت له: أيسعني أن أضع صدقتي فيك، وفي بني أخٍ لي يتامى؟ فقال عبد الله: سَلِي عن ذلك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قالت: فأتيت
مسألة (345): لا يجوز دفع الزكاة إلى موالي بني هاشم، خلافا
رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا على بابه امرأةٌ من الأنصار- يقال لها: زينب- تسأل عما أسأل عنه، فخرج إلينا بلال، فقلنا: انطلق إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسَلْه عن ذلك، ولا تخبره من نحن. فانطلق إلى رسول الله-لجبرو، فقال: " من هما؟ " فقال: زينب امرأة عبد الله، وزينب الأنصاريَّة. فقال: " نعا، لهما أجران: أجر القرابة، وأجر الصدقة " (1). أخرجاه في "الصَّحيحين" (2). وفي لفظٍ: (أتجزى عنِّي؟) وإنَّما يستعمل لفظ (الإجزاء) في الواجب. ***** مسألة (345): لا يجوز دفع الزَّكاة إلى موالي بني هاشم، خلافًا لأكثرهم. 1655 - قال الإمام أحمد بن حنبل: حدَّثنا يحيى عن شعبة ثنا الحكم بن عتيبة (3) عن ابن أبي رافع عن أبي رافع أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث رجلاً من بني مخزوم على الصَّدقة، فقال لأبي رافع: ألا تصحبني تصب منها؟ قال: قلت: حتَّى أذكر ذلك لرسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فذكرت ذلك له، فقال: " إنَّا آل محمَّد لا تحلُّ لنا الصَّدقة، وإنَّ موالي القوم من أنفسهم " (4).
مسألة (346): المانع من أخذ الزكاة أن يكون له كفاية على الدوام،
قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (1). ز: رواه أبو داود عن محمَّد بن كثيرٍ عن شعبة (2). ورواه التِّرمذيُّ عن ابن مثنَّى عن غندر عن شعبة، وقال: حسنٌ صحيحٌ، وهو عبيد الله بن رافع كاتب عليٍّ. ورواه النِّسائيُُّ عن عمرو بن عليٍّ عن يحيى عن شعبة (3). وعن محمَّد بن حاتم عن حِبَّان بن موسى عن عبد الله بن المبارك عن حمزة الزَّيَّات عن الحكم بن عتيبة عن بعض أصحابه أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث أرقم بن أبي أرقم على الصَّدقة، فقال لأبي رافع: هل لك أن تتبعني ... فذكره (4). ورواه ابن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عبَّاس O. ***** مسألة (346): المانع من أخذ الزَّكاة أن يكون له كفايةٌ على الدَّوام، وهو قول الشَّافعيِّ. وعن أحمد: اعتبار الكفاية، أو أن يملك خمسين درهمًا، أو قيمتها من الذَّهب.
وقال أبو حنيفة: إذا ملك نصابًا لم تحلَّ له. لنا على الرِّواية الأولى: 1656 - ما روى الإمام أحمد بن حنبل: ثنا إسماعيل أنا أيُّوب عن هارون بن رئاب (1) عن كنانة بن نعيم عن قَبِيصة بن المخارق عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " إنَّ المسألة لا تحلُّ إلا لثلاثة: رجلٌ تحمَّل حمالة قوم، فيسأل فيها حتَّى يؤدِّيها، ثُمَّ يمسك؛ ورجلٌ أصابته جائحةٌ اجتاحت ماله، فيسأل فيها حتَّى يصيب قوامًا من عيشٍ- أو سدادًا من عيشٍ -، ثُمَّ يمسك؛ ورجلٌ أصابته فاقه، فيسأل ضى يصيب قوامًا من عيشٍ- أو سَدَادًا من عيشٍ-، ثُمَّ يمسك " (2). انفرد بإخراجه مسلمٌ (3). 1657 - قال أحمد: ثنا عبد الرَّحمن (4) ثنا سفيان عن مصعب بن محمَّد عن يعلى بن أبي يحيى عن فاطمة بنت حسين عن أبيها حسين بن عليٍّ قال: قال رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " للسَّائل حقٌّ، وإن جاء على فرسٍ " (5). ز: رواه الإمام أحمد عن وكيع عن سفيان (6)، ورواه أبو داود عن محمَّد بن كثيرٍ عن سفيان عن مصعب بن محمَّد بن شُرَخبيل (7)، ورواه الطَّبرانيُّ عن أبي مسلم الكشيِّ عن محمَّد بن كثيرٍ (8).
ورواه زهير عن شيخٍ- رأى سفيان عنده- عن فاطمة بنت حسين عن أبيها عن عليٍّ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وهو حديثٌ لا يثبت عن النَّبيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ومصعب هو: ابن محمَّد بن عبد الرَّحمن بن شُرَحْبيل العبدريُّ- من بني عبد الدَّار-، قال أبو طالب: سألت أحمد بن حنبل عنه، فقال: لا أعلم إلا خيرًا (1). ووثَّقه يحيى بن معين في رواية ابن أبي خيثمة عنه (2)، وقال أبو حاتم: صالحٌ، يكتب حديثه، ولا يحتجُّ به (3). ويعلى بن أبي يحيى- ويقال: بالعكس-: غير معروفٍ، قال ابن أبي حاتم: سئل أبي عنه، فقال: مجهولٌ (4). وروي عن الإمام أحمد بن حنبل أنَّه قال: أربعة أحاديث تدور عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الأسواق ليس لها أصلٌ: " من بشَّرني بخروج آذار بشَّرته بالجنَّة"، و" من آذى ذميًّا فأنا خصمه يوم القيامة "، و" نحركم يوم صومكم "، و" للسائل حقٌّّ وإن جاء على فرسٍ ". ذكر هذا أبو عمرو بن الصَّلاح (5) O. ووجه الرِّواية الأخرى:
1658 - ما روى الإمام أحمد: ثنا وكيع ثنا سفيان عن حكيم بن جبير عن محمَّد بن عبد الرَّحمن بن يزيد عن أبيه عن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من سأل وله ما يغنيه، جاءت يوم القيامة خدوشًا- أو كدوحًا- في وجهه ". قالوا: يا رسول الله، وما غناه؟ قال: " خمسون درهمًا، أو حسابها من الذَّهب " (1). قال المؤلِّف: حكيم بن جبيرٍ مجروحٌ، قال أحمد بن حنبل: هو ضعيف الحديث، مضطرب (2). وقال يحيى (3) والنَّسائيُّ (4): ضعيفٌ. وقال يحيى مرَّةً: ليس بشيءٍ (5). وقال السَّعديُّ: كذَّابٌ (6). وقد احتجَّ من صحَّح هذا الحديث بما حكاه التِّزمذيُّ، قال: ثنا محمود ابن غيلان ثنا يحيى بن آدم ثنا سفيان عن حكيم بن جبير بهذا الحديث، فقال له عبد الله بن عثمان- صاحب شعبة-: لو غير حكيم حدَّث بهذا؟! فقال له: وما لحكيم؟! لا يحدِّث عنه شعبة؟ قال: نعم، قال سفيان: سمعت زبيدًا يحدِّث بهذا عن محمَّد بن عبد الرَّحمن (7). فأجيب من قال هذا، فقيل له: ليس في هذا حجَّة، فإنَّ سفيان ما أسنده، إنَّما قال: ثنا زبيد عن محمَّد بن عبد الرَّحمن فحسب، ولم يرفعه. وقد روى هذا الحديث عبد الله بن سلمة بن أسلُم- بضمِّ اللام- عن
عبد الرَّحمن بن المسور بن مخرمة عن أبيه عن ابن مسعود عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ابن أسلُم ضعيفٌ (1). ورواه بكر بن خنيس (2) عن أبي شيبة عبد الرَّحمن بن إسحاق عن القاسم ابن عبد الرَّحمن عن أبيه عن ابن مسعود عن النَّبيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وبكر وأبو شيبة ضعيفان بمرَّةٍ. ثُمَّ ليس في هذا الحديث أنَّ من ملك خمسين درهمًا لم تحلَّ له الصَّدقة، وإنَّما فيه أَنَّه كره له المسألة فقط، والمسألة إنَّما تكون مع الضَّرورة، ولا ضرورة لمن يجدما يكفيه في وقته. ز: وقد روى حديث حكيم بن جبيرٍ: أبو داود عن الحسن بن عليٍّ عن يحيى بن آدم عن سفيان عنه، قال يحيى: فقال عبد الله بن عثمان لسفيان: حفظي أنَّ شعبة لا يروى عن حكيم بن جبير. فقال سفيان: فقد حدَّثناه زبيد عن محمَّد بن عبد الرَّحمن بن يزيد (3). ورواه التِّرمذيُّ عن قتيبة وعليِّ بن حُجر عن شريك عن حَكيم بن جبير، وقال: حديث ابن مسعود حديثٌ حسنٌ، وقد تكلَّم شعبة في حكيم بن جبير من أجل هذا الحديث. ثُمَّ ذكر ما حكاه عنه المؤلِّف (4). ورواه النَّسائيُّ عن أحمد بن سليمان عن يجيى بن آدم، وقال: لا نعلم
أحدًا قال في هذا: (عن زبيد) غير يحيى بن آدم (1). ولم يذكر عبد الله بن عثمان. ورواه ابن ماجة عن الحسن بن عليٍّ به سواء (2). وقال عليُّ بن المدينيِّ: سألت يجيى بن سعيد عن حكيم بن جبير، فقال: كم روى؟ إنَّما روى شيئًا يسيرًا. قلت: من تركه؟ قال: شعبة، من أجل حديث الصَّدقة، كان يحدِّث عن من دونه (3). وقال أحمد بن سنان القطَّان: قلت لعبد الرَّحمن بن مهديٍّ: لم تركت حديث حكيم بن جبير؟ فقال: حدَّثني يحيى القطَّان قال: سألت شعبة عن حديث حكيم بن جبير، فقال: أخاف النَّار (4). [وقال معاذ بن معاذ: قلت لشعبة: حدَّثني بحديث حكيم بن جبير. فقال: أخاف النَّار] (5). وقال عبد الرَّحمن بن أبي حاتم: سألت أبا زرعة عن حكيم بن جبير، فقال: في رأيه شيءٌ. قلت: ما محلُّه؟ قال: الصِّدق إن شاء الله. وسألت أبي عنه، فقال: ما أقربه من يونس بن خبَّاب في الضَّعف والرأي، وهو ضعيف الحديث، منكر الحديث، له رأيٌ غير محمودٍ، نسأل الله السَّلامة. قلت: هو
أحبُّ إليك أو ثوير؟ قال: ما فيهما إلا ضعيفٌ غالٍ في التَّشيُّع، وهما متقاربان (1). وقال البخاريُّ: كان شعبة يتكلَّم فيه (2). وقال يعقوب بن شيبة: ضعيف الحديث (3). وقال النَّسائيُّ: ليس بالقويِّ (4). وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: متروكٌ (5). وقال ابن عَدِيٍّ: حدَّثنا ابن حمَّاد قال: حدَّثني أبو الحسن محمَّد بن عبد الله ابن مخلد ثنا إسحاق بن راهويه قال: قال يحيى بن آدم: قال سفيان الثَّوريُّ: شعبة ينكر على حكيم بن جبير حديث الصَّدقة، أمَّا إني قد سمعته من زبيد. قال: وثنا ابن أبي بكر ثنا عبَّاس قال: سمعت يحيى (6) يقول- وسألته عن حديث حكيم بن جبير (حديث ابن مسعود: " لا تحلُّ الصدقة لمن كان عنده خمسون درهمًا "): يرويه أحدٌ غير حكيم؟ - فقال يحيى: نعم، يرويه يحيى ابن آدم عن سفيان عن زبيد، ولا أعلم أحدًا يرويه إلا يحيى بن آدم، وهذا وهمٌ، لو كان هذا كذا لحدَّث به النَّاس جميعًا عن سفيان، ولكنَّه حديثٌ منكر. هذا الكلام قاله يحيى أو نحوه (7). وقال عمرو بن عليٍّ: كان عبد الرَّحمن لا يحدِّث عن حكيم بن جبير، وكان يحيى يحدِّث عنه (8).
وقال محمَّد بن عبد الرَّحمن العنبريُّ: سُئل عبد الرَّحمن بن مهديٍّ عن حكيم بن جبير، فقال: إنَّما روى أحاديث يسيرة، وفيها أحاديث منكرات (1). وقال أبو بكر الأثرم: قلت لأحمد بن حنبل: حديث حكيم بن جبير في الصَّدقة، رواه زبيد أيضًا؟ فقال: كذا قال يحيى بن آدم، قال: سمعت سفيان يقول لعبد الله بن عثمان: أبو بسطام- يعني: شعبة- يروي عن حكيم بن جبير شيئًا؟ فقال: لا. فقال سفيان: فحدَّثنا زبيد عن محمَّد بن عبد الرَّحمن بن يزيد (2). وقال ابن عَدِيٍّ: سمعت أحمد بن حفص يقول: سُئل أحمد بن حنبل- يعني وهو حاضر-: متى تحلُّ الصَّدقة؟ قال: إذا لم يكن خمسون درهمًا أو حسابها من الذَّهب. قيل له: حديث حكيم بن جبير؟ قال: نعم. ثُمَّ حكى عن يحيى بن آدم أنَّ الثوريَّ قال يومًا: قال أبو بسطام يحدِّث- يعني: شعبة- هذا الحديث عن حكيم بن جبيرٍ؟ قيل له: لا. قال: حدَّثني زبيد عن محمَّد ابن عبد الرَّحمن. ولم يزد عليه. قال أحمد: كأنَّه أرسله، أو كره أن يحدِّث به، أما تعرف الرَّجل. كلامًا نحو ذا. وذكر ابن عَدِيٍّ لحكيم أحاديث، ثُمَّ قال: وله غير ما ذكرت من الحديث شيءٌ يسيرٌ، والغالب في الكوفين التَّشيُّع (3). وقال أبو حاتم بن حِبَّان في كتاب " الضُّعفاء ": حكيم بن جبير الأسديُّ، من أهل الكوفة، يروي عن سعيد بن جبير والنَّخعيِّ، روى عنه الثَّوريُّ وشريك، كان غاليًا في التَّشيُّع، كثير الوهم فيما يروي، كان أحمد بن
حنبل لا يرضاه، وهو الَّذي يروي عن محمَّد بن عبد الرَّحمن بن يزيد عن أبيه عن عبد الله أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من سأل النَّاس وهو غنيٌّ، جاء يوم القيامة كدوحًا وخدوشًا في وجهه ". قيل: يا رسول الله، ما غناه؟ قال: " خمسون درهمًا أو قيمتها من الذَّهب ". 1659 - أخبرناه زكريا بن يحيى السَّاجيُّ ثنا عبد الواحد بن غياث ثنا حمَّاد بن سلمة ثنا إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق عن حكيم بن جبير عن محمَّد ابن عبد الرَّحمن بن يزيد. هكذا أبنا السَّاجيُّ عن إسرائيل عن حكيم بن جبير نفسه. ولقد أخبرنا خالد بن النَّضر بن عمرو القرشيُّ ثنا عبد الواحد بن غياث ثنا حمَّاد بن سلمة عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن حكيم بن جبير عن محمَّد بن عبد الرَّحمن بن يزيد عن عبد الله بن مسعود مثله، وهذا أشبه. قال ابن حِبَّان: وليس له طريقٌ يعرف ولا رواية، إلا من حديث حكيم ابن جبير (1). كذا وجدته ليس فيه (عن أبيه). 1660 - وقال البيهقيُّ: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العبَّاس محمَّد ابن يعقوب ثنا الحسن بن عليِّ بن عفَّان العامريُّ ثنا يحيى بن آدم ثنا سفيان بن سعيد عن حكيم بن جبير عن محمَّد بن عبد الرحمن بن يزيد عن أبيه عن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من سأل وله ما يغنيه، جاء يوم القيامة خموشٌ- أو خدوشٌ أو كدوحٌ - في وجهه ". فقيل: يا رسول الله، وما الغنى؟ قال: " خمسون درهمًا، أو قيمتها من الذَّهب ". قال يحيى بن آدم: فقال عبد الله بن
عثمان لسفيان: حفظي أنَّ شعبة كان لا يروي عن حكيم بن جبير. فقال سفيان: فقد ثنا زبيد عن محمَّد بن عبد الرَّحمن بن (1) يزيد. قال البيهقيُّ: وأنا أبو الحسين بن الفضل أنا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب ابن سفيان ... فذكر معنى هذه الحكاية بلاغًا (2) عن يحيى بن آدم عن سفيان، ثُمَّ قال يعقوب: هي حكاية بعيدة، لو كان حديث حكيم بن جبير عن زبيد ما خفي على أهل العلم (3). وقد سُئل الحافظ الدَّارَقُطْنِيُّ عن هذا الحديث في "العلل"، فقال: يرويه حكيم بن جبير عن محمَّد بن عبد الرَّحمن بن يزيد عن أبيه، حدَّث به عنه: الثَّوريُّ وشريك وإسرائيل وحمَّاد بن شعيب. ورواه محمَّد بن مصعب القرقسانيُّ عن حمَّاد بن سلمة عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن محمَّد بن عبد الرَّحمن [بن] (4) يزيد، ووهم في قوله: (عن أبي إسحاق) وإنَّما رواه إسرائيل عن حكيم بن جبير. ورواه شعبة عن حكيم بن جبير أيضًا، حدَّث به عنه: إبراهيم بن طهمان ويحيى القطَّان. ورواه زبيد ومنصور بن المعتمر عن محمَّد بن عبد الرَّحمن بن يزيد، لم يجاوزا به محمدًا (5)، وقولهما أولى بالصَّواب. 1661 - حدَّثنا يحيى بن محمَّد بن صاعدٍ ثنا أبو هشام الرِّفاعيُّ
وعبد الأعلى بن واصل قالا: ثنا يحيى بن آدم ثنا سفيان، وحدَّثنا ابن غيلان ثنا أبو هشام الرِّفاعيُّ ثنا يحيى بن آدم ثنا سفيان، عن حكيم بن جبير عن محمَّد بن عبد الرَّحمن بن يزيد عن أبيه عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يسأل عبدٌ مسألةٌ وله ما يغنيه، إلا جاءت يوم القيامة شيئًا أو خدوشًا أو كدوحًا - في وجهه ". قالوا: يا رسول الله، وماذا غناه- أو ماذا يغنيه-؟ قال: " خمسون درهمًا، أو حسابها من الذَّهب ". قال أبو هشام في حديثه في هذا الموضع: (قال يحيى بن آدم: قيل لسفيان: لو كان غير حكيم بن جبير؟ فقال: حدَّثنا زبيد عن محمَّد بن عبد الرَّحمن بن يزيد). وقال عبد الأعلى بن واصل في حديثه:) قال يحيى بن آدم: قال سفيان: وقد سمعت زبيدًا يحدِّث عن محمَّد بن عبد الرَّحمن بن يزيد نحوه- أو شبهه-). انتهى كلام الدَّارَقُطْنِيِّ (1). 1662 - وقد روى الإمام أحمد بن حنبل هذا الحديث في "مسنده" من وجهٍ آخر ضعيفٍ، فقال: حدَّثنا نصر بن باب عن الحجَّاج عن إبراهيم عن الأسود عن عبد الله بن مسعود أنَّه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من سأل مسألةً وهو عنها غنيٌّ جاءت يوم القيامة كدوحًا في وجهه، ولا تحلُّ الصَّدقة لمن له خمسون درهمًا أو عرضها من الذَّهب " (2). حجَّاج هو: ابن أرطأة، وقد اشتهر الكلام فيه. والحمل في هذا الحديث على نصر بن باب، فإنَّه مشهورٌ بالضَّعف، قال يحيى بن معين: ليس بثقةٍ (3). وقال مرَّةً: ليس حديثه بشيءٍ (4). وقال
مسألة (347): لا يجوز لمن يقدر على الكفاية بالكسب أخذ الصدقة.
مرَّةً: كذَّابٌ خبيثٌ (1). وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عنه فقال: إنَّما أنكر النَّاس عليه حين حدَّث عن إبراهيم الصَّائغ، وما كان به بأسٌ. قلت له: إنَّ أبا خيثمة قال: نصر بن باب كذَّابٌ. قال: ما [أجترئ] (2) على هذا أن أقوله! أستغفر الله (3). وقال السَّعديُّ: لا يساوي حديثه شيئًا (4). وقال أبو حاتم الرَّازيُّ (5) والنَّسائيُّ (6): متروك الحديث. وقال البخاريُّ: يرمونه بالكذب (7). وقال ابن عَدِيٍّ: وهو مع ضعفه يكتب حديثه (8). وقال ابن حِبَّان: كان ممَّن ينفرد عن الثِّقات بالمقلوبات، ويروي عن الأثبات ما لا يشبه حديث الثِّقات، فلمَّا كثر ذلك في روايته بطل الاحتجاج به (9) O. ***** مسألة (347): لا يجوز لمن يقدر على الكفاية بالكسب أخذ الصَّدقة. وقال أبو حنيفة ومالك: يجوز. 1663 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا أسود بن عامر ثنا أبو بكر بن عيَّاش
عن أبي حَصِين عن سالم بن أبي الجعد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تحلُّ الصَّدقة لغنيٍّ، ولا لذي مرَّة سويٍّ " (1). 1664 - طريقٌ آخر: قال الدَّارَقُطْنِيُّ (2): ثنا يعقوب بن إبراهيم ثنا الحسن بن عرفة ثنا عليُّ بن ثابت عن الوازع [بن] (3) نافع عن أبي سلمة عن جابرٍ قال: جاءت رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صدقةٌ، فركبه النَّاس، فقال: " إنَّها لا تصلح لغنيٍّ، ولا لصحيحٍ سويٍّ، ولا لعاملٍ قويٍّ " (4). 1665 - طريقٌ آخرٌ: قال التِّرمذيُّ: حدَّثنا محمَّد بن بشَّار ثنا أبو داود الطَّيالسيُّ ثنا سفيان عن سعد بن إبراهيم عن ريحان بن يزيد عن عبد الله بن عمرو عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تحلُّ الصَّدقة لغنيٍّ، ولا لذي مرَّةٍ سويٍّ " (5). قالوا: قد قال أبو حاتم الرَّازيُّ: ريحان شيخٌ مجهولٌ (6). ثُمَّ [إنَّ] (7) الحديث إنَّما هو: " المسألة لا تحلُّ ... ": 1666 - قال التِّرمذيُّ: حدَّثنا عليُّ بن سعيد الكنديُّ ثنا عبد الرَّحيم بن سليمان عن مجالد عن عامر عن حُبْشيِّ بن جنادة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إنَّ المسألة لا تحلُّ لغنيٍّ، ولا لذي مرَّةٍ سويٍّ، إلا لذي فقرٍ مُدقع، أو غرم
منقطع " (1). قلنا: أمَّا ريحان: فإن جهله أبو حاتم فقد عرفه يحيى بن معين ووثَّقه (2). وأمَّا هذا الحديث الَّذي ذكروه فجوابه من وجهين: أحدهما: أنَّه ضعيفٌ، قال يحيى: لا يحتجُّ بحديث مجالد (3). والثَّانية: أنَّا نقول به، وأنَّ المسألة لا تحلُّ له، ولا أخذُ الصَّدقة. 1667 - طريقٌ آخر لحديثنا: قال الإمام أحمد: حدَّثنا يحيى بن سعيد عن هشام قال: حدَّثني أبي أنَّ عبيد الله بن عَدِيٍّ حدَّثه أنَّ رجلين أخبراه أنَّهما أتيا النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسألانه من الصَّدقة، فقلَّب فيهما البصر، فرآهما جَلْدَين، فقال: " إن شئتما أعطيتكما، ولا حظَّ فيها لغنيٍّ، ولا لقويٍّ مكتسب " (4). ز: حديث سالم بن أبي الجعد عن أبي هريرة: رواه النَّسائيُّ عن هنَّاد بن السَّريِّ (5)، ورواه ابن ماجة عن محمَّد بن الصَّبَّاح (6)، كلاهما عن أبي بكر بن عيَّاش. ورواته ثقاثٌ، لكن قال الإمام أحمد بن حنبل: سالم بن أبي الجعد لم يسمع من أبي هريرة (7).
1668 - وروى الحاكم في "المستدرك" من رواية ابن عيينة عن منصور عن أبي حازم عن أبي هريرة يبلغ به: " لا تحلُّ الصَّدقة لغنيٍّ، ولا لذي مِرَّة سويٍّ ". وقال: على شرطهما (1). وأمَّا حديث جابر: ففيه الوازع بن نافع، وقد ضعَّفوه. وأمَّا حديث عبد الله بن عمرو: فرواه أبو داود عن عبَّاد بن موسى الخُتَليِّ عن إبراهيم بن سعدٍ عن أبيه (2)، ورواه التِّرمذيُّ أيضًا عن [محمود] (3) بن غيلان عن عبد الرَّزَّاق عن سفيان عن سعد [، وقال: حديث عبد الله بن عمرو حديث حسن، وقد روى شعبة عن سعد] (4) بن إبراهيم هذا الحديث، بهذا الإسناد، ولم يرفعه (5). ورواه الحاكم في "المستدرك" من رواية شعبة وسفيان عن سعد عن ريحان عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا (6). وريحان: وثَّقه ابن حِبَّان أيضًا (7)، وقال حجَّاج عن شعبة عن سعد بن إبراهيم: سمع ريحان بن يزيد، وكان أعرابيَّ [صِدْقٍ] (8). وأمَّا حديث حُبْشيٍّ: فرواه التِّرمذيُّ أيضًا عن محمود بن غيلان عن
مسألة (348): حكم المؤلفة باق.
يحيى بن آدم عن عبد الرَّحمن بن سليمان بنحوه. وقال: هذا حديثٌ غريبٌ من هذا الوجه (1). وأمَّا حديث عبد الله بن عَدِيِّ بن الخيار: فرواه أبو داود عن مسدَّد عن عيسى بن يونس عن هشام بن عروة (2)، ورواه النَّسائيُّ عن عمرو بن عليٍّ ومحمَّد بن المثنَّى عن يحيى بن سعيد القطَّان (3). وهو حديثٌ إسناده صحيحٌ، ورواته ثقاتٌ. قال الإمام أحمد: ما أجوده من حديثٍ. وقال: هو أحسنها إسنادًا (4) O. ***** مسألة (348): حكم المؤلَّفة باقٍ. وقال أبو حنيفة والشَّافعيُّ: حكمهم منسوخٌ. قال الزُّهريُّ: لا أعلم شيئًا نسخ حكم المؤلَّفة. واحتجُّوا: بقوله عليه السَلام: " عليهم صدقةٌ، تؤخذ من أغنيائهم، وتردُّ على فقرائهم ".
مسألة (349): يعطى الغازي مع الغنى.
وهذا محمولٌ على أنَّه قاله في وقتٍ لم يكن محتاجًا إلى التَّأليف. ***** مسألة (349): يعطى الغازي مع الغِنَى. وقال أبو حنيفة: لا يأخذ إلا مع الفقر. 1669 - قال الدَارَقُطْنِيُ: حدَّثنا عبد الله بن أحمد بن إبراهيم المارستانيُّ ثنا محمَّد بن سهل بن عسكر ثنا عبد الرَّزَّاق ثنا معمر والثَّوريُّ جميعًا عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدريِّ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تحلٌّ المسألة لغنيٍّ إلَّا لخمسةٍ: لعاملٍ عليها، والغازي في سبيل الله، والغارم، أو لرجلٍ اشتراها بماله، أو مسكين تصدَّق عليه وأهدى لغنيٍّ " (1). وقد رواه أبو داود فقال: (لا تحلُّ الصَّدقة) مكان قوله: (المسألة) (2)، وإسناده ثقاتٌ. ز: 1670 - قال إسماعيل بن عبد الله سمويه: ثنا عثمان بن صالح أنا ابن وهبٍ حدَّثني هشام بن سعدٍ عن زيد بن أسلبم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنَّ الصَّدقة لا تحل لغنيٍّ إلا لخمسةٍ: لمشتريها؛ والعامل عليها؛ والغازي في سبيل الله؛ والغارم؛ ورجلٍ كان له جارٌ مسكين،
فأُعْطِي منها، فأهدى له منها ". 1671 - وقال الإمام أحمد بن حنبل: حدَّثنا عبد الرَّزاق أنا معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تحلُّ الصَّدقة لغنيٍّ إلا لخمسةٍ: لعاملٍ عليها؛ أو رجلٍ اشتراها بماله؛ أو غارمٍ؛ أو غازٍ في سبيل الله؛ أو مسكينٍ تُصدِّق عليه منها، فأهدى منها لغنيٍّ " (1). ورواه إسحاق بن راهويه في "مسنده" عن سفيان عن زيد بن أسلم، ورواه عن عبد الرَّزَّاق عن معمر عن زيدٍ (2). ورواه أبو داود عن الحسن بن عليٍّ (3)، ورواه ابن ماجة عن محمَّد بن يحيى الذُّهْلِيِّ، كلاهما عن عبد الرَّزَّاق بإسناده متصلاً (4). ورواه أبو داود عن القَعْنبيِّ عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أنَّ رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ... مرسلاً. وقال: رواه ابن عيينة عن زيد كما قال مالك، ورواه الثَّوريُّ عن زيدٍ قال: حدَّثني الثَّبت عن النَّبيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (5). وسئل عنه الدَّارَقُطْنِيُّ فقال: حدَّث به عبد الرَّزَّاق عن معمر والثَّوريِّ
مسألة (350): الحج من السبيل، فيجوز دفع الزكاة فيه.
عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد. قاله ابن عسكر عنه. وقال غيره: عن عبد الرَّزَّاق عن معمر وحده، وهو أصحُّ. وروى هذا الحديث عبد الرَّحمن بن مهديٍّ عن الثَّوريِّ عن زيد بن أسلم قال: حدَّثني الثبت عن النَّبيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يسمِّ رجلاً، وهو الصَّحيح (1) O. ***** مسألة (350): الحجُّ من السَّبيل، فيجوز دفع الزَّكاة فيه. وعنه: لا يجوز، كقول أكثرهم. 1672 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا عفَّان ثنا أبو عوانة ثنا إبراهيم بن مهاجر عن أبي بكر بن عبد الرَّحمن بن الحارث بن هشام قال: أخبرني رسول مروان- الَّذي أرسل إلى أمِّ معقلٍ- قال: [قالت:] (2) قلت: يا رسول الله، إنَّ عَلَيَّ حجَّةٌ وإنَّ لأبي معقل بكرًا. فقال: صَدَقَت، جعلتُه في سبيل الله. تال: " أعطها فلتحجَّ عليه، فإنَّه في سبيل الله " (3). 1673 - وقال أبو داود: حدَّثنا محمَّد بن عوفِ الطَّائيُّ ثنا أحمد بن خالدٍ الوَهْبيُّ ثنا محمَّد بن إسحاق عن عيسى بن معقل الأسديِّ قال: حدَّثني يوسف بن عبد الله بن سلام عن جدَّته أمِّ معقل قالت: لمَّا حجَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجَّة الوداع، وكان لنا جملٌ، فجعله أبو معقلٍ في سبيل الله، فأصابنا مرضٌ،
مسألة (351): الزكاة إذا وجبت في الحياة لم تسقط بالموت.
وهلك أبو معقل، وخرج النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلمَّا فرغ من حجَّته، جئته، فقال: " ما منعكِ أن تخرجي معنا؟ " قلت: لقد تهيَّأنا فهلك أبو معقل، وكان لنا جملٌ فأوصى به أبو معقل في سبيل الله. قال: " فهلا خرجت عليه، فإنَّ الحجَّ في سبيل الله " (1). ز: وروى حديث أبي بكر بن عبد الرَّحمن بن الحارث بن هشام: أبو داود عن أبي كامل عن أبي عوانة (2). ورواه النَّسائيُّ عن محمَّد بن رافع عن عبد الرَّزَّاق عن معمر عن الزُّهريِّ عن أبي بكر بن عبد الرَّحمن عن امرأةٍ من بني أسد- يقال لها: أمُّ معقلٍ- نحوه (3). وقد رواه النَّسائيُّ أيضًا من رواية أبي بكر عن أبي معقل (4)، فيكون مرسلاً، والله أعلم O. ***** مسألة (351): الزَّكاة إذا وجبت في الحياة لم تسقط بالموت. وقال أبو حنيفة ومالك: تسقط بالموت، ولا يلزم الورثة إخراجها. لنا:
قوله عليه السَّلام: " فدَّين الله أحقُّ بالقضاء ". وسيأتي بإسناده في الحجِّ وغيره- إن شاء الله- (1). ****
كتاب الصيام
كتاب الصَّيام مسألة (352): لا يجوز صوم رمضان بنيَّة من النَّهار. وقال أبو حنيفة: يجوز. لنا ثلاثة أحاديث: 1674 - الحديث الأوَّل: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أبو بكر أحمد بن محمَّد ابن موسى بن أبي حامد ثنا رَوْح بن الفرج ثنا عبد الله بن عبَّاد ثنا المفضَّل بن فضالة قال: حدَّثني يحيى بن أيُّوب عن يحيى بن سعيد عن عَمرة عن عائشة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من لم يبيِّت الصِّيام قبل طلوع الفجر فلا صيام له ". قال الدَارَقُطْنِيُ: كلُّهم ثقاتٌ (1). 1675 - الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا يونس بن عبد الأعلى أنا ابن وهبٍ ثنا يحيى بن أيُّوب (2) عن عبد الله بن أبي بكلر عن ابن شهابٍ عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن حفصة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من لم يُجمع الصِّيام قبل الفجر فلا صيام له " (3). فإن قالوا: هذا الحديث قد رواه جماعة موقوفًا، وإنَّما رفعه عبد الله بن أبي بكر. قلنا: الرَّاوي قد يسند الحديث، وقد يفتي به، وقد يرسله، وعبد الله
من الثِّقات الرُّفعاء، والرَّفع زيادة، فهي من الثِّقة مقبولةٌ. ز: الحديث الأوَّل: غريبٌ، ولا يثبت مرفوعًا. قال الدَّارَقُطْنِيُّ: تفرَّد به عبد الله بن عبَّاد عن المفضَّل بهذا الإسناد، وكلُّهم ثِقَاتٌ. وفي قوله نَظَرٌ، فإنَّ عبد الله بن عبَّادٍ: غير مشهورٍ، ويحيى بن أيُّوبٍ: ليس بالقويِّ، وقد اختلف عليه فيه- كما سيأتي- (1). وقال أبو حاتم بن حِبَّان: عبد الله بن عبَّاد البصريُّ، شيخٌ سكن مصر، يقلب الأخبار، روى عن المفضَّل بن فَضَالة عن يحيى بن أيُّوب عن يحيى ابن سعيدٍ عن عَمْرة عن عائشة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من لم يبيِّت الصِّيام قبل طلوع الفجر فلا صيام له ". وهذا مقلوبٌ، إنَّما هو عند يحيى بن أيُّوب عن عبد الله بن أبي بكر (2) عن الزُّهريِّ عن سالم عن أبيه عن حفصة- فيما يشبه هذا- (3). روى عنه روح بن الفرج أبو الزِّنبَّاع نسخةٌ موضوعةٌ (4). والحديث الثَّاني- حديث حفصة-: الصَّحيح وقفه كما نصَّ عليه (5) الحُذَّاق من الأئمة.
قال البيهقيُّ فيه: هذا حديثٌ قد اختلف على الزُّهريِّ في إسناده، وفي رفعه إلى النَّبيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعبد الله بن أبي بكر أقام إسناده ورفعه، وهو من الثِّقات الأثبات (1). وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: رفعه عبد الله بن أبي بكر ... وهو من الثِّقات الرُّفعاء. 1676 - وقال الإمام أحمد بن حنبل في "المسند": ثنا حسن بن موسى ثنا ابن لهيعة ثنا عبد الله بن أبي بكر عن ابن شهابٍ عن سالم عن حفصة (3) عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " من لم يُجمع الصِّيام مع الفجر فلا صيام له " (4). وقال النسائيُّ في " السُّنن الكبير ": ذكر اختلاف النَّاقلين لخبر حفصة. 1677 - أخبرنا القاسم بن زكريا بن دينار ثنا سعيد بن شُرَحْبيل أنا الليث عن يحيى بن أيُّوب عن عبد الله بن أبي بكرٍ عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر عن حفصة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من لم يبيِّت الصِّيام قبل الفجر فلا صيام له ". 1678 - أخبرنا عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعدٍ قال: حدَّثني أبي عن جدِّي قال: حدَّثني يحيى بن أيُّوب عن عبد الله بن أبي بكر عن ابن شهابٍ عن سالمٍ عن عبد الله عن حفصة عن النَّبيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من لم يبيِّت الصِّيام قبل الفجر فلا صيام له ".
1679 - أخبرني محمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم عن أشهب قال: أخبرني يحيى بن أيوب- وذكر آخر- (1) أنَّ عبد الله بن أبي بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم حدَّثهما عن ابن شهابٍ عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن حفصة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من لم يُجمع الصِّيام قبل طلع الفجر فلا يصم ". 1680 - أخبرنا أحمد بن الأزهر ثنا عبد الرَّزَّاق عن ابن جريج عن ابن شهاب عن سالم عن ابن عمر عن حفصة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من لم يبيِّت الصِّيام من الليل فلا صيام له ". 1681 - أخبرنا محمَّد بن عبد الأعلى ثنا معتمر (2) قال: سمعت عبيد الله عن ابن شهابٍ عن سالم عن عبد الله عن حفصة أنَّها كانت تقول: من لم يُجمع الصَّوم من الليل فلا يصم. 1682 - أخبرنا الرَّبيع بن سليمان ثنا ابن وهبٍ قال: أخبرني يونس عن ابن شهابٍ قال: أخبرني حمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: قالت حفصة - زوج النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لا صيام لمن لم يجمع قبل الفجر. 1683 - أخبرني زكريا بن يحيى ثنا الحسن بن عيسى- وهو ابن ماسَرْجِس- أنا ابن المبارك أنا معمر عن الزُّهريِّ عن حمزة بن عبد الله عن عبد الله بن عمر (3) عن حفصة قالت: لا صيام لمن لم يجمع قبل الفجر. 1684 - أخبرنا محمَّد بن حاتم أنا حِبَّان أنا عبد الله عن سفيان بن عيينة ومعمر عن الزُّهريِّ عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن حفصة قالت: لا
صيام لمن لم يجمع الصِّيام قبل الفجر. 1685 - أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أنا سفيان عن الزُّهريِّ عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن حفصة (1): لا صيام لمن لم يجمع الصِّيام قبل الفجر. 1686 - أخبرنا أحمد بن حرب ثنا (2) سفيان عن الزُّهريِّ عن حمزة بن عبد الله عن حفصة (3) قالت: لا صيام لمن لم يجمع الصِّيام قبل الفجر. قال أبو عبد الرَّحمن النَّسائيُّ: والصَّواب عندنا موقوفٌ، ولم يصحَّ رفعه - والله أعلم-، لأنَّ (4) يحيى بن أيُّوب ليس بذاك القويِّ، وحديث ابن جريجٍ عن الزُّهريِّ غير محفوظٍ، والله أعلم. أرسله مالك: 1687 - الحارث بن مسكين قراءةً عليه عن ابن القاسم قال: حدَّثني مالك عن ابن شهاب عن عائشة وحفصة مثل (5): لا يصوم إلا من أجمع الصِّيام قبل الفجر. ورواه نافع عن ابن عمر قوله:
1688 - الحارث بن مسكين قراءةً عليه عن ابن القاسم قال: حدَّثني مالكٌ عن نافع عن ابن عمر أنَّه كان يقول: لا يصوم إلا من أجمع الصِّيام قبل الفجر. 1689 - أخبرنا محمَّد بن عبد الأعلى ثنا المعتمر قال: سمعت عبيد الله عن نافع عن عبد الله قال: إذا لم يجمع الرَّجل الصَّوم من الليل فلا يصوم (1). وقد روى حديث عبد الله عن حفصة مرفوعًا: أبو داود عن أحمد بن صالح عن ابن وهبٍ عن ابن لهيعة ويحيى بن أيُّوب عن عبد الله بن أبي بكر بن حَزْم عن ابن شهابٍ عن سالمٍ عن أبيه (2). ورواه التِّرمذيُّ عن إسحاق بن منصور عن سعيد بن أبي مريم عن يحيى ابن أيُّوب عن عبد الله بن أبي بكر بإسناده مثله. وقال: لا نعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه، وقد روي عن نافعٍ عن ابن عمر قوله، وهو أصحُّ (3). ورواه ابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة عن خالد بن مخلد عن إسحاق ابن حازم عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حَزْم عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر عن حفصة مرفوعًا (4). وقال الميمونيُّ: قلت: لأبي عبد الله- يعني أحمد بن حنبل-: كيف
إسناد حديث النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا صوم لمن لم يجمع الصِّيام ... "؟ قال: أخبرك، ما له عندي ذاك الإسناد، إلا أنَّه عن ابن عمر وحفصة إسنادان جيِّدان (1). وقال الأثرم: سمعت أبا عبد الله- وذكر قول ابن عمر وحفصهْ: لا صيام لمن لم يجمع الصِّيام قبل الفجر- قلت له: قد رفعه يحيى بن أيُّوب المصريُّ عن عبد الله بن أبي بكر عن الزُّهريِّ عن سالم عن أبيه عن حفصة عن النَّبيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فكأنَّه لم يثبته. وقال عبد الرَّحمن بن أبي حاتم: سألت أبي عن حديثٍ رواه معن القزَّاز عن إسحاق بن حازم عن عبد الله بن أبي بكر عن سالم عن أبيه عن حفصة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا صيام لمن لم ينو من الليل ". ورواه يحيى بن أيُّوب عن عبد الله بن أبي بكر عن الزُّهريِّ عن سالم عن أبيه عن حفصة عن النَّبيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قلت لأبي: أيُّهما أصحُّ؟ قال: لا أدري، لأنَّ عبد الله بن أبي بكر قد أدرك سالمًا وروى عنه، ولا أدري هذا الحديث ممَّا سمع من سالم، أو سمعه من الزُّهريِّ عن سالم؛ وقد روي عن الزُّهريِّ عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن حفصة قولها غير مرفوع، وهذا عندي أشبه، والله أعلم (2) O. 1690 - الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا محمَّد بن مخلد ثنا
إسحاق بن أبي إسحاق ثنا الواقديُّ ثنا محمَّد بن هلال عن أبيه أنَّه سمع ميمونة بنت سعدٍ تقول: سمعت رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من أجمع الصَّوم من الليل فليصم، ومن أصبح ولم يجمعه فلا يصم " (1). قال المؤلِّف: الواقديُّ ضعيفٌ. احتجُّوا بحديثين: 1691 - أحدهما: أنَّهم رووا أن أعرابيًّا شهد عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برؤية الهلال، فأمر مناديه أن ينادي: " من أكل فليمسك، ومن لم يأكل فليصم ". وهذا لا يعرف، وإنَّما المعروف أنَّه شهد عنده برؤية الهلال، فأمر أن يُنادى في النَّاس أن يصوموا غدًا. وسيأتي هذا بإسناده- إن شاء الله- (2). وقد رواه الدَّارَقُطْنِيُّ بلفظٍ صريحٍ: أنَّ أعرابيًا جاء ليلة رمضان ... فذكر الحديث (3). 1692 - الحديث الثَّاني: قال البخاريُّ: ثنا مكيُّ بن إبراهيم ثنا يزيد عن سلمة بن الأكوع قال: أمر النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً من أسلم أن أذِّن في النَّاس: أنَّ من كان أكل فليصم بقيَّة يومه، ومن لم يكن كل فليصم، فإنَّ اليوم يومُ عاشوراء (4).
أخرجاه في "الصَّحيحين" (1). فحجَّتهم أنَّه أمر بالصَّوم في أثناء النَّهار، فدلَّ على أنَّ النِّيَّة تجوز بالنَّهار. وجوابه: أنَّ صوم عاشوراء لم يكن واجبًا، فله حكم النافلة، يدلُّ عليه: 1693 - ما روى الإمام أحمد قال: حدَّثنا عبد الرَّزَّاق ثنا معمر عن الزُّهريِّ قال: حدَّثني حُميد بن عبد الرَّحمن بن عوف أنَّه سمع معاوية يخطب بالمدينة يقول: يا أهل المدينة، أين علماؤكم؟! سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " هذا يوم عاشوراء، ولم يفرض علينا صيامه، فمن شاء منكم أن يصوم فليصم، فإني صائم ". فصام النَّاس (2). أخرجاه في "الصَّحيحين" (3). ز: أكثر الأحاديث تدلُّ على أنَّ صوم عاشوراء كان واجبًا ثمَّ نسخ. 1694 - كحديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان يوم عاشوراء يومًا تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصومه، فلمَّا قدم المدينة صامه وأمر بصيامه، فلمَّا فرض رمضان قال: " من شاء صامه، ومن شاء تركه ". أخرجاه في "الصَّحيحين" (4).
1695 - وأخرجا أيضًا حديث ابن عبَّاس قال: قدم النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرأى اليهود تصوم عاشوراء، فقال: " ما هذا؟ " [قالوا:] (1) يومٌ صالح نجَّى الله فيه موسى وبني إسرائيل من عدوِّهم، فصامه موسى. فقال: " أنا أحقُّ بموسى منكم ". فصامه وأمر بصيامه (2). وقال القاضي أبو يعلى: لم يكن صوم عاشوراء واجبًا لحديث معاوية المتقدِّم (3)؛ ولأنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر من لم يأكل بالصَّوم، والنِّيَّة في الليل شرطٌ في الواجب؛ ولأنَّه لم يأمر من أكل بالقضاء. وأجيب عن حديث معاوية: بأنَّه محمولٌ على أنَّه ليس مكتوبًا عليكم الآن، أو لم يُكتب عليكم بعد أن فُرض رمضان. وهذا ظاهرٌ، فإنَّ معاوية من مسلمة الفتح، وهو إنَّما سمعه من النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعدما أسلم في سنة تسع أو عشر، بعد أن نسخ صوم عاشوراء، فإنَّه نسخ بعد أن فرض رمضان، ورمضان فرض في السَّنة الثَّانية. وأجيب عن تصحيحه بنيَّةٍ من النَّهار وترك الأمر بقضائه: بأن من لم يدرك اليوم بكماله لم يلزمه قضاؤه، كما قيل في من أسلم وبلغ في أثناء يومٍ من رمضان، على أنَّه قد رُوي الأمر بالقضاء في حديثٍ غريبٍ: 1696 - قال أبو داود: حدَّثنا محمَّد بن المنهال ثنا يزيد ثنا سعيد عن
مسألة (353): يصح صوم التطوع بنية من النهار.
قتادة عن عبد الرَّحمن بن مسلمة عن عمِّه أنَّ أسلم أتت النَّبيّّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " صمتم يومكم هذا؟ " قالوا. لا. قال: " فأتمُّوا بقيَّة يومكم واقضوه " (1). هذا الحديث مختلفٌ في إسناده ومتنه، وفي صحَّته نظرٌ والله أعلم O. ***** مسألة (353): يصحُّ صوم التَّطوُّع بنيَّةٍ من النَّهار. وقال مالكٌ وداود: لا يصحُّ. 1697 - ما روى أبو داود قال: حدَّثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا وكيع عن طلحة بن يحيى عن عاثشة بنت طلحة عن عائشة قالت: كان النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا دخل عَلَيَّ قال: " هل عندكم طعامٌ؟ ". فإذا قلنا: لا، قال: " إنِّي صائمٌ ". فدخل علينا يومًا، فقلت: يا رسول الله أهدي لنا حسيسٌ (2) فحبسناه لك. فقال: " ادنيه ". فأصبح صائمًا وأفطر (3). ز: وقد روى هذا الحديث مسلم والنَّسائيُّ والتِّرمذيُّ- وقال:
مسألة (354): إذا حال دون مطلع الهلال غيم أو قتر (5) ليلة الثلاثين
حسنٌ- من حديث طلحة بن يحيى (1). ورواه النَّسائيُّ أيضًا من رواية: طلحة عن عائشة (2) ومجاهد عن عائشة (3). ورواه من رواية إسرائيل عن سماك بن حرب عن رجلٍ عن عائشة بنت طلحة (4)، والله أعلم O. ***** مسألة (354): إذا حال دون مطلع الهلال غيمٌ أو قَتَرٌ (5) ليلة الثَّلاثين من شعبان، فعن أحمد ثلاث روايات: إحداهن: أنَّه يجب صوم الثَّلاثين بنيَّةٍ من رمضان. وهذا مذهب عمر وعليٍّ وابن عمر ومعاوية وعمرو بن العاص وأنس وأبي هريرة وعائشة وأسماء؛ وقال به من كبار التَّابعن: طاوس ومجاهد وسالم وبكر بن عبد الله ومطرِّف
وميمون بن مهران في آخرين. فعلى هذه الرِّواية: هل يجوز أن يسمَّى يوم شكٍّ؟ فيه روايتان: إحداهما: لا يسمَّى يوم شكٍّ، بل هو يومٌ من رمضان من طريق الحُكْم، وهو ظاهر ما نقله مُهَنَّا، وبه قال الخلال والأكثرون من أصحابنا، فعلى هذا لا يتوجَّه النَّهي عن صوم الشَّكِّ إليه. والثَّانية: أنَّه يسمَّى يوم شكٍّ، نقلها المرُّوذِيُّ، فعلى هذا يرجح جانب التَّعبُّد وإن كان شكّا. والأولى أصحُّ. فإن قيل: فما يوم الشَّكِّ؟ قلنا: قد فسَّره الإمام أحمد فقال: يوم الشَّكِّ أن يتقاعد النَّاس عن طلب الهلال، أويشهد برؤيته من يَردُّ الحاكم شهادته. والرِّواية الثَّانية في المسألة: لا يجوز صيامه من رمضان ولانفلاً، بل يجوز: قضاءً وكفَّارةً ونذرًا ونفلاً يوافق عادةً، وهذا قول الشَّافعيِّ. والرِّواية الثَّالثة: أنَّ المرجع إلى رأي الإمام في الصَّوم والفطر، وبهذه قال الحسن وابن سيرين. وقال أبو حنيفة ومالك: لا يجوز صيامه من رمضان، ويجوز صيامه ما سوى ذلك (1).
ووجه الرِّواية الأولى: 1698 - ما روى الإمام أحمد بن حنبل قال: ثنا إسماعيل ثنا أيُّوب عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إنَّما الشَّهر تسعٌ وعشرون، فلا تصوموا حتَّى تروه، ولا تفطروه حتَّى تروه، فإن غُمَّ عليكم فاقدروا له ". قال نافع: فكان عبد الله إذا مضى من شعبان تسع وعشرون يبعث من ينظر، فإن رؤي فذاك، وإن لم ير ولم يَحُل دون مَنْظَرِه سحابٌ ولا قَتَرٌ أصبح مفطرًا، وإن حال دون مَنْظَره سحابٌ أو قَتَرٌ أصبح صائمًا (1). أخرجاه في "الصَّحيحين"، وأ يذكرا فعل ابن عمر (2). واحتجاج أصحابنا من هذا الحديث من وجهين: أحدهما: فعل ابن عمر، فإنَّ أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعلم بمراده، فنحن نرجع إليه كما رجعنا في خيار المجلس، فإنَّه [كان] (3) يفارق صاحبه ليتمَّ البيع. والثَّانية (4): أنَّ معنى: " اقدروا له ": ضيِّقوا له عددًا يطلع في مثله، وذلك يكون لتسعٍ وعشرين، ومن هذا قوله تعالى: (وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} [الطَّلاق: 7]. أي: ضُيِّق عليه. قالوا: فقد روي عن ابن عمر ضدُّ هذا:
1699 - أنبأنا محمَّد بن عبد الباقي البَزَّارُ أنبأنا إبراهيم بن عمر البَرْمَكيُّ ثنا محمَّد بن العبَّاس بن الفرات أنا حمزة بن القاسم ثنا حنبل بن إسحاق قال: حدَّثني أحمد بن حنبل ثنا وكيع عن سفيان عن عبد العزيز بن حكيم الحضرميِّ قال: سمعت ابن عمر يقول: لو صمت السنَّة كلَّها لأفطرت اليوم الذي يشكُّ فيه. قلنا: جوابه من وجهين: أحدهما: أنَّه لا يصحُّ، وقد ضعَّف أبو حاتم الرَّازيُّ عبدَ العزيز بن حكيمٍ (1). والثَّاني: أنَّ هذا ليس بيوم شكٍ- على ما سبق بيانه (2) -. ز: عبد العزيز بن حكيمٍ: صدوقٌ، قال إسحاق بن منصور عن يحيى ابن معين: عبد العزيز بن حكيمٍ الحضرميُّ ثقةٌ (3). وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن عبد العزيز بن حكيمٍ الحضرميِّ فقال: ثقةٌ. كذا ذكر ابن أبي حاتم عن أبيه أنَّه وثَّقه، ثمَّ قال: سألت أبي عن عبد العزيز بن حكيمٍ الحضرميِّ الكوفيِّ فقال: ليس بقويٍّ، يكتب حديثه (4). فيحتمل أن يكون سأله مرَّتين، ويحتمل أن يكون ذلك غلطًا في النُّسخة، والله أعلم (5) O.
أمَّا حجتهم، فلهم سبعة أحاديث: 1700 - الحديث الأوَّل: قال البخاريُّ: حدَّثنا آدم ثنا شعبة ثنا محمَّد ابن زياد قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غبِّي (1) عليكم فأكملوا عِدَّة شعبان ثلاثين ". انفرد بإخراجه البخاريُّ (2). والجواب: أنَّ أبا بكر الإسماعيليَّ ذكر هذا في "صحيحه" الذي خرَّجه على البخاريَّ: 1701 - أخبرنا يحيى بن ثابت بن بندار أنا أبي ثنا أبو بكر البَرْقَانيُّ ثنا
أحمد بن إبراهيم الإسماعيليُّ ثنا الحسن بن علويه ثنا بُنْدَار ثنا غُنْدَر ثنا شعبة عن محمَّد بن زياد قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تصوموا حتَّى تروا الهلال، ولا تفطروا حتَّى ترو الهلال، فإن غُمَّ عليكم فعدُّوا ثلاثين ". قال الإسماعيليُّ: قد رواه البخاريُّ عن آدم عن شعبة، فقال فيه: " فاكملوا عِدَّة شعبان ثلاثين ". قال: وقد رويناه عن غُنْدَر وعبد الرَّحمن بن مهدي وابن عُليَّة وعيسى ابن يونس وشَبَابة وعاصم بن عليٍّ والنَّضر بن شُميل ويزيد بن هارون وابن داود وآدم كلّهم عن شعبة، لم يذكر أحدٌ منهم: " فأكملوا عِدَّة شعبان ثلاثين ". قال: وهذا يجوز أن يكون من آدم رواه على التَّفسير من عنده للخبر، وإلا فليس لانفراد البخاريِّ عنه بهذا من بين من رواه عنه، ومن بين سائر من ذكرنا ممن يرويه عن شعبة وجهٌ. ورواه المقرئ عن ورقاء عن شعبة على ما ذكرنا أيضًا. قال المؤلِّف: قلت: فعلى هذا يكون المعنى: فإن غُمَّ عليكم رمضان فعدُّوا ثلاثين؛ وعلى هذا لا يبقى لهم حجَّةٌ في الحديث، على أنَّ أصحابنا قد تأوَّلوا ما انفرد به البخاريُّ من ذكر شعبان (1)، فقالوا: نحمله على ما إذا غُمَّ هلال رمضان وهلال شوَّال، فإنَّا نحتاج إلى إكمال شعبان ثلاثين احتياطًا للصَّوم، فإنَّا وإن كنَّا قد صمنا يوم الثَّلاثين من شعبان فليس بقطعٍ منَّا على أنَّه رمضان، إنَّما صمناه حكمًا. 1702 - الحديث الثَّاني: قال مسلم بن الحجَّاج: ثنا عبيد الله بن معاذ ثنا أبي ثنا شعبة عن محمَّد بن زياد قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غُمَّ (1) عليكم الشَّهر فعدُّوا ثلاثين ". انفرد بإخراجه مسلمٌ (2). والجواب: أنَّ المراد: فإن غُمَّ في رمضان، فعدُّوا رمضان ثلاثين؛ يدلُّ عليه شيئان: أحدهما: أنَّ الكناية ترجع إلى أقرب المذكورَين، وأقربهما: " وأفطروا لرؤيته ". والثَّاني: أنَّ قد روي (3) مفسَّرًا: 1703 - قال الإمام أحمد بن حنبل: ثنا عبد الأعلى عن معمر عن الزُّهريِّ عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غُمَّ عليكم فصوموا ثلاثين يومًا " (4). انفرد بإخراجه مسلمٌ (5). 1704 - الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطنِيُّ: حدَّثنا محمَّد بن موسى بن سهل ثنا يوسف بن موسى ثنا جرير عن منصور عن ربعي عن حذيفة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تقدّموا الشَّهر حتَّى تروا الهلال و (6) تكملوا العدَّة قبله، ثمَّ
صوموا حتَّى تروا الهلال أو تكملوا العدَّة قبله " (1). ورواه منصور عن ربعي عن بعض أصحاب النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تصوموا حتَّى تروا الهلال، [أو تكملوا العِدَّة ثلائين، ثُمَّ تصوموا، ولا تفطروا حتَّى تروا الهلال،] (2) أو تتمُّوا وتكملوا العدَّة ثلاثين ". والجواب: أنَّ أحمد ضعَّف حديث حذيفة وقال: ليس ذكر حذيفة فيه بمحفوظٍ (3). ثمَّ هو محمولٌ على حالة الصَّحو، لأنَّه لم يذكر فيه الغيم، وقد حمله أصحابنا على ما إذا غُمَّ هلال رمضان وهلال شوَّال- على ما سبق (4) -. 1705 - الحديث الرابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا عبد الله بن محمَّد بن زيادٍ ثنا عبد الرَّحمن بن بشر بن الحكم ثنا عبد الرَّحمن بن مهديٍّ عن معاوية بن صالح عن عبد الله بن أبي قيسٍ عن عائشة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتحفَّظ من هلال شعبان ما لا يتحفَّظ من غيره، ثُمَّ يصوم رمضان لرؤيته، فإن غُمَّ عليه عدَّ ثلاثين يومًا ثمَّ صام (5). قال الدَّارَقُطْنِيُّ: هذا إسنادٌ صحيحٌ (6). قال المؤلِّف: قلت: وهذه عصبيَّةٌ من الدَّارَقُطْنِيِّ، كان يحيى بن سعيد
لا يرضى معاوية بن صالحٍ (1)، وقال أبو حاتم الرَّازيُّ: لا يحتجُّ به (2). والذي حُفظ في هذا: " فعدُّوا ثلاثين ثمَّ أفطروا ": 1706 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا ابن صاعد ثنا محمَّد بن زُنْبُور المكيُّ ثنا إسماعيل بن جعفر ثنا محمَّد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " صوموا لروًيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غُمَّ عليكم فعدُّوا ثلاثين ثمَّ أفطروا " (3). [و] (4) رواه أبو بكر بن عيَّاش وأسامة بن زيدٍ عن محمَّد بن عمرو بهذا. قال الدَارَقُطْنِيُ: وهي أسانيد صحاح. وقد ذكرنا من حديث أبي هريرة: " فصوموا ثلاثين " (5). 1707 - الحديث الخامس: قال التِّرمذيُّ: حدَّثنا أبو سعيد عبد الله ابن سعيدٍ الأشَجُ ثنا أبو خالدٍ الأحْمر عن عمرو بن قيسٍ عن أبي إسحاق عن صِلَة بن زُفَر قال: كنَّا عند عمَّار بن ياسرٍ فأُتِيَ بشاةٍ مَصْلِيَّةِ، فقالوا: كلوا. فتنحَّى بعض القوم، فقال: إنِّي صائمٌ. فقال عمَّار: من صام اليوم الذي يُشكُّ فيه فقد عصى أبا القاسم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (1). 1708 - الحديث السَّادس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمَّد بن عمرو بن البَخْتَري ثنا أحمد بن الخليل ثنا الواقديُّ ثنا داود بن خالد بن دينار ومحمَّد بن مسلم عن المقبريِّ عن أبي هريرة قال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن صوم ستَّة أيَّام: اليوم الذي يُشكُّ فيه من رمضان، ويوم الفطر، ويوم الأضحى، وأيَّام التَّشريق (2). والجواب: أنَّا قد بيَّنَّا أنَّ هذا اليوم ليس بيوم شكٍّ. 1709 - الحديث السَّابع: أنبأنا محمَّد بن عبد الملك بن خيرون أنبأنا أحمد بن عليّ بن ثابتٍ الخطيب قال: أخبرني عبيد الله بن أبي الفتح أنا أبو بكر ابن شاذان ثنا أحمد بن عيسى بن السكين البلديُّ قال: حدَّثني هاشم بن القاسم الحرَّانيُّ ثنا يعلى بن الأشدق عن عبد الله بن جراد قال: أصبحنا يوم الثَّلاثين صيامًا، وكان الشَّهر قد أغمي علينا، فأتينا النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأصبناه مفطرًا، فقلنا: يا نبيَّ الله صمنا اليوم. فقال: " افطروا إلا أن يكون رجلٌ يصوم هذا اليوم فليتمَّ صومه، لأن أفطر يومًا من رمضان يُتمارى فيه، أحبُّ إليَّ من أن أصوم يرومًا من شعبان ليس منه " يعني: ليس من رمضان. قال الخطيب: ففي هذا الحديث كفايةٌ عمَّا سواه (3). قال المؤلِّف: قلت: لا تكون عصبيَّةٌ أبلغ من هذا! فليته روى الحديث
وسكت، فأمَّا أن يعلم عيبه ولا يذكره، ثمَّ يمدحه ويثني عليه ويقول: فيه كفاية عمَّا سواه. فهذا ممَّا أزرى به على علمه، وأثَّر به في دينه، أتُراه ما علم أنَّ أحدًا يعرف قبح ما أتى؟! كيف وهذا الأمر ظاهرٌ لكلِّ من شَدَا شيئًا من علم الحديث (1)؟! فكيف من أوغل فيه؟! أتُراه ما علم أنَّه في الصَّحيح عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " من روى حديثًا يُرى أنَّه كذبٌ فهو أحد الكاذبِينَ " (2)؟! وهذا الحديث موضوعٌ على ابن جراد، لا أصل له عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا ذكره أحدٌ من الأئمة الذين جمعوا السُّنن، وترخَّصوا في ذكر الأحاديث الضِّعاف، وإنَّما هو مذكورٌ في نسخة يعلى بن الأشدق عن ابن جراد، وهي نسخةٌ موضوعةٌ، قال أبو زرعة (3) الرَّازيُّ: يعلى بن الأشدق ليس بشيءٍ (4). وقال أبو أحمد بن عديٍّ (5) الحافظ: روى يعلى بن الأشدق عن عمِّه عبد الله بن جراد عن النَّبيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحاديث كثيرةً منكرةً، وهو وعمُّه غير معروفين (6). وقال البخاريُّ: يعلى لا يكتب حديثه (7). وقال أبو حاتم بن حِبَّان الحافظ: لقي يعلى عبدَ الله بن جراد، فلمَّا كبر (8) اجتمع عليه من لا دين له، فوضعوا له (9)
شبيهًا بمائتي حديث، نسخة عن ابن جراد، فجعل يحدِّث بها وهو لا يدري، لا تحلُّ الرِّواية عنه بحالٍ (1). قال المؤلِّف: قلت: وما كان هذا يخفى على الخطيب غير أنَّ العصبيَّة تغطِّي على الذِّهن، وإنَّما يُبَهْرج بما يخفى، ومثل هذا لا يخفى! نعوذ بالله من غلبات الهوى. ز: الذي دلَّت عليه الأحاديث في هذه المسألة وهو مقتضى القواعد أنَّ أيَّ شهرٍ غُمَّ أكمل ثلاثين، سواء في ذلك شهر شعبان وشهر رمضان وغيرهما، وعلى هذا فقوله: " فإن غُمَّ عليكم فاكملوا العدَّة " يرجع إلى الجملتين- وهما: قوله: " صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غُمَّ عليكم فاكملوا العدَّة "- أي: غُمَّ عليكم في صومكم أو فطركم، وهذا هو الظَّاهر من اللفظ، وباقي الأحاديث تدلُّ على هذا، كقوله: " فإن غُمَّ عليكم فاقدروا له " وليس المراد: ضيِّقوا، كما ظنَّه من ظنَّه من الأصحاب، بل المعنى: احسبوا له قدره، فهو من: قَدْر الشيء- وهو مبلغ كمِّيَّته-، لبس من: التَّضييق في شيءٍ.
وقوله تعالى: (وَمَن قُدِرَ عَلَيهِ رِزْقُهُ) [الطلاق: 7] هو من هذا، أي: كان رزقه بقدر كفايته لا يفضل منه شيءٌ، ليس (1) المراد ضيِّق عليه رزقه فلا يسعه، ولهذا قال: (فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ) [الطلاق: 7]، ومن كان رزقه أقلَّ من كفايته فمِنْ أين ينفق؟! والله تعالى يرزق العبد ما يسعه، ويرزقه ما يفضل عنه: فالأوَّل هو الذي قدر عليه رزقه- أي: قدَّر بكفايته-؛ والثَّاني: هو الغنيُّ الموسَّع عليه. وقوله تعالى: (فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ) [الأنبياء: 87] ليس من التَّضييق، وإنَّما هو من التَّقدير، والمعنى: أن لن نُقدِّر عليه ما قدَّرناه من السِّجن في بطن الحوت، وهي لغتان: قدَر وقدَّر عليه- بالتَّخفيف والتَّشديد-، قال الله تعالى: أفَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ) [المرسلات: 23] قرأ نافع والكسائيُّ: (فقدَّرنا) - بالتثقيل- وخفَّف الباقون لقوله: (فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ}، ووجه التَّثقيل قوله: (مِن نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَه) [عبس: 19] أجمع على تشديده، أي: فنعم القادرون نحن على تقديره. وقال تعالى: (وَالذِي قَدَّرَ فَهَدَى) [الأعلى: 3] قرأ الجمهور بالتَّشديد، وقرأ الكسائيُّ بالتَّخفيف. وقال الشَّاعر: ولا عائذٌ ذاك الزَّمان الذي ... مضى تباركت ما تقدرُ يكن ولك الأمر أي: ما تقدِّره يقع. وهذا معنى تفسير السَّلف: (فَظَنَّ أَن لَن نَقْدِرَ عَلَيهِ) [الأنبياء: 87]: أن لن نفعل به ما فعلناه.
والتَّضييق لازمٌ لمعنى التَّقدير، فإنَّه اذا أعطي قَدْره- لا أزيد ولا أنقص- فقد ضُيِّق أن يدخل فيه غيره أو يسعه سواه (1)، فإذا جعل الشَّهر ثلاثين فقد قدر له قدرًا لم يدخل فيه غيره، والله أعلم. وقال الحافظ أبو نعيم في كتاب " المستخرج على مسلم " في قوله: " فاقدروا له ": أي: اقصدوا بالنَّظر والطَّلب الموضع الذي تقدرون أنَّكم ترون (2) فيه (3). وهذا تفسيرٌ غريبٌ عجيبٌ!! وما ذكره الإسماعيليُّ من الكلام على الحديث الذي رواه البخاريُّ (وأنَّ آدم بن أبي إياس يجوز أن يكون رواه على التَّفسير من عنده للخبر): غير قادحٍ في صحَّة الحديث، لأنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إمَّا أن يكون قال اللفظين- وهذا مقتضى ظاهر الرِّواية-، وإمَّا أن يكون قال أحدهما وذكر الرَّاوي اللفظ الآخر بالمعنى، فإنَّ اللام في قوله: " فاكملوا العدَّة " للعهد- أي: عدَّة الشَّهر-، وهو صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يخصَّ شهرًا دون شهرٍ بالإكمال إذا غُمَّ، فلا فرق بين شعبان وغيره، إذ لو كان شعبان غير مرادٍ من هذا الإكمال لبيَّنه، لأنَّه ذكر الإكمال عقيب قوله: " صوموا ... وأفطروا "، فشعبان وغيره مرادٌ من قوله: " فأكملوا العدَّة "، فلا تكون رواية من روى: " فأكملوا عدَّة شعبان " مخالفًا لمن قال: " فأكملوا العدَّة " بل مبيِّنة لها، أحدهما أطلق لفظًا يقتضي العموم في الشَّهر، والثَّاني ذكر فردًا من الأفراد؛ ويشهد لهذا قوله: " فإن حال بينكم وبينه سحابٌ فكمِّلوا العدَّة ثلاثيِن، ولا تستقبلوا الشَّهر استقبالاً " وهذا صريحٌ في أنَّ التَّكميل لشعبان كما هو لرمضان، فلا فرق بينهما.
1710 - قال أبو داود الطَّيالسيُّ: حدَّثنا أبو عوانة عن سِماك عن عكرمة عن ابن عبَّاس أنَّ رسول الله عيهو قال: " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن حال بينكم وبينه غمامةٌ أو ضبابةٌ فأكملوا شهر شعبان ثلاثين، ولا تسقبلوا رمضان بصوم يومٍ من شعبان " (1). 1711 - وقال أبو يعلى الموصليُّ: حدَّثنا زهير ثنا إسماعيل عن حاتم بن أبي صغيرة عن سِماك بن حرب قال: أصبحت صائمًا في اليوم الذي يشكُّ فيه من رمضان، فأتيت عكرمة وهو يأكل خبزًا وبقلاً وعنبًا، فقال: ادْن فكل. فقلت: إنِّي صائمٌ. فقال: أقسم بالله لتفطرنَّه. قلت: سبحان الله! قال: أحلف بالله لتفطرنَّه. فلمَّا رأيته يحلف ولا يستثني تقدَّمت [] (2) وأنا شبعان، إنَّما تسحَّرت قبيل ذاك، ثمَّ قال: هات الآن ما عندك؟ فقال: قال ابن عبَّاس: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن حال دوله سحابٌ فأكملوا العدَّة ثلاثين، ولا تستقبلوا الشهر استقبالاً " (3). 1712 - وقال الإمام أبو بكر محمَّد بن إسحاق بن خزيمة: حدَّثنا يحيى ابن محمَّد بن السَّكن البزَّار بخبرٍ غريب غريب: ثنا يحيى بن كثير ثنا شعبة عن سِماك قال: دخلت على عكرمة في اليوم الذي يُشكُّ فيه من رمضان- وهو يأكل- قال: ادن فكُلْ. فقلت: إنِّي صائمٌ. قال: والله لتَدْنُونَّ. فقلت: فحدَّثني. قال: حدَّثني ابن عبَّاس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقال: " لا تستقبلوا الشَّهر استقبالاً، صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن حال بينكم (4) وبين منظره سحابٌ أو
قترةٌ فأكملوا العدَّة ثلاثين " (1) 1713 - وقال أبو القاسم الطَّبرانيُّ: حدَّثنا محمَّد بن النَّظر الأزديُّ ثنا معاوية بن عمرو ثنا زائدة عن سِماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن حال دونه غباية (2) فأكملوا العدَّة، والشَّهر تسعٌ وعشرون " (3). 1714 - قال الطَّبرانيُّ: وحدَّثنا الحسين بن إسحاق التستريُّ ثنا عبَّاد بن يعقوب الأسديُّ ثنا الوليد بن أبي ثور عن سماك بن حربٍ عن عكرمة عن ابن عبَّاس عن النَّبيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تقدَّموا الشَّهر، صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن كانت بينكم وبيبه غباية (2) فأتمُّوا العدَّة " (4). 1715 - قال الطَّبرانيُّ: وحدَّثنا معاذ بن المثنى ثنا مسدَّد ثنا أبو الأحوص عن سِماك عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تصوموا قبل رمضان، صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن حالت دونه غباية (2) فأكملوا ثلانين " (5). رواه الإمام أحمد بن حنبل عن إسماعيل بن حاتم بن أبي صغيرة بإسناده: " صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن حال بينكم وبينه سحابٌ فكمِّلوا العدَّة ثلاثين، ولا تستقبلوا الشَّهر استقبالاً " (6).
ورواه أبو داود عن الحسن بن عليٍّ عن الحسن بن عليٍّ عن زائدة (1). ورواه التِّرمذيُّ عن قتيبة عن أبي الأحوص بنحوه، وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ (2). ورواه النَّسائيُّ: عن قتيبة أيضًا (3)، وعن إسحاق بن إبراهيم عن إسماعيل بن إبراهيم عن حاتم بن أبي صغيرة بمعناه (4). وعن قتيبة عن ابن أبي عديٍّ عن أبي يونس عن سِماك بنحوه (5). ورواه "أبو حاتم البستيُّ: عن محمَّد بن عبد الله بن الجنيد عن قتيبة عن أبي الأحوص (6)، وعن ابن خزيمة (7). وفي الجملة هذا الحديث نصٌّ في المسألة، وهو حديثٌ صحيحٌ كما قال التِّرمذيُّ. وسِماك بن حرب: وثَّقه يحيى بن معين (8) وأبو حاتم الرَّازيُّ (9)
وغيرهما، وروى له مسلمٌ في "صحيحه" الكثير (1). 1716 - وقد روى مسلمٌ من حديث ابن عبَّاس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [قال: " إنَّ الله] (2) قد أمَدَّه لرؤيته، فإن أغمي عليكم فأكملوا العدَّة " (3). وفي الحديث الذي ذكرناه زيادة على هذا، والله أعلم. وأمَّا حديث حذيفة: فرواه أبو داود عن محمَّد بن الصَّبَّاح البزَّاز عن جرير بن عبد الحميد (4). ورواه النَّسائيُّ عن إسحاق بن إبراهيم عن جرير (5). ورواه عن محمَّد بن بشَّار عن عبد الرَّحمن بن مهديِّ عن سفيان عن منصور عن رِبعيٍّ عن بعض أصحاب النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (6). وعن محمَّد بن حاتم بن نعيم عن حِبَّان عن عبد الله عن الحجَّاج بن أرطأة عن منصور عن رِبعيٍّ قال: قال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً (7). وقال النَّسائيُّ: لا أعلم أحدًا من أصحاب منصور قال في هذا الحديث: (عن حذيفة) غير جرير (8).
ورواه أبو حاتم البستيُّ عن الحسين بن إدريس الأنصاريِّ عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير (1). وقول المؤلِّف (أنَّ أحمد ضعَّف حديث حذيفة) وهمٌ منه، فإنَّ أحمد إنَّما أراد أنَّ الصَّحيح قول من قال: عن رجلٍ من أصحاب النَّبيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنَّ تسمية حذيفة وهمٌ من جرير؛ فظنَّ المؤلِّف أنَّ هذا تضعيفٌ من أحمد للحديث وأنَّه مرسلٌ، وليس هو بمرسلٍ، بل متصلٌ: إمَّا عن حذيفة، وإمَّا عن رجلٍ من أصحاب النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وجهالة الصَّحابي غير قادحةٍ في صحة الحديث- كما ظنَّه بعضهم-، والله أعلم. وأمَّا حديث معاوية بن صالح عن عبد الله بن أبي قيس عن عائشة: فرواه أبو داود عن أحمد بن حنبل عن ابن مهديٍّ عن معاوية (2)، وهو حديثٌ صحيحٌ، ورواته ثقاتٌ محتجٌّ بهم في الصَّحيح، وقد صحَّح الدَّارَقُطْنيُّ إسناده كما تقدَّم (3). وقول المؤلِّف (هذه عصبيَّةٌ من الدَارَقُطْنِيِّ، كان يحيى بن سعيد لا يرضى معاوية بن صالح، وقال أبو حاتم الرَّازيُّ: لا يحتجُّ به) غير صحيحٍ، وإنَّما العصبيَّة منه، فإنَّ معاوية بن صالح: ثقةٌ صدوقٌ، وثَّقه عبد الرَّحمن بن مهديٍّ (4) وأحمد بن حنبل (5) وأبو زرعة (6) وغيرهم، وروى له مسلمٌ في
"صحيحه" محتجًّا به (1)، وما روى شيئًا خالف فيه الثِّقات، وكون يحيى بن سعيد لا يرضاه غير قادحٍ فيه، فإنَّ يحيى شَرْطُه شديدٌ في الرِّجال، ولذلك قال: لو لم أرو إلا عن من أرضى ما رويت إلا عن خمسة! (2) وأمَّا قول أبي حاتم: (لا يحتجُّ به) فغير قادح فيه أيضًا، فإنَّه لم يذكر السَّبب، وقد تكرَّرت هذه اللفظة منه في رجالٍ كثيرين من أصحاب الصَّحيح من الثِّقات الأثبات من غير بيان السَّبب، كخالد الحذَّاء (3) وغيره؛ وقد قال عبد الرَّحمن بن أبي حاتم: سألت أبي عن معاوية بن صالح فقال: صالح الحديث، حسن الحديث (4). وأمَّا حديث عمَّار: فرواه أبو داود عن محمَّد بن عبد الله بن نُمير عن أبي خالد الأحمر (5). ورواه النَّسائيُّ عن الأشج (6). ورواه ابن ماجة عن ابن نُمير (7). وقد رُوي عن أبي إسحاق قال: حدِّثت عن صِلَة بن زُفَر. وهذه علَّةٌ في الحديث (8).
مسألة (355): يكره صوم يوم الشك.
وأمَّا الحديث السَّادس- حديث أبي هريرة-: ففي إسناده الواقديُّ وهو ضعيفٌ. 1717 - وقد روى البيهقيُّ من حديث الثَّوريِّ عن أبي عبَّاد عن أبيه عن أبي هريرة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن صيامٍ قبل رمضان بيوم، والأضحى، والفطر، وأيام التشريق- ثلاثة أيامٍ بعد يوم النحر- (1). وأبو عبَّاد هو: عبد الله بن سعيد المقبريُّ، وقد أجمعوا على ضعفه، وعدم الاحتجاج بحديثه، والله أعلم. وأمَّا الحديث السَّابع: فهو حديثٌ موضوعٌ لا يُشكُّ في وضعه، فلا يجوز الاحتجاج به بحالٍ، وقد شفى المؤلِّف فيه، والله أعلم O. ***** مسألة (355): يكره صوم يوم الشَّكِّ. وقال أبو حنيفة ومالكٌ: لا يكره. وقد استدلَّ أصحابنا بالحديث المتقدِّم (2): نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن صوم ستَّة أيَّام ... - منها: يوم الشَّكِّ-.
مسألة (356): يجب صوم رمضان بشاهد واحد.
مسألة (356): يجب صوم رمضان بشاهدٍ واحدٍ. وقال مالكٌ وداود: لا يجب. وعن الشَّافعيِّ كالمذهبين. وقال أبو حنيفة: إن كان في السَّماء عِلَّةٌ قُبِل شاهدٌ واحدٌ، وإن لم يكن لم يُقبل إلا الجمُّ الغفير. لنا أربعة أحاديث: 1718 - االأوَّل: قال التِّرمذيَّ: حدَّثنا محمَّد بن إسماعيل ثنا محمَّد بن الصَّبَّاح ثنا الوليد بن أبي ثور عن سِمَاك عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال: جاء أعرابيٌّ إلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إنِّي رأيت الهلال. فقال: " أتشهد أن لا إله إلا الله؟ وتشهد أنَّ محمَّدًا رسول الله؟ " قال: نعم. قال: " يا بلال، أذِّن في النَّاس أن يصوموا غدًا " (1). فإن قيل: هذا الحديث أرسله إسرائيل وحمَّاد بن سلمة عن عكرمة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قلنا: قد اتَّفق الوليد بن أبي ثور وحازم بن إبراهيم وزائدة على رفع هذا الحديث، واختلف أصحاب سفيان بن عيينة عنه، ومن رفع فقد زاد، والزيادة من الثِّقة مقبولةٌ، والرَّاوي قد يسند ويرسل. زْ: 1719 - قال محمَّد بن إسحاق بن خزيمة في "صحيحه": ثنا محمَّد بن عثمان العجليُّ ثنا أبو أسامة ثنا زائدة ثنا سِماك بن حربٍ عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال: جاء أعرابيٌّ إلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أبصرت الهلال الليلة. فقال:
" أتشهد أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمَّدًا عبده ورسوله ". قال: نعم. قال: " قم يا فلان، فأذِّن في النَّاس فليصوموا غدًا ". قال ابن خزيمة: ثناه موسى بن عبد الرَّحمن المَسْروقيُّ ثنا حسين بن عليٍّ الجُعْفيُّ عن زائدة بهذا الإسناد نحوه، قال: وأمر بلالاً فأذَّن بالنَّاس (1). 1720 - وقال أبو يعلى الموصليُّ: ثنا أبو بكر- هو ابن أبي شيبة- ثنا حسين بن عليٍّ عن زائدة عن سِماك عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال: جاء رجلٌ إلى النَّبيِّ- صلم فقال: أبصرت الهلال الليلة. قال: " تشهد أن لا إلى إلا الله وأنَّ محمَّدًا عبد" ورسوله؟ " قال: نعم. قال: " قم يا بلال، فناد في النَّاس فليصوموا غدًا " (2). 1721 - وقال الطَّبرانيُّ: ثنا يعقوب بن إسحاق [المخرمِيُّ] (3) ثنا مسلم بن إبراهيم ثنا حازم بن إبراهيم عن سِماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عبَّاس تال: تمارى النَّاس في الهلال على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجاء أعرابيٌّ فشهد أنَّه رآه. فقال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تشهد أنَّ لا إله إلا الله وأنِّي رسول الله؟ ". قال: نعم. فأمر النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلالاً فنادى أنَّ الصَّوم غدًا (4). رواه أبو داود عن محمَّد بن بكَّار بن الرَّيَّان عن الوليد بن أبي ثورِ، وعن الحسن بن عليٍّ عن الحسين الجُعْفيِّ (5). وعن موسى عن حمَّاد، عن سِماك بمعناه، ولم يذكر ابن عبَّاس (6).
ورواه البيهقيُّ عن الحاكم عن أحمد بن محمَّد بن سلمة العنزيِّ عن عثمان ابن سعيدٍ الدَّارميِّ عن موسى بن إسماعيل عن حمَّاد بن سلمة عن سِماك عن عكرمة عن ابن عبَّاس موصولاً (1). قال أبو داود: رواه جماعة عن سِماك عن عكرمة مرسلاً (2). ورواه التِّرمذيُّ أيضًا عن أبي كريب عن الحسين الجُعْفيِّ عن زائدة. وقال: رواه الثَّوريُّ وغيره عن سماك عن عكرمة عن النَّبيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً (3). ورواه النَّسائيُّ: عن محمَّد بن عبد العزيز بن أبي رِزْمة عن السِّيناني عن سفيان عن سِماك مسندًا. وعن موسى بن عبد الرَّحمن عن حسين به. وعن أحمد بن سليمان عن أبي داود، وعن محمَّد بن حاتم عن حِبَّان عن ابن المبارك، جميعًا عن سفيان عن سماك عن عكرمة مرسلاً (4). وقال: هذا أولى بالصَّواب من حديث الفضل بن موسى السِّينانيِّ، لأنَّ سِماك بن حرب كان رُبَّما لقِّن، فقيل له: عن ابن عبَّاس؛ وابن المبارك أثبت في سفيان من الفضل؛ وسماك إذا انفرد بأصلٍ لم يكن حجَّةً، لأنَّه كان يلقَّن فيتلقَّن (5).
ورواه ابن ماجة عن عمرو بن عبد الله الأودي ومحمَّد بن إسماعيل الأحمسيِّ عن أبي أسامة عن زائدة (1). ورواه ابن حِبَّان عن أبي يعلى (2). قال الحافظ محمَّد بن عبد الواحد: رواية زائدة وحازم بن إبراهيم العجليِّ ممَّا يقوِّي رواية الفضل السِّينانيِّ، وقد رأيتُ غير حديثٍ من حديث " الصَّحيح " يرويه ابن المبارك فيوقفه. وقال البيهقيُّ بعد ذكر رواية الفضل بن موسى: وكذلك روي عن أبي عاصم عن الثَّوريِّ موصولاً، ورواه غيرهما عن الثَّوريِّ مرسلاً (3). والله أعلم O. 1722 - الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا ابن صاعد ثنا إبراهيم بن عتيق ثنا مروان بن محمَّد الدِّمشقيُّ ثنا ابن وهبٍ ثنا يحيى بن عبد الله ابن سالمٍ عن أبي بكرٍ بن نافع عن أبيه عن ابن عمر قال: تراءى النَّاس الهلال فأخبرتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنِّي رأيتُه، فصام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمر النَّاس بالصِّيام. قال الدَّارَقُطْنِيُّ: تفرَّد به مروان بن محمَّد عن ابن وهبٍ، وهو ثقةٌ (4). ز: وقد روى أبو داود هذا الحديث فقال: 1723 - حدَّثنا محمود بن خالدٍ وعبد الله بن عبد الرَّحمن السَّمرقنديُّ - وأنا لحديثه أتقن- قالا: ثنا مروان- هو ابن محمَّد- عن عبد الله بن وهبٍ
عن يحيى بن عبد الله بن سالمٍ عن أبي بكر بن نافعٍ عن أبيه عن ابن عمر قال: تراءى النَّاس الهلال، فأخبرت رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنِّي رأيته، فصام وأمر النَّاس بصيامه (1). ورواه أبو حاتم بن حِبَّان عن الحسن بن سفيان عن الدَّارميِّ عن مروان (2). قال البيهقيُّ: هذا الحديث يعدُّ في أفراد مروان بن محمَّد الدِّمشقيِّ، رواه عنه الرَّبيع بن سليمان، وقد اخبرناه أبو عبد الله الحافظ. ثنا محمَّد بن صالح بن هانئ ثنا محمَّد بن إسماعيل بن مهران ثنا هارون بن [سعيد] (3) الأيليُّ ثنا عبد الله بن وهبٍ أخبرني يحيى ... فذكره بمثله إلا أنَّه قال: فصام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمر النَّاس بالصِّيام (4) O. 1724 - الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدثنا محمَّد بن مخلد ثنا يحيى بن عيَّاش القطَّان ثنا حفص بن عمر الأبليُّ ثنا مِسْعَر بن كِدَام وأبو عوانة عن عبد الملك بن ميسرة عن طاوس قال: شهدت المدينة وبها ابن عمر وابن عبَّاس، فجاء رجلٌ إلى واليها، فشهد عنده على رؤية الهلال- هلال رمضان-، فسأل ابن عمر وابن عبَّاس عن شهادته، فأمراه أن يجيزها، وقالا: إنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أجاز شهادة رجلٍ واحدٍ على رؤية هلال رمضان. قالا: وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يجيز شهادة الإفطار إلا بشهادة رجلين. قال الدَّارَقُطْنِيُّ: تفرَّد به حفص بن عمر، وهو ضعيف الحديث (5).
قال المؤلِّف: قلت: وقال النَّسائيُّ: ليس بثقةٍ. وقال ابن حِبَّان: لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد. ز: كلام النَّسائيِّ (1) وابن حِبَّان (2) في حفص بن عمر بن ميمون العدني الفَرْخ، وهو غير راوي هذا الحديث، راوي هذا الحديث هو حفص بن عمرو (3) بن دينار الأُبليُّ، وهو ضعيفٌ بالاتفاق، ولم يخرِّج له أحدٌ من أصحاب " السُّنن "، وأمَّا الفَرْخ: فروى له ابن ماجة (4)، ووثَّقه بعضهم. وقال البيهقيُّ في هذا الحديث- بعد أن رواه عن أبي نصر بن قتادة عن أبي أحمد الحسين بن عليٍّ التَّميميِّ عن ابن مخلد-: وهذا ممَّا لا ينبغي أن يحتجَّ به (5) O. 1725 - الحديث الرَّابع: قال الإمام أحمد: ثنا يزيد أنا ورقاء عن عبد الأعلى الثَّعلبيِّ عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى قال: كنت مع البراء بن عازبٍ وعمر بن الخطَّاب في البقيع ننظر إلى الهلال، فأقبل راكبٌ، فتلقاه عمر، فقال: من أين جئت؟ قال: من المغرب. فقال: أهللت؟ قال: نعم. قال عمر: الله أكير، إنَّما يكفي المسلمين الرَّجل (6). ز: عبد الأعلى هو: ابن عامر الثَّعلبيُّ، وقد تكلَّم فيه غير واحدٍ من الأئمة.
1726 - وقال الشَّافعيُّ: أنا عبد العزيز بن محمَّد الدَّراورديُّ عن محمَّد ابن عبد الله بن عمرو بن عثمان عن أمِّه فاطمة بنت حسين أنَّ رجلاً شهد عند عليٍّ رضي الله عنه على رؤية هلال رمضان، فصام- وأحسبه قال: وأمر النَّاس أن يصوموا- وقال: أصوم يومًا من شعبان أحبُّ إليَّ من أن أفطر يومًا من رمضان (1) O. احتجُّوا: 1727 - بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا الحسين بن إسماعيل ثنا يوسف بن موسى ثنا سعيد بن سليمان ثنا عبَّاد بن العوَّام ثنا أبو مالك الأشجعيُّ ثنا حسين ابن الحارث الجَدلَيُّ أنَّ أمير مكَّة خطبنا فقال: عهد إلينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نَنْسك، فإن لم نره وشهد شاهدا عدلٍ نسكنا بشاهديهما (2)، فسألت الحسين بن الحارث: من أمير مكَّة؟ فقال: لا أدري. ثمَّ لقيني بعدُ فقال: هو الحارث ابن حاطب. قال الدَّارَقُطْنِيُّ: هذا إسنادٌ متصلٌ صحيحٌ (3). 1728 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا أبو الأزهر ثنا يزيد بن هارون أنا الحجَّاج بن أرطأة عن الحسن بن الحارث قال: سمعت عبد الرَّحمن بن زيد بن الخطَّاب يقول: إنَّا صحبنا أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتعلَّقنا (4) منهم، وإنَّهم حدَّثونا عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غُمَّ عليكم فعدُّوا ثلاثين، فان شهد ذوا عدلٍ فصوموا وأفطروا وأنسكوا " (5).
والجواب: أنَّا نقول: ينطق الخبر، لأنَّه يقتضي أن تصوموا بشهادة ذوي عدلٍ، ودليله ينقي ذلك (1)، ونصُّ خبرنا يعارض هذا الدَّليل، وهو أولى، لأنَّ النَّصَّ لا يسقط إلا بنصٍّ ينسخه، والدَّليل يسقط من غير نسخٍ، فصار كالقياس المعارض للنَّصِّ. ز: الحديث الأوَّل: رواه أبو داود عن محمَّد بن عبد الرَّحيم أبي يحيى البزَّاز عن سعيد بن سليمان (2). والحديث الثَّاني: رواه الإمام أحمد بن حنبل عن يحيى بن أبي زائدة عن حجَّاج بن أرطأة عن حسين (3). والحجَّاج: فيه كلامٌ، لكن رواه النَّسائيُّ من غير ذكره، عن إبراهيم ابن يعقوب عن أبي عثمان سعيد بن شبيب- وكان شيخًا صالحًا- عن ابن أبي زائدة عن حسين بن الحارث الجَدَليِّ (4). كذا رواه النَّسائيُّ، ولم يذكر في روايته الحجَّاج بن أرطأة بين يحيى بن زكريا بن أبي زائدة وبن حسين، وكأنَّه وهمٌ، والله أعلم. وقال ابن أبي حاتم في سعيد بن شبيب: سمع منه أبي بمصر وطرسوس، وروى عنه (5) O. *****
مسألة (357): إذا رأى الهلال أهل بلد لزم جميع البلاد الصوم.
مسألة (357): إذا رأى الهلال أهل بلدٍ لزم جميع البلاد الصَّوم. وقال الشَّافعيُّ: لا يلزم إلا ما قاربه. [دليلنا: قوله عليه السَّلام: " فإن شهد ذوا عدلٍ فصوموا ". وقد سبق بإسناده]. (1) احتجُّوا: 1729 - بما روى الإمام أحمد: حدَّثنا سليمان بن داود الهاشميُّ أنا إسماعيل بن جعفر ثنا محمَّد بن أبي حرملة قال: أخبرني كُريب أنَّ أمَّ الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشَّام، قال: قدمت الشَّام فقضيت حاجتها، فاستُهِل عليَّ هلال رمضان وأنا بالشَّام، فتراءينا الهلال ليلة الجمعة، ثمَّ قدمت المدينة في آخر الشَّهر، فسألني ابن عبَّاس، ثمَّ ذكر الهلال فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة. فقال: أنت رأيته ليلة الجمعة؟ فقلت: رآه النَّاس، وصاموا، وصام معاوية. قال: لكن رأيناه ليلة السَّبت، فلا نزال نصوم حتَّى نكمل ثلاثن يومًا أو نراه. فقلت: ألا تكتفي (2) برؤية معاوية وصِيامه؟ قال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (3). قال الِّترمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (4).
مسألة (358): يجب على المطاوعة على الوطء في نهار رمضان كفارة
ز: هذا الحديث رواه مسلمٌ في "صحيحه" (1)، وهو ظاهرٌ في الاستدلال، ولم يذكر المؤلِّف الجواب عنه. وقد أجاب عنه أصحابنا بأن قالوا: إنَّما يدلُّ على أنهم لا يفطرون بقول كريبٍ وحده، ونحن نقول به، وإنَّما محلُّ الخلاف: (وجوب قضاء اليوم الأوَّل) وليس هو في الحديث O. ***** مسألة (358): يجب على المطاوعة على الوطء في نهار رمضان كفَّارة الجماع. وعنه: لا يجب. وعن الشَّافعيِّ كالرِّوايتن. 1730 - قال الإمام أحمد بن حنبل: حدَّثنا عبد الرَّزاق أخبرنا ابن جريج قال: أخبرني ابن شهابٍ عن حميد بن عبد الرَّحمن أنَّ أبا هريرة حدَّثه أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر رجلاً أفطر في رمضان أن يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعن (2) أو يطعم ستين مسكينًا (3). أخرجاه في "الصَّحيحين" (4).
قال أصحابنا: ووجه الاحتجاج: أنَّه علَّق التَّكفير بالفطر. وليس قولهم هذا بمعتمد، فإنَّهم لا يقولون: إنَّ الكفَّارة تجب على كلِّ مفطرٍ، وإنَّما المراد بالإفطار في هذا الحديث: الإفطار بالجماع- على ما سيأتي بيانه في مسألة الإفطار بالأكل (1) -. احتجُّوا: بحديث الأعرابي: 1731 - قال أحمد: ثنا سفيان عن الزُّهريِّ عن حميد بن عبد الرَّحمن (2) عن أبي هريرة قال: جاء رجلٌ إلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: هلكتُ! قال: " وما أهلكك؟! " قال: وقعت على امرأتي في رمضان! قال: " أتجد رقبة؟ ". قال: لا. قال: " أتستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ ". قال: لا. قال: " تستطيع أن تطعم ستين مسكينًا؟ ". قال: لا. قال: " اجلس ". فأُتي النَّبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعَرَق فيه تمرٌ- والعَرَق: المكتل الضَّخم- فقال: " تصدَّق بهذا ". فقال: على أفقر منا؟! ما بين لابتيها أفقر منا! قال: فضحك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال: " اطعمه أهلك " (3).
أخرجاه في "الصَّحيحين" (1). وحجَّتهم أنَّه لم يأمر في حقِّ المرأة بشيءٍ. وجواب هذا من عشرة أوجه: أحدها: أنَّه استدلالٌ بالعدم، والعدم لا صيغة (2) له فيستدلُّ به. والثَّاني: أنَّه يحتمل أنه يكون قد ذكر حكمها ولم ينقل. والثَّالث: أنَّه إنَّما يجب البيان للسائل عن الحكم اللازم له، والمرأة لم تأته ولم تسأله، ولا سأله زوجها عنها، فلا يجب عليه البيان. فإن قالوا: فقد بيَّن ما لم يسأل عنه في حديث العسيف: 1732 - قال البخاريُّ: ثنا عليُّ بن عبد الله ثنا سفيان قال: حفظناه من الزُّهريِّ قال: أخبرني عبيد الله أنَّه سمع أبا هريرة وزيد بن خالد قالا: كنَّا عند النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقام رجلٌ فقال: أنشدك الله إلا قضيت بيننا بكتاب الله. فقام خصمه - وكان أفقه منه- فقال: اقض بيننا بكتاب الله وأْذَنْ لي. قال: " قل ". قال: إنَّ ابني كان عسيفًا على هذا، فزنى بامرأته، فافتديت منه بمائة شاةٍ وخادمٍ، ثمَّ سألت رجالاً من أهل العلم فأخبروني أنَّ على ابني جلد مائة وتغريب عام، وعلى امرأته الرَّجم. فقال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " والذي نفسي بيده لأقضينَّ بينكما بكتاب الله جلَّ ذكره، المائة شاة والخادم ردٌّ عليك، وعلى ابنك جلدُ مائةٍ وتغريب عامٍ، واغدُ يا أُنيس على امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها ". فغدا عليها فاعترفت، فرجمها (3).
قلنا: هذا تبرُّعٌ منه، وله أن يتبرَّع وأن لا يتبرَّع، كما سئل عن ماء البحر، فقال: " هو الطَّهور ماؤه، الحلُّ ميتته ". ثمَّ الفرق بين حديث العسيف ومسألتنا من وجهين: أحدهما: أنَّه أُخبر في حديث العسيف بما يوجب الحدَّ، والحدود حقٌّ لله عزَّ وجلَّ، يلزم الإمام استيفاؤها، والكفَّارة معاملة بين العبد وبين ربِّه، ولا نطر للإمام فيها. والثَّاني: أنَّ الحدَّ في قصة العسيف مختلفٌ، فإنَّ المرأة كانت محصنةً وحَدُّها الرَّجم، وكان الزَّاني غير محصنٍ وحدُّه الجلد، فلمَّا اختلف البيان احتاج إل شرحه، بخلاف مسألتنا فإنَّ الحكم لا يختلف، فكان البيان للرَّجل بيانًا لها، وصار هذا كقوله تعالى: (فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25]، وألحقنا بها العبد في تنصيف الحدِّ، وهذا هو الجواب الرابع. والخامس: أنَّ سكوته لا يدلُّ على سقوط الوجوب، فإنَّه لم يذكر له القضاء، ولا الغسل. والسَّادس: أنَّه يجوز أن يكون سكت عنه لعارضٍ صرفه عن ذكره أو شغلٍ شغله. والسَّابع: يحتمل أن يكون قد علم أنَّها ممن لا تلزمه الكفَّارة، لكونها حائضًا أو مريضةً أو مجنونةً أو ذمِّيَّةً، فالخبر قضيَّةٌ في عينٍ فهي محتملة. والثَّامن: أنَّ الرسول - صعلم قبل قوله على نفسه بإقراره، ولم يقبل قوله عليها، كما في قضيَّة ماعز. والتَّاسع: أنَّه لمَّا أمره بعتق رقبة فذكر فقره وفقر أهل بيته أسقط عنه
الكفَّارة لفقره، فلم يكن في ذكر كفَّارتها فائدة لفقرها. والعاشر: أنَّه قد روي في بعض ألفاظ هذا الحديث: (هلكتُ وأهلكتُ). وفي قوله: (وأهلكتُ) تنبيهٌ (1) على أنَّه أكرهها، ولولا ذلك لم يكن مهلكًا لها، والمكرهة لا كفَّارة عليها. 1733 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا عثمان بن أحمد الدَّقَّاق ثنا عبيد بن محمَّد ابن خلف ثنا أبو ثور ثنا معلَّى بن منصور ثنا سفيان بن عيينة عن الزُّهريِّ أخبره حميد بن عبد الرَّحمن أنَّه سمع أبا هريرة يقول: أتى رجلٌ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: هلكتُ وأهلكتُ! قال: " ما أهلكك؟ " (2) قال: وقعت على أهلي ... فذكر الحديث (3). فإن قالوا: قد قال أبو سليمان الخطَّابيُّ: المعلى بن منصور ليس بذاك في الحفظ (4) قلنا: ما [عرفنا] (5) أحدًا طعن في المعلَّى، ثمَّ قد روي لنا من طريقٍ آخر: 1734 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا النَّيسابوريُّ ثنا محمَّد بن عُزَيز قال: حدَّثني سلامة بن روح عن عُقيل عن الزُّهريِّ عن حميد بن عبد الرَّحمن عن أبي هريرة قال: بينا أنا جالسٌ عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاءه رجلٌ فقال: هلكتُ
وأهلكتُ .... فذكر الحديث (1). إلا أنَّ سلامة: فيه ضعفٌ. ز: الإسناد الأوَّل: لا بأس به، ومعلَّى بن منصور: محتجٌّ به في "الصَّحيحين" (2). والإسناد الثَّاني: مقاربٌ، وسلامة: متكلَّمٌ فيه، قال أبو حاتم الرَّازيُّ: ليس بالقويِّ (3). وقال أبو زرعة: ضعيفٌ، منكر الحديث (4). وذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثِّقات" وقال: مستقيم الحديث (5). وقد ذكر البيهقيُّ هذه اللفظة وتكلَّم عليها، فقال: باب رواية من روى في هذا الحديث لفظةً لا يرضاها أصحاب الحديث. 1735 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدَّثني أبو أحمد الحسن بن علي
التَّميميُّ ثنا محمَّد بن المسيَّب الأَرْغِيانيُّ ثنا محمَّد بن [عُقبة] (1) حدَّثني أبي، قال ابن المسيَّب: وحدَّثني عبد السَّلام- يعني: ابن عبد الحميد- أنا عمر والوليد، قالوا: أنا الأوزاعيُّ حدَّثني الزُّهريُّ ثنا حميد بن عبد الرَّحمن بن عوف قال: حدَّثني أبو هريرة قال: بينا أنا عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ جاءه رجلٌ فقال: يا رسول الله، هلكتُ وأهلكتُ! قال: " ويحك! وما شأنك؟ " قال: وقعت على أهلي في رمضان. قال: " فأعتق رقبة " .... وذكر الحديث. ضعَّف شيخنا أبو عبد الله الحافظ رحمه الله هذه اللفظة: (وأهلكتُ) وحملها على أنَّها أدخلت على محمَّد بن المسيَّب الأَرْغِيانيِّ، فقد رواه أبو عليٍّ الحافظ عن محمَّد بن المسيَّب بالإسناد الأوَّل دون هذه اللفظة، ورواه العبَّاس عن محمَّد بن المسيِّب بالإسناد الأوَّل دون هذه اللفظة، ورواه العبَّاس بن الوليد عن عقبة بن علقمة دون هذه اللفظة، ورواه دحيم وغيره عن الوليد بن مسلم دونها، ورواه كافة أصحاب الأوزاعيِّ عن الأوزاعيِّ دونها، ولم يذكرها أحدٌ من أصحاب الزُّهريِّ عن الزُّهريِّ إلا ما روي عن أبي ثورٍ عن معلَّى بن منصور عن سفيان بن عيينة عن الزُّهريِّ. وكان شيخنا يستدلُّ على كونها في تلك الرِّواية أيضًا خطأ= بأنَّه نظر في كتاب " الصَّوم " تصنيف: المعلَّى بن منصور- بخطٍّ مشهورٍ- فوجد فيه هذا الحديث دون هذه اللفظة، وأنَّ كافة أصحاب سفيان رووه عنه دونها، والله أعلم (2) O. *****
مسألة (359): كفارة الجماع على الترتيب.
مسألة (359): كَفَّارة الجماع على التَّرتيب. وعنه: أنَّها على التَّخيير، كقول مالك. لنا: حديث الأعرابيِّ المتقدِّم (1)، وقوله: " أعتق رقبة ". قال: لا أجد. قال: "فصم ". ***** مسألة (360): المتفرِّد برؤية الهلال إذا شمهد بالرُّؤية فردَّ الحاكم شهادته لزمه الصَّوم من غير خلاف، فإن أفطر بالجماع لزمته الكفَّارة. وقال أبو حنيفة: لا كفَّارةْ لنا: حديث الأعرابيِّ: واقعت أهلي في رمضان. وهذا كذا (2) يقول. احتجُّوا: 1736/أبما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا القاسم بن إسماعيل ثنا محمَّد بن إسحاق الصَّاغانيُّ (3) ثنا محمَّد بن عمر ثنا داود بن خالد وثابت بن قيسٍ ومحمَّد
ابن مسلم جميعًا عن المَقْبريِّ عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " صومكم يوم تصومون، وفطركم يوم تفطرون " (1). وجوابه: أنَّ محمَّد بن عمر هو: الواقديُّ، وهو ضعيفٌ. وقد رواه التِّرمذيُّ من طريقٍ آخر، وقال: هو غريبٌ (2). ثمَّ هو محمولٌ على من لم يره. ز: قول المؤلِّف: (لزمه الصَّوم من غير خلاف) غير صحيحٍ، فإن حنبلاً روى عن أحمد أنَّه لا يلزمه الصَّوم، وهو قول عطاء وإسحاق وغيرهما؛ وذهب مالكٌ والشَّافعيُّ وأصحاب الرأي وغيرهم إلى وجوب الصَّوم على من رآه وحده. وهذا الحديث الذي ذكره يدلُّ على عدم الوجوب، ولم يذكر المؤلِّف أحدًا قال بذلك، فيبقى قوله: (احتجُّوا) لا معنى له! ثمَّ حديث أبي هريرة الذي ذكره لم يتفرَّد به الواقديُّ: 1736/ب- بل روى أبو داود (3) والتِّرمذيُّ (4) وابن ماجة (5) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الفطر يوم كفطرون، والأضحى
مسألة (361): لا تجب الكفارة بالأكل والشرب.
-يوم تضحُّون ". وزاد التِّرمذيُّ في أوَّله: " الصَّوم يوم تصومون ". وقال: حديثٌ حسنٌ غريبٌ. 1737 - وروى التِّرمذيُّ أيضًا من حديث عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الفطر يوم يفطر النَّاس، والأضحى يوم يضحِّي النَّاس ". وقال: حديثٌ حسنٌ غريبٌ صحيحٌ (1) O. ***** مسألة (361): لا تجب الكفَّارة بالأكل والشُّرب. وقال أبو حنيفة ومالكٌ: تجب بالعمد. احتجُّوا بأربعة أحاديث: أحدها: حديث أبي هريرة: أنَّ رجلاً أفطر في رمضان، فأمره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يعتق رقبة. وقد سبق بإسناده (2). 1738 - الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا محمَّد بن إسحاق ثنا محمَّد بن عمر ثنا أبو بكر بن إسماعيل عن أبيه عن عامر بن سعد عن أبيه قال: جاء رجلٌ إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أفطرت يومًا من
رمضان متعمدًا! قال: " أعتق رقبة، أو صم شهرين متتابعين، أو أطعم ستين مسكينًا" (1). 1739 - الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا أبو سهل بن زياد ثنا إسماعيل بن إسحاق ثنا يحيى الحِمَّانيُّ ثنا هُشيم عن إسماعيل بن سالم عن مجاهد عن أبي هريرة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر الذي أفطر يومًا من رمضان بكفَّارة الظِّهار (2). 1740 - الحديث الرَّابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا عليُّ بن عبد الله بن مبشِّر ثنا أحمد بن سنان ثنا يزيد بن هارون ثنا أبو مَعْشر عن محمَّد بن كعبٍ القُرَظِيِّ عن أبي هريرة أنَّ رجلاً أكل في رمضان فأمره النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يعتق رقبةً، أو يصوم شهرين، أو يطعم ستين مسكينًا (3). والجواب: أمَّا الحديث الأوَّل: فهو حديث الأعرابيِّ الذي وتع على أهله، وإنَّما عبَّر بعض الرُّواة عن الجماع بالفطر، والحديث مبيَّنٌ في المسانيد. قال الدَّارَقُطْنِيُّ: روى مالكٌ ويحيى بن سعيدٍ وابن جريجٍ وعبد الله بن أبي بكر وأبو أويس وفُليح بن سليمان وعمر بن عثمان المخزوميُّ ويزيد بن عياض وشبل بن عبَّاد والليث بن سعدٍ - من رواية أشهب بن عبد العزيز عنه- وابن عيينة- من رواية نُعيم بن حمَّاد عنه- وإبراهيم بن سعدٍ - من رواية عمَّار (4) بن مطرٍ عنه- كلُّهم عن الزُّهريِّ أنَّ رجلاً أفطر ... (5)
وخالفهم كثر منهم عددًا، منهم: عِرَاك بن مالك وعبيد الله بن عمر وإسماعيل بن أميَّة ومحمَّد بن أبي عتيق وموسى بن عقبة ومعمر ويونس وعُقيل وعبد الرَّحمن بن خالد والأوزاعيُّ وشعيب بن أبي حمزة ومنصور بن المعتمر وسفيان بن عيينة وإبراهيم بن سعٍِ والليث بن سعدٍ وعبد الله بن عيسى ومحمَّد ابن إسحاق والنعمان بن راشد وحجَّاج بن أرطأة وصالح بن أبي الأخضر ومحمَّد ابن أبي حفصة وعبد الجبَّار بن عمر وإسحاق بن يحيى وهبَّار (1) بن عقيلٍ وثابت ابن ثوبان وقُرَّة بن عبد الرَّحمن وزَمْعة بن صالحٍ وبحر السَّقا والوليد بن محمَّد (2) وشعيب بن خالدٍ ونوح بن أبي مريم وغيرهم، كلُّهم رووا عن الزُّهريِّ هذا الحديث بهذا الإسناد، وأنَّ إفطار ذلك الرَّجل كان بجماعٍ (3). وأمَّا الحديث الذي فيه أنَّه أمره بكفَّارة الظِّهار: فيرويه يحيى الحِمَّانيُّ، قال أحمد: كان يكذب جهارًا (4). ئمَّ لا حجَّة فيه، لأنَّ جميع الألفاظ حكاية عن رجلٍ أفطر، ولم يذكر بماذا أفطر، فنحمله على الوطء بدليلنا. وأمَّا اللفظ الذي فيه أنَّ رجلاً كل ... : فيرويه أبو مَعْشر نَجيح، قال يحيى بن معين: ليس بشيءٍ (5).
مسألة (362): إذا كل ناسيا لم يبطل صومه.
ز: قال البيهقيُّ: رواية الجماعة عن الزُّهريِّ مقيَّدةٌ بالوطء ناقلةٌ للفظ صاحب الشَّرع- أولى بالقبول لزيادة حفظهم وأدائهم الحديث على وجهه، كيف وقد روى حمَّاد بن مسعدة هذا الحديث عن مالك عن الزُّهريِّ نحو رواية الجماعة؟! 1741 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو الفضل بن إبراهيم ثنا أحمد بن سلمة ثنا عبد الرَّحمن بن بشر بن الحكم ثنا حمَّاد بن مسعدة عن مالكٍ عن ابن شهابٍ عن حميد بن عبد الرَّحمن عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في رجلٍ وقع على أهله في رمضان، قال: " أعتق رقبة ". قال: ما أجدها. قال: " فصُم شهرين ". قال: ما أستطيع. قال: " فأطعم ستين مسكينًا " (1) O. ***** مسألة (362): إذا كل ناسيًا لم يبطل صَومُه. وقال مالك: يبطل. لنا حديثان: 1742 - الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا يزيد بن هارون نا هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من نسي وهو صائمٌ فأكل أو شرب، فليتمَّ صومه، فإنَّما أطعمه الله وسقاه " (2).
أخرجاه في "الصَّحيحين" (1). 1743 - طريقٌ آخر: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا عبيد الله بن عبد الصَّمد ابن المهتدي ثنا أحمد بن خليد الكنديُّ نا محمَّد بن عيسى بن الطَّبَّاع ثنا ابن عُليَّة عن هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا أكل الصَّائم ناسيًا، أو شرب ناسيًا، فإنَّما هو رزقٌ ساقه الله إليه، ولا قضاء عليه ". قال الدَّارَقُطْنِيُّ: إسنادٌ صحيحٌ، كلُّهم ثقاتٌ (2). 1744 - طريقٌ آخر: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا محمَّد بن محمود السراج ثنا محمَّد بن مرزوق البصريُّ ثنا محمَّد بن عبد الله الأنصاريُّ ثنا محمَّد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أفطر في شهر رمضان ناسيًا، فلا قضاء عليه ولا كفَّارة ". قال الدَّارَقُطْنِيُّ: تفرَّد به ابن مرزوق- وهو ثقةٌ - عن الأنصاريِّ (3). ز: روى هذا الحديث الحاكم في "المستدرك" وقال: صحيحٌ على شرط مسلمٍ ولم يخرجاه (4). ولم يتفرَّد به ابن مرزوق عن الأنصاريِّ، بل رواه عنه غيره: 1745 - قال البيهقيُّ: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو
عبد الرَّحمن محمَّد بن عبد الله التَّاجر نا أبو حاتم محمَّد بن إدريس ثنا محمَّد بن عبد الله الأنصاريُّ ثنا محمَّد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أقطر في رمضان ناسيًا، فلا قضاء عليه ولا كفَّارة ". قال: وكذلك رواه محمَّد بن مرزوق البصريُّ عن الأنصاريِّ، وهو ممَّا تفرَّد به الأنصاريُّ عن محمَّد بن عمرو، وكلُّهم ثقاتٌ (1). انتهى كلامه. ومحمَّد بن عمرو: صدوقٌ لكن تكلَّم فيه من قبل حفظه. والمشهور في هذا الحديث هذا اللفظ المخرَّج في الصَّحيح، وهذا مرويٌّ بالمعنى، والله أعلم O. 1746 - الحديث الثَّاني: قال أحمد: ثنا عبد الصَّمد ثنا بشَّار بن عبد الملك قال: حدَّثتني أمُّ حكيم بنت دينار عن مولاتها أمِّ إسحاق أنَّها كانت عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأتي بقصعةٍ من ثَرِيدٍ، فأكلت معه، ومعه ذو اليدين، فناولها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرْقًا (2) فقال: " يا أمّ إسحاق أصيبي من هذا ". قالت: فذكرتُ أنِّي كنت صائمةً فبردت (3) يدي، لا أقدِّمها ولا أؤخرِّها! فقال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مالك؟! " قلت: كنت صائمةً فنسيت! فقال ذو اليدين: الآن بعد ما شبعت! فقال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أتمي صومَكِ، فإنَّما هو رزقٌ ساقه الله إليك " (4). ز: هذا حديثٌ غريبٌ غير مخرَّجٍ في " السُّنن "، وبعض رواته ليس
مسألة (363): لا تكره القبلة للصائم إذا كان ممن لا تحرك شهوته.
بمشهورٍ، وبشَّار بن عبد الملك هو: المزنيُّ، بصريٌّ، قال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين: بشَّار بن عبد الملك ضعيفٌ (1). وقال أبو حاتم الرَّازيُّ: روى عن جدَّتِه أمِّ حكيم بنت دينار، روى عنه موسى بن إسماعيل وعبد الصَّمد بن عبد الوارث (2). وقال البخاريُّ في "التَّاريخ": بشَّار بن عبد الملك يعدُّ في البصريين، قال لنا موسى بن إسماعيل: ثنا بشَّار بن عبد الملك قال: حدَّثتني أمُّ حكيم سمعت مولاتها أمَّ إسحاق الغنوية قالت: هاجرت إلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (3) O. ***** مسألة (363): لا تكره القبلة للصائم إذا كان ممَّن لا تحرِّك شهوته. وعنه: تكره، كقول مالك. لنا أربعة أحاديث: 1747 - الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقبِّل وهو صائمٌ (4). 1748 - الحديث الثَّاني: قال أحمد: وثنا إسماعيل بن إبراهيم ثنا هشام
الدَّستوائيُّ عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن زينب بنت أمِّ سلمة عن أمِّ سلمة أنَّها قالت: كان رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقبِّلها وهو صائمٌ (1). الحديثان في "الصَّحيحين". 1749 - الحديث الثَّالث: قال أحمد: وحدَّثنا حجَّاج ثنا ليث قال: حدَّثني بكير عن عبد الملك بن سعيدٍ الأنصاريِّ عن جابر بن عبد الله عن عمر ابن الخطَّاب قال: هششت يومًا فقبَّلت وأنا صائمٌ، فأتيت النَّبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: صنعت اليوم أمرًا عظيمًا! قبَّلتُ وأنا صائمٌ! فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أرأيت لو تمضمضت وأنت صائمٌ؟ ". قلت: لا بأس (2). فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ففيم؟! " (3). قال المؤلِّف: ليثٌ ضعيفٌ. ز: كذا قال! وهو وهمٌ ظاهرٌ، فإنَّ ليثًا هذا هو ابن سعدٍ الإمام، وليس بابن أبي سُليم المتكلَّم فيه. قال شيخنا الإمام العلامة أبو العبَّاس: ليث هذا هو: الليث بن سعدٍ الإمام الجليل، لا يختلف في فضله ونبله وثقته وفقهه اثنان! توهَّم المؤلِّف رحمه الله أنَّه ليث بن أبي سليم، وذاك مع حفظه قد ضُعِّف، وليس طبقة ليث بن سعدٍ طبقة ابن أبي سليم؛ فإنَّ ابن أبي سليم يروي عن عطاء ومجاهد وكبار التَّابعين.
وأحمد لا يروي عن واحدٍ عنه، وإنَّما يروي عن اثنين، والرُّواة عنه مثل: سفيان وشعبة. وبكير- محدِّث الليث- هو: بكير بن عبد الله بن الأشج، رجلٌ مصريٌّ من بلد الليث بن سعد، لا يروي عنه الليث بن أبي سليم أبدًا ولا يمكن ذاك. وإنَّما أُتي المصنِّف رحمه الله من حيث قيل: (ليث) - بحذف اللام-، وفي الغالب إنَّما تسقطان في ابن أبي سُليم وتثبتان في ابن سعدٍ، وما ذاك بضربة لازبٍ (1)، فإنَّ حذفها في ابن سعدٍ كثيرٌ في "المسند"، انتهى كلام شيخنا رحمه الله (2). وقد روى هذا الحديث أيضًا: عبد بن حميد في "مسنده" عن أبي الوليد عن ليث (3). ورواه أبو داود عن أحمد بن يونس وعيسى بن حمَّاد عن الليث (4). ورواه النَّسائيُّ عن قتيبة عن ليث. وقال: هذا حديثٌ منكرٌ، وبكير مأمون، وعبد الملك بن سعيد روى
عنه غير واحدٍ، ولا ندري ممَّن هذا؟! (1). ورواه أبو حاتم بن حِبَّان البستيُّ عن الفضل بن الحبُاب الجُمحيِّ عن أبي الوليد عن ليث (2). ورواه الهيثم بن كُليب الشَّاشيُّ من رواية شبابة عن الليث (3). ورواه البيهقيُّ من رواية يحيى بن بُكيرٍ عن الليث (4). ورواه الحاكم في "المستدرك" وقال: على شرط الشَّيخين (5). وليس كلما قال، فإنَّ عبد الملك بن سعيد بن سويد انفرد به مسلمٌ (6)، لكن هو صدوق. وقد ضعَّف الإمام أحمد بن حنبل هذا الحديث، وقال: هذا ريحٌ، ليس من هذا شيء (7). وإنَّما ضعَّف الإمام أحمد هذا الحديث وأنكره النَّسائيُّ مع أنَّ رواته صادقون، لأنَّ الثَّابت عن عمر خلافه: 1750 - فروى عبد الرَّزَّاق عن معمر عن الزُّهريِّ عن ابن المسيَّب أنَّ عمر بن الخطَّاب كان ينهى عن القبلة للصائم، فقيل له: إنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان
يقبِّل وهو صائم. فقال: من ذا له من الحفظ والعصمة ما لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! (1). وقد حمل أبو عمر بن عبد البرِّ قول عمر هذا على التَّنزيه، فقال: لا أرى معنى حديث ابن المسيَّب في هذا الباب عن عمر إلا تنزهًا واحتياطًا منه، لأنَّه قد روي فيه عن عمر حديثٌ مرفوعٌ، ولا يجوز أن يكون عند عمر حديثٌ ويخالفه إلى غيره (2). ثمَّ ذكر حديث الليث عن بكير O. 1751 - الحديث الرَّابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا عبد الله بن محمَّد بن عبد العزيز ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا أبو الأحوص عن زياد بن علاقة عن عمرو ابن ميمون عن عائشة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقبِّل في شهر رمضان. قال الدَّارَقُطْنِيُّ: هذا إسنادٌ صحيحٌ (3). ز: روى هذا الحديث مسلمٌ (4) وأبو داود (5) والتِّرمذيُّ وصحَّحه (6) والنَّسائيُّ (7) وابن ماجة (8) من حديث أبي الأحوص. ورواه مسلمٌ من حديث بهز بن أسد عن أبي بكر النهشليِّ عن زياد بن
علاقة (1) O. أما حجُّتُهم: 1752 - فقال أحمد بن حنبل: ثنا أبو نُعيم ثنا إسرائيل عن زيد بن جبير عن أبي يزيد [الضِّنِّيِّ] (2) عن ميمونة بنت سعدٍ قالت: سئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن رجلٍ قبَّل امرأته وهما صائمان. قال: " قد أفطرا " (3). قال الدَّارَقُطْنِيُّ: هذا لا يثبت، وأبو يزيد [الضِّنِّيُّ] (4) ليس بمعروفٍ (5). ز: رواه ابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة عن الفضل بن دُكين (6)، وهو غيرٍ ثابتٍ كما قال الدَّارَقُطْنِيُّ. 1753 - وقال البيهقيُّ: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا: ثنا أبو العبَّاس محمَّد بن يعقوب ثنا أحمد بن عبد الحميد الحارثيُّ نا أبو أسامة عن عمر بن حمزة ثنا سالم عن عبد الله بن عمر قال: قال عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه: رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام، فرأيته لا ينظرني! فقلت: يا رسول الله، ما شأني؟! فالتفت إليَّ فقال: ألسْتَ المقبِّل وأنت الصَّائم؟!
مسألة (364): لا يكره السواك بعد الزوال للصائم، وهو قول أبي
فوالذي نفسي بيده لا أقبِّل وأنا صائمٌ امرأةً ما بقيت. قال البيهقيُّ: تفرَّد به عمر بن حمزة، فإن صحَّ فعمر بن الخطَّاب رضي الله عنه كان قويًّا مما يتوهَّم تحريك القبلة شهوته، والله أعلم (1) O. ***** مسألة (364): لا يكره السِّواك بعد الزَّوال للصائم، وهو قول أبي حنيفة ومالك. وعنه: يكره، كقول الشَّافعيِّ. لنا: 1754 - ما روى التِّرمذيُّ: ثنا محمَّد بن بشَّار ثنا عبد الرَّحمن بن مهديٍّ ثنا سفيان عن عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه قال: رأيتُ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما لا أُحصي يتسوك وهو صائمٌ (2). ز: رواه أبو داود (3) والتِّرمذيُّ من حديث عاصم بن عبيد الله. وقال التِّزمذيُّ: حسنٌ. وعاصمٌ: قد تكلَّم فيه غير واحدٍ من الأئمة، كالإمام أحمد بن حنبل (4)
وابن معينٍ (1) وابن سعدٍ (2) والجُوْزجانيِّ (3) وأبي حاتم الرَّازيِّ (4) وابن خزيمة (5)، وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: مدنيٌّ (6)، يترك وهو مغفَّل (7). وقال العجليُّ: لا بأس به (8). وقال ابن عَدِيٍّ: يكتب حديثه مع ضعفه (9) O. احتجُّوا بحديثين: 1755 - الحديث الأوَّل: قال المؤلِّف: أخبرنا به أبو منصور القزَّاز أنا أبو بكر أحمد بن عليٍّ الحافظ أنا الصَّيْمريُّ/ (10) ثنا القاضي أبو بشر أحمد بن محمَّد الهرويُّ ثنا عبد الله بن جعفر بن إسحاق الموصليُّ ثنا إبراهيم بن [سعيدٍ] (11) الجوهريُّ ثنا عبد الصَّمد بن النُّعمان ثنا كيسان أبو (12) عمر القصَّاب (13) عن يزيد بن بلال عن خبَّاب عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشيِّ، فإنَّه ليس من صائمٍ تيبس شفتاه بالعشيِّ إلا كانتا نورًا بين عينيه
يوم القيامة " (1). قال يحيى بن معين: كيسان ضعيفٌ (2). وقال ابن حِبَّان: لا يحتجُّ بيزيد بن بلال (3). وقد روي هذا عن عليِّ بن أبي طالب من كلامه. ز: 1756 - قال البيهقيُّ: أخبرنا محمَّد بن عبد الله الحافظ ثنا أبو العبَّاس محمَّد بن يعقوب قال: سمعت العبَّاس بن محمَّد يقول: سمعت يحيى ابن معين (4) يقول: ثنا عليُّ بن ثابتٍ عن كيسان أبي عمر عن يزيد بن بلال - مولاه، وكان قد شهد مع عليٍّ صفين- عن عليٍّ رضي الله عنه قال: لا يستاك الصَّائم بالعشيّ، ولكن بالليل، فإنَّ يبوس شفتي الصَّائم نورٌ بين عينيه يوم القيامة. 1757 - قال: وأخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه أنا عليُّ بن عمر الحافظ ثنا أبو عبيد القاسم بن إسماعيل ثنا أبو خراسان محمَّد بن أحمد بن السَّكن ثنا عبد الصَّمد بن النُّعمان ثنا أبو عمر القصَّاب (5) كيسان عن يزيد بن بلال عن عليٍّ قال: إذا صمتم فاستاكوا بالغداة، ولا تستاكوا بالعشيِّ، فإنَّه ليس من صائمٍ تيْبس شفتاه بالعشيِّ إلا كانتا نورًا بين عينيه يوم القيامة. قال عليُّ بن [عمر] (6): ثنا أبو عبيد ثنا أبو خراسان ثنا عبد الصَّمد ثنا
كيسان أبو عمر عن عمرو بن عبد الرَّحمن عن خبَّاب عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثله. قال عليٌّ: كيسان أبو عمر ليس بالقويِّ، ومن بينه وبين عليٍّ غير معروفٍ (1). وقال أبو حاتم بن حِبَّان: يزيد بن بلال بن الحارث الفزاريُّ، من أهل الكوفة، يروي عن عليِّ بن أبي طالبٍ، روى عنه كيسان أبو عمر، منكر الحديث، يروي عن عليٍّ ما لا يشبه حديثه، لا يجوز الاحتجاح به إذ انفرد، وإن اعتبر به معتبرٌ فيما وافق الثِّقات من غير أن يحتجَّ به لم أر به بأسًا (2). وقال الأزديُّ: يزيد بن بلال: منكر الحديث، لا يشتغل بحديثه (3). 1758 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا الحسين بن إسماعيل ثنا محمَّد بن إسحاق الخيَّاط ثنا أبو منصمور ثنا عمر بن قيسٍ عن عطاء عن أبي هريرة قال: لك السِّواك إلى العصر، قإذا صلَّيت العصر فألقه، فإنِّي سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " خلوف فم الصَّائم أطيب عند الله من ريح المسك " (4). هذا إسنادٌ غير قويٍّ، والله أعلم O. 1759 - الحديث الثَّاني: رواه إبراهيم بن بيطار الخوارزميُّ عن عاصم الأحول قال: سألت أنس بن مالك، قلت: أيستاك الصائم؟ قال: نعم. قلت: برطب السِّواك ويابسه؟ قال: نعم. قلت: في أوَّل النَّهار وآخره؟ قال: نعم. قلت له: عمَّن؟ قال: عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وهذا لا يصحُّ.
قال أبو حاتم بن حِبَّان: هذا الحديث لا أصل له من حديث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا من حديث أنس؛ وإبراهيم يروي عن عاصم المناكير التي لا يجوز الاحتجاج بها (1). ز: ذِكرُ هذا الحديث فيما احتجَّ به المخالف وهمٌ، فإنَّه يدلُّ على عدم الكراهة، والمخالف يقول بالكراهة، وفي الجملة هذا حديثٌ لا يجوز لأحدٍ أن يحتجَّ به، وإبراهيم- راويه-: يقال له: ابن بيطار، ويقال: ابن عبد الرَّحمن، وهو غير محتجٍّ به. 1760 - قال البيهقيُّ: وأمَّا الحديث الذي أخبرنا أبو الحسن عليُّ بن الحسن بن فِهْر بمكَّة أنا عبد الله بن محمَّد الشَّافعيُّ ثنا أبو عليٍّ الحافظ عبد الله ابن محمَّد بن عليِّ بن جعفر بن ميمون البلخيُّ بمكَّة ثنا ابراهيم بن يوسف بن ميمون البلخيُّ ثنا أبو إسحاق الخوارزميُّ- قاضي خوارزم، قدم علينا أيَّام عليِّ ابن عيسى- قال: سألت عاصمًا الأحول قلت: أيستاك الصَّائم؟ فقال: نعم. قلت: برطب السِّواك ويابسه؟ قال: نعم. قلت: أوَّل النَّهار وآخره؟ قال: نعم. قلت: عمَّن؟ قال: عن أنس بن مالك عن النَّبيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فهذا يتفرَّد به أبو إسحاق إبراهيم بن بيطار- ويقال: إبراهيم بن عبد الرَّحمن- قاضي خوارزم، حدَّث ببلخ عن عاصم الأحول بالمناكير، لا يحتجُّ به، وقد روي عنه من وجهٍ آخر ليس فيه ذكر أوَّل النَّهار وآخره: 1761 - أخبرنا أبو سعد المالينيُّ أنا أبو أحمد بن عَدِيٍّ (2) ثنا محمَّد بن أحمد بن مزدك البخاريُّ ثنا عبيد الله بن واصل ثنا محمَّد بن سلام أنا إبراهيم بن
مسألة (365): لا يكره الاغتسال للصائم في الحر.
عبد الرَّحمن قال: سألت عاصم الأحول عن السِّواك للصَّائم، فقال: لا بأس به. فقلت: برطب السِّواك ويابسه؟ فقال: أتراه أشدُّ رطوبةً من الماء؟! قلت: عمَّن؟ قال: عن أنس بن مالك عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال أبو أحمد: إبراهيم هذا عامَّة أحاديثه غير محفوظةٍ. 1762 - قال البيهقيُّ: أخبرنا أبو زكريا ابن أبي إسحاق المزكيُّ أنا أبو عبد الله محمَّد بن يعقوب ثنا محمَّد بن عبد الوهَّاب أنا جعفر بن عون أنا مسعر عن أبي نَهيك الأسديِّ عن زياد بن حُدير قال: مأ رأيت أحدًا أدأب سوكًا وهو صائمٌ من عمر! - أراه قال: بعودٍ قد ذوى-. قال أبو عبيدٍ (1): يعني: يبس. 1763 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران- ببغداد- أنا إسماعيل بن محمَّد الصَّفَّار ثنا سعدان بن نصر نا وكيع عن عبد الله بن نافع- مولى ابن عمر- عن أبيه عن ابن عمر أنَّه كان يستاك وهو صائمٌ (2) O. ***** مسألة (365): لا يكره الاغتسال للصَّائم في الحرِّ. وقال أبو حنيفة: يكره. 1764 - قال أبو داود: ثنا عبد الله بن مسلمة القَعْنَبِيُّ عن مالك عن سُمَيٍّ- مولى أبي بكرٍ - عن أبي بكر بن عبد الرَّحمن عن بعض أصحاب النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: رأيتُ النَّبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصُبُّ على رأسه الماء وهو صائمٌ من العطش- أو:
مسألة (366): إذا اكتحل بما يصل إلى جوفه أفطر.
من الحر (1) -. ز: ورواه النَّسائيُّ عن قتيبة عن مالكٍ (2). ورواته أئمة، وجهالة الصَّحابي لا تضرُّ. 1765 - وقال البيهقيُّ: أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق المزكيُّ أنا أبو عبد الله (3) محمَّد بن يعقوب أنا محمَّد بن عبد الوهَّاب أنا جعفر بن عون أنا ابن أبي ذئب عن المنذر بن أبي المنذر قال: رأيت ابن عبَّاس رضي الله عنه يكرع في حياض زمزم وهو صائمٌ (4). ومعنى يكرع: يَغْطِس O. ***** مسألة (366): إذا اكتحل بما يصل إلى جوفه أفطر. وقال أبو حنيفة والشَّافعيُّ: لا يفطر. 1766 - قال أبو داود: حدَّثنا النُّفيليُّ ثنا عليُّ بن ثابتٍ قال: حدَّثني عبد الرَّحمن بن النُّعمان بن معبد بن هَوذَة عن أبيه عن جدِّه عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه أمر (5) بالإثمد المُرَوَّح عند النَّوم، وقال: " ليتَّقه الصَّائم ".
قال أبو داود: قال لي يحيى بن معين: هذا حديثٌ منكرٌ (1). وعبد الرَّحمن: ضعيفٌ، وقال الرَّازي: هو صدوقٌ (2). ز: هذا الحديث انفرد به أبو داود، ومعبد وابنه النُّعمان كالمجهولين، فإنَّه لا يعرف لهما إلا هذا الحديث. وعبد الرَّحمن بن النُعمان: قال اسحاق بن منصور عن يحيى بن معين: هو ضعيفٌ (3). وصدَّقه أبو حاتم كما ذكر المؤلِّف. وقال البيهقيُّ: وقد روى في النَّهي عن الكحل نهارًا وهو صائمٌ حديثٌ أخرجه البخاريُّ في "التَّاريخ" (4): 1767 - أخبرناه أبو طاهر الفقيه أنا أبو بكر القطَّان ثنا أحمد بن يوسف ثنا أبو نعيم ثنا عبد الرَّحمن أبو النَّعمان الأنصاريُّ حدَّثني أبي عن جدِّي- قال: وكان جدُّه أُتي به النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فمسح على رأسه- فقال: " لا تكتحل بالنَّهار وأنت صائمٌ، اكتحل ليلاً، الإثمد يجلو البمر، وينبت الشّعر ". قال البيهقيُّ: عبد الرَّحمن هو: ابن النُّعمان بن معبد بن هَوْذَة، أبو النُّعمان، ومعبد بن هَوْذَة الأنصاريُّ: هو الذي له هذه الصُّحبة (5) O. احتجُّوا ك 1768 - بما روى التِّرمذيُّ: ثنا عبد الأعلى بن واصلٍ (6) ثنا
الحسن (1) بن عطيَّة ثنا أبو عاتكة عن أنس بن مالكٍ قال: جاء رجلٌ إلى النَّبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: اشتكت عيني! أفأكتحل وأنا صائمٌ؟ قال: " نعم ". قال التِّرمذيُّ: إسناده ليس بالقويِّ، ولا يصحُّ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الباب شيءٌ، وأبو عاتكة ضعيفٌ (2). قال المؤلِّف: اسم أبي عاتكة: طريف بن سلمان، قال البخاريُّ: منكر الحديث (3). وقال النَّسائيُّ: ليس بثقةٍ (4). وقال الرَّازيُّ: ذاهب الحديث (5). ز: هذا الحديث انفرد به التِّرمذيُّ، وإسناده واهٍ جدًّا. وأبو عاتكة مجمعٌ على ضعفه، واسمه: طريف بن سلمان- ويقال: سلمان بن طريف-. والحسن بن عطيَّة هو: ابن نجيح القرشيُّ، أبو عليٍّ، الكوفيُّ، البزَّاز، صدَّقه أبو حاتم (6)، وضعَّفه الأزديُّ (7)؛ وهو في النُّسخ بكتاب "التحقيق": (الحسين)، وذلك وهمٌ. وقد روى أبو داود في "سننه" عن أنس أنَّه كان يكتحل وهو صائمٌ، موقوفًا عليه:
1769 - فقال: حدَّثنا [وهب] (1) بن بقيَّة أنا أبو معاوية عن عتبة أبي معاذ عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس عن أنس بن مالك أنَّه كان يكتحل وهو صائمٌ (2). وهذا إسنادٌ مقاربٌ. وعُتبة أبو معاذ هو: ابن حميد الضَّبيُّ البصريُّ، قال أحمد بن حنبل: كتب من الحديث شيئًا كثيرًا. قيل له: كيف حديثه؟ قال: ضعيفٌ ليس بالقويِّ (3). وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: كان بصريُّ الأصل، وكان جوَّالة في طلب الحديث، وهو صالح الحديث (4). 1770 - وقال البيهقيُّ: وقد روي عن محمَّد بن عبيد الله بن أبي رافع - وليس بالقويِّ- عن أبيه عن جدِّه أنَّ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يكتحل بالإثمد وهو صائمٌ: أخبرناه أبو سعدٍ المالينيُّ أنا أبو أحمد بن عَدِيٍّ الحافظ ثنا الفضل بن عبيد الله (5) الأنطاكيُّ ثنا لُوَيْن ثنا حِبَّان بن عليٍّ عن محمَّد بن عبيد الله بن أبي رافع. وكلذلك رواه مُعمَّر بن محمَّد عن أبيه بمعناه. 1771 - ورواه سعيد بن أبي سعيد الزُّبيديِّ- صاحب بقيَّة- عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: ربَّما اكتحل النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو صائمٌ.
أخبرناه أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا: ثنا أبو العبَّاس محمَّد بن يعقوب ثنا محمَّد بن إسحاق الصَّغانيُّ ثنا أحمد بن أبي الطَّيِّب ثنا بقيَّة بن الوليد عن سعيد الزُّبيديِّ فذكره. وسعيد الزُّبيديِّ: من مجاهيل شيوخ بقيَّة، ينفرد بما لا يتابع عليه. وروي عن أنس بن مالك مرفوعًا- بإسنادٍ ضعيفٍ بمرَّةٍ-: أنَّه لم ير به بأسًا (1). أراد البيهقيُّ بحديث أنس الحديث المتقدِّم، الذي رواه التِّرمذيُّ من طريق أبي عاتكة. وقد روى حديث [الزُّبيديِّ] (2): ابنُ ماجة في "سننه" فقال: 1772 - حدَّثنا أبو التَّقيِّ هشام بن عبد الملك الحمصيُّ ثنا بقيَّة ثنا الزُّبيديُّ عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: اكتحل النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو صائمٌ (3). وقد ظنَّ بعض العلماء أنَّ الزُّبيديَّ في هذا الحديث هو: محمَّد بن الوليد، الثِّقة الثَّبت، وذلك وهمٌ، وإنَّما هو سعيد بن أبي سعيد- كما صُرِّح به في رواية البيهقيِّ وغيره-، وليس هو بمجهولٍ- كما قاله ابن عَدِيٍّ والبيهقيُّ- بل هو سعيد بن عبد الجبَّار الزُّبيديُّ الحمصيُّ، وهو مشهورٌ لكنَّه مجمعٌ على ضعفه. وأبو أحمد بن عَدِيٍّ فرَّق في كتابه بين (سعيد بن أبي سعيد) وبين (ابن عبد الجبَّار) وهما واحد، وروى هذا الحديث في ترجمة سعيد بن أبي سعيد
مسألة (367): الحجامة تفطر الحاجم والمحجوم خلافا لأكثرهم.
الزُّبيديِّ، فرواه من رواية أبي التَّقِيِّ عن بقيَّة كرواية ابن ماجة، ورواه من رواية عبد الجبَّار بن عاصم عن بقيَّة فقال: (عن سعيد بن أبي سعيد الزُّبيديِّ)، ورواه من رواية كثير بن عُبيد عن بقيَّة فقال: (عن سعيد الزُّبيديِّ) (1). ويظهر من هذا أنَّ بقيَّه سمَّى الزُّبيديَّ لبعض من رواه عنه دون بعض، أو سمَّاه لجميعهم ولكنَّ أبو التَّقيِّ الحمصيُّ لم ينسب الزُّبيديِّ، ليوهم أنَّه محمَّد بن الوليد الثَّقة المشهور، أو لأنَّه لو سمَّاه لبيَّن ضعف الحديث، والله أعلم. والأظهر في الجملة أنَّ الكحل لا يفطِّر الصَّائم، لعدم الدَّليل الدَّال على ذلك، من نصٍّ أو قياسٍ صحيحين، والله الموفِّق للصواب O. ***** مسألة (367): الحجامة تفطِّر الحاجم والمحجوم خلافًا لأكثرهم. لنا: قوله: " أفطر الحاجم والمحجوم ". رواه بضعة عَشَر صحابيًّا، وأخذ به: عليٌّ وابن عمر وأبو موسى وأبو هريرة وعائشة، إلا أنَّ كثر الأحاديث ضعافٌ، فنحن ننتخب منها: 1773 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا عبد الرَّزَّاق عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ عن السَّائب بن يزيد عن رافع بن خَدِيج عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أفطر الحاجم والمحجوم " (2).
قال أحمد بن حنبل: أصحُّ شيءٍ في هذا الباب حديث رافع بن خَدِيج (1). ز: روى هذا الحديث التِّرمذيُّ (2) وأبو حاتم البستيُّ (3) وأبو القاسم الطَّبرانيُّ (4) والحاكم في "المستدرك" (5) من رواية عبد الرَّزَّاق عن مَعْمر. وقال التِّرمذيُّ: حديثٌ حسنٌ (6). وقال الحاكم: صحيحٌ على شرط الشَّيخين، حكم له عليٌّ بن المدينيِّ بالصِّحة (7). وفي قوله بعض النَّظر، فإنَّ ابنَ قارظ انفرد به مسلمٌ (8)، وروى في "صحيحه" عن إسحاق بن راهويه عن عبد الرَّزَّاق بإسناده حديثًا غير هذا (9). وقال الإمام أحمد بن حنبل في هذا الحديث: تفرَّد به مَعْمر (10). وقد رواه الحاكم من حديث معاوية بن سلام عن يحيى بن أبي كثير بإسنادٍ صحيح (11)، فلم يتفرَّد به مَعْمر إذًا.
وقال أبو حاتم الرَّازيُّ: وهذا الحديث عندي باطلٌ (1). وقال البخاريُّ: هو غير محفوظٍ (2). وقال إسحاق بن منصور: هو غلطٌ (3). وقال يحيى بن معين: هو أضعفها O. 1774 - الحديث الثَّاني: قال أحمد: حدَّثنا إسماعيل عن خالد الحذَّاء عن أبي قلابة عن أبي الأشعث عن شدَّاد بن أوس أنَّه مرَّ مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في زمن الفتح على رجلٍ يحتجم بالبقيع (4) لثمان عشرة خلت من رمضان، فقال: " افطر الحاجم والمحجوم " (5). ز: وروى هذا الحديث: أبو داود (6) والنسائيُ (7) وابن ماجة (8) وأبو القاسم الطَّبرانيُّ (9) وأبو حاتم بن حِبَّان (10) والحاكم في "المستدرك". وقال: هو حديثٌ ظاهرٌ صحَّته (11).
وصحَّحه أيضًا أحمد بن حنبل (1) وعليُّ بن المدينيِّ (2) وإسحاق بن راهويه (3) وعثمان بن سعيد الدَّارميُّ (4) وأبو حاتم بن حِبَّان (5) وغيرهم. واستقصى النَّسائيُّ طرقه والاختلاف فيه في " السُّنن الكبير " (6). وروى مسلمٌ في "صحيحه" من طريق أبي قلابة عن أبي الأشعث عن شدَّاد حديث: " إنَّ الله كتب الإحسان على كلِّ شيءٍ ... " (7). وقد ضعَّف يحيى بن معين هذا الحديث (8)، وقال: هو حديثٌ مضطربٌ. وقال الإمام أحمد لمَّا بلغه عن يحيى أنَّه قال: ليس فيها حديث يثبت - يعني أحاديث: " أفطر الحاجم والمحجوم "-: هذا كلامٌ مجازفة (9)!
وروى الميموني عن يحيى بن معين أنَّه قال: أنا لا أقول إن هذه الأحاديث مضطربة (1). فالله أعلم O. 1775 - الحديث الثَّالث: قال أحمد: ثنا إسماعيل ثنا هشام الدَّستوائيُّ عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتى على رجلٍ يحتجم في رمضان فقال: " أفطر الحاجم والمحجوم " (2). ز: وقد روى حديث ثوبان أيضًا: أبو داود (3) وابن ماجة (4) والنَّسائيُّ (5) وأبو يعلى الموصليُّ (6) والرُّويانيُّ والحاكم في "المستدرك". وقال: حديثٌ صحيحٌ على شرط الشَّيخين ولم يخرجاه (7). ورواه أبو حاتم البستيُّ (8) أيضًا، وذكر النَّسائيُّ الاختلاف في طرقه (9)، وصحَّحه أحمد (10) وابن المدينيِّ (11) والدَّارميُّ (12) وغيرهم.
وقال ابن خزيمة ثبتت الأخبار عن النَّبيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " أفطر الحاجم والمحجوم " (1). وقال إسحاق بن راهويه: وقد ثبت هذا من خمسة أوجه عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (2). وقال بعض الحفَّاظ: الحديث في هذا متواتر. وليس ما قاله ببعيدٍ، ومن أراد معرفة ذلك فليطالع ما روي في ذلك في "مسند أحمد"، و" معجم الطَّبراني "، وكتاب النَّسائيُّ، و"المستدرك" للحاكم، و"المستخرج" للحافظ أبي عبد الله المقدسيِّ، وغير ذلك من الأمهات، والله أعلم O. 1776 - الحديث الرَّابع: قال أحمد: حدَّثنا أبو الجواب ثنا عمَّار بن رُزيق عن عطاء بن السَّائب قال: حدَّثني الحسن عن معقل بن سنان الأشجعيِّ أنَّه قال: مرَّ عليَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا أحتجم في ثمان عشرة ليلة خلت من رمضان، فقال: " أفطر الحاجم والمحجوم " (3). ز: قال النَّسائيُّ: ذكر الاختلاف على عطاء بن السائب فيه: 1777 - أخبرنا محمَّد بن بشَّار قال: حدَّثني أبو داود ثنا سليمان بن معاذ عن عطاء بن السَّائب قال: شهد عندي نفرٌ من أهل البصرة- منهم الحسن- عن معقل بن يسار (4) أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى رجلاً يحتجم وهو صائم، فقال:
"أفطر الحاجم والمحجوم". 1778 - أخبرنا يحيى بن موسى وأحمد بن حرب- واللفظ له- ثنا محمَّد بن فضيل عن عطاء قال: شهد عندي نفرٌ من أهل البصرة- منهم الحسن ابن أبي الحسن- عن معقل بن سنان الأشجعيِّ أنَّه قال: مرَّ عليَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا أحتجم في ثمان عشرة من رمضان فقال: "أفطر الحاجم والمحجوم". قال أبو عبد الرَّحمن النَّسائيُّ: عطاء بن السَّائب كان قد اختلط، ولا نعلم أحدًا روى هذا الحديث عنه غير هذين، على اختلافهما عليه فيه (1). كذا قال، وقد رواه احمد من طريق عمَّار بن رُزيق- كما تقدم- موافقًا لمحمَّد بن فضيل. وقال الحافظ أبو القاسم بن عساكر: كذا رواه عبَّاس الدُّوريُّ عن أحوص (2) بن جَوَّابٍ عن عمَّار بن رُزيق عن عطاء، وقال: (ابن سنان). وقال عليُّ بن المدينيِّ: رواه بعضهم عن عطاء بن السَّائب عن الحسن عن معقل بن سنان الأشجعيِّ. ورواه بعضهم عن عطاء عن الحسن عن معقل بن يسار (3). ورواه بعضهم عن الحسن عن أسامة. ورواه بعضهم عن الحسن عن عليٍّ. ورواه بعضهم عن الحسن عن أبي هريرة.
ورواه التيميُّ فأثبت روايتهم جميعًا، [رواه] (1) عن الحسن [عن] (2) غير واحدٍ من أصحاب النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وإن كان الحسن لم يسمع من عامَّة هؤلاء ولا لقيه عندنا، منهم: ثوبان ومعقل بن سنان وأسامة وعليٌّ وأبو هريرة (3). وفي كتاب "العلل" للتِّرمذيِّ: قلت لمحمَّد بن إسماعيل: حديث الحسن عن معقل بن يسار أصحُّ أو معقل بن سنان؟ فقال: معقل بن يسار أصحُّ. ولم يعرفه إلا من حديث عطاء بن السَّائب (4). وقال البخاريُّ في "صحيحه" ويروى عن الحسن عن غير واحدٍ مرفوعًا: " أفطر الحاجم والمحجوم ". وقال لي عيَّاش: ثنا عبد الأعلى ثنا يونس عن الحسن مثله، قيل له: عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: نعم. ثمَّ قال: الله أعلم (5) O. 1779 - الحديث الخامس: قال أحمد: وحدَّثنا يحيى بن سعيدٍ عن أشعث عن الحسن عن أسامة بن زيدٍ عن النَّبيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أفطر الحاجم والمستحجم " (6). ز: روى هذا الحديث النَّسائيُّ فقال:
1780 - أخبرنا أحمد بن عَبْدة- بصريٌّ- أنا سُليم- يعني: ابن أخضر- ثنا أشعث عن الحسن عن أسامة بن زيدٍ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أفطر الحاجم والمحجوم ". وقال: أشعث بن عبد الملك لم يتابعه أحدٌ علِمْناه على روايته (1) O. 1781 - الحديث السَّادس: قال أحمد: وحدَّثنا يزيد بن هارون أنا أبو العلاء عن قتادة عن شَهْر (2) بن حَوْشَب عن بلال قال: قال رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أفطر الحاجم والمحجوم " (3). ز: أبو العلاء هو: القصَّاب، الواسطيُّ، وهو ثقةٌ، واسمه: أيُّوب ابن أبي مسكين- ويقال: ابن مسكين-. وقد روى هذا الحديث النَّسائيُّ وذكر الاختلاف فيه، فقال: 1782 - أخبرنا محمَّد بن عبد الله بن المبارك ثنا إسحاق الأزرق عن أيُّوب عن قتادة عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن شدَّاد بن أوسٍ قال: خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ثمان عشرة من رمضان، فأبصر رجلاً يحتجم، فقال: " أفطر الحاجم والمحجوم ". قال النَّسائيُّ: قتادة لا نعلمه سمع من أبي قلابة شيئًا، وقد رواه يزيد ابن هارون عن أبي العلاء عن قتادة عن شَهْر عن بلال. 1783 - أخبرني زكريا بن يحيى أنا إسحاق أنا يزيد أنا أيُّوب عن قتادة
عن (1) شَهْر عن بلال عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أفطر الحاجم والمحجوم ". خالفه همَّام فرواه عن قتادة عن شَهْر عن ثوبان. 1784 - أخبرنا محمَّد بن معمر- بصريٌّ- ثنا حَبَّان ثنا همَّام عن قتادة عن شَهْر عن ثوبان أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أفطر الحاجم والمحجوم ". قال أبو عبد الرَّحمن: أدخل سعيد بن أبي عروبة بين شَهْر وثوبان: عبد الرَّحمن بن غَنْم: 1785 - أخبرنا إسماعيل بن مسعود ثنا خالد عن سعيد عن قتادة عن شَهْر عن عبد الرَّحمن بن غَنْم عن ثوبان أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أفطر الحاجم والمحجوم ". خالفهم بُكير بن أبي السَّمِيط، فرواه عن قتادة عن سالم عن معدان عن ثوبان: 1786 - أخبرنا عُبيد الله بن سعيد حدثنا حَبَّان ثنا بُكير بن أبي السَّمِيط ثنا قتادة عن سالم عن معدان بن أبي طلحة عن ثوبان أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أفطر الحاجم والمحجوم ". خالفهم الليث بن سعدٍ، فرواه عن قتادة عن الحسن عن ثوبان: 1787 - أخبرنا قتيبة بن سعيدٍ ثنا الليث عن قتادة عن الحسن عن ثوبان عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أفطر الحاجم والمحجوم ". قال النَّسائيُّ: ما علمت أنَّ أحدًا تابع الليث ولا بُكير بن أبي السَّمِيط
على روايتهما، والله أعلم. ورواه عمر بن إبراهيم عن قتادة عن الحسن عن عليٍّ عن النَّبيِّ " صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 1788 - أخبرنا الحسن بن إسحاق- مروزيٌّ- ثنا شاذ بن فيَّاض - بصريٌّ- عن عمر بن إبراهيم- بصريٌّ- عن قتادة عن الحسن عن عليٍّ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أفطر الحاجم والمحجوم ". وقفه أبو العلاء: 1789 - أخبرني أبو بكر بن عليٍّ ثنا سريج ثنا محمَّد بن يزيد عن أبي العلاء عن قتادة عن الحسن عن عليٍّ قال: أفطر الحاجم والمحجوم. ذكر الاختلاف على سعيد بن أبي عروبة فيه. 1790 - أخبرني زكريا بن يحيى- سجستانيٌّ- ثنا عمرو بن عيسى ثنا عبد الأعلى ثنا سعيد عن قتادة عن الحسن عن عليٍّ قال: أفطر الحاجم والمحجوم. 1791 - أخبرني أبو بكر بن عليٍّ ثنا محمَّد بن المنهال ثنا يزيد بن زُريع ثنا ابن أبي عروبة عن مطر عن الحسن عن عليٍّ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أفطر الحاجم والمحجوم " (1) O. 1792 - الحديث السَّابع: قال أحمد: وحدَّثنا عليُّ بن عبد الله بن جعفر ثنا عبد الوهَّاب بن عبد المجيد الثَّقفيُّ ثنا يونس بن عبيد عن الحسن عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أفطر الحاجم والمحجوم " (2) ز: الحسن لم يسمع من أبي هريرة على الصَّحيح.
وقد روى هذا الحديث النَّسائيٌّ وذكر الاختلاف فيه فقال: روى هذا الحديث أبو حُرَّة عن الحسن، واختلف عليه فيه: 1793 - أخبرني زكريا بن يحيى ثنا عمرو بن عليٍّ ثنا عبد الرَّحمن ثنا أبو حُرَّة عن الحسن قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أفطر الحاجم والمحجوم ". قلت: عمن؟ قال: عن غير واحدٍ من أصحاب النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقفه بشر بن السَّريِّ وأبو قطن: 1794 - أخبرني زكريا بن يحيى ثنا محمَّد بن منصور ثنا بشر بن السَّريِّ ثنا أبو حُرَّة قال: أمرني مطر الورَّاق أن أسأل الحسن: عمن روى هذا الحديث: " أفطر الحاجم والمحجوم "؟ فسألته، فقال: عن غير واحدٍ من أصحاب النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 1795 - أخبرني أبو بكر بن عليٍّ ثنا سريج ثنا أبو قطن عن أبي حُرَّة قال: قلت للحسن: قولك: أفطر الحاجم والمحجوم، عن من؟ قال: عن غير واحدٍ من أصحاب النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. تابعه سليمان التَّيميُّ: 1796 - أخبرنا محمَّد بن عبد الأعلى ثنا المعتمر عن أبيه عن الحسن عن غير واحدٍ من أصحاب النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالوا: أفطر الحاجم والمحجوم (1).
ذكر الاختلاف على يونس بن عبيد فيه: 1797 - أخبرنا محمَّد بن بشَّار ثنا عبد الوهَّاب عن يونس عن الحسن عن أبي هريرة عن النَّبيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أفطر الحاجم والحجوم ". خالفه بشر بن المفضَّل: 1798 - أخبرني أبو بكر بن عليٍّ ثنا يعقوب بن إبراهيم ثنا بشر بن مفضَّل عن يونس عن الحسن قال: أفطر الحاجم والمحجوم. - وقد تقدَّمت رواية عبد الأعلى عن يونس التي في البخاريِّ، ولم يذكرها النَّسائيُّ (1) -. ذكر اختلاف النَّاقلين لخبر أبي هريرة فيه: قال النَّسائيُّ: 1799 - أخبرنا عمرو بن عليٍّ ومحمَّد بن عبد الأعلى قالا: ثنا المعتمر عن أبيه عن أبي عمرو (2) عن أبيه عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أفطر الحاجم والحجوم ". 1800 - أخبرنا أحمد بن فضالة النَّسائيُّ أنا أبو عاصم أنا ابن جريج عن صفوان بن سُليم عن أبي سعيدٍ - مولى بني عامرٍ - عن أبي هريرة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرَّ برجلٍ يحتجم في رمضان- صبيحة ثمان عشرة- فقال: " أفطر الحاجم والمحجوم ". - كذا قال، وإنَّما هو: ابن عامر بن كريز (3) -.
قال النَّسائيُّ: هذا حديثٌ منكرٌ، وإنِّي أحسب ابن جريج لم يسمعه من صفوان (1). وقال أبو زرعة وأبو حاتم: أسقط من الإسناد (إبراهيم بن أبي يحيى) بين ابن جريج وبين صفوان. قال أبو زرعة: لم يسمع ابن جريج من صفوان شيئًا (2). 1801 - وقال النَّسائيُّ: أخبرني أيُّوب بن موسى (3) ثنا مُعمَّر بن سليمان ثنا عبد الله بن بشر عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أفطر الحاجم والمحجوم " (4). وقد روى هذا الحديث: ابنُ ماجة عن أيُّوب بن محمَّد الرَّقِّيِّ وداود بن رشيد عن مُعمَّر بن سليمان (5). وقال النَّسائيُّ: وقفه إبراهيم. 1802 - أخبرنا أحمد بن حفص بن عبد الله النَّيسابوريُّ - مرجئٌ - قال: حدَّثني مُرَجَّى قال: حدَّثني إبراهيم بن طَهْمان- هرويٌّ، مرجئٌ- عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: أفطر الحاجم والمحجوم.
1803 - أخبرنا محمَّد بن حاتم أنا حِبَّان (1) أنا عبد الله عن مُعمَّرٍ، وأخبرني زكريا بن يحيى ثنا الحسن بن عيسى أنا ابن المبارك أنا مُعَمَّرِ، عن خلادٍ عن شقيقِ بن ثورٍ عن أبيه عن أبي هريرة قال: يقال أفطر الحاجم والمحجوم. وأمَّا أنا فلو احتجمت ما باليتُ! أبو هريرة يقول هذا. اللفظ لزكريا. ذكر الاختلاف على عطاء بن أبي رباح: 1804 - أخبرنا حفص بن عمر أنا أبو أحمد عن رباح بن أبي معروف عن عطاء عن أبي هريرة عن النَّبيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أفطر الحاجم والمحجوم ". 1805 - أخبرنا محمَّد بن إدريس ثنا محمَّد بن عبد الله الأنصاريُّ عن ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أفطر الحاجم والمحجوم ". تابعه داود بن عبد الرَّحمن: 1806 - أخبرني أبو بكر بن عليٍّ ثنا عبد الأعلى ثنا داود بن عبد الرَّحمن عن ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أفطر الحاجم والمحجوم ". وقفه عبد الرَّزَّاق والنَّضر بن شُميل: 1807 - أخبرنا سليمان بن سلمٍ البلخيُّ أنا النَّضر أنا ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرة قال: أفطر الحاجم والمستحجم. - ورواه عن محمَّد بن يحيى بن عبد الله عن عبد الرَّزَّاق عن ابن جريجٍ
كذلك (1) -. قال أبو عبد الرَّحمن النَّسائيُّ: عطاء لم يسمعه من أبي هريرة. 1808 - أخبرني إبراهيم بن الحسن عن حجَّاج عن ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرة- ولم يسمعه منه- قال: أفطر الحاجم والمحجوم. خالفه ابن أبي حسين، فرواه عن عطاء قال: سمعت أبا هريرة: 1809 - أخبرنا الحسن بن إسحاق- مرويٌّ- ثنا محمَّد بن عبد الله الرَّقاشيُّ ثنا وهيبٌ عن ابن أبي حسين عن عطاء قال: سمعت أبا هريرة يقول: أفطر الحاجم والمحجوم. قال أبو عبد الرَّحمن: والصَّواب رواية حجَّاج عن ابن جريج لمتابعة عمرو بن دينار إياه على ذلك. 1810 - أخبرني إبراهيم بن الحسن عن حجَّاج قال: حدَّثني شعبة عن عمرو بن دينار عن عطاء عن رجلٍ عن أبي هريرة قال: أفطر الحاجم والمحجوم. ذكر الاختلاف على عبد الملك بن أبي سليمان فيه: 1811 - أخبرني محمَّد بن إسماعيل بن إبراهيم عن يزيد أنا عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن أبي هريرة قال: أفطر الحاجم والمحجوم. 1812 - أخبرنا محمَّد بن حاتم أنا حِبَّان أنا عبد الله عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن أبي هريرة قال: أفطر الحاجم والمحجوم.
قال أبو عبد الرَّحمن: خالفهما خالد بن عبد الله، فجعله من قول عطاءٍ: 1813 - أخبرني أبو بكر بن عليٍّ- مروزيٌّ- ثنا إسحاق ثنا خالد عن عبد الملك عن عطاء قال: أفطر الحاجم والمحجوم (1) O. 1814 - الحديث الثَّامن: قال أحمد: وحدَّثنا أبو النَّضر ثنا أبو معاوية (2) شيبان عن ليث عن عطاء عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أفطر الحاجم والمحجوم " (3). ز: ليث هو: ابن أبي سُليم، وقد تُكلِّم فيه، واختلف عليه في هذا الحديث، قال النَّسائيُّ: 1815 - أخبرنا سعيد بن يعقوب الطَّالقانيُّ ثنا خالدٌ عن ليثٍ عن عطاءٍ عن عائشة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أفطر الحاجم والمحجوم ". 1815/أ- أخبرني أبو بكر بن عليٍّ ثنا خلف بن سالم ثنا أبو النضر أنا أبو معاوية عن ليث عن عطاء عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أفطر الحاجم والمحجوم ". وقفه الحسن بن موسى: 1816 - أخبرني إبراهيم بن يعقوب ثنا الحسن بن موسى ثنا شيبان عن ليثٍ عن عطاءٍ عن عائشة، قال: وثنا شيبان عن ليث عن عبد الله بن عبيد بن عميرٍ عن عياض بن عروة عن عائشة، قالت: أفطر الحاجم والمحجوم.
وافقه عبد الواحد بن زياد: 1817 - أخبرنا أبو بكر بن عليٍّ ثنا عبَّاس النَّرسيُّ ثنا عبد الواحد بن زياد ثنا ليث عن عطاء قال: كانت عائشة تقول: أفطر الحاجم والمحجوم. خالفهما عبد الله بن لهيعة بن عقبة فرواه عن عطاء عن أبي الدَّرداء، رواه عنه الوليد بن مسلم. - لم يسند النَّسائيُّ رحمه الله حديث ابن لهيعة كما أسند غيره لأنَّه لا يجئ من قبله (1)! ولم يخرِّج من حديثه شيئًا مسندًا إلا حديثًا واحدًا في غير "السُّنن " (2) -. قال النَّسائيُّ: خالفهم فطر بن خليفة- إن كان قبيصة حفظ عنه- فرواه عن عطاء عن ابن عبَّاس عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 1818 - أخبرناه عقبة بن قبيصة بن عقبة قال: حدَّثني أبي ثنا فطر عن عطاء عن ابن عبَّاس قال: قال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أفطر الحاجم والمحجوم ". خالفه محمَّد بن يوسف: 1819 - أخبرنا أحمد بن الأزهر النَّيسابوريُّ ثنا محمَّد بن يوسف ثنا فطر عن عطاء قال: كنَّا نسمع أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أفطر الحاجم والمحجوم
والمستحجم " (1). قال النَّسائيُّ: وقد روي عن ابن عبَّاس أنه كان لا يرى بالحجامة للصَّائم بأسًا. 1820 - أخبرنا محمَّد بن حاتم أنا حِبَّان أنا عبد الله عن الحسن بن يحيى عن الضَّحاك عن ابن عبَّاس أنه لم يكن يرى بالحجامة للصَّائم بأسًا (2) O. قال المؤلِّف: واعلم أنَّ هذا الحديث قد روي عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من غير الطُّرق التي ذكرنا، فروي من طريق عليِّ بن أبي طالبٍ وسعدٍ وابن عبَّاسٍ وأبي زيدٍ الأنصاريِّ وأبي موسى ومعقل بن يسارٍ وغيرهم. وقد ذكرنا أنَّه رواه بضعة عشر نفسًا عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاقتصرنا على من ذكرنا. وقد حكى التِّرمذيُّ عن عليِّ بن المدينيِّ أنَّه قال: أصحُّ شيءٍ في هذا الباب حديث ثوبان وحديث شدَّاد بن أوسٍ (3). قال التِّرمذيُّ: وسألت البخاريُّ فقال: ليس في هذا الباب شيءٌ أصحُّ من حديث شداد بن أوس وثوبان (4). فقلت له: كيف وما فيه من
الاضطراب؟! فقال: كلاهما عندي صحيحٌ، لأنَ يحيى بن أبي كثير (1) روى عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان، وعن أبي الأشعث عن شدَّاد بن أوس الحديثين جميعًا (2). ز: قد تقدَّم حديث عليٍّ وابن عبَّاسٍ ومعقل بن يسارٍ. وأمَّا حديث أبي موسى: 1821 - فقال النَّسائيُّ: أخبرنا الحسن بن إسحاق ثنا رَوْح بن عبادة ثنا سعيد بن أبي عَرُوبة عن مطرِ عن بكر بن عبد الله المزني عن أبي رافع قال: دخلتُ على أبي موسى ليلاً وهو يحتجم، فقلت: ألا كان هذا نهارًا؟! قال: أهريق دمي وأنا صائمٌ! وقد سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " أفطر الحاجم والمحجوم ". قال أبو عبد الرَّحمن: هذا خطأٌ، وقد وقفه حفصٌ: 1822 - أخبرنا حسين بن منصورٍ ثنا حفصٌ ثنا سعيدٌ عن مطر عن بكر ابن عبد الله عن أبي رافع عن أبي موسى أنَّه قال ... - ولم يرفعه-. 1823 - أخبرنا محمَّد بن بشَّار ثنا عبد الأعلى ثنا سعيد عن بعض أصحابه عن ابن بُريدة عن أبي موسى عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أفطر الحاجم والمحجوم ". 1824 - أخبرنا أحمد بن الأزهر ثنا سعيد بن عامرٍ عن سعيد عن صاحبٍ له عن عبد الله بن بُريدة قال: دُخل على أبي موسى بليلٍ وهو يحتجم، فقيل:
هلا كان هذا نهارًا؟! قال: إنَّ رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أفطر الحاجم والمحجوم ". 1825 - أخبرنا حسين بن منصور ثنا حفص ثنا سعيد بن أبي عَرُوبة عن أبي مالكٍ عن ابن بُريدة قال: دخلتُ على أبي موسى وهو يحتجم ليلاً، فقلت: هلا كان هذا نهارًا؟ قال: تأمرني أن أهريق دمي وأنا صائمٌ؟! وقد سمعت رسول الله-شعرو يقول: " أفطر الحاجم والحجوم ". ذكر الاختلاف على بكر بن عبد الله المزنيِّ فيه: 1826 - أخبرني أبو بكر بن عليٍّ ثنا محمَّد بن بشَّارٍ ثنا عبد الرَّحمن عن شعبة عن قتادة عن بكر بن عبد الله عن أبي رافع قال: دخلت على أبي موسى وهو يحتجم ليلاً، فقلت: ألا كان هذا نهارًا؟! قال: تأمرني أن أهريق دمي وأنا صائمٌ؟! خالفه حُميد الطَّويل: 1827 - أخبرنا حُميد بن مَسْعَدة ثنا بشر ثنا حُميد عن بكر عن أبي العالية أنَّه دخل على أبي موسى- وهو أميرٌ على البصرة- عند المغرب فوجده يأكل تمرًا وكامخًا (1)، قال: احتجمتُ. قال: ألا احتجمت نهارًا؟! قال تأمرني أن أهريق دمي وأنا صائمٌ (2)؟! وقال أبو عليٍّ الحافظ: قلت لعبدان الأهوازيِّ: يصحُّ أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احتجم وهو صائمٌ؟ فقال: سمعت عبَّاسًا العنبريَّ يقول: سمعت عليَّ بن المدينيِّ يقول: قد صحَّ حديث أبي رافع عن أبي موسى أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" أفطر الحاجم والمحجوم " (1). وقال الحاكم أبو عبد الله في "المستدرك"- بعد أن روى حديث أبي رافع عن أبي موسى، وبعد أن روى تصحيح عليِّ بن المدينيِّ له عن أبي عليٍّ الحافظ-: هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشَّيخين ولم يخرجاه (2). وقال أحمد بن حنبل: هو خطأٌ، إنَّما هو بكر عن أبي العالية. حكاه عنه أبو داود. قال أحمد: وحديث بكر عن أبي رافع خطأٌ لم يرفعه أحدٌ. وقال البخاريُّ في "صحيحه": واحتجم أبو موسى ليلاً (3) O. أمَّا حجَّتهم، فلهم ثلاثة أحاديث: 1828 - الحديث الأوَّل: قال التِّرمذيُّ: حدَّثنا بشر بن هلال البصريُّ ثنا عبد الوارث بن سعيدٍ ثنا أيُّوب عن عكرمة عن ابن عبَّاسٍ قال: احتجم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو محرمٌ صائمٌ. قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (4). 1829 - طريقٌ آخرٌ: قال أحمد: ثنا هاشم بن القاسم ثنا شعبة عن الحكم عن مِقْسم عن ابن عبَّاس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احتجم بالقاحة (5) وهو
صائمٌ (1). ز: حديث ابن عبَّاس روي على أربعة أوجه: أحدها: (احتجم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو محرمٌ) ولم يذكر الصِّيام. والثَّاني: (احتجم وهو صائمٌ) ولم يذكر الإحرام. والثَّالث: الجمع بينهما: (احتجم وهو صائمٌ محرمٌ). والرَّابع: الجمع بينهما على غير هذا الوجه: 1830 - قال البخاريُّ في "صحيحه": ثنا معلَّى بن أسدٍ ثنا وهيب عن أيُّوب عن عكرمة عن ابن عبَّاس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احتجم وهو محرمٌ، واحتجم وهو صائمٌ (2). فأمَّا احتجامه وهو محرمٌ: فمجمعٌ على صحته؛ واختلف في صحة احتجامه وهو صائمٌ: فضعَّفه يحيى بن سعيدٍ القطَّان (3) وأحمد بن حنبل
وغيرهما من الأئمة، وصحَّحه البخاريُّ والترمذيُّ (1) وغيرهما.
قال مُهنَّا: سألت أحمد بن حنبل عن حديث ابن عبَّاس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احتجم وهو صائمٌ محرمٌ. فقال: ليس فيه (صائمٌ)، إنما هو (محرم). قلت: من ذكره؟ قال: سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء وطاوس عن ابن عبَّاس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احتجم وهو محرمٌ، وروح عن زكريا بن إسحاق عن عمرو عن طاوس عن ابن عبَّاس مثله، وعبد الرَّزَّاق عن معمر عن ابن خثيم عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبَّاس مثله: احتجم النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو محرمٌ. قال أحمد: هؤلاء أصحاب ابن عبَّاس لا يذكرون صيامًا (1). وقال أبو بكر في كتاب " الشَّافي ": باب القول في تضعيف (2) حديث ابن عبَّاس: أنَّه احتجم صائمًا محرمًا. حدَّثنا الخلال ثنا أبو داود ثنا أحمد ثنا يحيى بن سعيدٍ عن شعبة قال: لم يسمع الحكم حديث مقسم في الحجامة في الصيام. قال يحيى: والحجامة للصَّائم ليس بصحيحٍ (3). وقد أجيب عن حديث ابن عبَّاس على تقدير صحَّته، وانتفاء تعليله، بوجوهٍ ذكرتها في غير هذا الموضع (4). وقال الحاكم- بعد أن روى حديث ابن عبَّاس-: فاسمع الآن كلام إمام أهل الحديث في عصره بلا مدافعة على هذا الحديث، لتستدلَّ به على أرشد
الصَّواب: سمعت أبا بكر محمَّد بن جعفر المزكيَّ يقول: سمعت أبا بكرٍ محمَّد ابن إسحاق بن خزيمة يقول: قد ثبتت الأخبار عن النَّبيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " أفطر الحاجم والمحجوم "، فقال بعض من خالفنا في هذه المسألة: إنَّ الحجامة لا تفطِّر الصَّائم. واحتجَّ بأنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احتجم وهو صائمٌ محرمٌ. وهذا الخبر غير دالٍّ" على أنَّ الحجامة لا تفطِّر الصَّائم، لأنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّما احتجم وهو صائمٌ محرمٌ في سفرٍ لا في حضر، لأنَّه لم يكن قطُّ مُحْرِمًا مقيمًا ببلده، وإنَّما كان مُحْرِمًا وهو مسافرٌ، وللمسافر- إن كان ناويًا للصَّوم وقد مضى عليه بعض النَّهار وهو صائمٌ - الأكل والشُّرب، وإن كان الأكل والشُّرب يفطِّرانه، لا كما توهَّم بعض العلماء أن المسافر إذا دخل في الصَّوم لم يكن له أن يفطر إلى أن يتم صومه ذلك اليوم الذي دخل فيه، فإذا كان له أن يأكل ويشرب وقد دخل في الصَّوم ونواه ومضى بعض النَّهار وهو صائمٌ جاز له أن يحتجم وهو مسافرٌ في بعض نهار الصَّوم وإن كانت الحجامة تفطِّره (1) O. 1831 - الحديث " الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا البغويُّ ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا خالد بن مخلد عن عبد الله بن المثنى عن ثابت عن أنس بن مالكٍ قال: أوَّل ما كُرهت الحجامة للصَّائم أنَّ جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائمٌ، فمرَّ به رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " أفطر هذان ". ثمَّ رخَّص النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعدُ في الحجامة للصائم. وكان أنس يحتجم وهو صائم. قال الدَّارَقُطْنِيُّ: كلُّهم ثقاتٌ، ولا أعلم له علَّةً (2). قال المؤلِّف: قلت: قال أحمد بن حنبل: خالد بن مخلد له أحاديث
مناكير (1). ز: هذا الحديث حديثٌ منكرٌ لا يصلح الاحتجاج به، لأنَّه شاذ الإسناد والمتن، ولم يخرِّجه أحدٌ من أئمة " الكتب الستة "، ولا رواه الإمام أحمد ابن حنبل في "مسنده" ولا الشَّافعيُّ ولا أحدٌ من أصحاب المسانيد المعروفة، ولا يعرف في الدُّنيا أحدٌ رواه إلا الدَّارَقُطْنِيُّ عن البغويِّ (2)! وقد ذكره الحافظ أبو عبد الله المقدسيُّ في "المستخرج" ولم يروه إلا من طريق الدَّارَقُطْنِيِّ وحده (3)، ولو كان عنده من حديث غيره لذكره كما عرف من عادته أنَّه يذكر الحديث من المسانيد التي رواها كمسند أحمد وأبي يعلى الموصليِّ ومحمَّد بن هارون الرُّويانيِّ و" معجم الطَّبرانيِّ " وغير ذلك من الأمهات، وكيف يكون هذا الحديث صحيحًا سالمًا من الشُّذوذ والعِلَّة ولم يخرِّجه أحدٌ من أئمة " الكتب الستة " ولا المسانيد المشهورة وهم محتاجون إليه أشدّ حاجة؟! والدَّارَقُطْنِيُّ إنَّما جمع في كتابه " السُّنن " غرائب الأحاديث، والأحاديث المعلَّلة والضَّعيفة فيه أكثر من الأحاديث الصَّحيحة السَّالمة من التَّعليل. وقوله في رواة هذا الحديث: (كلُّهم ثقات، ولا أعلم له علَّةً) فيه نظرٌ من وجوه: أحدها: أنَّ الدَّارَقُطْنِيَّ نفسه تكلَّم في رواية عبد الله بن المثنى، وقال: ليس هو بالقويِّ. في حديثٍ رواه البخاريُّ في "صحيحه"! الثَّاني: أنَّ خالد بن مخلد القَطَوانيَّ وعبد الله بن المثنى قد تكلَّم فيهما غير واحدٍ من الحفَّاظ- وإن كانا من رجال الصَّحيح-، قال أحمد في خالد: له
أحاديث مناكير (1). وقال ابن سعدٍ: منكر الحديث، مفرط التَّشيُّع (2). وقال السَّعديُّ: كان شتَّامًا معلنًا بسوء مذهبه (3). وقال ابن عَدِيٍّ: هو عندي - إن شاء الله- لا بأس به (4). وقال أبو عبيد الآجريُّ: سألت أبا داود عن عبد الله بن المثنى الأنصاريِّ فقال: لا أخرِّج حديثه (5). وقال النَّسائيُّ: لبس بالقويِّ (6). وذكره ابن حِبَّان في "الثِّقات" وقال: ربَّما أخطأ (7). وقال السَّاجيُّ: فيه ضعفٌ، لم يكن صاحب حديثٍ (8). وقال الموصليُّ: روى مناكير (9). وذكره العقيليُّ في " الضُّعفاء " وقال: لا يتابع على أكثر حديثه. ثمَّ قال: حدَّثنا الحسين بن عبد الله الذَّارع ثنا أبو داود سمعت أبا سلمة يقول: ثنا عبد الله بن المثنى، ولم يكن من القريتين بعظيمٍ! كان ضعيفًا منكر الحديث (10). وأصحاب الصَّحيح إذا رووا لمن قد تكلِّم فيه فإنَّهم ينتقون من حديثه ما لم ينفرد به، بل وافق فيه الثِّقات، وقامت شواهد صدقه. الثَّالث: أنَّ عبد الله بن المثنى قد خالفه في روايته عن ثابت هذا الحديث
= أمير المؤمنين في الحديث شعبةُ بن الحجَّاج فرواه بخلافه، كما ذكر ذلك البخاريُّ في "صحيحه" (1). ثمَّ لو سلِّم صحَّة حديث أنس لم يكن فيه حجَّةٌ، لأنَّ جعفر بن أبي طالب قتل في غزوة مؤتة، وكانت مؤتة قبل الفتح، وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أفطر الحاجم والمحجوم " كان عام الفتح بعد قتل جعفر بن أبي طالب O. 1832 - الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا أحمد بن محمَّد بن يزيد الزَّعفرانيُّ ثنا محمَّد بن ماهان ثنا شعيب بن حربٍ ثنا هشام بن سعدٍ عن زيد ابن أسلبم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخُدريِّ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " [ثلاثةٌ] لا يفطِّرن الصَّائم: القيء والحجامة والاحتلام " (2). قال المؤلِّف: قال يحيى: هشام بن سعدٍ ليس بشيءٍ (3). وقال النَّسائيُّ ضعيفٌ (4). وقد رواه عبد الرَّحمن بن زيدٍ عن أبيه، وعبد الرَّحمن مجمعٌ على تضعيفه. ز: روى التِّرمذيُّ حديث عبد الرَّحمن عن محمَّد بن عبيد المحاربيِّ عنه، وقال: هو غير محفوظٍ، وقد رواه غير واحدٍ عن زيد بن أسلم مرسلاً (5).
وقد روى حديث هشام بن سعدٍ: ابنُ عَدِيٍّ في "كامله"، وقال: عن ابن عبَّاس- بدل: ابي سعيد-. وقال: الرُّعاف- بدل الحجامة- (1). ورواه من حديث عبد الرَّحمن، وقال: هذا حديثٌ غير محفوظٍ (2). وقد تكلَّم في هذا الحديث أيضًا: الإمام أحمد بن حنبل (3) ومحمَّد بن يحيى الذُّهليُّ (4) وابن خزيمة (5) والدَّارَقُطْنِيُّ (6) وغيرهم، وقد ذكرت ألفاظهم في غير هذا الموضع. والمحفوظ في هذا الحديث ما روى أبو داود قال: 1833 - حدَّثنا محمَّد بن كثيرٍ ثنا سفيان عن زيد بن أسلم عن رجلٍ من أصحابه عن رجلٍ من أصحاب النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يفطر من قاء، ولا من احتلم، ولا من احتجم " (7). وقال البيهقيُّ- بعد أن روى حديث عبد الرَّحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء بن يسار عن أبي سعيدٍ مرفوعًا-: كذا رواه عبد الرَّحمن بن زيدٍ - وليس بالقويِّ- والصَّحيح: 1833/أ- رواية سفيان الثَّوريِّ وغيره عن زيد بن أسلم عن رجلٍ من أصحابه عن رجلٍ من أصحاب النَّبيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يفطر من قاء،
مسألة (368): الفطر في السفر أفضل من الصوم، خلافا لأكثرهم.
ولا من احتجم، ولا من احتلم ". أخبرناه علي بن أحمد بن عبدان أنا أبو القاسم سليمان بن أحمد ثنا إسحاق الدَّبريُّ عن عبد الرَّزَّاق عن الثَّوريِّ ... فذكره. وقد روي عن الثَّوريِّ نحو رواية عبد الرَّحمن بن زيدٍ وليس بصحيحٍ (1) O. ***** مسألة (368): الفطر في السَّفر أفضل من الصَّوم، خلافًا لأكثرهم. لنا خمسة أحاديث: 1834 - الحديث الأوَّل: قال أحمد: حدَّثنا إسماعيل عن شعبة (2) عن محمَّد بن عبد الرَّحمن بن سعد بن زُرارة عن محمَّد بن عمرو بن الحسن أنَّه سمع جابر بن عبد الله يقول: بينا رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفرٍ، فرأى زحامًا ورجلاً قد ظلِّل عليه! فسأل عنه، فقيل: هذا صائمٌ. فقال: " ليس من البرِّ أن تصوموا في السَّفر" (3). أخرجاه في "الصَّحيحين" (4). 1835 - الحديث الثَّاني: قال أحمد: ثنا سفيان عن الزُّهري عن صفوان بن عبد الله عن أمِّ الدَّرداء عن كعب بن عاصم أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" ليس من البرِّ الصِّيام في السَّفر " (1). ز: روى هذا الحديث النَّسائيُّ عن إسحاق بن إبراهيم عن سفيان بإسناده. وعن إبراهيم بن يعقوب عن محمَّد بن كثيرٍ عن الأوزاعيِّ عن الزُّهريِّ عن سعيد بن المسيِّب قال: قال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... فذكره. وقال: هذا الحديث خطأٌ، ولا نعلم أحدًا تابع محمَّد بن كثيرٍ عليه، والصَّواب الذي قبله (2). ورواه ابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة ومحمَّد بن الصَّبَّاح عن سفيان به (3) O. 1836 - الحديث الثَّالث: قال أحمد: وحدَّثنا يعقوب ثنا أبي عن ابن (4) إسحاق قال: حدَّثني بُشَير بن يسار عن ابن عبَّاس قال: خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام الفتح في رمضان، فصام وصام المسلمون معه، حتَّى إذا كان بالكديد دعا بماء في قُعْبٍ- وهو على راحلته-، فشرب والنَّاس ينظرون، يُعْلِمُهم أنَّه قد أفطر، فأفطر المسلمون (5). 1837 - الحديث الرَّابع: قال أحمد: وثنا هاشم بن القاسم ثنا شعبة عن الحكم عن مقسم عن ابن عبَّاس قال: صام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم فتح مكَّة
حتَّى أتى قُديدًا (1)، فأُتي بقدحٍ من لبنٍ فأفطر، وأمر النَّاس أن يفطروا (2). ز: الحديث الذي قبل هذا ليس هو في شيءٍ من "الكتب السِّتَّة" (3). وأمَّا هذا الحديث: فرواه النَّسائيُّ عن محمَّد بن حاتم عن سويد عن عبد الله عن شعبة بإسناده (4). وعن زكريا بن يحيى عن الحسن بن عيسى عن ابن المبارك عن شعبة به (5). ورواه العلاء بن المسيّب عن الحكم عن مجاهد عن ابن عبَّاسٍ O. 1838 - الحديث الخامس: قال أحمد: وحدَّثنا حجَّاج ويونس قالا: ثنا ليث قال: حدَّثني يزيد بن أبي حبيبٍ عن أبي الخير عن منصور الكلبيِّ (6) عن دِحية بن خليفة أنَّه خرج من قريته في رمضان فأفطر، وأفطر معه ناسٌ، وكره آخرون أن يفطروا، فلمَّا رجع قال: والله لقد رأيت اليوم أمرًا ما كنت أطنُّ أن أراه! إنَّ قومًا رغبوا عن هديِّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه. يقول ذلك للذين صاموا، ثمَّ قال عند ذلك: اللهم اقبضني إليك (7). ز: روى هذا الحديث: أبو داود والطَّبرانيُّ. 1839 - قال أبو داود: ثنا عيسى بن حمَّاد أنا الليث- يعني: ابن
سعد- عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن منصور الكلبي أنَّ دِحية بن خليفة خرج من قرية من دمشق مرَّةً إلى قدر قرية عُقْبَةَ من الفسطاط- وذلك ثلاثة أميال- في رمضان، ثمَّ إنَّه أفطر، وأفطر معه ناسٌ، وكره آخرون أن يفطروا، فلمَّا رجع إلى قريته، قال: والله لقد رأيت اليوم أمرًا ما كنت أظنُّ أنِّي أراه! إنَّ قومًا رغبوا عن هدي رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه. يقول ذلك للذين صاموا، ثمَّ قال عند ذلك: اللهم اقبضني إليك (1). 1840 - وقال أبو القاسم الطَّبرانيُّ: ثنا مطَّلب بن شعيب الأزديُّ ثنا عبد الله بن صالح ثنا الليث ثنا يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن منصور الكلبيِّ أنَّ دِحية بن خليفة خرج من قريته بدمشق المِزَّة (2) إلى قدر قرية عقبة في رمضان، ثمَّ إنَّه أفطر وأفطر معه أناس، وكره آخرون أن يفطروا، فلمَّا رجع إلى قريته، قال: والله لقد رأيت اليوم أمرًا ما كنت أظني (3) أراه! إنَّ قومًا رغبوا عن هدي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه. يقول ذلك للذين صاموا، ثمَّ قال عند ذلك: اللهم اقبضني إليك (4). ورواه البيهقيُّ من رواية أبي عمران موسى بن سهل الجَوْنِيِّ عن عيسى ابن حمَّاد (5). وهو حديثٌ حسنٌ، ومنصور الكلبيُّ: قال العجليُّ: هو بصريٌّ،
تابعيٌّ، ثقةٌ (1). وقال ابن المدينيِّ: منصور بن زيد الكلبيُّ مجهولٌ لا أعرفه (2). وسئل الذُّهْليُّ عنه، فقال: قال يزيد بن أبي حبيب: هو منصور بن زيد الكلبيُّ (3). وقال ابن يونس: هو منصور بن سعيد بن الأصبغ الكلبيُّ، يروي عن دحية الكلبيِّ، وعنه ابنه حسَّان ومرثد بن عبد الله اليزنيُّ. ومنصور هذا: جدُّ أبي السحماء سهيل بن حسَّان، الذي يروي عنه خالد بن حُميد وضِمام ابن إسماعيل وعبد الله بن وهب والليث بن سعد (4). وقال الخَطَّابيُّ: هذا الحديث ليس بالقويِّ، وفي إسناده رجلٌ ليس بالمشهور (5). وأراد به منصورًا، وهذا لا يقدح في الحديث، فإنَّ رواية أبي الخير عنه ممَّا يحسِّن أمره، فإنَّه لا يروي إلا عن ثقة. وقال البيهقيُّ: الذي روينا عن دِحية الكلبيِّ- إن صحَّ ذلك- فكأنَّه ذهب فيه إلى ظاهر الآية في الرُّخصة في السَّفر، وأراد بقوله: (رغبوا عن هدي رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه) أي: في قبول الرُّخصة، لا في تقدير السَّفر الذي أفطر فيه، والله أعلم (6) O. *****
فصل (369): فإن صام في السفر
فصلٌ (369): فإن صام في السَّفر صحَّ. وقال داود: لا يصحُّ. لنا أحاديث: 1841 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا أبو المغيرة ثنا سعيد بن عبد العزيز قال: حدَّثني إسماعيل بن عبيد الله عن أمِّ الدَّرداء عن أبي الدَّرداء قال: كنَّا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفر، وإنَّ أحدنا ليضع يده على رأسه من شدَّة الحر، وما منَّا صائمٌ إلا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعبد الله بن رواحة (1). أخرجاه في "الصَّحيحين" (2). 1842 - قال أحمد: وثنا أبو معاوية ثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: جاء حمزة الأسلميُّ إلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، إنِّي رجلٌ [] (3) أسرد الصَّوم، أفأصوم في السَّفر؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر " (4).
أخرجاه في "الصَّحيحين" (1). 1843 - قال أحمد: وثنا محمَّد بن جعفر ثنا سعيد (2) عن قتادة عن سليمان بن يسار عن حمزة بن عمرو الأسلميِّ أنَّه سأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الصَّوم في السَّفر، قال: " إن ششت صمت، وإن شئت أفطرت " (3). ز: رواه النَّسائيُّ عن محمَّد بن رافع عن أزهر بن القاسم عن هشام عن قتادة به (4). وفي إسناده اختلافٌ O. 1844 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا يونس أنا ابن وهبٍ قال: أخبرني عمرو بن الحارث عن محمَّد بن عبد الرَّحمن عن عروة عن أبي مُراوح عن حمزة بن عمرو الأسلمي [أنَّه قال: يا رسول الله، إنِّي أجد بي قوَّةً على الصِّيام في السَّفر، فهل عليَّ جناح؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:] (5) " هي رخصةٌ من الله عزَّ وجل، فمن أخذ بها فحسنٌ، ومن أحبَّ أن يصوم فلا جناح عليه ". قال الدَّارَقُطْنِيُّ: هذا إسنادٌ صحيحٌ. قال: وخالفه هشام بن عروة، فرواه عن أبيه عن عائشة أنَّ حمزة سأل
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .... قال: يحتمل أن يكون القولان صحيحين، والله أعلم (1). قال المصنِّف: قلت: وقد أخرجه مسلمٌ في أفراده من حديث أبي مُراوح (2). 1845 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا عمر بن أحمد بن عليٍّ المروزيُّ ثنا محمَّد بن عمران ثنا أحمد بن موسى ثنا هارون بن مسلم ثنا حسين المعلِّم عن عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جدِّه قال: رأيت رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصوم في السَّفر ويفطر (3). ز: هذا الحديث بهذا الإسناد غير مخرَّجٍ أب شيءٍ من "الكتب السِّتَّة"، وشيخ الدَّارَقُطْنِيِّ: ثقةٌ، فقيهٌ. ومحمَّد بن عمران هو: أبو جعفر الضَّبيُّ، النَّحويُّ، الكوفيُّ، سكن بغداد، وحدَّث عن أبي نعيم وأحمد بن حنبل وغير واحد، وثَّقه الدَّارَقُطْنِيُّ. وأحمد بن موسى: يحتمل أن يكون الشَّطوي، وهو أبو جعفر البزَّار، نزيل سامرَّاء، روى عن محمَّد بن سابق وزكريا بن عديٍّ، قال ابن أبي حاتم: كتبت عنه مع أبي، وهو صدوق (4). ويحتمل أن يكون أحمد بن موسى صاحب اللؤلؤ، وهو ابن أبي مريم، أبو عبد الله البصريُّ، روى عن ابن عونٍ وعاصم الجَحْدَريِّ وأبيه موسى،
روى عنه محمَّد بن المثنَّى ونصر بن عليٍّ وغيرهما. ويحتمل أن يكون غيرهما. وهارون بن مسلم هو: ابن هُرمز، أبو الحسن صاحب الحنَّاء، روى عن أبيه وعبيد الله بن الأخنس وغيرهما، روى عنه قتيبة وغيره، قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: ليِّن (1). ووثَّقه الحاكم (2) O. 1846 - وقال أحمد: ثنا وكيع عن سفيان عن عبد الكريم الجزريِّ عن طاوس عن ابن عبَّاس قال: لا تعب على من صام في السَّفر، ولا على من أفطر، فقد صام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في السَّفر وأفطر (3). ز: روى هذا الحديث مسلمٌ في " صحيحيه " فقال: 1847 - حدَّثنا أبو كريب ثنا وكيع عن سفيان عن عبد الكريم عن طاوس عن ابن عبَّاس قال: لا تعب على من صام ولا على من أفطر، قد صام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في السَّفر وأفطر (4). 1848 - وقال البيهقيُّ: أخبرنا أبو عبد الله إسحاق بن محمَّد بن يوسف السوسيُّ وأبو عبد الرَّحمن السُّلميُّ قالا: ثنا أبو العبَّاس الأصم أنا العبَّاس بن الوليد بن مَزْيَدٍ أخبرني أبي سمعت الأوزاعيُّ حدَّثني زياد النُّميريُّ حدَّثني أنس بن مالك قال: وافق رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رمضان في سفرٍ فصامه، ووافقه رمضان في سفرٍ فأفطره (5).
زياد بن عبد الله النُّميريُّ: ضعَّفه يحيى بن معين في رواية (1)، وقال في رواية أخرى عنه: ليس به بأس (2). وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتجُّ به (3). وذكره ابن حِبَّان في "الثِّقات" وقال: يخطئ، وكان من العبَّاد (4). وذكره أيضًا في " الضُّعفاء" وقال: لا يجوز الاحتجاج به (5). وقال ابن عَدِيٍّ: وعندي إذا روى عن زياد النُّميريِّ ثقةٌ= فلا بأس بحديثه (6) O. 1849 - وقال أبو بكر الإسماعيليُّ: أنا الهيثم ثنا إسحاق (7) ثنا مَعْن ثنا مالك عن حُميد الطَّويل عن أنس أنَّه قال: سافرنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في رمضان، فلم يعب الصَّائم على المفطر، ولا المفطر على الصَّائم. أخرجاه في "الصَّحيحين" (8). *****
مسألة (370): إذا نوى الصوم ثم سافر أبيح له أن يفطر، وبه قال
مسألة (370): إذا نوى الصَّوم ثمَّ سافر أبيح له أن يفطر، وبه قال داود والمزنيُّ. وعنه: لا يباح، كقول أكثرهم. 1850 - قال الإمام أحمد بن حنبل: حدَّثنا سفيان عن الزُّهريِّ عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عبَّاس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج عام الفتح فصام، حتَّى إذا كان بالكُدَيد أفطر. وإنَّما يؤخذ بالآخر من فعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1). 1851 - وقال الإسماعيليُّ: أخبرني القاسم بن زكريا قال: حدَّثني يزيد بن الهيثم ثنا إبراهيم بن أبي الليث ثنا الأشجعيُّ عن سفيان عن منصور عن مجاهد عن طاوس عن ابن عبَّاس قال: خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسافرًا في رمضان حتَّى أتى عُسْفان، فدعا بإناءٍ من شرابٍ نهارًا ليُري النَّاس، ثمَّ أفطر حتَّى قدم مكَّة (2). أخرجاه في "الصَّحيحين" (3). ز: هذان الحديثان يدلان على أنَّ المسافر اذا صام بعض الشَّهر في سفره يجوز له الفطر بعد ذلك في يوم نوى صومه، وأمَّا إذا نوى الحاضر صوم يوم ثمَّ سافر في أثنائه، فالدَّليل على جواز الفطر له:
1852 - ما رواه أبو داود، قال: حدَّثنا عبيد الله بن عمر حدَّثني عبد الله بن يزيد، قال أبو داود: وحدَّثنا جعفر بن مسافر ثنا عبد الله بن يحيى - المعنى-، عن سعيد- يعني ابن أبي أيوب، زاد جعفر: والليث- قال: حدَّثني يزيد بن أبي حبيب أنَّ كليب بن ذُهل الحضرميَّ أخيره عن عُبيد- قال جعفر: ابن جَبر- قال: كنت مع أبي بَصْرة الغفاريِّ- صاحب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سفينة من الفسطاط في رمضان، فدفع، ثمَّ قرَّب غداءه- وقال جعفر في حديثه: فلم يجاوز البيوت حتَّى دعا بالسُّفرة- قال: اقترب. قال: قلت: أليس ترى البيوت؟ قال أبو بصرة: أترغب عن سنة رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال جعفر في حديثه: فأكل (1). 1853 - وقال البيهقيُّ: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العبَّاس محمَّد ابن يعقوب نا الحسن بن مكرم ثنا عثمان بن عمر أنا شعبة عن عمرو بن عامر عن أنس بن مالك قال: قال لي أبو موسى: الم أُنبَّأ- أو: ألم أُخْبَر- أنَّك تخرج صائمًا، وتدخل صائمًا؟! قال: قلت: بلى. قال: فإذا خرجت فاخرج مفطرًا، وإذا دخلت فادخل مفطرًا. 1854 - وأخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق المزكي أنا أبو الحسن أحمد بن محمَّد بن عبدوس نا عثمان بن سعيد الدَّارميُّ نا ابن أبي مريم ثنا محمَّد بن جعفر حدَّثني زيد بن أسلم أخبرني محمَّد بن المنكدر عن محمَّد بن كعب قال: أتيتُ أنسَ بن مالك في رمضان وهو يريد السَّفر، وقد رُحِّلت دابته، وقد لبس ثياب السَّفر، وقد تقارب غروب الشَّمس، فدعا بطعام فكل منه، ثمَّ ركب، فقلت له: سنَّة. فقال: نعم. 1855 - وأخبرنا أبو الطَّاهر الفقيه أنا أبو عثمان البصريُّ نا محمَّد بن
مسألة (371): إذا نوى بالليل ثم أغمي عليه قبل طلوع الفجر، فلم
عبد الوهَّاب أنا يعلى بن عُبيد ثنا سفيان عن أبي إسحاق عن عمرو بن شُرَحبيل أنَّه كان يسافر وهو صائم فيفطر من يومه (1) O. ***** مسألة (371): إذا نوى بالليل ثُمَّ أغمي عليه قبل طلوع الفجر، فلم يفق إلا بعد الغروب، لم يصحَّ صومه. وقال أبو حنيفة: يصحُّ. 1856 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا وكيع ثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كلُّ عمل ابن آدم يضاعف، الحسَنةُ عشر أمثالها، إلى سبع مائة ضعف، إلى ما شاء الله، يقول الله عزَّ وجلَّ: إلا الصَّوم فإنَّه لي، وأنا أجزي به، يدع طعامه وشهوى من أجلي " (2). أخرجاه في "الصَّحيحين" (3). *****
مسألة (372): إذا أخر قضماء رمضان لغير عذر حتى جاء رمضان
مسألة (372): إذا أخَّر قضماء رمضان لغير عذرٍ حتَّى جاء رمضان آخر، وجبت عليه الفدية مع القضاء. وقأل أبو حنيفة: لا يجب إلا القضاء. 1857 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا محمَّد بن جعفر بن أحمد الصَّيرفيُّ (1) ثنا بكر بن محمود بن مكرم القزَّاز (2) نا إبراهيم بن نافع الجَلاب ثنا [عمر] (3) ابن موسى بن وجيه نا الحكم عن مجاهد عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في رجلٍ أفطر في رمضان، ثمَّ مرض (4)، ثمَّ صحَّ ولم يصم حتَّى أدركه رمضان آخر، قال: " يصوم الذي أدركه، ثمَّ يصوم الشَّهر الذي أفطر فيه، ويطعم عن كلِّ يوم مسكينًا " (5). قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وأنا محمَّد بن عبد الله أنا معاذ ثنا مسدَّد ثنا يحيى عن ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرة أنَّه قال في رجلٍ مرض في رمضان، ثمَّ صحَّ .... فذكر نحو الحديث. قال الدَّارَقُطْنِيُّ: إسنادٌ صحيحٌ، موقوفٌ (6).
قال المصنِّف: قلت: وعلى الموقوف العمل (1)، فأمَّا المسند فلا يصحُّ، فيه: إبراهيم بن نافع، قال أبو حاتم الرَّازيُّ: كان يكذب، وحدَّث عن ابن وجيه أحاديث بواطيل (2). قال (3): وعمر متروك الحديث، كان يضع الحديث. وقال يحيى بن معين: ليس بثقة (4). ز: 1858 - قال البيهقيُّ: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العبَّاس محمَّد بن يعقوب ثنا الحسن بن مكرم ثنا يزيد بن هارون ثنا شعبة عن الحكم عن ميمون بن مهران عن ابن عبَّاس في رجلٍ أدركه رمضان وعليه رمضان آخر، قال: يصوم هذا، ويطعم عن ذاك كلّ يومٍ مسكينًا، ويقضيه. 1859 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا: نا أبو العبَّاس محمَّد بن يعقوب نا يحيى بن أبي طالب قال: قال عبد الوهَّاب بن عطاء: سُئل سعيد- هو: ابن أبي عروبة- عن رجل تتابع عليه رمضانان، وفرَّط فيما بينهما؛ فأخبرنا عن قتادة عن صالح أبي الخليل عن مجاهد عن أبي هريرة أنَّه قال: يصوم الذي حضر، ويقضي الآخر، ويطعم لكلِّ يوم مسكينًا. قال: وأنا عبد الوهَّاب أنا سعيد عن قيس بن سعد عن عطاء عن أبي هريرة بمثله.
مسألة (373): إذا مات وعليه قضاء رمضان، فإنه يطعم عنه ولا
ورواه ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرة قال: مُدًّا من حنطة لكلِّ مسكين. 1860 - وأخبرنا أبو الحسن بن الفضل القطَّان ببغداد أنا أبو سهل بن زياد القطَّان نا عليُّ بن محمَّد بن أبي الشَّوارب ثنا سهل بن بكَّار نا أبو عوانة عن رقبة قال: زعم عطاء أنَّه سمع أبا هريرة قال في المريض يمرض ولا يصوم رمضان، ثمَّ يبرأ ولا يصوم حتَّى يدركه رمضان آخر، قال: يصوم الذي حضر، ويصوم الآخر، ويطعم لكلِّ ليلة مسكينًا. وروى هذا الحديث إبراهيم ابن نافع الجَلاب عن عمر بن موسى بن وجيه عن الحكم عن مجاهد عن أبب هريرة مرفوعًا، وليس بشيءٍ، إبراهيم وعمر متروكان. وروينا عن ابن عمر وأبي هريرة في الذي لم يصحَّ حتَّى أدركه رمضان آخر: يطعم ولا قضاء عليه. وعن الحسن وطاوس والنَّخعيِّ: يقضي ولا كفارة عليه. وبه نقول لقول الله تعالى: (مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ] [البقرة: 185] (1) O. ***** مسألة (373): إذا مات وعليه قضاء رمضان، فإنَّه يُطعَم عنه ولا يُصام، وإن كان عليه نذرٌ صام الولي. وقال أبو حنيفة ومالكٌ: لا يُصام ولا يُطعم في الحالين، إلا أن يوصي بذلك.
وقال الشَّافعيُّ في القديم: يُصام فيهما. وفي الجديد: يُطعَم فيهما. لنا- أنَّه لا يُصام عنه قضاء رمضان-: 1861 - ما رواه التِّرمذيُّ، قال: ثنا قتيبة ثنا عَبثَر بن القاسم عن أشعث عن محمَّد عن نافع عن ابن عمر عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من مات وعليه صيام شهرٍ فليُطعم عنه مكان كلِّ يوم مسكينًا ". قال التِّرمذيُّ: لا نعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه، والصَّحيح عن ابن عمر موقوفًا (1). قال المصنِّف: قلت: أشعث هو: ابن سوَّار، وكان ابن مهدي يخطُّ على حديثه (2)، وقال يحيى: لا شيء (3). وفي رواية: ثقةٌ (4). ومحمَّد هو: ابن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى، ضعيفٌ، مضطرب الحديث. وقد حمله أصحابنا على قضاء رمضان. ز: هذا الحديث رواه ابن ماجة عن محمَّد بن يحيى عن قتيبة بإسناده، وقال: (عن محمَّد بن سيرين) (5) [و] (6) هو وهمٌ.
وأمَّا التِّرمذيُّ فلم يَنْسِبْ محمَّدًا في روايته، وقال: ومحمَّد هو عندي: ابن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى. وهذا الذي قال صحيحٌ. وقد سُئل الدَّارَقُطْنِيُّ عن هذا الحديث فقال: يرويه أشعث بن سوَّار عن محمَّد بن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن نافع عن ابن عمر عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تفرَّد به عَبْثَر بن القاسم، والمحفوظ عن نافع عن ابن عمر موقوفًا، كذلك رواه عبد الوهَّاب بن بُختٍ عن نافع عن ابن عمر موقوفًا. 1862 - وقال البيهقيُّ: أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق المزكي أنا أبو عبد الله محمَّد بن يعقوب ثنا محمَّد بن عبد الوهَّاب أنا جعفر بن عون أنا يحيى بن سعيد عن القاسم ونافع أنَّ ابن عمر كان إذا سُئل عن الرَّجل يموت وعليه صومٌ من رمضان أو نذر، يقول: لا يصوم أحدٌ عن أحدٍ، ولكن تصدَّقوا عنه من ماله للصَّوم، لكلِّ يوم مسكينًا. 1863 - وأخبرنا أبو نصر عمر بن عبد العزيز بن عمر بن قتادة الأنصاريُّ أنا أبو الحسن عليُّ بن الفضل بن محمَّد بن عقيل أنا إبراهيم بن هاشم البغويُّ ثنا عبد الله بن محمَّد بن أسماء حدَّثني جويرية بن أسماء عن نافع أنَّ عبد الله بن عمر كان يقول: من أفطر في رمضان أيامًا وهو مريض، ثمَّ مات قبل أن يقفيى فليُطعم عنه مكان كلِّ يوم أفطر من تلك الأيام مسكينًا مدًّا من حنطة، فإن أدركه رمضان عام قابل قبل أن يصومه، فأطاق صوم الذي أدرك، فليطعم عمَّا مضى كل يوم مسكينًا مدًّا من حنطة، وليصم الذي استقبل. هذا هو الصَّحيح، موقوفٌ على ابن عمر، وقد رواه محمَّد بن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن نافع فأخطأ فيه:
1864 - أخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه أنا أبو محمَّد بن حيان الأصبهانيُّ ثنا محمَّد بن العبَّاس ثنا محمَّد بن إسماعيل بن البَخْتَري ثنا يزيد بن هارون أنا شَريك عن محمَّد بن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن نافع عن ابن عمر عن النَّبيِّ صعلم في الذي يموت وعليه رمضان، ولم يقضه، قال: " يُطعَم عنه، لكلِّ يومٍ نصف صاعٍ من بُرٍّ ". هذا خطأٌ من وجهين: أحدهما: رفعه الحديث إلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنَّما هو من قول ابن عمر. والآخر: قوله: " نصف صاعٍ " وإنَّما قال ابن عمر: مدًّا من حنطة. وروي من وجه آخر عن ابن أبي ليلى ليس فيه ذكر الصَّاع: 1865 - أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطَّان- ببغداد- أنا أبو عمرو ابن السَمَّاك ثنا محمَّد بن عبد الرَّحمن بن كامل القَرْقَسَانيُّ ثنا أبو عاصم البَجَليُّ ثنا عَبْثَر ابن القاسم عن أشعث بن سوَّار عن محمَّد عن نافع عن ابن عمر قال: سُئل النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن رجل مات وعليه صوم شهرٍ؛ قال: " يُطعَم عنه، كلُّ يومٍ مسكين ". 1866 - أخبرنا أبو محمَّد عبد الله بن يحيى بن عبد الجبَّار السُّكريُّ - ببغداد- أنا إسماعيل بن محمَّد الصَّفَّار ثنا أحمد بن منصور ثنا عبد الرَّزَّاق أنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن محمَّد بن عبد الرَّحمن بن ثوبان قال: سُئل ابن عبَّاس عن رجل مات وعليه صيام شهر رمضان، وعليه نذر شهر آخر (1)؛ قال: يُطعَم ستين مسكينًا. كذا رواه ابن ثوبان عنه في الصِّيامن جميعًا.
1867 - وقد أخبرنا أبو بكر بن الحسن القاضي وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا: أنا [أبو] (1) العبَّاس بن الأصم ثنا محمَّد بن إسحاق أنا عبد الوهَّاب بن عطاء أنا سعيد عن روح بن القاسم عن عليٍّ بن الحكم عن ميمون بن مهران عن ابن عبَّاس في امرأة توفِّيت- أو رجل- وعليه: رمضان، ونذر شهرٍ؛ فقال ابن عبَّاس: يُطعَم عنه مكان كلِّ يوم مسكينًا، أو يصوم عنه وليه لنذره. وكذلك رواه سعيد بن جبير عن ابن عبَّاس. انتهى ما رواه البيهقيُّ (2). 1868 - وقال أبو داود في "سننه": حدَّثنا محمَّد بن كثير أنا سفيان عن أبي حَصِين عن سعيد بن جبير عن ابن عبَّاس قال: إذا مرض الرَّجل في رمضان، ثمَّ مات ولم يصح، أُطعِم عنه، ولم يكن عليه قضاء؛ وإن نذر نذرًا، قضى عنه وليه (3) O. قال المصنِّف: ولنا على قضاء النَّذر أربعة أحاديث: 1869 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا سفيان عن الزُّهريِّ عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عبَّاس أنَّ سعد بن عبادة سأل النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن نذرٍ كان على أمِّه، توفِّيت قبل أن تقضيه؛ قال: " اقضه عنها " (4). أخرجاه في "الصَّحيحين" (5).
1870 - الحديث الثَّاني: قال الإمام أحمد: حدَّثنا محمَّد بن جعفر ثنا شعبة عن أبي بشر قال: سمعت سعيد بن جبير يحدِّث عن ابن عبَّاس أن امرأةً نذرت أن تحجَّ فماتت، فأتى أخوها النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسأله عن ذلك، فقال: " أرأيت لو كان على أختك دَيْنٌ، أكنت قاضيه؟ " قال: نعم. قال: " فاقضوا الله عزَّ وجلَّ، فهو أحقُّ بالوفاء " (1). انفرد بإخراجه البخاريُّ (2). 1871 - الحديث الثَّالث: قال أحمد: وثنا هُشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جُبير عن ابن عبَّاس أنَّ امرأة ركبت البحر، فنذرت: إن الله عزَّ وجلَّ نجَّاها أن تصوم شهرًا، فأنجاها الله، فلم تصم حتى ماتت، فجاءت قرابة لها فذكرت ذلك للنَّبيِّ يكنً؛ فقال: " صومي " (3). 1872 - الحديث الرَّابع: قال أحمد: وحدَّثنا إسحاق بن يوسف عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عبد الله بن عطاء المكِّيِّ عن سليمان بن بُريدة عن أبيه أنَّ امرأةً أتت النَّبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: يا رسول الله، إنَّ أمي كان عليها صوم شهرٍ، أفيجزيها أن أصوم عنها؟ قال: " نعم " (4). ز: رواه مسلمٌ عن محمَّد بن أحمد بن أبي خلف عن إسحاق الأزرق به (5).
1873 - وقال البيهقيُّ: أخبرنا أبو الحسن عليُّ بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصَّفَّار ثنا إسماعيل بن إسحاق ثنا سليمان بن حرب ثنا حمَّاد بن سلمة عن جعفر بن أبي وحْشِيَّة عن سعيد بن جبير عن ابن عبَّاس أنَّ امرأةً نذرت وهي في البحر إن نجَّاها الله أن تصوم شهرًا، فأنجاها الله، فماتت قبل أن تصوم، فجاءت ذات قرابة لها- إمَّا أختها وإمَّا بنتها- إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرته، فقال: " صومي عنها ". تابعه هُشيم عن أبي بشر في الصَّوم، ورواه شعبة وأبو عوانة عن أبي بشر في الحجِّ دون الصَّوم، ويحتمل أن يكون السؤال وقع عنهما فنقلا (1) أحدهما، ونقل حمَّاد بن سلمة وهُشيم الآخر، فقد رواه عكرمة عن ابن عبَّاس في الصَّوم: 1874 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو بكر بن عبد الله أنا الحسن بن سفيان ثنا محمَّد بن عبد الأعلى ثنا المعتمر قال: قرأت على الفضيل عن أبي حَرِيز في امرأةٍ ماتت وعليها صوم؛ فقال: حدَّثني عكرمة عن ابن عبَّاس قال: أتت امرأةٌ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: يا رسول الله، إنَّ أمِّي ماتت وعليها صومُ خمسة عشر يومًا، قال: " أرأيت لو أنَّ أمَّك ماتت وعليها دَيْنٌ، أكنت قاضيته؟ " قالت: نعم، قال: " اقضي دين أمِّك ". وهي امرأة من خَثْعم. قال البخاريُّ (2): وقال أبو حَرِيز: حدَّثني عكرمة ... فذكره. قال البيهقيُّ: ورواه بُريدة بن حُصيبٍ (3) عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصَّوم والحجِّ جميعًا:
1875 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو عمرو بن أبي جعفر ثنا جعفر الحافظ ثنا عليُّ بن حجر ثنا عليُّ بن مُسهر ثنا عبد الله بن عطاء المدينيُّ عن عبد الله بن بُريدة عن أبيه قال: كنت جالسًا عند النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ أتته امرأةٌ فقالت: إنِّي تصدَّقت على أمِّي بجارية، وإنَّها ماتت. قال: " وجب أجرك، وردَّها عليك الميراث ". قالت: يا رسول الله، إنَّه كان عليها صوم شهرٍ، أفأصوم عنها؟ قال: " صُومي عنها ". قالت: يا رسول الله، إنَّها لم تحجَّ، أفأحجُّ عنها؟ قال: " حجِّي عنها ". رواه مسلمٌ في " الصَّحيح " (1) عن عليِّ بن حُجر، وكذلك رواه جماعة عن عبد الله بن عطاء: سفيان الثَّوريُّ وزُهير بن معاوية وعبد الله بن نُمير ومروان الفَزَاريُّ وأبو معاوية وغيرهم، إلا أنَّ بعضهم قال: (صوم شهرين). ورواه عبد الملك بن أبي سليمان عن عبد الله بن عطاء عن سليمان بن بُريدة عن أبيه، وقال: صوم شهر (2) O. واحتجَّ أصحاب الشَّافعي بحديثين: 1876 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن مسلم البطن عن سعيد بن جُبير عن ابن عبَّاس قال: أتت النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امرأةٌ، فقالت: يا رسول الله، إنَّ أمِّي ماتت وعليها صوم شهر، فأقضي عنها؟ فقال: " أرأيت لو كان على أمِّك دَيْنٌ، أما كنت تقفعيه؟ " قالت: بلى. قال: " فدَيْن الله عزَّ وجلَّ أحقُّ " (3).
أخرجاه في "الصَّحيحين" (1). 1877 - الحديث الثَّاني: قال أحمد: حدَّثنا يحيى (2) ثنا ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر عن محمَّد بن جعفر بن الزُّبير عن عروة عن عائشة أنَّها سألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن من مات وعليه صيام، فقال: " يصوم عنه وليُّه " (3). رواه الدَّارَقُطْنِيُّ من حديث يحيى بن أيُّوب عن عبيد الله بن أبي جعفر، وقال: هذا إسنادٌ حسنٌ (4). وقد حمله أصحابنا على ما إذا كان نذرًا. ز: حديث عائشة: رواه عمرو بن الحارث وغيره عن ابن أبي جعفر، وهو مخرَّح في "الصَّحيحين" (5)، وذِكْرُه من طريق ابن لهيعة ويحيى بن أيُّوب دون عمرو فيه تقصيرٌ (6). 1878 - قال البيهقيُّ: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو الوليد الفقيه ثنا أبو بكر بن أبي داود ثنا هارون بن سعيد الأَيْليُّ ثنا ابن وهب (ح) وأنا أبو عمرو محمَّد بن عبد الله الأديب أنا أبو بكر الإسماعيليُّ أخبرني أبو يعلى ثنا
أحمد بن عيسى المصريُّ ثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن عبيد الله بن أبي جعفر عن محمَّد بن جعفر بن الزُّبير عن عروة عن عائشة أنَّ رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من مات وعليه صيامٌ، صام عنه وليُّه ". أخرجه البخاريُّ في " الصَّحيح " من حديث موسى بن أعين عن عمرو، ثمَّ قال: تابعه ابن وهب عن عمرو. [و] (1) رواه مسلمٌ عن هارون ابن سعيد وأحمد بن عيسى، قال البخاريُّ: ورواه يحيى بن أيُّوب عن عيسى بن أبي جعفر (2). 1879 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر ابن الحسن القاضي وأبو زكريا بن أبي إسحاق وأبو عبد الرَّحمن السُّلميُّ قالوا: أنا أبو العبَّاس محمَّد بن يعقوب ثنا محمَّد بن اسحاق الصَّغانيُّ ثنا عمرو بن الرَّبيع بن طارق أنا يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن أبي جعفر عن محمَّد بن جعفر عن عروة بن الزُّبير عن عائشة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من مات وعليه صيام، صام عنه وليُّه " (3). وقد حمل أصحابنا حديث عائشة وغيره في هذا الباب على صوم النَّذر، لما روي: 1880 - عن عائشة أنَّها قالت: يُطعم عنه في قضاء رمضان ولا يصام. قالوا: والفرق بين النَّذر وغيره: أنَّ النِّيابة تدخل العبادة حسب خِفَّتها، والنَّذر أخفُّ حُكْمًا، لكونه لم يجب بأصل الشَّرع، وإنَّما أوجبه النَّاذر على نفسه O. **** "
مسألة (374): لا يجب التتابع في قضاء رمضان.
مسألة (374): لا يجب التَّتابع في قضاء رمضان. وقال داود؟ يجب. 1881 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا عبد الباقي بن قانع ثنا محمَّد بن عبد الله بن منصور الفقيه ومحمَّد بن عثمان قالا: ثنا سفيان بن بشر ثنا عليُّ بن مُسْهِر عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في قضاء رمضان: " إن شاء تابع، وإن شاء فرَّق ". قالوا: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: لم يسنده غير سفيان بن بشر (1). قلنا: ما عرفنا أنَّ أحدًا طعن فيه، والزِّيادة من الثِّقة مقبولة. ز: سفيان بن بشر بن غالب بن أيمن الأسديُّ الكوفيُّ، أبو الحسين، حدَّث عن مالك بن أنس وعليِّ بن هاشم بن البَريد، روى عنه الحسن بن غُليب المصريُّ ومحمَّد بن رزيق بن جامع ومحمَّد بن داود بن عثمان الصدفيُّ ومحمَّد ابن عثمان بن أبي شيبة وغيرهم، ولم أر أحدًا ذكره بجرحٍ ولا عدالةٍ (2). 1882 - وقال البيهقيُّ: أخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه أنا عليُّ بن عمر الحافظ ثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا محمَّد بن يحيى بن فارس النَّيسابوريُّ قال: وفيما ذكر عبد الرَّزَّاق عن ابن جريج عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة قالت: نزلت: (فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ مُتَتَابِعَاتٍ} فسقطت. (متتابعات). قولها: (فسقطت)، تريد به نُسخت، لا يصحُّ له تأويلٌ غير ذلك.
1883 - وأخبرنا أبو بكر بن الحارث أنا عليُّ بن عمر الحافظ ثنا عبد الملك بن أحمد الدَّقَّاق ثنا بحر بن نصر ثنا ابن وهب حدَّثني معاوية بن صالح عن أزهر بن سعيد أنَّه سمع أبا عامر الهَوْزَنيَّ يقول: سمعت أبا عبيدة بن الحارث (1) سُئل عن قضاء رمضمان، فقال: إنَّ الله لم يرخِّص لكم في فطره وهو يريد أن يشقِّ عليكم في قضائه، فأحص العِدَّة، واصنع ما شئت. 1884 - وأخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه أنا عليُّ بن عمر ثنا ابن منيع ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا زيد بن الحُبَاب ثنا معاوية بن صالح عن موسى بن زيد عن مَوهبٍ عن أبيه عن مالك بن يَخَامِر عن معاذ بن جبل أنَّه سئل عن قضاء رمضان، فقال: أحص العدَّة، وصم كيف شئت. 1885 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا: ثنا أبو العبَّاس- هو: الأصم- ثنا يحيى بن أبي طالب أنا عبد الوهَّاب بن عطاء أنا سعيد- هو: ابن أبي عروبة- عن عليِّ بن الحكم عن عبد الله بن أبي مليكة عن عقبة بن الحارث أنَّ أبا هريرة كان لا يرى بقضائه بأسًا، أن يقضيه متفرِّقًا. يعني قضاء صوم رمضان. 1886 - أخبرنا أبو الحسن بن الفضل القطَّان أنا أبو سهل بن زياد القطَّان ثنا عُبيد بن عبد الواحد بن شَريك ثنا سعيد بن أبي مريم أنا يحيى بن أيُّوب حدَّثني ابن جريج عن عطاء عن ابن عبَّاس أنَّه كان يقول في قضاء رمضان: من كان عليه شيءٌ منه، فليفرِّق بينه. 1887 - وأخبرنا أبو الحسن العلاء بن محمَّد بن أبي سعيد الإسفرائنيُّ بها أنا أبو سهل بشر بن أحمد ثنا حمزة بن محمَّد الكاتب ثنا نُعيم بن حمَّاد ثنا ابن
المبارك عن معمر عن الزُّهريِّ عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عبَّاس في من عليه قضاء شهر رمضان، قال: يقضيه متفرِّقًا، فإنَّ الله تعالى يقول: (فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185]. 1888 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا: ثنا أبو العبَّاس- هو الأصم- ثنا يحيى بن أبي طالب أنا عبد الوهَّاب أنا سليمان التَّيميُّ عن بكر بن عبد الله عن أنس بن مالك أنَّه كان لا يرى به بأسًا، ويقول: إنَّما قال الله: (فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185]. 1889 - أخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه أنا عليُّ بن عمر الحافظ ثنا عبد الله بن محمَّد بن عبد العزيز ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا ابن إدريس عن شعبة عن عبد الحميد بن رافع عمَّن حدَّثه أنَّ رافع بن خَدِيج كان يقول: أحص العدَّة، وصم كيف شئت. وقد روي فيه عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإسناد مرسلٍ: 1890 - أخبرنا أبو بكر بن الحسن القاضي وأبو زكريا بن أبي إسحاق قالا: ثنا أبو العبَّاس محمَّد بن يعقوب ثنا بحر بن نصر قال: قرئ على عبد الله ابن وهب: أخبرك أبو حسين- رجلٌ من أهل مكَّة (1) - قال: سمعت موسى ابن عقبة يحدِّث عن صالح بن كيسان قال: قيل: يا رسول الله، رجلٌ كان عليه قضاءٌ من رمضان، فقضى يومًا أو يومين منقطعين، أيجزئ عنه؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أرأيت لو كان عليه دَيْنٌ، فقضاه درهمًا ودرهمين حتَّى يقض دينه، أترون ذمته برئت ". قال: نعم. قال: " يقضي عنه ".
وقد قيل: عن موسى بن عقية عن محمَّد بن المنكدر عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً. 1891 - أخبرناه أبو بكر بن الحارث الفقيه أنا عليُّ بن عمر الحافظ ثنا ابن منيع ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا يحيى بن سليم الطَّائفيُّ عن موسى بن عقبة عن محمَّد بن المنكدر قال: بلغني أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عن تقطيع قضاء صيام شهر رمضان، قال: " ذلك إليك، أرأيت لو كان على أحدكم دَيْنٌ، فقضى الدرهم والدرهمين، ألم يكن قضى؟ فالله أحقُّ أن يعفو ويغفر ". قال عليٌّ (1): وإسناده حسنٌ، إلا أنَّه مرسلٌ، وقد وصله غير أبي بكر عن يحيى بن سليم، ولا يثبت متصلاً. قال البيهقيُّ: وقد روي من وجه آخر ضعيف عن ابن عمر مرفوعًا، وقد روي في مقابتله عن أبي هريرة في النَّهي عن القطع مرفوعًا، وكيف يكون ذلك صحيحًا ومذهب أيى هريرة جواز التَّفريق، ومذهب ابن عمر المتابعة؟! وروي من وجه آخر عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعًا في جواز التَّفريق، ولايصحُّ شيءٌ من ذلك. 1892 - أخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه أنا عليُّ بن عمر الحافظ ثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا أحمد بن سعيد بن صخر الدَّارميُّ ثنا حَبَّان بن هلال ثنا عبد الرَّحمن بن ابراهيم عن العلاء بن عبد الرَّحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من كان عليه صوم رمضان فليسرد" ولا يقطعه ". قال عليٌّ (2): عبد الرَّحمن بن إبراهيم ضعيفٌ.
قال البيهقيُّ: عبد الرَّحمن بن إبراهيم مدنيٌّ، قد ضعَّفه يحيى بن معين (1) وأبو عبد الرَّحمن النَّسائيُّ (2) والدَّارَقُطْنِيُّ. 1893 - أخبرنا عبد الله (3) بن يحيى بن عبد الجبَّار السُّكريُّ- ببغداد- أنا إسماعيل بن محمَّد الصَّفَّار ثنا أحمد بن منصور ثنا عبد الرَّزَّاق أنا الثَّوريُّ عن أبي إسحاق عن الحارث عن عليٍّ في قضاء رمضان، قال: متابعًا (4). 1894 - قال: وأنا الثَّوريُّ عن عبد الله عن نافع عن ابن عمر قال: متابعًا (4). 1894/أ- ورواه عليُّ بن الجَعْد عن زهير عن أبي إسحاق عن الحارث عن عليٍّ أنَّه كان لا يرى به متفرِّقًا بأسًا. 1895 - وأخبرنا أبو [الحسين] (5) بن بشران- ببغداد- أنا إسماعيل بن محمَّد الصَّفَّار ثنا الحسن بن عليِّ بن عفَّان ثنا ابن نُمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنَّه كان لا يفرِّق قضاء رمضان. كذا قال ابن عمر، واختلف فيه على عليّ بن أبي طالب، و [راويه] (6)
الحارث الأعور، والحارث ضعيفٌ (1) O. قال المصنِّف: احتجَّ داود: 1896 - بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا القاسم بن إسماعيل ثنا عليُّ بن مسلم (2) ثنا [حَبَّان] (3) بن هلال ثنا عبد الرَّحمن بن إبراهيم القاص ثنا العلاء ابن عبد الرَّحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من كان عليه صوم من رمضان، فليسرده ولا يقطعه " (4). قال يجيى بن معين: عبد الرَّحمن بن إبراهيم ليس بشيءٍ (5). وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ضعيفٌ. ز: قال أبو الحسن بن القطَّان: حال هذا الحديث لا بأس بها، لأنَّ رجاله لا بأس بهم، وليس فيهم من وضع فيه النَّظر إلا هذا القاص، وهو لا بأس به، وما جاء مَنْ ضعَّفه بحجَّة، وقد وثَّقه يحيى بن معين في رواية الدُّوريِّ، وقال أبو زرعة (6): لا بأس به، أحاديثه مستقيمة. قال ابن القطَّان: فالحديث من روايته حسنٌ، والله أعلم (7) O. *****
مسألة (375): إذا دخل في صوم التطوع لم يلزمه إتمامه، فإن أفطر لم
مسألة (375): إذا دخل في صوم التَّطوُّع لم يلزمه إتمامه، فإن أفطر لم يلزمه القضاء. وقال أبو حنيفة ومالك: يلزمه، فإن أفطر وجب القضاء. لنا أربعة أحاديث: 1897 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا وكيع ثنا شعبة عن قتادة عن أبي أيُّوب الهجريِّ (1) عن جويرية أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل على جويرية في يوم جمعة وهي صائمةٌ، فقال لها: " أصمتِ أمس؟ " قالت: لا. قال: " تصومين غدًا؟ " قالت: لا. قال: " فأفطري " (2). انفرد بإخراجه البخاريُّ (3). 1898 - طريقٌ آخرٌ: قال أحمد: وحدَّثنا محمَّد بن جعفر ثنا سعيد (4) عن قتادة عن سعيد بن المسيَّب عن عبد الله بن عمرو أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل على جويرية بنت الحارث وهي صائمةٌ، في يوم جمعة، فقال لها: " أصمت أمس؟ " فقالت: لا. قال: " أتريدين أن [تصومي] (5) غدًا؟ " فقالت: لا. قال: " فأفطري إذًا " (6).
ز: رواه النَّسائيُّ عن إسماعيل بن مسعود عن بشر بن المفضَّل عن سعيد به (1) O. 1899 - الحديث الثَّاني: قال أحمد: وحدَّثنا يحيى عن طلحة بن يحيى عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أمِّ المؤمنين أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يأتيها وهو صائم، فيقول: " أصبح عندكم شيءٌ تطعمونيه؟ " فتقول: لا، ما أصبح عندنا شيءٌ. فيقول: " إنِّي صائمٌ ". ثمَّ جاءها بعد ذلك، فقالت: أهديت لنا هديَّة، فخبأنا لك. قال: " ما هي؟ " قالت: حَيْس. قال: " قد أصبحت صائمًا ". فكل (2). انفرد بإخراجه مسلمٌ (3). زْ: 1900 - قال البيهقيُّ: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو النضر الفقيه ثنا أبو عبد الله محمَّد بن نصر الإمام ثنا أبو كامل ثنا عبد الواحد بن زياد، [قال: وأخبرنا أبو عمرو ثنا عبد الله بن محمَّد ثنا بشر بن معاذ العَقَدِيُّ ثنا عبد الواحد بن زياد،] (4) ثنا طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله حدَّثتني عائشة بنت طلحة عن عائشة أمِّ المؤمنين قالت: قال لي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يوم: " يا عائشة، هل عندك شيءٌ؟ " قالت: قلت: لا، والله ما عندنا شيءٌ. قال: " إنِّي صائمٌ ". قالت: فخرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأهديت لنا هديَّة - أو جاءنا زَوْرٌ (5) -، فلمَّا رجع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قلت: يا رسول الله،
أهديت لنا هدّيَة- أو جاءنا زَوْرٌ -، وقد خبَّأت لك شيئًا. قال: " ما هو؟ " قلت: حَيْسٌ. قال: " هاتيه ". فجئت به، فأكل، ثمَّ قال: " قد كنت أصبحت صائمًا ". قال أبو عبد الله: لفظ العَقَدِيُّ. رواه مسلمٌ في " الصَّحيح " (1) عن أبي كامل الجَحْدَريِّ، وزاد فيه: قال طلحة: فحدَّثت مجاهدًا بهذا الحديث، قال: ذلك بمنزلة الرَّجل يخرج الصَّدقة من ماله، فإن شاء أمضاها، وإن شاء أمسكها. 1901 - أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق المزير ثنا أبو العبَّاس محمَّد ابن يعقوب أنا الرَّبيع بن سليمان أنا الشَّافعيُّ أنا سفيان عن طلحة بن يحيى عن عمَّته عائشة بنت طلحة عن عائشة قالت: دخل عَلَيَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: إنَّا خبَّأنا لك حَيْسًا. فقال: " أما إنِّي كنت أريد الصَّوم، ولكن قرِّبيه ". هكذا رواه الجماعة عن سفيان بن عيينة، وكذلك رواه جماعة عن طلحة ابن يحيى، لم يذكر أحد منهم القضاء في هذا الحديث. 1902 - وقد أخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه أنا أبو محمَّد بن حيَّان الأصبهانيُّ ثنا إسحاق بن إبراهيم بن جميل ثنا محمَّد بن عمرو بن العبَّاس ثنا سفيان بن عيينة عن طلحة بن يحيى عن عمَّته عن عائشة قالت: دخل عَلَيَّ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: خبَّأنا لك حَيْسًا. فقال: " إنِّي كنت أريد الصَّوم، ولكن قرِّبيه، واقضي يومًا مكانه ". وكان أبو الحسن الدَّارَقُطْنِيُّ (2) يحمل في هذا اللفظ على محمَّد بن عمرو ابن العبَّاس الباهليِّ هذا، ويزعم أنَّه لم يروه بهذا اللفظ غيره، ولم يتابع عليه.
وليس كذلك، فقد حدَّث به ابن عُيينة في آخر عمره، وهو عند أهل العلم بالحديث غير محفوظٍ: 1903 - أخبرنا بذلك أبو إسحاق بن إبراهيم بن محمَّد الأُرْمَويُّ أنا شافع بن محمَّد أنا أبو جعفر بن سلامة ثنا المزنيُّ ثنا الشَّافعيُّ أنا سفيان ... فذكر هذا الحديث، بهذا اللفظ الذي رواه الرَّبيع، وزاد في آخره: " سأصوم يومًا مكانه ". قال المزنيُّ: سمعت الشَّافعيَّ يقول: سمعت سفيان عامة مجالسه لا يذكر فيه: " سأصوم يومًا مكانه "، ثمَّ عرضته عليه قبل أن يموت بسنة فأجاب فيه: " سأصوم يومًا مكانه ". قال البيهقيُّ: وروايته عامَّةُ دهره لهذا الحديث لا يذكر فيه هذا اللفظ، مع رواية الجماعة عن طلحة بن يحيى لا يذكره منهم أحد، منهم: سفيان الثَّوريُّ وشعبة بن الحجَّاج وعبد الواحد بن زياد ووكيع بن الجرَّاح ويحيى بن سعيد القطَّان ويعلى بن عبيد وغيرهم، فدلَّ على خطأ هذه اللفظة، والله أعلم. وقد روي من وجه آخر عن عائشة ليس فيه هذه اللفظة: 1904 - حدَّثناه أبو بكر محمَّد بن الحسن بن فورك أنا عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود ثنا سليمان بن معاذ عن سِماَك عن عكرمة عن عائشة قالت: دخل عَلَيَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يوم، فقال: " أعندك شيءٌ؟ " قلت: لا. قال: " إذًا أصوم ". قالت: ودخل عَلَيَّ يومًا آخر، فقال: " أعندك شيءٌ؟ " قلت: نعم. قال: " إذًا أفطر، لإن كنت فرضت الصَّوم ". وهذا إسنادٌ صحيحٌ (1) 0 انتهى ما ذكره.
1905 - قال النَّسائيُّ في " السُّنن الكبير ": أخبرنا محمَّد بن منصور ثنا سفيان عن طلحة بن يحيى عن عمَّته عائشة بنت طلحة عن عائشة قالت: دخل علينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلنا: إنَّ عندنا حيسًا، قد خبَّأناه لك. قال: " قرِّبوه ". فكل، وقال: " إنِّي كنت أردت الصَّوم، ولكن أصوم يومًا مكانه ". قال أبو عبد الرَّحمن: هذا خطأٌ، قد روى هذا الحديث جماعةٌ عن طلحة، فلم يذكر أحدٌ منهم: " ولكن أصوم يومًا مكانه ". 1906 - أخبرنا عليُّ بن عثمان ثنا المعافى بن سليمان ثنا [خطَّاب] (1) ابن القاسم عن خُصيف عن عكرمة عن ابن عبَّاس أن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل على حفصة وعائشة وهما صائمتان، ثمَّ خرج، فرجع وهما تأكلان، فقال: " ألم تكونا صائمتين؟ " قالتا: بلى، ولكن أهُدي لنا هذا الطَّعام، فأعجبنا، فكلنا منه. قال: " صوما يومًا مكانه ". قال أبو عبد الرَّحمن: هذا الحديث منكرٌ، وخُصيف ضعيفٌ في الحديث، وخطَّاب لا علم لي به (2) O. 1907 - قال المصنِّف: طريقٌ آخرٌ: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا حمَّاد بن الحسن بن عَنْبسة ثنا أبو داود ثنا سليمان بن معاذ الضَّبِّيُّ عن سِماَك بن حرب عن عكرمة قال: قالت عائشة: دخل عَلَيَّ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " عندك شيءٌ؟ " قلت: نعم. قال: " إذًا أطعم، وإن كنت قد فرضت الصَّوم".
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: هذا إسنادٌ [حسنٌ] (1) صحيحٌ (2). ز: هذا الإسناد ليس مذكورًا في شيءٍ من "الكتب السِّتَّة"، وسليمان بن معاذ هو: ابن قَرْم بن معاذ الضَّبيُ، روى له مسلمٌ (3)، لكن لا أدري هل روى له متابعةً أم أصلاً؟ ووثَّقه أحمد (4)، وضعَّفه ابن معين (5) والنَّسائيُّ (6)، وقال ابن حِبَّان: كان رافضيًّا غاليًا، وكان يقلب الأخبار (7). وقال الإمام أحمد بن حنبل أيضًا: لا أرى به بأسًا، لكنه كان يفرط في التَّشيُّع (8). وسِمَاك بن حرب: روى له مسلمٌ (9)، ووثَّقه ابن معين (10) وغيره، وكان شعبة يضعِّفه (11)، وقال يعقوب بن شَيْبة: روايته عن عكرمة خاصةً مضطربة، وهو في غير عكرمة صالحٌ (12) O. 1908 - الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا يعقوب بن إبراهيم البزَّاز ثنا الحسن بن عرفة ثنا عليُّ بن ثابت عن محمَّد بن عبيد الله عن عطاء عن أمِّ سلمة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصبح من الليل وهو يريد الصَّوم، فيقول: " أعندكم
شيءٌ؟ أتاكم شيءٌ؟ ". قالت: فنقول: أو لم تصبح (1) صائمًا؟ فيقول: " بلى، ولكن لا بأس أن أفطر، ما لم يكن نذرًا، أو قضاء رمضان " (2). قال المصنِّف: محمَّد بن عُبيد الله هو: العَرْزَمِيُّ، ضعيفٌ. ز: هذا الحديث لم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب " السُّنن الأربعة "، والعَرْزَمِيُّ: تركوه، والله أعلم O. 1909 - الحديث الرَّابع: قال التَّرمذيُّ: حدَّثنا قتيبة ثنا أبو الأحوص عن سِماَك بن حرب عن ابن أمِّ هانئ عن أمِّ هانئ قالت: كنت قاعدة عند النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأُتي بشرابٍ، فشرب منه، ثمَّ ناولني فشربت، فقلت: إنِّي أذنبت، فاستغفر لي. فقال: " وما ذاك؟ " قلت: كنت صائمةً فأفطرت. فقال: " أَمِن قضاء كنت تقضينه؟ " قلت: لا. قال: " فلا يضرُّك " (3). 1910 - طريقٌ آخرٌ: قال الإمام أحمد: حدَّثنا أبو داود الطَّيالسيُّ ثنا شعبة عن جعدة عن أمِّ هانئ أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل عليها، فدعا بشرابٍ، فشرب، ثمَّ ناولها، فشربت، وقالت: يا رسول الله، أما إنِّي كنت صائمةً. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الصَّائم المتطوِّع أمير نفسه، إن شاء صام، وإن شاء أقطر ". قال: قلت له: سمعته من أمِّ هانئ؟ قال: لا، حدَّثنيه أبو صالح وأهلنا عن أمِّ هانئ (4). 1911 - طريقٌ آخرٌ: قال أحمد: ثنا محمَّد بن جعفر ثنا شعبة عن جعدة عن أمِّ هانئ- وهي جدَّته- أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل عليها يوم الفتح،
فأُتي بإناءٍ، فشرب، ثمَّ ناولني، فقلت: إنِّي صائمةٌ. فقال: " إنَّ المتطوِّع أميرٌ على نفسه، فإن شئت فصومي، وإن شئت فأفطري " (1). 1912 - طريقٌ آخرٌ: قال أحمد: وثنا بهز ثنا حمَّاد بن سلمة ثنا سِمَاك ابن حرب عن هارون بن بنت أمِّ هانئ- أو: ابن ابن (2) أمِّ هانئ- عن أمِّ هانئ أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شرب شرابًا، فناولها لتشرب، فقالت: إنِّي صائمةٌ، ولكن كرهت أن أردَّ سؤرك. فقال: " فإنَّ كان قضاءً من رمضان فاقضي يومًا مكانه، وإن كان تطوُّعًا فإن شئت فاقض، وإن شئت فلا تقضي " (3). ز: هذا الحديث في إسناده اختلافٌ، وقال التِّرمذيُّ: حديث أمِّ هانئ في إسناده مقالٌ (4). وقد رواه النَّسائيُّ من غير وجه، وقال: قد اختلف على سِمَاك بن حرب فيه، وليس ممَّن يعتمد عليه إذا انفرد بالحديث (5). والله أعلم. وقال البخاريُّ في جَعدة: لا يعرف إلا بحديث واحد فيه نظر، وهو: " المتطوِّع أمير نفسه " (6). وقال ابن عَدِيٍّ: لا أعرف له إلا هذا الحديث الواحد، كما ذكره البخاريُّ (7).
1913 - وقال البيهقيُّ: أخبرنا أبو ذرٍّ محمَّد بن أبي الحسين بن أبي القاسم المذكِّر ثنا يحيى بن منصور القاضي ثنا أبو عمرو أحمد بن المبارك المستمليُّ ثنا محمَّد بن رافع ثنا يحيى بن أبي الحجَّاج ثنا حاتم بن أبي صَغِيرة عن سِمَاك بن حرب عن أبي صالح عن أمِّ هانئ قالت: دخل عليَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاستسقى، فشرب، فناولني سُؤره وأنا صائمةٌ، فشربت سُؤر رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: يا رسول الله، فعلت شيئًا لا أدري أصبت أم أخطأت؟! ناولتني سُؤرَك وأنا صائمةٌ، فكرهت أن أردَّ سؤر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: " أمتطوِّعةٌ أم قضاءٌ من رمضان؟ " قلت: متطوِّعةٌ. قال: " المتطوِّع بالخيار، إن شاء صام، وإن شاء أفطر ". 1914 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العبَّاس محمَّد بن يعقوب ثنا بكَّار بن قتيبة القاضي ثنا صفوان بن عيسى القاضي ثنا أبو يونس حاتم بن أبي صَغِيرْة عن سِمَاك بن حرب عن أبي صالح عن أمِّ هانئ أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول: " الصَّائم المتطوِّع أمير نفسه، إن شاء صام، وإن شاء أفطر ". 1915 - أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمر وثنا أبو عبد الله محمَّد بن عبد الله الصَّفَّار ثنا أحمد بن محمَّد البِرْتيُّ القاضي ثنا أبو الوليد ثنا أبو عوانة (ح) وأخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه أَنا أبو محمَّد بن حيَّان أنا أبو يعلى ثنا إبراهيم بن الحجَّاج ثنا أبو عوانة عن سِمَاك عن ابن ابن أمِّ هانئ عن جدَّته- أنَّه سمعه منها-، قالت: أُتي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشرابٍ يوم فتح مكَّة، فشرب، ثمَّ ناولني، فشربت، وكنت صائمةً، فكرهت أن أردَّ فضل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: يا رسول الله، إنِّي كنت صائمةً، فكرهت أن أردَّ فضل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقال لها: " أكنت تقضين عنك شيئًا؟ ". قالت: لا. قال: " فلا يضرُّك ". هذا لفظ حديث إبراهيم، وفي رواية أبي الوليد قال: هارون ابن ابن أمِّ
هانئ عن أمِّ هانئ- زعم أنَّه سمعه منها- أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لها: " أكنت تقضين عنك شيئًا؟ ". قالت: لا. قال: " فلا يضرُّك ". قال أبو الوليد: حدَّثنا حديث سِمَاك من كتابه. 1916 - وحدَّثنا أبو بكر بن فُورك أنا عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود ثنا شعبة أنا جَعدة- رجلٌ من قريش- وهو ابن أمِّ هانئ، وكان سِمَاك يحدِّثه فيقول: أخبرني ابنا أمِّ هانئ. قال شعبة: فلقيت أنا أفضلهما جعدة، فحدَّثني عن أمِّ هانئ أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل عليها، فناولته شرابًا، فشرب، ثمَّ ناولها، فشربت، فقالت: يا رسول الله، كنت صائمةً. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الصَّائم المتطوِّع أمين- أو: أمير- نفسه، إن شاء صام، وإن شاء أفطر ". قال شعبة: فقلت لجعدة: أسمعته أنت من أمِّ هانئ؟ قال: أخبرني أهلنا وأبو صالح- مولى أمِّ هانئ- عن أمِّ هانئ. 1917 - أخبرنا أبو عليٍّ الرُّوذَباريُّ أنا محمَّد بن بكر ثنا أبو داود ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا جرير بن عبد الحميد عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث عن أمِّ هانئ قالت: لمَّا كان يوم فتح مكَّة، جاءت فاطمة، فجلست عن يسار رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمُّ هانئ عن يمينه، قال: فجاءت الوليدة بإناءٍ فيه شراب، فناولته، فشرب، ثمَّ ناوله أمَّ هانئ، فشربت منه، فقالت: يا رسول الله، لقد أفطرت وكنت صائمةً. فقال لها: " أكنت تقضين شيئًا؟ " قالت: لا. قال: " فلا يضرُّك إن كان تطوُّعًا ". 1918 - أخبرنا أبو عليٍّ الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان ببغداد ثنا حمزة بن محمَّد بن العبَّاس ثنا عبَّاس بن محمَّد ثنا عبيد الله- يعني: ابن
موسى- ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود قال: إذا أصبحت وأنت تنوي الصِّيام، فأنت بآخر (1) النَّظرين، إن شئت صمت، وإن شئت أفطرت. 1919 - أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق المزكي ثنا أبو العبَّاس محمَّد بن يعقوب أنا الرَّبيع بن سليمان أنا الشَّافعيُّ أنا مسلم بن خالد وعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي روَّاد عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح أنَّ ابن عبَّاس كان لا يرى بأسًا أن يفطر الإنسان في صيام التَّطوُّع، ويضرب لذلك أمثالاً: رجل طاف سبعًا ولم يوفه، فله أجر ما احتسب؛ أو صلى ركعةً ولم يصلِّ أخرى، فله أجر ما احتسب. 1920 - وأخبرنا أبو زكريا ثنا أبو العبَّاس أنا الرَّبيع أنا الشَّافعيُّ أنا مسلم وعبد المجيد عن ابن جريج عن عمرو بن دينار قال: كان ابن عبَّاس لا يرى بالإفطار في صيام التَّطوُّع بأسًا. 1921 - وأخبرنا أبو زكريا ثنا أبو العبَّاس أنا الرَّبيع أنا الشَّافعيُّ أنا عبد الجيد عن ابن جريج عن أبي الزُّبير عن جابر بن عبد الله أنَّه كان لا يرى بالإفطار في صيام التَّطوُّع بأسًا. 1922 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا أبو جعفر الرزَّاز ثنا سعدان ابن نصر ثنا أبو معاوية عن أبي مالك الأشجعيِّ عن سعد بن عُبيدة عن ابن عمر قال: الصَّائم بالخيار، ما بينه وبين نصف النَّهار. وروي هذا من أوجه أخر مرفوعًا، ولا يصحُّ رفعه. 1923 - أخبرنا أبو الحسن محمَّد بن الحسين العلويُّ أنا أبو الفضل
العبَّاس بن محمَّد بن قُو هيَار ثنا إبراهيم بن عبد الله السَّعديُّ أنا عون بن عمارة ثنا حميد الطَّويل أبو عُبيدة عن أنس بن مالك أنَّ النَّبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الصَّائم بالخيار، ما بينه وبين نصف النَّهار ". 1924 - وحدَّثنا أبو الحسن العلويُّ أنا أبو الفضل ثنا إبراهيم أنا عون ابن عمارة ثنا جعفر بن الزُّبير عن القاسم عن أمامة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثله. تفرَّد به عون بن عمارة الغُيرَيُّ (1)، وهو ضعيفٌ. 1925 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو بكر محمَّد بن إبراهيم البزَاز - ببغداد- ثنا محمَّد بن الفرج الأزرق ثنا يحيى بن غيلان ثنا إبراهيم بن مزاحم ثنا سريع بن نبهان قال: سمعت أبا ذرٍّ يقول: سمعت خليلي أبا القاسم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " الصَّائم في التَّطوُّع بالخيار إلى نصف النَّهار ". 1926 - وأخبرنا عليُّ بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصَّفار ثنا محمَّد بن الفرج الأزرق ... فذكره بإسناده مثله. إبراهيم بن مزاحم وسريع بن نبهان: مجهولان (2). 1927 - أخبرنا أبو نصر عمر بن عبد العزيز بن قتادة الأنصاريُّ أنا أبو حاتم بن أبي الفضل [الهرويُّ] (3) ثنا محمَّد بن عبد الرَّحمن الشَّاميُّ (4) ثنا
إسماعيل بن أبي أويس ثنا أبو أويس عن محمَّد بن المنكدر عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ أنَّه قال: صنعت لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طعامًا، فأتاني هو وأصحابه، فلما وضع الطَّعام، قال رجلٌ من القوم: إنِّي صائمٌ. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " دعاكم أخوكم وتكلَّف لكم ". ثمَّ قال له: " أفطر، وصم مكانه يومًا إن شئت ". وروي ذلك بإسنادٍ آخر عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ قد أخرجناه في " الخلاف " (1) O. فصلٌ (375/أ) ولا يجب قضاء ذلك اليوم، ودليلنا ما سبق من حديث أمِّ هانئ. واحتجُّوا على وجوب القضاء بأحاديث: 1928 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا يزيد أنا سفيان بن حسين عن الزُّهريِّ عن عروة عن عائشة قالت: أُهديت لحفصة شاة ونحن صائمتان، فأفطرتني، وكانت ابنة أبيها، فلمَّا دخل علينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكرنا ذلك له، فقال: " أبدلا يومًا مكانه " (2). قال المصنِّف: وهذا محمولٌ على الاستحباب. 1929 - وقال التِّرمذيُّ: حدَّثنا أحمد بن منيع ثنا كثير بن هشام (3) ثنا
جعفر بن بُرقان عن الزُّهريِّ عن عروة عن عائشة قالت: كنت أنا وحفصة صائمتين، فعرض لنا طعام اشتهيناه، فأكلنا منه، فجاء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبدرتني إليه حفصة، وكانت ابنةَ أبيها، فقالت: يا رسول الله، إنَّا كنَّا صائمتين، فعرض لنا طعامٌ اشتهيناه، فكلأ منه، فقال: " اقضيا يومًا آخر مكانه ". قال التِّرمذيُّ: روى هذا الحديث مالك بن أنس ومعمر وعبيد الله بن عمر وزياد بن سعد وغير واحد من الحفَّاظ عن الزُّهريِّ عن عائشة مرسلاً، ولم يذكروا فيه: (عروة)، وهذا أصحُّ، لأنَّه روي عن ابن جريج قال: سألت الزُّهريَّ، قلت له: أحدَّثك عروة عن عائشة؟ فقال: لم أسمع من عروة في هذا شيئًا، ولكنِّي سمعت من ناس عن بعض من سأل عائشة عن هذا الحديث (1). قال الدَّارَقُطْنِيُّ في الحديث الأوَّل والثَّاني: ليس في ذلك شيءٌ يثبت (2). ز: هذا الحديث رواه النَّسائيُّ من رواية سفيان بن حسين وجعفر بن برقان وغيرهما عن الزُّهريِّ، وتكلَّم على علَّتِه (3)، وقد رواه البيهقيُّ وأتقن الكلام عليه، فقال: 1930 - أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي وأبو زكريا بن أبي إسحاق المزكي قالا: ثنا أبو العبَّاس محمَّد بن يعقوب ثنا بحر بن نصر قال: قرى على عبد الله بن وهب: أخبرك عبد الله بن عُمر ومالك بن أنس ويونس بن يزيد عن ابن شهاب قال: بلغني أنَّ عائشة وحفصة أصبحتا صائمتين، متطوِّعتين، فأُهدي لهما طعامٌ، فأفطرتا عليه، فدخل عليهما النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالت عائشة: فقالت حفصة- وبدرتني بالكلام، وكانت ابنة أبيها-: يا رسول
الله، إنِّي أصبحت أنا وعائشة صائمتين متطوِّعتين، وأُهدي لنا طعام، فأفطرنا عليه. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اقضيا مكانه يومًا آخر ". هذا حديثٌ رواه الثِّقات الحفَّاظ من أصحاب الزُّهريِّ عنه منقطعًا: مالك بن أنس ويونس بن يزيد ومعمر بن راشد وابن جريج ويحيى بن سعيد وعبيد الله بن عمر وسفيان بن عيينة ومحمَّد بن الوليد الزُّبيديُّ وبكر بن وائل وغيرهم. 1931 - وقد حدَّثنا أبو محمَّد عبد الله بن يوسف الأصبهانيُّ إملاء أنا أبو بكر محمَّد بن الحسن القطَّان ثنا عليُّ بن الحسين الهلاليُّ ثنا عبيد الله بن موسى أنا جعفر بن بُرقان عن الزُّهريِّ عن عروة بن الزُّبير عن عائشة قالت: كنت أنا وحفصة صائمتين، فعرض لنا طعامٌ، فاشتهيناه، فأكلناه، فدخل علينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبدرتني حفصة، وكانت ابنة أبيها، فقصَّت عليه القصَّة، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اقضيا يومًا آخر ". هكذا رواه جعفر بن بُرقان وصالح بن أبي الأخضر وسفيان بن حُسين عن الزُّهريِّ، وقد وهموا فيه على الزُّهريِّ. 1932 - وقد أخبرنا أبو الحسين عليُّ بن محمَّد بن عبد الله بن بشران - ببغداد- أنا أبو جعفر محمَّد بن عمرو الرَّزَّازُ ثنا عبد الملك بن محمَّد ثنا رَوْح بن عبادة ثنا ابن جريج عن ابن شهاب، قلت له: أحدَّثك عروة عن عائشة أنَّها قالت: أصبحت أنا وحفصة صائمتين ... ؟ فقال: لم أسمع من عروة في هذا شيئًا، ولكن حدَّثني ناسٌ في خلافة سليمان بن عبد الملك عن بعض من كان يدخل على عائشة أنَّها قالت: أصبحت أنا وحفصة صائمتين، فأهدي لنا هديَّة، فأكلناها، فدخل علينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبدرتني حفصة، وكانت ابنة أبيها، فذكرت ذلك له، فقال: " اقضيا يومًا مكانه ".
وكذلك رواه عبد الرَّزَّاق بن همَّام ومسلم بن خالد عن ابن جريج. 1933 - وأخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق المزكيُّ أنا أحمد بن سلمان بن الحسن الفقيه ثنا أحمد بن عليٍّ الأبَّار ثنا محمَّد بن منصور الجَوَّاز ثنا سفيان قال: سمعناه من صالح بن أبي الأخضر عن الزُّهرىِّ عن عروة عن عائشة قالت: أصبحت أنا وحفصة صائمتين، فأُهدي لنا طعام، والطَّعام محروص عليه، فكلنا منه، ودخل علينا النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فابتدرتني حفصة، وكانت ابنت أبيها، فقالت: يا رسول الله، أصبحنا صائمتين، فأهدي لنا طعامٌ، فأكلنا منه. فتبسَّم النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال: " صوما يومًا مكانه ". قال سفيان: فسألوا الزُّهريَّ - وأنا شاهدٌ - فقالوا: هذا عن عروة؟ قال: لا. 1934 - وأخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطَّان أنا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان ثنا أبو بكر الحميديُّ ثنا سفيان قال: سمعت الزُّهرىَّ يحدِّث عن عائشة ... فذكر هذا الحديث مرسلاً. قال سفيان: قيل للزُّهريِّ: هو عن عروة؟ قال: لا. وكان ذلك عن (1) قيامه من المجلس، وأقيمت الصَّلاة. قال سفيان: وقد كنت سمعت صالح بن أبي الأخضر حدَّثناه عن الزُّهريِّ عن عروة، قال الزُّهريُّ: ليس هو عن عروة. فظننت أنَّ صالحًا أُتي من قبل العرض. قال أبو بكر الحميديُّ: أخبرني غير واحد عن معمر أنَّه قال في هذا الحديث: لو كان من حديث عروة ما نسيته 0 فهذان ابن جريج وسفيان بن عيينة شهدا على الزُّهريِّ- وهما شاهدا عدل- بأنه لم يسمعه من عروة، [فكيف] (2) يصحُّ وصل من وصله؟!
قال محمَّد بن عيسى التِّرمذيُّ (1): سألت محمَّد بن إسماعيل البخاريَّ عن هذا الحديث، فقال: لا يصحُّ حديث الزُّهريِّ عن عروة عن عائشة. وكذلك قال محمَّد بن يحيى الذُّهْليُّ، واحتجَّ بحكاية ابن جريج وسفيان ابن عيينة، وبإرسال من أرسل الحديث عن الزُّهريِّ من الأئمة. وقد روي عن جرير بن حازم عن يحيى بن سعيد عن عَمْرة عن عائشة، وجرير بن حازم وإن كان من الثِّقات، فهو واهمٌ فيه، وقد خطَّأه في ذلك أحمد ابن حنبل وعليُّ بن المدينيِّ، والمحفوظ عن يحيى بن سعيد عن الزُّهريِّ عن عائشة مرسلاً: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا عليُّ بن بندار الصَّيرفيُّ قال: سمعت عمر بن محمَّد بن بُجَير يقول: سمعت أبا بكر الأثرم يقول: قلت لأبي عبد الله- يعني أحمد بن حنبل-: تحفظه عن يحيى عن عَمْرَة عن عائشة: أصبحت أنا وحفصة صائمتين ... ؟ فأنكره، وقال: من رواه؟ قلت: جرير بن حازم. قال: جرير كان يحدِّث بالتَّوهم. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدَّثني محمَّد بن مظفَّر الحافظ ثنا أبو العبَّاس محمَّد بن موسى الخلال ثنا أحمد بن منصور الرَّماديُّ قال: قلت لعليِّ بن المدينيِّ (2): يا أبا الحسن، تحفظ عن يحيى بن سعيد عن عَمْرَة عن عائشة قالت: أصبحت أنا وحفصة صائمتين ... ؟ فقال لي: من [روى] (3) هذا؟ قلت: ابن وهب عن جرير بن حازم عن يحيى بن سعيد. قال: فضحك، ثمَّ قال: مثلك يقول مثل هذا؟! ثنا حمَّاد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن الزُّهريِّ أنَّ عائشة وحفصة أصبحتا صائمتين.
وروي من وجه آخر عن عروة عن عائشة: 1935 - أخبرناه محمَّد بن عبد الله الحافظ ومحمَّد بن موسى بن الفضل قالا: ثنا أبو العبَّاس محمَّد بن يعقوب ثنا الرَّبيع بن سليمان ثنا عبد الله بن وهب أخبرني حَيْوة وعمر بن مالك عن ابن الهاد قال: حدَّثني زُميل- مولى عروة- عن عروة بن الزُّبير عن عائشة أنَّها قالت: أُهدي لي ولحفصة طعامٌ، وكنَّا صائمتين، فقالت إحداهما لصاحبتها: هل لك أن تفطري؟ قالت: نعم. فأفطرنا، ثمَّ دخل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالتا له: يا رسول الله، إنَّا أهدي لنا هديَّة، فاشتهيناه، فأفطرنا. فقال: " لا عليكما، صُومَا يومًا آخر مكانه ". أقام إسناده جماعة عن ابن وهب، وقال بعضهم: (عن أبي زميل)، ولم يذكر بعضهم (عروة) في إسناده. أخبرنا أبو سعيد (1) المالينيُّ أنا أبو أحمد عبد الله بن عَدِيٍّ قال: زُميل بن عبَّاس عن عروة، روى عنه ابن الهاد، لا يعرف لزُميل سماعٌ من عُروة، ولا لابن الهاد من زُميل، ولا تقوم به الحجَّة. سمعت ابن حمَّاد يذكره عن البخاريِّ (2). انتهى ما ذكره. وقد روى حديث جرير بن حازم عن يحيى بن سعيد: النَّسائيُّ عن أحمد ابن عيسى عن ابن وهب عنه، وقال: هذا خطأٌ (3). وقد روى حديث زُميل: أبو داود عن أحمد بن صالح عن ابن وهب عن
حَيوة بن شرُيح عن ابن الهاد عنه (1)، ورواه النَّسائيُّ عن الرَّبيع بن سليمان عن ابن وهب عن حَيْوة وعمر بن مالك عن ابن الهاد قال: حدَّثني زُميل ... فذكره، وقال: زُميل ليس بالمشهور (2). وقال البيهقيُّ: وروي من أوجه أخر عن عائشة، لا يصحُّ شيءٌ من ذلك، وقد بيَّنت ضعفها في " الخلاف " (3). 1936 - أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق أنا أبو عبد الله بن يعقوب ثنا محمَّد بن عبد الوهَّاب أنا جعفر بن عون أنا مِسْعَر عن حبيب بن أبي ثابت عن عطاء عن ابن عبَّاس قال: إذا أصبح أحدكم صائمًا فبدَا له أن يفطر، فليصم يومًا مكانه- أو قال: مكانه يومًا. شك مِسْعَر (4) - O. 1937 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا الحسين بن إسماعيل ثنا محمَّد بن عمرو بن العبَّاس الباهليُّ ثنا سفيان بن عيينة قال: حدَّثنيه طلحة بن يحيى عن عمَّته عائشة عن عائشة أمِّ المؤمنين قالت: دخل عليَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " إنِّي أريد الصَّوم ". وأُهدي لى حَيْسٌ، فقال: " إني آكل وأصُوم يومًا مكانه ". قال الدَارَقُطْنِيُ: لم يروه بهذا اللفظ عن ابن عيينة غير الباهليِّ، ولم يتابع على قوله: " وأصوم يومًا مكانه "، ولعله شُبِّه عليه- والله أعلم- لكثرة من خالفه عن ابن عيينة (5).
ز: قد تقدَّم هذا الحديث والكلام عليه (1)، والباهليُّ: وثَّقه ابن خِراش فيما حكاه عنه ابن عُقْدة (2) O. 1938 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أحمد بن محمَّد بن سوادة (3) ثنا حمَّاد ابن خالد عن محمَّد بن أبي حميد عن إبراهيم بن عبيد قال: صنع أبو سعيد الخُدريُّ طعامًا، فدعى النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه، فقال رجلٌ من القوم: إنِّي صائمٌ. فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صنع لك أخوك، وتكلَّف لك أخوك، أفطر وصم يومًا مكانه ". قال الدَّارَقُطْنِيُّ: هذا مرسلٌ (4). قال المصنِّف: قلت: ومحمَّد بن أبي حميد: قال فيه يحيى: ليس حديثه بشيءٍ (5). وقال النَّسائيُّ: ليس بثقة (6). وقال ابن حِبَّان: لا يحتجُّ به (7). ز: كذا في النُّسخة التي كتبت منها، وقد سقط بين الدَّارقُطْنِيُّ وبين أحمد بن محمَّد بن سوادة رجلٌ، وكأنه ابن مخلد (8).
وأحمد بن محمَّد بن سوادة: كنيته: أبو العبَّاس، ويعرف بـ " خُشَيْش "، وهو كوفيٌّ نزل بغداد، وحدَّث عن عُبيدة بن حُميد وعَمرو بن عبد الغفَّار وزيد بن الحبُاب وحمَّاد بن خالد، قال الدَّارَقُطْنِيُّ: يعتبر بحديثه ولا يحتجُّ به (1). وقال ابن أبي حاتم: كتبنا من حديثه فلم يُقضَ لنا السَّماع منه (2). وقال الخطيب: ما رأيتُ أحاديثه إلا مستقيمة (3). مات سنة ثمان وخمسن ومائتين. وإبراهيم بن عبيد هو: ابن رفاعة بن رافع الأنصاريُّ، الزُّرقيُّ، المدنيُّ، روى له مسلمٌ (4)، ووثَّقه أبو زرعة (5)، وقال فيه الإمام أحمد: ليس بمشهور بالعلم (6). ومحمَّد بن أبي حميد هو: المدنيُّ، ويقال له: حمَّاد أًضَا، قال ابن عَدِيٍّ: هو مع ضعفه يكتب حديثه (7). وقد تقدَّم (8) هذا الحديث من رواية محمَّد بن المنكدر عن أبي سعيدٍ، وفي آخره: " وصم يومًا مكانه إن شئت ". 1939 - وقال أبو داود الطَّيالسيُّ: ثنا محمَّد بن أبي حميد عن إبراهيم [بن] (9) عبيد (10) بن رفاعة الزُّرقيِّ عن أبي سعيد قال: صنع رجلٌ طعامًا،
ودعى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه، فقال رجلٌ: إنِّي صائمٌ. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أخوك صنع طعامًا ودعاك، أفطر واقض يومًا مكانه " (1). قال البيهقيُّ: ورواه ابن أبي فُديك عن ابن أبي حميد، وزاد فيه: " إن أحببت " يعني القضاء، وابن أبي حميد: يقال له: محمَّد، ويقال: حمَّاد، وهو ضعيفٌ (2) O. 1940 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا محمَّد بن أحمد بن عمرو ثنا عليُّ بن سعيد الرَّازيُّ ثنا عَمرو بن خُليف (3) بن إسحاق الخثعميُّ ثنا أبي ثنا عمِّي إسماعيل ابن مرسالٍ ثنا محمَّد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: صنع رجلٌ من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طعامًا، دعى النَّبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه له، فلما أتى الطَّعام تنحَّى أحدُهم، فقال له النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مالك؟ " قال: إنِّي صائمٌ. فقال له النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تكلَّف لك أخوك وصنع، ثمَّ تقول: إنِّي صائم! كل وصم يومًا مكانه " (4). قال ابن عَدِيٍّ: عمرو بن خليف متهمٌ بوضع الحديث (5). وقال ابن حِبَّان: كان يضع الحديث (6).
ز: عمرو بن خليف: كنيته أبو صالح، ويقال له: (الحَتَّاوي)، و" حَتَّاوة " قرية بعسقلان، ليس هو بشيءٍ، وأبوه وإسماعيل: مجهولان. وقد تقدَّم (1) هذا الحديث من رواية أبي أويس عن ابن المنكدر عن أبي سعيد O. 1941 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا القاسم بن إسماعيل أبو عبيد ثنا (2) القاسم بن هاشم السِّمسار ثنا عتبة بن السَّكن ثنا الأوزاعيُّ ثنا عُبادة بن نُسي وهبيرة بن عبد الرَّحمن قالا: ثنا أبو أسماء الرَّحَبِيُّ ثنا ثوبان قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صائمًا في غير رمضان، فأصابه غمٌّ آذاه، فتقيَّأ، فقاء، فدعا بوَضوءٍ، فتوضَّأ، ثمَّ أفطر، فقلت: يا رسول الله، أفريضةٌ الوُضوء من القيء؟ قال: " لو كمان فريضةً لوجدتَه في القرآن ". قال: ثمَّ صام الغد، سممعته يقول: " هذا مكن إفطاري أمس ". قال الدَّارَقُطْنِيُّ: عتبة بن السَّكن متروك الحديث (3). 1942 - قال الدَّارَقُطْنيُ: وحدَّثنا الحسن بن الحسين الأنطاكيُّ ثنا يوسف بن بحر (4) ثنا يزيد بن عبد ربه ثنا محمَّد بن حميد عن الضَّحَّاك بن حمزة (5) عن منصور بن أبان عن الحسن عن أُمِّه عن أُمِّ سلمة أنَّها صامت يومًا
تطوُّعًا، فأفطرت، فأمرها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تقضي يومًا مكانه. تفرَّد به الضَّحَّاك عن منصور (1)، قال يحيى: الضَّحَّاك ليس بشيءٍ (2). وقال أبو زرعة: محمَّد بن حميد كذَّابٌ (3). ز: كان في النُّسخة التي نقلت منها: (الحسين بن الحسن الأنطاكيُّ)، وهو وهمٌ، إنَّما هو: الحُسين بن الحُسين بن عبد الرَّحمن الأنطاكيُّ، قاضي الثغور، ويعرف ب " ابن الصَّابونيُّ "، روى عنه أبو بكر الشَّافعيُّ والدَّارَقُطْنِيُّ وابن شاهين، وكان ثقةً، توفي سنة تسع عشرة وثلاثمائة، وقد وجدته على الصَّواب في نسخة أخرى. وقوله: (عن محمَّد بن حميد) وهمٌ، وظنَّه المؤلِّف: الرَّازيُّ، فتكلَّم فيه، وإنَّما هو: محمَّد بن حِمْيَر السَّليحيُّ (4)، وهو ثقةٌ، روى له البخاريُّ في "صحيحه" (5)، والجُرْجُسيُّ (6) لا يروي عن محمَّد بن حميد الرَّازيِّ شيئًا. وقوله: (عن منصور بن أبان) وهمٌ، إنَّما هو: منصور بن زاذان (7)، أحد الثِّقات المشهورين، والأولياء الصَّالحين O. *****
مسألة (376): إذا نذر صيام يوم العيد، لم يصم، ويقضي، ويكفر.
مسألة (376): إذا نذر صيام يوم العيد، لم يصم، ويقضي، ويكفِّر. وعنه: إن صامه أجزأه. وقال أبو حنيفة: يفطر، ويقضي، فإن صامه أجزأه. وقال مالكٌ والشَّافعيُّ: لا ينعقد هذا النَّذر. 1943 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا سفيان عن الزُّهريِّ أنَّه سمع أبا عبيد قال: شهدت العيد مع عمر، فبدأ بالصَّلاة قبل الخطبة، وقال: رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن صيام هذين اليومين، أمَّا يوم الفطر: فيوم فطركم من صومكم، وأمَّا يوم الأضحى: فكلو من لحم نسككم (1). 1944 - قال أحمد: وحدَّثنا عفَّان ثنا شعبة قال: عبد الملك بن عمير أنبأني قال: سمعت قزعة- مولى زياد- قال: سمعت أبا سعيد الخُدريَّ قال: سمعت النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن صيام يومين: يوم النَّحر، ويوم الفطر (2). 1945 - قال أحمد: وثنا روح ثنا مالك عن محمَّد بن حَبَّان (3) عن الأعرج عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن صيام يومن: يوم الفطر، ويوم النَّحر (4).
الأحاديث الثَّلاثة في "الصَّحيحين". 1946 - قال أحمد: حدَّثنا أبو سعيد- مولى بني هاشم- ثنا سعيد بن سلمة بن أبي الحسام ثنا يزيد بن عبد الله بن الهاد عن عمرو بن سُليم عن [أمِّه قالت] (1): بينما نحن بمنى، إذا عليُّ بن أبي طالب يقول: إنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنَّ هذه أيَّام أكلٍ وشربٍ، فلا يصومها أحدٌ " (2). ز: في إسناد هذا الحديث اختلافٌ كثير، قد ذكره النَّسائيُّ (3) وغيره، والله أعلم O. 1947 - قال أحمد: وحدَّثنا محمَّد بن بكر أنا محمَّد بن أبي حميد قال: أخبرني إسماعيل بن محمَّد بن سعد بن أبي وقَّاص عن أبيه عن جدِّه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا سعد، قم فأذِّن بمنى: إنَّها أيَّام أكل وشرب، ولا صوم فيها" (4). ز: هذا الحديث لم يروه أحدٌ من أصحاب " السُّنن ". ومحمَّد بن أبي حميد: ضعَّفه غير واحدٍ من الأئمة، وقال التِّرمذيُّ: ليس هو بالقويِّ عند أهل الحديث (5) O. قال المصنِّف: وفي الباب عن عبد الرَّحمن بن عوف وعقبة بن عامر وأنس وعائشة.
مسألة (377): يكره إفراد يوم الجمعة والسبت بالصيام إلا أن يوافق
مسألة (377): يكره إفراد يوم الجمعة والسَّبت بالصِّيام إلا أن يوافق عادةً. وقال أبو حنيفة ومالك: لا يكره. لنا عشرة أحاديث. الحديث الأوَّل: حديث جويرية، وقد ذكرناه في مسألة التَّطوُّع بالصَّوم، وذكرناه من حديث عبد الله بن عمرو (1). 1948 - الحديث الثَّاني: قال الإمام أحمد: حدَّثنا ابن نُمير أنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تصوموا يوم الجمعة، إلا وقبله أو بعده يوم " (2). أخرجاه في "الصَّحيحين" (3). 1949 - الحديث الثَّالث: قال أحمد: وحدَّثنا هوذة بن خليفة ثنا عوف عن محمَّد بن سيرين عن أبي هريرة قال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يفرد يوم الجمعة بصومٍ (4) ز: حديث عوف هذا لم يخرِّجه أحدٌ من أئمة "الكتب السِّتَّة" O. 1950 - الحديث الرَّابع: قال مسلم بن الحجَّاج: حدَّثنا أبو كريب ثنا حسين الجُعفيُّ عن زائدة عن هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال: " لا تخصُّوا ليلة الجمعة بقيامٍ من بين الليالي، ولا تخصُّوا يوم الجمعة بصيامٍ من بين الأيَّام، إلا أن يكون في صومٍ يصومه أحدكم " (1). انفرد بإخراجه مسلمٌ. 1951 - الحديث الخامس: قال أحمد: حدَّثنا أسود بن عامر ثنا إسرائيل عن عاصم عن محمَّد بن سيربن عن أبي الدَّرداء قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا أبا الدَّرداء، لا تختصَّ ليلة الجمعة بقيامٍ دون الليالي، ولا يوم الجمعة بصيامٍ دون الأيَّام " (2). ز: محمَّد بن سيرين: لم يلق أبا الدَّرداء، فهو منقطعٌ، والمشهور حديث ابن سيرين عن أبي هريرة، وقد روى النَّسائيُّ حديث أبي الدَّرداء فقال: 1952 - أخبرنا أبو بكر بن عليٍّ ثنا محمَّد بن عبد الله المُخَرِّميُّ ثنا الأسود بن عامر ثنا إسرائيل عن عاصم عن محمَّد بن سيربن عن أبي الدَّرداء قال: قال رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا أبا الدَّرداء، لا تخصَّ يوم الجمعة بصيامٍ دون الأيام، ولا تخصَّ ليلة الجمعة بقيامٍ دون الليالي " (3) O. 1953 - الحديث السَّادس: قال أحمد: حدَّثنا سفيان بن عيينة عن عبد الحميد بن جُبير بن شيبة سمع محمَّد بن عبَّاد بن جعفر قال: سألتُ جابرًا: أنهى رسول الله عن صيام يوم الجمعة؟ قال: نعم وربِّ هذا البيت (4). ز: هذا الحديث مخرَّج في "الصَّحيحين" من حديث عبد الحميد، رواه
البخاريُّ عن أبي عاصم عن ابن جريج عنه (1)؛ ورواه مسلمٌ عن محمَّد بن رافع عن عبد الرَّزَّاق عن ابن جريج، وعن عمرو النَّاقد عن سفيان بن عيينة (2). قال البخاريُّ: زاد غير أبي عاصم: أن يفرد بصومٍ. قال البيهقيُّ: هذه الزِّيادة ذكرها يحيى بن سعيد القطَّان عن ابن جريج إلا أنَّه قصر بإسناده، فلم يذكر فيه: عبد الحميد بن جُبير، وقد رويت هذه الزِّيادة في حديث أبي هريرة وغيره (3) O. 1954 - الحديث السَّابع: قال أحمد: وحدَّثنا إبراهيم بن إسحاق الطَّالْقَانِيُّ ثنا الوليد بن مسلم عن يحيى بن حسَّان قال: سمعت عبد الله بن [بُسر] (4) يقول: قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تصوموا يوم السَّبت إلا فيما افترض عليكم " (5). ز: رواه أبو القاسم الطَّبرانيُّ عن الحسين بن إسحاق التَّستريِّ عن محمَّد ابن الصَّبَّاح الجَرْجَرَائيِّ عن الوليد ثنا يحيى ... فذكره (6). ويحيى بن حسَّان هذا: لا بأس به، فقد وثَّقه غير واحده. 1955 - الحديث الثَّامن: قال أحمد: وحدَّثنا يزيد بن هارون أنا محمَّد ابن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن مَرثد بن عبد الله اليَزَنيِّ عن حذيفة
الأَزْدِيِّ عن جنادة الأَزْدِيِّ قال: دخلتُ على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في يوم جمعة- في سبعة من الأَزْدِ، أنا ثامِنُهم- وهو يتغدَّى، فقال: " هلمُّوا إلى الغداء ". فقلنا: يا رسول الله، إنَّا صيامٌ. قال: " أصمتم أمس؟ " قلنا: لا. قال: " فتصومون غدًا؟ " قلنا: لا. قال: " فأفطروا ". قال: فكلنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلمَّا خرج وجلس على المنبر، دعا بإناء من ماء، فشرب وهو على المنبر، والنَّاس ينظرون، يريهم أنَّه لا يصوم يوم الجمعة (1). ز: هذا حديثٌ حسنٌ، وقد رواه النَّسائيُّ فقال: 1956 - أخبرنا الرَّبيع بن سليمان ثنا ابن وهب قال: حدَّثني الليث بن سعد- وذكر آخر قبله- عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن حذيفة البَارِقِيِّ عن جُنادة الأزْدِيِّ أنَّهم دخلوا على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثمانية نفرٍ- وهو ثامنهم-، فقرَّب إليهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طعامًا يوم جمعةٍ، فقال: " كلوا ". قالوا: صيامٌ. قال: " صمتم أمس؟ " قالوا: لا. قال: " فصائمون غدًا؟ " قالوا: لا. قال: " فأفطروا ". 1957 - أخبرني أحمد بن بكَّار ثنا محمَّد عن ابن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن حذيفة الأزْدِيِّ عن جنادة الأَزْدِيِّ قال: دخلتُ على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا ثامن سبعة من قومي من الأَزْدِ- ... فذكره نحوه (2). كذا رواه عن أحمد بن بكَّار، ولم يذكر (أبا الخير) في روايته، وقد رواه
البخاريُّ في "تاريخه" عن محمَّد بن سلام (1) عن محمَّد بن سلمة، وذكر فيه (أبا الخير) (2)، وكذلك رواه عامَّة أصحاب ابن إسحاق عنه، فإمَّا أن يكون
الوهم من أحمد بن بكَّار، أو ممن دونه. إلا أنَّ البخاريَّ ذكر هذا الحديث في ترجمة جنادة بن مالك الأزديِّ، ووهم في ذلك، فإنَّ أسد بن موسى وقتيبة بن سعيد روياه عن ابن لهيعة- وهو الذي كنَّى النَّسائيُّ عن اسمه- عن يزيد بن أبي حبيب وقالا: جنادة بن أبي أميَّة، وكذلك رواه يحيى بن بكير عن الليث عن يزيد، إلا أن قتيبة لم يذكر (حذيفة البَارِقيَّ). وذكر ابن أبي حاتم: جنادة الأَزْدِيَّ هذا، ولم ينسبه، وذكر له هذا الحديث؛ ثمَّ ذكر جنادة بن أبي أميَّة الدَّوسيَّ مفردًا؛ ثمَّ ذكر جنادة بن مالك الأَزْدِيَّ كن مفردًا؛ ولم يصنع شيئًا في الفرق بين جنادة الأَزْدِيِّ وابن أبي أميَّة O. 1958 - الحديث التَّاسع: قال أحمد: حدَّثنا أبو عاصم ثنا ثور عن خالد بن مَعْدان عن عبد الله بن بُسر عن أخته الصَّمَّاء أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تصوموا يوم السَّبت إلا فيما افترض عليكم، فإن لم يجد أحدكم إلا عود عنب أو لحاء شجرة فليمضغها " (1). ز: هذا الحديث رواه أصحاب " السُّنن الأربعة " (2)، وحسَّنه التِّرمذيُّ، وفي إسناده اختلافٌ قد ذكره النَّسائيُّ وغيره. وقال أبو داود: هذا الحديث منسوخٌ. وقال الحاكم: هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط البخاريِّ ولم يخرجاه (3).
وقال مالك: هذا كذبٌ (1). 1959 - وقال البيهقيُّ: أخبرنا أبو عبد الله محمَّد بن أحمد بن أبي طاهر الدَّقَّاق- ببغداد- أنا أحمد بن سلمان الفقيه أنا عبد الملك بن محمَّد ثنا أبو عاصم ثنا ثور بن يزيد [ح] (2)، وأخبرنا أبو الحسن عليُّ بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصَّفَّار ثنا البَاغَنْدِيُّ ثنا أبو عاصم عن ثور عن خالد بن مَعْدان عن عبد الله ابن بُسر عن أخته الصَّماء قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تصوموا يوم السَّبت، وإن لم يجد أحدكم إلا عودًا فليمضغه ". لفظ حديث الدَّقَّاق، وفي رواية ابن عبدان: " لا يصومنَّ أحدكم يوم السَّبت إلا فيما افترض عليه، وإن لم يجد إلا لحاء شجرةٍ فليمضغه ". ورواه أيضًا الوليد بن مسلم وغيره عن ثور، أخرجه أبو داود في " كتاب السُّنن ". 1960 - وأخبرنا أبو طاهر الفقيه أنا عليُّ بن حمشاذ العدل ثنا الحارث بن أبي أسامة ثنا أبو النَّضر ثنا الليث عن معاوية بن صالح عن ابن عبد الله بن بُسر عن أبيه عن عمَّته الصَّماءأنَّها كانت تقول: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن صوم يوم السَّبت، ويقول: " إن لم يجد أحدكم إلا عودًا أخضر فليفطر عليه ". 1961 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدَّثني محمَّد بن صالح بن هانئ ثنا محمَّد بن إسماعيل بن مهران ثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث ثنا ابن وهب قال: سمعت الليث يحدِّث عن ابن شهاب أنَّه كان إذا ذكر له أَنَّه نهى عن صيام يوم السَّبت قال: هذا حديثٌ حمصيٌّ (3).
1962 - وأخبرنا أبو عليٍّ الروذباريُّ أنا محمَّد بن بكر ثنا أبو داود ثنا محمَّد بن الصَّبَّاح بن سفيان ثنا الوليد عن الأوزاعيِّ قال: مازلت له كاتمًا، ثمَّ رأيته انتشر! يعني حديث ابن بُسْر هذا في صوم السَّبت. قال البيهقيُّ: وقد مضى في حديث جويرية بنت الحارث في الباب قبله، ما دلَّ على جواز صوم يوم السَّبت، وكأنَّه أراد بالنَّهي تخصيصه بالصَّوم على طريق التَّعظيم له، والله أعلم. 1963 - وقد أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا الحسن بن حليم المروزيُّ أنا أبو المُوَجِّه ثنا عبدان أنا عبد الله- هو: ابن المبارك- ثنا عبد الله بن محمَّد بن عمر بن عليٍّ عن أبيه أنَّ كُريبًا- مولى ابن عبَّاس- أخبره أنَّ ابن عبَّاس وناسًا من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثوني إلى أمِّ سلمة، أسألها عن أيِّ الأيام كان النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كثر لها صيامًا، فقالت: يوم السَّبت والأحد. فرجعت إليهم فأخبرتهم، فكأنهم أنكروا ذلك، فقاموا بأجمعهم إليها، فقالوا: إنَّا بعثنا إليك هذا في كذا وكذا، فذكر أنَّك قلت كذا وكذا. فقالت: صدق، إنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكثر ما كان يصوم من الأيَّام: يوم السَّبت، ويوم الأحد، وكان يقول: " إنَّهما يوما عيد المشركين، وأنا أريد أن أخالفهم " (1). 1964 - وقال النَّسائيُّ: أخبرنا كثير بن عبيد الحمصيُّ ثنا بقيَّة بن الوليد عن عبد الله بن المبارك عن عبد الله بن محمَّد بن عمر- وهو [ابن] (2) عليٍّ- عن أبيه عن كُريب أنَّ ابن عبَّاس بعث إلى أمِّ سلمة وإلى عائشة، يسألهما: ما كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحبُّ أن يصوم من الأيَّام؟ فقالتا: ما مات رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتَّى كان أكثر صومه: يوم السَّبت والأحد، ويقول: " هما عيدان لأهل الكتاب، فنحن نحبُّ أن نخالفهم ".
ورواه عن محمَّد بن حاتم المروزيِّ عن حِبَّان عن ابن المبارك نحو رواية عبدان (1). وعبد الله بن محمَّد بن عمر وأبوه: ذكرهما ابن حِبَّان في كتاب "الثِّقات" (2)، وحديثهما قليل. وليس في هذا الحديث دليلٌ على إفراد السَّبت بالصَّوم، والله أعلم O. 1965 - الحديث العاشر: قال أحمد: حدَّثنا إسحاق (3) ثنا ابن لَهيْعة ثنا موسى بن وَرْدَان عن عبيد الأعرج قال: حدَّثتني جدَّتي- يعني الصَّمَّاء- أنَّها دخلت على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم السَّبت وهو يتغدَّى، فقال: " تعالي فكلي ". فقالت: إنِّي صائمة. فقال لها: " أصمت أمس؟ " قالت: لا. قال: "كلي، فإنَّ صيام يوم السِّبت لا لك، ولا عليك " (4). ز: هذا الحديث بهذا الإسناد لم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب " السُّنن ". وابن لهيعة: ضعيفٌ. وموسى بن وَرْدَان: وُثِّق وضُعِّف. وعبيد الأعرج: لا يعرف. 1966 - وقال أبو يعلى الموصليُّ: ثنا الحكم بن موسى ثنا مبشر بن إسماعيل ثنا حسَّان بن نوح قال: سمعت عبد الله بن بُسْر المازنيُّ يقول: ترون
يدي هذه بايعت بها رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسمعته يقول: " لا تصوموا يوم السَّبت إلا فيما افترض عليكم، ولو لم يجد أحدكم إلا لحاء شجرة فليفطر عليها " (1). رواه الإمام أحمد بن حنبل (2) والنَّسائيُّ (3) والطَّبرانيُّ (4) وأبو حاتم البستيُّ (5) من رواية حسَّان بن نوح، وقد روى عنه غير واحد، وهو حمصيٌّ محلُّه الصِّدق، والله أعلم O. احتجُّوا: 1967 - بما رواه ابن شاهين: ثنا محمَّد بن هارون الحضرميُّ ثنا عمرو ابن عليٍّ ثنا ميمون بن زيد ثنا ليث عن طاوس عن ابن عبَّاس أنَّه لم ير النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفطر يوم جمعة قطُّ (6). 1968 - طريق آخر: قال أبو الطَّيب الطَّبريُّ: أنا أبو أحمد الغِطْرِيُّ ثنا أبو خليفة ثنا عليُّ بن المدينيِّ ثنا حفص بن غياث عن ليث بن أبي سليم عن عمير بن أبي عمير عن ابن عمر قال: ما رأيت رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مفطرًا في يوم جمعة قطُّ. والجواب من وجهين:
أحدهما: أنَّ الطَّريقين تدور على ليث، وهو متروكٌ، تركه يحيى القطَّان (1) ويحيى بن معين (2) وابن مهدي (3) وأحمد (4)، وقال ابن حِبَّان الحافظ: اختلط في آخر عمره، فكان يقلب الأسانيد، ويرفع المراسيل، ويأتي عن الثِّقات بما ليس من حديثهم (5). والثَّاني: أنَّا نحمله على أنَّه كان يصوم قبله أو بعده. ز: هذا الحديث لم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب " السُّنن الأربعة ". وقوله في الإسناد الأوَّل: (ميمون بن زيد) وهمٌ، إنَّما هو يزيد (6)، وهو أبو إبراهيم السَّقاء، بصريٌّ، روى عن ليث والحسن بن ذكوان، روى عنه [سريج] (7) بن النُّعمان وعمرو بن عليٍّ الفلاس ونصر بن عليٍّ، قال أبو حاتم الرَّازيُّ: ليِّن الحديث (8). وعمير بن أبي عمير- في الإسناد الثَّاني-: غير معروف، قال ابن أبي حاتم: عمير بن أبي عمير، روى عن ابن عمر، روى عنه ليث بن أبي سليم. سمعت أبي يقول ذلك.
قال عثمان بن سعيد (1): قلت ليحيى بن معين: عمير بن أبي عمير الذي يروي عنه ليث بن أبي سليم؟ قال: لا أعرفه (2). وقول المصنِّف في ليث: (تركه القطَّان وابن معين وابن مهدي وأحمد) فيه نظرٌ، وإنَّما أخذه من كلام ابن حِبَّان (3)، فإنَّه قال ذلك، وقد قال الفلاس: كان يحيى لا يحدِّث عن ليث بن أبي سليم، ولا عن حجَّاج بن أرطأة، وكان عبد الرَّحمن يحدِّث عن سفيان وغيره عنهما (4). وقال معاوية بن صالح عن يحيى بن معين: ليث بن أبي سليم ضعيفٌ، إلا أنَّه يكتب حديثه (5). وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: ليث بن أبي سليم مضطرب الحديث، ولكن حدَّث عنه النَّاس (6). وقول المصنِّف: (هو متروكٌ) خطأٌ، ولا ينبغي إطلاق هذه العبارة فيه، وقد قال عبد الرَّحمن بن مهدي: ليث بن أبي سليم وعطاء بن السَّائب ويزيد بن أبي زياد، ليث أحسنهم حالاً عندي (7). وقال أبو داود: سألت يحيى عن ليث، فقال: ليس به بأس (8). وقال ابن عَدِيٍّ: قد روى عنه شعبة والثَّوريُّ وغيرهما من ثقات النَّاس، ومع الضَّعف الذي فيه يكتب حديثه (9). وقد سأل البرقانيُّ الدَّارَقُطْنِيَّ عنه، فقال: صاحب سنَّة، يخرِّج حديثه. ثمَّ
قال: إنَّما أنكروا عليه الجمع بين عطاء وطاوس ومجاهد حسب (1). وقد استشهد به البخاريُّ في " الصَّحيح " (2)، وروى له مسلم مقرونًا بغيره (3)، وروى له أصحاب " السُّنن " (4)، والله أعلم. 1969 - وقال ابن ماجة: ثنا إسحاق بن منصور أنا أبو داود ثنا شيبان عن عاصم عن زرٍّ عن عبد الله بن مسعود قال: ما رأيت (5) رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفطر يوم الجمعة (6). 1970 - وقال النَّسائيُّ: أخبرنا عمرو بن عليٍّ ثنا أبو داود ثنا شيبان عن عاصم عن زرٍّ عن ابن مسعود أنَّ رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصوم ثلاثة أيَّام من كلِّ شهر، وقلَّ ما رأيته يفطر يوم الجمعة (7). ورواه التِّرمذيُّ من رواية شيبان، وقال: قلَّ ما كان يفطر يوم الجمعة. وقال: حسنٌ غريبٌ (8). وقال أبو عمر بن عبد البرِّ في " الاستذكار ": اختلفت الآثار عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صيام يوم الجمعة، فروى ابن مسعود أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصوم ثلاثة أيَّام من كلِّ شهرٍ، وقال: وقلَّ ما رأيته يفطر يوم الجمعة. وهو حديثٌ صحيحٌ.
مسألة (378): يكره إفراد رجب بالصوم، خلافا لأكثر المتأخرين.
وقد روي عن ابن عمر أنَّه قال: ما رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مفطرًا يوم جمعة قطُّ. ذكره ابن أبي شيبة (1) عن حفص بن غياث عن ليث بن أبي سليم عن عمير بن أبي عمير عن ابن عمر. وروي عن ابن عبَّاس أنَّه كان يصوم يوم الجمعة، ويواظب عليه (2). 1971 - وروى الدَّراورديُّ عن صفوان بن سليم عن رجل من بني حثمة (3) أنَّه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من صام يوم الجمعة، كتب له عشرة أيَّام غرّ زهر، من أيام الآخرة، لا يشاكلهن أيَّام الدُّنيا ". رواه عليُّ بن المدينيِّ وغيره عن الدَّراورديِّ O. ***** مسألة (378): يكره إفراد رجب بالصَّوم، خلافًا لأكثر المتأخرين. وقد استدلَّ أصحابنا: 1972 - بما روى داود بن (4) عطاء عن زيد بن عبد الحميد عن سليمان ابن عليِّ بن عبد الله بن العبَّاس عن أبيه عن ابن عبَّاس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى
عن صيام رجب. قال المصنِّف: وهذا لا يصحُّ، قال أحمد بن حنبل: لا يحدَّث (1) عن داود بن عطاء، ليس بشيءٍ (2). ز: 1973 - قال أبو القاسم الطَّبرانيُّ: ثنا مسعدة بن سعد العطَّار. (ح) (3) وقال أبو بكر بن فورك [القبَّاب] (4) أنا أبو بكر بن أبي عاصم قالا (5): ثنا إبراهيم بن المنذر الحزاميُّ ثنا داود بن عطاء ثنا زيد بن عبد الحميد بن عبد الرَّحمن بن زيد بن الخطَّاب عن سليمان بن عليِّ بن عبد الله ابن عبَّاس عن أبيه عن عبد الله بن عبَّاس أنَّ رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن صيام رجب كلَّه (6). ولم يقل ابن أبي عاصم: كلّه. رواه ابن ماجة عن إبراهيم بن المنذر (7).
مسألة (379): آكد ليلة يلتمس فيها ليلة القدر: ليلة سبع وعشرين.
وقال البخاريُّ (1) وأبو زرعة (2) في داود: منكر الحديث. وقال النَّسائيُّ: ضعيفٌ (3). وقال ابن حِبَّان: لا يحتجُّ به بحالٍ (4) O. 1974 - وقال سعيد بن منصور: ثنا سفيان عن مِسْعر عن وبرة عن خَرَشَة بن الحُرِّ أنَّ عمر بن الخطَّاب كان يضرب أيدي الرِّجال في رجب إذا رفعوا عن طعامه، حتَّى يضعوا فيه، ويقول: إنَّما هو شهرٌ كان أهل الجاهليَّة يعظِّمونه. ***** مسألة (379): آكد ليلة يلتمس فيها ليلة القدر: ليلة سبع وعشرين. وقال الشَّافعيُّ: ليلة إحدى وعشرين. وقال مالكٌ: العشر كلُّه سواء. لنا أحاديث: 1975 - قال الإمام أحمد: ثنا يزيد بن هارون أنا شعبة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: قال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من كان متحريًا فليتحرها ليلة سبع وعشرين " أو قال: " تحروها ليلة سبع وعشرين ". يعني ليلة القدر (5).
1976 - قال أحمد: وثنا سفيان قال: سمعته من عَبْدة وعاصم عن زرٍّ قال: سألت أُبَيَّ بن كعب قلت: إنَّ أخاك ابن مسعود يقول: من يقم الحول يصب ليلة القدر. فقال: يرحمه الله، لقد علم أنَّها في شهر رمضان، وأنَّها ليلة سبع وعشرين. وحلف، قلت: وكيف تعلمون ذلك؟ قال: بالعلامة- أو: بالآية- التي أُخبرنا بها (1)، تطلع ذلك اليوم- يعني الشَّمس- لا شعاع لها (2). انفرد بإخراج الحديثين مسلم. 1977 - قال أحمد: وثنا سفيان عن الزُّهريِّ عن سالم عن أبيه قال: رأى رجلٌ ليلة القدر [ليلة] (3) سبع وعشرين، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أرى رؤياكم قد تواطأت، فالتمسوها في العشر البواقي، في الوتر منها " (4). أخر جاه في "الصَّحيحين" (5). ز: 1978 - قال البيهقيُّ: أخبرنا أبو الحسين بن بشران ببغداد أنا أبو جعفر الرزَّاز ثنا أحمد بن الوليد الفحَّام ثنا أسود بن عامر شاذان ثنا شعبة قال: عبد الله بن دينار أخبرني قال: سمعت ابن عمر يحدِّث عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ليلة القدر: " من كان متحرِّيًا فليتحرها ليلة سبع وعشرين ". قال شعبة: وذكر لي رجلٌ ثقة عن سفيان أنَّه كان يقول: إنَّما قال: " من كان متحرِّيًا فليتحرَّها في السَّبع البواقي ". فلا أدري ذا أم ذا؟ شكَّ شعبة.
الصَّحيح رواية الجماعة دون رواية شعبة. 1979 - أخبرنا أبو بكر بن فورك أنا عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود ثنا شعبة عن عقبة بن حريث سمع ابن عمر عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في ليلة القدر: " تحرّوها في العشر الأواخر، فان ضعف أحدكم أو عجز فلا يغلبنَّ عن السَّبع البواقي ". أخرجه مسلم في " الصَّحيح " من حديث غندر عن شعبة (1) O. 1980 - وقال المصنِّف: أخبرنا عليُّ بن عبيد الله بن نصر أنا أحمد بن محمَّد بن النقور أنا عمر بن إبراهيم الكتَّانيُّ ثنا البغويُّ ثنا أحمد بن حنبل ثنا معاذ ابن هشام ثنا أبي عن قتادة عن عكرمة عن ابن عبَّاس أنَّ رجلاً أتى نبيَّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يا نبيَّ الله، إنِّي شيخٌ كبيرٌ، يشقُ عليَّ القيام، فمرني بليلة لعلَّ الله عزَّ وجل أن يوفِّقني فيها لليلة القدر. فقال: " عليك بالسَّابعة ". زْ: 1981 - قال البيهقيُّ: أخبرنا أبو سعيد يحيى بن أحمد بن عليٍّ الصَّائغ بالريِّ ثنا أبو الحسن عليُّ بن الحسن القاضي الخزاعيُّ ثنا عبد الله بن محمَّد ابن عبد العزيز ثنا أحمد بن محمَّد بن حنبل بن هلال بن أسد الشَّيبانيُّ و [عبيد] (2) الله بن عمر قالا: ثنا معاذ، [(ح)] (3) وأخبرنا أبو سعد أحمد ابن محمَّد الهرويُّ أنا أبو أحمد عبد الله بن عَدِيٍّ الحافظ ثنا عبد الله بن محمَّد بن عبد العزيز ثنا أحمد بن حنبل، [(ح)] (3) وحدَّثنا أبو سعد عبد الملك بن أبي عثمان الزَّاهد أنا أبو عمرو بن مطر أنا عبد الله بن محمَّد المنيعيُّ ثنا أحمد بن حنبل، ثنا معاذ بن هشام حدَّثني أبي عن قتادة عن عكرمة عن ابن عبَّاس أنَّ
رجلاً أتى النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: يا رسول الله، إنِّي شيخ كبير عليل، يشقُّ عليَّ القيام، فمرني بليلةٍ لعلَّ الله أن يوفِّقني فيها لليلة القدر. فقال: " عليك بالسَّابعة " (1). 1982 - وقال أبو داود الطَّيالسيُّ: حدَّثنا شعبة عن قتادة عن مطرِّف عن معاوية قال: ليلة القدر ليلة سبع وعشرين (2). كذا رواه أبو داود موقوفًا، ورفعه معاذ بن معاذ: 1983 - قال أبو داود السِّجستانيُّ: ثنا عبيد الله بن معاذ ثنا أبي ثنا شعبة عن قتادة سمع مطرِّفًا عن معاوية بن أبي سفيان عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ليلة القدر، قال: " ليلة سبع وعشرين " (3). 1984 - وقال البيهقيُّ: أخبرنا الفقيه أبو القاسم عبيد الله بن عمر بن عليٍّ الفاميُّ- ببغداد في مسجد الرَّصافة- ثنا أبو بكر أحمد بن سليمان ثنا إبراهيم بن اسحاق ثنا محمود بن غيلان ثنا عبد الرَّزَّاق أنا معمر عن قتادة وعاصم أنهما سمعا عكرمة يقول: قال ابن عبَّاس: دعا عُمر أصحاب النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسألهم عن ليلة القدر، فاجتمعوا أنَّها في العشر الأواخر، فقلت لعُمر: إنِّي لأعلم، وإنِّي لأظنُّ أيَّ ليلة هي! قال: وأيُّ ليلة هي؟ قلت: سابعة تمضي أو سأبعة تبقى من العشر الأواخر. قال: ومن أين تعلم؟ قال: قلت: خلق الله سبع سماوات، وسبع أرضين، وسبعة أيام، وإنَّ الدَّهر يدور في سبع، وخلق الإنسان: فيأكل ويسجد على سبعة أعضاء، والطَّواف سبع، والجبال سبع.
فقال عمر رضي الله عنه: لقد فطنت لأمرٍ ما فطنَّا له. 1985 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العبَّاس محمَّد بن يعقوب ثنا أحمد بن عبد الجبَّار العُطَارِدِيُّ ثنا ابن فضيل عن عاصم بن كليب عن أبيه عن ابن عبَّاس قال: كنت عند عمر وعنده أصحابه، فسألهم، فقال: أرأيتم قول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ليلة القدر: " التمسوها في العشر الأواخر وترًا ". أيُّ ليلة ترونها؟ فقال بعضهم: ليلة إحدى. وقال بعضهم: ليلة ثلاث. وقال بعضهم: ليلة خمس. وقال بعضهم: ليلة سبع. فقالوا وأنا ساكت، فقال: مالك لا تكلَّم؟ فقلت: إنَّك أمرتني أن لا أتكلَّم حتَّى يتكلَّموا. فقال: ما أرسلتُ إليك إلا لتكلَّم. فقلت: إنِّي سمعت الله يذكر السَّبع، فذكر سبع سماوات ومن الأرض مثلهن، وخلق الإنسان من سبع، ونبت الأرض سبع. فقال عمر: هذا أخبرتني ما أعلم، أرأيت ما لا أعلم، قولك: نبت الأرض سبع. قال: قال الله عزَّ وجلَّ: (ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً. فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً. وَعِنَباً وَقَضْباً. وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً. وَحَدَائِقَ غُلْباً} [عبس: 26 - 30]. قال: فـ (الحدائق غلبًا): الحيطان من النَّخل والشَّجر، و (فاكهةً وأبًّا) قال: فالأبُّ: ما أنبتت الأرض ممَّا تأكله الدَّواب والأنعام، ولا يأكله النَّاس. قال: فقال عمر لأصحابه: أعجزتم أن تقولوا كما قال هذا الغلام، الذي لم تجتمع شؤون رأسه (1)؟! والله لأنِّي أرى (2) القول كما قلتَ (3) O. أمَّا حُجّة الشَّافعيِّ: 1986 - فما رواه البخاريُّ، قال: حدَّثنا موسى ثنا همَّام بن يحيى عن
مسألة (380): يستحب أن يتبع رمضان بست من شوال.
يحيى بن أبي كثير (1) عن أبي سلمة عن أبي سعيد قال: اعتكف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العشر الأُول من رمضان، واعتكفنا معه، فأتاه جبريل، فقال: إنَّ الذي تطلب أمامك، [فاعتكف العشر الأوسط، فاعتكفنا معه، فأتاه جبريل، فقال: إن الذي تطلب أمامك] (2). ثمَّ قام النَّبيُّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطيبًا صبيحة عشرين من رمضان، فقال: " من كان اعتكف مع النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فليرجع، فإنَّي أريت ليلة القدر وإنِّي نسيتها، وإنَّها في العشر الأواخر في وترٍ، وإنِّي رأيت كأنِّي أسجد في طين وماء ". وكان سقف المسجد جريد النَّخل، وما نرى في السَّماء شيئًا، فجاءت قزعة فمطرنا، وصلى بنا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حتَّى رأيت أثر الطِّين والماء على جبهة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تصديق رؤياه (3). أخرجاه في "الصَّحيحين" (4)، وأحاديثنا أصرح. ***** مسألة (380): يستحب أن يتبع رمضان بستٍّ من شوَّال. وقال أبو حنيفة ومالك: لا يستحبُّ. 1987 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا أبو معاوية ثنا سعد بن سعيد عن عمر بن ثابت عن أبي أيُّوب الأنصاريِّ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من صام
رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوَّال، فذلك صيام الدَّهر كلِّه " (1). انفرد بإخراجه مسلمٌ (2). قالوا: وقد قال أحمد: سعد بن سعيد ضعيف الحديث (3). وقال النَّسائيُّ: ليس بالقويِّ (4). قلنا: قد قال يحيى بن معين: هو صالحٌ (5). وقد أخرج عنه مسلمٌ (6). ز: قال النَّسائيُّ: ذكر اختلاف النَّاقلين لخبر أبي أيُّوب فيه. 1988 - أخبرنا أحمد بن يحيى ثنا إسحاق عن حسن- وهو ابن صالح - عن محمَّد بن عمرو الليثيِّ عن سعد بن سعيد عن عَمرو بن ثابت عن أبي أيُّوب قال: قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من صام رمضان ثمَّ أتبعه بستٍّ من شوَّال، فقد صام الدَّهر كلَّه ". قال أبو عبد الرَّحمن: هذا خطأٌ، والصَّواب: عُمر بن ثابت. 1989 - أخبرنا خلاد بن أسلم ثنا الدَّراورديُّ عن صفَّوان بن سليم وسعد بن سعيد عن عُمر بن ثابت عن أبي أيُّوب قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من صام رمضان وأتبعه ستًّا من شوَّال، فكأنَّما صام الدَّهر ".
1990 - أخبرنا أحمد بن عبد الله بن الحكم عن محمَّد ثنا شعبة قال: سمعت ورقاء عن سعد بن سعيد عن عُمر بن ثابت عن أبي أيُّوب عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من صام رمضان وستَّةً من شوَّال، فكأنَّما صام الدَّهر ". قال أبو عبد الرَّحمن: سعد ين سعيد ضعيفٌ كذلك، قال أحمد بن حنبل: يحيى بن سعيد بن قيس الثِّقة المأمون، أحد الأئمة؛ وعبد ربِّه بن سعيد لا بأس به؛ وسعد بن سعيد- ثالثهم- ضعيفٌ. 1991 - أخبرنا محمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم ثنا أبو عبد الرَّحمن المقرئ ثنا شعبة بن الحجَّاج عن عبد ربِّه بن سعيد عن عُمر بن ثابت عن أبي أيُّوب الأنصاريِّ أنَّه قال: من صام شهر رمضان، ثمَّ أتبعه ستَّة أيَّام من شوَّال، فكأنَّما صام السَّنة كلَّها. 1992 - أخبرنا هشام بن عمَّار عن صَدَقة (1) بن خالد ثنا عتبة (2) قال: حدَّثني عبد الملك بن أبي بكر قال: حدَّثني يحيى بن سعيد عن عمر بن ثابت قال: غزونا مع أبي أيُّوب، فصام رمضان وصمنا، فلمَّا أفطرنا قام في النَّاس، فقال: إنِي سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من صام رمضان، وصام ستَّة أيَّام من شوَّال، كان كصيام الدَّهر ". قال أبو عبد الرَّحمن: عتبة هذا ليس بالقويِّ. 1993 - أخبرنا محمَّد بن عبد الكريم بن محمَّد بن عبد الرَّحمن بن حويطب بن عبد العزى الحرَّانيُّ قال: حدَّثني عثمان- وهو: ابن عمرو الحرَّانيُّ- ثنا عمر- يعني: ابن ثابت- عن محمَّد بن المنكدر عن أبي أيُّوب الأنصاريِّ
قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... نحوه (1). كذا قال في هذه الرِّواية، والصَّواب: (عن عُمر بن ثابت عن أبي أيُّوب) كما تقدَّم، وقد رواه إسماعيل بن عيَّاش عن محمَّد بن أبي حميد عن محمَّد ابن المنكدر عن أبي أيُّوب. وقد رُوي هذا من حديث: جابر وثوبان وأبي هريرة وغيرهم. وقال أبو عمر بن عبد البرِّ في " الاستذكار ": لم يبلغ مالكًا حديث أبي أيُّوب، على أنَّه حديثٌ مدنيٌّ! والإحاطة بعلم الخاصة لا سبيل إليه. ثمّ َقال: وما أظنُّ مالكًا جهل الحديث- والله أعلم-، لأنَّه حديثٌ مدنيٌّ، تفرَّد به عمر بن ثابت، وقد قيل: إنَّه روى [عنه] (2) مالك، ولولا علمه به ما أنكره، وأظنُّ الشَّيخ عمر بن ثابت لم يكن عنده ممَّن يعتمد عليه، وقد ترك مالك الاحتجاج ببعض ما رواه عن بعض شيوخه، إذا لم يثق به في حفظه لبعض ما يرويه؛ وقد يمكن أن يكون جهل الحديث، ولو علمه لقال به، والله أعلم (3) O. *****
مسائل الاعتكاف
مسائل الاعتكاف مسألة (381): لا يصحُّ الاعتكاف إلا في مسجدٍ تقام فيه الجماعة. وقال أبو حنيفة ومالكٌ والشَّافعيُّ: يصحُّ في كلِّ مسجدٍ. 1994 - قال سعيد بن منصور: ثنا سفيان عن جامع بن أبي راشد عن شقيق بن سلمة قال: قال حذيفة لابن مسعود: قد علمت أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا اعتكاف إلا في المساجد الثَّلاثة- أو قال: مسجد جماعة- ". وقد استدلَّ أصحابنا: 1995 - بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ قال: حدَّثنا عليُّ بن عبد الله بن مبشر ثنا عمَّار ابن خالد ثنا إسحاق الأزرق عن جُويبر عن الضَّحَّاك عن حذيفة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " كلُّ مسجدٍ له مؤذِّنٌ وإمام، فالاعتكاف فيه يصلح " (1). قال المصنِّف: هذا الحديث في نهاية الضَّعف، الضَّحَّاك لم يسمع من حذيفة. وجوير: ليس بشيءٍ، قال أحمد: لا يشتغل بحديثه (2). وقال يحيى: ليس بشيءٍ (3). وقال النَّسائيُّ (4) والدَّارَقُطْنِيُّ (5): متروكٌ.
ز: 1996 - قال البيهقيُّ: أخبرنا أبو الحسن عليُّ بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصفَّار ثنا عُبيد بن شَريك ثنا يحيى- يعني: ابن بكير- ثنا الليث عن عُقيل عن ابن شهاب عن عروة بن الزُّبير عن عائشة- زوج النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان حتَّى توفاه الله عزَّ وجلَّ، ثمَّ اعتكف أزواجه من بعده، والسُّنَّة في المعتكف أن لا يخرج إلا للحاجة التي لا بدَّ منها، ولا يعود مريضًا، ولا يمسُّ امرأةً، ولا يباشرها، ولا اعتكاف إلا [في] (1) مسجد جماعة، والسُّنَّة فيمن اعتكف أن يصوم. 1997 - أخبرنا أبو الحسن بن أبي المعروف الفقيه أنا أبو سعيد عبد الله ابن محمَّد بن عبد الوهَّاب الرَّازيُّ ثنا محمَّد بن أيُّوب أنا مسلم بن إبراهيم ثنا هشام ثنا قتادة أنَّ ابن عبَّاس والحسن قالا: لا اعتكاف إلا في مسجدٍ تقام فيه الصَّلاة. 1998 - أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن عبد الله السديريُّ بخُسْرُوْجِرْد أنا أحمد بن محمَّد بن الحسن الخُسْرَوْجِرْديُّ ثنا داود بن الحسين ثنا حميد بن زنجويه ثنا يحيى بن عبد الحميد ثنا شَريك عن ليث عن يحيى بن أبي كثير عن عليٍّ الأزديِّ عن ابن عبَّاس قال: إن أبغض الأمور إلى الله البدع، وإنَّ من البدع الاعتكاف في المساجد التي في الدُّور. 1999 - أخبرنا أبو الحسن محمَّد بن الحسين العلويُّ أنا أبو نصر محمَّد ابن حمدويه (2) بن سهل الغازيُّ ثنا محمود بن آدم المروزيُّ ثنا سفيان بن عيينة عن جامع بن أبي راشد عن أبي وائل قال: قال حذيفة لعبد الله- يعني ابن مسعود-:
مسألة (382): يصح الاعتكاف بغير صوم وبالليل وحده.
عكوفًا بين دارك ودار أبي موسى، وقد علمت أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا اعتكاف إلا في السجد الحرام- أو قال: في المساجد الثَّلاثة- ". فقال عبد الله: لعلك نسيت وحفظوا، وأخطأت وأصابوا- الشَّكُّ منِّي- (1) O. ***** مسألة (382): يصحُّ الاعتكاف بغير صومٍ وبالليل وحده. وعنه: لا يصحُّ، كقول أى حنيفة ومالكٍ. 2000 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا يحيى القطَّان عن عبيد الله بن عمر قال: حدَّثني نافع (2) عن ابن عمر عن عمر أنَّه قال: يا رسول الله، إنِّي نذرت في الجاهلية أن أعتكف في المسجد الحرام ليلةً. فقال: " أوف بنذرك " (3). أخرجاه في "الصَّحيحين" (4). 2001 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا ابن صاعد ثنا محمَّد بن يعقوب بن عبد الوهَّاب ثنا محمَّد بن فليح بن سليمان عن عبد الله (5) بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنَّ عمر كان نذر في الجاهلية أن يعتكف ليلةً في المسجد الحرام، فلمَّا كان الإسلام، سأل عنه رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له: " أوف بنذرك ". فاعتكف عمر ليلةً.
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: إسنادٌ ثابتٌ (1). ز: كذا في النسخة التي كتبت منها: (عبد الله بن عمر)، وكأنَّ الصَّواب: (عبيد الله) وهكذا وجدتُّه في نسخة أخرى (2)؛ فإنَّ الدَّارَقُطْنِيَّ لا يقول: (إسنادٌ ثابت) وفيه عبد الله؛ ومحمَّد بن فليح لا يعرف له رواية عن عبد الله؛ وهذا الحديث معروف بعبيد الله، والله أعلم. ومحمَّد بن يعقوب بن عبد الوهَّاب [هو: الزُّبيريُّ] (3) المدنيُّ، روى عنه النَّسائيُّ (4)، وهو ثقةٌ، وسمع منه ابن صاعد بالمدينة، سنة خمس وأربعين O. قالوا: فقد روي أنَّه نذر يومًا. 2003 - قال مسلم بن الحجَّاج: حدَّثنا محمَّد بن [عمرو] (5) بن جَبَلَة ثنا محمَّد بن جعفر ثنا شعبة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن عمر (6)
أنَّه جعل على نفسه يومًا يعتكفه، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أوف بنذرك " (1). أخرجاه في "الصَّحيحين" (2). وجوابه من وجهين: أحدهما: أنَّ كلَّ لفظ في مرتبة حديث، ويحتمل أن يكو نذر نذرين. والثَّاني: أنَّه لا حجَّة فيه، إذ لا ذكر ههنا للصَّوم. ز: 2004 - قال البيهقيُّ: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو محمَّد الحسن بن محمَّد بن حليم المروزيُّ ثنا أبو الموجِّه أنا عبدان أنا عبد الله بن المبارك أنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر (3) أنَّ عمر قال: يا رسول الله، إنِّي نذرت في الجاهلية أن اعتكف ليلةً في المسجد الحرام. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أوف بنذرك ". رواه البخاريُّ في " الصَّحيح " (4) عن محمَّد بن مقاتل عن عبد الله بن المبارك، وكذا رواه سليمان بن بلال ويحيى بن سعيد القطَّان وأبو أسامة وعبد الوهَّاب الثقفيُّ عن عبيد الله، قالوا فيه: (ليلة)، وكذلك قاله حمَّاد بن زيد عن أيُّوب عن نافع عن ابن عمر. وقال جرير بن حازم ومعمر عن أيُّوب: (يومًا) بدل: ليلة، وكذلك رواه شعبة عن عبيد الله. ورواية الجماعة عن عبيد الله أولى، وحمَّاد بن زيد أعرف بأيُّوب من غيره.
2005 - وروينا في حديث أبي معاوية عن يحيى بن سعيد عن عَمْرَة عن عائشة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعتكف في العشر [الأوَّل] (1) من شوَّال (2). انتهى ما ذكره. ويمكن الجمع في حديث عمر بين اللفظين، بأن يكون المراد: اليوم مع ليلته، أو الليلة مع يومها؛ وحينئذٍ لا يكون فيه دليلٌ على صحَّة الاعتكاف بغير صومٍ، وهذا القول هو القويُّ- إن شاء الله-، وهو أنَّ الصِّيام شرطٌ في الاعتكاف، فإنَّ الاعتكاف لم يشرع إلا مع الصِّيام، فإنَّ غالب اعتكاف النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه إنَّما كان في رمضان، وقول عائشة: (أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعتكف في العشر الأوَّل من شوَّال) ليس بصريح في دخول يوم الفطر، بجواز أن يكون أوَّل العشر الذي اعتكفه باقي يوم الفطر، بل هذا هو الظَّاهر، وقد جاء مصرَّحًا به في حديث: (فلمَّا أفطر اعتكف)، والله أعلم O. قال المؤلِّف: قالوا: فقد روي فيه ذكر الصَّوم: 2006 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثني أبو طالب الحافظ ثنا هلال بن العلاء ثنا أبي ثنا الوليد بن مسلم عن سعيد بن بَشير عن عبيد الله (3) بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنَّ عمر نذر أن يعتكف في الشِّرك ويصوم، فسأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد إسلامه، فقال: " أوف بنذرك " (4). والجواب من وجهين: أحدهما: أنَّ هذا اللفظ تفرَّد به سعيد بن بَشير عن عبيد الله، قال يحيى
ابن معين (1) وابن نُمير (2): ليس بشيءٍ. وقال النَّسائيُّ: ضعيفٌ (3). والثَّاني: أنَّه إذا نذر الصَّوم لزم، فلم قلتم أنه يلزم في صحَّة الاعتكاف؟! ز: 2007 - قال البيهقيُّ: أخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه أنا أبو محمَّد بن حيَّان الأصبهانيُّ ثنا إبراهيم بن محمَّد بن الحسن ثنا أبو عامر موسى ابن عامر ثنا الوليد بن مسلم أخبرني سعيد- يعني: ابن بَشير- عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنَّ عمر بن الخطَّاب نذر أن يعتكف في الشرك وليصومنَّ، فسأل رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد إسلامه، فأمره أن يفي بنذره. قال: ذكر نذر الصَّوم مع الاعتكاف غريبٌ، تفرَّد به سعيد بن بَشير عن عبيد الله، والله أعلم (4) O. قال المؤلِّف: حديثٌ ثانٍ لنا (5): 2008 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا محمَّد بن إسحاق السُّوسيُّ ثنا عبد الله ابن محمَّد بن نصر الرَّمليُّ ثنا محمَّد بن يحيى بن أبي [عمر] (6) ثنا عبد العزيز بن محمَّد [عن] (7) أبي سهيل- عمِّ مالك بن أنس (8) - عن طاوس عن ابن عبَّاس أنَّ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ليس على المعتكف صيام، إلا أن يجعله على
نفسه " (1). قالوا: قد قال الدَّارَقُطْنِيُّ: رفعه السُّوسيُّ وغيره لا يرفعه. قلنا: السُّوسيُّ ثقةٌ، قال أبو بكر الخطيب: دخل بغداد، وحدَّث أحاديث مستقيمة (2). ز: هذا الحديث رَفْعُه وَهْمٌ، والصَّواب أنَّه موقوفٌ، وإن كان السُّوسيُّ قد تابعه غيره: 2009 - قال البيهقيُّ: أخبرنا محمَّد بن عبد الله الحافظ أنا أبو الحسن أحمد بن محبُوب الرَّمليُّ بمكَّة ثنا عبد الله بن محمَّد بن نصر الرَّمليُّ ثنا محمَّد بن يحيى ابن أبي عمر العدنيُّ ثنا عبد العزيز بن محمَّد عن (3) أبي سهيل- عمِّ مالك- عن طاوس عن ابن عبَّاس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ليس على المعتكف صيامٌ، إلا أن يجعله على نفسه ". تفرَّد به عبد الله بن محمَّد بن نصر الرَّمليُّ هذا، وقد رواه أبو بكر الحميديُّ عن عبد العزيز بن محمَّد عن أبي سهيل بن مالك قال: اجتمعت أنا وابن شهابٍ عند عمر بن عبد العزيز، وكان على امرأته اعتكاف ثلاثٍ في المسجد الحرام، فقال ابن شهابٍ: لا يكون اعتكافٌ إلا بصوم. فقال عمر بن عبد العزيز: أمن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: لا. قال: فمن أبي بكر؟ قال: لا. قال: فمن عمر؟ قال: لا. قال: فمن عثمان؟ قال: لا. قال أبو سهيل: فانصرفت فوجدت طاوسًا وعطاء، فسألتهما عن ذلك، فقال طاوس: كلان ابن عبَّاس لا يرى على المعتكف صيامًا إلا أن يجعله على نفسه. وقال عطاء: ذلك رأي.
هذا هو الصَّحيح موقوفٌ، ورفعه وهمٌ، وكذلك رواه عمرو بن زرارة عن عبد العزيز موقوفًا. 2010 - وهو فيما أنبأني أبو عبد الله إجازةً أنَّ أبا الوليد أخبرهم ثنا عبد الله بن محمَّد بن شيرويه ثنا عمرو بن زُرَارة ثنا عبد العزيز ... فذكره موقوفًا مختصرًا، قال: فقال: كان ابن عبَّاس لا يرى على المعتكف صومًا. وقال عطاء: ذلك رأي (1) O. أما حجَّتُهم: 2011 - فقال الدَّارَقُطْنِيُّ: أخبرنا أحمد بن [عمير] (2) بن يوسف في الإجازة أنَّ محمَّد بن هاشم (3) حدَّثهم: ثنا سُويد بن عبد العزيز ثنا سفيان بن حسين عن الزُّهريِّ عن عروة عائشة أنَّ نبيَّ الله يكبهعرو قال: " لا اعتكاف إلا بصيام " (4). 2012 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا الحسن بن محمَّد بن الصَّبَّاح ثنا عمرو بن محمَّد العَنقَزِيُّ ثنا عبد الله بن بُدَيْل عن عمرو بن دينار عن ابن عمر عن عمر أنَّه سأل النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن اعتكاف عليه، فأمره أن يعتكف ويصوم (5). 2013 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا الحسن بن إسماعيل ثنا إبراهيم بن
مُجَشِّرٍ (1) ثنا عَبيدة بن حُميد ثنا القاسم بن مَعْن (2) عن عبد الملك بن جريج عن محمَّد بن شهاب عن سعيد بن المسيَّب وعروة عن عائشة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، وأنَّ السُّنَّه للمعتكف أن لا (3) يخرج إلا لحاجة الإنسان، ولا يتبع جنازة، ولا يعود مريضًا، ولا يمسّ امرأة، ولا يباشرها، ولا اعتكاف إلا في مسجد جماعة، ويأمر من اعتكف أن يصوم (4). والجواب: أمَّا حديث عائشة الأوَّل: فقال الدَّارَقُطْنِيُّ: تفرَّد به سُويد عن سفيان. قال أحمد: سُويد متروك الحديث (5). وقال يحيى: ليس بشيءٍ (6). وفي الإسناد: سفيان بن حسين، قال يحيى: لم يكن بالقويِّ (7). وقال ابن حِبَّان: يروي عن الزُّهريِّ المقلوبات (8). وأمَّا حديث عمر: فقال الدَّارَقُطْنِيُّ: تفرَّد به ابن بُدَيْل، وهو ضعيفٌ (9)، ورواه نافع عن ابن عمر ولم يذكر فيه الصَّوم، وهو أصحُّ (10). قال: وسمعت أبا بكر النَّيسابوريَّ يقول: هذا حديثٌ منكرٌ، لأنَّ (11)
الثِّقات من أصحاب عمرو بن دينار لم يذكروه، منهم: ابن جريج وابن عيينة وحمَّاد بن سلمة وحمَّاد بن زيد وغيرهم. قال: وابن بُدَيْل ضعيف الحديث (1). وأمَّا الحديث الثَّالث: ففيه إبراهيم بن مجشِّر، قال ابن عَدِيٍّ: له أحاديث مناكير (2). قال الدَّارَقُطْنِيُّ: يقال: إنَّ قوله: (إنَّ السُّنَّة للمعتكف .... إلى آخره) ليس من قول النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنَّه من كلام الزُّهريِّ، ومن أدرجه في الحديث فقد وهم، والله أعلم (3). ز: 2014 - قال أبو داود: حدَّثنا وهب بن بقيَّة أنا خالد عن عبد الرَّحمن- يعني: ابن إسحاق- عن الزُّهريِّ عن عروة عن عائشة أنَّها قالت: السُّنَّة على المعتكف أن لا يعود مريضًا، ولا يشهد جنازة، ولا يمسّ امرأة، ولا يباشرها، ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بُدَّ منه، ولا اعتكاف إلا بصومٍ، ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع. قال أبو داود: غير عبد الرَّحمن بن إسحاق لا يقول فيه: (قالت: السُّنَّة). قال أبو داود: وجعله قول عائشة (4). وقال البيهقيُّ: قد ذهب كثيرٌ من الحفَّاظ إلى أنَّ هذا الكلام من قول من دون عائشة، وأنَّ من أدرجه في الحديث وهم فيه: فقد رواه سفيان الثَّوريُّ عن هشام بن عروة عن عروة قال: المعتكف لا يشهد جنازةً، ولا يعود مريضًا، ولا يجيب دعوةً، ولا اعتكاف إلا بصيام، ولا اعتكاف إلا في مسجد جماعة.
2015 - وعن ابن جريج عن الزُّهريِّ عن سعيد بن المسيب أنَّه قال: المعتكف لا يعود مريضًا، ولا يشهد جنازةً (1). 2016 - وقال أيضًا: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا: ثنا أبو العبَّاس محمَّد بن يعقوب ثنا يحيى بن أبي طالب أنا عبد الوهَّاب بن عطاء أنا سعيد- يعني: ابن أبي عروبة- عن هشام بن عروة (2) عن أبيه عن عائشة أنَّها قالت: لا اعتكاف إلا بصوم. كذا رواه هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، ورواه الزُّهريُّ عن عروة عن عائشة في حديث ذكره، وفي آخره: والسُّنَّة فيمن اعتكف أن يصوم- قد مضى ذكره في هذا الجزء (3) -. كذا رواه غير واحد عن الزُّهريِّ. وروي عن سفيان بن حسين عن الزُّهري عن عروة عن عائشة أنَّ نبيَّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا اعتكاف إلا بصيام ". 2017 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو عليٍّ الحسين بن عليٍّ الحافظ ثنا أحمد بن عمير الدِّمشقيُّ ثنا محمَّد بن هاشم ثنا سويد بن عبد العزيز ثنا سفيان ابن حسين ... فذكره. وهذا وهمٌ من سفيان بن حسين أو من سُويد بن عبد العزيز، وسُويد بن عبد العزيز الدِّمشقيُّ ضعيف بمرَّة، لا يقبل منه ما تفرَّد به. وروي عن عطاء عن عائشة موقوفًا: من اعتكف فعليه الصِّيام:
2018 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا: ثنا أبو العبَّاس- هو الأصم- ثنا أَسِيد بن عاصم (1) ثنا الحسين بن حفص عن سفيان عن حبيب عن عطاء عن عائشة ... فذكره (2). 2019 - وقال أبو داود: حدَّثنا أحمد بن إبراهيم ثنا أبو داود ثنا عبد الله ابن بُدَيل عن عمرو بن دينار عن ابن عمر أنَّ عمر جعل عليه أن يعتكف في الجاهلية ليلةً- أو يومًا- عند الكعبة، فسأل النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " اعتكف وصم " (3). 2020 - وقال النَّسائيُّ: أخبرنا أبو بكر بن عليٍّ ثنا الحسن بن حمَّاد الورَّاق أنا عمرو بن محمَّد العَنْقَزِيُّ عن عبد الله بن بُدَيل بن ورقاء عن عمرو بن دينار عن ابن عمر أنَّ عمر سأل النَّبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن اعتكافٍ عليه، فأمره أن يعتكف ويصوم (4). 2021 - وقال البيهقيُّ: أخبرنا أبو عبد الله محمَّد بن عبد الله الحافظ وأحمد بن الحسن القاضي ومحمَّد بن موسى بن الفضل قالوا: ثنا أبو العبَّاس محمَّد بن يعقوب ثنا محمَّد بن سنان القزَّاز ثنا عبيد الله بن عبد المجيد الحنفيُّ ثنا عبد الله بن بُديل حدَّثني عمرو بن دينار عن ابن عمر عن عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه أنَّه قال للنَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الجِعرانة: أي رسول الله، إنَّ عَلَيَّ يومًا اعتكفه، فقال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اذهب فاعتكفه وصمه " (5)
عبد الله بن بُديل بن ورقاء: يقال: ابن بشر الخزاعيُّ، ويقال: الليثيُّ المكيُّ، روى عن: عمرو بن دينار والزُّهريِّ، روى عنه: ابن مهديٍّ وغير واحد، قال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين: صالحٌ (1). وقال ابن عَدِيٍّ: له أحاديث مما تنكر عليه الزيادة في متنه أو إسناده، ولم أر للمتقدِّمين فيه كلامًا فأذكره. وروى هذا الحديث في ترجمته من رواية أبي داود وغيره عنه، ثُمَّ قال: ولا أعلم ذكر في هذا الإسناد الصَّوم مع الاعتكاف إلا من رواية عبد الله ابن بُديل عن عمرو بن دينار (2). وقد تقدَّم تضعيف أبي بكر النَّيسابوريِّ والدَّارَقُطْنِيِّ له (3)، وقد ذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثِّقات" (4)، فالله أعلم. 2022 - وقال البيهقيُّ: أخبرنا أبو الحسن محمَّد بن الحسين بن الفضل - ببغداد- أنا عبد الله بن جعفر بن درستويه ثنا يعقوب بن سفيان ثنا أبو نعيم ثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن أبي فاخته قال: سمعت ابن عبَّاس يقول: يصوم المجاور. 2023 - وأخبرنا أبو الحسين بن الفضل أنا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب ابن سفيان ثنا أبو بكر الحميديُّ ثنا سفيان ثنا عمرو سمعت أبا فاختة سعيد بن عِلاقة يقول: سمعت ابن عبَّاس يقول: يصوم المجاور. والمجاور: المعتكف. فحكي لسفيان أنَّ هُشيمًا يقوله: (عن عمرو عن أبي فاختة أنَّ ابن عبَّاس قال: لا اعتكاف إلا بصوم). فقال سفيان: أخطأ هُشيم، هو كما قلتُ لك.
مسألة (383): إذا اشترط في اعتكافه الخروج إلى القرب- كعيادة
2024 - وأخبرنا أبو الحسين بن الفضل أنا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب ثنا سليمان بن حرب ثنا حمَّاد بن زيدٍ أنَّ رجلاً قال لعمرو بن دينار: يا أبا محمَّد، كيف قول ابن عبَّاس: على المجاور الصَّوم؟ فقال عمرو: ليس كذا قال ابن عبَّاس، إنَّما قال: المجاور يصوم. 2025 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا: ثنا أبو العبَّاس محمَّد بن يعقوب ثنا أسيد بن عاصم ثنا الحسن بن حفص عن سفيان عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عبَّاس وابن عمر أنَّهما قالا: المعتكف يصوم (1) O. ***** مسألة (383): إذا اشترط في اعتكافه الخروج إلى القُرَب- كعيادة المرضى وصلاة الجنازة وزيارة العلماء- جاز. وقال مالكٌ: لا يجوز اشتراط هذه الأشياء. احتجَّ أصحابنا بحديثين ضعيفين: 2026 - الحديث الأوَّل: قال ابن ماجة: حدَّثنا أحمد بن منصور ثنا يونس بن محمَّد ثنا الهيَّاج الخراسانيُّ ثنا عَنْبَسة بن عبد الرَّحمن عن عبد الخالق عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " المعتكف يتبع الجنازة ويعود المريض " (2).
قال المصنِّف: هذا الحديث ليس بشيءٍ، قال يحيى: عَنْبَسة ليس بشيءٍ (1). وقال أبو حاتم الرَّازيُّ: كان يضع الحديث (2). وقال النَّسائيُّ متروكٌ (3). وفيه: الهيَّاج، قال أحمد: متروك الحديث (4). وقال أبو داود: ليس بشيءٍ (5). وفيه: عبد الخالق، قال النَّسائيُّ: ليس بثقةٍ (6). ز: هذا الحديث رواه أبو بكر بن أبي عاصم (7) عن محمَّد بن إشكاب عن يونس. وعبد الخالق هذا: أحد المجاهيل، لا يعلم له وجود أم لا؟! فإنَّه لم يرو عنه غير عَنْبَسة بن عبد الرَّحمن- أحد الضُّعفاء المتروكين-، وقول المصنِّف: (قال النَّسائيُّ: ليس بثقةٍ) وهمٌ، فإنَّ قوله إنَّما هو في عبد الخالق ابن زيد بن واقد الدِّمشقيِّ، والله أعلم O. 2027 - الحديث الثَّاني: قال أبو داود: حدَّثنا محمَّد بن عيسى ثنا عبد السَّلام بن حرب أنا ليث بن أبي سُليم عن عبد الرَّحمن بن القاسم عن أبيه
عن عائشة قالت: كان النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعود المريض وهو معتكفٌ (1). قال أحمد: ليث مضطرب الحديث، ولكن قد حدَّث عنه النَّاس (2). وقال أبو حاتم الرَّازيُّ وأبو زرعة: لا يشتغل به، وهو مضطرب الحديث (3). ز: كذا ذكر المؤلِّف هذا الحديث، واختصره، وهو في " سنن أبي داود " هكذا: حدَّثنا عبد الله بن محمَّد النُّفيليُّ ومحمَّد بن عيسى قالا: ثنا عبد السَّلام ابن حرب أنا الليث بن أبي سليم عن عبد الرَّحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنهما. قال النُّفيليُّ: قالت: كان النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمرُّ بالمريض وهو معتكف، فيمرُّ كما هو ولا يعرِّج يسأل عنه. وقال ابن عيسى: كان النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعود المريض وهو معتكف O. احتجُّوا: بحديث عائشة المذكور في المسألة قبلها، وقد سبق (4). *****
كتاب الحج
كتاب الحج مسألة (384): من شروط وجوب الحجِّ: الزَّاد والرَّاحلة. وقال مالك وداود: لا يشترط ذلك. 2028 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثني أحمد بن عليِّ بن حُبيش ثنا عليُّ بن العبَّاس ثنا عليُّ بن سعيد بن مسروق ثنا ابن أبي زائدة عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله عزَّ وجلَّ: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران: 97] قال: قيل: يا رسول الله، ما السَّبيل؟ قال: " الزَّاد والرَّاحلة " (1). ز: هذا الحديث لم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب " السُّنن " بهذا الإسناد؛ وعليُّ بن سعيد بن مسروق الكنديُّ، وعليُّ بن العبَّاس البجليُّ المقَانِعيُّ: ثقتان، وشيخ الدَّارَقُطْنِيُّ: ثقةٌ أيضًا. ومع ذلك فرواية هذا الحديث عن قتادة عن أنس مرفوعًا وهمٌ، والصَّواب: عن قتادة عن الحسن عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً. كذلك رواه جعفر بن عون عن سعيد، وكذلك رواه يونس بن عبيد عن
الحسن، والله أعلم O. 2029 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا أحمد بن نصر بن طالب ثنا إبراهيم ابن إسماعيل بن عبد الله بن زرارة (1) ثنا عبد الملك بن زياد النَّصيبيُّ ثنا محمَّد بن عبد الله بن عبيد بن عُمير عن أبي الزُّبير- أو: عمرو بن دينار- عن جابر بن عبد الله قال: لمَّا نزلت: (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران- 97] قام رجلٌ فقال: يا رسول الله، ما السَّبيل؟ قال: " الزَّاد والرَّاحلة " (2). ز: عبد الملك بن زياد النَّصيبيُّ: قال فيه الأزديُّ: منكر الحديث، غير ثقة (3) ومحمَّد بن عبد الله بن عبيد بن عمير: ضعَّفه يحيى بن معين، وقال مرَّةً: ليس بثقةٍ. ومرَّةً: ليس حديثه بشيءٍ (4). وقال البخاريُّ: منكر الحديث (5). وقال النَّسائيُّ: متروك الحديث (6). وقد اختلف عليه في هذا الحديث: فقيل: عنه هكذا. وقيل: عنه عن محمَّد بن عبَّاد بن جعفر عن ابن عمر عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
مسألة (385): إذا كان للمعضوب مال، لزمه أن يستنيب من يحج
وقيل: عنه عن ابن جربج عن محمَّد بن عبَّاد عن ابن عمر عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقد روى الدَّارَقُطْنِيُّ وغيره هذا الحديث من عدَّة طرق، وهو مشهور من رواية إبراهيم بن يزيد الخُوزيِّ- وهو ضعيفٌ - عن محمَّد بن عبَّاد عن ابن عمر عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ O. ***** مسألة (385): إذا كان للمعضوب مال، لزمه أن يستنيب من يحجُّ وقال مالك وداود: لا يلزمه. 2030 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا أبو أحمد محمَّد بن عبد الله بن الزُّبير ثنا سفيان عن عبد الرَّحمن بن الحارث بن عيَّاش عن زيد بن عليٍّ عن أبيه عن عبيد الله (1) بن أبي رافع عن عليِّ بن أبي طالب قال: قالت جارية من خثعم: يا رسول الله، إنَّ أبي شيخٌ كبيرٌ قد أفند (2)، وقد أدركته فريضة الله في الحجِّ، فهل يجزئ عنه أن أؤدي عنه؟ قال: " نعم، فأدِّ عن أبيك " (3). ز: رواه التِّرمذيُّ عن بندار عن أبي أحمد، وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، لا نعرفه من حديث عليٍّ إلا من هذا الوجه (4).
وقد رواه أحمد أيضًا عن يحيى بن آدم عن سفيان (1). وسئل عنه الدَّارَقُطْنِيُّ، فذكر الاختلاف فيه وقال: القول قول الثَّوريِّ ومن تابعه، والله أعلم (2). وقد رواه الشَّافعيُّ عن عمرو بن أبي سلمة عن الدَّراورديِّ عن عبد الرَّحمن بن الحارث المخزوميّ (3). ورواه البيهقيُّ من رواية حاتم بن إسماعيل عن عبد الرَّحمن (4) O. 2031 - قال أحمد: وحدَّثنا عبد الرَّزَّاق أنا معمر عن الزُّهريِّ عن سليمان بن يسار عن ابن عبَّاس قال: حدَّثني الفضل بن عبَّاس قال: أتت امرأة من خَثْعم، فقالت: يا رسول الله، إنَّ أبي أدركته فريضة الله في الحجِّ وهو شيخٌ كبيرٌ، لا يستطيع أن يثبت على دابته. قال: " فحجِّي عن أبيك (5). أخرجاه في "الصَّحيحين" (6). 2032 - قال أحمد: وحدَّثنا هُشيم (7) أنا يحيى بن أبي إسحاق عن سليمان بن يسار عن عبيد الله (8) بن عبَّاس- أو: عن الفضل بن عبَّاس- أنَّ
رجلاً سأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، إن أبي أدركه الإسلام وهو شيخٌ كبيرٌ لا يثبت على راحلته، أفأحجُّ عنه؟ فقال: " أرأيت لو كان عليه دين، فقضيته عنه، أكان يجزئه؟ " قال: نعم. قال: " فاحجج عن أبيك " (1). ز: 2033 - قال النَّسائيُّ: أخبرنا مجاهد بن موسى- بغداديُّ- عن هشيم عن يحيى بن أبي إسحاق عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن عبَّاس أنَّ رجلاً سأل النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ أبي أدركه الحجُّ وهو شيخٌ كبير، لا يثبت على راحلته، وإن شددته خشيت أن يموت، أفأحجُّ عنه؟ قال: " أرأيت لو كان عليه دَيْنٌ فقضيته، أكان مجزئًا؟ " قال: نعم. قال: " فحجَّ عن أبيك " (2). 2034 - أخبرنا أحمد بن سليمان الرَّهاويُّ ثنا يزيد- وهو ابن هارون- أنا هشام- وهو ابن حسَّان، بصريٌّ- عن محمَّد- وهو ابن سيرين- عن يحيى ابن أبي إسحاق عن سليمان بن يسار عن الفضل بن عبَّاس أنَّه كان رديف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجاءه رجلٌ، فقال: يا رسول الله، إنَّ أمي عجوزٌ كبيرةٌ، وإن حملتها لم تستمسك، وإن ربطتها خشيت أن أقتلها. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أرأيت لو كان على أمِّك دَيْنٌ، أكنت قاضيه؟ " قال: نعم. قال: " فحجَّ عن أمِّك ". قال النَّسائيُّ: سليمان لم يسمع من الفضل (3). وقد رواه عليُّ بن عاصم عن يحيى بن أبي إسحاق عن سليمان بن يسار
عن عبيد الله (1) بن عبَّاس، قال (2): وقلنا ليحيى: إنَّ محمَّدًا- يعني ابن سيربن- حدَّث عنك أنَّك حدَّثت عن سليمان بن يسار عن الفضل بن عبَّاس. فقال: ما حفظته إلا عن عبيد الله بن عبَّاس (3). وقال أبو داود (4): روى أيُّوب السَّختيانيُّ هذا الحديث عن سليمان بن يسار عن عبيد الله بن عبَّاس ولم يشك، وهو أقرب إلى الصَّواب، لأنَّ الفضل ابن العبَّاس توفي في زمن عمر بن الخطَّاب بالشَّام، في طاعون عمواس، سنة ثمان عشرة، ولم يدركه سليمان بن يسار، وعبيد الله بن العبَّاس قد بقي إلى دهر يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، وسليمان بن يسار يقول في هذا الحديث: (حدَّثني) وهذا أولى بالصَّواب إن شاء الله (5). وقال ابن أبي حاتم في " المراسيل ": سمعت أبي يقول: ابن سيرين لم يسمع من عبيد الله بن عبد الله بن عبَّاس، يروي عن يحيى بن أبي كثير عن سليمان بن يسار عن عبيد الله بن عبد الله بن عبَّاس (6). كذا قال، والله أعلم. وقال البخاريُّ: أصحُّ شيءٍ في هذا ما روى ابن عبَّاس عن الفضل (7) O.
2035 - قال أحمد: وثنا إسحاق بن يوسف عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عبد الله بن عطاء عن سليمان بن بريدة عن أبيه: أنَّ امرأةً أتت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: إنَّ أمِّي ماتت ولم تحجَّ، فيجزئها أن أحجَّ عنها؟ قال: "نعم" (1). انفرد بإخراجه مسلمٌ (2). ز: هذا الحديث إنَّما فيه الحجُّ عن الميِّت لا عن المعضوب، والله أعلم O. 2036 - قال التَّرمذيُّ: ثنا يوسف بن عيسى ثنا وكيع عن شعبة عن النُّعمان بن سالم عن عمرو بن أوس عن أبي رَزِبن العقيليِّ أنَّه أتى النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، إنَّ أبي شيخٌ كبيرٌ لا يستطيع الحجَّ والعمرة ولا الظَّعن. قال: " حجَّ عن أبيك واعتمر ". قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (3). ز: روى هذا الحديث أبو داود الطَّيالسيُّ عن شعبة (4). ورواه الإمام أحمد (5) وأبو داود (6) والنَّسائيُّ (7) وابن ماجة (8) كلُّهم
من رواية شعبة. 2037 - وقال البيهقيُّ: أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق وأبو بكر بن الحسن قالا: ثنا أبو العبَّاس محمَّد بن يعقوب ثنا محمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم أنا ابن وهب أخبرني مالك بن أنس عن أيُّوب بن أبي تميمة عن محمَّد بن سيرين عن عبد الله بن عبَّاس: أنَّ رجلاً أتى النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إنَّ أمِّي امرأة كبيرة، لا نستطيع أن نركبها على البعير، لا تستمسك، وإن ربطتُها خفت أن تموت، أفأحجُّ عنها؟ قال: " نعم " (1). قال الإمام أحمد بن حنبل (2) وعليُّ بن المدينيِّ (3) ويحيى بن معين (4) وغيرهم: لم يسمع ابن سيرين من ابن عبَّاس. وقد روى البخاريُّ في "صحيحه" حديثًا من رواية أيُّوب عن ابن سيرين عن ابن عبَّاس (5)، فالله أعلم. وقال البيهقيُّ- بعد أن روى هذا الحديث-: روايات ابن سيرين عن ابن عبَّاس تكون مرسلة، وقد روي عن عوف بن أبي جميلة عن ابن سيرين عن أبي هريرة، ورواية أيُّوب أصحُّ، والله أعلم (6). 2038 - أخبرنا أبو الحسن عليُّ بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد ثنا عبيد بن شَريك ثنا صفوان ثنا الوليد- يعني: ابن مسلم- ثنا شعيب بن زريق
مسألة (386): يجوز لمن لا مال له أن يستنيب في الحج، ويقع عن
قال: سمعت عطاء الخراسانيَّ عن أبي الغوث بن الحصن الخثعميِّ قال: قلت: يا رسول الله، إن أبي أدركته فريضة الله في الحجِّ وهو شيخٌ كبيرٌ، لا يتمالك على الرَّاحلة، فما ترى أن أحجَّ عنه؟ قال: " نعم، حجَّ عنه ". قال: يا رسول الله، وكذلك من مات من أهلنا ولم يوص بحجٍّ، فنحجُّ عنه؟ قال: " نعم، وتؤجرون ". قال: ويتصدق عنه [] (1) ويصام عنه؟ قال: " نعم، والصَّدقة أفضل، وكذلك في النُّذور، والمشي إلى المسجد " (2). قال البيهقيُّ: إسناده ضعيفٌ (3) O. ***** مسألة (386): يجوز لمن لا مال له أن يستنيب في الحجِّ، ويقع عن المحجوج عنه. وقال أبو حنيفة: لا يجوز ذلك، وإنَّما يستنيب [] (4) من له مال، ليحصل له ثواب النفقة فحسب. لنا: حديث الخثعميَّة، وقد سبق (5). *****
مسألة (387): لا يسقط الحج والزكاة بالموت.
مسألة (387): لا يسقط الحجُّ والزَّكاة بالموت. وقال أبو حنيفة ومالك: يسقط، إلا أن يوصي بهما. لنا: خبر ابن عبَّاس، وأنَّه شبهه بالدَّين، وقد سبق (1). وكذلك خبر بريدة، وقد سبق (2). ز: 2039 - قال البيهقيُّ: أخبرنا أبو الحسن عليُّ بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصَّفَّار ثنا إسماعيل بن إسحاق أنا مسدَّد ثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عبَّاس أنَّ امرأة جاءت إل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: يعني (3) أنَّ أمِّي نذرت أن تحجَّ فماتت قبل أن تحجَّ، أفأحجُّ عنها؟ قال: " نعم، فحجِّي عنها، أرأيت لو كان على أمِّك دينٌ، أكنت قاضيته؟ " قالت: نعم. قال: " فاقضوا الله، فإنَّ الله أحقُّ بالوفاء ". رواه البخاريُّ في " الصَّّحيح " (4) عن مسدَّد (5) O. ***** مسألة (388): لا يسقط الحجُّ بكون البحر بينه وبين مكَّة، إذا كان غالبه السَّلامة. وقال الشَّافعيُّ- في أحد قوليه-: يسقط.
2040 - قال سعيد بن منصور: ثنا إسماعيل بن زكريا عن مطرِّف (1) عن بشر أبي عبد الله عن بشير بن مسلم عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يركب البحر إلا حاجٌ أو معتمرٌ أو غازٍ في سبيل الله، فإنَّ نحت البحر نارًا، ونحت النَّار بحرًا ". وقال إسماعيل عن ليث عن مجاهد: لا يركب البحر إلا حاجًا أو معتمرًا أو غازيًا في سبيل الله. ز: رواه أبو داود عن سعيد بن منصور (2). وقال الحافظ أبو القاسم: رواه محمَّد بن الصَّبَّاح عن صالح بن عمر عن مطرِّف بن طريف عن بشير بن مسلم عن عبد الله (3). ورواه أبو حمزة السُّكريُّ عن مطرِّف عن بشير أبي عبد الله عن عبد الله ابن عمر (4). ورواه أحمد بن إبراهيم الموصليُّ عن صالح بن عمر عن مطرِّف عن بشير ابن مسلم عن عبد الله بن عمرو. ولم يذكر بينهما أحدًا (5). 2041 - وقال البيهقيُّ: أخبرنا محمَّد بن عبد الله الحافظ أخبرني أبو بكر أحمد بن إسحاق أنا الحسن بن سهل بن سختويه ثنا سعيد بن سليمان عن إسماعيل بن زكريا وصالح بن عمر عن مطرِّف بن طَريف عن بشير بن مسلم عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يركبنَّ رجلٌ بحرًا إلا غازيًا أو
مسألة (389): من عليه فرض الحج لا يصح أن يحج عن غيره.
معتمرًا أو حاجًا، وإنَّ تحت البحر نرًا، وتحت النَّار بحرًا ". أخبرنا أبو بكر الفارسيُّ أنا إبراهيم بن عبد الله الأصبهانيُّ ثنا أبو أحمد بن فارس قال: قال محمَّد بن إسماعيل البخاريُّ (1): لم يصحَّ حديثه. يعني حديث بشير بن مسلم هذا (2) O. ***** مسألة (389): من عليه فرض الحجِّ لا يصحُّ أن يحجَّ عن غيره. وعنه: يجوز، كقول أبي حنيفة ومالك. لنا حديثان: 2042 - الحديث الأوَّل: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمَّد بن مخلد ثنا عبَّاس (3) بن محمَّد ثنا سورة بن الحكم ثنا عبد الله بن حبيب بن أبي ثابت عن عطاء عن ابن عبَّاس عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه سمع رجلاً يلبِّي عن آخر، فقال له: " إن كنت حججت عن نفسك فلبِّ عنه، وإلا فاحجج عن نفسك " (4). ز: هذا الحديث بهذا الإسناد غير مخرَّج في شيءٍ من " السُّنن الأربعة ". وسورة بن الحكم البغداديُّ- صاحب الرأي-: روى عن سويد أبي حاتم وسليمان بن أرقم وغيرهما، روى عنه محمَّد بن هارون الفلاس المخرميُّ والحسن بن داود المؤدِّب وعبَّاس الدُّوريُّ وغيرهم، ولا نعلم أحدًا تكلَّم فيه.
والصَّحيح أنَّ هذا الحديث مرسلٌ. 2043 - قال الشَّافعيُّ: أخبرنا مسلم- يعني: ابن خالد- عن ابن جريج عن عطاء قال: سمع النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً يقول: لبَّيك عن فلان. فقال له النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن كنت حججت فلبِّ عنه، وإلا فاحجج عن نفسك، ثمَّ احجج عنه " (1). وكذلك رواه سفيان الثَّوريُّ عن ابن جريج مرسلاً، والله أعلم O. 2044 - الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا ابن صاعد ثنا يعقوب بن إبراهيم ثنا هُشيم ثنا ابن أبي ليلى عن عطاء عن عائشة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سمع رجلاً يلبِّي عن شُبْرمة، فقال: " أحججت عن نفسك؟ " قال: لا. قال: "فاحجج عن نفسك، ثم احجج عن شُبْرمة " (2). ز: حديث عائشة ليس مخرجًا في شيءٍ من " السُّنن " أيضًا، وقد اختلف على ابن أبي ليلى فيه: فرواه عنه هُشيم هكذا. ورواه شَريك وإبراهيم بن طهمان عنه عن عطاء عن ابن عبَّاس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى رجلاً يلبِّي عن رجل .... الحديث. ورواه ابن جريج عن عطاء عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً، وهو أصحُّ كما تقدَّم O. *****
مسألة (390): فإذا أحرم الصرورة بحجة نفل انعقدت عن فرضه.
مسألة (390): فإذا أحرم الصَّرُورَة بحجَّة نفلٍ انعقدت عن فرضه. وعن أحمد: أنَّها تقع نفلاً، كقول أبي حنيفة. استدَّل أصحابنا بالحديث المتقدِّم، وقالوا: معنى قوله: " حجَ عن نفسك ": استدم هذا الحجَّ بعزم أنَّه لك. قالوا: وله ألفاظٌ صريحةٌ فيما قلنا. 2045 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمَّد بن مخلد ثنا محمَّد بن الحسن بن نافع الباهليُّ ثنا أبو بكر الكليبيُّ ثنا الحسن بن ذكوان ثنا عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عبَّاس قال: سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً يقول: لبَّيك عن شُبْرمة. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هل حججت قطُّ؟ " قال: لا. قال: " هذه عنك، وحجَّ عن شُبْرمة" (1). 2046 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا الحسين، بن إسماعيل قال: حدَّثني هارون بن إسحاق الهمدانيُّ ثنا عَبْدة بن سليمان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة (2) عن عَزْرَة عن سعيد بن جبير عن ابن عبَّاس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سمع رجلاً يقول: لبَّيك عن شبرمة. فقال: " هل حججت قطُّ؟ " قال: لا. قال: "فاجعل هذه عنك، ثم لبِّ عن شُبْرمة " (3). 2047 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا يعقوب بن عبد الرَّحمن المذكِّر ثنا حميد بن الرَّبيع ثنا محمَّد بن بشر ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن عَزْرَة عن سعيد بن جبير عن ابن عبَّاس قال: سمع النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً يلبِّي عن شُبْرمة،
فقال: "أحججت؟ " قال: لا. قال: " لبِّ عن لفسك، ثمَّ لبِّ عن شُبْرمة" (1). قال المصنِّف: في هذه الأحاديث مقال: أمَّا الأوَّل: ففيه الحسن بن ذكران، قال أحمد: أحاديثه أباطيل (2). وقال يحيى: ضعيفٌ (3). وفي الحديث الثَّاني: عَزْرَة، قال يحيى: لا شيء (4). وفي الثَّالث: حميد بن الرَّبيع، قال يحيى: كذَّاب (5). ز: الحديث الأوَّل: لم يخرِّجه أصحاب " السُّنن "، وكلام المؤلِّف في الحسن بن ذكوان دون الرَّاوي عنه فيه تقصير؛ فإنَّ الحسن روى له المخاريُّ في "صحيحه" (6)، وروى عنه يحيى القطَّان وابن المبارك، وقال النَّسائيُّ: ليس بالقويِّ (7). وذكره ابن حِبَّان في "الثِّقات" (8)، وتكلَّم فيه غير واحد، وقال
ابن عَدِيٍّ: يروي أحاديث لا يرويها غيره، على أنَّ يحيى القطَّان وابن المبارك قد رويا عنه، وناهيك به جلالة أن يرويا عنه، وأرجو أنَّه لا بأس به (1). وأمَّا الرَّاوي عنه: فهو أبو بكر الكليبيُّ، واسمه عبَّاد بن صُهيب، وقد تركوه. قاله البخاريُّ (2)، وقال ابن أبي حاتم: روى عنه من لم يفهم العلم (3). وقال ابن المدينيِّ: ذهب حديثه (4). وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، منكر الحديث، ترك حديثه (5). وقال النَّسائيُّ (6) والدُّولابيُّ (7): متروك الحديث. وقد روي عن ابن معين أنَّه قال: عبَّاد بن صهيب أثبت من أبي عاصم النَّبيل! (8) وما أطنُّ ذلك يثبت عنه، والله أعلم. وأمَّا الرَّاوي عن الكليبي فهو: محمَّد بن الحسن بن نافع أبو عوانة الباهليُّ البصريُّ، قدم بغداد، روى عنه ابن مخلد والصَّفَّار أحاديث مستقيمة. قاله الخطيب (9). وأمَّا الحديث الثَّاني: فرواه أبو داود عن إسحاق بن إسماعيل
وهنَّاد (1)، ورواه ابن ماجة عن محمَّد بن عبد الله بن نمير (2)، ثلاثتهم عن عَبْدة بن سليمان به. وقال يحيى بن معين: أثبت النَّاس سماعًا من سعيد: عَبْدة بن سليمان (3). وقد تابعه أبو يوسف القاضي ومحمَّد بن بشر العبديُّ ومحمَّد بن عبد الله الأنصاريُّ عن سعيد بن أبي عروبة. ورواه الحسن بن صالح بن حيٍّ ومحمَّد بن جعفر (غُنْدر) عن سعيد موقوفًا. ورواه عبد الوهَّاب بن عطاء عن سعيد عن قتادة عن سعيد بن جبير عن ابن عبَّاس موقوفًا، ولم يذكر عَزْرَة في إسناده. وكذلك رواه عمرو بن الحارث المصريُّ عن قتادة، وقال في روايته: (عن قتادة أنَّ سعيد بن جبير حدَّثه) وذلك معدودٌ في أوهامه، فإنَّ قتادة لم يلق سعيد بن جبير، فيما قاله يحيى بن معين (4) وغيره، والله أعلم. وقال الأثرم: قال أبو عبد الله في هذا الحديث: رفعه خطأٌ. وقال: رواه عدَّةٌ موقوفًا على ابن عبَّاس (5). وقال البيهقيُّ: ومن رواه مرفوعًا حافظٌ ثقةٌ، فلا يضره خلاف من
خالفه، وعَزْرَة هذا هو: عَزْرَة بن يحيى، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال (1): سمعت أبا عليٍّ الحافظ يقول ذلك. وقد روى قتادة عن عَزْرَة بن تميم، وعن عَزْرَة بن عبد الرَّحمن (2) 0 انتهى ما ذكره. وعَزْرَة راوي هذا الحديث ليس هو عَزْرَة بن يحيى، ولا يعرف في الرُّواة عَزْرَة بن يحيى، وإنَّما هو عَزْرَة بن عبد الرَّحمن الخزاعيُّ، وقد روى له مسلمٌ في "صحيحه" (3)، ووثَّقه ابن المدينيِّ (4)، وقال ابن معين: عَزْرَة الذي يروي عنه قتادة ثقةٌ (5). وقال النَّسائيُّ: عَزْرَة الذي يروي عنه قتادة ليس بذاك القوي (6).
وقول المؤلِّف: (وفي الحديث الثَّاني: عزرة، قال يحيى: لا شيء) وهمٌ فاحش، فإنَّ قول يحيى هذا إنَّما هو في عزرة بن قيس اليحمديِّ البصريِّ، الذي روى عنه مسلم بن إبراهيم وأحمد بن إسحاق الحضرميُّ؛ وأمَّا راوي هذا الحديث فإنَّ يحيى وثَّقه كما ذُكر. وأمَّا الحديث الثَّالث: فلم يروه أحدٌ من أصحاب " السُّنن " من حديث محمَّد بن بشر عن سعيد. وحميد بن الرَّبيع راويه عن محمَّد بن بشر: قال ابن عَدِيٍّ: كان يسرق الحديث، ويرفع أحاديث موقوفة (1). وقال محمَّد بن عثمان بن أبي شيبة: قال أبي: أنا أعلم النَّاس بحميد بن الرَّبيع، هو ثقةٌ، لكنه شره يدلِّس (2). قال الدَّارَقُطْنِيُّ: تكلَّموا فيه (3). وقال البرقانيُّ: رأيت الدَّارَقُطْنِيَّ يحسن القول فيه (4). ويعقوب بن عبد الرَّحمن شيخ الدَّارَقُطْنِيِّ هو: أبو يوسف الجصَّاص، في حديثه وهمٌ كثيرٌ، والله أعلم O. احتجوا: 2048 - بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ، قال: ثنا محمَّد بن مخلد ثنا عبيد الله بن
مسألة (391): يصح إحرام الصبي، وعليه الكفارة بالمحطورات.
سعد الزُّهريُّ (1) ثنا عمِّي ثنا أبي عن ابن إسحاق قال: حدَّثني الحسن بن عمارة عن عبد الملك بن ميسرة عن طاوس عن ابن عبَّاس قال: مرَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برجلٍ وهو يقول: لبَّيك عن نُبيشة. فقال: " يا هذا المهل عن نُبيشة، هي عن نُبيشة، واحجج عن نفسك ". وفي لفظِ: " هذه عن نُبيشة، وحجَّ عن نفسك " (2). قال المصنِّف: هذان اللفظان تفرَّد بهما الحسن بن عمارة، وهو الذى كان يقول مكان (شبرمة): (نُبيشة)، ثمَّ رجع إلى الصَّواب في آخر عمره. قال شعبة: كان الحسن بن عمارة كذَّابًا، يحدِّث بأحاديث قد وضعها (3). وقال يحيى: كان يكذب، وقال زكريا السَّاجيُّ: أجمعوا على ترك حديثه (4). ***** مسألة (391): يصحُّ إحرام الصَّبي، وعليه الكفَّارة بالمحطورات. وقال أبو حنيفة: لا يصحُّ. 2049 - قال الإمام أحمد: ثنا سفيان عن إبراهيم بن (5) عقبة عن
كُريب عن ابن عبَّاس قال: كان النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالرَّوحاء، فأخذت امرأة بعضد صبيٍّ فأخرجته من مِحَفَّتِها (1)، فقالت: يا رسول الله، هل لهذا حجٌّ؟ قال: " لعم، ولك أجرٌ " (2). انفرد بإخراجه مسلمٌ (3). 2050 - وقال الترمذيِّ: ثنا محمَّد بن طريف الكوفيُّ ثنا أبو معاوية عن محمَّد بن سُوقة عن محمَّد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: رفعت امرأة صبيًّا لها إلى رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت: يا رسول الله، ألهذا حجٌّ؟ قال: " نعم، ولك أجرٌ " (4). 2051 - قال التِّزمذيُّ: وثنا محمَّد بن إسماعيل الواسطيُّ قال: سمعت ابن نمير عن (5) أشعث بن سَوَّار عن أبي الزُّبير عن جابر قال: كنَّا إذا حججنا مع النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نلبِّي عن النِّساء، ونرمي عن الصِّبيان (6). وفي لفظ آخر: أحرمنا عن الصِّبيان، وأحرمت النِّساء عن أنفسها. قال التِّرمذيُّ: الحديثان غريبان. ز: الحديث الأوَّل: رواه أبو داود أيضًا عن أحمد بن حنبل (7)، ورواه
مسألة (392): يجب الحج على الفور.
النَّسائيُّ عن غير واحد عن سفيان (1) ورواه ابن مهدي عن الثَّوريِّ عن إبراهيم فأرسله، والله أعلم. الحديث الثَّاني: رواه ابن ماجة عن عليِّ بن محمَّد ومحمَّد بن طريف كلاهما عن أبي معاوية به (2). والحديث الثَّالث: رواه ابن ماجة أيضًا عن أبي بكر بن أبي شيبة عن ابن نمير (3). وأشعث بن سَوَّار: ضعَّفه النَّسائيُّ (4) والدَّارَقُطْنِيُّ (5) وغيرهما، وروي عن يحيى بن معين أنَّه وثَّقه (6)، والله أعلم O. ***** مسألة (392): يجب الحجُّ على الفور. وقال الشَّافعيُّ: لا يجب على الفور. لنا أربعة أحاديث: 2052 - الحديث الأوَّل: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أحمد بن عبد الله بن
محمَّد الوكيل ثنا الحسن بن عرفة ثنا مروان بن معاوية الفزاريُّ (1) عن الحجَّاج الصَّوَّاف عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة قال: حدَّثني الحجَّاج بن عمرو الأنصاريُّ قال: قال رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من كسر أو عرج فقد حلَّ، وعليه الحجُّ من قابل ". قال عكرمة: فسألت أبا هريرة وابن عبَّاس فقالا: صدق (2). ز: روى هذا الحديث الإمام أحمد بن حنبل (3) وأبو داود (4) والتِّرمذيُّ (5) والنَّسائيُّ (6) وابن ماجة (7) من رواية حجَّاج الصَّوَّاف عن يحيى. قال التِّرمذيُّ: وروى معمر ومعاوية بن سلام عن يحيى عن عكرمة عن عبد الله بن رافع عن الحجَّاج. وسمعت محمَّدًا يقول: رواية معمر ومعاوية أصحُّ (8). وسئل عنه عليُّ بن المدينيِّ فقال: رواه حجَّاج عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة قال: سمعت الحجَّاج بن عمرو. ورواه يزيد بن أبي حبيب عن عكرمة عن عبد الله بن رافع. والحجَّاج الصَّوَّاف عن يحيى بن أبي كثير أثبت (9) O.
2053 - الحديث الثَّاني: قال التِّرمذيُّ: حدثنا محمَّد بن يحيى القُطَعيُّ ثنا مسلم بن إبراهيم (1) ثنا هلال بن عبد الله- مولى ربيعة بن عمرو- ثنا أبو إسحاق الهمدانيُّ عن الحارث عن عليٍّ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من ملك زادًا وراحلةً تبلغه إلى بيت الله ولم يحجَّ، فلا عليه أن يموت يهوديًّا أو نصرانيًّا ". قال التِّرمذيُّ: هذا حديث غريبٌ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وفي إسناده مقالٌ، وهلالٌ مجهولٌ، والحارث يُضعَّف في الحديث (2). قال المصنِّف: قلت: الحارث قد كذَّبه الشَّعبيُّ (3) وابن المدينيِّ (4). ز: هذا الحديث لم يروه من أصحاب " السُّنن " غير التِّرمذيِّ. وهلال: قال فيه البخاريُّ: منكر الحديث (5). وقال الحاكم أبو أحمد: ليس بالقويِّ عندهم (6). وقال ابن عَدِيٍّ: هو معروفٌ بهذا الحديث، وليس الحديث بمحفوظٍ (7) O. 2054 - الحديث الثَّالث: قال أبو أحمد بن عَدِيٍّ: أخبرنا أحمد بن يحيى بن زهير ثنا عبد الرَّحمن بن سعيد ثنا عبد الرَّحمن بن القُطامي (8) ثنا
أبو المُهَزِّم (1) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من مات ولم يحجَّ حجَّة الإسلام في غير وجعٍ حابسٍ، أو حُجَّة ظاهرة، أو سلطانٍ جائرٍ، فليمت أيُّ الميتتين: إمَّا يهوديًّا أو نصرانيًّا " (2). قال المصنِّف: أبو المُهَزِّم اسمه: يزيد بن سفيان، قال يحيى بن معين: ليس حديثه بشيءٍ (3). وقال النَّسائيُّ: متروك الحديث (4). وأمَّا عبد الرَّحمن بن (5) القُطامي: فقال عمرو بن عليٍّ الفلاس: كان كذَّابًا (6). وقال ابن حِبَّان: يجب تنكب رواياته (7). ز: ذكر ابن عَدِيٍّ هذا الحديث في ترجمة عبد الرَّحمن، وذكر له غيره، ثمَّ قال: وعبد الرَّحمن بن القُطامي له غير ما ذكرت من الحديث، وليس بالكثير (8). وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: عبد الرَّحمن بن القُطامي روى عن أبي المُهَزِّم عن أبي هريرة نسخة موضوعةً (9). وكان السَّاجيُّ يقول: عبد الرَّحمن القُطامي (10). والصَّواب: ابن القُطامي، والله أعلم O. 2055 - الحديث الرَّابع: قال المؤلِّف: أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن
محمَّد الأصبهانيُّ- قدم علينا- أنا عبد الرَّزَّاق بن عمر بن شمة أنا أبو بكر محمَّد ابن إبراهيم بن زاذان بن المقرئ ثنا أبو عروبة الحرَّانيُّ ثنا المغيرة بن عبد الرَّحمن ثنا يزيد بن هارون ثنا شَريك عن ليث عن عبد الرَّحمن بن سابط عن أبي أمامة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من لم يحبسه مرضٌ، أو حاجةٌ ظاهرةٌ، أو سلطانٌ جائرٌ، ولم يحجَّ، فليمت إن شاء يهوديًّا، وإن شاء نصرانيًّا ". قال يحيى بن معين: المغيرة ليس بشيءٍ (1). وليث: قد تركه يحيى بن معين وابن مهدي وأحمد (2). وقد رواه عمَّار بن نمر (3) عن شَريك عن سالم عن أبي أمامة. قال العقيليُّ: عمَّار يحدِّث عن الثِّقات بالمناكير (4). وقال ابن عَدِيٍّ: متروك الحديث (5). ز: حديث أبي أمامة هذا لم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب " السُّنن "، وكلام المؤلِّف عليه فيه نظرٌ من وجوه: أحدها: قوله: (قال يحيى بن معين: المغيرة ليس بشيءٍ) فإنَّ المغيرة الذي قال فيه يحيى هذا الكلام هو: المغيرة بن عبد الرَّحمن الحزاميُّ، وهو
متقدِّم على راوي هذا الحديث، يروي عن أبي الزِّناد وغيره، ويروي عنه قتيبة وغيره، وهو من رجال "الصَّحيحين" (1). وأمَّا راوي هذا الحديث فهو: الحرانيُّ، شيخٌ متأخرٌ، روى عنه النَّسائيُّ ووثَّقه (2)، ولا نعرف أحدًا تكلَّم فيه. وقد ذكر المؤلِّف الحزاميَّ في كتاب " الجرح والتَّعديل " وحكى كلام يحيى فيه، ثمَّ قال: وجملة من في الحديث اسمه (مغيرة بن عبد الرَّحمن) ستَّةٌ، لا نعرف قدحًا في أحدٍ منهم غيره (3). الوجه الثَّاني: أنَّ هذا الحديث لم ينفرد به المغيرة عن يزيد، فقد رواه محمَّد بن أسلم الطوسيُّ الإمام عن يزيد، ورواه البغويُّ في تفسير سورة " آل عمران " من رواية سهل بن عمَّار عن يزيد (4)، وسهل كذَّبه الحاكم (5). وقد رواه عن شريك غير يزيد: 2056 - قال أبو يعلى الموصليُّ: ثنا بشر بن الوليد الكنديُّ ثنا شَريك عن ليث عن عبد الرَّحمن بن سابط عن أبي أمامة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من لم يمنعه من الحجِّ مرضٌ حابسٌ أو حاجةٌ، فليمت إن شاء يهوديًّا، وإن شاء نصرانيًّا " (6). 2057 - وقال البيهقيُّ: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العبَّاس محمَّد
ابن يعقوب ثنا محمَّد بن إسحاق أنا شاذان ثنا شَريك عن ليث عن ابن سابط عن أبي أمامة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من لم يحبسه مرضٌ، أو حاجةٌ ظاهرةٌ، أو سلطانٌ جائرٌ، ولم يحجَّ، فليمت إن شاء يهوديًّا أو نصرانيًّا ". وهذا وإن كان إسناده غير قويٍّ، فله شاهدٌ من قول عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه: 2058 - أخبرنا محمَّد بن عبد الله الحافظ وأبو صادق بن أبي الفوارس الصَّيدلانيُّ قالا: ثنا أبو العبَّاس محمَّد بن يعقوب ثنا محمَّد بن إسحاق ثنا حجَّاج قال: قال ابن جريج: أخبرني عبد الله بن نعيم أنَّ الضَّحَّاك بن عبد الرَّحمن الأشعريَّ أخبره أنَّ عبد الرَّحمن بن غَنْم أخبره أنَّه سمع عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه يقول: ليمت يهوديًّا أو نصرانيًّا- يقولها ثلاث مرَّات- رجلٌ مات ولم يحجَّ، وجد لذلك سعة وخليَّت سبيله، فحجَّة أحجُّها وأنا صَرُورة أحبُّّ إليَّ من ستِّ غزواتٍ أو سبع- ابن نعيم يشكُّ-، ولغزوة أغزوها بعد ما أحجُّ أحبُّ إليَّ من سمتِّ حجَّاتٍ أو سبعٍ- ابن نعيم يشكُّ فيهما (1) -. انتهى ما رواه. وقد روى الحديث عن ليث غير شَريك مرسلاً، وهو أشبه بالصَّواب: 2059 - قال الإمام أحمد بن حنبل في كتاب " الإيمان ": ثنا وكيع عن سفيان عن ليث عن ابن سابط قال: قال رسول اللهءصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من مات ولم يحجَّ لم يمنعه من ذلك مرضٌ حابسٌ أو سلطانٌ ظالمٌ أو حاجةٌ ظاهرةٌ، قليمت على أي حال شاء: إن شاء يهوديًّا، وإن شاء نصرانيًّا ". 2060 - ثنا إسماعيل بن إبراهيم عن ليث عن عبد الرَّحمن بن سابط قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من مات ولم يحجَّ حجَّة الإسلام، ولم يمنعه من
ذلك حاجةٌ ظاهرةٌ، أو مرضٌ حابسٌ، أو سلطانٌ ظالمٌ، فليمت على أيِّ حال شاء: إن شاء يهوديًّا، وإن شاء نصرانيًّا " (1). هكذا رواه أحمد من رواية الثَّوريِّ، وابن عُليَّة عن ليث مرسلاً، وهو الصَّحيح. الوجه الثَّالث: قوله: (وليث قد تركه يحيى بن معين وابن مهدي وأحمد) ليس بصحيحٍ، وقد روى ابن مهدي عن سفيان وغيره عنه، وقد تقدَّم الكلام على ذلك بما فيه كفاية في كراهية إفراد يوم الجمعة بالصَّوم (2). الوجه الرَّابع: قوله:) قد رواه عمَّار بن نصر عن شَريك (وإنَّما هو عمَّار بن مطر الرَّهاويُّ، ولعلَّ الغلط في هذا من النُّسخة، فإنِّي رأيته مصلَّحًا: (نصر)، والظَّاهر أنَّه كان مكتوبًا على الصَّواب. 2061 - قال أبو يعلى الموصليُّ: ثنا عبد الله بن عبد الصَّمد ثنا عمَّار بن مطر- من أهل الرَّها- عن شَريك عن منصور عن سالم بن أبي الجَعْد عن أبي أمامة قال: قال رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من لم يمنعه من الحجِّ مرضٌ حابسٌ، أو حاجةٌ،
فليمت إن شاء يهوديًّا، وإن شاء نصرانيًّا " (1). وقد ذكر ابن عَدِيٍّ هذا الحديث في ترجمة عمَّار بن مطر، وقال: وهذا الحديث عن شَريك غير محفوظٍ، وعمَّار بن مطر الضَّعف على رواياته بيِّنٌ (2). الوجه الخامس: قوله: (عن شريك عن سالم عن أبي أمامة) وإنَّما هو: (عن شريك عن منصور عن سالم) كما ذكر، والله أعلم O. 2062 - وقال سعيد بن منصور: ثنا هُشيم أنا منصور عن الحسن قال: قال عمر بن الخطَّاب: لقد هممت أن أبعث رجالاً إل هذه الأمصار فينظروا كلَّ من كان له جِدةٌ ولم يحجَّ فليضربوا عليهم الجزية، ما هم بمسلمين، ماهم بمسلمين. ز: هذا الأثر مرسلٌ، لأنَّ الحسن لم يسمع من عمر رضي الله عنه، وقد رواه الإمام أحمد في " الإيمان " عن هُشيم (3) وقال: 2063 - حدَّثنا محمَّد بن جعفر ثنا شعبة عن الحكم عن عَدِيِّ بن عَدِيٍّ عن الضَّحَّاك بن عبد الرَّحمن بن عرزم (4) عن أبيه عن عمر قال: من كان ذا يسار فمات ولم يحجَّ، فليمت إن شاء يهوديًّا، وإن شاء نصرانيًّا (5).
2064 - حدَّثنا هُشيم أنا منصور (1) عن الحكم عن عَدِيِّ بن عَدِيٍّ عن الضَّحَّاك بن عرزم (2) قال: قال عمر: من مات وهو موص ولم يحجَّ، فليمت إن شاء يهوديًّا، وإن شاء نصرانيًّا (3). قال: إنَّما هو عرزب. قال أبو معين: أهل الشَّام يقولون: عرزم، وأهل العراق يقولون: عرزب. هكذا رواه وليس فيه: (عن أبيه)، وفي رواية شعبة: (عن أبيه). وأبو معين هو راوي كتاب " الإيمان " عن أحمد، واسمه: الحسين بن الحسن (4)، والله أعلم O. أمَّا حجَّتُهم: 2065 - فرووا عن أبي سعيد عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " من أحبَّ أن يرجع بعمرةٍ قبل الحجِّ فليفعل ". وهذا لا يعرف، إنَّما روي: " من أحبَّ أن يبدأ بعمرة قبل الحجِّ
فليفعل " (1). وهذا هو التَّمتع. واحتجُّوا بأنَّ فريضة الحجِّ نزلت في سنة خمس، بدليل: 2066 - ما أخبرنا به ابن الحصين- ثُمَّ ذكر إسناده المعروف إلى الإمام أحمد- قال: ثنا يعقوب ثنا أبي عن محمَّد بن إسحاق قال: حدَّثني محمَّد بن الوليد بن نفيع (2) عن كريب عن عبد الله بن عبَّاس قال: بعثَتْ بنو سعد (3) بن بكرٍ: ضمامَ بنَ ثعلبة، وافدًا إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكر له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرائض الإسلام: الزَّكاة والصِّيام والحجَّ (4). وقد رواه (5) شَريك عن كُريب فقال فيه: بعثَتْ بنو سعدٍ ضمامًا في رجب سنة خمس. قالوا: وإذا ثبت أنَّ الحجَّ قد وجب في سنة خمس فقد أخَّره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى سنة عشر، فدلَّ على أنَّ الوجوب على التَّراخي. وجواب هذا: أنَّه قد روي أنَّ ضمامًا قدم في سنة تسع، فإن صحَّت الرِّواية الأخرى، فعن تأخير رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جوابان: أحدهما: أنَّ الله تعالى أعلم نبيَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه لا يموت حتَّى يحجَّ، وكان على
يقين من الإدراك (1). قاله أبو زيد الحنفيُّ. والثَّاني: أنَّه أخَّر لعذرٍ، وقد كانت له خمسة أعذار: أحدها: الفقر؛ والثَّاني: الخوف على نفسه؛ والثَّالث: الخوف على المدينة من المشركين واليهود؛ والرَّابع: أن يكون رأى تقديم الجهاد؛ والخامس: غلبة المشركين على مكَّة، وكونهم يحجُّون ويظهرون الشِّرك، ولا يمكنه الإنكار عليهم. فإن قيل: فعلى هذا فكيف أخَّره بعد الفتح؟ فجوابه من وجهين: أحدهما: أنَّه لم يؤمر بمنع حجَّاج المشركين، فلو حجَّ لاختلط الكفَّار بالمسلمين، فكان ذلك كالعذر، فلمَّا أُمر بمنع المشركين من الحجِّ، بعث أبا بكر في سنة تسع فنادى: أن لا يحجَّ بعد العام مشركٌ، ثُمَّ حجَّ عند زوال ما يكره. والثَّاني: أن يكون أخَّر الحجَّ لئلا يقع في غير ذي الحجَّة، من جهة النسيء الذي كانت العرب تستعمله، حتَّى يدور التَّحريم على جميع الشُّهور، فوافقت حجَّة أبي بكر ذا القَعدة، ثُمَّ حجَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذى الحجَّة. ز: حديث ابن عبَّاس: رواه الإمام أحمد في "المسند" مطوَّلاً، فيه ذكر التَّوحيد والصَّلاة، لكنَّ المؤلِّف اختصره. وفيه: محمَّد بن الوليد بن نويفع- لا: نفيع-، وهو القرشيُّ الأسديُّ، ذكره ابن حِبَّان في "الثِّقات" (2)، وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: يعتير به (3).
مسألة (393): الأفضل أن يحرم من الميقات.
وقد روى له أبو داود هذا الحديث الواحد مقرونًا بغيره، فرواه عن محمَّد ابن عمرو زُنَيْج الرَّازيِّ عن سلمة بن الفضل عن ابن إسحاق عن سلمة بن كُهيل ومحمَّد بن الوليد بن نويفع كلاهما عن كُريب (1). وأمَّا رواية شَريك عن كُريب فلم يخرِّجها أحدٌ من أصحاب " الكتب الستة "، ولم أر لها سندًا، وشَريك الذي يروي عن كُريب هو: ابن أبي نمر، والله أعلم O. مسألة (393): الأفضل أن يحرم من الميقات. وقال أبو حنيفة: من دويرة أهله. وعن الشَّافعيِّ كالمذهبين. لنا: أنَّ رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحرم بالحجِّ وبأربع عُمر من الميقات- على ما يأتي ذكره، وما هو مشهور في الحديث-، ولا يداوم إلا على الأفضل. ***** مسألة (394): يستحب لمن أراد الإحرام أن يتطيَّب.
وقال مالك: يكره. 2067 - قال أحمد: حدَّثنا سفيان عن عبد الرَّحمن بن القاسم عن القاسم عن عائشة قالت: طيَّبت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيديَّ هاتن لحرمه حين أحرم، ولحلِّه قبل أن يطوف (1). 2068 - قال أحمد: وحدَّثنا عفَّان ثنا حمَّاد بن سلمة ثنا حمَّاد عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: كأنِّي أنظر إلى وبيص الطِّيب في مفرق رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد أيام وهو محرمٌ (2). الحديثان في "الصَّحيحين". ز: الحديث الأوَّل: أخرجاه من حديث مالك عن عبد الرَّحمن بن القاسم (3). ورواه البخاريُّ من حديث سفيان، وقال فيه: ثنا عبد الرَّحمن بن القاسم- وكان أفضل أهل زمانه- أنَّه سمع أباه- وكان أفضل أهل زمانه- .... فذكره (4). والحديث الثَّاني: لم يخرِّجه أحدٌ من أئمة "الكتب الستة" من حديث حمَّاد (5) عن حمَّاد (6) عن إبراهيم، وهو مخرَّجٌ في "الصَّحيحين" من حديث غير
مسألة (395): الأفضل أن يحرم عقيب ركعتين.
حمَّاد عن إبراهيم (1)، والله أعلم O. ***** مسألة (395): الأفضل أن يحرم عقيب ركعتين. وعنه: أنَّ الإحرام: عقيب الصَّلاة، وحن تستوي راحلتُه على البيداء= سواء. وقال مالكٌ: الأفضل حين تستوي به راحلتُه على البيداء. وعن الشافعيِّ كقولنا الأوَّل، وعنه: إذا سارت به راحلتُه (2). لنا: 2069 - ما روى الإمام أحمد، قال: حدَّثنا يعقوب ثنا أبي عن ابن إسحاق قال: حدَّثني خُصيف عن سعيد بن جبير قال: قلت لعبد الله بن عبَّاس: عجبت لاختلاف أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في إهلال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقال: إنِّي لأعلم بذلك (3)، إنَّها إنَّما كانت من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجَّة واحدة، فمن هناك اختلفوا، خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حاجًا، فلمَّا صلَّى في مسجده بذي الحليفة ركعتين أوجب في مجلسه، وأهلَّ بالحجِّ حين فرغ من ركعتيه، فسمع ذلك منه أقوام فحفظوه عنه؛ ثُمَّ ركب، فلما استقلَّت به ناقته أهلَّ، وأدرك منه
أقوام، وذلك أنَّ النَّاس إنَّما كانوا يأتون أرسالاً، فسمعوه حين استقلَّت به ناقته يهلُّ، فقالوا: إنَّما أهلَّ حين استقلَّت به ناقته؛ ثُمَّ مضى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلمَّا علا على شرف البيداء أهلَّ-، وأدرك ذلك منه أقوام، فقالوا: إنَّما أهلَّ حين علا شرف البيداء؛ وأيم الله لقد أوجب في مصلاه، وأهلَّ حين استقلَّت به ناقته، وأهلَّ حين علا على شرف البيداء (1). ز: رواه أبو داود عن محمَّد بن منصور الطُّوسيِّ عن يعقوب بن إبراهيم ابن سعد به (2). وخُصيف هو: ابن عبد الرَّحمن الجزريُّ، وقد ضعَّفه أحمد (3) وغيره، ووثَّقه أبو زرعة (4) وغره، وقال النَّسائيُّ: ليس بالقويِّ (5). وقال ابن عَدِيٍّ: وإذا حدَّث عن خُصيف ثقةٌ فلا بأس به وبرواياته (6) O. احتجُّوا بحديثين: 2070 - الحديث الأوَّل: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمَّد بن مخلد ثنا محمَّد ابن إسحاق الصَّاغانيُّ ثنا أحمد بن أبي الطَّيِّب قال: قرئ على أبي بكر بن عيَّاش فأقرَّ به عن يعقوب بن عطاء عن أبيه عن ابن عبَّاس قال: اغتسل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ لبس ثيابه، فلمَّا أتى ذا الحليفة صلَّى ركعتن، ثُمَّ قعد على بعيره، فلمَّا استوى به على البيداء أحرم بالحجِّ (7).
ز: هذا الحديث لم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب " السُّنن ". ويعقوب بن عطاء بن أبي رباح: لا يحتجُّ به، وسيأتي كلام المؤلِّف عليه O. 2071 - الحديث الثَّاني: قال الإمام أحمد: حدَّثنا محمَّد بن عبيد عن عبيد الله (1) عن نافع عن ابن عمر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا أدخل رجله في الغرز، واستوت به ناقته قائمة، أهلَّ من مسجد ذي الحليفة (2). أخرجاه في "الصَّحيحين" (3). ز: كان في النُّسخة التي كتبت منها: (عن عبد الله) وهو وهمٌ، والصَّواب: (عن عبيد الله)، ولا يعرف لمحمَّد بن عبيد عن عبد الله رواية أصلاً، وقد وجدته في نسخة أخرى على الصَّواب. وليس هذا الحديث في "الصَّحيحين" من رواية محمَّد بن عبيد، إنَّما رواه البخاريُّ من حديث أبي أسامة، ومسلمٌ من حديث عليِّ بن مُسهر، كلاهما عن عبيد الله، والله أعلم O. والجواب من وجهين: أحدهما: أنَّ الحديث الأوَّل لا يصحُّ، قال أحمد (4)
مسألة (396): لا تستحب الزيادة على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويحيى (1): يعقوب بن عطاء ضعيفٌ. والثَّاني: أنَّه ذكر بعض ما جرى، وقد استوفاه في حديثنا، وذكر زيادة، وهذا جواب حديث ابن عمر. ***** مسألة (396): لا تستحب الزِّيادة على تلبية رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقال أبو حنيفة: تستحب. لنا: أنَّ جماعةً رووا صفة تلبيته، وقد قال: " خذوا عنِّي مناسككم ". 2072 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا هُشيم ثنا حميد عن بكر بن عبد الله عن ابن عمر قال: كانت تلبية رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لبَّيك اللهم لبَّيك، لبَّيك لا شربك لك لبَّيك، إنَّ الحمد والنِّعمة لك والملك، لا شريك لك " (2). أخرجه البخاريُّ ومسلمٌ في "الصَّحيحين" (3).
2073 - قال أحمد: وحدَّثنا يحيى عن ابن عجلان عن عبد الله بن أبي سلمة أنَّ سعدًا سمع رجلاً يقول: لبَّيك ذا المعارج. فقال: إنَّه لذو المعارج، ولكنَّا كنَّا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا نقول ذلك (1). ز: قال أبو زرعة: عبد الله بن أبي سلمة عن سعد: مرسلٌ (2). ولم يخرِّج أحدٌ من أصحاب " السُّنن " هذا الحديث. وقد سئل الدَّارَقُطْنِيُّ فقال: يرويه محمَّد بن عجلان عن عبد الله بن أبي سلمة، واختلف عنه: فرواه القاسم بن معن ويحيى القطَّان وأبو خالد الأحمر والثَّوريُّ عن ابن عجلان عن عبد الله بن أبي سلمة عن سعد. وخالفهم الدَّراورديُّ، فرواه عن ابن عجلان عن عبد الله بن أبي سلمة عن عامر بن سعد عن سعد. ولم يتابع الدَّراوردي على عامر. وروي عن الثَّوريِّ عن ابن عجلان عن عبد الله بن أبي سلمة سمع سعدٌ رجلاً يقول: أعوذ بك من زقومها وسلاسلها. فقال: ما كنَّا ندعوا هكذا على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حدَّث به معاوية بن هشام عن الثَّوريِّ، وأحسبه وهم فيه، والصَّحيح بهذا الإسناد: لبيك ذا المعارج، والله أعلم (3) O. *****
مسألة (397): يقطع الحاج التلبية عند رمي جمرة العقبة.
مسألة (397): يقطع الحاج التَّلبية عند رمي جمرة العقبة. وقال مالكٌ- في إحدى روايتيه-: يقطعها بعد الزَّوال من يوم عرفة. 2074 - قال الإمام أحمد بن حنبل: حدَّثنا حسين بن محمَّد ثنا جرير عن أيُّوب عن الحكم بن عتيبة عن ابن عبَّاس عن أخيه الفضل قال: كنت رديف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من جمع إلى منى، فلم يزل يلبِّي حتَّى رمى جمرة العقبة (1). أخرجاه في "الصَّحيحين" (2). ز: كذا في النُّسخة التي كتبت منها، وهو منقطع، فإنَّ الحكم لم يسمع من ابن عبَّاس، وكأنَّه سقط منه (سعيد بن جبير) أو (مجاهد) أو غيرهما من أصحاب ابن عبَّاس (3)، ولم يخرِّج أحدٌ من أصحاب " الكتب الستة " هذا الحديث من رواية الحكم، وهو مخرَّج في "الصَّحيحين" من رواية غير واحد عن ابن عبَّاس O. *****
مسألة (398): ويقطع المعتمر التلبية إذا شرع في الطواف.
مسألة (398): ويقطع المعتمر التَّلبية إذا شرع في الطَّواف. وقال مالكٌ: إذا أحرم من الميقات قطع إذا دخل الحرم، وإن أحرم من أدنى الحل قطع إذا رأى البيت. 2075 - قال أبو داود: حدَّثنا مسدَّد ثنا هُشيم عن ابن أبي ليلى عن عطاء عن ابن عبَّاس عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يلبِّي المعتمر حتَّى يستلم الحَجَر ". قال أبو داود: رواه عبد الملك بن أبي سليمان وهمَّام عن عطاء عن ابن عبَّاس موقوفًا (1). 2076 - وقال التِّرمذيُّ: حدَّثنا هنَّاد ثنا هشيم عن ابن أبي ليلى عن عطاء عن ابن عبَّاس- رفع الحديث- أنَّه كان يمسك عن التَّلبية في العمرة إذا استلم الحَجَر. قال التِّزمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (2). ***** مسألة (399): العمرة واجبةٌ. وقال أبو حنيفة ومالكٌ: لا تجب. وعن الشَّافعيِّ كالمذهبين. لنا خمسة أحاديث:
2077 - الحديث الأوَّل: قال الدَّارَقُطْنيُ: حدَّثنا أبو عليٍّ إسماعيل ابن محمَّد الصَّفَّار ثنا محمَّد بن عبيد الله المنادي ثنا يونس بن محمَّد ثنا معتمر بن سليمان عن أبيه عن يحيى بن يَعْمَرَ عن ابن عمر قال: سمعت عمر بن الخطَّاب قال: بينما نحن جلوسٌ عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاء رجلٌ ليس عليه سحناء سَفَرٍ وليس من أهل البلد! يتخطَّى حتَّى جلس بين يديّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ وضع يديه على ركبتي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا محمَّد، ما الإسلام؟ فقال: " الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمَّدا رسول الله، وأن تقيم الصَّلاة، وتؤتي الزَّكاة، وتحجَّ البيت وتعتمر، وتغتسل من الجنابة، وتتمَّ الوضوء، وتصوم رمضان " ..... وذكر باقي الحديث وأنَّه قال: " هذا جبريل " (1). فإن قيل: هذا الحديث مذكورٌ في الصِّحاح وليس فيه: " وتعتمر ". قلنا: قد ذكر فيه هذه الزِّيادة أبو بكر الجوزقيُّ في كتابه المخرَّج على "الصَّحيحين"، ورواها الدَّارَقُطْنِيُّ وحكم لها بالصَّحة، وقال: هذا إسنادٌ صحيحٌ (2)، أخرجه مسلمٌ بهذا الإسناد. ز: هذا الحديث رواه مسلمٌ في " الصَّحيح " عن حجَّاج بن الشَّاعر عن يونس بن محمَّد إلا أنَّه لم يسق متنه (3)، وهذه الزِّيادة فيها شذوذٌ، والله أعلم O. الحديث الثَّاني: حديث أبي رَزين: " حجَّ عن أبيك واعتمر ". وقد سبق في مسألة المعضوب (4).
ز: 2078 - قال أبو داود: حدَّثنا حفص بن عمر ومسلم بن إبراهيم بمعناه قالا: ثنا شعبة عن النُّعمان بن سالم عن عمرو بن أوس عن أبي رَزين- قال حفص في حديثه: رجلٌ من بني عامر- أنَّه قال: يا رسول الله، إنَّ أبي شيخٌ كبيرٌ لا يستطيع الحجَّ والعمرة، ولا الظَّعن. قال: " احجج عن أبيك واعتمر " (1) قال أحمد بن سلمة: سألت مسلم بن الحجَّاج عن هذا الحديث- يعني حديث أبي رَزين هذا- فقال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: لا أعلم في إيجاب العمرة حديثًا أجود من هذا ولا أصحّ منه، ولم يجوِّده أحدٌ كما جوَّده شعبة. انتهى قوله (2). وهذا الحديث لا يدلُّ على وجوب العمرة، وليس هذا الأمر على الوجوب، فإنَّه لا يجب أن يحجَّ عن أبيه، وإنَّما يدلُّ الحديث على جواز فعل الحجِّ والعمرة عنه، لكونه غير مستطيع، والله أعلم O. 2079 - الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا عبد الرَّحمن بن سعيد بن هارون ثنا محمَّد بن الحجَّاج الضَّبيُّ ثنا ابن فضيل عن حبيب بن أبي عمرة عن عائشة بنت طلحة عن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله، على النِّساء جهاد؟ قال: " عليهن جهاد لا قتال فيه، الحجُّ والعمرة " (3). ز: رواه الإمام أحمد عن ابن فضيل (4)، ورواه ابن ماجة عن أبي بكر
ابن أبي شيبة عن ابن فضيل (1). ورواه أحمد (2) والبخاريُّ (3) من رواية غير واحد عن حبيب، وليس فيه ذكر العمرة. ورواه أبو هشام الرفاعيُّ (4) عن أبي بكر بن عيَّاش عن حبيب بن أبي عمرة عن عَدِيِّ بن ثابتٍ عن عائشة بنت طلحة، ولم يتابع على ذلك (5). ورواه أحمد (6) والبخاريُّ (7) من رواية سفيان عن معاوية بن إسحاق بن طلحة عن عمَّته عائشة، وليس فيه ذكر العمرة. 2080 - وقال البيهقيُّ: أخبرنا محمَّد بن عبد الله الحافظ ثنا أبو عبد الله محمَّد بن عبد الله الصَّفَّار ثنا إبراهيم بن فهد البصريُّ ثنا مسلم بن إبراهيم ثنا حميد بن مهران الكنديُّ ثنا محمَّد بن سيرين عن ابن حطَّان عن عائشة أنَّها قالت: يا رسول الله، هل على النِّساء جهادٌ؟ قال: " نعم، جهادٌ لا قتال فيه: الحجُّ والعمرة جهادهن ". وكذلك رواه عبد الرَّحمن بن مهديٍّ عن حميد بن مهران بمعناه (8).
وقد رواه الإمام أحمد بن حنبل في "مسنده" أيضًا عن سلييان بن داود عن حميد بن مهران (1). وحميد: وثَّقه يحيى بن معين (2) وغيره. 2081 - وقال البيهقيُّ: أخبرنا أبو الحسين محمَّد بن الحسين. بن الفضل القطَّان ببغداد أنا أبو عمرو بن السَّمَّاك ثنا أبو الأحوص محمَّد بن الهيثم بن حمَّاد ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير (3) حدَّثني الليث بن سعد عن خالد بن يزيد عن سعيد ابن أبي هلال عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمَّد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " جهاد الكبير والضَّعيف والمرأة: الحجُّ والعمرة " (4). رواه النَّسائيُّ عن محمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم عن شعيب بن الليث عن أبيه به (5) O. 2082 - الحديث الرَّابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا عليُّ بن الحسن بن رستم ثنا محمَّد بن يحيى (6) العطَّار ثنا محمَّد بن كثير الكوفيُّ ثنا إسماعيل بن مسلم عن محمَّد بن سيرين عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنَّ الحجَّ والعمرة فريضتان، لا يضرك بأيهما بدأت " (7).
قال المصنِّف: في هذا الإسناد إسماعيل بن مسلم، قال أحمد: هو منكر الحديث (1). وقال يحيى: لم يزل مخلِّطًا، وليس بشيءٍ (2). وقال ابن المدينيِّ: لا يكتب حديثه (3). وقال النَّسائيُّ: متروك الحديث (4). وفي الإسناد: محمَّد بن كثير، قال أحمد: خرقنا حديثه (5). وقال ابن المدينيِّ: خططت على حديثه (6). ز: يحيى الذي قال في إسماعيل: (لم يزل مختلطًا) هو: يحيى القطَّان (7)، والذي قال فيه: (ليس بشيءٍ) هو: ابن معين (8). والصَّحيح أنَّ هذا الحديث موقوفٌ على زيد. 2083 - قال البيهقيُّ: أخبرنا محمَّد بن عبد الله الحافظ ثنا أبو الوليد ثنا محمَّد بن نعيم ثنا يحيى بن أيوب المقابريُّ ثنا عبَّاد بن عبَّاد المهلبيُّ ثنا هشام بن حسَّان عن محمَّد بن سيرين أنَّ زيد بن ثابت سُئل: العمرة قبل الحج؟ قال: صلاتان لا يضرك بأيّهما بدأت. وقد رواه إسماعيل بن سالم عن ابن سيرين مرفوعًا، والصَّحيح مو قوف (9).
كذا قال: (إسماعيل بن سالم)، والصَّواب: (مسلم). ورواية ابن سيرين عن زيد كأنَّها مرسلة، وقد قال البخاريُّ أنَّه سمع منه (1)، وقال يحيى بن معين: دخل على زيد بن ثابت وهو صغير (2). فالله أعلم. 2084 - قال البيهقيُّ: وروى عبد الله بن لهيعة عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الحجُّ والعمرة فريضتان واجبتان ". حدَّثناه أبو سعد الزَّاهد أنا أبو الحسن محمَّد بن الحسن بن إسماعيل الضَّرير أنا جعفر بن محمَّد الفريابيُّ ثنا قتيبة ثنا ابن لهيعة فذكره، وابن لهيعة غير محتجٍّ به (3) O. 2085 - الحديث الخامس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أبو بكر النيسابوريُّ ثنا محمَّد بن يحيى ثنا الحكم بن موسى ثنا يحيى بن حمزة عن سليمان بن داود قال: حدَّثني الزُّهريُّ عن أبي بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جدِّه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب إلى أهل اليمن كتابًا، وبعث به مع عمرو بن حزم، فيه: " وأنَّ العمرة الحجُّ الأصغر " (4).
فإن قالوا: قد قال يحيى بن معين: سليمان بن داود ليس بشيءٍ (1). قلنا: قد قال أبو حاتم بن حِبَّان: هو صدوق (2). ز: قد قال غير واحد من الأئمة أنَّ سليمان راوي هذا الحدبث إنَّما هو سليمان بن أرقم، وهو متروك الحديث، وقد تقدَّم الكلام على هذا الحديث في المجلد الأوَّل بما فيه كفاية (3)، والله أعلم O. احتجُّوا: 2086 - بما رواه الإمام أحمد بن حنبل قال: ثنا أبو معاوية ثنا الحجَّاج ابن أرطأة عن محمَّد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: أتى النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعرابيٌّ، فقال: يا رسول الله، أخبرني عن العمرة، أواجبةٌ هي؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا، وأن تعتمر خيرٌ لك " (4). والجواب: أنَّه حديثٌ ضعيفٌ، كان زائدة يأمر بترك حديث الحجَّاج (5)، وقال أحمد: كان يزيد في الأحاديث، ويروي عن من لم يلقه، لا يحتجُّ به (6). وقال يحيى: لا يحتجُّ بحديثه (7). وقال ابن حِبَّان: تركه ابن
المبارك وابن مهدي ويحيى القطَّان ويحيى بن معين وأحمد بن حنبل (1). وقد رووا من حديث أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " العمرة تطوَّع ". قال الدَّارَقُطْنِيُّ: والصَّحيح أنَّه موقوفٌ على أبي هريرة (2). ز: حديث جابر: رواه التِّرمذيُّ عن محمَّد بن عبد الأعلى الصَّنعانيِّ عن عمر بن عليٍّ المقدميِّ عن الحجَّاج، وقال: هذا حديثٌ صحيحٌ (3). كذا قال، وقد أنكر عليه تصحيح هذا الحديث، وقد ضعَّفه الإمام أحمد في رواية ابن هانئ عنه. وقد روي هذا الحديث مرفوعًا من وجه آخر عن أبي الزُّبير عن جابر. والصَّواب أنَّه موقوفٌ على جابر، كذلك رواه يحيى بن أيوب قال: أخبرني ابن جريج والحجَّاج بن أرطأة عن محمَّد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله
أنَّه سُئل عن العمرة: أواجبة؟ فريضةٌ كفريضة الحجِّ؟ قال: لا، وأن تعتمر خير لك. وقال التِّرمذيُّ: وقال الشَّافعيُّ: العمرة سنَّة، لا نعلم أحدًا رخَّص في تركها، وليس فيها شيءٌ ثابتٌ بأنَّها تطوُّع. قال الشَّافعيُّ: وقد روي عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو ضعيفٌ، لا تقوم بمثله الحجَّة، وقد بلغنا عن ابن عبَّاس أنَّه كان يوجبها (1). وفي قول ابن حِبَّان في حجَّاج: (تركه ابن المبارك وفلان وفلان) نظرٌ. وقد روى الإمام أحمد حديث حجَّاج في "المسند" (2)، وقال أبو طالب عنه: كان من الحفاظ. قيل: فلم ليس هو عند النَاس بذلك؟ قال: لأن في حديثه زيادة على حديث النَّاس، ليس يكاد له حديث إلا فيه زيادة (3). وقال أبو بكر بن أبي خيثمة عن يحيى بن معين: حجَّاج: صدوقٌ، ليس بالقويِّ، يدلِّس عن محمَّد بن عبيد الله العرزميُّ عن عمرو بن شعيب (4). وقد روى ابن حِبَّان في " الضُّعفاء " حديث جابرٍ هذا عن الحسن بن سفيان عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي معاوية (5)، والله أعلم. 2087 - وقال أبو بكر بن أبي شيبة: ثنا جرير عن معاوية بن إسحاق
عن أبي صالح ماهان قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الحجُّ جهادٌ، والعمرة تطوُّعٌ " (1). 2088 - وقال عبد الرَّزَّاق: عن الثَّوريِّ عن معاوية بن إسحاق عن أبي صالح الحنفيِّ قال: قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الحجُّ جهادٌ، والعمرةُ تطوُّعٌ ". وقال البيهقيُّ: وقد روي من حديث شعبة عن معاوية بن إسحاق عن أبي صالح عن أبي هريرة موصولاً، والطريق فيه إلى شعية طريقٌ ضعيفٌ (2). وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: رواه غُنْدر ومحمَّد بن كثير وعفَّان عن شعية عن معاوية بن إسحاق عن أبي صالح مرسلاً عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكذلك رواه شَريك عن معاوية بن إسحاق عن أبي صالح مرسلاً. وهو الصَّواب (3). كذا قال الدَّارَقُطْنِيُّ، وهو مخالفٌ لما نقله المؤلِّف عنه، والله أعلم O. *****
مسائل التمتع
مسائل التَّمتع مسألة (400): التَّمتع أفضل من الإفراد والقِران. وقال أبو حنيفة: القِران أفضل. وقال مالك والشَّافعيُّ: الإفراد أفضل. والأحاديث التي يحتجُّ بها قسمان: أحدها: ما يدلُّ على أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تمتع. والثَّاني: يدلُّ على أنَّه أمر بالتمتع. فأمَّا القسم الأوَّل: ففيه أربعة أحاديث: 2089 - الحديث الأوَّل: قال البخاريُّ: حدَّثنا قتيبة بن سعيد ثنا حجَّاج بن محمَّد الأعور (1) عن عمرو بن مرَّة عن سعيد بن المسيَّب قال: اختلف عليٌّ وعثمان- وهما بعُسفان- في المتعة، فقال له عليٌّ: ما تريد أن تنهى عن أمرٍ فعله رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال له عثمان: دعنا عنك. ولمَّا رأى ذلك عليٌّ أهلَّ بهما جميعًا (2). أخرجاه في "الصَّحيحين" (3).
ز: هذا الحديث لمن قال بالقِران، فإنَّ عليًّا أهلَّ- بالحجِّ والعمرة جميعًا، والتَّّمتُّع في عرف أصحاب رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدخل فيه القِران، ويدخل فيه التمتع الخاص، ولم يحجّ النبيُّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متمتعًا التمتع الخاص، لأنَّه لم يحلَّ من عمرته، بل المقطوع به أنَّه قرن بين الحجِّ والعمرة، لأنَّه قد ثبت عنه أنَّه اعتمر أربع عُمر، وأنَّ العمرة الرَّابعة كانت مع حجَّته، وقد ثبت عنه أنَّه لم يحلَّ منها قبل الوقوف بقوله: " لولا أنَّ معي الهدي لأحللت "، وثبت أنَّه لم يعتمر بعد الحجِّ، فإنَّ ذلك لم ينقله أحدٌ عنه، وإنَّما اعتمر بعد الحجِّ عائشةُ وحدها، فتحصَّل من مجموع ذلك أنَّه كان قارنًا، وعلى هذا تجتمع جميع أحاديث الباب، والله أعلم O. 2090 - الحديث الثاني: قال البخاريُّ: حدَّثنا يحيى بن بُكير ثنا الليث عن عُقيل عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أنَّ ابن عمر قال: تمتَّع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حجَّة الوداع بالعمرة الى الحجِّ وأهدى، فساق معه الهديَّ من ذي الحُليفة، وبدأ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأهلَّ بالعمرة، ثُمَّ أهلَّ بالحجِّ، فتمتع النَّاس مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالعمرة إلى الحجِّ، فكان من النَّاس من أهدى فساق الهدي، ومنهم من لم يهد، فلمَّا قدم النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكَّة قال للنَّاس: " من كان منكم أهدى فإنَّه لا يحلُّ لشيء (1) حرم منه حتَّى يقضي حجَّه، ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصَّفا والمروة، وليقصِّر وليحلل، ثُمَّ ليهلُّ بالحجِّ " (2). أخرجاه في "الصَّحيحين" (3). 2091 - الحديث الثَّالث: قال التِّرمذيُّ: حدَّثنا قتيبة عن مالك بن
أنس عن ابن شهاب عن محمَّد بن عبد الله بن نوفل أنَّه سمع سعد بن أبي وقَّاص يذكر التَّمتع بالعمرة فقال: قد صنعها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصنعناه معه (1). انفرد بإخراجه مسلم (2). ز: محمَّد بن عبد الله هو: ابن الحارث بن نوفل- أخو إسحاق وعبد الله-، ذكره ابن حِبَّان في "الثِّقات" (3)، وروى له التِّرمذيُّ والنَّسائيُّ هذا الحديث الواحد (4)، ولم يخرِّجه مسلمٌ من طريقه، والله أعلم. وقد سئل عنه الدَّارَقُطْنِيُّ فقال: يرويه مالكٌ وأصحاب الزُّهريِّ عن الزُّهريِّ عن محمَّد أنَّه سمع سعد بن أبي وقَّاص والضَّحَّاك بن قيس وهما يذكران التَّمتع. ورواه روح بن عبادة عن مالك عن الزُّهريِّ، فقال فيه: أنَّه سمع سعدًا والضَّحَّاك بن سفيان. ووهم فيه روح، والصَّواب: الضَّحَّاك بن قيس. وأرسله ابن عيينه عن الزُّهريِّ عن سعدٍ (5). 2092 - الحديث الرَّابع: قال الإمام أحمد: حدَّّثنا يونس بن محمَّد ثنا
عبد الواحد بن زياد ثنا ليث عن طاوس عن ابن عبَّاس قال: تمتع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتَّى مات، وأبو بكر حتَّى مات، [وعمر حتَّى مات،] (1) وعثمان حتَّى مات، وكان أوَّل من نهى عنها معاوية. قال ابن عبَّاس: فعجبت منه وقد حدَّثني أنَّه قصر عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمشقصٍ! (2). ز: رواه التِّرمذيُّ عن محمَّد بن مثنَّى عن ابن إدريس عن ليث- وهو ابن أبي سُليم (3) -، وقد تقدَّم الكلام عليه غير مرَّةٍ (4) O. القسم الثَّاني: أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بالتَّمتع، وفيه عشرة أحاديث: 2093 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا عبد الرَّزَّاق أنا الثَّوريُّ عن قيس بن مسلم عن طارق بن شِهاب عن أبي موسى الأشعريِّ قال: بعثني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أرض قومي، فلمَّا حضر الحجُّ حجَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحججت، فقدمت عليه وهو نازلٌ بالأبطح، فقال لي: " بما أهللت، يا عبد الله ابن قيس؟ " قال: قلت: لبيك بحجٍّ كحجِّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: " أحسنت ". ثُمَّ قال: " هل سقت هديًا؟ " قلت: ما فعلتُ. قال: " اذهب فطف بالبيت، وبين الصَّفا والمروة، ثُمَّ احلل ". فانطلقت ففعلت ما أمرني، وأتيت امرأةً من قومي فغسلت رأسي بالخطمي وفلَّته، ثُمَّ أهللت بالحجِّ يوم التَّروية (5). أخرجاه في "الصَّحيحين" (6).
2094 - الحديث الثَّاني: قال أحمد: حدَّثنا يحيى بن آدم ثنا زهير (1) ثنا أبو الزُّبير عن جابر قال: خرجنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مهلِّين بالحجِّ، فلمَّا قدمنا مكَّة طفنا بالبيت، وبالصَّفا والمروة، فقال لنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من لم يكن معه هديٌ فليحلل ". قلنا: أيُّ الحلِّ؟ قال: " الحلُّ كلُّه ". قال: فأتينا النِّساء، ولبسنا الثِّياب، ومسسنا الطِّيب؛ فلمَّا كان يوم التَّروية أهللنا بالحجِّ (2). أخرجاه في "الصَّحيحين" (3). 2095 - الحديث الثَّالث: قال أحمد: حدَّثنا عفَّان ثنا وهيب ثنا عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عبَّاس قال: كانوا يرون العمرة في أشهر الحجِ من أفجر الفجور في الأرض، ويجعلون المحرَّم صفر، ويقولون: إذا برأ الدَّبَر، وعفا الأثر، وانسلخ صفر، حلَّت العمرة لمن اعتمر. فقدم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه لصبيحة رابعة، مهلِّين بالحجِّ، فأمرهم أن يجعلوها عمرةً، فتعاظم ذلك عندهم، فقالوا: يا رسول الله، أيُّ الحلِّ؟ قال: " الحِلُّ كلُّه " (4). أخرجاه في " الصَّحيحين (5). 2096 - الحديث الرَّابع: قال أحمد: حدَّثنا سهل بن يوسف عن حميد عن (6) بكر عن ابن عمر قال: خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلبَّى بالحجِّ ولبَّينا معه،
فلمَّا قدم أمر من لم يكن معه الهديَّ أن يجعلوها عمرة (1). أخرجاه في "الصَّحيحين" (2). 2097 - الحديث الخامس: قال البخاريُّ: حدَّثنا عثمان ثنا جرير عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: خرجنا مع رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا نرى إلا أنَّه الحجُّ، فلمَّا قدمنا تطوَّفنا بالبيت فأمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من لم يكن ساق الهديَّ أن يحلَّ، فحلَّ من لم يكن ساق الهديَّ، ونساؤه لم يسقن فأحللن (3). أخرجاه في "الصَّحيحين" (4). 2098 - الحديث السَّادس: قال أحمد: حدَّثنا يعقوب بن إبراهيم ثنا أبي عن ابن إسحاق قال: حدَّثني نافع عن عبد الله بن عمر عن حفصة بنت عمر قالت: لمَّا أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نساءه أن يحللن بعمرة، قلت: فما يمنعك يا رسول الله، أن تحلَّ معنا؟ قال: " إنِّي أهديتُ ولبَّدت، فلا أحلُّ حتَّى أنحر هدي " (5). أخرجاه في "الصَّحيحين" (6).
2099 - الحديث السَّابع: قال أحمد: حدَّثنا ابن أبي عَدِيٍّ عن داود عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نصرخ بالحجِّ صراخًا، حتَّى إذا طفنا بالبيت قال: " اجعلوها عمرةً إلا من كان معه هديٌ ". قال: فجعلناها عمرةً، فحللنا، فلمَّا كان يوم التَّروية، صرخنا بالحجِّ، وانطلقنا إلى منى (1). انفرد بإخراجه مسلمٌ (2). 2100 - الحديث الثَّامن: قال أحمد: حدَّثنا روح ثنا أشعث عن الحسن عن أنس بن مالك أنَّ رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه قدموا مكَّة وقد لبَّوا بحجِّ وعمرةٍ، فأمرهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعدما طافوا بالبيت وسعوا بين الصَّفا والمروة أن يحلُّوا، وأن يجعلوها عمرةً، فكأن القوم هابوا ذلك، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لولا إنِّي سقت الهديَ لأحللت ". فحلَّ القوم وتمتَّعوا (3). ز: رواه النَّسائيُّ من حديث أشعث (4)، وهو حديثٌ حسنٌ O. 2101 - الحديث التَّاسع: قال أحمد: حدَّثنا يونس ثنا فُليح عن نافع عن ابن عمر أنَّ رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبَّد رأسه وأهدى، فلمَّا قدم مكَّة أمر نساءه أن يحللن، قلن: مالك أنت لا تحلُّ؟ قال: " إنِّي قلَّدت هديي، ولبّدت رأسي، فلا أحلُّ حتَّى أحلَّ من حجّتي، وأحلق رأسي " (5). ز: هذا الحديث لم يخرِّجه أحدٌ من أئمة " الكتب الستة " من رواية
فُليح، وهو حديثٌ صحيحٌ على شرط البخاريِّ O. 2102 - الحديث العاشر: قال أحمد: حدَّثنا عفَّان ثنا حمَّاد بن سلمة أنا حميد عن بكر بن عبد الله عن ابن عمر أنَّه قال: قدم رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكَّة وأصحابه مهلِّين بالحجِّ، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من شاء أن يجلعها عمرة إلا من كان معه الهديُ " (1). ز: هذا الحديث لم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب " الكتب الستة "، ورواته ثقاتٌ، وقد رواه أحمد عن روح وعفَّان كلاهما عن حمَّاد بن سلمة، ولم يذكر المؤلِّف الحديث بكماله، بل ذكر قطعةً منه. 2103 - وقد رواه أبو يعلى الموصليُّ بغير هذا اللفظ فقال: حدَّثنا أبو خيثمة ثنا عفَّان ثنا حمَّاد قال: حدَّث حميد عن بكر عن ابن عمر قال: قدم أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكَّة ملبِّين بالحجِّ، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اجعلوها عمرةً إلا من كان معه الهَدْي ". قالوا: يا رسول الله، يغدوا أحدنا إلى منى وذكره يقطر منيًّا؟ قال: " نعم ". فسطعت المجامر بالبطحاء: وقدم عليٌّ من اليمن، فقال له النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بما أهللت، فإنَّ معنا أهلك؟ " قال: أهللت بما أهلَ به رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال حميد: فأخبرت بذلك القوم وطاوس جالسٌ، فقال: هكذا كان الحديث (2) O. فإن قال الخصم: فقد نقضتم أحاديثكم الأوائل بهذه الأواخر، لأنَّكم رويتم في الأوائل أنَّه تمتَّع، وفي الأواخر أنَّه تندَّم كيف ساق الهديَّ ولم يمكنه أن يفسخ؛ فأنتم بين أمرين: إمَّا أن تصحِّحوا الأوائل، فيبطل مذهبكم في فسخ الحجِّ إلى العمرة؛ أو تصحِّحوا الأواخر، فيبطل احتجاجكم بأنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تمتَّع.
قالوا: ثُمَّ نتكلَّم على أحاديثكم فنقول: أمَّا الأوائل: فمعارضة بالأواخر، وبما نذكره في حجَّتنا. وأمَّا الأواخر: فإنَّه لم يأمر أصحابه بالفسخ لفضيلة التَّمتُّع، بل لأمرٍ آخر، وهو ما رويتم من حديث ابن عبَّاس أن َّأهل الجاهليَّه كانوا يرون العمرة في أشهر الحجِّ من أفجر الفجور، فأمر بفسخ الحجِّ إلى العمرة ليخالف المشركين. واستدلّوا عليه: 2104 - بما روى الإمام أحمد بن حنبل، قال: حدَّثنا [سريج] (1) بن النُّعمان ثنا عبد العزيز بن محمَّد الدَّراورديُّ قال: أخبرني ربيعة (2) بن أبي عبد الرَّحمن عن الحارث بن بلال عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله، فسخ الحجِّ لنا خاصةً أم للنَّاس عامةً؟ قال: " بل لنا خاصةً " (3). 2105 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدثنا أحمد بن عمرو بن عثمان ثنا أحمد بن عثمان بن حَكِيم ثنا أبو غسَّان ثنا قيس عن أبي حَصين عن إبراهيم التَّيميِّ عن أبيه عن أبي ذرٍّ أنَّه سئل عن متعة الحجِّ فقال: هي والله لنا أصحاب محمَّدٍ خاصةً، وليست لسائر النَّاس إلا لمحصر (4). والجواب: أنَّه إذا صحَّت الأحاديث فلا وجه لردِّها، وإنَّما ينبغي التَّمحُّل لها، ووجه الجمع بين الأحاديث: أنَّه كان قد اعتمر وتحلَّل من العمرة، ثُمَّ أحرم بالحجِّ وساق الهديَّ، ثُمَّ أمر أصحابه بالفسخ ليفعلوا مثل
فعله، لأنَّهم لم يكونوا أحرموا بعمرةٍ، ومنعَه من فسخ الحجِّ إلى عمرةٍ ثانيةٍ: عمرتُه الأولى وسوقه الهدي. فعلى هذا يجمع بين الأحاديث ولا يردُّ منها شيءٌ. فإن قالوا: كيف يصحُّ هذا التَّأويل وإنَّما عَلَّلَ بسوق الهدي، لا بفعل عمرةٍ متقدَّمةٍ. قلنا: ذكر إحدى العلَّتين دون الأخرى، وذلك جائزٌ. وقولهم: إنَّما أمرهم بالفسخ لمخالفة الجاهليَّة. قلنا: لو كان كذلك لم يفرِّق بين من ساق الهدي وبين من لم يسق، ثُمَّ إنَّه قد اعتمر في أشهر الحجِّ: 2106 - ففي "الصَّحيحين" من حديث أنس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعتمر أربع عمر كلَّها في ذي القعدة إلا التي مع (1) حجَّته (2). ففعله هذا يكفي في البيان لأصحابه وللمشركين أنَّ العمرة تجوز في أشهر الحجِّ، فلم يحتج أن يأمر أصحابه بفسخ الحجِّ المحترم لذلك، وإنَّما فعل ذلك لأنَّه الأفضل. وأمَّا حديث ابن عبَّاس: فإنَّه لم يرد أنَّ رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسخ لأجل ما كان المشركون يعتمدونه، وإنَّما ذكر حال الجاهليَّة. وأمَّا حديث بلال: فقال أحمد: لا يثبت، ولا يرويه غير الدَّراورديُّ،
ولا يصحُّ حديثٌ في أنَّ الفسخ كان لهم خاصةً (1). وقال: وحديث أبي ذرٍّ يرويه رجلٌ (2) من أهل الكوفة لم يلق أبا ذرٍّ (3). ثُمَّ (4) إنَّه ظنٌّ من أبي ذرٍّ، يدلُّ عليه حديث ابن عبَّاس أنَّ العمرة قد دخلت في الحجِّ، وفي حديث جابر أنَّ سراقة قال: ألعامنا أم للأبد؟ فقال: " بل للأبد ". يريد أنَّ حكم الفسخ باقٍ على الأبد. ز: حديث الحارث بن بلال عن أبيه: رواه أبو داود (5) والنَّسائيُّ (6) وابن ماجة (7) من حديث الدَّراورديِّ عن ربيعة. وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: تفرَّد به ربيعة بن أبي عبد الرَّحمن عن الحارث عن أبيه، وتفرَّد به عبد العزيز الدَّراورديُّ عنه (8). والحارث هذا: ليس بالمشهور، ولا نعلم روى عنه غير ربيعة. قال الإمام أحمد بن حنبل: حديث بلال بن الحارث عندي ليس يثبت، ولا أقول به، ولا يُعرف هذا الرَّجل - يعني الحارث بن بلال-. وقال: أرأيت لو عُرف الحارث بن بلال إلا أنَّ أحد عشر رجلاً من
أصحاب النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يروون ما يروون من الفسخ، أين يقع الحارث بن بلال منهم؟ وقال في رواية أبي داود: ليس يصحُّ حديث في الفسخ كان لهم خاصةً، وهذا أبو موسى الأشعريُّ يفتي به في خلافة أبي بكرٍ وشطر من خلافة عمر (1). وأمَّا حديث أبي ذرٍّ: فهو مخرَّجٌ في " الصحيح ": 2107 - قال مسلمٌ: حدَّثنا سعيد بن منصور وأبو بكرٍ بن أبي شيبة وأبو كريب قالوا: ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم التَّيميِّ عن أبيه عن أبي ذرٍّ قال: كانت المتعة في الحجِّ لأصحاب محمَّد خاصةً (2). هذا الحديث موقوفٌ على أبي ذرٍّ، وقد خالفه أبو موسى وابن عبَّاس وغيرهما. وقد قيل: إنَّ وجوب الفسخ كان خاصًا بأصحاب النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمَّا غيرهم فلا يجب عليه الفسخ، بل يجوز له، والله أعلم. وأمَّا جمع المؤلِّف بين الأحاديث (بأنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد اعتمر وتحلَّل من العمرة، ثُمَّ أحرم بالحجِّ وساق الهديَّ) فجمعٌ ضعيفٌ جدًّا. وكذلك قول من قال: (أحرم بالحجِّ ثُمَّ أدخل عليه العمرة) ضعيفٌ أيضًا. وكذلك قول من قال: (إنَّه أفرد الحجَّ، ثُمَّ لمَّا فرغ منه اعتمر) ضعيفٌ أيضًا، لأنَّ أحدًا لم يعتمر معه بعد الحجِّ إلا عائشة.
وكذلك قول من قال: (إنَّه أحرم بالعمرة أولاً وساق الهدي، ثُمَّ أدخل عليها الحجَّ، ولم يتحلَّل، لأجل الهدي) ضعيفٌ أيضًا، وإن كان أقرب من غيره. وكذلك قول من قال: (إنَّه كان قارنًا وطاف طوافن، وسعى سعيين) ضعيفٌ أيضًا. وقد ذكرنا الدَّليل على تضعيف هذه الأقوال في غير هذا الموضع، والصَّواب أنَّه صلوات الله عليه كان قارنًا، أحرم بالحجِّ والعمرة جميعًا، وطاف لهما طوافًا واحدًا، وسعى سعيًا واحدًا. 2108 - وقد روى الإمام أحمد (1) والبخاريُّ (2) وغيرهما عن عمر بن الخطَّاب قال: سمعت النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو بوادي العقيق- يقول: " أتاني الليلة آتٍ من ربي، فقال: صلِّ في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرةٌ في حجَّة ". وهذا الآتي أتاه قبل أن يصل إلى الموضع الذي أحرم منه، وهو ذو الحليفة، والله أعلم O. احتجَّ أصحاب أبي حنيفة بستَّة أحاديث: 2109 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا هُشيم ثنا عبد العزيز بن صُهيب عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلبِّي بالحجِّ والعمرة، يقول: " لبيك عمرةً وحجًّا " (3).
أخرجاه في "الصَّحيحين" (1). 2110 - طريقٌ آخر: قال أحمد: حدَّثنا روح بن عبادة ثنا شعبة عن يونس بن عُبيد عن أبي قدامة الحنفيِّ قال: قلت لأنس بن مالك: بأيِّ شيءٍ كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يهلُّ؟ فقال: سمعته يقول سبع مرَّات: " بعمرةٍ وحجَّةٍ، بعمرةٍ وحجَّةٍ" (2). ز: هذا الحديث لم يخرِّجه أحدٌ من أئمة " الكتب الستة " من حديث أبي قدامة عن أنس، والله أعلم O. 2111 - طريقٌ آخر: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا ابن صاعد ثنا الحسين ابن الحسن المروزيُّ ثنا يزيد بن زُريع عن يونس بن عُبيد عن حُميد عن أنس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لبيك بحجَّةٍ وعمرةٍ معًا " (3). ز: لم يخرجوه من حديث يونس عن حميد O. 2112 - الحديث الثَّاني: قال الإمام أحمد: حدَّثنا الوليد بن مسلم ثنا الأوزاعيُّ أن يحيى بن أبي كثير حدَّثه عن عكرمة مولى ابن عبَّاس قال: سمعت ابن عبَّاس يقول: سمعت عمر بن الخطَّاب يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول- وهو بالعقيق-: " أتاني الليلة آتٍ من ربي عزَّ وجلَّ؛ فقال: صلِّ في هذا الوادي المبارك، وقل: عُمرةٌ في حجَّةٍ ".
قال الوليد: يعني ذا الحليفة (1). انفرد بإخراجه البخاريُّ (2). 2113 - الحديث الثَّالث: قال أحمد: وحدَّثنا سفيان عن عبدة بن أبي لبابة عن أبي وائل قال: قال الصُّبي بن معبد: كنت نصرانيًّا فأسلمت، وأهللت بالحجِّ والعمرة، فسمعني زيد بن صُوْحان وسلمان بن ربيعة وأنا أهلُّ بهما، فقالا: لهذا أضلُّ من بعير أهله! فكأنَّما حُمل عليَّ بكلمتهما جَبَلٌ، فقدمت على عمر فأخبرته، فأقبل عليهما فلامهما، ثُمَّ أقبل عَلَيَّ فقال: هديت لسنَّة النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (3). ز: رواه ابن ماجة من رواية ابن عيينة (4)، وأخرجه أبو داود (5) والنَّسائيُّ (6) من حديث منصور عن أبي وائل. قال الدَّارَقُطْنِيُّ في كتاب "العلل": وهو حديثٌ صحيحٌ (7) O. 2114 - الحديث الرَّابع: قال أحمد: وحدَّثنا أبو معاوية ثنا حجَّاج عن الحسن بن سعد عن ابن عبَّاس قال: أخبرني أبو طلحة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جمع (8) بين الحجِّ والعمرة (9).
ز: رواه ابن ماجة عن عليِّ بن محمَّد عن أبي معاوية (1)، وحجَّاج هو: ابن أرطأة، والله أعلم O. 2115 - الحديث الخامس: قال أحمد: وحدَّثنا يونس ثنا داود ابن عبد الرَّحمن عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال: اعتمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربع عمر: عمرة الحديبية، وعمرة القضاء في ذي القعدة من قابل، والثَّالثة من الجعرانة، والرَّابعة التي مع حجَّته (2). ز: رواه أبو داود (3) والتِّرمذيُّ (4) وابن ماجة (5) من حديث داود. ورواه أبو حاتم بن حِبَّان البستيُّ من رواية داود (6)، غير أنَّه جعله عن عمرو وعكرمة، وهو وهمٌ (7). ورواه التِّرمذيُّ أيضًا عن سعيد بن عبد الرَّحمن عن ابن عيينة عن عمرو ابن دينار عن عكرمة أنَّ النَّبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .... مرسل (8). وقال عليُّ بن عبد العزيز: ليس أحدٌ يقول في هذا الحديث: (عن ابن
عبَّاس (إلا داود بن عبد الرَّحمن (1). وقال البخاريُّ: داود بن عبد الرَّحمن صدوق إلا أنَّه ربَّما يهم في الشيءِ (2) O. 2116 - الحديث السَّادس: قال أحمد: وحدَّثنا مكيُّ بن إبراهيم ثنا داود بن يزيد قال: سمعت عبد الملك الزَّزَّاد يقول: سمعت النَّزَّال بن سَبْرة يقول: سمعت سراقة يقول: قرن رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حجَّة الوداع (3). ز: داود بن يزيد: هو الأوديُّ، عمُّ عبد الله بن إدريس، وقد تكلَّم فيه غير واحد من الأئمة، كالإمام أحمد (4) ويحيى بن معين (5) وأبي داود (6) وغيرهم. ولم يخرِّج هذا الحديث أحدٌ من أصحاب " السُّنن " من روايته. وقد رواه أخوه إدريس بن يزيد عن عبد الملك بن ميسرة عن عطاء عن طاوس عن سراقة، والله أعلم O. والجواب: أمَّا حديث أنس: فجوابه من ثلاثة أوجه: أحدها: أنَّّ أحاديثنا أصحُّ وأكثر، ورواتها أكابر الصَّحابة، مثل عليٍّ وسعد وابن عمر. والثَّاني: أنَّ أنسًا كان صبيًّا حينئذٍ، فلعله ما فهم الحال، يدلُّ على هذا
أنَّ ابن عمر ردَّ عليه ما قال: 2117 - فروى الجوزقيُّ في كتابه المخرَّج على "الصَّحيحين" من حديث بكر بن عبد الله قال: قال ابن عمر: ذهل أنس، إنَّما أهلَّ بالحجِّ. والثَّالث: أنَّ قول أنس قد تأوَّله بعض العلماء، فقال: يحتمل أن يكون أنس سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلِّم بعض النَّاس. وأمَّا حديث عمر: ففي بعض ألفاظ " الصَّحيح ": " عمرةٌ وحجَّةٌ " (1) واللفظ الذي ذكرتموه محمولٌ على معنى تحصيلهما جميعًا، لأنَّ عمرة المتمتع واقعةٌ في أشهر الحجِّ، وعلى هذا تحمل باقي الأحاديث. وأمَّا حديث ابن عبَّاس: فقال التِّرمذيُّ: صحيحه موقوفٌ على عكرمة (2). ز: لا يخفى على لبيب أنَّ جواب المؤلِّف هذا فيه خللٌ من وجوه عديدة، ولولا مخافة التَّطويل لذكرتها. وقوله: (أنَّ أنسًا صبيًّا حينئذٍ) غلطٌ، فإنَّه كان بالغًا بالإجماع، بل كان ابن نحو من عشرين سنة، وكأنَّ المؤلِّف نسي قوله في مسألة الجهر: (لأنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هاجر إلى المدينة ولأنس عشر سنين، ومات وله عشرون سنة، فكيف يتصوَّر أن يصلِّي خلفه عشر سنين فلا يسمعه يومًا من الدَّهر يجهر؟). 2118 - وقد روى بكر عن أنس قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلبِّي بالحجِّ والعمرة جميعًا. قال بكر: فحدَّثت بذلك ابن عمر فقال: لبَّى بالحجِّ
وحده. فلقيت أنسًا فحدَّثته بقول ابن عمر، فقال أنس: ما يعدونا (1) إلا صبيانًا! سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لبَّيك عمرةً وحجًّا ". متفقٌّ عليه (2)، وهذا لفظ مسلم O. احتجَّ أصحاب الشَّافعيِّ بثلاثة أحاديث: 2119 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا عبد الرَّحمن عن مالك عن عبد الرَّحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفرد بالحجِّ (3). انفرد بإخراجه مسلم (4). 2120 - الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا البغويُّ ثنا صلت بن مسعود ثنا عبَّاد بن عبَّاد ثنا عبد الله (5) عن نافع عن ابن عمر قال: أهللنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحجِّ مفردًا (6). 2121 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا ابن مخلد ثنا عليُّ بن محمَّد بن معاوية ثنا عبد الله بن نافع عن عبد الله (7) بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
استعمل عتَّاب بن أسيد على الحجِّ فأفرد، ثُمَّ استعمل أبا بكر سنة تسع فأفرد الحجَّ، ثُمَّ حجَّ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سنة عشر فأفرد الحجَّ، ثم استخلف أبا بكر (1) فبعث عمر فأفرد الحجَّ، ثم استخلف عمر فبعث عبد الرَّحمن بن عوف فأفرد الحجَّ، ثُمَّ حصر عثمان فأقام عبد الله بن عبَّاس للنَّاس فأفرد الحجَّ (2). 2122 - الحديث الثَّالث: قال أبو داود: حدَّثنا قتيبة ثنا الليث عن أبي الزُّبير عن جابر قال: أقبلنا مُهلِّين مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحجِّ مُفردًا (3). والجواب: أمَّا حديث عائشة: فجوابه من سبعة أوجه: أحدها: أنَّه من أفراد مسلم، وقد روينا عنها في المتفق عليه ضدَّ هذا، وذلك مقدَّمٌ. والثَّاني: أنَّ أحاديثنا أصحُّ وأكثر. والثَّالث: أنَّ أحاديثنا تتضمَّن زيادةً، فهي أولى. والرَّابع: أنَّه محمولٌ (4) على أنَّه أفرد أعمال العمرة عن أعمال الحجِّ، وكلذلك يفعل المتمتع. والخامس: أنَّا نحمله على أنَّه لمَّا فرغ من عمرة أحرم بحجٍّ مفردٍ، ولم يضف إليه عمرةً أخرى.
والسَّادس: أنَّا نقول: قد روي أنَّه أفرد أو قرن، وأنَّ الأحاديث تعارضت، فقد بقي لنا ما لا خلاف فيه: أنَّه أمر أصحابه بالفسخ للتَّمتُّع، وتأسَّف إذ لم يمكنه ذلك لسوق الهدي، فقال: " لو أنِّي استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة ". ولولا أنَّ التَّمتُّع هو الأفضل لم يأمر به، ولم يتأسَّف عليه. والسَّابع: أنَّه قد نقل أبو طالب عن أحمد أنَّه قال: كان هذا في المدينة - يعني ما نقل أنَّه أفرد-، فلمَّا وصل إلى مكَّة فسخ على أصحابه، وتأسَّف على التَّمتُّع، فدلَّ على أنَّه الأفضل، لأنَّه آخر الأمرين من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وهذا المعتمد عليه في جواب حديث جابر. وأمَّا حديث ابن عمر: ففي إسناده عبد الله بن نافع، قال يحيى: ليس بشيءٍ. وقال النَّسائيُّ: متروك الحديث (1). وفيه عبد الله (2) بن عمر العُمريُّ، قال يحيى: ضعيف (3). وقال ابن حِبَّان: يستحق التَّرك (4). ز: حديث ابن عمر من رواية عبَّاد بن عبَّاد: رواه مسلمٌ في "صحيحه"فقال: 2123 - حدَّثنا يحيى بن أيوب وعبد الله بن عون الهلاليُّ قالا: ثنا عبَّاد ابن عبَّاد المهلبيُّ ثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر في رواية يحيى:
قال: أهللنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحجِّ مفردًا. وفي رواية ابن عون: أنَّ رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهلَّ بالحجِّ مفردًا (1). كذا رواه من حديث عبَّاد عن عبيد الله، والمؤلِّف ساقه من طريق الدَّارَقُطْنِيُّ وقال فيه: (عن عبد الله) كذا وجدته في النُّسخة التي نقلت منها، والصَّواب ما رواه مسلم، وكذا وجدته في نسخةٍ أخرى، والله أعلم. وأمَّا حديث ابن عمر من رواية ابن نافع: 2124 - فروى التِّرمذيُّ عن قتيبة عن عبد الله بن نافع الصَّائغ عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفرد الحجَّ، وأفرد أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم (2). وعبد الله بن عمر العمريُّ قد تكلَّم فيه غير واحدٍ من الأئمة من قبل حفظه. وأمَّا قول المؤلِّف: (وأمَّا حديث ابن عمر: ففي إسناده عبد الله بن نافع، قال يحيى: ليس بشيءٍ. وقال النَّسائيُّ: متروك الحديث) فخطأٌ منه، فإنَّ الذي تكلَّم فيه يحيى والنَّسائيُّ هو عبد الله بن نافع مولى ابن عمر، وأمَّا راوي هذا الحديث فهو الصَّائغ صاحب مالك، وقد روى له مسلمٌ في "صحيحه" (3)، ووثَّقه يحيى بن معين (4) والنَّسائيُّ (5)، وقد تكلَّم بعض
مسألة (401): الأفضل أن يحرم المتمتع بالحج يوم التروية.
الأئمة في حفظه، وهو ممَّن يروي عن عبد الله بن نافع مولى ابن عمر؛ وقد ذكر المؤلِّف في كتابه عبد الله بن نافع مولى ابن عمر، وذكر كلام يحيى والنَّسائيِّ وغيرهما فيه، ثُمَّ قال: وجملة من يجئ في الحديث (عبد الله بن نافع) سبعة، لم نر طعنًا في أحدٍ منهم سوى هذا (1)! وأمَّا حديث جابر: فرواه مسلمٌ في "صحيحه" عن قتيبة ومحمَّد بن رمح كلاهما عن الليث به (2)، ورواه النَّسائيُّ عن قتيبة (3). وغالب أجوبة المصنِّف عن حديث عائشة فيها نظرٌ، والله أعلم O. مسألة (401): الأفضل أن يحرم المتمتِّع بالحجِّ يوم التَّروية. وقال أبو حنيفة: يستحب تقديمه على يوم التَّروية. وقال الشَّافعيُّ: إن كان معه هديٌ أحرم يوم التَّروية بعد الزَّوال، وإن لم يكن معه هديٌ أحرم ليلة السَّادس من ذي الحجَّة. 2125 - قال مسلم بن الحجَّاج: حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا حاتم ابن إسماعيل المدنيُّ عن جعفر بن محمَّد عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال: أمرنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالفسخ، فحلَّ النَّاس كلُّهم وقصَّروا إلا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن كان معه هديٌ، فلمَّا كان يوم التَّروية توجَّهوا إلى منى، فأهلُّوا بالحجِّ (4).
مسألة (402): المتمتع إذا ساق الهدي لم يجز له أن يتحلل، ولكن إذا
انفرد بإخراجه مسلمٌ. ***** مسألة (402): المتمتع إذا ساق الهدي لم يجز له أن يتحلَّل، ولكن إذا طاف وسعى للعمرة أهلَّ بالحجِّ، فإذا فرغ من الحجِّ تحلَّل منهما جميعًا. وروي عنه: أنَّه يحلُّ بالتَّقصير فقط. وروي عنه: أنَّه إن قدم قبل العشر جاز له التَّحلُّل، وإن قدم في العشر لم يجز له التَّحلُّل. قال القاضي أبو يعلى: والمذهب الصَّحيح عندي الأوَّل. لنا: حديث ابن عمر قال: كنَّا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متمتعين فقال: " من ساق الهدي فلا يتحلَّل، ومن لم يسق فليتحلَّل ". وقد ذكرناه بإسناده في مسألة التَّمتُّع (1)، والله أعلم. ***** مسألة (403): يجوز فسخ الحجِّ إلى العمرة إذا لم يسق الهديَّ، خلافًا لأكثرهم.
وقد سبقت الأحاديث بأسانيدها في أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر أصحابه أن يفسخوا الحجَّ إلى العمرة، وتأسَّف على كونه لم يفسخ لأجل سوق الهدي (1). قال أحمد بن حنبل: عندي ثمانية عشر حديثًا صحاحًا في فسخ الحجِّ (2). قال: ويروى في الفسخ عن عشرة من الصَّحابة. احتجَّ الخصم بحديث بلال بن الحارث، وبحديث أبي ذرٍّ، وأنَّ الفسخ كان خاصًا للصَّحابة، وقد سبق ذلك وجوابه (3). وقال أحمد بن حنبل: حديث بلال لا أقول به، لا يعرف هذا الرَّجل ولم يروه إلا الدراورديّ، وأحد عشر رجلاً من الصَّحابة يروون عنه في الفسخ، أين يقع بلال بن الحارث منهم؟! (4). *****
مسائل الإحرام
مسائل الإحرام مسألة (404): لا يجوز للمحرمة ليس القفَّازين. وقال أبو حنيفة: يجوز. وعن الشَّافعي كالمذهبين. 2126 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا يعلى بن عبيد ثنا محمَّد بن إسحاق عن عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله نهى النِّساء في الإحرام عن القفَّازين والنِّقاب، وما مسَّه الورس (1) والزَّعفران من الثِّياب (2). 2127 - وقال التِّرمذيُّ: حدَّثنا قتيبة ثنا الليث عن نافع عن ابن عمر النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تنتقب المرأة الحرام، ولا تلبس القفَّازين ". قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (3). ز: حديث ابن إسحاق: رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل عن يعقوب إبراهيم بن سعد عن أبيه بأطول من هذا (4). وحديث الليث: رواه البخاريُّ عن عبد الله بن يزيد (5)، ورواه
مسألة (405): لا ينقطع حكم الإحرام بالموت.
أبو داود (1) والنَّسائيُّ (2) جميعًا عن قتيبة كلاهما عنه به. قال البخاريُّ: تابعه موسى بن عقبة وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة وجويرية وابن إسحاق في النِّقاب والقفَّازين، وقال عبيد الله: (ولا ورس)، وكان يقول: (لا تنتقب المحرمة ولا تليس القفَّازين)، وقال مالك عن نافع عن ابن عمر: (لا تنتقب المحرمة)، وتابعه ليث بن أبي سليم. وقال أبو داود: وقد روى هذا الحديث حاتم بن إسماعيل ويحيى بن أيوب عن موسى بن عقبة عن نافع على ما قال الليث، ورواه موسى بن طارق عن موسى بن عقبة موقوفًا على ابن عمر، وكذلك رواه عبيد الله ومالك وأيوب موقوفًا O. ***** مسألة (405): لا ينقطع حكم الإحرام بالموت. وقد ذكرنا هذه المسألة في كتاب الجنائز فلتنظر من ثَمَّ (3). ***** مسألة (406): يجوز للرَّجل ستر وجهه في الإحرام. وعنه: لا يجوز، وبه قال أبو حنيفة ومالك.
لنا: قوله عليه السَّلام في المحرم: " ولا تخمِّروا (1) رأسه ". وقد سبق في مسائل الجنائز (2). وقد روى أصحابنا أنَّه قال في المحرم: " خمِّروا وجهه، ولا تخمِّروا رأسه ". ز: في بعض ألفاظ مسلم: " ولا تغطوا وجهه، فإنَّه يبعث يلبِّي " (3). وله أيضًا: " خارجٌ رأسُه ووجهُه " (4). 2128 - وقد روى الشَّافعيُّ من حديث إبراهيم بن أبي حُرَة (5) عن سعيد بن جبير عن ابن عبَّاس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " وخمِّروا وجهه، ولا تخمِّروا رأسه " (6). وإبراهيم: وثَّقه يحيى (7) وأحمد (8) وأبو حاتم (9). 2129 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ في كتاب "العلل": حدَّثنا أبو بكر الشَّافعيُّ ثنا موسى بن الحسن ثنا القَعْنَبِيُّ ثنا ابن أبي ذئب عن الزُّهريُّ عن أبان بن عثمان
مسألة (407): إذا عدم الإزار وليس السراويل فلا فدية عليه (2).
عن عثمان بن عفَّان: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخمِّر وجهه وهو محرمٌ. قال الدَّارَقُطْنِيُّ: هكذا كان في كتاب أبي بكر مرفوعًا، والصَّواب موقوف: 2130 - أخبرنا إسماعيل الصَّفار وحمزة بن محمَّد قالا: ثنا إسماعيل بن إسحاق ثنا عليٌّ- يعني: ابن المدينيِّ- ثنا سفيان قال: سمعت عبد الله بن أبي بكر يقول: أخبرني عبد الله بن عامر بن ربيعة أنَّه رأى عثمان بالعُرْج مخمِّرًا وجهه بقطيفة أرجوان في يوم صائفٍ وهو محرم (1). والله أعلم O. ***** مسألة (407): إذا عدم الإزار وليس السَّراويل فلا فدية عليه (2). لنا حديثان: 2131 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا هُشيم أنا عمرو بن دينار عن جابر بن زيد عن ابن عبَّاس قال: خطب رسود الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " إذا لم يجد الحرم إزارًا فليلبس السَّراويل، وإذا لم يجد النَّعلين فليلبس الخفَّين " (3). أخرجاه في "الصَّحيحين" (4).
2132 - طريقٌ آخر: قال أحمد: وحدَّثنا يحيى عن ابن جريج قال: أخبرني عمرو بن دينار أنَّ أبا الشَّعثاء أخبره أنَّ ابن عبَّاس أخبره أنه سمع رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من لم يجد إزارًا ووجد سراويل فليلبسه، ومن لم يجد نعلين ووجد خفَّين فليلبسهما ". قلت: ولم يقل: ليقطعهما؟ قال: لا (1). ز: رواه مسلم عن علي بن خَشْرَم عن عيسى بن يونس عن ابن جريج، ولم يسق متنه (2) O. 2133 - الحديث الثَّاني: قال أحمد: وحدَّثنا يحيى بن آدم ثنا زهير عن أبي الزُّبير عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من لم يجد نعلين فليلبس خفَّين، ومن لم يجد إزارًا فليلبسهما سراويل " (3). انفرد بإخراجه مسلمٌ (4). احتجُّوا: 2134 - بما رواه الإمام أحمد قال: حدَّثنا سفيان عن الزُّهريِّ عن سالم عن أبيه قال: سأل رجلٌ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما يلبس المحرم من الثِّياب؟ - وقال سفيان مرَّة: ما يترك المحرم من الثِّياب؟ - فقال: " لا يلبس القميص، ولا البُرنس، ولا السَّراويل، ولا العمامة، ولا ثوبًا مسه الوَرْس ولا الزَّعفران، ولا الخفَّين، إلا لمن لا يجد نعلين، فمن لا يجد نعلين فليلبس الخفَّين، وليقطعهما حتَّى يكونا أسفل من الكعبين " (5).
فصل (408): فإذا عدم النعلين ولبس الخفين
أخرجه البخاريُّ ومسلمٌ في "الصَّحيحين" (1). والجواب: أنَّ الرُّواة لهذا الحديث اختلفوا، قال أبو داود: رواه موسى ابن عقبة وعبيد الله بن عمر ومالك وأيُّوب موقوفًا على ابن عمر (2). ثُمَّ نقول: يجوز القطع (3). ***** فصلٌ (408): فإذا عدم النَّعلين ولبس الخفَّين فلا فدية. وقال أكثرهم: لا يجوز له لبسهما حتَّى يقطعهما أسفل من الكعبين، فإن لبسهما لزمته الفدية. لنا: ما تقدَّم من الحديث.
ز: قال صاحب "المغني" فيه: واحتجَّ أحمد: بحديث ابن عبَّاس وجابر: " من لم يجد نعلين فليلبس خفين ". مع: 2135 - قول عليٍّ رضي الله عنه: قطع الخفَّين فسادٌ، يلبسهما كما هما. مع موفقة القياس، فإنَّه ملبوسٌ أبيح لعدم غيره، فأشبه السَّراويل، وقطعه لا يخرجه عن حالة الحظر، فإنَّ لبس المقطوع محرمٌ مع القدرة على النَّعلين كلبس الصَّحيح، وفيه إتلاف ماليّته، وقد نهى النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن إضاعته. فأمَّا حديث ابن عمر: فقد قيل: إنَّ قوله: (وليقطعهما) من كلام نافع. 2136 - كذلك رويناه في " أمالي أبي القاسم بن بشران " (1) بإسنادٍ صحيحٍ أنَّ نافعًا قال بعد روايته للحديث: وليقطع الخفَّين أسفل من الكعبن (2). 2137 - وروى ابن أبي موسى عن صفيَّة بنت أبي عبيد عن عائشة رضي الله عنها أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رخَّص للمحرم أن يليس الخفَّين ولا يقطعهما. وكان ابن عمر يفتي بقطعهما، قالت صفيَّة: فلمَّا أخبرته بهذا رجع. 2138 - وروى أبو حفص في " شرحه " بإسناده عن عبد الرَّحمن بن عوف أنَّه طاف وعليه خفَّان، فقال له عمر: والخفَّان مع القباء؟! قال: قد لبستهما مع من هو خير منك- يعني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ويحتمل أن يكون الأمر بقطعهما منسوخًا، فإنَّ عمرو بن دينار روى
مسألة (409): لا يجوز لبس الخف المقطوع من أسفل الكعب مع
الحديثين جميعًا، وقال: انظروا أيّهما كان قبلٌ. قال الدَّارَقُطْنِيُّ (1): قال أبو بكر النَّيسابوريُّ: حديث ابن عمر قَبلُ، لأنَّه قد جاء في بعض رواياته قال: (نادى رجلٌ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو بالمسجد- يعني المدينة-) فكأنَّه كان قبل الإحرام، وفي حديث ابن عبَّاس يقول: (سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب بعرفات يقول: " من لم يجد نعلين فليلبس خفَّين "). فيدلُّ على تأخره عن حديث ابن عمر، فيكون ناسخًا له، لأنَّه لو كان القطع واجبًا لبيَّنه للنَّاس، إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه؟ والمفهوم من إطلاق لبسِهما: لبسُهما على حالهما من غير قطعٍ. والأولى قطعهما عملاً بالحديث الصَّحيح، وخروجًا من الخلاف، وأخذًا بالاحتياط (2). انتهى كلامه O. ***** مسألة (409): لا يجوز لبس الخفِّ المقطوع من أسفل الكعب مع وجود النَّعل، فإن لبس افتدى، خلافًا لأبي حنيفة، وأحد قولي الشَّّافعيِّ. لنا: أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شرط في جواز لبسهما عدم النَّعلين على ما تقدَّم. *****
مسألة (410): لا يجوز له تظليل المحمل، فإن ظلل ففي الفدية
مسألة (410): لا يجوز له تظليل المحمل، فإن ظلَّل ففي الفدية روايتان. وقال أبو حنيفة والشَّافعيُّ: يجوز ولا فدية عليه. لنا: أنَّ رسول الله وأصحابه دخلوا مكة مُضْحِين، وقال: " خذوا عنِّي ". احتجُّوا: 2139 - بما رواه أبو داود، قال: حدَّثنا أحمد بن حنبل ثنا محمَّد بن [سلمة] (1) عن أبي عبد الرَّحيم عن زيد بن أبي أُنيسة عن يحيى بن حُصَين عن أم الحُصَين قالت: حججنا مع النَّبيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجَّة الوداع، فرأيت أسامة وبلالاً وأحدهما آخذٌ بخطام ناقة النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والآخر رافعٌ ثوبه يستره من الحرِّ، حتَّى رمى جمرة العقبة (2). والجواب من وجهين: أحدهما: أنَّ أبا عبد الرَّحيم ضعيفٌ. والثَّاني: أنَّه يحتمل أن يكون رافع الثَّوب لم يظلِّل به، وإنَّما رفعه من ناحية الشَّمس. ز: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، رواه مسلمٌ في "صحيحه" عن أحمد
ابن حنبل (1)، ورواه النَّسائيُّ عن أبي أميَّة عمرو بن هشام الحرانيِّ عن محمَّد بن سلمة بإسناده نحوه (2). وأبو عبد الرَّحيم هو: الحرانيُّ، واسمه: خالد بن أبي يزيد، وقد وثَّقه يحيى بن معين (3) وغيره، واحتجَّ به مسلمٌ في "صحيحه" (4) ولا نعلم أحدًا تكلَّم فيه، وقد أخطأ المؤلِّف في تضعيفه: وهو [راوية] (5) زيد بن أبي أنيسة، وخال محمَّد بن سلمة- الرَّاوي عنه-، ومحمَّدٌ أروى النَّاس عنه. ولم يتفرَّد أبو عبد الرَّحيم بهذا الحديث عن زيد، فقد رواه مسلمٌ من رواية معقل بن عبيد الله عن زيد (6). وقد قيل: إنَّ الوجه الثَّاني الذي ذكره المؤلِّف لا يستقيم، فإنَّ التَّظليل على النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّما كان بعد الزَّوال، والشَّمس في الصَّيف، وهي على أعلى الرؤوس، فتعيَّن كون التَّظليل على رأسه صلوات الله عليه (7) O. *****
مسألة (411): إذا ادهن بالشيرج (1) والزيت فلا فدية عليه.
مسألة (411): إذا ادَّهن بالشَيْرَج (1) والزَّيت فلا فدية عليه. وعنه: عليه الفدية، كقول أبي حنيفة. وقال الشَّافعيُّ: إن دهن رأسه أو وجهه فعليه الفدية، وفي بقية البدن كقولنا. 2140 - قال التَّرمذيًّ: حدَّثنا هنَّاد ثنا وكيع عن حمَّاد بن سلمة عن فرقد السَّبخيِّ عن سعيد بن جبير عن ابن عمر أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يدّهن بالزَّيت- وهو محرمٌ- غير مُقَتَّت (2). والمُقَتَّتُ: المطيَّب (3). قال المصنِّف: لا يعرف إلا من حديث فرقد، وقد ضعَّفوه. ز: رواه الإمام أحمد (4) وابن ماجة (5) من حديث فرقد أيضًا، والأكثر على تضعيفه، وقد وثَّقه يحيى بن معين في رواية عثمان بن سعيد الدَّارميِّ عنه (6).
مسألة (412): يجوز للمحرها لبس المعصفر.
ولم يذكر ابن عساكر وشيخنا في " الأطراف " هذا الحديث إلا من رواية ابن ماجة فقط (1)، وكذلك الحافظ أبو عبد الله المقدسيُّ في " الأحكام "، والله أعلم O. ***** مسألة (412): يجوز للمحرها لبس المعصفر. وقال أبو حنيفة ومالك: لا يجوز. 2141 - قال أبو داود: حدَّثنا أحمد بن حنبل ثنا يعقوب ثنا أبي عن ابن إسحاق قال: حدَّثني نافع عن ابن عمر عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه نهى النِّساء في إحرامهن عن القُفَّازين والنِّقاب، وما مسَّ الورس والزَّعفران من الثِّياب، ولتليس بعد ذلك ما أحبَّت من ألوان الثِّياب معصفرًا أو خزًّا (2). *****
مسألة (413): لا يجوز للمحرم لبس ثوب مبخر.
مسألة (413): لا يجوز للمحرم لبس ثوبٍ مبخَّرٍ. وقال أبو حنيفة: يجوز. لنا: أنَّ النَّبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن لبس ثوبٍ مسَّه وَرْسٌ أو زعفران، وقد سبق هذا (1). ***** مسألة (414): لا تلزمه الفدية بشمِّ شيءٍ من الرَّياحن. وعنه: عليه الفدية. وعنه: يحرم ما نبت بنفسه، دون ما ينبتُه النَّاس. وقد قال الشَّافعيُّ: شمُّ الورد يوجب الفدية، وفي الرَّيحان قولان. استدلَّ أصحابنا: 2142 - بأنَّ عثمان سُئل عن المحرم: أيدخل البستان؟ فقال: نعم ويشمُّ الرَّيحان. 2143 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا ابن مخلد ثنا سعدان بن نصر ثنا أبو معاوية الضَّرير عن ابن جريج عن أيوب السَّختيانيِّ عن عكرمة عن ابن عبَّاس
قال: المحرم يشمُّ الرَّيحان، ولدخل الحمَّام (1). ز: 2144 - هذا الأثر المروي عن عثمان في شمِّ المحرم الرَّيحان، أخبرنا به شيخنا الإمام الحافظ ذو التَّحرير والإتقان (2)، أبو الحجَّاج يوسف بن الزَّكي [عبد الرَّحمن] (3) قال: أنبأنا غير واحدٍ من المشايخ الأعيان، منهم: أبو الغنائم المسلم بن محمَّد بن علان، قالوا: أجاز لنا أبو طاهر بركات بن إبراهيم الخشوعيُّ محدِّث ذاك الأوان، أنا جمال الإسلام أبو الحسن مفتي الزَّمان، ثنا عبد العزيز ابن أحمد بيَّاع الكِتَّان، قال: حدَّثني أبو نصر عبد الوهَّاب بن عبد الله المزيُّ الجبَّان، ثنا أبو هاشم عبد الجبَّار بن عبد الصَّمد معلِّم الصِّبيان، ثنا أبو إسحاق إبراهيم المودبان، ثنا أبو جعفر بن نصر واسمه حمدان، ثنا نصر بن أبان، ثنا الوليد بن الزنبيان (4)، ثنا المعافى بن عمران، ثنا جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران، عن حمران بن أبان، عن أبان بن عثمان، عن عثمان بن عفَّان، في المحرم يدخل البستان، قال: نعم ويشمُّ الرَّيحان. هذا حديثٌ موضوعٌ، وإسناد مصنوعٌ، عند أدنى من له بصيرة في هذا الشَّأن، وضعه بعض المجاهيل بلا ريب، فالله المستعان. 2145 - وقد روى البيهقيُّ من رواية ابن جريج عن أبي الزُّبير أنَّه سمع
مسألة (415): إذا غسل المحرم رأسه بالسدر والخطمي فلا فدية.
جابر بن عبد الله يُسأل عن الرَّيحان يشمُّه المحرم، والطِّيب والدُّهن؟ فقال: لا. 2146 - وروى من رواية أيوب عن نافع عن ابن عمر أنَّه كان يكره شمَّ الرَّيحان للمحرم (1) O. ***** مسألة (415): إذا غسل المحرم رأسه بالسِّدر والخطميِّ فلا فدية. وعنه: تلزمه الفدية، كقول أبي حنيفة. لنا: قوله عليه السَّلام في المحرم: " اغسلو" بماءٍ وسدرٍ "، وقد سبق بإسناده في (كتاب الجنائز) (2). إلا أنَّ الخصم يقول: إذا مات انقطع حكم إحرامه بالموت، وقد أبطلنا ذلك هناك. ***** مسألة (416) لا يصحُّ أن يعقد المحرم عقد النِّكاح. وقال أبو حنيفة: يصحُّ.
2147 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا يحيى بن سعيد عن مالك قال: حدَّثني نافع عن نبيه بن وهب عن أبان بن عثمان عن عثمان عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " المحرم لا يَنكح ولا يُنكِح ولا يَخطب " (1). انفرد بإخراجه مسلمٌ (2). احتجُّوا: 2148 - بما رواه الإمام أحمد قال: حدَّثنا عفَّان ثنا وهيب ثنا عبد الله ابن طاوس عن أبيه عن ابن عبَّاس أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نكح ميمونة وهو محرمٌ (3). أخرجاه في "الصَّحيحين" (4). 2149 - قال أحمد: وحدَّثنا يونس ثنا حمَّاد بن سلمة عن حُميد عن عكرمة عن ابن عبَّاس أنَّ النَّبيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوج ميمونة بنت الحارث وهما محرمان (5). ز: رواه النَّسائيُّ عن محمَّد بن إسحاق الصَّاغانيِّ عن أحمد بن إسحاق عن حمَّاد بن سلمة (6).
ورواه أيضًا عن إبراهيم بن يونس بن محمَّد عن أبيه عن حمَّاد بن سلمة عن حميد عن مجاهد عن ابن عبَّاس (1). وهذا مخالفٌ لرواية أحمد عن يونس، فإنَّ فيها (عن عكرمة) والله أعلم O. والجواب: أنَّ ميمونة أخبرت بضدِّ هذا، والإنسان أعرف بحال نفسه من غيره. 2150 - قال أحمد: ثنا يحيى بن إسحاق ثنا حمَّاد بن سلمة عن حبيب ابن الشَّهيد عن ميمون بن مهران عن يزيد بن الأصم عن ميمونة قالت: تزوَّجني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا حلال، بعدما رجعنا من مكَّة (2). ز: رواه أبو داود عن موسى بن إسماعيل عن حمَّاد بنحوه: تزوَّجني النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونحن حلالان بسرف (3) O. 2151 - قال أحمد: وحدَّثنا وهب بن جرير ثنا أبي قال: سمعت أبا فزارة يحدِّث عن يزيد بن الأصم عن ميمونة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوَّجها حلالاً، وبنى بها حلالاً. وماتت بسَرِف فدفنها في الظُّلَّة التي بنى فيها. فنزلنا في قيرها أنا وابن عبَّاس (4). انفرد بإخراج هذا الحديث مسلمٌ (5).
2152 - قال أحمد: وحدَّثنا عفَّان ويونس قالا: ثنا حمَّاد بن زيد ثنا مطر عن ربيعة بن أبي عبد الرَّحمن عن سليمان بن يسار عن أبي رافع مولى رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّ رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوَّج ميمونة حلالاً، وكنت الرَّسول بينهما (1). ز: رواه التِّرمذيُّ عن قتيبة عن حمَّاد به، وقال: حسنٌ، ولا نعلم أحدًا أسنده غير حمَّاد عن مطر، ورواه مالك عن ربيعة عن سليمان أنَّ النَّبيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورواه سليمان بن بلال عن ربيعة مرسلاً (2). 2153 - وقال الحافظ أبو بكر الخطيب: أخبرنا عبد الله بن محمَّد بن عبد الله الخفَّاف أنا محمَّد بن المظفَّّر ثنا محمَّد بن القاسم بن عبد الرَّحمن بن أبي نزار ثنا ياسن بن محمَّد الأنباريُّ ثنا محمَّد بن سليمان بن أبي داود الأنباريُّ ثنا أبو ضمرة عن ربيعة عن أنس قال: بعث النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا رافع ورجلاً من الأنصار فأنكحاه ميمونة قبل أن يحرم. هذا حديثٌ غريبٌ من هذا الوجه، وفي إسناده من تجهل حاله، والصَّواب رواية ربيعة عن سليمان، والله أعلم O. 2154 - وروى أبو داود أنَّ سعيد بن المسيَّب قال: وهم ابن عبَّاس في قوله: (تزوَّج ميمونة وهو محرمٌ) (3).
وقد حمل بعض أصحابنا قول ابن عبَّاس (وهو محرم) أي: في شهرٍ حرام. قال الشَّاعر: قتلوا ابن عفَّان الخليفة محرمًا ....................... أي: في شهرٍ حرام. ز: قال الخطيب: أخبرنا أبو نصر أحمد بن عبد الله الثَّابتيُّ أنا أحمد بن محمَّد بن موسى القرشيُّ أنا محمَّد بن يحيى ثنا أحمد بن يزيد المهلَّبيُّ ثنا حمَّاد بن إسحاق الموصليُّ عن أبيه إسحاق قال: سأل الرَّشيد عن بيت الرَّاعي: قتلوا ابن عفان الخليفة محرمًا ودعا فلم أر مثله مخذولاً ما معنى: محرمًا؟ فقال الكسائيُّ: أحرم بالحجِّ. فقال الأصمعيُّ: ما كان أحرم بالحجِّ، ولا أراد الشَّاعر أنَّه أيضًا في شهرٍ حرامٍ، فيقال: (أحرم) إذا دخل فيه، كما يقال: (أشهر) إذا دخل في الشَّهر، و (أعام) إذا دخل في العام. فقال الكسائيُّ: ما هو غير هذا؟! وإلا فما أراد؟! فقال الأصمعيُّ:
مسألة (417): إذا أفسد الحج والعمرة لزمه المضي في فاسدهما.
ما أراد عديُّ بن زيد بقوله: قتلوا كسرى بليل محرمًا ... فتولى لم يُمتع بكفن أيُّ احرام لكسرى؟! فقال الرَّشيد: فما المعنى؟ قال: كلُّ- من لم يأت شيئًا يوجب عليه عقوبةً فهو مُحرمٌ لا يحلُّ شيءٌ منه. فقال الرَّشيد: ما تطاق في الشِّعر يا أصمعيُّ! ثُمَّ قال: لا تعرضوا للأصمعيِّ في الشِّعر (1) O. ***** مسألة (417): إذا أفسد الحجَّ والعمرة لزمه المضي في فاسدهما. وقال داود: يخرج منهما. 2155 - قال سعيد بن منصور: حدَّثنا سفيان ثنا يزيد بن جابر (2) قال: سألت مجاهدًا: عن الرَّجل يأتي امرأته وهو محرمٌ، قال: كان ذلك على عهد عمر بن الخطَّّاب، فقال عمر: يقضيان حجَّهما- والله أعلم بحجِّهما-، ثمَّ يرجعان حلالاً، حتَّى إذا كان من قابل حجًّا وأهديًا. 2156 - قال سعيدٌ: وحدَّثنا هُشيم أنا أبو بشر قال: حدَّثني رجلٌ من قريش أنَّ رجلاً وقع بامرأته وهما محرمان، فقال ابن عبَّاس: اقضيا ما عليكما من نسككما هذا، وعليكما الحجُّ من قابلٍ. وقد روينا مثل هذا عن ابن عمر وعطاء وإبراهيم.
ز: ليس فيما ذكره ما ينهض حجَّة على داود، فإنَّ الأثرين اللذين ذكرهما من رواية سعيد لو كانا متصلين لم يحتجَّ بهما، فكيف وهما منقطعان؟! 2157 - وقد روى البيهقيُّ من رواية [عبيد الله] (1) بن عمر عن عمرو بن شعيب عن أبيه أنَّ رجلاً أتى عبد الله بن عَمرو ليسأله عن محرمٍ وقع بامرأته، فأشار إلى عبد الله بن عمر، فقال: اذهب إلى ذلك فسله. قال شعيب: فلم يعرفه الرَّجل، فذهبت معه، فسأل ابن عمر، فقال: بطل حجُّك. قال الرَّجل: فما أصنع؟ قال: اخرج مع النَّاس واصنع ما يصنعون، فإذا أدركت قابل فحجَّ واهد. فرجع إلى عبد الله بن عمرو- وأنا معه- فأخبره، فقال: اذهب إلى ابن عبَّاس فسله. قال شعيب: فذهبت معه إلى ابنِ عبَّاس فسأله، فقال له كما قال ابن عمر، فرجع إلى عبد الله بن عمرو- وأنا معه- فأخبره بما قال ابن عبَّاس، ثُمَّ قال: ما تقول أنت؟ فقال: قولي مثل ماقالا. قال البيهقيُّ: هذا إسنادٌ صحيحٌ، وفيه دليلٌ على صحَّة سماع شعيب بن محمَّد بن عبد الله من جدِّه عبد الله بن عمرو (2) O. *****
مسألة (418): يجب الجزاء بقتل الصيد خطأ.
مسائل جزاء الصيد مسألة (418): يجب الجزاء بقتل الصَّيد خطأ. وعنه: لا يجب، كقول داود. 2158 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: أخبرنا محمَّد بن القاسم بن زكريا ثنا أبو كريب ثنا قبيصة عن جرير بن حازم فقال: حدَّثني عبد الله بن عبيد بن عمير عن (1) عبد الرَّحمن بن أبي عمَّار (2) عن جابر بن عبد الله قال: سئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الضبع، فقال: " هي صيدٌ ". وجعل فيها إذا أصابها المحرم كبشًا (3). قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ. ز:/ رواه أبو داود عن محمَّد بن عبد الله الخُزاعيِّ عن جريرٍ به (4). ورواه التِّرمذيُّ عن أحمد بن منيع عن إسماعيل بن إبراهيم عن ابن جريج عن عبد الله بمعناه، وقال: حسنٌ صحيحٌ، وقال عليٌّ: قال يحيى بن سعيد: روى جرير بن حازم هذا فقال: (عن جابر عن عمر). وحديث ابن جريجٍ أصحُّ (5).
مسألة (419): بيض النعام مضمون.
ورواه النَّسائيُّ عن محمَّد بن منصور عن سفيان عن ابن جريج نحوه (1). ورواه ابن ماجة عن عليِّ بن محمَّد عن وكيع عن جرير (2)، وعن هشام ابن عمَّار ومحمَّد بن الصَّبَّاح كلاهما عن عبد الله بن رجاء المكيِّ عن إسماعيل بن أميَّة عن عبد الله بن عبيد بمعناه (3) O. ***** مسألة (419): بيض النَّعام مضمونٌ. وقال داود: لا يضمن. لنا حديثان: 2159 - الحديث الأوَّل: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا محمَّد بن القاسم بن زكريا المحاربيُّ ثنا عبَّاد بن يعقوب ثنا إبراهيم بن أبي يحيى عن حسين بن عبد الله ابن عبيد الله عن عكرمة عن ابن عبَّاس عن كعب بن عُجرة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى في بيض النَّعام أصابه محرمٌ بقدر ثمنه (4). 2160 - الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ
ثنا عيسى بن أبي عمران ثنا الوليد بن مسلمٍ ثنا ابن جريجِ عن أبي الزِّناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " في بيضة نعامٍ صيامُ يومٍ أو إطعام مسكينٍ " (1). قال المصنِّف: هذا الحديث أصحُّ (2) من الأوَّل، والأوَّل ليس بشيءٍ. في الأوَّل: حسين بن عبد الله، قال ابن المدينيِّ: تركت حديثه (3). وقال السَّعديُّ: لا يشتغل بحديثه (4). وقال النَّسائيُّ: متروك الحديث (5). واختلف كلام يحيى بن معين: فقال تارة: هو ضعيفٌ (6)، وقال مرَّة: ليس به بأسٌ، يكتب حديثه (7). وفي الإسناد: إبراهيم بن أبي يحيى، وذاك ضعيفٌ بمرَّةٍ، وقد أطلق عليه الكذب مالك بن أنس (8) ويحيى بن سعيد (9) وابن معين (10)، وقال أحمد (11) والبخاريُّ (12): قد ترك النَّاس حديثه. وكذلك قال
النَّسائيُّ (1) والدَّارَقُطْنِيُّ (2): هو متروكٌ. وفي الإسناد: عبَّاد بن يعقوب، قال ابن حِبَّان: يروي المناكير عن المشاهير، فاستحقَّ التَّرك (3). وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ليس بضعيفٍ (4). ز: هذان الحديثان لم يخرجهما أحدُ من أصحاب " السُّنن "، والحديث الثَّاني منكرٌ جدًّا. وعيسى بن أبي عمران ليس بشيءٍ، قال ابن أبي حاتم: عيسى بن أبي عمران، أبو عمرو البزَّاز (5) الرَّمليُّ، روى عن الوليد بن مسلم وضمرة بن ربيعة وأيُّوب بن سويد، كتبت عنه بالرَّملة، فنظر أبي في حديثه فقال: يدلُّ حديثه أنَّه غير صدوقٍ. فتركت الرِّواية عنه (6). وقال ابن عَدِيٍّ: عيسى بن عبد الله بن سليمان القرشيُّ العسقلانيُّ، ضعيفٌ يسرق الحديث (7). والظَّاهر أنَّ هذا هو ابن أبي عمران، فإنَّ ابن عَدِيٍّ روى له أحاديث منكرة عن الوليد بن مسلم؛ وذكر الخطيب أنَّ عيسى بن عبد الله العسقلانيَّ نزل بغداد، وحدَّث عن الوليد بن مسلم وضمرة وآدم بن أبي إياس، وروى عنه ابن مخلد وغيره (8) O. *****
مسألة (420): الدال على الصيد يلزمه الجزاء إذا كان محرما.
مسألة (420): الدَّال على الصَّيد يلزمه الجزاء إذا كان محرمًا. وقال مالكٌ والشَّافعيُّ: لا يلزمه. لنا: 2161 - ما روى أبو بكر الجوزقيُّ في كتابه المخرَّج على "الصَّحيحين" من حديث أبي قتادة أنَّه كان مع أناسٍ من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهم محرمون، وأبو قتادة ليس بمحرمٍ، فصرع حمار وحشٍ فأكل من لحمه، وأبى أصحابه أن يأكلوا، وأنَّهم سألوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " أشرتم أو قتلتم أو صدتم؟ " قالوا: لا. قال: " فلا بأس به، كلوا ". فوجه الدَّليل: أنَّه سوَّى بين الإشارة والقتل. ز: أصل حديث أبي قتادة في "الصَّحيحين"، وفي بعض ألفاظه: قال: " هل معكم أحدٌ أمره، أو أشار إليه بشيءٍ؟ " قالوا: لا. قال: " فكلوا ما بقي من لحمها " (1). وفي لفظٍ: " أمنكم أحدٌ أمره أن يحمل عليها، أو أشار إليها " (2) O. ***** مسألة (421): ما لا يؤكل لحمه، ولا هو متولِّدٌ ممَّا يؤكل لحمه- كالسَّبع والنِّسر-، لا يضمن بالجزاء.
وقال أبو حنيفة: يضمن. 2162 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا سفيان عن الزُّهريِّ عن سالم عن أبيه قال: سئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ما يقتل المحرم من الدَّواب؟ فقال: " خمسٌ لا جناح في قتلهنَّ على من قتلهنَّ (1): العقرب، والفأرة، والغراب، والحدأة، والكلب العقور " (2). أخرجاه في "الصَّحيحين" (3)، وفيهما مثله من حديث عائشة (4) وحفصة (5). فالحجَّة فيه من وجهين: أحدهما: أن السَّبع يسمَّى كلبًا، قال عليه السَّلام في عتيبة بن أبي لهب: " اللهم سلَّط عليه كلبًا من كلابك ". فأكله السَّبع. والثَّاني: أنَّه لمَّا نصَّ على (الكلب العقور) نبَّه على السَّبع، لأنَّه أشدُّ ضررًا منه. *****
مسألة (422) إذا اشترك جماعة محرمون في قتل صيد، فعليهم جزاء
مسألة (422) إذا اشترك جماعة مُحْرِمُون في قتل صيدٍ، فعليهم جزاءٌ واحدٌ. وقال أبو حنيفة ومالك: على كلِّ واحدٍ منهم جزاءٌ كاملٌ. لنا: أنَّه سُئل عن الضَّبع فقال: " صيدٌ ". وجعل فيها كبشًا. وقد سبق بإسناده (1). ***** مسألة (423): يحرم على المحرم أكل ما صيد لأجله. وقال أبو حنيفة: لا يحرم. لنا ثلاثة أحاديث: 2163 - الحديث الأوَّل: قال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل: حدَّثنا إسحاق بن منصور ثنا عبد الله بن الزُّبير الحُميديُّ ثنا سفيان ثنا الزُّهريُّ قال: أخبرني عُبيد الله بن عبد الله أنَّه سمع ابن عبَّاس يقول: أخبرني الصَّعب ابن جَثَامة الليثيُّ قال: أهديتُ لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحم حمارِ وحشٍ وهو بالأبواء - أو بودَّان- فردَّه عليَّ، فلما رأى الكراهيَّة في وجهي، قال: " إنَّه ليس بنا ردٌّ عليك، ولكنَّا حرمٌ " (2).
أخرجاه في "الصَّحيحين" (1). قال الشَّافعيُّ: وجه هذا الحديث أنَّه إنَّما ردَّه عليه لمَّا ظنَّ أنَّه صِيد من أجله، فتركه على التَّنزُّه (2). 2164 - الحديث الثَّاني: قال الإمام أحمد: حدَّثنا أبو سلمة الخزاعيُّ ثنا عبد العزيز (3) عن عمرو بن أبي عمرو عن رجلٍ من الأنصار عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كلوا لحم الصَّيد وأنتم حرمٌ مالم تصيدوه أو يصاد لكم " (4). 2165 - طريقٌ آخرٌ: قال التِّرمذيُّ: حدَّثنا قتيبة ثنا يعقوب بن عبد الرَّحمن عن عمرو بن أبي عمرو عن المطَّلِب عن جابر أنَّ النَّبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " صيد البرِّ لكم حلالٌ وأنتم حرمٌ، مالم تصيدوه أو يصاد لكم " (5). قال التِّرمذيُّ: لا نعرف للمطَّلب سماعًا من جابر. قال المصنِّف: قلت: قال يحيى بن معين: عمرو بن أبي عمرو لا يحتجُّ بحديثه (6). وقال مرَّة: ليس بالقويِّ (7). وقال أحمد بن حنبل: ما به
بأسٌ (1). وقال الشَّافعيُّ: هذا أحسن حديثٍ روي في هذا الباب وأقيس (2). ز: روى هذا الحديث [أيضًا:] (3) أبو داود (4) والنَّسائيُّ عن قتيبة، وقال النَّسائيُّ: عمرو بن أبي عمرو ليس هو بالقويِّ في الحديث، وإن كان قد روى عنه مالك (5). ورواه أبو حاتم البستيُّ عن الحسن بن سفيان عن قتيبة (6)، ورواه الإمام أحمد أيضًا عن سعيد بن منصور وقتيبة كلاهما عن يعقوب (7). وعمرو بن أبي عمرو تكلَّم فيه غير واحد من الأئمة، ووثَّقه غير واحدٍ منهم، وأخرج له البخاريُّ ومسلمٌ في " صحيحيهما " (8). والمطَّلب بن عبد الله بن حَنْطب: ثقةٌ، إلا أنَّه لم يسمع من جابر فيما قيل، قال ابن أبي حاتم في " المراسيل ": سمعت أبي يقول: المطَّلب بن
عبد الله بن حَنْطب عامَّة أحاديثه مراسيل، لم يدرك أحدًا من أصحاب النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا سهل بن سعدٍ وسلمة بن اكوع وأنسًا أو من كان قريبًا منهم، لم يسمع من جابر (1). وحكى ابن أبي حاتم عن أبيه في كتاب " الجرح والتَّعديل " أنَّه قال: وجابر يشبه أن يكون أدركه (2)، والله أعلم O. 2166 - الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا محمَّد بن يحيى ثنا عبد الرَّزَّاق ثنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال: خرجت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زمن الحديبية، فأحرم أصحابي ولم أحرم، فرأيت حمارًا، فحملت عليه، فاصطدته، فذكرت شأنه لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وذكرت أنِّي لم أكن أحرمت، وأنِّي إنما اصطدته لك، فأمر النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه فأكلوا، ولم يأكل منه حين أخبرته أنِّي اصطدته لك. قال أبو بكر النَّيسابوريُّ: قوله: (اصطدته لك)، وقوله: (ولم يأكل منه)، لا أعلم أحدًا ذكره في هذا الحديث غير معمر، وهو موافقٌ لما روي عن عثمان أنَّه صيد له طائرٌ وهو محرمٌ فلم يأكل (3). ز: رواه ابن ماجة عن محمَّد بن يحيى (4). 2167 - قال الإمام أحمد في "المسند": حدَّثنا عبد الرَّزَّاق أنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال: خرجت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زمن الحديبية، فأحرم أصحابي ولم أحرم، فرأيت حمارًا فحملت عليه،
مسألة (424): شجر الحرم مضمون، خلافا لداود.
فاصطدته، فذكرت شأنه لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وذكرت أنِّي لم كن أحرمت، وأنِّي إنَّما اصطدته لك، فأمر النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه فكلوا، ولم يأكل منه حين [أخبرته] (1) أنِّي اصطدته له (2). والظَّاهر أنَّ هذا الَّذي انفرد به معمرٌ غلطٌ، فإنَّ في "الصَّحيحين" أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكل منه. وفي لفظٍ لأحمد: فقال: " أطعمونا " (3)، وفي لفظ له: هذه العضد قد شويتها وأنضجتها وأطبتها. قال: " فهاتها ". قال: فجئته بها، فنهشها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو حرامٌ حتَّى فرغ منها (4) O. ***** مسألة (424): شجر الحرم مضمونٌ، خلافًا لداود. 2168 - قال البخاريُّ: حدَّثنا يحيى بن موسى ثنا الوليد بن مسلم ثنا الأوزاعيُّ قال: حدَّثني يحيى بن أبي كثير قال: حدَّثني أبو سلمة قال: حدَّثني أبو هريرة قال: لمَّا فتح الله على رسوله مكَّة قام في الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثُمَّ قال: " إنَّ الله حبس عن مكَّة الفيل، وسلَّط عليها رسولَه والمؤمنين، وإنَّها لا تحلُّ لأحد من بعدي، وإنَّما أُحلَّت لي ساعةً من نهارٍ، لا يعضد شجرها، ولا ينفَّر صيدها " (5)
مسألة (425): صيد المدينة وشجرها محرم.
أخرجاه في "الصَّحيحين" (1). 2169 - وأخرجاه من حديث ابن عبَّاس عن النَّبيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " إنَّ هذا البلد حرَّمه الله يوم خلق السَّموات والأرض، وهو حرام بحرمة [الله] (2) إلى يوم القيامة، لا يعضد شوكه، ولا ينفّر صيده " (3). ***** مسألة (425): صيد المدينة وشجرها محرَّمٌ. وقال أبو حنيفة: ليس بمحرمٍ. 2170 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن إبراهيم التَّيميِّ عن أبيه قال: خطبنا عليٌّ عليه السَّلام فقال: من زعم أنَّ عندنا شيئًا نقرؤه إلا كتاب الله وهذه الصَّحيفة- صحيفةٌ فيها أسنان الإبل وأشياء من الجراحات- فقد كذب. قال: وفيها: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " المدينة حرمٌ ما بين عَيْرٍ إلى ثورٍ، فمن أحدث فيها حدثًا، أو آوى محدثًا، فعليه لعنة الله والملائكة والنَّاس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة عدلاً ولا صرفًا، وذمة المسلمين واحدةٌ يسعى بها أدناهم " (4).
2171 - قال أحمد: وحدَّثنا عبد الرَّزَّاق ثنا معمر عن الزُّهريِّ عن ابن المسيَّب عن أبي هريرة قال: حرَّم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما بين لابتي المدينة. قال أبو هريرة: فلو وجدت الظِّباء ما بين لابتيها ما ذعرتها. وجعل حول المدينة اثنى عشرميلاً حمًى (1). الحديثان في "الصَّحيحين". 2172 - قال أحمد: وحدَّثنا ابن نمير عن عثمان بن حَكيم قال: أخبرني عامر بن سعدٍ عن أبيه قال: قال رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنِّي أُحرِّم (2) ما بين لابتي المدينة، أن يقطع عِضاهُها أو يُقتل صيدها " (3). انفرد بإخراجه مسلمٌ (4). 2173 - قال أحمد: وحدَّثنا عليُّ بن عبد الله بن جعفر قال: حدَّثني أنس بن عياض قال: حدَّثني عبد الرَّحمن بن حرملة عن يعلى بن عبد الرَّحمن بن هرمز أنَّ عبد الله بن عبَّاد الزُّرقيَّ أخبره أنَّه كان يصيد العصافير في بئر إهاب (5)، قال: فرآني عبادة بن الصَّامت وقد أخذت العصفور، فنزعه منِّي فأرسله، ويقول: أي بني إنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حرَّم ما بين لابتيها كما حرَّم إبراهيم مكَّة (6).
ز: هذا الحديث غير مخرَّج في " السُّنن "، وقد رواه سمويه عن عبد الله بن الزُّبير عن أنس بن عياض (1). ورواه عبد الله بن أحمد عن محمَّد بن عبَّاد (2) المكيِّ وأبي مروان العثمانيِّ كلاهما عن أبي ضمرة، وفيه: أنَّه كان يصيد العصافير في بئر أبي إهاب (3). ورواه الطَّبرانيُّ عن موسى بن هارون [عن إبراهيم بن المنذر الحزاميِّ عن أنس، ذكره في ترجمة عباد (4) بن الصامت] (5)، وفي ترجمة عبادة الزُّرقيِّ، وقد روى عن عليِّ بن المدينيِّ أنَّه قال: هو عبادة بن الصَّامت. وكذا هو في رواية الإمام أحمد عنه (6). وعبد الله بن عبَّاد: ذكره ابن أبي حاتم في "كتابه" فقال: عبد الله بن عبَّاد الزُّرقيُّ الأنصاريُّ، روى عن عبادة- رجلٌ من أصحاب النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، روى عنه يعلى بن عبد الرَّحمن بن هرمز، سمعت أبي يقول ذلك (7). ولم يذكر يعلى بن عبد الرَّحمن في حرف الياء، إنما قال: يعلى بن مسلم بن هرمز، روى عنه عبد الرَّحمن بن حرملة الأسلميُّ، سمعت أبي يقول ذلك.
لم يزد (1)، ويعلى بن مسلم بن هرمز ثقة مشهورٌ، مخرَّجٌ له في "الصَّحيحين" (2)، والله أعلم O. 2174 - قال أحمد: وحدَّثنا حسين بن محمَّد ثنا الفضيل بن سليمان ثنا محمَّد بن أبي يحيى عن عبيد الله (3) بن حبيش الغفاريِّ عن عبد الله بن سلام قال: ما بين كذا (4) وأحد حرامٌ حرَّمه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ما كنت لأقطع به شجرةً، ولا أقتل به طائرًا (5). ز: هذا الحديث لم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب " السُّنن "، وقد رأيت في النُّسخة الَّتي نقلت منها مضبوطًا: (ما بين كدى وأحد حرامٌ)، والصَّواب: (ما بين كذا وأحد)، وبعض النَّاس يكتب (كذا) بالياء، فقد روى الطَّبرانيُّ هذا الحديث وفيه: (ما بين عَيْرٍ وأحدٍ حرامٌ)، لكن قال في إسناده: (عبد الله ابن حبيش) (6)، والصَّواب: (عبيد الله)، والَّذي في "المسند" والطَّبراني: (حبيش) بالحاء المهملة، وذكره ابن أبي حاتم بالخاء المعجمة، فقال: عبد الله
مسألة (426): ويضمن صيد المدينة بالجزاء.
بن خنيس، روى عن عبد الله بن سلام، روى عنه محمَّد ابن أبي يحيى، سمعت أبي يقول ذلك (1) O. مسألة (426): ويضمن صيد المدينة بالجزاء. وعنه: لا جزاء فيه، كقول مالك. وعن الشَّافعيِّ كالقولين. والجزاء مقدرٌ بالسَّلَب يتملَّكه الآخذ له. وعن الشَّافعيِّ قولان: أحدهما: كقولنا، والثَّاني: يتصدَّق بالسَّلَب على فقراء المدينة. 2175 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا أبو عامر ثنا عبد الله بن جعفر عن إسماعيل بن محمَّد بن سعدٍ عن عامر بن سعدٍ أنَّ سعدًا ركب إلى قصره بالعقيق، فوجد غلامًا يَخْبِطُ (2) شجرًا- أو يقطعه- فسلبه، فلمَّا رجع سعدٌ جاءه أهلُ الغلام فكلَّموه أَن يردَّ ما أخذ من غلامهم، فقال: معاذ الله أن أردَّ شيئَا نفَّلنيه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فأبى أن يردَّه عليهم (3). انفرد بإخراجه مسلمٌ (4). *****
مسألة (427): مكة أفضل البلاد.
مسألة (427): مكَّة أفضل البلاد. وعنه: المدينة، كقول مالك. 2176 - قال المؤلِّّّف: أخبرنا ابن عبد الواحد أنا الحسن بن عليٍّ ثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد قال: حدَّثني أبي (ح) وأخبرنا عبد الوهَّاب بن المبارك ويحيى بن عليٍّ قالا: أنا أبو محمَّد الصَّرِيفيني أنا أبو بكر ابن عبدان ثنا عبد الواحد بن المهتدي بالله ثنا أيُّوب بن سليمان الصُّغْديُّ، قالا: ثنا أبو اليمان أنا شعيب عن الزُّهريِّ أنا أبو سلمة بن عبد الرَّحمن أنَّ عبد الله بن عَدِيٍّ ابن الحمراء (1) أخبره أنَّه سمع النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول- وهو واقفٌ بالحَزْوَرَة (2) في سوق مكَّة-: " والله إنَّكِ لخير أرض الله، وأحبُّ بلاد (3) الله إلى الله عزَّ وجل، ولولا أنِّي أُخرجت منكِ ما خرجتُ ". 2177 - أخبرنا يحيى بن عليٍّ أنا جابر بن ياسين (4) وعبد العزيز (5) بن عليٍّ قالا: أنا المخلص ثنا ابن صاعد ثنا ابن أبي بزَّة ثنا مؤمَّل بن إسماعيل ثنا حمَّاد بن سلمة ثنا ثابت ثنا عبد الله بن رباح الأنصاريُّ عن أبي هريرة- في حديثٍ ذكره- قال: فلمَّا قدمنا مكَّة أتته الأنصار، فجلسوا حوله- يعني: النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فجعل يقلِّب بصره في نواحي مكَّة، وينظر إليها ويقول: " والله لقد عرفت أنَّكِ أحبُّ البلاد إلى الله، وأكرمها على الله، ولولا أنَّ قومي أخرجوني ما خرجتُ ".
ز: حديث عبد الله بن عَدِيِّ بن الحمراء: رواه التِّرمذيُّ عن قتيبة عن الليث عن عُقيل عن الزُّهريِّ، وقال: حسنٌ صحيحٌ (1)، وقد رواه يونس عن الزُّهريِّ، ورواه محمَّد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وحديث الزُّهريِّ عندي أصحُّ (2). ورواه النَّسائيُّ عن قتيبة به (3)، وعن إسحاق بن منصور عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن صالح عن ابن شهابٍ الزُّهريِّ نحوه (4). ورواه ابن ماجة عن عيسى بن حمَّاد زُغْبَة عن الليث به (5). ورواه أبو حاتم البستيُّ في كتاب " الأنول والتقاسيم " عن محمَّد بن الحسن بن قتيبة العسقلانيِّ عن عيسى بن حمَّاد (6). ورواه الإمام أحمد أيضًا عن يعقوب بن إبراهيم بن سعدٍ به (7). وقد رواه النَّسائيُّ من حديث معمر عن الزُّهريِّ عن أبي سلمة عن أبي هريرة (8)، وكأنَّ ذلك وهمٌ من معمر. 2178 - وقال الطَّبرانيُّ: حدَّثنا أحمد بن خليد- يعني: الحلبيَّ- ثنا الحميديُّ َثنا عبد العزيز بن محمَّد الدَّراورديُّ عن محمَّد بن عبد الله ابن أخي
الزُّهريِّ عن الزُّهريِّ عن محمَّد بن جُبير بن مُطعِم عن عبد الله بن عَدِيِّ بن الحمراء قال: وقف رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الحَزْوَرَة فقال: " والله إنِّي لأعلم أنَّك خيرُ أرض الله، وأحبُّ [أرض] (1) الله إلى الله، ولولا أنِّي أُخرجت منك ما خرجتُ " (2). وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ذكر أحاديث رجالٍ من الصَّحابة رووا عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رويت [أحاديثهم] (3) من وجوهٍ صحاحٍ لا مطعن في ناقلها (4)، ولم يخرجا من أحاديثهم شيئًا- يعني: البخاريُّ ومسلمًا- فيلزم إخراجها على مذهبهم (5) ... فذكر جماعة منهم: عبد الله بن عَدِيِّ بن الحمراء الزُّهريَّ، روى عنه أبو سلمة ابن عبد الرحمن ومحمَّد بن جبير بن مطعم، قاله الزهريَّ عنهما (6). وحديث ثابت عن عبد الله بن رباح عن أبي هريرة: رواه مسلمٌ من حديث سليمان بن المغيرة عن ثابت (7)، ومن حديث يحيى بن حسَّان عن حمَّاد ابن سلمة عن ثابت (8)، وذكر فيه فتح مكَّة، وليس فيه ما ذكره المؤلِّف من تفضيل مكَّة.
مسألة (428): لا تكره المجاورة بمكة.
ومؤمَّل بن إسماعيل: تكلَّم فيه بعض الأئمة، وهو صدوقٌ كثير الخطأ. وابن أبي بَزَّة هو: أحمد بن محمَّد بن عبد الله، أبو الحسن البزِّيُّ، من ولد القاسم بن أبي بَزَّة، المكيِّ، المقرئ، وقد ضعَّفه أبو حاتم الرَّازيُّ وقال: لا أحدِّث عنه (1). وقال العقيليُّ: منكر الحديث (2) O. ***** مسألة (428): لا تكره المجاورة بمكَّة. وقال أبو حنيفة: تكره. 2179 - حدَّثنا يحيى بن إبراهيم السَّلَمَاسِيُّ (3) قال: قرأت على أبي، قلت له: أخبركم أبو نصر أحمد بن محمَّد القارئ (4) ثنا أبو بكر أحمد بن عبد الله البزَّاز. ثنا النَّقَّاش ثنا أحمد بن فيَّاض (5) ثنا أبو محمَّد أخو الإمام (6) ثنا عبد الله بن عمرو عن عبد الكريم عن عطاء عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صلاةٌ في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاةٍ فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاةٌ في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاةٍ ". قال أبو بكر النَقَّاش: فحسبت ذلك على هذه الرِّواية فبلغت صلاةٌ واحدةٌ في المسجد الحرام عمر
خمس وخمسين سنة وستة أشهر وعشرين ليلةً، وصلاة يوم وليلةٍ في المسجد الحرام- وهي خمس صلوات- عمر مائتي سنة وسبع وسبعين (7) سنة وتسعة أشهر وعشر ليالٍ. ز: هذا إسنادٌ مظلمٌ، وأبو بكر النَّقَّاش اتَّهمه بعض الأئمة، وله غير حديث منكر، وإيراد المصنِّف هذا الحديث من طريقه بهذا الإسناد المظلم فيه تقصيرٌ كثير، مع كونه في "مسند الإمام أحمد" بإسنادٍ صحيحٍ (1). وقوله: (عن عبد الله بن عمرو) خطأٌ، وإنَّما هو (عبيد الله بن عمرو) وليس الغلط في هذا من النُّسخة، فإنِّي كذلك وجدته في نسختين صحيحتين (2)، على إحداهما خطُّ المؤلف. وأبو محمَّد أخو الإمام هو: عبد الرَّحمن بن عبيد الله بن حكيم الأسديُّ الحلبيُّ، وهو مشهورٌ بـ (ابن أخي الإمام)، ويقال له: (أخو الإمام) أيضًا، وهو ثقةٌ، روى عنه أبو داود والنَّسائيُّ (3)، ولهم شيخان آخران كلُّ منهما يقال له: (ابن أخي الإمام)، واسم كلٍّ منهما عبد الرَّحمن بن عُبيد الله (4)، لكن هذا هو الأكبر، والله أعلم. 2180 - قال الإمام أحمد في "مسنده": حدَّثنا أحمد بن عبد الملك ثنا عبيد الله عن عبد الكريم عن عطاء عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صلاةٌ في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاةٍ فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاةٌ في
المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاةٍ فيما سواه " (5). 2181 - حدَّثنا حسين- يعني: ابن محمَّد- وعبد الجبَّار بن محمَّد الخطَّابيُّ قالا: ثنا عبيد الله- يعني: ابن عمرو الرَّقِّيُّ- عن عبد الكريم عن عطاء عن جابرٍ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صلاةٌ في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاةٍ فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاةٌ في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاةٍ (1) ". وقال حسين: " فيما سواه " (2). كذا رأيته في عدَّة نسخ (أفضل من مائة صلاةٍ) وهو صحيحٌ، ومعناه: أفضل من مائة صلاةٍ في مسجدي، لتوافق اللَّفظ الأوَّل. وقول حسين: (فيما سواه) [فيه] (3) نظر. وقد روى هذا الحديث ابن ماجة عن إسماعيل بن أسد عن زكريا بن عَدِيٍّ عن عبيد الله بن عمرو (4)، وهو حديثٌ صحيحٌ. وعبد الكريم هو: ابن مالكٍ الجزريُّ، أحد الثِّقات O. *****
مسائل الطواف
مسائل الطَّواف مسألة (429): السُّنَّة أن يستلم الرُّكن اليماني في طوافه. وقال أبو حنيفة: ليس بمسنونٍ. 2182 - قال التِّرمذيُّ: حدَّثنا محمود بن غيلان ثنا عبد الرَّزَّاق أنا سفيان ومعمر عن ابن خُثَيْم عن أبي الطُّفيل قال: كنت مع ابنِ عبَّاس ومعاويةُ لا يمرُّ بركنٍ إلا استلمه، فقال له ابن عبَّاس: إنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم بستلم إلا الحجر الأسود والرُّكن اليماني (1). قال معاوية: ليس شيءٌ من البيت مهجورًا (2). انفرد بإخراجه مسلمٌ. ز: رواه مسلمٌ مختصرًا من غير حديث ابن خثيم، فقال: 2183 - حدَّثني أبو الطَّاهر أنا ابن وهبٍ أخبرني عمرو بن الحارث أنَّ قتادة بن دعامة حدَّثه أنَّ أبا الطُّفيل البكريَّ حدَّثه أنَّه سمع ابن عبَّاس يقول: لم أر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستلم غير الرُّكنين اليمانيين (3) O. 2184 - وقال مسلمٌ: حدَّثنا محمَّد بن المثنَّى ثنا خالد بن الحارث عن عبيد الله عن نافع عن عبد الله أنَّ رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لا يستلم إلا الحجر والرُّكن
اليماني (1). 2185 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا إسحاق بن محمَّد بن الفضل ثنا عليُّ ابن شعيب ثنا عبد الله بن نُمير ثنا حجَّاج عن عطاء وابن أبي مليكة عن نافع (2) عن ابن عمر أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين دخل مكَّة استلم الرُّكن الأسود والرُّكن اليماني، ولم يستلم غيرهما من الأركان (3). ز: هذا الحديث لم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب " السُّنن "، وشيخ الدَّارَقُطْنِيُّ صدوقٌ، وعليُّ بن شعيب ثقةٌ، وحجَّاج هو: ابن أرطأة، وقد سبق القول فيه غير مرَّةٍ (4)، والله أعلم O. 2186 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا ابن مخلد ثنا الرَّماديُّ ثنا يحيى بن أبي بكير (5) ثنا إسرائيل عن عبد الله بن مسلم بن هرمز (6) عن سعيد بن جبير عن
ابن عبَّاس قال: كان رسول. الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقبِّل الرُّكن اليماني، ويضع خدَّه عليه (1). ز: لم يخرِّجوا هذا الحديث أيضًا، وعبد الله بن مسلم بن هرمز: ضعَّفه أحمد (2) ويحيى (3) وغيرهما. 2187 - وقد روى البيهقيُّ هذا الحديث من روايته عن مجاهد عن ابن عبَّاس قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا استلم الرُّكن اليماني قبَّله، ووضع خدَّه الأيمن عليه. وقال: تفرَّد به عبد الله بن مسلم بن هرمز، وهو ضعيفٌ. قال: والأخبار عن ابن عبَّاس في تقبيل الحجر الأسود والسُّجود عليه، إلا أن يكون أراد بالرُّكن اليماني الحجرَ الأسود، فإنَّه يسمَّى بذلك فيكون موافقًا لغيره، والله أعلم (4). وقد رواه ابن عَدِيٍّ من رواية أبي إسماعيل المؤدِّب عنه، ثُمَّ قال: ولعبد الله بن مسلم أحاديث ليست بالكثيرة، وأحاديثه مقدار ما يرويه لا يتابع عليه (5) O. احتجُّوا: 2188 - بما رواه الإمام أحمد، قال: حدَّثنا عبد الرَّزَّاق ثنا ابن جريج
مسألة (430): يسن تقبيل ما يستلم به الحجر.
قال: أخبرني سليمان بن عتيق عن عبد الله بن بابيه عن بعض بني يعلى بن أُميَّة عن يعلى بن أُميَّة قال: كنت مع عمر فاستلم الرُّكن. قال يعلى: وكنت ممَّا يلي البيت، فلمَّا بلغت الرُّكن الغربي الَّذي يلي الأسود مررت بين يديه لأستلم، فقال: ما شأنك؟ قلت: ألا تستلم هذين؟ قال: ألم تطف مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقلت: بلى. قال: أرأيته يستلم هذين الرُّكنين- يعني الغربيين-؟ قلت: لا. قال: أفليس لك فيه أسوةٌ؟ قلت: بلى. قال: فانفذ عنك (1). ز: هذا الحديث لم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب " السُّنن "، وفي صحَّته نظرٌ، والله أعلم O. ***** مسألة (430): يسنُّ تقبيل ما يُستلم به الحجر. وقال مالك: لا يسنُّ. 2189 - قال مسلم بن الحجَّاج: حدَّثنا محمَّد بن المثنَّى ثنا سليمان بن داود ثنا معروف بن خَرْبُوْذَ (2) قال: سمعت أبا الطُّفيل يقول: رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يطوف بالبيت، ويستلم الرُّكن بمحجنٍ معه، ويقبِّل المحجن (3). 2190 - قال مسلمٌ: وحدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة (4) ثنا أبو خالد
مسألة (431): لا يصح طواف المحدث والنجس.
الأحمر عن عبيد الله عن نافع قال: رأيت ابن عمر يستلم الحجر بيده، ثُمَّ قَبَّل يده، وقال: ما تركتُه منذ رأيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعلُه (1). ***** مسألة (431): لا يصحُّ طواف المحدث والنَّجس. وعنه: يصحُّ، ويلزمه دمٌ، كقول أبي حنيفة. 2191 - قال التِّرمذيُّ: حدَّثنا قتيبة ثنا جريرٌ عن عطاء بن السَّائب عن طاوس عن ابن عبَّاس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الطَّواف حول البيت مثل الصَّلاة، إلا أنَّكم تتكلَّمون فيه، فمن تكلَّم فيه فلا يتكلَّمنَّ إلا بخيرٍ ". قال التِّرمذيُّ: لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث عطاء بن السَّائب (2). قال أحمد بن حنبل: اختلط عطاء في آخر عمره، فمن سمع منه قديمًا فهو صحيحٌ (3). ز: جرير أخذ عن عطاء في أواخر عمره، وقد تابعه غيره: فرواه سمويه عن عبد الله بن الزُّبير عن فضيل بن عياض عن عطاء مرفوعًا بنحوه (4)؛ ورواه ابن حِبَّان عن الحسن بن سفيان عن محمَّد بن أبي السَّريِّ عن
فضيل (1)؛ ورواه النَّسائيُّ عن يوسف بن سعيد عن حجَّاج بن محمَّد، [و] (2) عن الحارث بن مسكين عن ابن وهب، جميعًا عن ابن جريج عن الحسن بن [] (3) مسلم عن طاوس عن رجلٍ أدرك النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحوه، ولم يسمِّ ابن عبَّاس (4). ورواه موسى بن أعين عن ليث بن أبي سليم عن طاوس عن ابن عبَّاس مرفوعًا. 2192 - وقال إسماعيل بن عبد الله سمويه: ثنا أبو حذيفة ثنا سفيان عن حنظلة عن طاوس عن ابن عبَّاس- لا أعلمه [إلا] (5) رفعه- قال: الطَّواف بالبيت صلاةٌ، فأقلُّوا فيه الكلام (6) O. وقد احتجَّ أصحابنا بحديثين في "الصَّحيحين" روتهما عائشة: 2193 - أحدهما: أنَّها حاضت، فقال لها النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اقضي ما يقضي الحاج، غير أن لا تطوفي بالبيت حتَّى تطهري " (7). 2194 - والثَّاني: أنَّ صفيَّة حاضت، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أكنت أففمت يوم النَّحر- يعني الطَّواف-؟ " قالت: نم. قال: " فانفري إذًا" (8).
مسألة (432): إذا ترك الحجر في طوافه لم يجزه، خلافا لأبي حنيفة.
قالوا: فمنع من الطَّواف لعدم الطَّهارة. فقال الخصم: إنَّما قال ذلك لأجل دخول المسجد. قلنا: المنقول: حكمٌ وسببٌ، وظاهر الأمر يعلِّق الحكم بالسَّبب، فلمَّا تعرَّض للطَّواف- لا للمسجد- دلَّ على أنَّه هو المقصود بالحكم. مسألة (432): إذا ترك الحجر في طوافه لم يجزه، خلافًا لأبي حنيفة. 2195 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا قتيبة ثنا عبد العزيز بن محمَّد عن علقمة عن أمِّه عن عائشة قالت: كنت أحبُّ أن أدخل البيت وأصلِّي فيه، فأخذ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيدي وأدخلني الحجر، فقال لي: " صلِّي في الحجر إذا أردت دخول البيت، فإنَّما هو قطعةٌ من البيت، ولكنَّ قومك استقصروا حين بنوا الكعبة، فأخرجوه من البيت " (1). قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (2)، وعلقمة هو: ابن بلال (3). ز: رواه أبو داود عن القَعنبيِّ (4)، والتِّرمذيُّ عن قتيبة، والنَّسائيُّ عن إسحاق بن ابراهيم (5)، ثلاثتهم عن الدَّراورديِّ به. وعلقمة هو: ابن أبي علقمة، من رجال "الصَّحيحين" (6)، واسم
مسألة (433): لا تكره القراءة في الطواف.
أمِّه: مرجانة، والله أعلم O. ***** مسألة (433): لا تكره القراءة في الطَّواف. وعنه تكره، كقول مالك. 2196 - قال الإمام أحمد: ثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج قال: أخبرني يحيى بن عبيد مولى السَّائب عن أبيه عن عبد الله بن السَّائب (1) قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول بين الرُّكن اليماني والحَجَر: " ربَّنا آتنا في الدُّنيا حسنة، [وفي الآخرة حسنة] (2)، وقنا عذاب النَّار " (3). ز: رواه أبو داود (4) والنَّسائيُّ (5) من رواية ابن جريج. وقال الإمام أحمد: وقال عبد الرَّزَّاق وابن بكر وروح في هذا الحديث: أنَّه سمع النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول فيما بين ركن بني جمح والرُّكن الأسود: " ربَّنا آتنا .... " (6). ويحيى بن عبيد: وثَّقه النَّسائيُّ (7) وابنُ حِبَّان (8)، وأبوه: وثَّقه ابن
مسألة (434): لا يكره تلفيق الأسابيع.
حِبَّان (1)، وكلاهما ليس بذاك المشهور O. 2197 - وقال سعيد بن منصور: ثنا عبد الرَّزَّاق (2) بن زياد ثنا شُعبة عن عاصم بن بَهْدَلة قال: ثنا حبيب بن صُهْبَان قال: رأيت عمر بن الخطَّاب وهو يطوف بالبيت وما هجيراه إلا أن يقول: ربَّنا آتنا في الدُّنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقنا عذاب النَّار (3). ز: حبيب بن صُهبان هو: أبو مالك الكوفيُّ الكاهليُّ، روى عنه الأعمش وغيره، وشهد فتح المدائن، محلُّه الصَّدق. وعبد الرَّحمن بن زياد هو: الرَّصاصيُّ، قال أبو حاتم: صدوقٌ. وقال أبو زرعة: لا بأس به (4) O. ***** مسألة (434): لا يكره تلفيق الأسابيع. وقال أبو حنيفة والشَّافعيُّ: يكره. وصفة التَّلفيق: أن يؤخِّر ركعتي الطَّواف حتَّى إذا فرغ صلَّى لكل أسبوع
ركعتين. 2198 - قال سعيد بن منصور: ثنا سفيان قال: حدَّثني محمَّد بن السَّائب بن بركة عن أمِّه أنَّها طافت مع عائشة عليها السَّلام ثلاثة أسابيع لا تفصل بينهنَّ، ثُمَّ صلَّت لكلِّ أسبوع ركعتين. [وقد روى أصحابنا أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعل مثل هذا] (1). 2199 - وقد روى عبد الرَّحمن بن أبي حاتم في "سننه": عن عيسى ابن يونس عن عبد السَّلام بن أبي الجنوب عن الزُّهريِّ عن سالم عن أبيه أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرن ثلاثة أطواف ليس بينهما (2) صلاة. قال عبد الرَّحمن: هو حديثٌ منكرٌ، وعبد السَّلام ضعيفٌ. 2200 - وقد رواه عبد السَّلام عن الزُّهريِّ عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: طاف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالبيت ثلاثة أسباع جميعًا، ثُمَّ أتى المقام فصلَّى خلفه ستَّ ركعات. قال أبو هريرة: إنَّما أراد أن يعلِّمنا. فإن قيل: قد قال عليٌّ (3) والدَّارَقُطْنِيُّ (4): عبد السَّلام منكر الحديث. وقال أبو حاتم الرَّازيُّ: هو متروك الحديث (5). وقال ابن حِبَّان: يروي عن
مسألة (435): السعي ركن لا ينوب عنه الدم.
الثِّقات ما لا يشبه حديث الأثبات (1). قلنا: لا نقبل الطَّعن حتَّى يبيّن سببه (2). ز: محمَّد بن السَّائب بن بركة: حجازيٌّ يُعَدُّ في المكيين، وثَّقه ابن معين (3) وأبو داود (4) والنَّسائيُّ (5) وابن حِبَّان (6). وعبد السَّلام بن أبي الجنوب: مجمعٌ على ضعفه، وحديثه هذا من الوجهين غير مخرَّجٍ في شيءٍ من السُّنن. وقول المؤلِّف: (قلنا: لا نقبل الطَّعن حتَّى يبيّن سببه) خطأٌ في هذا المكان، فإنَّ الجرح إنَّما يحتاج إلى بيان سببه إذا عارضه تعديلٌ، مع أنَّ رواية (7) عبد السَّلام هذا الحديث عن الزُّهريِّ متفرِّدًا به بهذين الإسنادين النَّظيفين من أقوى الأدلة على ضعفه عند أهل هذا الشَّأن، والله أعلم O. ***** مسألة (435): السَّعي ركنٌ لا ينوب عنه الدَّم. وعنه: أنَّه سنَّةٌ، لا يجب بتركه دمٌ.
وقال أبو حنيفة: هو واجبٌ ينوب عنه الدَّم. 2201 - قال الإمام أحمد: ثنا [سريج] (1) ثنا عبد الله بن المؤمَّل عن عطاء بن أبي رباح عن صفيَّة بنت شيبة عن حبيبة بنت أبي تَجْرَاة (2) قالت: رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يطوف بين الصَّفا والمروة، والنَّاس بين يديه، وهو وراءهم، وهو يسعى حتَّى أرى ركبتيه من شدَّة السَّعي يدور به إزاره، ويقول: " اسعوا، فإنَّ الله عزَّ وجلَّ كتب عليكم السَّعي " (3). فإن قيل: قد قال أبو بكر بن المنذر: مداره على ابن مؤمَّل (4). وقال أحمد بن حنبل: أحاديث عبد الله بن المؤمَّل مناكير (5). وقال يحيى: ضعيف الحديث (6). قلنا: قد قال يحيى (7) في روايةٍ: ليس به بأسٌ (8). ز: هذا الحديث لم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب " السُّنن "، وفي إسناده اختلافٌ O.
2202 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا ابن صاعد ثنا الحسن بن عيسى النَّيسابوريُّ أنا عبد الله بن المبارك قال: أخبرني معروف بن مُشْكَان قال: أخبرني منصور بن عبد الرَّحمن عن أمِّه صفيَّة قالت: أخبرتني نسوةٌ من بني عبد الدَّار اللاتي أدركن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قلن: دخلن دار ابن أبي حسين، فاطَّلعنا من بابٍ، فرأينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشتدُّ في السَّعي حتَّى إذا بلغ زقاق بني فلان، استقبل النَّاس، فقال: " يا أيُّها النَّاس، اسعوا، فإنَّ السَّعي قد كتب عليكم " (1). فإن قيل: قد قال أبو حاتم الرَّازيُّ: لا يحتجُّ بمنصور بن عبد الرَّحمن (2). قلنا: قد قال يحيى بن معين: هو ثقةٌ (3). ز: إسناد هذا الحديث صحيحٌ وإن كان غير مخرَّجٍ في " السُّنن ". ومعروف بن مُشْكَان: باني كعبة الرَّحمن، صدوقٌ، لا نعلم أحدًا تكلَّم فيه. ومنصور بن عبد الرَّحمن هذا: ثقةٌ، مخرَّجٌ له في "الصَّحيحين" (4)، ولم يتكلَّم فيه أبو حاتم، بل قال فيه: صالح الحديث (5). وكلامه هذا الَّذي ذكره المؤلِّف إنَّما هو في منصور بن عبد الرَّحمن الغُدَانيِّ (6) الأشلِّ، مع أنَّه من
مسألة (436): يجزى القارن طواف واحد وسعي واحد.
رجال مسلم (1)، ولفظ أبي حاتم فيه: ليس بالقويِّ، يكتب حديثه ولا يحتجُّ به (2). والله أعلم O. ***** مسألة (436): يجزى القارن طوافٌ واحدٌ وسعيٌ واحدٌ. وعنه: يحتاج إلى طوافين وسعيين، كقول أبي حنيفة. لنا تسعة أحاديث: 2203 - الحديث الأوَّل: قال البخاريُّ: حدَّثنا قتيبة (3) ثنا الليث عن نافع عن ابن عمر أنَّه أراد الحجَّ عام نزل الحَجَّاج بابنِ الزُّبير، فقيل له: إنَّ النَّاس كائنٌ (4) بينهم قتالٌ، وإنَّا نخاف أن يصدُّوك؟ فقال: لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنةٌ، إذًا أصنع كما صنع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إنِّي أُشهدكم أنِّي قد أوجبت عمرةً، ثُمَّ خرج حتَّى إذا كان بظاهر البيداء، قال: " ما شأن الحجِّ والعمرة إلا واحدٌ، أُشهدكم أنِّي قد أوجبت حجًّا مع عمرتي ". وأهدى هديًا اشتراه بقُدَيْدٍ (5)، فلم ينحر ولم يحلَّ من شيءٍ حرم منه، ولم يحلق ولم يقصِّر، حتَّى كان يوم النَّحر فنحر وحلق، ورأى أن قد قضى طوافَ الحجِّ والعمرة
بطوافه الأوَّل. وقال ابن عمر: كذلك فعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1). أخرجاه في "الصَّحيحين" (2). 2204 - الحديث الثَّاني: قال الإمام أحمد: حدَّثنا أحمد بن عبد الملك (3) حدَّثنا الدَّراورديُّ عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من فرن بين حجِّه (4) وعمرته، أجزأه لهما طوافٌ واحدٌ (5) ". 2205 - طريقٌ آخر: قال التِّرمذيُّ: حدَّثنا خلاد بن أسلم ثنا عبد العزيز بن محمَّد عن (6) عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أحرم بالحجِّ والعمرة أجزأه طوافٌ وسعيٌ واحدٌ منهما حتَّى يحلَّ منهما جميعًا" (7). ز: رواه ابن ماجة عن محرز بن سلمة العدنيِّ عن الدَّراورديِّ (8). وقال التِّرمذيُّ: حديثٌ حسنٌ غريبٌ. وقال أبو داود: روى عبد العزيز عن عبيد الله أحاديث مناكير (9). وقال مسلمٌ- بعد ذكر حديث نزول الحجَّاج بابن الزُّبير من رواية
عبيد الله عن نافع-: حدَّثناه ابن نُمير ثنا أبي ثنا عبيد الله عن نافع قال: أراد ابنُ عمر الحجَّ حين نزل الحجَّاج بابن الزُّبير .... - واقتصَّ الحديث بمثل هذه القصَّة، وقال في آخر الحديث:- وكان يقول: من جمع بين الحجِّ والعمرة كفاه طوافٌ واحدٌ، ولم يحلَّ حتَّى يحلَّ منهما جميعًا (1) O. 2206 - الحديث الثَّالث: قال البخاريُّ: حدَّثنا عبد الله بن يوسف أنا مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة قالت: خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حجَّة الوداع وأهللنا بعُمرةٍ، ثُمَّ قال: " من كان معه هديٌ فليهلَّ بالحجَّ والعمرة، ثُمَّ لا يحلُّ حتَّى يحلَّ منهما، فطاف الذين أهلُّوا بالعمرة ثُمَّ حلُّوا، ثُمَّ طافوا طوافًا آخر بعد أن رجعوا من منًى، وأمَّا الَّذين جمعوا بين الحجِّ والعمرة، فإنَّما طافوا طوافًا واحدًا " (2). أخرجاه في "الصَّحيحين" (3). 2207 - الحديث الرَّابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا الحسين بن إسماعيل ثنا محمَّد بن عبد الله الزُّهيريُّ (4) ثنا داود بن مهران ثنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء عن عائشة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لها: " إنَّ طوافكِ بالبيت وبالصَّفا والمروة، كافيكِ بحجِّكِ وعمرتكِ " (5).
انفرد بإخراجه مسلمٌ (1). ز: هذا الحديث لم يروه أحدٌ من أئمة " الكتب السِّتَّةِ " من رواية ابن جريج عن عطاء عن عائشة. ومسلم بن خالد الزَّنْجيُّ: لبس بالقويِّ. وداود بن مهران: أبو سليمان الدَّبَّاغ، وثَّّقه العجليُّ (2) وغيره. والزُّهيريُّ: وثَّقه الدَّارقُطْنِيُّ (3)، وكان من الصَّالحين. 2208 - وقال مسلمٌ في "صحيحه": حدَّثني حسن بن عليٍّ الحُلوانيُّ ثنا زيد بن الحُبَاب حدَّثني إبراهيم بن نافعٍ حدَّثني عبد الله بن أبي نَجيحٍ عن مجاهدٍ عن عائشة أنَّها حاضت بسَرِف، فتطهَّرت بعرفة، فقال لها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يجزئ عنك طوافكِ بالصَّفا والروة عن حجِّكِ وعمرتكِ " (4). سماع مجاهد من عائشة مختلفٌ فيه، والله أعلم O. 2209 - الحديث الخامس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا عليُّ بن عبد الله بن مبشِّر ثنا عبد الحميد بن بيان ثنا إسحاق الأزرق عن الرَّبيع بن صَبيح عن عطاء [عن] (5) جابرٍ قال: ما طاف لهما رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا طوافًا واحدًا، وسعيًا
واحدًا لحجِّه وعمرته (1). قال المصنِّف: الرَّبيع ضعيفٌ. 2210 - طريقٌ آخر: قال التِّرمذيُّ: حدَّثنا ابن أبي عمر ثنا أبو معاوية عن الحجَّاج عن أبي الزُّبير عن جابر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرن بين الحجِّ والعمرة، فطاف لهما طوافًا واحدًا (2). قال المصنِّف: الحجَّاج هو: ابن أرطأة، وهو ضعيفٌ. ز: حديث الرَّبيع عن عطاء غير مخرَّجٍ في " السُّنن ". وحديث الحجَّاج انفرد به التِّرمذيُّ وحسَّنه. 2211 - وقال مسلمٌ في "صحيحه": حدَّثني محمَّد بن حاتم ثنا يحيى ابن سعيد عن ابن جريج (ح)، قال: وحدَّثنا عَبدُ بن حُميدٍ أنا محمَّد بن بكر أنا ابن جريج، أخبرني أبو الزُّبير أنَّه سمع جابر بن عبد الله يقول: لم يطف النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا أصحابه بين الصَّفا والمروة إلا طوافًا واحدًا. وزاد في حديث محمَّد بن بكرٍ: طوافه الأوَّل (3) O. 2212 - الحديث السَّادس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا ابن صاعد ثنا محمَّد بن إشْكاب ثنا يحيى بن يعلى بن الحارث المحاربيُّ ثنا أبي ثنا غيلان بن جامع قال: حدَّثني ليث قال: حدَّثني عطاء وطاوس ومجاهد عن جابر بن عبد الله، وعن ابن عمر، وعن ابن عبَّاس: أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يطف هو وأصحابه بين الصَّفا
والمروة إلا طوافًا واحدًا لعمرتهم وحجِّهم (1). قال المصنِّف: ليث هو: ابن أبي سليم، وهو ضعيفٌ. ز: رواه ابن ماجة عن محمَّد بن عبد الله بن نمير عن يحيى بن يعلى به (2). وقال البَرقانيُّ: سألته- يعني الدَّارَقُطْنِيُّ- عن ليث بن أبي سليم، فقال: صاحب سنَّةٍ، يخرَّج حديثه. ثُمَّ قال: إنَّما أنكروا عليه الجمع بين عطاء وطاوس ومجاهد حسب (3) O. 2213 - الحديث السَّابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا عليُّ بن عبد الله ابن مبشِّر ثنا محمَّد بن حربٍ الواسطيُّ ثنا عليُّ بن عاصمٍ (4) ثنا أبي عن حُصين ابن عبد الرَّحمن قال: قال لي منصور: حدَّثني أنتَ يا حُصين عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه أنَّ النَّبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه طافوا لحجِّهم وعمرتهم طوافًا واحدًا (5). قال المصنِّف: عليُّ بن عاصمٍ ضعيفٌ. ز: كذا وجدُّته في نسختين صحيحتين (6): (ثنا عليُّ بن عاصم ثنا أبي) (7) وهو خطأٌ، والصَّواب: (ثنا عاصم بن عليٍّ ثنا أبي). وهذا الحديث غير مخرَّجٍ في شيءٍ من " السُّنن "، والله أعلم O.
2214 - الحديث الثَّامن: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثني أحمد بن محمَّد بن زياد ثنا محمَّد بن غالب ثنا سعد بن عبد الحميد ثنا محمَّد بن مروان عن ابن أبي ليلى عن عطيَّة عن أبي سعيد أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جمع بين الحجِّ والعمرة، فطاف لهما بالبيت طوافًا واحدًا، وبالصَّفا والمروة طوافًا واحدًا (1). قال المصنِّف: ابن أبي ليلى ضعيفٌ، واسمه محمَّد بن عبد الرَّحمن (2). ز: هذا الحديث لم يخرِّجوه في " السُّنن ". وعطيَّة بن سعد العوفيُّ: أضعف من ابن أبي ليلى. ومحمَّد بن مروان: هو السُّدِّيُّ الصَّغير، وهو غير ثقةٍ. وسعد بن عبد الحميد بن جعفر: لا بأس به، والله أعلم O. 2215 - الحديث التَّاسع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا البغويُّ ثنا داود ابن عمرو ثنا منصور بن أبي الأسود عن عبد الملك عن عطاء عن ابن عبَّاس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طاف طوافًا واحدًا لحجِّه وعمرته (3). قال المصنِّف: عبد الملك هو: ابن أبي سليمان، ضعيفٌ. ز: هذا الحديث غير مخرَّج في " السُّنن "، لكن إسناده صحيحٌ، فإنَّ عبد الملك صدوقٌ، روى له مسلمٌ (4)؛ ومنصور وثَّقه ابن معين (5) وغيره،
وهو شيعيُّ؛ وداود من شيوخ مسلمٍ (1)؛ والله أعلم O. احتجُّوا بخمسة أحاديث: 2216 - الحديث الأوَّل: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا البغويُّ ثنا أبو الرَّبيع الزَّهرانيُّ ثنا حفص بن أبي داود عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن عليٍّ أنَّه جمع بين الحجِّ والعمرة، فطاف لهما طوافين (2)، وسعى لهطا سعيين، ثُمَّ قال: هكذا رأيت رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعل (3). 2217 - الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا محمَّد بن القاسم بن زكريا ثنا عبَّاد بن يعقوب ثنا عيسى بن عبد الله بن محمَّد بن عمر بن عَليٍّ قال: حدَّثني أبي عن أبيه عن جدِّه عن عليٍّ أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان قارنًا، فطاف طوافين، وسعى سعيين (4). 2218 - الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا أحمد بن محمَّد بن سعيد ثنا جعفر بن محمَّد بن مروان ثنا أبي ثنا عبد العزيز بن أبان ثنا أبو بُردة عن حمَّاد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: طاف رسول-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمرته وحجَّته طوافن، وسعى سعيين، وأبو بكر وعمر وعليٌّ وابن مسعود (5). 2219 - الحديث الرَّابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا ابن صاعد ثنا محمَّد
ابن يحيى الأَزْديُّ ثنا عبد الله بن داود عن شُعبة عن حمُيد بن هلال عن مُطرِّف عن عمران بن حُصين أنَّ النَّبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طاف طوافين، وسعى سعيين (1). 2220 - الحديث الخامس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا عبد الصَّمد بن عليٍّ ثنا الفضل بن العبَّاس الصَّوَّاف ثنا يحيى بن غيلان ثنا عبد الله بن بزيع عن الحسن بن عمارة عن الحكم عن مجاهد عن ابن عمر: أنَّه جمع بين حجًةِ وعمرةٍ معًا، وقال: سبيلهما واحدٌ. قال: وطاف لهما طوافين، وسعى بهما سعيين، وقال: هكذا رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صنع كما صنعت (2). والجواب: أنَّ هذه الأحاديث كلُّها لا تثبت: أمَّا حديث عليٍّ عليه السَّلام: ففي طريقه الأوَّل: حفص بن أبي داود، قال أحمد (3) ومسلم بن الحجَّاج (4): حفص متروك الحديث. وقال عبد الرَّحمن بن يوسف بن خراش: هو كذَّابٌ يضع الحديث (5). وفيه ابن أبي ليلى، واسمه: محمَّد بن عبد الرَّحمن، قال الدَّارَقُطْنِيُّ: هو ردئ الحفظ، كثير الوهم (6). وفي الطَّريق الثَّاني: عيسى بن عبد الله، قال الدَّارَقُطْنِيُّ: هو متروك الحديث (7).
وأمَّا حديث ابن مسعود: فقال الدَّارَقُطْنِيُّ: أبو بُردة هذا هو: عمرو ابن يزيد ضعيفٌ، ومن دونه في الإسناد كلُّهم ضعفاء (1). قال المصنِّف: قلت: وفيه عبد العزيز بن أبان، قال يحيى: هو كذَّابٌ خبيثٌ (2). وقال الرَّازيُّ (3) والنَّسائيُّ (4): هو متروك الحديث. وأمَّا حديث عمران: فقال الدَّارَقُطْنِيُّ: يقال: إنَّ محمَّد بن يحيى حدَّث بهذا من حفطه فوهم، وقد حدَّث به على الصَّواب مرارًا؛ ويقال: إنَّه رجع عن ذكر الطَّواف والسَّعي (5). وأمَّا حديث ابن عمر: فقال الدَّارَقُطْنِيُّ: لم يروه عن الحكم غير الحسن ابن عمارة، وهو متروك الحديث (6). قال المصنِّف: قلت: قال شعبة: كذَّابٌ يحدِّث بأحاديث قد وضعها (7). وقال السَّاجيُّ: أجمعوا على ترك حديثه (8).
ثُمَّ قد روى هو أيضًا من حديث ابن عبَّاس ضدَّ هذا: 2221 - فقال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أحمد بن إسحاق بن البهلول قال: حدَّثني أبي ثنا إسحاق بن يوسف عن الحسن بن عمارة عن سلمة بن كهيل عن طاوس قال: سمعت ابن عبَّاس يقول: لا والله، ما طاف لهما رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا طوافًا واحدًا، فهاتوا مَنْ هذا الَّذي يحدِّث أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طاف لهما طوافين (1)؟! ز: هذه الأحاديث لم يخرِّج أحدٌ من أهل " السُّنن " منها شيئًا. 2222 - وقد روى النَّسائيُّ في " مسند عليٍّ " من حديث إسرائيل عن حمَّاد بن عبد الرَّحمن الأنصاريِّ عن إبراهيم بن محمَّد بن الحنفيَّة قال: طفت مع أبي وقد جمع بين الحجِّ والعمرة، فطاف لهما طوافين، وسعى لهما سعيين، وحدَّثني أنَّ عليًّا فعل ذلك، وحدَّثه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعل ذلك (2). وحمَّاد ضعَّفه الأَزْديُّ (3)، وذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثِّقات" (4). وقال بعض الحفَّاظ: حمَّادٌ هذا مجهولٌ، وهذا الحديث لا يصحُّ، والله أعلم O. *****
مسألة (437) طواف الوداع واجب، يلزمه بتركه دم، خلافا لمالك
مسألة (437) طواف الوداع واجبٌ، يلزمه بتركه دمٌ، خلافًا لمالك وأحد قولي الشَّافعيِّ. 2223 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا سفيان عن سليمان عن طاوس [عن ابن عبَّاس] (1) قال: كان النَّاس ينصرفون في كلِّ وجهٍ، فقال النَّّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا ينفر أحدٌ حتَّى يكون آخر عهده بالبيت " (2). 2224 - طريقٌ آخر: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا الحسين بن إسماعيل ثنا أبو بكر بن زنجويه ثنا عبد الرَّزَّاق أنا زكريا بن إسحاق عن سليمان الأحول أنَّه سمع طاوسًا يحدِّث عن ابن عبَّاس قال: كان النَّاس ينفرون من منى إلى وجهتهم، فأمرهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يكون آخر عهدهم بالبيت، ورخَّص للحائض (3). ز: حديث سفيان عن سليمان: رواه مسلمٌ (4) وأبو داود (5) وابن ماجة (6) من رواية غير واحدٍ عنه. وحديث زكريا عن سليمان: لم يخرجوه. 2225 - وقد روى البخاريُّ ومسلمٌ من حديث ابن طاوس عن أبيه عن ابن عبَّاس قال: أُمر النَّاس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنَّه خُفِّف عن المرأة الحائض (7) O.
2226 - قال التِّرمذيُّ: حدَّثنا أبو عمَّار ثنا عيسى بن يونس عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: من حجَّ البيت فليكن آخر عهده بالبيت الطَّواف، إلا الحُيَّض رخَّص لهنَّ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (1). ز: رواه النَّسائيُّ عن إسحاق بن إبراهيم عن عيسى به (2) O. 2227 - قال التِّرمذيُّ: حدَّثنا نصر بن عبد الرَّحمن الكوفيُّ ثنا المحاربيُّ عن الحجَّاج بن أرطأة عن عبد الملك بن المغيرة عن عبد الرَّحمن بن البيلمانيِّ (3) عن عمرو بن أوس عن الحارث بن عبد الله بن أوس قال: سمعتُ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من حجَّ هذا البيت أو اعتمر فليكن آخر عهده بالبيت ". فقال له عمر: خَرَرْتَ من يديك (4)، سمعت هذا من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم تخبرنا به؟! قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ غريبٌ (5). ز: هذا إسنادٌ ضعيفٌ، وقد رواه هكذا غير واحدٍ عن الحجَّاج، وقد خولف في بعضه، والله أعلم O. *****
مسألة (438): فإن طاف ولم يعقبه الخروج لزمته الإعادة.
مسألة (438): فإن طاف ولم يعقبه الخروج لزمته الإعادة. وقال أبو حنيفة: لا يلزمه. لنا: الحديث المتقدِّم (1). *****
مسائل الوقوف
مسائل الوقوف مسألة (439): وقت الوقوف من طلوع الفجر الثَّاني من يوم عرفة إلى طلوع الفجر الثَّاني من يوم النَّحر. وقال أبو حنيفة والشَّافعيُّ: أوَّل الوقت بعد الزَّوال من يوم عرفة. وقال مالك: وقت الإجزاء ليلة النَّحر فقط. 2228 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا يحيى عن إسماعيل قال: ثنا عامر قال: حدَّثني عروة بن مُضَرِّس قال: جئت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالموقف (1)، فقلت: يا رسول الله، جئت من جبلٍ طيء، أكللت مطيتي، وأتعبت نفسي، والله ما تركت من جبلٍ إلا وقفت عليه، فهل لي من حجٍّ؟! فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أدرك معنا هذه الصَّلاة- يعني صلاة الفجر-، وأتى عرفات قبل ذلك- ليلاً أو نهارًا- تمَّ حجُّه وقضى تفثَه " (2). قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (3). ز: روى هذا الحديث أصحاب " السُّنن الأربعة " (4) من غير وجهٍ عن الشَّعبيِّ.
مسألة (440): إذا دفع من عرفات قبل غروب الشمس فعليه دم،
وقال الحاكم: هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط كافة أئمة الحديث، وهي قاعدة من قواعد الإسلام، وقد أمسك عن إخراجه الشَّيخان محمَّد بن إسماعيل ومسلم بن الحجَّاج رضي الله عنهما على أصلهما: أنَّ عروة بن مضرِّس لم يحدِّث عنه غير عامر الشَّعبيّ، وقد وجدنا عروة بن الزُّبير حدَّث عنه. ثُمَّ ذكر ذلك بإسنادٍ فيه رجلٌ غير معروفٍ وآخر متروك (1). وقد روى أبو السُّكين الطَّائيُّ عن عمِّ أبيه زحر بن حصين (2) عن جدِّه حميد بن مُنهبٍ عن عروة بن مضرِّس (3)، والله أعلم O. ***** مسألة (440): إذا دفع من عرفات قبل غروب الشَّمس فعليه دمٌ، خلافًا لأحد قولي الشَّافعيِّ: لا دم عليه. 2229 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا أبو أحمد محمَّد بن عبد الله بن الزُّبير ثنا سفيان عن عبد الرَّحمن بن الحارث بن أبي عيَّاش عن زيد بن عليٍّ عن أبيه عن عبيد الله بن أبي رافع عن عليِّ بن أبي طالب قال: وقف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعرفة، فأفاض حين (4) غابت الشَّمس (5).
ز: كذا وجدتُّه في نسختين: (عن عبد الرَّحمن بن الحارث بن أبي عيَّاش) (1)، وهو خطأٌ، إنَّما هو: (عبد الرَّحمن بن الحارث بن عبد الله بن عيَّاش بن أبي ربيعة) (2)، وقد وثَّقه ابنُ سعدٍ (3) وابن خزيمة (4) وابن حِبَّان (5) وغيرهم، وتكلَّم فيه الإمام أحمد (6)، وقال النَّسائيُّ: ليس بالقويِّ (7). وزيد بن عليٍّ: هو عمُّ جعفر بن محمَّد الصَّادق، ذكره ابن حِبَّان في "الثِّقات" وقال: رأى جماعةً من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (8). وأبوه عليٌّ هو: ابن الحسين زين العابدين. وقد روى هذا الحديث التِّرمذيُّ عن بندار عن أبي أحمد، وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، لا نعرفه من حديث عليٍّ إلا من هذا الوجه (9). وقد سُئل عنه الدَّارَقُطْنِيُّ فذكر الاختلاف فيه، ثُمَّ قال: والقول قول
مسألة (441): يجوز الدفع من مزدلفة بعد نصف الليل.
الثَّوريِّ ومن تابعه، والله أعلم (1) O. 2230 - وقال أبو داود: حدَّثنا أحمد بن حنبل ثنا يعقوب ثنا أبي عن ابن (2) إسحاق قال: حدَّثني إبراهيم بن عقبة عن (3) كريب عن أسامة قال: كنت رِدْفَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلمَّا وقعت الشَّمس دفع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (4). ز: هذا إسنادٌ حسن، انفرد به أبو داود، والله أعلم O. ***** مسألة (441): يجوز الدَّفع من مزدلفة بعد نصف الليل. وقال أبو حنيفة: لا يجوز حتَّى يطلع الفجر. 2231 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أحمد بن إسحاق بن البهلول ثنا أبي ثنا ابن أبي فديك عن الضَّحَّاك بن عثمان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: أرسل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمَّ سلمة ليلة النَّحر، فرمت الجمرة قبل الفجر، ثُمَّ مضت فأفاضت (5). ز: هذا الحديث رواه أبو داود عن هارون بن عبد الله عن ابن أبي
قديك (1)، وليس فيه دليلٌ على أنَّه يجوز لكلِّ أحدٍ في كلِّ حالٍ الدَّفع من مزدلفة بعد نصف الليل، والله أعلم O. احتجُّوا: 2232 - بما رواه الإمام أحمد، قال: حدَّثنا أبو داود عن زمعة عن سلمة بن وهرام عن عكرمة عن ابن عبَّاس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقف بجمع، فلمَّا أضاء كلُّ شيءٍ قبل أن تطلع الشَّمس أفاض (2). قال المصنِّف: زمعة ضعيفٌ، كثير الغلط. ز: حديث زمعة هذا لم يخرَّج في " السُّنن ". وزمعة: روى له مسلمٌ مقرونًا بغيره (3)، وقال ابن معين في روايةٍ عنه: زمعة صويلح الحديث (4). وقال النَّسائيُّ: ليس بالقويِّ (5). وقال ابن عَدِيٍّ: أرجو أنَّ حديثه صالحٌ، لا بأس به (6). وقال الإمام أحمد في سلمة: روى عنه زمعة أحاديث مناكير، أخشى أن يكون حديثه ضعيفًا (7). ووثَّقه ابن معين (8) وغيره.
مسألة (442): فإن دفع قبل نصف الليل فعليه دم.
ولو ثبت هذا الحديث لم يكن فيه دليلٌ على عدم جواز الدَّفع حتَّى يطلع الفجر، والله أعلم O. ***** مسألة (442): فإن دفع قبل نصف الليل فعليه دمٌ. وقال أبو حنيفة: لا دم عليه. وعن الشَّافعيِّ كالمذهبين (1) لنا: أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بات بمنى، وقال: " خذوا عنِّي مناسككم ": 2233 - فروى أبو داود من حديث ابن عمر: أنَّ رجلاً قال له: إنَّا نبيت بمكَّة. فقال: أمَّا رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبات بمنى وظلَّ (2). 2234 - ومن حديث عائشة قالت: مكث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمنى ليالي أيَّام التَّشريق (3). ز: هكذا احتجَّ المؤلِّف في هذه المسألة فيما وجدته في نسختين، وهذا الدَّليل الَّذي ذكره غير مطابقٍ للمسألة التي سطَّرها، وكأنَّه [انتقل] (4) من
مسألة المبيت بمزدلفة إلى مسألة المبيت بمنى، غير أنَّه قد ذكر [مسألة] (1) المبيت بمنى فيما يأتي (2)، والله أعلم O. *****
مسائل التحلل
مسائل التَّحلل مسألة (443): يجوز رمي جمرة العقبة بعد نصف الليل من ليلة النَّحر. وقال أبو حنيفة ومالكٌ: لا يجوز حتَّى يطلع الفجر. لنا: ما تقدَّم من حديث أمِّ سلمة، وأنَّها دفعت للرمي قبل طلوع الفجر (1). احتجُّوا: 2235 - بما رواه التِّرمذيُّ، قال: حدَّثنا أبو كريب ثنا وكيع عن المسعوديِّ عن مِقْسم عن ابن عبَّاس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدَّم ضعفة أهله، وقال: " لا ترموا الجمرة حتَّى تطلع الشَّمس ". قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (2). ز: كذا وجدته، وقد سقط بين المسعوديّ ومِقْسم رجلٌ، وهو الحكم ابن عُتيبة (3). وقال التِّرمذيُّ: قال شعبة: لم يسمع الحكم من مِقْسم إلا خمسة أحاديث (4).
مسألة (444): لا يجوز الرمي إلا بالحجارة.
2236 - وقال أبو داود: حدَّثنا محمَّد بن كثير أنا سفيان ثنا سلمة بن كُهيل عن الحسن العُرنيِّ عن ابن عبَّاس قال: قدَّمنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة المزدلفة أغيلمة بني عبد المطَّلب على حُمُرات، فجعل يلْطَحُ أفخاذنا ويقول: " أَيْبُنيَّ (1)، لا ترموا الجمرة حتَّى تطلُع الشَّمس ". قال أبو داود: اللطح: الضَّرب اللين (2). وروه النَّسائيُّ (3) وابن ماجة (4) من حديث سلمة. والحسن العُرنيُّ: لم يسمع من ابن عبَّاس. قاله أحمد بن حنبل O. ***** مسألة (444): لا يجوز الرَّمي إلا بالحجارة. وقال أبو حنيفة: يجوز بجميع جنس الأرض. 2237 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا سفيان عن زياد بن سعد عن أبي الزُّبير عن أبي معبد عن ابن عبَّاس أنَّ رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " عليكم بمثل حصى الخذف " (5). ز: إسناد هذا الحديث صحيح، وإن كان غير مخرَّج في شيءٍ من "الكتب السِّتَّة"، والله أعلم O.
مسألة (445): ولا يرمى بحجر قد رمي به.
2238 - وقال أبو داود: حدَّثنا أبو ثور إبراهيم بن خالد ثنا عَبيدة عن يزيد بن أبي زياد عن سليمان بن عمرو بن الأحوص عن أمِّه قالت: رأيتُ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند جمرة العقبة راكبًا، ورأيتُ بين أصابعه حجرًا، فرمى، ورمى النَّّاس (1). [ز:] (2) هذا إسنادٌ صالحٌ. 2239 - وقد روى مسلمٌ في "صحيحه" من حديث جابر بن عبد الله قال: رأيت النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رمى الجمرة بمثل حصى الخذف (3) O. ***** مسألة (445): ولا يرمى بحجرٍ قد رُمي به. وقال كثرهم: يجوز. 2240 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا الحسين بن إسماعيل ثنا سعيد بن يحيى الأمويُّ ثنا أبي ثنا يزيد بن سنان عن زيد (4) بن أبي أُنيسة عن عمرو بن مُرَّة عن ابنِ لأبي سعيد عن أبي سعيد قال: قلنا: يا رسول الله، هذه الجمار التي يرمى بها كلَّ عامٍ فنحسب أنَّها تنقص (5)؟ قال: " إنَّه ما تقبل منها رفع، ولولا ذلك لرأيتها أمثال الجبال " (6).
ز: هذا الحديث غير مخرَّج في شيء من " السُّنن "، وقد رواه الحاكم وصحَّحه (1). وهو حديثٌ لا يثبت، فإنَّ أبا فروة يزيد بن سنان ضعَّفه الإمام أحمد (2) والدَّارَقُطْنِيُّ (3) وغيرهما، وتركه النَّسائيُّ (4) وغيره، وذكره الحاكم في كتاب " الضُّعفاء " أيضًا، وقال البيهقيُّ: يزيد بن سنان ليس بالقويِّ في الحديث (6)، وروي من وجهٍ آخر ضعيف عن ابن عمر مرفوعًا. وابن أبي سعيد هو: عبد الرَّحمن بن أبي سعيد، كذا جاء مصرحًا به في رواية الحاكم وغيره، وهو من الثِّقات O. 2241 - وقال المؤلِّف: أخبرنا ابن ناصر أنا ابن بيان أنا ابن شاذان ثنا أبو محمَّد بن الحكم الكُدَيْمِيُّ ثنا أبو عاصم عن عبيد الله بن هرمز عن سعيد بن جبير قال: الحصى قربان، فما قبل منه رُفع، وما لم يقبل بقي. ز: كذا فيه (عبيد الله بن هرمز)، وإنَّما هو (عبد الله بن مسلم بن هرمز)، وهو ضعيفٌ. والكُدَيْمِيُّ: ساقطٌ، والله أعلم O. *****
مسألة (446): إذا نكس الرمي، فرمى جمرة العقبة، ثم الوسطى،
مسألة (446): إذا نكَّس الرَّمي، فرمى جمرة العقبة، ثُمَّ الوسطى، ثُمَّ الأولى، لم يجزه. وقال أبو حنيفة: يجزئه. لنا: أنَّ النَّبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رمى مرتِّبا، وقال: " خذوا عنِّي .... ". 2242 - قال البخاريُّ: حدَّثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا طلحة بن يحيى ثنا يونس عن الزُّهريِّ عن سالم عن ابن عمر أنَّه كان يرمي الجمرة الدُّنيا بسبع حصيات، يكبِّر على إثر كلِّ حصاة، ثُمَّ يتقدَّم حتَّى يسهل، فيقوم مستقبل القبلة، فيقوم طويلاً ويدعو ويرفع يديه، ثُمَّ يرمي الوسطى، ثُمَّ يأخذ بذات الشَّمال فيسهل، ويقوم مستقبل القبلة، ويقوم طويلاً، ويدعو ويرفع يديه، ويقوم طويلاً، ثُمَّ يرمي جمرة العقبة من بطن الوادي، ولا يقف عندها، ثُمَّ ينصرف فيقول: هكذا رأيت رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعل (1). ***** مسألة (447) في النَّفر الأوَّل خطبةٌ. وقال أبو حنيفة ومالك: لا خطبة فيه. لنا: أنَّ النَّبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطب في ثاني أيَّام التَّشريق، وقال: " خذوا عنِّي .... ".
مسألة (448): إذا ترك المبيت بمنى ليالي منى، لزمه دم.
2243 - قال أبو داود: حدَّثنا محمَّد بن بشَّار ثنا أبو عاصم ثنا ربيعة بن أبي عبد الرَّحمن قال: حدَّثتني جدَّتي سَرَّاء بنت نبهان قالت: خطبنا النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الرُّؤوس، فقال: " أيُّ يوم هذا؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: " أليس أوسط أيَّام التشريق؟ " (1). ز: كذا وجدته في نسختين: (ربيعة بن أبي عبد الرَّحمن) وهو غلطٌ، والصَّواب: (ربيعة بن عبد الرَّحمن بن حصن) (2) وهو الغنويُّ، ذكره ابن حِبَّان في "الثِّقات" (3). وقد روى هذا الحديث أيضًا: البخاريُّ في كتاب " أفعال العباد " (4)، وأبو القاسم الطَّبرانيُّ (5)، وإسناده صالحٌ، والله أعلم O. ***** مسألة (448): إذا ترك المبيت بمنى ليالي منى، لزمه دمٌ. وعنه: لا دم عليه، كقول أبي حنيفة. 2244 - قال البخاريُّ: حدَّثنا محمَّد بن عبد الله بن نُمير ثنا أبي ثنا عبيد الله قال: حدَّثني نافع عن ابن عمر أنَّ العبَّاس استأذن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليبيت بمكَّة ليالي منى من أجل سقايته، فأذن له (6).
مسألة (449): لا يجزئه في التحلل حلق بعض الرأس.
فوجه الحجَّة: أنَّه لولا أنَّه واجبٌ لم يحتج إلى إذن. وقد ذكرنا فيما تقدَّم أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يبيت بمنى (1). ز: حديث ابن عمر: رواه مسلمٌ أيضًا عن ابن نُميرٍ وغيره (2) O. ***** مسألة (449): لا يجزئه في التَّحلُّل حلق بعض الرَّأس. وقال أبو حنيفة: يجزئه ما يجزئ مسحه في الطَّهارة. 2245 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا روح ثنا هشام عن محمَّد بن سيرين عن أنسٍ أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رمى الجمرة، ثُمَّ نحر البُدن، ثُمَّ حلق أحد شقَّيه (الأيمن)، وقسمه بين النَّاس فأخذوه، وحلق الآخر فأعطاه أبا طلحة (3). أخرجه البخاريُّ ومسلمٌ في "الصَّحيحين" (4). *****
مسائل الإحصار
مسائل الإحصار مسألة (450): يجب على المحصر إذا ذبح أن يحلق. وعنه: لا حلاق عليه، كقول أبي حنيفة. 2246 - قال البخاريُّ: حدَّثني عبد الله بن محمَّد بن أسماء ثنا جويرية [عن نافع] (1) أنَّ عبد الله (2) بن عبد الله وسالم بن عبد الله أخبراه عن عبد الله ابن عمر قال: خرجنا مع رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحال كفَّار قريش دون البيت، فنحر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هديه وحلق رأسه (3). أخرجاه (4). *****
مسألة (451): يجوز للمتمتع والقارن أن يقدما الحلاق على الذبح
مسألة (451): يجوز للمتمتع والقارن أن يقدِّما الحلاق على الذَّبح والرَّمي، ولا دم عليهما في ذلك. وعنه: إن تعمَّدا ذلك فعليهما دمٌ. وقال أبو حنيفة: عليهما دمٌ بكلِّ حالٍ. 2247 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا محمَّد بن جعفر أنا معمر ثنا ابن شهاب عن عيسى بن طلحة عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واقفًا على راحلته بمنى، فأتاه رجلٌ، فقال: يا رسول الله، إنِّي كنت أرى أنَّ الحلق قبل الذَّبح، فحلقت قبل أن أذبح؟ قال: " اذبح ولا حرج ". ثُمَّ جاءه آخر، فقال: يا رسول الله، إنِّي كنت أرى أنَّ الذَّبح قبل الرَّمي، فذبحت قبل أن أرمي؟ قال: " ارم ولا حرج ". قال: فما سُئل عن شيءٍ قدَّمه رجلٌ قبل شيء إلا قال: " افعل ولا حرج " (1). 2248 - قال أحمد: وحدَّثنا يحيى بن إسحاق ثنا وهيب أنا [ابن] (2) طاوس عن أبيه عن ابن عبَّاس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئل عن الذَّبح والرَّمي والحلق، والتَّقديم والتَّأخير، فقال: " لا حرج " (3). الحديثان في "الصَّحيحين". *****
مسألة (452): يجب الهدي في حق المحصر.
مسألة (452): يجب الهدي في حقِّ المحصر. وقال مالكٌ: لا يجب. لنا: حديث جابر (1). 2249 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا محمَّد بن مخلد ثنا محمَّد بن حسَّان ثنا عبد الرَّحمن بن مهدي ثنا سفيان الثَّوريُّ عن أبي الزُّبير عن جابر قال: نحرنا يوم الحديبية سبعين بدنة، البدنة عن سبعة، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليشترك النَّفر في الهدي " (2). ز: هذا إسنادٌ صحيحٌ، وإن كان غير مخرَّج في شيءٍ من "الكتب السِّتَّة". ومحمَّد بن حسَّان: هو الأزرق، وقد وثَّقوه، وقال المؤلِّف في مسألة الوتر في حديث أبي أيُّوب: (فيه محمَّد بن حسَّان- يعني هذا- وقد
مسألة (453): ويذبح الهدي حيث أحصر.
ضعفوه) (1) وهذا خطأٌ، بل لا نعلم أحدًا ضعَّفه، بل وثَّقه ابن أبي حاتم (2) وابن حِبَّان (3) والدَّارَقُطْنِيُّ (4) وغيرهم، والله أعلم O. ***** مسألة (453): ويذبح الهدي حيث أحصر. وقال أبو حنيفة: لا يذبحه إلا في الحرم. لنا: ما تقدَّم من الحديث (5)، وأنَّهم نحروا بالحديبية، وهي حِلٌّ (6) ***** مسألة (454): إذا أحصر في حجِّ التَّطوُّع لم يلزمه القضاء. وعنه: عليه القضاء، كقول أبي حنيفة. لنا:
مسألة (455): إذا شرط أنه متى مرض تحلل، أو إن حصره عدو،
2250 - أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحرم بالعمرة سنة ستٍّ، ومعه ألف وأربع مائة. كذلك في "الصَّحيحين" من حديث جابر (1)، ثُمَّ عاد في السَّنة الأخرى ومعه جمعٌ يسير، فلو وجب عليهم القضاء بيَّنه لهم. ***** مسألة (455): إذا شرط أنَّه متى مرض تحلَّل، أو إن حصره عدو، أو إن أخطأ العدد= كان شرطًا صحيحًا، يستفيد به التَّحلُّل، ولا دم عليه. وقال أبو حنيفة ومالك: وجود هذا الشَّرط كعدمه، فعند أبي حنيفة: لا يتحلَّل إلا بالهدي، وعند مالك: لا يتحلَّل إلا إذا أخطأ العدد (2). لنا: 2251 - ما روى مسلم بن الحجَّاج قال: حدَّثنا عبد بن حميد أنا عبد الرَّزَّاق أنا معمر عن الزُّهريِّ عن عروة عن عائشة قالت: دخل النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ضُباعة بنت الزُّبير، فقالت: يا رسول الله، إنِّي أريد الحجَّ، وأنا شاكيةٌ؟ فقال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حُجِّي واشترطي أنَّ محلي حيث حبستني " (3).
أخرجاه في "الصَّحيحين" (1). ز: حديث معمر هذا: رواه مسلم والنَّسائيُّ (2) فقط. وقال النَّسائيُّ: لا أعلم أحدًا أسنده عن الزُّهريِّ غير معمر. وقال في موضعٍ آخر: لم يسنده عن معمر غير عبد الرَّزَّاق فيما أعلم (3). ورواه البخاريُّ من وجهٍ آخر O. 2252 - وقال الإمام أحمد: حدَّثنا يزيد بن هارون أنا سفيان بن حسين عن أبي بشر عن عكرمة عن ابن عبَّاس أنَّ ضُباعة بنت الزُّبير أرادت الحجَّ، فقال لها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اشترطي عند إحرامك: ومحلِّي حيث حبستني، فإن ذلك لك " (4). قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (5). ز: هذا الحديث رواه غير واحدٍ عن عكرمة، ورواه غير عكرمة [عن] (6) ابن عبَّاس O. *****
مسألة (456): المحصر بالمرض لا يباح له التحلل، إلا أن يكون قد
مسألة (456): المحصر بالمرض لا يباح له التَّحلُّل، إلا أن يكون قد اشترط في ابتداء إحرامه أنَّه إن مرض تحلَّل. وقال أبو حنيفة: حكم الإحصار بالمرض حكم الإحصار بالعدو. لنا: حديث ضباعة المتقدِّم (1)، ولو كان المرض يبيحُها (2) التَّحلُّل ما كان لاشتراطها معنى. احتجُّوا: بحديث الحجَّاج بن عمرو عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " من كسر أو عرج فقد حلَّ ". وقد سبق بإسناده في وجوب الحجِّ على الفور (3)، وقد حمله أصحابنا على ما إذا شرط بدليلنا. ***** مسألة (457): لا يجوز للمرأة أن تَحجَّ من غير محرمٍ. وقال مالك والشَّافعيُّ: يجوز إذا كان معها نساء ثقات. 2253 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا يحيى بن عبيد الله قال: حدَّثني نافع
مسألة (458): ولا فرق بين قليل السفر وطويله.
عن ابن عمر عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تسافر المرأة ثلاثا إلا ومعها ذو محرم " (1). 2254 - قال أحمد: وحدَّثنا عفَّان ثنا شعبة قال: عبد الملك بن عمير أنبأني قال: سمعت قزعة (2) مولى زياد قال: سمعت أبا سعيد الخدريَّ قال: سمعت من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " لا تسافر المرأة مسيرة يومين أو ليلتين إلا ومعها زوجها أو ذو محرم " (3). 2255 - وقال مسلم بن الحجَّاج: حدَّثني زهير ثنا يحيى بن سعيد عن ابن أبي ذئب ثنا سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " لا يحلُّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يومٍ إلا مع ذي محرم " (4). هذه الأحاديث الثلاثة مخرَّجة في "الصَّحيحين". ***** مسألة (458): ولا فرق بين قليل السَّفر وطويله. وقال أبو حنيفة: لا يعتبر المحرم إلا في السَّفر الطَّويل الَّذي يبيح
التَّرخُّص، وعن أحمد نحوه. لنا: ما تقدَّم من الحديث (1) *****
مسائل الفوات
مسائل الفوات مسألة (459): إذا فاته الحجُّ انقلب إحرامُه إحرامَ عمرة. وعنه: أنَّ احرامه بحاله، ويتحلَّل منه بفعل عمرته، وبه قال أكثرهم. 2256 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا محمَّد بن [الحسن] (1) اليقطينيُّ ثنا محمَّد بن الحسن بن قتيبة ثنا محمَّد بن عمرو الغزيُّ (2) ثنا يحيى بن عيسى عن ابن أبي ليلى عن عطاء عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من فاته عرفات فقد فاته الحجُّ، فليحلَّ بعمرةٍ، وعليه الحجُّ من قابلٍ " (3). 2257 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا إبراهيم بن حمَّاد بن إسحاق ثنا أبو عون محمَّد بن عمرو بن عون ثنا داود بن جبير ثنا رحمة بن مصعب عن ابن أبي ليلى عن عطاء ونافع عن ابن عمر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من فات عرفات بليلٍ فقد فاته الحجُّ، فليحلل بعمرة، وعليه الحجُّ من قابل " (4). قال المصنِّف: الحديثان ضعيفان: أمَّا الأوَّل: ففيه يحيى بن عيسى، وأمَّا الثَّاني: فتفرَّد به رحمة، قال يحيى بن معين: يحيى بن عيسى ورحمة ليسا بشيءٍ (5).
ز: هذان الحديثان غير مخرَّجين في شيءٍ من " السُّنن ". ويحيى بن عيسى الرَّمليُّ: روى له مسلمٌ في "صحيحه" (1). وداود بن جبير: غير مشهور. وابن أبي ليلى: سيءُ الحفظ. والأشبه في هذين الحديثين الوقف، والله أعلم O. 2258 - وقال سعيد بن منصور: حدَّثنا هُشيم أنا مغيرة عن ابراهيم عن الأسود بن يزيد أنَّ رجلاً فاته الحجُّ، فأمره عمر بن الخطَّاب أن يحلَّ [بعمرة] (2) وعليه الحجُّ من قابل. *****
مسائل الهدي
مسائل الهدي مسألة (460): إشعار البُدْن وتقليدها سنَّة. وقال أبو حنيفة: يكره الإشعار. 2259 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا هُشيم ثنا أصحابنا- منهم شعبة- عن قتادة عن أبي حسَّان عن ابن عبَّاس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أشعر بدنته من الجانب الأيمن، ثُمَّ سَلَت (1) الدَّم عنها، وقلَّدها بنعلين (2). 2260 - وقال التِّزمذيُّ: حدَّثنا أبو كريب ثنا وكيع عن هشام الدَّستوائيِّ عن قتادة عن أبي حسَّان عن ابن عبَّاس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قلَّد نعلين، وأشعر الهديَّ في الشِّق الأيمن، بذي الحُليفة، وأماط عنه الدَّم. قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (3). قال: وسمعت أبا السَّائب يقول: كنَّا عند وكيع، فقال لرجلٍ ممَّن ينظر في الرَّأي: أشْعَرَ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويقول أبو حنيفة: هو مُثْلَةٌ! قال الرَّجل: قد رُوي عن إبراهيم النَّخعيِّ أنَّه قال: الإشعار مُثْلَةٌ. فرأيت وكيعًا غضب غضبًا شديدًا، ثُمَّ قال: أقول لك: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتقول: قال إبراهيم! ما أحقَّك بأن تحبس، ثمَّ لا تخرج حتَّى تنزع عن قولك هذا (4).
مسألة (461): وصفة الإشعار: شق صفحة سنامها الأيمن.
ز: روى هذا الحديث أيضًا: مسلمٌ (1) وأبو داود (2) والنَّسائيُّ (3) وابن ماجة (4) من حديث قتادة. وأبو حسَّان هو: مسلم بن عبد الله الأعرج الأَحْرَد (5) [البصريُّ] (6) والله أعلم O. ***** مسألة (461): وصفة الإشعار: شقُّ صفحة سنامها الأيمن. وعنه: الأيسر، كقول أبي يوسف ومحمَّد. لنا: الحديث المتقدِّم (7). *****
مسألة (462): يسن تقليد الغنم.
مسألة (462): يسنُّ تقليد الغنم. وقال أبو حنيفة ومالك: لا يسنُّ. 2261 - قال التِّرمذيُّ: حدَّثنا بندار ثنا عبد الرَّحمن بن مهدي عن سفيان عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: كنت أفتل قلائد هدي النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كلَّها غنمًا. قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (1). ز: رواه البخاريُّ (2) ومسلمٌ (3) والنَّسائيُّ (4) من حديث غير واحدٍ عن منصور بن المعتمر، والله أعلم O. ***** مسألة (463): يجوز النَّحر في جميع الحرم. وقال مالك: لا ينحر الحاج إلا بمنى، والمعتمر إلا بمكَّة. 2262 - قال ابن ماجة: حدَّثنا عليُّ بن محمَّد وعمرو بن عبد الله قالا: ثنا وكيع ثنا أسامة بن زيدٍ عن عطاء عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " منى كلُّها منحرٌ، وكلُّ فجاج مكَّة طريقٌ ومنحرٌ، وكلُّ عرفة موقفٌ، وكلُّ المزدلفة موقفٌ " (5).
مسألة (464): لا يؤكل من الدماء الواجبة، إلا من هدي التمتع
ز: هذا إسنادٌ حسنٌ، وقد رواه الإمام أحمد عن عثمان بن عمر عن أسامة (1)، وهو ابن زيدٍ الليثيُّ، وقد روى له مسلمٌ (2) متابعةً- فيما أرى-، ووثَّقه ابن معين في رواية (3). 2263 - وفي "صحيح مسلم" من حديث جابر: " منى كلُّها منحر، فانحروا في رحالكم " (4). والله أعلم O. ***** مسألة (464): لا يؤكل من الدِّماء الواجبة، إلا من هدي التَّمتُّع والقران. وقال الشَّافعيُّ: لا يأكل من شيءٍ منها. لنا: 2264 - ما روى عبد الرحمن بن أبي حاتم في "سننه" من حديث عليٍّ عليه السَّلام، قال: أمرني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهدي التَّمتُّع، أن أتصدَّق بلحومها سوى ما نأكل. احتجُّوا:
2265 - بما رواه الإمام أحمد، قال: حدَّثنا وكيع وأبو معاوية (1) قالا: ثنا هشام بن عروة عن أبيه عن ناجية الخزاعيِّ- وكان صاحب بُدْنِ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: قلت: يا رسول الله، كيف أصنع بما عَطَبَ من البُدْن؟ قال: "انحره، واغمس نعله في دمه، واضرب صفحته، وخلِّ بين النَّاس وبينه، فليأكلوه " (2). قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (3). ز: روى هذا الحديث أصحاب " السُّنن الأربعة " من حديث هشام (4). وناجية: هو ابن جُنْدُب الأسلميُّ O. 2266 - قال أحمد: وحدَّثنا إسماعيل ثنا أبو التَّيَّاح عن موسى بن سلمة عن ابن عبَّاس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث بثماني عشرة بدنة مع رجلٍ، وأمره فيها بأمره (5)، فانطلق، ثُمَّ رجع إليه فقال: أرأيت إن أزحف (6) علينا منها شيءٌ؟ فقال: " انحرها، ثُمَّ اصبغ نعلها في دمها، ثُمَّ اجعلها على صفحتها، ولا تأكل منها أنت ولا أحدٌ من أهل رفقتك " (7). انفرد بإخراجه مسلمٌ (8).
2267 - قال أحمد: وحدَّثنا عبد الرَّزَّاق أنا معمر عن قتادة عن سنان ابن سلمة عن ابن عبَّاس أنَّّ ذؤيب بن طلحة أخبره أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث معه ببدنتين، وأمره إن عرض لهما شيءٌ أو عطبتا أن ينحرهما، ثُمَّ يغمس نعالهما في دمائهما، ثُمَّ يضرب بنعل كلِّ واحدةٍ صفحتها، ويخليها والنَّاس، ولا يأكل منها هو ولا أحدٌ من أصحابه (1). انفرد بإخراجه مسلمٌ (2). والجواب: أنَّا نحمله على غير مسألتنا بدليلنا. ز: هذا الحديث رواه مسلمٌ وابن ماجة (3) بنحوه من حديث سعيد بن أبي عروبة عن قتادة. وقال عبَّاس الدُّوريُّ عن يحيى بن معين: لم يسمع قتادة من سنان بن سلمة، أحاديثه عنه مرسلةٌ، وسمع من موسى بن سلمة (4). وقال أبو بكر بن أبي خيثمة عن يحيى بن معين: لم يدرك قتادة سنان بن سلمة، ولا سمع منه (5). والله أعلم O. *****
مسألة (465): إذا نذر بدنة وأطلق، فهو مخير بين الجزور والبقرة.
مسألة (465): إذا نذر بدنة وأطلق، فهو مخيَّرٌ بين الجزور والبقرة. وعنه: لا ينتقل إلى البقرة إلا عند عدم الجزور، كقول الشَّافعيِّ. لنا: حديث جابر المتقدِّم: كنَّا ننحر البدنة عن سبعة. قيل له: والبقرة؟ قال: وهل هي إلا من البُدن. وقد سبق (1) في حديث جابر: أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ليشترك النُّفر (2) في الهدي ". ز: حديث جابر الأوَّل: لم يتقدَّم، وقد روى مسلمٌ في "صحيحه" معنا (3). وحديثه الثَّاني: لا حجَّة فيه للمسألة المذكورة، والله أعلم O. ***** مسألة (466): يجوز أن يشترك سبعة في بدنة وبقرة على الإطلاق. وقال أبو حنيفة: إن كان بعضهم يريد اللحم، وبعضهم يريد القربة، لم يصحَّ الاشتراك. وقال مالك: لا يصحُّ الاشتراك في الهدي الواجب.
لنا: حديث جابر المتقدِّم (1). 2268 - وقال الإمام أحمد: حدَّثنا يحيى بن آدم ثنا زهير ثنا أبو الزُّبير عن جابر قال: قدمنا مكَّة، فقال لنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من لم يكن معه هديٌ فليحلل، وأمرنا أن نشترك في الإبل والبقر، كلُّ سبعةٍ منَّا في بدنةٍ " (2). انفرد بإخراجه مسلمٌ (3). 2269 - وقال التِّرمذيُّ: حدَّثنا قتيبة ثنا مالك بن أنس عن أبي الزُّبير عن جابر قال: نحرنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام الحديبية البقرة عن سبعة، والبدنة عن سبعة. قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (4). ز: رواه مسلمٌ عن قتيبة ويحيى بن يحيى، كلاهما عن مالكٍ به (5). ورواه أبو داود (6) والنَّسائيُّ (7) وابن ماجة (8) أيضًا من حديث مالك، والله أعلم O.
2270 - قال التِّرمذيُّ: وحدَّثنا الحسين بن حُريث ثنا الفضل بن موسى عن حسين بن واقد عن عِلْبَاءَ بن أحمرَ عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال: كنَّا مع النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفرٍ، فحضر الأضْحَى، فاشتركنا في البقرة سبعة، وفي الجزورة (1) عشرة (2). ز: رواه الإمام أحمد عن الحسن بن يحيى عن الفضل به (3)، ورواه أبو حاتم البُستيُّ عن محمَّد بن أحمد بن أبي عون عن الحسين بن حُريث (4)، ورواه النَّسائيُّ (5) وابن ماجة (6) من حديث الفضل. وقال التِّرمذيُّ: حديثٌ حسنٌ غريبٌ O. *****
مسائل الأضاحي
مسائل الأضاحي مسألة (467): الأضحية سنَّةٌ. وعنه: واجبة، كقول أبي حنيفة. 2271 - قال مسلم بن الحجَّاج: حدَّثني حجَّاج بن الشَّاعر قال: حدَّثني يحيى بن كثير العنبريُّ (1) ثنا شعبة عن مالك بن أنس عن عمرو بن مسلم عن سعيد بن المسيَّب عن أمِّ سلمة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا رأيتم هلال ذي الحجَّة، وأراد أحدكم أن يضحِّي، فليمسك عن شعره وأظفاره " (2). انفرد بإخراجه مسلمٌ. فوجه الحجَّة: أنَّه علَّقه بالإرادة (3). 2272 - وقد استدل أصحابنا بحديث ابن عبَّاس عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " ثلاثٌ هنَّ عَلَيَّ فريضةٌ، ولكم تطوُّع: ...... منها النَّحر ". وقد ذكرناه في مسائل الوتر (4)، وقلنا: يرويه أبو جَنَاب، وهو متروكٌ
2273 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أبو العبَّاس عبد الله (1) بن عبد الرَّحمن العسكريُّ ثنا الحنينيُّ ثنا أبو غسَّان ثنا قيس عن جابر عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كُتب عَلَيَّ النَّحر، ولم يكتب عليكم " (2). 2274 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا أحمد بن محمَّد بن سعدان ثنا شعيب (3) بن أيُّوب ثنا عثمان بن عبد الرَّحمن الحرَّانيُّ ثنا يحيى بن أبي أُنيسة عن جابر عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أُمرت بالنَّحر، وليس بواجبٍ " (4). قال المصنِّف: جابر في الحديثين هو: الجُعفيُّ، وهو ضعيفٌ. ز: هذا الحديث غير مخرَّج في " السُّنن ". ويحيى بن أبي أُنيسة متروك الحديث، لكنَّه لم يتفرَّد بهذا الحديث عن جابر، فقد رواه عن حمَّاد جماعةٌ غيره، وقد روي من غير طريق جابر عن عكرمة، وهو حديثٌ ضعيفٌ على كلِّ حالٍ O. احتجُّوا بخمسة أحاديث: 2275 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا أبو عبد الرَّحمن ثنا عبد الله بن عيَّاش عن عبد الرَّحمن بن هرمز الأعرج عن أبي هريرة قال: قال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من وجد سعة فلم يضحِّ، فلا يقربنَّ مصلانا " (1). ز: هذا الحديث رجاله كلُّهم مخرَّج لهم في "الصَّحيحين"، إلا عبد الله ابن عيَّاش بن عبَّاس القِتْبانيُّ فإنَّه من أفراد مسلم (2). وقد رواه ابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة عن زيد بن الحبُاب عن عبد الله بن عيَّاش (3)، وكذلك رواه حَيْوة بن شُريح وغيره عن عبد الله بن عيَّاش (4). ورواه ابن وهبٍ عن عبد الله بن عيَّاش عن الأعرج عن أبي هريرة موقوفًا، وكذلك رواه جعفر بن ربيعة و [عبيد الله] (5) بن أبي جعفر عن الأعرج عن أبي هريرة موقوفًا، وهو أشبه بالصَّواب O. 2276 - الحديث الثَّاني: قال أحمد: حدَّثنا معاوية [بن] (6) عمرو ثنا زائدة ثنا أبو جَناب الكلبيُّ قال: حدَّثني يزيد بن البراء بن عازب عن البراء قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنَّما الذَّبح بعد الصَّلاة ". فقام أبو بردة بن نيار فقال: عجَّلت ذبح شاتي، وعند [ي] (7) جذعة. فقال: " لن تفي عن أحدٍ بعدك " (8).
وفي لفظ: " لن تَجْزي ". وهذا إنَّما يستعمل في الواجب. ز: هذا الحديث غير مخرَّج في " السُّنن " (1)، وإسناده غير قويٍّ، ولا دليل فيه على الوجوب، والله أعلم O. 2277 - الحديث الثَّالث: قال أحمد: حدَّثنا محمَّد بن أبي عَدِيٍّ عن ابن عون عن ابن أبي رملة قال: ثناه مِخْنَفُ بنُ سُلَيم قال: بينا نحن مع النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو واقفٌ بعرفات، فقال: " يا أيُّها النَّاس، إنَّ على كلِّ أهل بيتٍ فى كلِّ عام أضحية وعتيرة، تدرون ما العتيرة؟ هذه التي يقول النَّاس: الرَّجبيَّة " (2). ز: كذا فيه: (عن ابن أبي رملة) وهو غلطٌ، والصَّواب: (عن أبي رملة) (3)، واسمه: عامر، وفيه جهالة، لأنَّه لم يرو عنه غير ابن عون. وقد روى أصحاب " السُّنن الأربعة " هذا الحديث من رواية ابن عون عنه (4)، وقال التِّرمذيُّ: حديثٌ حسنٌ غريبٌ، ولا نعرف هذا الحديث إلا من هذا الوجه، من حديث ابن عون O. 2278 - الحديث الرَّابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا محمَّد بن يوسف الخلال ثنا الهيثم بن سهل ثنا المسيَّب بن شَريك ثنا عُبيد المُكْتِب عن عامر عن
مسروق عن عليٍّ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نسخَ الأضحى كلُّ ذبحٍ، وصومُ رمضان كلّ صومٍ " (1). ز: هذا الحديث لا يثبت. والمسيَّب بن شَريك: اجتمعوا على ترك حديثه. قاله الفلاس (2). وقد روى هذا الحديث عنه أيضًا عليُّ بن سعيد بن مسروق الكنديُّ. 2279 - وقال ابن عَدِيٍّ: أنا الحسن بن سفيان ثنا المسيَّب بن واضح ثنا المسيَّب بن شَريك عن عُتبة بن اليقظان عن الشَّعبيِّ عن مسروق عن عليٍّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نسخت الزَّكاةُ كلِّ صدقة في القرآن، ونسخَ غسلُ الجنابة كلَّ غسلٍ، ونسخ صومُ رمضان كلُّ صومٍ، ونسخ الأضحى كلَّ ذبحٍ " (3). كذا رواه ابنُ عَدِيٍّ، والله أعلم O. 2280 - الحديث الخامس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا ابن مبشِّر ثنا أحمد بن سنان القطَّان ثنا يعقوب بن محمَّد الزُّهريُّ ثنا رفاعة بن هُرَير ثنا أبي عن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله، أستدين وأضحِّي؟ قال: " نعم، فإنَّه دَيْنٌ مقضيٌّ " (4). ز: هذا الحديث والَّذي قبله غير مخرَّجين في شيءٍ من " السُّنن "،
وسيأتي كلام المؤلِّف عليهما، والله أعلم O. والجواب: أمَّا الحديث الأوَّل: فقال أحمد: هو حديثٌ منكرٌ. وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: قد روي موقوفًا، والموقوف أصحُّ (1). ثُمَّ إنه لا يدلُّ على الوجوب، كما قال: " من أكل الثُّوم فلا يقربنَّ مُصلانا". وأمَّا الحديث الثَّاني: فأبو جَناب متروكٌ. ثُمَّ لو صحَّ الحديث، فالمراد أنَّها تفي وتجزي في إقامة السُّنَّة، يدلُّ عليه: 2281 - ما روى الإمام أحمد، قال: حدَّثنا عفَّان ثنا شعبة قال: زبيد أخبرني و (2) منصور وداود وابن عون عن الشَّعبيِّ عن البراء قال: خطبنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " إنَّ أوَّل ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلِّي، ثُمَّ نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنَّتنا، ومن ذبح قبل ذلك فإنَّما هو لحمٌ قدَّمه لأهله، ليس من النُّسك في شيءٍ ". فقال أبو بُردة: يا رسول الله، ذبحت وعندي جذعة خيرٌ من مسنَّة. قال: " اجعلها مكانها، ولن تَجْزِي- أو توفِّي- عن أحدٍ بعدك " (3). أخرجاه في "الصَّحيحين" (4).
مسألة (468): يكره لمن أراد أن يضحي إذا دخل العشر أن يحلق
وأمَّا الحديث الثَّالث: فإنَّ ابن أبي رملة (1) اسمه: عامر، وهو مجهولٌ. ثُمَّ إنَّ الحديث متروكٌ، إذ لا تسنُّ عتيرة أصلاً؛ ولو قلنا: بوجوب الأضحية كانت على الشخص الواحد، لا على جميع أهل البيت. وأمَّا الرَّابع: فإنَّ الهيثم بن سهل ضعيفٌ، والمسيَّب بن شَريك متروكٌ. وأمَّا الخامس: فقال الدَّارَقُطْنِيُّ: هو إسنادٌ ضعيفٌ، وهُرير هو: ابن عبد الرَّحمن بن رافع بن خَدِيج، ولم يسمع من عائشة ولم يدركها (2). ز: في كلام المؤلِّف نظرٌ من وجوه عِدَّة، قد نُبِّه على بعضها، ويطول الكلام بالتَّنبيه على باقيها، والله أعلم O. ***** مسألة (468): يكره لمن أراد أن يضحِّي إذا دخل العشر أن يحلق شعره، أو يقلِّم أظفاره. ومن أصحابنا من قال: يحرم عليه. وقال أبو حنيفة: لا يكره. دليلنا:
مسألة (469): الأفضل في الأضاحي الإبل، ثم البقر، ثم الغنم.
حديث أمِّ سلمة المتقدِّم (1). ***** مسألة (469): الأفضل في الأضاحي الإبل، ثُمَّ البقر، ثُمَّ الغنم. وقال مالك: الغنم، ثُمَّ البقر، ثُمَّ الإبل. 2282 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا يزيد ثنا ابن أبي ذئب عن الزُّهريِّ عن أبي عبد الله الأغر عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على أبواب المسجد، فيكتبون الأوَّل فالأوَّل، فمثلُ المهجِّر إلى الجمعة كمثل الَّذي يهدي بدنة، ثُمَّ كالَّذي يهدي بقرة، ثُمَّ كالَّذي يهدي كبشًا، ثُمَّ كالَّذي يهدي دجاجةً، ثُمَّ كالَّذي يهدي بيضةً، فإذا خرج الإمام وقعد على المنبر، طووا صحفهم، وجلسوا يستمعون الذِّكر " (2). أخرجه البخاريُّ ومسلم في "الصَّحيحين" (3). ***** مسألة (470): لا يجوز أن يُضحِّي بعضباء القرن والأذن. وقال أبو حنيفة: يجوز بعضباء القرن.
مسألة (471): لا يجوز ذبح الأضحية قبل صلاة الإمام، ويجوز
وقال مالك: إن كان قرنها يدمي لم يجز، وإلا جاز: فأمَّا المقطوعة الأذن فتجوز. 2283 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا يحيى عن هشام ثنا قتادة عن جُرَيِّ (1) ابن كليب عن عليٍّ قال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نضحِّي بعضباء القرن أو الأذن (2). ز: رواه أصحاب " السُّنن الأربعة " من حديث قتادة (3)، ولم يذكر النَّسائيُّ (الأذن). وقال التِّرمذيُّ: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وقال أبو داود: جُرَيٌّ لم يحدِّث عنه إلا قتادة. وقال ابنُ المدينيِّ: مجهولٌ، لا أعلم روى عنه غير قتادة (4). وقال أبو حاتم: شيخٌ، لا يحتجُّ بحديثه (5) O. ***** مسألة (471): لا يجوز ذبح الأضحية قبل صلاة الإمام، ويجوز بعدها وإن لم يكن الإمام قد ذبح.
وقال أبو حنيفة في أهل الأمصار كقولنا، وفي أهل القرى يجوز أن يذبحوا بعد طلوع الفجر من يوم النَّحر. وقال مالك: وقت الذَّبح إذا صلَّى الإمام وذبح. وقال الشَّافعيُّ: وقت الذَّبح أن يمضي بعد دخول وقت الصَّلاة زمانٌ يمكن فيه صلاة ركعتين وخطبتين. لنا حديثان: أحدهما: حديث البراء: " إنَّ أوَّل ما نبدأ به أن نصلِّي، ثُم ننحر، فمن ذبح قبل ذلك، فإنَّما هو لحمٌ قدَّمه لأهله، ليس من النُّسك في شيءٍ ". وقد سبق بإسناده (1). 2284 - الحديث الثَّاني: قال الإمام أحمد: حدَّثنا [عَبيْدة] (2) بن حُميد قال: حدَّثني الأسود بن قيس عن جُندب بن سفيان البَجلي أنَّه صلَّى مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أضحى، قال: فانصرف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإذا هو باللحم وذبائح الأضحى، فعرف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّها ذبحت قبل أن يصلِّي، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من كان ذبح قبل أن نصلِّي، فليذبح مكانها أخرى، ومن لم يكن ذبح حتَّى صلَّينا، فليذبح باسم الله " (3). أخرجاه في "الصَّحيحين" (4).
مسألة (472): لا يجوز بيع جلود الأضاحي.
ز: احتجَّ مالكٌ: 2285 - بما روى مسلمٌ في "صحيحه" قال: حدَّثني محمَّد بن حاتم ثنا محمَّد بن بكر أنا ابن جريج أخبرني أبو الزُّبير أنَّه سمع جابر بن عبد الله يقول: صلَّى بنا النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم النَّحر بالمدينة، فتقدَّم رجالٌ فنحروا، وظنُّوا أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد نحر، فأمر النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من كان نحر قبله أن يعيد بنحرٍ آخر، ولا ينحروا حتَّى ينحر النَّبيُّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1) O. ***** مسألة (472): لا يجوز بيع جلود الأضاحي. وقال أبو حنيفة: يجوز. 2286 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا معاذ أنا زهير بن معاوية عن عبد الكريم الجزريِّ عن مجاهد عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن عليٍّ قال: أمرني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أقوم على بُدْنِه، وأن أتصدَّق بلحومها وجلودها وأجلتها، وأن لا أعطي الجزَّار (2) منها شيئًا، وقال: " نحن نعطيه من عندنا " (3). أخرجه البخاريُّ ومسلمٌ في "الصَّحيحين" (4). *****
مسألة (473): العقيقة مستحبة.
مسألة (473): العقيقة مستحبةٌ. وقال أبو حنيفة: لا تستحبُّ. وقال داود: واجبةٌ، ونقلها أبو بكر عبد العزيز عن أحمد. لنا أربعة أحاديث: 2287 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا عبد الرَّزَّاق ثنا داود ابن قيس عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه قال: سُئل رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن العقيقة، فقال: " من أحبَّ منكم أن ينسك عن ولده فليفعل، عن الغلام شاتان مكافأتان، وعن الجارية شاةٌ " (1). ز: رواه أبو داود (2) والنَّسائيُّ (3) من رواية داود- وهو ثقةٌ- عن عمرو، وفي رواية أبي داود: (أُراه عن جدِّه) O. 2288 - الحديث الثَّاني: قال أحمد: وحدَّثنا زيد بن الحُباب قال: حدَّثني حسين بن واقد قال: حدَّثني عبد الله بن بُريدة قال سمعتُ أبي يقول: عقَّ رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الحسن والحسين عليهما السَّلام (4). ز: رواه الإمام أحمد أيضًا عن عبد الله بن نُمير عن حسين (5)، ورواه
النَّسائيُّ عن حسين بن حُريث عن الفضل بن موسى عن حسين (1) O. 2289 - الحديث الثَّالث: قال أحمد: وحدَّثنا عفَّان ثنا همَّام ثنا قتادة عن ابن سيرين عن سلمان بن عامر الضَّبيِّ أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " مع الغلام عقيقته، فأهريقوا عنه الدَّم، وأميطوا عنه الأذى " (2). انفرد بإخراجه البخاريُّ (3). ز: رواه البخاريُّعن أبي النُّعمان عن حمَّاد بن زيدٍ، وقال أصبغ: عن ابن وهب عن جرير بن حازم، كلاهما عن أيُّوب. وقال حجَّاج- يعني: ابن منهال-: عن حمَّاد- يعني ابن سلمة- عن أيوب وقتادة وحبيب- يعني: ابن الشَّهيد-، ثلاثتهم عن محمَّد بن سيرين به. ووقفه حمَّاد بن زيدٍ، ورفعه الآخران. قال: وقال غير واحدٍ: عن عاصم وهشام عن حفصة عن الرَّباب عن سلمان عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: ورواه يزيد بن إبراهيم عن محمَّد [عن] (4) سلمان قوله O. 2290 - الحديث الرَّابع: قال التِّرمذيُّ: حدَّثنا عليُّ بن حُجْر ثنا عليُّ ابن مسهر عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن سمرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الغلام مرتهنٌ بعقيقته، تذبح عنه- يوم السَّابع، ويسمَّى، ويحلق رأسه " (5).
ز: إسماعيل بن مسلم هو: المكيُّ، وهو غير محتجٍّ به، وقد روى هذا الحديث عن الحسن غيره من الثِّقات: 2291 - قال أبو يعلى الموصليُّ: حدَّثنا محمَّد بن المثنَّى ثنا ابن أبي عديٍّ عن سعيد عن قتادة عن الحسن عن سمرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " كلُّ غلامٍ مرتهنٌ بعقيقته، تذبح عنه يوم سابعه، ويحلق ويسمَّى " (1). وقد روى هذا الحديث: الإمام أحمد (2) وأصحاب " السُّنن الأربعة " من حديث قتادة (3)، وقال التِّرمذيُّ: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وقال أبو يعلى: [ثنا أبو موسى] (4) حدَّثني قُريش بن أنس عن حَبيب ابن الشَّهيد قال: قال محمَّد بن سيرين: [سل] (5) الحسن: ممَّن سمع حديثه في العقيقة؟ فسألته، فقال: سمعته من سَمُرة. رواه البخاريُّ عن عبد الله بن أبي الأسود عن قُريش (6)، ولم يرو غير هذا. ورواه التِّرمذيُّ عن محمَّد بن المثنَّى، ورواه عن محمَّد بن إسماعيل
البخاريِّ عن عليِّ بن عبد الله عن قُريش (1). ورواه النَّسائيُّ عن هارون بن عبد الله عن قُريش (2). وقال عثمان بن سعيد الدَّارميُّ: قلت ليحيى بن معين: الحسن لقيَ سَمُرة؟ قال: لا (3). وقال الغُلابيُّ: ثنا يحيى بن معين عن أبي النَّضر عن شُعبة قال: لم يسمع الحسن من سَمُرة بن جُندب (4). وقد تكلَّم بعضهم مع يحيى ابن معين في هذا، فأنكر يحيى سماعه، فاحتجَّ عليه بقول ابن سِيرين لحبيب: سُئل الحسن: ممَّن سمع حديث العقيقة؟ فقال: من سَمُرة. فلم يكن عند يحيى جوابٌ. وقال عبد الغني بن سعيد المصريُّ: لا يصح (الحسن عن سَمُرة بن جُنْدب) إلا حديثٌ واحدٌ، وهو حديث العقيقة، تفرَّد به قُريش بن أنس عن حَبيب بن الشَّهيد؛ وقد دفع قومٌ آخرون قولَ قُريش، وقالوا: ما يصحُّ له سماعٌ. وقال البَرْدِيجيُّ: وقتادة عن الحسن عن سَمُرة، فليست بصحاح، لأَنَّه من كتاب، ولا يحفظ عن الحسن عن سَمُرة حديثٌ يقول فيه: (سمعت سَمُرة) إلا حديثًا واحدًا، وهو حديث العقيقة، ولا يثبت، رواه قريش بن أنس عن أشعث (5) عن الحسن عن سمرة، ولم يروه غيره، وهو وهمٌ (6).
مسألة (474): والمستحب شاتان عن الغلام، وشاة عن الجارية.
كذا قال، وقوله: (عن أشعث) وهمٌ، والله أعلم O. قال المؤلِف: وللغويين في معنى (العقيقة) قولان: أحدهما: أَنَّّه الشَّاة المذبوحة، سمِّيت (عقيقة) لأنَّها تُعقُّ مذابحها، أي: تُشقُّ. والثَّاني: أنَّها اسمٌ للشَّعر الَّذي يحلق عن رأس المولود، فهو مرتهنٌ بأذاه حتَّى يحلق، فسمِّيت الشَّاة (عقيقةً) تجوَّزًا، لأنَّها إنَّما ذبحت بسبب حلاق الشَّعر. ***** مسألة (474): والمستحب شاتان عن الغلام، وشاةٌ عن الجارية. وقال مالك: شاةٌ عن الجميع. 2292 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا هيثم (1) بن خارجة ثنا إسماعيل بن عيَّاش عن ثابت بن العجلان عن مجاهد عن أسماء بنت يزيد عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " العقيقة حقٌّ، عن الغلام شاتان مكافأتان، وعن الجارية شاةٌ " (2). ز: هذا الحديث لم يخرِّجه أصحاب " السُّنن "، وإسناده صالحٌ. وثابت بن عجلان: شاميٌّ، وثَّقه ابن معين (3)، روى له البخاريُّ (4) O. 2293 - قال أحمد: وحدَّثنا سفيان عن عمرو عن عطاء عن حبيبة بنت
ميسرة (1) عن أمِّ كُرْز الكعبيَّة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " عن الغلام شاتان مكافأتان، وعن الجارية شاةٌ " (2) قال أحمد بن حنبل: مكافأتان: أي مستويتان، أو متقاربتان (3). ز: حديث أمِّ كُرْز: رواه أصحاب " السُّنن " (4)، وصحَّحه التِّرمذيُّ (5)، وفيه اختلافٌ كثيرٌ على عطاء وغيره (6)، والله أعلم O. آخر كتاب الحجِّ، والحمد لله وحده *****
كتاب البيوع
كتاب البيوع مسألة (475): بيع ما لم يره المتبايعان من غير صفةٍ لا يصحُّ. وعنه: أنَّه يصحُّ. وهل يثبت فيه خيار الرؤية أم لا؟ على روايتين، وبه قال أبو حنيفة. 2294 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا يحيى بن سعيد أنا عبيد الله بن عمر عن أبي الزِّناد عن الأعرج عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن بيع الغرر (1). انفرد بإخراجه مسلمٌ (2). 2295 - قال أحمد: وحدَّثنا أيُّوب بن عتبة بن يحيى بن أبي كثير عن عطاء عن ابن عبَّاس قال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيع الغرر (3). ز: كذا وجدته، وقد سقط بين الإمام أحمد وأيُّوب بن عتبة رجلٌ (4). وقد رواه ابن ماجة عن أبي كريب والعبَّاس بن عبد العظيم كلاهما عن أسود بن عامر عن أيُّوب بن عتبة به (5).
وقد روى هذا الحديث أبو يعلى الموصليُّ من حديث أنس (1). ورواه الطَّبرانيُّ (2) والدَّارَقُطْنِيُّ (3) من حديث سهل بن سعدٍ. ورواه محمَّد بن أسلم الطُّوسيُّ وأبو حاتم بن حِبَّان (4) والدَّارَقُطْنِيُّ من حديث ابن عمر، والله أعلم O. 2296 - قال أحمد: وحدَّثنا هُشيم ثنا أبو بشر عن يوسف بن ماهك عن حكيم بن حزام قال: قلت: يا رسول الله، يأتيني الرَّجل يسألني البيع ليس عندي، فأبيعه منه، ثُمَّ أبتاعه من السُّوق؟ فقال: " لا تبع ما ليس عندك " (5). ز: رواه أصحاب " السُّنن الأربعة " (6)، وقال التِّرمذيُّ: حديثٌ حسنٌ O. احتجُّوا: 2297 - بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ قال: حدَّثنا أبو بكر أحمد بن محمَّد (7) بن خُرَّزاد القاضي ثنا عبد الله بن أحمد بن موسى ثنا داهر بن نوح ثنا عمر بن إبراهيم ابن خالد ثنا وهيب اليشكريُّ عن محمَّد بن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من اشترى شيئًا لم يره، فهو بالخيار إذا رآه ".
قال عمر: وأخبرني فضيل بن عياض عن هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمثله. قال عمر: وأخبرني القاسم بن الحكم عن أبي حنيفة عن الهيثم عن محمَّد ابن سيرين عن أبي هريرة عن النَّبيِّ،- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثله. قال الدَّارَقُطْنِيُّ: لم يرو هذه الأحاديث غير عمر بن إبراهيم، ويقال له: الكرديُّ، وكان يضع الأحاديث، وإنَّما يُروى هذا من قول ابن سيرين (1). قال المصنِّف: قلت: قال أبو حاتم بن حِبَّان: كان عمر الكرديُّ يروي عن الثِّقات ما لم يحدِّثوا به، لا يجوز الاحتجاج بخبره (2). قال المصنِّف: قلت: وقد رُوي هذا الحديث مرسلاً من وجهٍ ضعيفٍ: 2298 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا دَعْلَج ثنا محمَّد بن عليِّ بن زيد ثنا سعيد ابن منصور ثنا إسماعيل بن عيَّاش عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم عن مكحول رفع الحديث إلى النَّبيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من اشترى شيئًا لم يره، فهو بالخيار إذا رآه: إن شاء أخذه، وإن شاء تركه " (3). قال المصنِّف: هذا مرسلٌ، وابن أبي مريم اسمه: بكير، ضعَّفه أحمد (4) ويحيى (5) وأبو حاتم (6) وأبو زرعة (7) والدَّارَقُطْنِيُّ (8). *****
مسائل الخيار
مسائل الخيار مسألة (476): خيار المجلس ثابتٌ، خلافًا لأبي حنيفة ومالك. 2299 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا سفيان قال: حدَّثني عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " البيِّعان بالخيار ما لم يتفرَّقا، أو يكون بيع خيار " (1). 2300 - قال أحمد: وحدَّثنا إسماعيل ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أبي الخليل عن عبد الله بن الحارث عن حكيم بن حزام قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " البيِّعان بالخيار ما لم يتفرَّفا، فإن صدقا وبيَّنا رزقا بركة بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما " (2). 2301 - وقال التِّرمذيُّ: حدَّثنا واصل بن عبد الأعلى ثنا ابن فضيل عن يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " البيِّعان بالخيار ما لم يتفرَّفا، أو يختارا ". قال: وكان ابن عمر إذا ابتاع بيعًا وهو قاعدٌ، قام ليجب له (3).
هذه الأحاديث كلُّها في "الصَّحيحين". 2302 - وقال الإمام أحمد: حدَّثنا عبد الرَّحمن بن مهديٍّ ثنا هشام عن قتادة عن الحسن عن سمرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " البيِّعان بالخيار ما لم يتفرَّقا" (1). ز: رواه النَّسائيُّ (2) وابن ماجة (3) من حديث غير واحدٍ عن قتادة O. 2303 - قال أحمد: وحدَّثنا أبو كامل ثنا حمَّاد بن زيد عن جميل بن مُرَّة (4) عن أبي الوَضِيء (5) قال: كنَّا في سفرٍ ومعنا أبو برزة، فقال أبو برزة: إنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " البيِّعان بالخيار ما لم يتفرَّقا " (6). [ز:] (7) رواه أبو داود (8) وابن ماجة (9) من حديث حمَّاد بن زيد. وجميل بن مُرَّة: وثَّقه النَّسائيُّ (10)، وقال ابن خراش: في حديثه نكرة (11).
مسألة (477): يجوز الخيار كثر من ثلاث، خلافا لأكثرهم.
وأبو الوَضِيء: اسمه عبَّاد بن نُسيب، وهو صدوقٌ، والله أعلم O. ***** مسألة (477): يجوز الخيار كثر من ثلاث، خلافًا لأكثرهم. لنا: قوله عليه السَّلام: " المؤمنون عند شروطهم ". وسيأتي مسندًا في مسائل الشُّروط. احتجُّوا بحديثين: 2304 - الحديث الأوَّل: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا الحسين بن إسماعيل المحامليُّ ثنا محمَّد بن عمرو بن العبَّاس الباهليُّ ثنا عبد الأعلى عن محمَّد بن إسحاق قال: حدَّثني محمَّد بن يحيى بن حَبَّان (1) قال: كان جدِّي حَبَّان بن منقذ بن عمرو لا يدع التِّجارة ولا يزال يغبن، فأتى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكر ذلك له، فقال: " إذا بعت فقل: لا خلابة، ثُمَّ أنت في كلِّ سلعة تبتاعها بالخيار ثلاث ليالٍ " (2). ز: رواه ابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عبد الأعلى (3) O.
2305 - الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثني محمَّد بن أحمد بن الصَّلت ثنا محمَّد بن خالد بن يزيد الرَّاسبيُّ ثنا أحمد بن عبد الله بن [ميسرة] (1) ثنا أبو علقمة الفرويُّ ثنا نافع عن ابن عمر عن النَّبيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الخيار ثلاثة أيَّام " (2). ز: هذا الحديث غير مخرَّج في " السُّنن ". وأبو علقمة الفرويُّ هذا، هو: الكبير، واسمه عبد الله بن محمَّد بن عبد الله بن أبي فروة، وقد روى له مسلمٌ (3)، ووثَّقه ابن معين (4) وغيره. وأمَّا أبو علقمة الفرويُّ الصَّغير: فاسمه عبد الله بن هارون، وهو ضعيفٌ، ولم يخرِّجوا له، كتب عنه ابن أبي حاتم بالدينة (5). وأحمد بن عبد الله بن ميسرة: حدَّث عن الثقات بالمناكير. قاله ابن عَدِيٍّ (6)، وقال أبو حاتم الرَّازيُّ: يتكلَّمون فيه (7) O. والجواب: أمَّا حديث حَبَّان: فخاصٌ له، أثبته له الرَّسول-من غير اشتراطٍ منه. وأمَّا الثَّاني: فيرويه أحمد بن عبد الله بن ميسرة، وقد ضعَّفه
الدَّارَقُطْنِيُّ (1)، وقال ابن حِبَّان: لا يحلُّ الاحتجاج به (2). ثُمَّ التَّقدير بالثلاث خرج مخرج الأغلب، لأنَّ النَّظر يحصل فيها غالبًا، وهذا لا يمنع من الزِّيادة عليها عند الحاجة، كما قدِّرت حجارة الاستنجاء بثلاثة، ثُمَّ لو دعت الحاجة إلى الزِّيادة وجب. *****
مسائل الربا
مسائل الرِّبا مسألة (478): علَّة الرِّبا مكيل جنسٍ. وعنه: أنَّ العلَّة مطعوم جنسٍ، كقول الشَّافعيِّ. وعنه روايةٌ ثالثةٌ: أنَّ العلَّة الكيل والطعم إذا اجتمعا. وقال مالكٌ: العلَّة القوت وما يصلحه. وجه الأولى أربعة أحاديث: 2306 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا وكيع عن سفيان عن خالد الحذَّاء عن أبي قلابة عن أبي الأشعث الصَّنعانيِّ عن عبادة بن الصَّامت قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الذَّهب بالذَّهب، والفضَّة بالفضَّة، والبرُّ بالبرِّ، والشَّعير بالشَّعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، يدًا بيد، فإذا اختلفت هذه الأوصاف، فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيدٍ " (1). انفرد بإخراجه مسلمٌ (2). والحجَّة أنَّه اشترط المماثلة، ولا تتحقق إلا بالكيل. 2307 - الحديث الثَّاني: قال أحمد: وحدَّثنا محمَّد بن فضيل ثنا أبي عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الحنطة بالحنطة، والشَّعير بالشَّعير، والتَّمر بالتَّمر، والملح بالملح، كيلاً بكيلٍ، وزنًا بوزنٍ، فمن زاد
أو ازداد فقد أربى، إلا ما اختلف ألوانه " (1). انفرد بإخراجه مسلمٌ. ز: 2308 - قال مسلمٌ في "صحيحه": ثنا أبو كريب محمَّد بن العلاء وواصل بن عبد الأعلى قالا: ثنا ابن فضيل عن أبيه عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " التَّمر بالتَّمر، والحنطة بالحنطة، والشَّعير بالشَّعير، والملح بالملح، مثلاً بمثل، يدًا بيدٍ، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، إلا ما اختلفت ألوانه " (2). هكذا رواه مسلمٌ بهذا الإسناد، وهذا اللفظ. [و] (3) لم يخرِّجه مسلمٌ ولا غيره من رواية [ابن] (4) فضيل عن أبي حازم عن أبي هريرة O. 2309 - الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا محمَّد بن أحمد بن الحسن ثنا عبد الله بن أحمد ثنا أحمد بن محمَّد بن أيُّوب ثنا أبو بكر بن عيَّاش عن الرَّبيع بن صَبيح عن الحسن عن عبادة وأنس بن مالك عن النَّبيِّ "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما وزن مثلاً بمثلٍ إذا كان نوعًا واحدًا، وما كيل فمثل ذلك، فإذا اختلف النَّوعان فلا بأسا به " (5). ز: هذا الحديث غير مخرَّجٍ في " السُّنن ".
والرَّبيع بن صَبيح: لا بأس به، رجلٌ صالحٌ. قاله الإمام أحمد (1)، وضعَّفه يحيى بن معين (2) والنَّسائيُّ (3)، وقال أبو زرعة: شيخٌ، صالحٌ، صدوقٌ (4). وقال يعقوب بن شيبة: رجلٌ صالحٌ، صدوقٌ ثقةٌ، ضعيفٌ جدًّا (5). وقال ابن عَدِيٍّ: لم أر له حديثًا منكرًا جدًّا (6). وقال الدَّارَقُطْنِيُّ في هذا الحديث: لم يروه غير أبي بكر عن الرَّبيع هكذا، وخالفه جماعةٌ، فرووه عن الرَّبيع عن ابن سيرين عن عبادة وأنس عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلفظٍ غير هذا اللفظ (7) O. 2310 - الحديث الرَّابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا ابن صاعد ثنا يحيى ابن سليمان ثنا عبد العزيز بن محمَّد الدَّراورديُّ عن عبد المجيد بن سهيل بن عبد الرَّحمن بن عوف عن سعيد بن المسيَّب أنَّ أبا سعيد الخدريّ وأبا هريرة حدَّثاه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث سواد بن غزيَّة وأمَّره على خيبر، فقدم عليه بتمرٍ جنيبٍ (8) - يعني الطَّيِّب- فقال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَكُلُّ تمر خيبر هكذا؟ " قال: لا والله، يا رسول الله، إنَّا نشتري الصَّاع بالصَّاعين، والصَّاعين بثلاثة آصع من الجَمْع (9). فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تفعل، ولكن بع هذا، واشتر
بثمنه من هذا، وكذلك الميزان " (1). يعني ما يدخل في الوزن. ز: أخرجاه في "الصَّحيحين" من رواية سليمان بن بلال (2) ومالك (3) كلاهما عن عبد المجيد بنحوه. وقال البخاريُّ في المغازي: وقال عبد العزيز بن محمَّد عن عبد المجيد عن سعيد أنَّ أبا سعيدٍ وأبا هريرة حدَّثاه بهذا، وعن عبد المجيد عن أبي صالح عن أبي سعيد وأبي هريرة مثله (4). وقال البيهقيُّ في قوله: (وكذلك الميزان): الأشبه أن يكون ذلك من قول أبي سعيد (5) O. احتجُّوا: 2311 - بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ، قال: حدَّثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا يونس بن عبد الأعلى ثنا ابن وهبٍ قال: أخبرني عمرو بن الحارث أنَّ أبا النَّضر حدَّثه أنَّ بُسْر بن سعيد حدَّثه عن معمر بن عبد الله عن النَّبيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الطَّعام بالطَّعام مثلاً بمثلٍ " (6).
مسألة (479): لا يجوز بيع تمرة بتمرتين، ولا حفنة بحفنتين.
وحجَّتهم أنَّ الطعام مشتقٌ من الطعم، فهو يعمُّ المطعوم. ز: رواه مسلمٌ عن هارون بن معروف وغيره عن ابن وهبٍ (1) والله أعلم O. ***** مسألة (479): لا يجوز بيع تمرةٍ بتمرتين، ولا حفنة بحفنتين. وقال أبو حنيفة: يجوز. لنا: قوله: " إلا مثلاً بمثلٍ ". وقد سبق الحديث. ***** مسألة (480): علَّة الربا في الدَّراهِم والدَّنانير: الوزن، فتعدَّى إلى كلِّ موزونٍ. وقال مالكٌ والشَّافعيُّ: العلَّة كونهما ثمنًا. لنا:
مسألة (481): لا يجوز التفرق في بيع ما يجري فيه الربا بعلة واحدة =
ما تقدَّم من حديث عبادة وأنس (1). ***** مسألة (481): لا يجوز التَّفرُّق في بيع ما يجري فيه الرِّبا بعلَّةٍ واحدةٍ = قبل القبض، كالمكيل بالمكيل، والموزون بالموزون. وقال أبو حنيفة: يجوز. لنا أحاديث منها: حديث عبادة: " يداً بيد ". وقد سبق بإسناده (2). 2312 - وقال البخاريُّ: حدَّثنا عبد الله بن يوسف أنا مالك عن ابن شهاب عن مالك بن أوس أنَّه أخبره أنَّه التمس صرفًا بمائة دينار، قال: فدعاني طلحة بن عبيد الله، فتراوضنا، حتى اصطرف منِّي، فأخذ الذَّهب يقلِّبها في يده، ثُمَّ قال: حتَّى يأتي خازني من الغابة. وعمر يسمع ذلك، فقال: والله لا تفارقه حتَّى تأخذ منه، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الذَّهب بالورق ربًا إلا هاء وهاء، والبرُّ بالبرِّ ربًا إلا هاء وهاء، والشَّعير بالشَّعير ربًا إلا هاء وهاء، والتَّمر بالتَّمر ربًّا إلا هاء وهاء " (3).
مسألة (482): ما لا يدخل [فيه] (5) الربا. لا يحرم في النساء، وهو
أخرجاه في "الصَّحيحين" (1). وفي لفظٍ أخرجه البرقانيُّ على "الصَّحيحين": " والذَّهب بالذَّهب ربًا إلا هاء وهاء" (2). 2313 - وقال الإمام أحمد: حدَّثنا يحيى عن شعبة قال: حدَّثني حبيب عن أبي المنهال قال: سمعت زيد بن أرقم والبراء يقولان: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيع الذَّهب بالورق دينًا (3). ز: أخرجاه في "الصَّحيحين" من حديث شعبة عن حبيب بن أبي ثابت (4). وأبو المنهال اسمه: عبد الرَّحمن بن مطعم O. ***** مسألة (482): ما لا يدخل [فيه] (5) الرِّبا. لا يحرم في النَّساء، وهو غير المكيل والموزون. وعنه: يجرم إذا كان جنسًا واحدًا، كقول أبي حنيفة. وقال مالك: يحرم النّساء في الجنس الواحد إذا كان متفاضلاً، فأمَّا
الجنسان فلا. 2314 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا يونس بن عبد الأعلى ثنا ابن وهبٍ قال: أخبرني ابن جريج أنَّ عمرو بن شعيب أخبره عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنَّ رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمره أن يجهِّز جيشًا - قال عبد الله بن عمرو: وليس عندي ظهرٌ- فأمره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يبتاع ظهرًا إلى خروج المصدِّق، فابتاع عبد الله بن عمرو البعير بالبعيرين وبالأبعرة إلى خروج المصدِّق، بأمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1). ز: هذا إسنادٌ جيِّدٌ وإن كان غير مخرَّجٍ في شيءٍ من " السُّنن "، وقد روي هذا الحديث من وجهٍ آخر عن عبد الله بن عمرو: 2315 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا حسين بن محمَّد ثنا جرير- يعني ابن حازم- عن محمَّد- يعني ابن إسحاق- عن أبي سفيان عن مسلم بن جبير عن عمرو بن الحَرِيش قال: سألت عبد الله بن عمرو بن العاص فقلت: إنَّا بأرضٍ ليس بها دينارٌ ولا درهمٌ، وإنَّما نبايع بالإبل والغنم إلى أجلٍ، فما ترى في ذلك؟ قال: على الخبير سقطَّت! جهَّز رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جيشًا على إبلٍ من إبل الصَّدقة، حتَّى نفدت، وبقي ناسٌ، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اشتر لنا إبلاً بقلائص من إبل الصَّدقة إذا جاءت، حتَّى نؤدِّيها إليهم ". فاشتريت البعير بالاثنين والثَّلاث قلائص، حتَّى فرغت، فأدَّى ذلك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من إبل الصَّدقة (2). قال عثمان بن سعيد الدَّارميُّ عن يحيى بن معين: هذا حديثٌ مشهورٌ (3).
كذا قال، وهذا الحديث قد اختلف في إسناده، وبعض رواته ليس بذاك المعروف. وقد رواه أبو داود بنحوه عن حفص بن عمر عن حمَّاد بن سلمة عن محمَّد ابن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن مسلم بن جبير عن أبي سفيان عن عمرو ابن حَرِيش (1). ورواه أبو القاسم البغويُّ عن عبد الأعلى بن حمَّاد عن حمَّاد (2). ورواه عبد الأعلى بن عبد الأعلى عن ابن إسحاق عن أبي سفيان عن (3) مسلم بن كثير عن عمرو بن حريش. ورواه سعيد بن محمَّد الجرميُّ عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن ابن إسحاق عن سفيان بن جبير مولى ثقيف الحرشيِّ عن عمرو (4)، فالله أعلم O. 2316 - وقال الإمام أحمد: حدَّثنا يحيى بن سعيد عن مالك قال: حدَّثني زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي رافع أنَّ النَّبيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استسلف من رجلٍ بكرًا، فأتته إبلٌ من إبل الصَّدقة، فقال: " أعطوه " فقالوا: لا نجد إلا رباعيًّا خيارًا. فقال: " أعطوه، فإنَّ خير النَّاس أحسنهم قضاءً " (5).
انفرد بإخراجه مسلمٌ (1) احتجُّوا بأربعة أحاديث: 2317 - الحديث الأوَّل: قال البخاريُّ: حدَّثنا عليُّ بن عبد الله ثنا الضَّحَّاك بن مخلد ثنا ابن جريج قال: أخبرني عمرو بن دينار أنَّ أبا صالح الزَّيَّات أخبره أنَّه سمع أبا سعيد الخدريَّ يقول: " الدِّينار بالدِّينار، والدِّرهم بالدِّرهم ". فقلت له: فإنَّ ابن عبَّاس لا يقوله. فقال أبو سعيد: سألتُه، فقلت: سمعتَه من النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو وجدتَه في كتاب الله؟ فقال: كلُّ ذلك لا أقول، وأنتم أعلم برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منِّي، ولكن أخبرني أسامة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا ربًا إلا في النَّسيئة " (2). أخرجاه في "الصَّحيحين" (3). 2318 - الحديث الثَّاني: قال أحمد: حدَّثنا عبدة ثنا سعيد عن قتادة عن الحسن عن سمرة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئةً (4). ز: رواه أصحاب " " السُّنن الأربعة " " من رواية قتادة (5)، وقال التِّزمذيُّ: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ O.
2319 - الحديث الثَّالث: قال أحمد: وحدَّثنا نصر بن باب عن حجَّاج عن أبي الزُّبير عن جابرٍ قال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، اثنين بواحدٍ، ولا بأس به يدًا بيدٍ (1). ز: نصر بن باب: ضعيفٌ، لا يحتجُّ بحديثه. والحجَّاج هو: ابن أرطأة، وهو مدلِّسٌ. لكن لم يتفرَّد بهذا الحديث نصر عن حجَّاج، فقد رواه التِّرمذيُّ عن أبي عمَّار عن عبد الله بن نمير (2)، ورواه ابن ماجة عن عبد الله بن سعيد عن حفص بن غياث وأبي خالد الأحمر، ثلاثتهم عن حجَّاج به (3). وقال التِّرمذيُّ: حديث حسنٌ. ولم يتفرَّد به حجَّاج أيضًا عن أبي الزُّبير، فقد رواه سعيد بن بشير وغيره عن أبي الزُّبير، والله أعلم O. 2320 - الحديث الرَّابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا الحسين بن إسماعيل ثنا الفضل بن سهل ثنا أبو أحمد الزُّبيريُّ ثنا سفيان عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عبَّاس أنَّ النَّبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة (4). ز: هذا الحديث غير مخرَّجٍ في شيءٍ من "الكتب السِّتَّة"، ورواته ثقاثٌ. وقد رواه سمويه وأبو بكر بن أبي عاصم وأبو القاسم الطَّبرانيُّ (5)
مسألة (483): الحنطة والشعير جنسان، يجوز التفاضل فيهما،
وأبو حاتم البستيُّ (1) من رواية معمر. ورواه البزَّار، وقال: ليس في هذا الباب حديثٌ أجلُّ إسنادًا من هذا. وقال البيهقيُّ في هذا الحديث: والصَّحيح عن معمر عن يحيى عن عكرمة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً، كذلك رواه غير واحدٍ عن معمر، وكذلك رواه عليُّ بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً (2). وقال ابن خزيمة: الصَّحيح عند أهل المعرفة بالحديث هذا الخبر مرسلٌ، ليس بمتصلٍ (3). وقد روي هذا الحديث أيضًا من رواية ابن عمر وجابر بن سمرة، والله أعلم O. الجواب: أمَّا حديث أسامة: فمحمولٌ على ربا النَّساء في الرَّبويَّات. وبقيَّة الأحاديث: محمولةٌ على أن يكون النَّساء من الطَّرفين، فيبيع شيئًا في ذمَّته بشيءٍ في ذمَّة الآخر. ***** مسألة (483): الحنطة والشَّعير جنسان، يجوز التَّفاضل فيهما، خلافًا لمالك. 2321 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا محمَّد بن أحمد بن الحسن ثنا عبد الله
ابن أحمد ثنا هدبة بن خالد ثنا همَّام بن يحيى عن قتادة عن أبي قلابة عن أبي أسماء الرَّحبي عن أبي الأشعث الصَّنعانيِّ عن عبادة بن الصَّامت قال: نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يباع الذَّهب بالذَّهب إلا وزنًا، والورق بالورق إلا وزنًا- تبره وعينه-. وذكر الشَّعير بالشَّعير، والبرَّ بالبرِّ، ولا بأس بالشَّعير بالبرِّ يدًا بيدٍ، والشَّعير أكثرهما (1). ز: هذا الحديث لم يخرِّجه أحدٌ من أئمة "الكتب السِّتَّة" من رواية قتادة عن أبي قلابة. وقتادة لم يسمع من أبي قلابة. قاله الإمام أحمد (2) وغيره. وقد اختلف فيه على همَّام وقتادة: فرواه أبو داود عن الحسن بن عليٍّ عن بشر بن عمر عن همَّام عن قتادة عن أبي الخليل عن مسلم المكيِّ- وهو ابن يسار- عن أبي الأشعث (3). ورواه النَّسائيُ عن محمَّد بن آدم عن عبدة بن سليمان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن مسلم بن يسار، ولم يذكر أبا الخليل (4). وقال الأثرم: ذكر أبو عبد الله همَّامًا وثقته، وأشياءَ من أموره، وقال: روى حديث عبادة عن أبي الخليل عن مسلم المكيِّ عن أبي الأشعث ورفعه، ورواه سعيد وهشام والنَّاس عن مسلم بن يسار- ليس فيه أبو الخليل-
مسألة (484): لا يجوز بيع الحنطة المبلولة باليابسة.
وأوقفوه، وبن مسلم بن يسار ومسلم المكيِّ: أبي بون (1). وقال: ما أعرف مسلمًا المكيَّ. انتهى ما نقله الأثرم، وفي بعضه نظرٌ O. ***** مسألة (484): لا يجوز بيع الحنطة المبلولة باليابسة. وقال أبو حنيفة: يجوز. لنا: قوله عليه السَّلام: " أينقص الرُّطب إذا يبس؟ ". قالوا: نعم. فنهى عن ذلك. وسيأتي هذا الحديث بإسناده إن شاء الله (2). ***** مسألة (485): الاعتبار بمكيال أهل المدينة، وميزان مكَّة. وقال أبو حنيفة: الاعتبار في كلِّ بلدٍ بعادته. 2322 - قال أبو داود: حدَّثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا ابن دكين ثنا سفيان عن حنظلة عن طاوس عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الوزن وزن أهل مكَّة، والمكيال مكيال أهل المدينة ".
قال أبو داود: وقد رواه بعضهم عن ابن عبَّاس- مكان: ابن عمر-. قال: ورواه الوليد بن مسلم فقال فيه: " الوزن وزن أهل المدينة، ومكيال مكَّة ". وقد روي مرسلاً عن عطاء عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1). ز: رواه النَّسائيُّ عن إسحاق بن إبراهيم ومحمَّد بن إسماعيل بن عُليَّة (2) وأحمد بن سليمان (3)، ثلاثتهم عن أبي نُعيم الفضل بن دُكين به. وقال أبو داود: كذا رواه الفريابيُّ عن سفيان، وقال أبو أحمد: عن ابن عباس- مكان: ابن عمر- (4). ورواه عَبْد بن حمُيد في "مسنده" عن أبي نُعيم (5). وقد سُئل عنه الدَّارَقُطْنِيُّ فقال: حدَّث به شيخنا أبو محمَّد بن أبي رُؤْبَة - من أصل كتابه- عن إسحاق الحربيِّ عن أبي نُعيم عن الثَّوريِّ عن حنظلة عن سالم عن ابن عمر عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وغيره يرويه عن أبي نُعيم عن الثَوريِّ عن حنظلة عن طاوس عن ابن عمر، وهو الصَّواب.
مسألة (486): لا يجوز بيع الرطب بالتمر.
وقال أبو أحمد الزُّبيريُّ: عن الثَّوريِّ عن حنظلة عن طاوس عن ابن عبَّاس. والصَّحيح عن ابن عمر. ورواه الفريابيُّ وخالف في المتن، قال: " المكيال مكيال أهل مكَّة، والوزن وزن أهل المدينة "، والصَّحيح ما تقدَّم، والله أعلم O. ***** مسألة (486): لا يجوز بيع الرُّطب بالتَّمر. وقال أبو حنيفة: يجوز. لنا حديثان: 2323 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا عبد الرَّحمن عن مالك عن عبد الله بن يزيد عن زيد أبي عيَّاش عن سعد بن أبي وقَّاص قال: سمعت رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسأل عن الرُّطب بالتَّمر، فقال: " ينقص إذا يبس؟ ". قالوا: نعم. قال: " فلا إذًا " (1). قال أبو عبد الله الحاكم: هذا حديثٌ صحيحٌ (2). فإن قيل: قد قال أبو حنيفة: زيد أبي عيَّاش مجهولٌ (3). قلنا: إن كان هو لا يعرفه، فقد عرفه أهل النَّقل، وذكر روايته
التِّرمذيُّ وصحَّحها (1)، والحاكم وصحَّحها، وذكره مسلمٌ في كتاب " الكنى " وقال: سمع من سعدٍ، وروى عنه عبد الله بن بزيد (2). وذكره ابن خزيمة في " رواية العدل عن العدل "، وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: هو ثقةٌ. فإن قيل: إنَّما نُهي عن ذلك نَسيئة: 2324 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا محمَّد بن سهل بن الفضل الكاتب ثنا عليُ بن زيدٍ الفرائضيُّ ثنا الرَّبيع بن نافعٍ ثنا معاوية بن سلام عن يحيى بن أبي كثير قال: أخبرني عبد الله بن يزيد أنَّ أبا عيَّاشٍ أخبره أنَّه سمع سعد بن أبي وقاص يقول: نهى رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيع الرُّطب بالتَّمر نسيئة. قال الدَّارَقُطْنِيُّ: تابعه حرب بن شدَّاد عن يحيى بن أبي كثير، وخالفهم مالكٌ وإسماعيل بن أميَّة والضَّحَّاك بن عثمان وأسامة بن زيدٍ، فرووه عن عبد الله ابن يزيد، ولم يقولوا فيه: (نسيئة)، وإجماع هؤلاء الأربعة على خلاف ما رواه يحيى يدل على ضبطهم للحديث، وفيهم إمامٌ حافظٌ، وهو مالك بن أنسٍ (3). ثُمَّ إنَّا نقول به، ولا يجوز نقدًا ولا نسيئة. ز: هذا الحديث رواه أصحاب " السُّنن الأربعة " (4)، وقال التِّرمذيُّ: حديثٌ صحيحٌ (5).
ورواه أبو داود عن الرَّبيع بن نافعٍ به (1). ورواه أحمد (2) والنَّسائيُّ (3) أيضًا من رواية إسماعيل بن أميَّة. ورواه أبو حاتم البستيُّ من حديث مالك (4). ورواه زياد بن أيُّوب عن عليِّ بن غراب عن أسامة بن زيدٍ عن عبد الله ابن يزيد عن زيد أبي عيَّاش عن سعدٍ موقوفًا. وزيد هو: ابن عيَّاش، أبو عيَّاش، الزُّرَقيُّ- ويقال: المخزوميُّ، ويقال: مولى بني زهرة-، المدنيُّ، ليس به بأسٌ، وقال ابن حزمٍ: هو مجهولٌ (5). وقال الخطَّابيُّ: وقد تكلَّم بعض النَّاس في إسناد حديث سعد بن أبي وقَّاص في بيع الرُّطب بالتَّمر، وقال: زيد أبو عيَّاش- راويه- ضعيفٌ (6). 2325 - وقال البيهقيُّ: أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو الصَّيرفيُّ ثنا أبو العبَّاس محمَّد بن يعقوب ثنا الرَّبيع بن سليمان ثنا عبد الله بن وهبٍ أنا سليمان بن بلالٍ حدَّثني يحيى بن سعيدٍ عن عبد الله بن أبي سلمة أنَّّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئل عن رطبٍ بتمرٍ، فقال: " أينقص الرُّطب إذا يبس؟ ". قالوا: نعم. فقال: " لا يباع رطبٌ بيابس ". وهذا مرسلٌ"جيِّدٌ، شاهدٌ لحديث سعد بن أبي وقَّاص، والله أعلم (7) O.
مسألة (487): إذا باع جنسا فيه الربا بجنسه، ومع أحدهما أو معهما
2326 - الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا عبيد الله بن عبد الصَّمد بن المهتديِّ ثنا الوليد بن حمَّاد بن جابر ثنا أبو مَسْلمة يزيد بن خالدٍ (1) ثنا سليمان بن حيَّان عن يحيى بن أبي أنيسة عن الزُّهريِّ عن سالم عن أبيه قال: نهى رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يباع الرُّطب بالتَّمر الجافِّ (2). 2327 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا الحسين بن إسماعيل ثنا عليُّ بن مسلمٍ ثنا ابن أبي زائدة قال: حدَّثني موسى بن عُبيدة عن عبد الله بن دينارٍ عن ابن عمر قال: نهى رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المزابنة، أن يباع الرُّطب باليابس [كيلا] (3). قال المصنِّفُ: موسى بن عبيدة ويحيى بن أبي أنيسة متروكان. ز: هذا الحديث غير مخرَّجٍ في شيءٍ من " السُّنن "، من الوجهين، والله أعلم O. ***** مسألة (487): إذا باع جنسًا فيه الرِّبا بجنسه، ومع أحدهما أو معهما من غير الجنس- كمدِّ ودرهمٍ بدرهمين- لم يصحَّ. وعنه: يصحُّ، كقول أبي حنيفة. لنا: 2328 - ما روي مسلم بن الحجَّاج، قال: حدَّثني أبو الطَّاهر ثنا ابن
وهبٍ عن قرَّة بن عبد الرَّحمن (1) أنَّ عامر بن يحيى أخبره عن حنش أنَّه قال: كنَّا مع فضالة بن عُبيد في غزاة فطارت لي ولأصحابي قلادة فيها ذهب ووَرِقٌ وجوهر، فأردت أن أشتريها، فسألت فضالة، فقال: انزع ذهبها فاجعله في كِفَّة، واجعل ذهبك في كِفَّة، ثم لا تأخذنَّ إلا مثلا بمثل، فإنِّي سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر قلا يأخذن إلا مثلاً بمثل ". قال ابن وهب: وأخبرني أبو هانئ الخولانيُّ أنَّه سمع عُليَّ بن رباح اللخميَّ يقول: سمعت فضالة بن عبيد يقول: أُتي رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو بخيبر- بقلادة فيها ذهب وخرز، وهي من المغانم تباع، فأمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالذهب الذي في القلادة فنزع وحده، ثم قال لهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الذهب بالذهب وزنًا بوزن " (2). 2329 - قال مسلم: وحدَّثنا قتيبة ثنا ليث عن أبي شجاع سعيد بن يزيد عن خالد بن أبي عمران عن حنش الصنعانيِّ عن فضالة بن عبيد قال: اشتريت يوم خيبر قلادة باثني عشر دينارًا، فيها ذهب وخرز، ففصَّلتها، فوجدت فيها أكثر من اثني عشر دينارًا، فذكرت ذلك للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " لا تُباع حتَّى تفصَّل ". انفرد بإخراج هذه الطرق مسلمٌ (3). 2330 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا البغويُّ ثنا محمَّد بن بكَّار ثنا عبد الله ابن المبارك عن سعيد بن يزيد عن خالد بن أبي عمران عن حنش عن فضالة ابن
عبيد قال: أُتي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام خيبر بقلادة- فيها خرز مغلفة بذهب-، فابتاعها رجل بسبعة دنانير- أو: بتسعة دنانير-، فقال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا، حتَّى تميز بينهما ". فقال: إنما أردت الحجارة. فقال: " لا بد، حتَّى تميز بينهما " (1). ز: قال مسلمٌ بعد أن روى حديث الليث عن سعيد بن يزيد: حدَّثنا أبو بكر بن أبي شهيبة وأبو كريب قالا: ثنا ابن مبارك عن سعيد بن يزيد بهذا الإسناد نحوه (2). ورواه أبو داود عن جماعة من شيوخه عن ابن المبارك به (3)، والله أعلم O. فإن قيل: إنما منع من ذلك لأنَّ الذهب كان أكثر من الثمن، ومتى كان كذلك فالبيع عندنا باطل، وكذلك لو كان الثمن مثل الذهب، لأنَّ الزيادة تكون ربًا. قلنا: إنَّما احتجاجنا بأنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منع صحَّة البيع، ومدَّ المنع إلى غاية- هي التمييز والتفصيل- لا لعلة زيادة الثمن. فإن قالوا: فقد رويتم أن الثمن: سبعة أو تسعة، ورويتم: اثني عشر. قلنا: يحتمل أن يكون قضيتين. *****
مسألة (488): لا يجوز بيع اللحم بالحيوان المأكول، ويجوز بغير
مسألة (488): لا يجوز بيع اللحم بالحيوان المأكول، ويجوز بغير المأكول، كالعبد والحمار. وقال أبو حنيفة: يحوز. وقال مالك: لا يجوز بيع اللحم بحيوان معدٍّ للحم. 2331 - قال سعيد بن منصور: ثنا حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم عن سعيد بن المسيّب أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن بيع اللحم بالحيوان. فإن قالوا: هو مرسلٌ. قلنا: المراسيل عندنا حجَّة، وقد رُفع، لكن من طريق لا تُرتضى: 2332 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمَّد بن عليِّ بن حُبيش الناقد ثنا أحمد بن حمَّاد بن سفيان القاضي ثنا يزيد بن عمرو بن البراء الغنويُّ (1) ثنا يزيد بن مروان ثنا مالك بن أنس عن الزهريِّ عن سهل بن سعد قال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيع اللحم بالحيوان. قال الدَّارَقُطْنِيُّ: تفرَّد به يزيد بن مروان عن مالك بهذا الإسناد، ولم يتابع عليه، وصوابه في "الموطأ": عن ابن المسيَّب مرسلا (3). قال المصنِّف: قلت: قال يحيى بن معين: يزيد بن مروان كذَّاب (3). وقال أبو حاتم بن حِبَّان: يروي الموضوعات عن الأثبات، لا يجوز الاحتجاج به بحال (4).
ز: أصحُّ شيء روي في هذا مرسل سعيد بن المسيَّب، وقد رواه مالك عن زيد بن أسلم عنه. 2333 - قال ابن خزيمة: حدَّثنا أحمد بن حفص السَّلَميُّ قال: حدَّثني أبي حدَّثني إبراهيم بن طَهمان عن الحجَّاج بن الحجَّاج عن قتادة عن الحسن عن سمرة أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى أن تباع الشاة باللحم. قال البيهقيُّ: هذا إسناد صحيح، ومَنْ أثبت سماع الحسن البصريِّ من سمرة بن جُندب عدَّه موصولاً، ومَنْ لم يثبته فهو مرسلٌ جيِّدٌ، انضم إلى مرسل سعيد بن المسيَّب والقاسم بن أبي بزَّة، وقول أبي بكر الصدِّيق رضي الله عنه (1) O. *****
مسائل الشروط في البيع والصبر
مسائل الشروط في البيع والصبر مسألة (489): إذا باعه بشرط العتق، فالشرط والبيع صحيحان. وعنه: يبطل الشرط. وعن الشافعيِّ كالروايتين. وقال أبو حنيفة: يبطل البيع. لنا: أنَ عائشة اشترت بَريرة بشرط العتق، فأجاز رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك، وصحَّح البيع والشرط، وإنَّما بيَّن بطلان شرط الولاء لغير المعتق، ولم يذكر بطلان شرط العتق. 2334 - قال البخاريُّ: حدَّثنا عليُّ بن عبد الله ثنا سفيان عن يحيى عن عمرة عن عائشة قالت: أتتها بَريرة تسألها في كتابتها، فقالت: إن شئت أعطيتُ أهلك، ويكون الولاء لي. وقال أهلها: إن شئت أعتقتها، ويكون الولاء لنا. فلما جاء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكرت له ذلك، فقال: " ابتاعيها وأعتقيها، فإنَّما الولاء لمن أعتق " (1).
مسألة (490): يجوز اشتراط منفعة المبيع مدة معلومة، مثل: أن يبيع
2335 - قال مسلم: حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا خالد بن مخلد عن سليمان بن بلال قال: حدَّثني سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: أرادت عائشة أن تشتري جارية تعتقها، فأبى أهلها إلا أن يكون لهم الولاء، فذكرت ذلك لرسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " لا يمنعك ذلك، فإنَّما الولاء لمن أعتق ". انفرد بإخراجه مسلمٌ (1). ***** مسألة (490): يجوز اشتراط منفعة المبيع مدَّة معلومة، مثل: أن يبيع دارًا ويشترط سكناها شهرًا، أو عبدًا ويشترط خدمته سنةً، أو فِلْعة (2) ويشترط على البائع حذوها (3)، أو جُرْزَةً (4) ويشترط حملَها، خلافًا لأكثرهم في أنَّه لا يجوز. ووافقنا أبو حنيفة في الفِلْعة والجُرْزَة، ومالكٌ في الزمان اليسير دون الكثير. 2336 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا يحيى بن سعيد عن زكريا قال: حدَّثني عامر عن جابر بن عبد الله قال: كنت أسير على جملٍ لي فأعيا، فأردت
أن أسيِّبه، فلحقني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فضربه برجله، ودعا له، فسار سيًرا لم يسر مثله، وقال: " بِعْنِيه بوقيَّة ". فكرهت أن أبيعه، قال: " بِعْنِيه ". فبعته منه، واشترطت حملانه إلى أهلي، فلما قدمنا أتيته بالجمل، فقال: " ظننتَ حين ماكستك أنِّي أذهب بجملك؟! خذ جملك وثمنه، هما لك " (1). أخرجاه في "الصحيحين " (2). ز: 2337 - قال النسائيُّ: أخبرنا محمَّد بن منصور ثنا سفيان عن أبي الزبر عن جابر قال: أدركني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكنت على ناضحٍ لنا، فقلت: لا يزال لنا ناضح سوء، يا لهفاه. فقال النبيُّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تبيعنيه يا جابر؟ ". قلت: بل هو لك يا رسول الله. قال: " اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، قد أخذته بكذا وكذا، وقد أعرتك ظهره إلى المدينة ". فلما قدمت المدينة هيأته، فذهبت به إليه، فقال: " يا بلال، أعطه ثمنه ". فلما أدبرت دعاني، فخفت أن يردَّه، فقال: " هو لك " (3). هذا إسنادٌ صحيحٌ، لكنَّ إسناد الاشتراط أصحُّ وأثبتُ، وقد ذكر البخاريُّ الاختلاف في لفظ هذا الحديث، والاختلاف في الثمن، وأطال، ثم قال: وقول الشعبيِّ: " بوقيَّة " أكثرُ وأصحُّ. وقال أيضًا: الاشتراط أكثرُ وأصحُّ عندي O. 2338 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا رضوان بن أحمد الصيدلانيُّ ثنا عبد الله بن محمَّد بن أبي الدنيا ثنا إسماعيل بن زُرارة ثنا عبد العزيز بن عبد الرحمن
عن خُصيف عن عروة عن عائشة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " المسلمون عند شروطهم، ما وافق الحقَّ " (1). 2339 - وعن خُصيف عن عطاء بن أبي رباح عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " المسلمون على شروطهم، ما وافق الحقَّ من ذلك ". ز: هذا الحديث بهذا الإسناد ضعيفٌ، وهو غير مخرَّجٍ في شيءٍ من "السنن"، وقد أخرجه الحاكم في "المستدرك" (2). وعبد العزيز بن عبد الرحمن هو: أبو الأصبغ القرشيُّ البالسيُّ، وهو أحد الضعفاء، قال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل: عرضت على أبي أحاديث سمعتها من إسماعيل بن عبد الله بن زُرارة السكونيِّ (3) الرقِّيِّ عن عبد العزيز بن عبد الرحمن القرشي عن خُصيف، فقال لي: عبد العزيز هذا اضرب على حديثه، هي كذب- أو قال: موضوعة-. فضربت على أحاديثه (4). وقال ابن عَدِيٍّ: إذا حدَّث عن خُصيف ثقةٌ فلا بأس به وبرواياته، إلا أن يروي عنه عبد العزيز بن عبد الرحمن البالسيُّ - يُكْنَى أبا الأصبغ- فإنَّ رواياته عنه بواطيل، والبلاء من عبد العزيز لا من خُصيف (5). 2340 - وقال البيهقيُّ: أخبرنا أبو الحسن عليُّ بن أحمد بن عندان أنا أحمد بن عبيد ثنا محمَّد بن خلف المروزيُّ ثنا إبراهيم بن حمزة ثنا عبد العزيز بن أبي حازم وسفيان بن حمزة عن كثير بن [زيد] (6) عن الوليد بن رباح عن أبي
هريرة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " المسلمون على شروطهم ". قال: وزاد سفيان في حديثه: " ما وافق الحقَّ منها ". وقد روينا ذلك بزيادته من حديث خُصيف عن عروة عن عائشة، وعن عطاء عن أنس بن مالكٍ مرفوعًا (1) O. *****
مسائل الثمار
مسائل الثمار مسألة (491): إذا باع نخلا عليها طَلْعٌ غير مؤبَّر، فالثمرة للمشتري، إلا أن يشترطها البائع. وقال أبو حنيفة: هي للبائع. 2341 - قال الإمام أحمد: ثنا سفيان عن الزهريِّ عن سالم عن أبيه عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من باع نخلا مؤبَرا فالثمرة للبائع، إلا أن يشترط المبتاع " (1). أخرجاه في "الصحيحين" (2). ووجه الحجَّة: أنَّه جعلها للبائع بشرط التأبير. ***** مسألة (492): لا يجوز بيع الثمار قبل بدوِّ صلاحها، إلا أن يشترط القطع. وقال أبو حنيفة: يجوز، ويؤمر بالقطع.
2342 - قال الإمام أحمد: ثنا حسن بن موسى ثنا زهير عن أبي الزبير عن جابر قال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيع الثمر حتَّى يطيب (1). أخرجاه في "الصحيحين". ز: هذا الحديث رواه مسلم وحده من حديث زهير عن أبي الزبير (2) O. 2343 - وقال التِّرمذيُّ: حدَّثنا أحمد بن منيع ثنا إسماعيل بن إبراهيم عن أيُّوب عن نافع عن ابن عمر: أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن بيع النخل حتَّى يزهو، وعن بيع السنبل حتَّى يبيضَّ وتأمن العاهة، نهى البائع والمشتري (3). ز: روى هذا الحديث مسلمٌ (4) وأبو داود (5) والنسائيُّ (6) من حديث إسماعيل بن عليَّة، وقال الترمذيُّ: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ (7) O. 2343 - قال الترمذيُّ: وثنا الحسن بن عليٍّ الخلال ثنا عفان ثنا حمَّاد بن سلمة عن حُميد عن أنس: أنَّ رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن بيع العنب حتَّى يسودَّ، وعن بيع الحبِّ حتَّى يشتدَّ. قال الترمذيُّ: الأوَّل حديثٌ صحيحٌ (8)، وحديث أنس غريبٌ (9)،
مسألة (493): إذا باع بعد بدو الصلاح بشرط التبقية صح.
لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث حمَّاد بن سلمة (1). ز: رواه الإمام أحمد (2) وأبو داود (3) وابن ماجة (4) وابن حِبَّان (5) والحاكم وقال: صحيحٌ على شرط مسلمٍ، ولم يخرجاه (6) O. ***** مسألة (493): إذا باع بعد بدوِّ الصلاح بشرط التبقية صحَّ. وقال أبو حنيفة: البيع باطلٌ. لنا: نهيه عليه السلام في الحديث المتقدِّم عن بيع الثمرة حتَى يبدو صلاحها، و" حتَّى " للغاية، وما بعد الغاية يخالف ما قبلها، وقد ثبت أنَّه لا يجوز البيع قبل الغاية بشرط التبقية، فينبغي أن يكون ما بعده على ضدِّه. ***** مسألة (494): يجوز بيع الباقلاء في قشره الأعلى، والحنطة في سنبلها، وكذلك الجوز واللوز.
مسألة (495): ما تهلكه الجوائح فهو من ضمان البائع.
وقال الشافعيُّ: لا يجوز. لنا: نهيه عليه السلام في الحديث المتقدِّم عن بيع الحبِّ حتَّى يشتدَّ، وهذا قد اشتدَّ. ***** مسألة (495): ما تهلكه الجوائح فهو من ضمان البائع. وعنه: إن كان ذلك الثلث فصاعدا فهو من ضمان البائع، وما دون الثلث من ضمان المشترى، وبه قال مالك. وقال أبو حنيفة والشافعيُّ: جميع ذلك من ضمان المشتري. لنا: 2345 - ما روى الإمام أحمد، قال: حدَّثنا سفيان عن حُميد الأعرج عن سليمان بن عتيق المكيِّ عن جابر أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن بيع السنين، ووضع الجوائح (1). 2346 - وقال مسلم بن الحجَّاج: حدَّثنا بشر بن الحكم ثنا سفيان بن عيينة عن حُميد الأعرج عن سليمان بن عتيق عن جابر أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بوضع الجوائح. 2347 - قال مسلمٌ: وحدَّثنا أبو الطاهر أنا ابن وهب عن ابن جريج أنَّ أبا الزبير أخبره عن جابر بن عبد الله أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن بعت من
مسألة (496): يجوز بيع العرايا- وهو: بيع الرطب على رؤوس
أخيك ثمرًا فأصابته جائحة، فلا يحلُّ لك أن تأخذ منه شيئًا، بم تأخذ مال أخيك بغير حقٍّ؟! ". انفرد بإخراج الطرق الثلاثة مسلمٌ (1). ز: كذا قال، وإنَّما ذكر طريقين: طريق سليمان بن عتيق، وطريق أبي الزبر، كلاهما عن جابر. وقد روى حديث سليمان: أبو داود (2) والنسائيُّ (3) أيضًا. وروى حديث أبي الزبير: أبو داود (4) والنسائيُّ (5) وابن ماجة (6)، والله أعلم O. ***** مسألة (496): يجوز بيع العرايا- وهو: بيع الرُّطَبِ على رؤوس النخل بخَرْصِه تمرًا على الأرض-، وهل يجوز ذلك في سائر الثمار التي لها رطب ويابس؟ على وجهين. وقال أبو حنيفة: لا يجوز. 2348 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا محمَّد بن مصعب ثنا الأوزاعيُّ عن
الزهريِّ عن سالم عن ابن عمر عن زيد بن ثابت: أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رخَّص في بيع العرايا أن تباع بخرصها، ولم يرخِّص في غير ذلك (1). 2349 - طريقٌ ثانٍ: قال أحمد: وحدَّثنا يزيد بن هارون أنا يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر قال: أخبرني زيد بن ثابت أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رخَّص في العريَّة أن تؤخذ بمثل خرصها تمرًا، يأكلها أهلها رطبًا (2). الطريقان في "الصحيحين" (3). 2350 - طريقٌ ثالثٌ: قال أحمد: وحدَّثنا [سريج] (4) بن يونس ثنا ابن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد أنَّ زيد بن ثابت قال: رخَّص رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيع العرايا أن تباع بخَرْصها كيلاً (5). ز: كذا فيه: (ثنا [سريج] (6) بن يونس) وهو وهم، والذي في "المسند": (ثنا [سريج] (7) ثنا ابن أبي الزناد) ولم ينسبه، وهو [سريج] (8) ابن النعمان، ولم يرو أحمد عن [سريج] (9) بن يونس، ولا روى [سريج] (10) بن يونس عن ابن أبي الزناد، لكن عبد الله بن الإمام أحمد روى عن [سريج] (11) بن يونس.
فصل (497): ولا يجوز ذلك نسيئة.
ولم يخرِّج هذا الإسناد أحدٌ من أئمة "الكتب السِّتَّة"، وهو إسنادٌ حسنٌ، وابن أبي الزناد: وثَّقه مالكٌ (1)، وتكلَّم فيه بعض الأئمة O. 2351 - طريقٌ رابعٌ: قال أحمد: وحدَّثنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن بُشير بن يسار عن سهل بن أبي حَثْمة قال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيع التمر بالتمر، ورخَّص في العرايا أن تُشترى بخَرْصِها، يأكلها أهلها رطبا (2). أخرجاه في "الصحيحين" (3). 2352 - طريقٌ خامسٌ: قال أحمد: وحدَّثنا عبد الرحمن عن مالك عن داود بن الحصين عن أبي سفيان عن أبي هريرة: أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رخَّص في العرايا أن تباع بخَرْصِها، في خمسة أوسق- أو فيما دون خمسة- (4). أخرجاه في "الصحيحين" (5). ***** فصلٌ (497): ولا يجوز ذلك نسيئة.
فصل (498): ولا يجوز ذلك إلا عند الحاجة
وقال مالك: يجوز. لنا: حديث سعد، قال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيع الرطب بالتمر نسيئة. وقد ذكرناه والكلام عليه في: بيع الرطب بالتمر (1). فصلٌ (498): ولا يجوز ذلك إلا عند الحاجة، وهو أن لا يكون للرجل ما يشتري به الرُّطَبَ غير التمر، خلافًا للشافعيِّ. قال أصحابنا: إنما ورد رخصة عند الحاجة، فإنَّ قومًا شكوا إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقالوا: إنَّه يجيء الرُّطَبُ وليس في أيدينا إلا فضول تمرنا، فأباحهم ذلك. ز: 2352/أ- قال الإمام موفق الدين في كتاب "الكافي": روى محمود بن لَبِيْد قال: قلت لزيد بن ثابتٍ: ما عراياكم هذه؟ فسمَّى رجالاً محتاجين من الأنصار، شكوا إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنَّ الرطب يأتي ولا نقد بأيديهم يبتاعون به رُطَبًا يأكلونه، وعندهم فضولٌ من التمر، فرخَّص لهم أن يبتاعوا العريَّة بخَرْصِها من التمر، يكلونه رُطَبًا. متفقٌ عليه (2).
فصل (499): ولا يجوز إلا فيما دون خمسة أوسق.
كذا قال! وهو وهمٌ، فإنَّ هذا الحديث لم يخرَّج في "الصحيحين"، بل ولا في "السنن"، وليس لمحمود بن لَبِيْد رواية عن زيدٍ في شيءٍ من "الكتب السِّتَّة"، وليس هذا الحديث في "مسند الإمام أحمد"، ولا "السنن الكبير" للبيهقيِّ، وقد فتَّشتُ عليه في كتب كثيرة فلم أر له سندًا. وقد ذكره الشافعيُّ في كتاب البيوع، في باب العرايا، بلا إسناد (1)، وأنكر عليه ابن داود الظاهريُّ، وردَّ عليه أبو شريح في إنكاره، وقد ذكرت كلامهما في غير هذا الموضع، والله أعلم O. فصلٌ (499): ولا يجوز إلا فيما دون خمسة أوسق. وقال الشافعيُّ: تجوز في خمسة أوسق، ولا تجوز فيما زاد. لنا: الحديث المتقدِّم، وهو واردٌ فيما دون خمسة أوسق بيقين، وفي الخمسة مشكوكٌ، فوجب أن يسقط المشكوك. *****
مسائل القبض
مسائل القبض مسألة (500): يجوز للمشتري التصرُّف في المبيع المتعيِّن قبل قبضه. وقال أبو حنيفة والشافعيُّ: لا يجوز، إلا أنَّ أبا حنيفة وافقنا في العقار. لنا: 2353 - ما روى الإمام أحمد بن حنبل: ثنا يحيى بن آدم ثنا إسرائيل عن سِماك عن سعيد بن جُبير عن ابن عمر قال: كنت أبيع الإبل بالبَقِيع، فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير، فأتيت النبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يريد أن يدخل حُجْرَته، فأخذت بثوبه، فسألته، فقال: " إذا أخذت واحدًا منهما بالآخر، فلا يفارقك وبينك وبينه بيعٌ " (1). ز: هذا الحديث رواه أصحاب " السنن الأربعة " من حديث سِماك (2)، وصحَّحه الدَّارَقُطْنِيُّ (3) والحاكم (4)، وقال التزمذيُّ: لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث سِماك، وروى داود بن أبي هند هذا عن سعيد بن جُبير عن ابن عمر
موقوف. ورواه النسائيُّ من رواية أبي هاشم عن سعيد عن ابن عمر قوله (1)، ومن رواية موسى بن نافع عن سعيد قوله (2). 2354 - وقال عبد الله بن أحمد: حدَّثني أبي عن أبي داود قال: كنت عند شعبة، فجاءه خالد بن طليق- يعني: ابن محمَّد بن عمران بن حُصين، قال عبد الله: لا أدري كان قاضي أو أمير البصرة- قال: فسأله عن حديث سِماك عن سعيد بن جبير عن ابن عمر عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في اقتضاء الذهب من الوَرِق، أو الوَرِق من الذهب، فقال له شعبة: أصلحك الله، حدَّثني قتادة عن سعيد بن المسيِّب عن ابن عمر لم يرفعه، وحدَّثني داود بن أبي هند عن سعيد بن جُبير عن ابن عمر لم يرفعه. قال: وحدَّثني فلان ذكر رجلا- قال أبو عبد الرحمن: أراه أيُّوب، ولكن سقط- عن سعيد بن جُبير عن ابن عمر لم يرفعه، ورفعه سماك، وأنا أهابه (3). 2355 - وقال البخاريُّ في "التاريخ ": محمَّد بن بيان التغلبيُّ، أخو عمر بن بيان، قال أبو عبد الله: قال لنا مالك بن إسماعيل عن شَريك عن ابن أبي ليلى عن محمَّد بن بيان عن ابن عمر: كره أخذ الدنانير من الدراهم في القرض. ولم ير في البيع بأسًا. وقال سعيد بن المسيَّب وغيره عن ابن عمر: لا بأس به. وهذا أصح. 2356 - وقال لنا المقرئ وآدم: ثنا حمَّاد بن سلمة عن سِماك عن سعيد ابن جبير عن ابن عمر: كنت أبيع ... ، فقال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا بأس به ".
وروى داود عن سعيد عن ابن عمر قوله (1) O. احتجُّوا بثلاثة أحاديث: 2357 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا سفيان عن عمرو عن طاوس قال: سمعت ابن عبَّاس قال: أمَّا الذي نهى عنه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يباع حتَّى يقبض فالطعام. قال ابن عبَّاس (2): ولا أحسب كلَّ شيء إلا مثله (3). أخرجاه في "الصحيحين" (4). 2358 - الحديث الثاني: قال أحمد: حدَّثنا حسن بن موسى ثنا شيبان (5) عن يحيى بن أبي كثير عن يعلى بن حكيم عن يوسف بن ماهك عن عبد الله بن عِصْمة عن حَكِيم بن حزام قال: قلت: يا رسول الله، إنِّي رجلٌ أبتاع هذه البيوع، فما يحلُّ لي منها، وما يحرم عليَّ منها؟ قال: " يا ابن أخي، لا تبيعن شيئًا حتَّى تقبضه " (6). ز: رواه النسائيُّ عن إسحاق بن منصور عن عبيد الله بن موسى عن شيبان به، ورواه من رواية هشام الدَّستوائيُّ عن يحيى بن أبي كثير عن رجلٍ عن
يوسف بن ماهك به (1). وقال أبو محمَّد بن حزم: عبد الله بن عِصْمة مجهولٌ (2). وصحَّح الحديث من رواية يوسف نفسه عن حكيم، لأنَّه قد جاء التصريح بسماعه منه في هذا الحديث في بعض الروايات، والصحيح أنَّ بين يوسف وحكيم في هذا الحديث: عبد الله بن عصمة، وهو الجشميُّ، حجازيُّ، وقد ذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثقات" (3). وقال عبد الحق- بعد ذكره هذا الحديث-: عبد الله بن عصمة ضعيفٌ جدًّا (4). وتبعهُ على تضعيفه ابنُ القطَّان (5)، وكلاهما مخطئ في ذلك، وقد اشتبه عليهما: عبد الله بن عصْمة هذا، بالنصيبيِّ، أو غيره ممن يسمَّى: عبد الله بن عِصْمة، والله أعلم O. 2359 - الحديث الثالث: قال أحمد: حدَّثنا يعقوب ثنا أبي عن ابن إسحاق قال: حدَّثني أبو الزناد عن عبيد بن [حنين] (6) عن عبد الله بن عمر قال: قدم رجلٌ من أهل الشَّام بزيتٍ، فساومتُه فيمن ساومه به من التجَّار، حتَّى ابتعته منه، فقام إليَّ رجلٌ فأربحني فيه حتَّى أرضاني، فأخذت بيده
مسألة (501): التخلية في المبيع المنقول ليست قبضا.
لأضرب عليها، فأخذ رجلٌ بذراعي من خلفي، فالتفتُ إليه، فإذا زيد بن ثابتٍ، فقال: لا تبعه حيث ابتعته حتَّى تَحُوزَه إلى رحلك، فإنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد نهى عن ذلك. فأمسكت يدي (1). وقد حمل أصحابنا هذه الأحاديث على غير المتميِّز. ز: روى هذا الحديث: أبو داود عن محمَّد بن عوف الطائيُّ عن أحمد ابن خالد الوهبيِّ عن ابن إسحاق بنحوه (2)، ورواه أبو حاتم البستيُّ عن أبي يعلى الموصليِّ عن أبي خيثمة عن يعقوب به (3)، وأخرجه الحاكم في "المستدرك" (4). وإسناده جيِّدٌ، وقد صرَّح فيه ابن إسحاق بالتحديث، والله أعلم O. ***** مسألة (501): التخلية في المبيع المنقول ليست قبضًا. وعنه: أنَّها قبضٌ، كقول أبي حنيفة. 2360 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا يحيى بن سعيد ثنا عبيد الله ثنا نافع عن عبد الله قال: كانوا يتبايعون الطعام جِزَافًا في أعلى السوق (5)، فنهاهم
مسألة (502): إذا تلف المبيع المتعين قبل قبضه، فهو من ضمان
رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يبيعوه حتَّى ينقلوه (1). 2361 - قال أحمد: وحدَّثنا عفَّان ثنا شعبة قال: أخبرني عبد الله بن دينار قال: سمعت ابن عمر يقول: عن النبيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتَّى يقبضه " (2). الطريقان في "الصحيحين". وفي حديث ابن عمر في المسألة قبلها دليل لنا أيضًا. ***** مسألة (502): إذا تلف المبيع المتعيِّن قبل قبضه، فهو من ضمان المشتري. وقال مالك: يكون من ضمانه إن امتنع من القبض مع قدرته عليه. وقال أبو حنيفة والشافعيُّ: هو من ضمان البائع، وعن أحمد نحوه. 2362 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا يحيى عن ابن أبي ذئب قال: حدَّثني مخلد بن خُفاف بن إيماء عن عروة عن عائشة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الخراج بالضمان " (3).
2363 - قال أحمد: وحدَّثنا إسحاق بن عيسى قال: حدَّثني مسلم بن خالد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: أنَّ رجلاً ابتاع غلامًا له، فاستغلَّه، ثم وجد به عيبًا، فردَّه بالعيب، فقال البائع: غَلَّةُ عبدي. فقال النبيُّ: " الغلَّة بالضمان " (1). قال أبو عبيد: معنى الحديث: أن الرجل يشتري المملوك فيستغلُّه، ثم يجد به عيبًا كان عند البائع، فيقتضي أنه يرد العبد على البائع بالعيب، ويرجع بالثمن فيأخذه، وتكون له الغلَّة طيِّبة- وهي الخراج-، وإنما طابت له لأنَّه كان ضامنًا للعبد، لو مات مات (2) من مال المشتري لأنَّه في يده. ز: حديث ابن أبي ذئب عن مخلد: رواه أصحاب " السنن الأربعة " (3)، وحسَّنه الترمذيُّ (4)، وصحَّحه ابن القطَّان، ووهم صاحب "الإلمام" في حكايته عن الترمذيِّ تصحيحه (5).
وحديث الزنجيِّ عن هشام: رواه أبو داود (1) وابن ماجة (2) والحاكم وصحَّحه (3)، وقال أبو داود: هذا إسناد ليس بذاك. ورواه الترمذيُّ عن يحيى بن خلف عن عمر بن عليٍّ- وهو المقُدَّمِيُّ- عن هشام عن أبيه عن عائشة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى أنَّ الخراج بالضمان. وقال: حسنٌ غريبٌ من حديث هشام بن عروة، واستغرب محمَّد بن إسماعيل هذا من حديث عمر بن عليٍّ، ورواه مسلم بن خالد الزِّنجيُّ وجرير عن هشام، وحديث جرير يقال: إنَّه تدليس، لم يسمعه من هشام (4) O. *****
مسائل الرد بالتدليس والعيب
مسائل الردِّ بالتدليس والعيب مسألة (503): إذا اشترى مُصَرَّاة ثبت له خيار الفسخ. وقال أبو حنيفة: لا يثبت. 2364 - قال البخاريُّ: حدَّثنا عبد الله بن يوسف أنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أنَّ رسول الله-جمع قال: " لا تُصَرُّوا الغنم، ومن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها: إن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردَّها وصاعًا من تمر " (1). أخرجاه في "الصحيحين" (2). ***** مسألة (504): إذا اشترى حيوانا وقبضه، فحدثَ به عنده عيبٌ، لم يثبت له الفسخ. وقال مالكٌ: إن حدث في مدَّة ثلاثة أيَّام ملك، إلا: الجذام والبرص والجنون، فإنَّه يملك بها الفسخ إلى سنة.
ونحن نقيس على ما لو ظهر بعد السنة. احتجُّوا بما: 2365 - روى الإمام أحمد، قال: حدَّثنا عبد الصمد ثنا هشام عن قتادة عن الحسن عن عقبة بن عامر أنَّ رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " عهدة الرقيق أربع ليالٍ ". قال قتادة: وأهل المدينة يقولون: ثلاث ليال (1). 2366 - قال أحمد: وحدَّثنا محمَّد بن جعفر ثنا شعبة عن قتادة عن الحسن عن عقبة بن عامر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " عهدة الرقيق ثلاثة أيام " (2) 2367 - وقال ابن ماجة: حدَّثنا محمَّد بن عبد الله بن نُمير ثنا عَبْدة (3) ابن سليمان عن سعيد (4) عن قتادة عن الحسن- إن شاء الله- عن سَمُرة بن جُنْدُب قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عهد" الرقيق ثلاثة أيَّام " (5). والجواب: قال أحمد: ليس فيه حديثٌ صحيحٌ، ولا يثبت [حديث العهدة] (6). ز: حديث الحسن عن عقبة: رواه أبو داود عن مسلم عن أبان عن قتادة به، وعن هارون بن عبد الله عن عبد الصمد [عن] (7) همَّام عن قتادة
بإسناده ومعناه، وهو أتمُّ (1). وقد تقدَّم رواية الإمام أحمد له عن عبد الصمد عن هشام، فكأنَّ عبد الصمد رواه عنهما. ورواه ابن ماجة عن عمرو بن رافع عن هُشيم عن يونس عن الحسن نحوه: " لا عهد" من بعد أربع " (2). 2368 - وقال أحمد: حدَّثنا هُشيم أخبرني يونس عن الحسن عن عقبة ابن عامر الجهنيِّ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا عهدة بعد أربع " (3). وقال عليُّ بن المدينيِّ: لم يسمع الحسن من عقبة شيئًا (4). 2369 - وقال الطبرانيُّ: حدَّثنا عُبيد بن غنَّام ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، (ح) قال: وحدَّثنا عبدان بن أحمد ثنا محمَّد بن عبد الله بن نُمير، قالا: ثنا عَبْدة بن سليمان ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن سَمُرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عهدة الرقيق ثلاثة أيَّام " (5). ورواه أبو يعلى الموصليُّ عن ابن نُمير به. والخلاف في سماع الحسن من سَمُرة مشهورٌ، والله أعلم O. *****
مسألة (505): شرط البراءة من العيوب حال العقد لا يصح، وهل
مسألة (505): شرط البراءة من العيوب حال العقد لا يصحُّ، وهل يبطل العقد أم لا؟ مبنيٌّ على الشروط الفاسدة، هل تُبطل العقد؟ على روايتين. وعنه: أنَّه يصحُّ البراءة من العيوب التي لم يعلمها ويدلسها (1)، وبه قال مالك. وقال أبو حنيفة: يصحُّ بكلِّ حالٍ. وعن الشافعيِّ: كقولنا، وكقول أبي حنيفة، وقول ثالثٌ: إن كان العيب ظاهرًا لم يصح، وإن كان باطنًا صحَّ. 2370 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا يحيى بن إسحاق ثنا ابن لَهِيعةَ عن يزيد بن أبي حبيب عن ابن شِمَاسة عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " المسلم أخو المسلم، لا يحلُّ لامرئ مسلم أن يغيِّب ما بسلعته عن أخيه إن علم بذلك تركها " (2). ز: روى هذا الحديث ابن ماجة عن ابن بشَّار عن وهب بن جرير عن أبيه عن يحيى بن أيُّوب عن يزيد، ولفظه: " المسلم أخو المسلم، ولا يحلُّ لمسلم باع من أخيه بيعا فيه عيبٌ إلا بيَّنه له " (3). ورواه الحاكم من رواية يحيى بن أيُّوب، وقال: على شرط البخاريِّ ومسلم (4).
وقد روى مسلمٌ من حديث الليث وغيره عن يزيد بإسناده: " المؤمن أخو المؤمن، ولا يحلُّ للمؤمن أن لمتاع على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه، حتَّى يذر " (1). كذا رواه. وقال البخاريُّ في "صحيحه": وقال عقبة بن عامر: لا يحلُّ لامرئ يبيع سلعة يعلم أن بها داء إلا أخبر به (2). هكذا ذكره موقوفًا معلقًا O. 2371 - قال أحمد: ثنا أبو النضر هاشم بن القاسم ثنا أبوجعفر الرازيُّ ثنا أبو سباع (3) قال: اشتريت ناقةً، فلما خرجت بها، أدركَنا واثلة بن الأَشقع وهو يجرُّ رداءه، فقال: يا عبد الله، اشتريت؟ قلت: نعم. قال: هل بيَّن لك ما فيها؟ قلت: وما فيها؟! إنَّها لسمينةٌ ظاهرةُ الصَّحة؟! فقال: أردت بها سفرًا، أم أردت بها لحمًا؟ قلت: بل أردت عليها الحجَّ. قال: فإنَّ بخفِّها نقبًا. فقال صاحبها: أصلحك الله، ما تريد إلى هذا؟ تفسد عليَّ! قال: إني سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا يحلُّ لأحد يبيع شيئًا إلا بيَّن ما فيه، ولا يحلُّ لمن يعلم ذلك إلا بيَّنه " (4). ز: هذا الإسناد غير مخرَّج في شيء من "الكتب السِّتَّة".
مسألة (506): يصح الإبراء من الدين المجهول.
وأبو سباع: ليس بالمشهور، ولم أره في كتاب ابن أبي حاتم (1). وأبو جعفر الرازيُّ: اسمه عيسى بن ماهان، وهو مختلفٌ فيه. 2372 - وقد روى ابن ماجة عن عبد الوهاب بن الضحَّاك عن بقيَّه بن الوليد عن معاوية بن يحيى عن مكحول وسليمان بن موسى عن واثلة مرفوعًا: " من باع عيبًا لم يبيِّنه لم يزل في مقتٍ من الله، ولم تزل اللائكة تلعنه " (2). وهذا إسنادٌ ضعيفٌ O. ***** مسألة (506): يصحُّ الإبراء من الدَّين المجهول. وعنه: لا يصحُّ، كقول الشافعيِّ. لنا: حديث أمِّ سلمة: أنَّ رجلين اختصما إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مواريث درست، فقال: " استهما، وتوخَّيا الحقَّ، وليحلُّ كلُّ واحدٍ منكما صاحبَه ". فجوَّز لهما الإبراء من الحقوق الدارسة، وسيأتي هذا الحديث بإسناده في "مسائل الدعاوى "- إن شاء الله تعالى- (3). *****
مسألة (507): العبد لا يملك إذا ملك.
مسألة (507): العبد لا يملك إذا مُلِّك. وعنه: يملك، كقول مالك والشافعيِّ في القديم. ونحن نستدل: بقول الله تعالى: (لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النحل: 76] (1). احتجُّوا بحديثين: 2373 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا سفيان عن الزهريِّ عن سالم عن أبيه عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " من باع عبدًا وله مالٌ، فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع، ومن باع نخلاً مؤبَّرًا، فالثمرة للبائع إلا أن يشترط المبتاع " (2). أخرجاه في "الصحيحين " (3). 2374 - الحديث الثاني: قال أبو داود: حدَّثنا أحمد بن صالح ثنا ابن وهب قال: أخبرني الليث بن سعد عن عبيد الله بن أبي جعفر عن بُكير بن الأشج عن نافع عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أعتق عبدًا وله مالٌ، فمال العبد له، إلا أن يشترط السَّيّد " (4). والجواب: أمَّا الحديث الأوَّل: فإنه أضافه إليه إضافة محلٍّ، كقولهم: السرج
مسألة (508): الغبن يثبت الفسخ.
للدابة. والجواب عن الثاني: قال أحمد بن حنبل: عبيد الله بن أبي جعفر ليس بالقويِّ في الحديث (1). ز: حديث الليث عن عبيد الله: رواه النسائيُّ (2) وابن ماجة (3)، وقد رواه النسائيُّ أيضًا عن محمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم عن أشهب عن الليث عن عبيد الله بن أبي جعفر عن نافع، وليس فيه: بكير (4)، وهو حديثٌ رواته ثقاتٌ. وعبيد الله بن أبي جعفر: من العلماء العبَّاد الزهَّاد المخرَّج لهم في "الصحيحين " (5)، والله أعلم O. ***** مسألة (508): الغَبْن يُثبت الفسخ. وقال أبو حنيفة والشافعيُّ: لا يُثبت. وقال داود: يُبطل العقد من أصله. 2375 - قال أبو أحمد بن عَدِيٍّ: حدَّثنا عبد الله بن زيدان ثنا محمَّد بن
مسألة (509): إذا باع سلعة بثمن مؤجل، لم يجز أن يعود فيشتريها
عبيد (1) ثنا موسى بن عمير عن مكحول عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من استرسل إلى مؤمن فغبنه، كان غبنه ذاك ربًا ". قال ابن عَدِيٍّ: عامة ما يروي موسى بن عمير لا يتابعه الثقات عليه (2). 2376 - وقد رواه يعيش بن هشام القَرْقَسَانيُّ عن مالك عن جعفر بن محمَّد عن أبيه عن جابر، وعن مالك عن الزهريِّ عن أنس، أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " غبن المسترسل ربًا ". قال المصنِّف: يعيش ضعيفٌ مجهولٌ. ز: هذا الحديث غير مخرَّجٍ في شيءٍ من "السنن" من جميع طرقه، وقد ذكر البيهقيُّ حديث أبي أمامة، ثم قال: موسى بن عمير القرشيُّ هذا تكلَّموا فيه. وذكر كلام ابن عَدِيٍّ فيه، ثم قال: وقد روي معناه عن يعيش بن هشام القَرْقَسَانيِّ عن مالك، واختلف عليه في إسناده، وهو أضعف من هذا. ثُمَّ ذكره بإسناده (3)، والله أعلم O. ***** مسألة (509): إذا باع سلعة بثمنٍ مؤجَّل، لم يجز أن يعود فيشتريها بأنقصَ منه حالاً. وقال الشافعيُّ: يجوز.
2377 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا عبد الله بن أحمد بن وهيب الدمشقيُّ ثنا العبَّاس بن الوليد بن مَزْيَد ثنا محمَّد بن شعيب بن شابور قال: أخبرني شيبان ابن عبد الرحمن قال: أخبرني يونس بن أبي إسحاق عن أمه العالية بنت أيفع قالت: حججت أنا وأمُّ محبة، فدخلنا على عائشة، فقالت لها أمُّ محبة: يا أمَّ المؤمنين، كانت لي جارية، وإني بعتها من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم إلى عطائه، وإنه أراد بيعها فابتعتها منه بستمائة درهم نقدًا؟ فقالت: بئس ما شريت وما اشتريت! فأبلغي زيدًا أَنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا أن يتوب (1). قالوا: العالية امرأة مجهولة، فلا يقبل خبرها. قلنا: بل هي امرأة جليلة القدر معروفة، ذكرها محمَّد بن سعد في كتاب " الطبقات "، فقال: العالية بنت أيفع بن شراحيل، امرأة أبي إسحاق السَّبيعيِّ، سمعَتْ من عائشة (2). ز: 2378 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا محمَّد بن جعفر ثنا شعبة عن أبي إسحاق السَّبيعيِّ عن امرأته أنها دخلت على عائشة هي وأمُّ ولد زيد بن أرقم وامرأةٌ أخرى، فقالت لها أمُّ ولد زيد: إني بعت من زيد غلامًا بثمانمائة درهم نسيئة، واشتريته بستمائة نقدًا، فقالت: أبلغي زيدًا أن قد أبطلتَ جهادك مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا أن تتوب، بئس ما شريت، وبئس ما اشتريت (3)! هذا إسنادٌ جيدٌ، وإن كان الشافعيُّ رحمه الله قال: إنَّا لا نثبت مثله على
مسألة (510): إذا اختلف المتبايعان في قدر الثمن: تحالفا إذا كانت
عائشة (1). وكذلك قول الدَّارَقُطْنِيُّ في العالية: (مجهولةٌ لا يحتجُّ بها) (2) فيه نظرٌ، وقد خالفه غيره، ولولا أنَّ عند أم المؤمنين علمًا من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تستريب فيه أنَّ هذا محرمٌ= لم تستجز أن تقول مثل هذا الكلام بالاجتهاد، والله أعلم O. ***** مسألة (510): إذا اختلف المتبايعان في قدر الثمن: تحالفا إذا كانت السلعة باقية، وإن كانت قد تلفت تحالفًا أيضًا، ويفسخ البيع، ويرجع على المشتري بالقيمة. وعنه: القول قول المشتري، ولا يتحالفان، وبه قال أبو حنيفة. وعن مالك كالروايتين. 2379 - قال الإمام أحمد: حدَّثني محمَّد بن إدريس الشافعيُّ أنا سعيد ابن سالم أنا ابن جريج أنَّ إسماعيل بن أميَّة أخبره عن عبد الملك بن عمير أنه قال: حضرتُ أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود وأتاه رجلان يتبايعان سلعة، فقال هذا: أخذتُ بكذا وكذا، وقال هذا: بعتُ بكذا وكذا، فقال أبو عُبيدة: أُتي عبد الله بن مسعود في مثل هذا، فقال: حضرتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مثل هذا، فأمر بالبائع أن يستحلف، ثم يخيَّر المبتاع: إن شاء أخذ، وإن شاء ترك (3).
2380 - وقال عبد الله بن أحمد: قرأت على أبي: وكيع (1) عن المسعوديِّ عن القاسم عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا اختلف المتبايعان (2) وليس بينهما بيِّنة، فالقول ما يقول صاحب السلعة، أو يترادَّان " (3). 2381 - وقال الترمذيُّ: ثنا قتيبة ثنا سفيان عن ابن عجلان عن عون ابن عبد الله عن ابن مسعود قال: قال رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا اختلف المتبايعان (4)، فالقول قول البائع، والمبتاع بالخيار " (5). 2382 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا محمَّد بن الحسين بن سعيد الهَمْدَانيُّ ثنا أحمد بن إبراهيم الدمشقيُّ ثنا هشام بن عمَّار ثنا ابن عيَّاش ثنا موسى بن عقبة عن محمَّد بن أبي ليلى عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه عن جدِه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا اختلف المتبايعان في البيع، والسلعة كما هي لم تستهلك، فالقول ما قال البائع، أو يترادَّان البيع " (6). 2383 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا البغويُّ أنا عثمان بن أبي شيبة ثنا هُشيم أنا ابن أبي ليلى عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه قال: باع عبد الله بن مسعود من الأشعث رقيقًا من رقيق الإمارة، واختلفا في الثمن، فقال عبد الله: بعتك بعشرين ألفا، وقال الأشعث: اشتريت منك بعشرة آلاف. فقال عبد الله: إن شئت حدَّثتك بحديث سمعته من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال:
هات. قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويقول: " إذا اختلف البيِّعان، والبيع قائم بعينه، وليس بينهما بيِّنة، فالقول ما قال البائع، أو يترادَّان البيع ". فقال الأشعث: أرى أن ترد البيع (1). 2384 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا ابن صاعدٍ ثنا محمَّد بن الهيثم القاضي ثنا هشام (2) بن عمَّار ثنا إسماعيل بن عيَّاش عن موسى بن عقبة عن محمَّد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن جدِّه عبد الله أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا اختلف المتبايعان، استحلف البائع، وكان المبتاع بالخيار: إن شاء أخذ، وإن شاء ترك " (3). 2385 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا أحمد بن محمَّد بن سعيد ثنا الحسن ابن جعفر بن مدرار ثنا عمِّي ثنا الحسن بن عمارة عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا اخلف البيِّعان، فالقول ما قال البائع، فإذا استهلك فالقول ما قال المشتري " (4). 2386 - وقال أبو أحمد بن عَدِيٍّ: حدَّثنا عليُّ بن سعيد ثنا إبراهيم بن مُجَشِّر ثنا أبو بكر بن عيَّاش عن سعيد بن المرزبان عن الشعبيِّ عن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه قال: قال رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا اختلف البيِّعان، فالقول ما قال
البائع " (1). قال المصنِّف: في هذه الأحاديث مقالٌ، فإنَّها مراسيلٌ وضعافٌ. أبو عُبيدة لم يسمع من أبيه ولا عبد الرحمن. القاسم لم يسمع من ابن مسعود ولا عون بن عبد الله. وابن عيَّاش ومحمَّد بن أبي ليلى والحسن بن عمارة وابن المرزبان كلهم ضعافٌ، قال يحيى: ابن المرزبان ليس بشيءٍ (2). ز: حديث أبي عُبيدة عن أبيه: رواه النسائيُّ فقال: 2387 - أخبرني إبراهيم بن الحسن ويوسف بن سعيد وعبد الرحمن بن خالد- واللفظ لإبراهيم- قالوا: ثنا حجَّاج قال: قال ابن جريج: أخبرني إسماعيل بن أميَّة عن عبد الملك بن عبيد قال: حضرنا أبا عُبيدة بن عبد الله بن مسعود أتاه رجلان تبايعا سلعةً، فقال أحدهما: أخذتها بكذا وكذا، وقال هذا: بعتها بكذا وكذا، فقال أبو عبيدة: أُتي ابن مسعود في مثل هذا، فقال: حضرت النبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مثل هذا، فأمر البائع أن يستحلف، ثم يختار المبتاع: فإن شاء أخذ، وإن شاء ترك (3). كذا في رواية النسائيِّ: (عبد الملك بن عبيد) وهو غير معروفٍ، وقد تقدَّم في رواية الإمام أحمد: (عبد الملك بن عمير) وكأنَّه وهمٌ، فإنَّ عبد الله بن أحمد قد قال بعد ذكر الحديث: قرأت على أبي، قال: أُخبرت عن هشام بن يوسف في البيِّعين، في حديث ابن جريج عن إسماعيل بن أميَّة عن عبد الملك بن
عبيدة. وقال أبي: قال حجَّاج الأعور: عبد الملك بن عبيدة (1). كذا قال: (ابن عبيدة)، فصار في راوي هذا الحديث ثلاثة أقوال. وحديث القاسم عن ابن مسعود: لم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب "السنن"، وقد رواه أحمد من وجه آخر، فقال: 2388 - حدَّثنا ابن مهديٍّ ثنا سفيان عن مَعْن عن القاسم عن عبد الله عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا اختلف البيِّعان والسلعة كما هي، فالقول ما قال البائع، أو يترادان " (2). وحديث عون عن ابن مسعود: لم يروه من أصحاب "السنن" غير الترمذيِّ، وقال: هو مرسل، عون لم يدرك ابن مسعود (3). وقد رواه أحمد عن يحيى بن سعيد عن ابن عجلان (4). وحديث القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه: رواه أبو داود عن النُّفيليِّ (5)، ورواه ابن ماجة عن عثمان بن أبي شيبة ومحمَّد بن الصَّبَّاح (6)، ثلاثتهم عن هُشيم به. وقال أحمد: ثنا هُشيم قال: أخبرني ابن أبي ليلى عن القاسم بن عبد الرحمن عن ابن مسعود، وليس فيه: (عن أبيه) (7).
2389 - وقال النسائيُّ: أخيرنا محمَّد بن إدريس ثنا عمر بن حفص ابن غياث ثنا أبي عن أبي عُميس حدَّثني عبد الرحمن بن محمَّد بن الأشعث عن أبيه عن جدِّه قال: قال عبد الله: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إذا اختلف البيِّعان، ويس بينهما بيِّنه، فهو ما يقول ربُّ السلعة، أو يتركا " (1). كذا رواه النسائيُّ، وقد رواه أبو داود عن محمَّد بن يحيى بن فارس عن عمر بن حفص بن غياث عن أبيه عن أبي العُميس قال: أخبرني عبد الرحمن بن قيس بن محمَّد بن الأشعث عن أبيه عن جدِّه به (2)، ورواه يعقوب بن سفيان عن عمر بن حفص، وقال فيه: عبد الرحمن بن محمَّد بن قيس بن محمَّد بن الأشعث. والذي يظهر أنَّ حديث ابن مسعود في هذا الباب بمجموع طرقه له أصلٌ بل هو حديثٌ حسنٌ يحتجُّ به، لكن في لفظه اختلافٌ كما ترى، والله أعلم O. ***** (1) " سنن النسائي": (7/ 302 - 303 - رقم: 4648). (2) "سنن أبي داود": (4/ 184 - رقم: 3505).
مسألة (511): لا يجوز بيع رباع مكة.
مسائل ما يصحُّ بيعه وما لا يصحُّ مسألة (511): لا يجوز بيع رِباع مكَّة. وعنه: يجوز، كقول الشافعيِّ. 2390 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أحمد بن محمَّد بن يوسف الفَزَارِيُّ ثنا محمَّد بن المغيرة ثنا القاسم بن الحكم ثنا أبو حنيفة عن عبيد الله بن أبي زياد عن أبي نَجيح عن عبد الله بن عمرو قال: قال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مكَّة حرامٌ، وحرامٌ بيع رِباعها، وحرامٌ أجر بيوتها ". قال الدَّارَقُطْنِيُّ: كذا رواه أبو حنيفة مرفوعًا، ووهمَ فيه، والصحيح أنَّه موقوفٌ (1). 2391 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا الحسين بن إسماعيل ثنا أحمد بن محمَّد بن يحيى بن سعيد ثنا عبد الله بن نُمير ثنا إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر عن أبيه عن عبد الله بن باباه عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مكَّة مناخٌ، لا تباع رباعها، ولا تؤجَّر بيوتها " (2). قال المصنِّف: إسماعيل بن إبراهيم: قد ضعَّفه يحيى (3)
والنسائيُّ (1)، وأبوه إبراهيم: قد ضعَّفه البخاريُّ، وقال يحيى بن معين: لا بأس به (2). وقال أبو بكر البيهقيُّ: الصحيح أنَّ هذا الحديث موقوفٌ (3). ز: هذا الحديث غير مخرَّجٍ في شيءٍ من "السنن" من الوجهين. وإبراهيم بن مهاجر هذا، هو: البجليُّ الكوفيُّ، وهو من رجال مسلم (4)، وقال الثوريُّ: لا بأس به (5). وضعَّفه ابن معين في رواية الدُّوريِّ وغيره (6). وابنه إسماعيل: ضعَّفوه، وقال أحمد: أبوه أقوى منه (7). والذي حكاه المؤلِّف عن ابن معين (8) والبخاريِّ (9) إنَّما هو في إبراهيم ابن مهاجر بن مسمار المدنيِّ، وهو متأخرٌ عن البجليِّ. وقال البيهقيُّ بعد أن روى الحديث: إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر
ضعيفٌ، وأبوه غير قويٍّ، واختلف عليه: فروي عنه هكذا، وروي عنه عن أبيه عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا، ببعض معناه (1) O. 2392 - وقال سعيد بن منصور: ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد قال: قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن مكَّة حَرَمٌ حرَّمها الله عز وجلَّ، لا يحلُّ بيع رِباعها، ولا أجور بيوتها ". احتجُّوا بما: 2393 - رواه الإمام أحمد، قال: حدَّثنا عبد الرزَّاق أنا معمر عن الزهريِّ عن عليِّ بن الحسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد قال: قلت: يا رسول الله، أين تنزل غدًا- في حجَّته-؟ فقال: " وهل ترك لنا عَقيلٌ منزلاً؟! ". ثُمَّ قال: " نحن نازلون غدًا- إن شاء الله- بخيف بني كنانة ". ثُمَّ قال: " لا يرث الكافر المسلم، ولا المسلم الكافر " (2). أخرجه البخاريُّ ومسلم في "الصحيحين " (3). 2394 - وقال الدَّارَقُطْنيُّ: حدَّثنا أبو بكر النيسابوريُّ ثنا يونس بن عبد الأعلى ثنا ابن وهبٍ قال: أخبرني يونس عن ابن شهابٍ أنَّ عليَّ بن حسين أخبره: أنَّ عمرو بن عثمان أخبره عن أسامة أنَّه قال: يا رسول الله، أتنزل دارك بمكَّة؟! قال: " وهل ترك لنا عَقيلٌ من رِباع أو دور؟! ". وكان عَقيل
مسألة (512): لا يجوز بيع الزيت النجس.
ورث أبا طالبٍ، هو وطالب، ولم يرثه جعفر ولا عليٌّ شيئا (1)، لأنَّهما كانا مسلمين، وكان عَقيل وطالب كافرين (2). ز: رواه البخاريُّ عن أصبغ عن ابن وهبٍ (3)، ورواه مسلمٌ عن أبي الطاهر بن السرح وحَرْمَلة بن يحيى كلاهما عن ابن وهبٍ به (4)، ورواه النسائيُّ عن يونس بن عبد الأعلى (5)، والله أعلم O. ***** مسألة (512): لا يجوز بيع الزيت النَّجس. وقال أبو حنيفة: يجوز. 2395 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا حجَّاج ثنا لَيْث قال: حدَّثني يزيد ابن أبي حبيب قال: قال عطاء بن أبي رباح: سمعت جابر بن عبد الله يقول: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنَّ الله عز وجلَّ ورسولَه حرَّم بيع الخمر والميتة ". فقيل له: أرأيت شحوم الميتة، فإنَّه يدهن به السفن، ويستصبح به الناس؟ قال: " لا، هو حرام " (6).
أخرجاه في "الصحيحين " (1). 2396 - قال أحمد: وحدَّثنا عَتَّاب ثنا عبد الله أنا أسامة بن زيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه قال: سمعت رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إنَّ الله ورسولَه حرَّم بيع الخمر والميتة والخنزير ". فقيل: يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة، فإنَّه يدهن بها السفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس؟ فقال: " لا، هي حرامٌ " (2). ز: هذا إسنادٌ حسنٌ، وهو غير مخرَّجٍ في شيءٍ من "السنن" O. 2397 - قال أحمد: وحدَّثنا محمَّد بن مصعب (3) ثنا الأوزاعيُّ عن الزهريِّ عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عبَّاس عن ميمونة زوج النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنَّها استفتت رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في فأرةٍ سقطت في سمن لهم جامد، فقال: " ألقوها وما حولها، وكلوا سمنكم " (4). انفرد بإخراجه البخاريُّ. ز: هذا الحديث لم يخرِّجه البخاريُّ من حديث الأوزاعيِّ، إنَّما رواه من حديث سفيان وغيره عن الزهريِّ، وليس عنده: (جامد) (5).
ومحمَّد بن مصعب هو: القَرْقَسَانيُّ، وقد تكلَّموا فيه، قال يحيى بن معين: لم يكن من أصحاب الحديث، كان مغفلاً (1). وقال أبو حاتم الرازيُّ: هو ضعيف الحديث (2). وقال الإمام أحمد: لا بأس به (3). ولم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب "السنن" أيضًا من حديث الأوزاعيِّ. وقد روى هذه اللفظة- وهي قوله: (جامد) -: النسائيُّ من رواية ابن مهديٍّ عن مالك عن الزهريِّ (4)، والبيهقيُّ من رواية حجَّاج بن منهال عن سفيان (5). والظاهر أنَّها خطأٌ، فإنَّ أكثر أصحاب مالك وسفيان لم يذكروا هذه اللفظة، ولأن الغالب على سمن الحجاز أن يكون مائعًا، وكونه جامدًا نادر، والسؤال في الغالب لا يقع إلا على الغالب، ولأنَّ حكم الجامد ظاهرٌ، وإنَّما المشكل المائع، فالظاهر أنَّ السؤال كان عنه، أو عن أعمّ منه، فأجاب النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يستفصل، والله أعلم. 2398 - وقد قال البخاريُّ في "صحيحه": ثنا عبدان أنا عبد الله- يعني: ابن المبارك- عن يونس عن الزهريِّ عن الدابة تموت في الزَّيت أو السمن، وهو جامدٌ أو غير جامدٍ، الفأرة أو غيرها، فقال: بلغنا أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بفأرة ماتت في سمن، فأمر بما قرب منها فطرح، ثم أُكل. عن حديث عبيد الله بن عبد الله (6) O.
2399 - وقال أبو داود: حدَّثنا الحسن بن عليٍّ ثنا عبد الرزَّاق ثنا معمر عق الزهريِّ عن سعيد بن المسيَّب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا وقعت الفأرة في السمن: فإن كان جامدًا فألقوها وما حولها، وان كان مائعًا فلا تقربوه " (1). ز: هذا الحديث لم يروه من أصحاب "الكتب السِّتَّة" غير أبي داود، وقد رواه الإمام أحمد عن عبد الرزَّاق (2)، ورجاله وإن كانوا رجال "الصحيحين" فإنَّه خطأٌ من وجوه كثيرة، ذكرتها في غير هذا الموضع، والصواب حديث الزهريِّ عن عبيد الله. قال الترمذيُّ: وهو حديثٌ غير محفوظٍ، وسمعت محمَّد بن إسماعيل يقول: حديث مَعمَر عن الزهريِّ عن سعيد بن المسيَّب عن أبي هريرة عن النبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا خطأٌ، والصحيح حديث الزهريِّ عن عبيد الله عن ابن عبَّاس عن ميمونة (3). وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديثٍ رواه ابن أبي مريم عن عبد الجبَّار بن عمر الأيليِّ عن الزهريِّ عن سالم عن أبيه عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الفأرة تقع في السمن، فقال: " إن كان جامدًا ... " الحديث. قال ابن أبي حاتم: ورواه مَعْمَر عن الزهريِّ عن سعيد بن المسيَّب عن أبي هريرة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال أبي: كلاهما وهمٌ، والصحيح: الزهريُّ عن عبيد الله بن عبد الله
عن ابن عبَّاس عن ميمونة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1) O. احتجُّوا بما: 2400 - رواه الدَّارَقُطْنِيُّ، قال: حدَّثنا عبيد الله بن عبد الصمد بن المهتديِّ ثنا بكر بن سهل ثنا شعيب بن يحيى ثنا يحيى بن أيُّوب عن ابن جريج عن ابن شهاب عن سالم عن ابن عمر قال: سئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الفأرة تقع في السمن والوَدَك، فقال: " اطرحوها، واطرحوا ما حولها إن كان جامدًا، وإن كان مائعًا فانتفعوا به، ولا تأكلوه " (2). 2401 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثني عمر بن محمَّد بن القاسم النيسابوريُّ ثنا محمَّد بن أحمد بن راشد الأصبهانيُّ ثنا محمَّد بن عبد الرحيم البرقيُّ ثنا عمرو بن أبي سلمة (3) عن سعيد بن بشير عن أبي هارون عن أبي سعيد قال: سئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الفأرة تقع في السمن والزيت، قال: " استصبحوا به، ولا تأكلوه " أو نحو ذلك (4). والجواب: أمَّا الحديث الأوَّل: ففيه يحيى بن أيُّوب، قال أبو حاتم الرازيُّ: لا يحتجُّ به (5). قال: وشعيب بن يحيى ليس بمعروفٍ (6).
وفي الحديث الثاني: أبو هارون العبديُّ، قال أحمد: ليس بشيءٍ (1). وقال شعبة: لأن أقدَّم فيضرب عنقي، أحبُّ إليَّ من أن أحدِّث عنه (2)! ز: قال البيهقيُّ في حديث ابن جريج عن ابن شهاب: الطريق إليه غير قويٍّ، والصحيح عن ابن عمر من قوله موقوفًا عليه غير مرفوعٍ. ثم روى بإسناده: 2402 - عن الثوريِّ عن أيُّوب عن نافع عن ابن عمر في فأرةٍ وقعت في زيتٍ، قال: استصبحوا به، وادهنوا به أدمكم (3). وقد سُئل الدَّارَقُطْنِيُّ عن حديث ابن عمر في هذا الباب، فقال: رواه عبد الجبَّار بن عمر الأيليُّ عن الزهريِّ عن سالم عن أبيه، وتابعه يحيى بن أيُّوب عن ابن جريج عن الزهريِّ كذلك. وخالفهما أصحاب الزهريِّ، فرووه عن الزهريِّ عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عبَّاس، وهو الصحيح (4). وقال الدَّارَقُطْنِيُّ في حديث أبي سعيد: ورواه الثوريُّ عن أبي هارون موقوفًا على أبي سعيد (5). قال البيهقيُّ: وهو المحفوظ (6) O. *****
مسألة (513): لا يجوز بيع الصوف على الظهر.
مسألة (513): لا يجوز بيع الصوف على الظهر. وعنه: يجوز، كقول مالك (1). 2403 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا الحسن بن إسماعيل المحامليُّ ثنا عليُّ ابن شعيب ثنا يعقوب الحضرميُّ قال: حدَّثني عمر بن فَرُّوخ عن حبيب بن الزبير عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيع اللبن في ضروعها، والصوف على ظهورها (2). ز: هذا الحديث غير مخرِّج في شيءٍ من "السنن". وعمر بن فَرُّوخ القتَّاب: وثَّّقه ابن معين (3) وأبو حاتم (4) وغيرهما. وقال البيهقيُّ: تفرَّد برفعه عمر بن فَرُّوخ، وليس بالقويِّ، وقد أرسله عنه وكيع، ورواه غيره موقوفًا (5). 2404 - وقال أبو القاسم الطبرانيُّ: حدَّثنا عثمان بن عمير الضَّبيُّ ثنا حفص بن عمر الحَوْضيُّ ثنا عمر بن فَرُّوخ- صاحي الأقتاب- ثنا حبيب بن الزبر عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تباع ثمرةٌ حتَّى تطعم، ولا صوفٌ على ظهرٍ، ولا لبنٌ في ضرعٍ (6). 2405 - رواه أبو داود في " المراسيل " عن أحمد بن أبي شعيب الحرَّانيِّ
مسألة (514): لا يجوز بيع السرجين النجس.
عن زهير بن معاوية عن أبي إسحاق عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال: لا تباع أصواف الغنم على ظهورها، ولا تباع ألبانها في ضروعها. وعن محمَّد بن العلاء عن ابن المبارك عن عمر بن فَرُّوخ عن عكرمة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمعناه (1). ولم يكن يذكر ابن عبَّاس، ولا حبيب بن الزبير O. ***** مسألة (514): لا يجوز بيع السرجين النجس. وقال أبو حنيفة: يجوز. 2406 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا عليُّ بن عبد الله بن مبشِّر ثنا عبد الحميد بن بيان ثنا خالد بن عبد الله عن خالد الحذَّاء عن بركة أبي الوليد عن ابن عبَّاس عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنَّ الله عز وجل إذا حرَّم شيئًا حرم ثمنه " (2). ز: رواه أحمد عن هشيم (3) وعليِّ بن عاصم (4) كلاهما عن خالد الحذَّاء به، ورواه أبو داود عن مسدَّد عن بشر بن المفضَّل وخالد بن عبد الله عن خالد الحذَّاء (5).
مسألة (515): لا يصح بيع العنب ممن يتخذه خمرا.
وبركة هو: ابن عربان، أبو الوليد، المجاشعيُّ، البصريُّ، وثَّقه أبو زرعة (1) O. 2407 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا عثمان بن أحمد الدَّقَّاق ثنا محمَّد بن عبيد الله المناديُّ ثنا شَبابة ثنا أبو مالكٍ النخعيُّ عن المهاجر أبي الحسن عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن تميم الداريِّ عن النبيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنَّه لا يحلُّ ثمن شيءٍ لا يحلُّ أكله وشربه " (2). ز: هذا الحديث لم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب "السنن". وأبو مالك النخعيُّ: ضعَّفوه، وهو مختلفٌ في اسمه O. ***** مسألة (515): لا يصحُّ بيِع العنب ممن يتَّخذه خمرًا. وقال أكثرهم: يصحُ. 2408 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا وكيع ثنا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن أبي طُعْمة مولاهم وعن عبد الرحمن بن عبد الله الغافقيِّ أنَّهما سمعا ابن عمر يقول: قال رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لعنت الخمر على عشر وجوه: لعنت الخمر بعينها، وشاربها وساقيها، وبائعها ومبتاعها، وعاصرها ومعتصرها، وحاملها والحمولة إليه، وآكل ثمنها " (3).
ز: رواه أبو داود (1) وابن ماجة (2) من رواية وكيع، وإسناده حسنٌ، وقال شيخنا أبو العبَّاس: هو حديثٌ جيِّدٌ، وقد رواه الجُوزجانيُّ وغيره: من حديث عبد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه، ومن حديث ثابت بن يزيد الخَوْلانيِّ عن ابن عمر (3). ورواه الترمذيُّ (4) وابن ماجة (5) من حديث أنس بن مالك. وروى الإمام أحمد نحوه من حديث ابن عبَّاس (6). 2409 - وروى أيضًا بإسناده عن مصعب بن سعد قال: قيل لسعد: تبيع عنبًا لك لمن يتخذه عصيرًا؟ فقال: بئس الشيخ أنا إن بعت الخمر (7) O. وفد احتجَّ أصحابنا بحديثٍ لا أصل له، وهو: 2410 - ما رواه أبو حاتم بن حِبَّان، قال: حدَّثنا محمَّد بن عبد الله بن الجُنيد ثنا عبد الكريم بن عبد الله ثنا الحسن بن مسلم التاجر ثنا الحسين بن واقد عن عبد الله بن بُريدة عن أبيه قال: قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من حبس العنب زمن القطاف، حتَّى لميعه من يهوديِّ أو نصرانيِّ، أو ممن يعلم أنَّه يتخذه خمرًا، فقد تقدَّم على النار على بصيرة ". قال أبو حاتم بن حِبَّان: لا أصل لهذا الحديث من حديث حسين بن
مسألة (516): لا يجوز بيع الكلب وإن كان معلما.
واقد، فينبغي أن يعدل بالحسن (1) عن سنن العدول، لروايته هذا الخبر المنكر (2). ز: هذا الحديث لم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب "السنن"، وابن حِبَّان رواه في كتاب "الضعفاء" في ترجمة [الحسن] (3)، وقال فيه: منكر الحديث، قليل الرواية. وقال ابن أبي حاتم: الحسن بن مسلم الواسطيُّ، روى عن الحسن بن واقد، قد روى عنه عبد الكريم بن عبد الله التاجر، سألت أبي عنه، فقال: الحسن بن مسلم هذا لا يعرف، ويدلُّ حديثه على الكذب (4) O. ***** مسألة (516): لا يجوز بيع الكلب وإن كان معلَّمًا. وقال أبو حنيفة: يجوز. 2411 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا عبد الرزَّاق ثنا معمر عن الزهريِّ أنَّ أبا بكر بن عبد الرحمن أخبره أنَّه سمع أبا مسعود عقبة بن عمرو يقول: نهى رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ثمن الكلب، ومهر البغيِّ، وحُلْوَان الكاهن (5). أخرجاه في "الصحيحين " (6).
2412 - قال أحمد: وحدَّثنا يحيى بن سعيد ثنا محمَّد بن يوسف ثنا السائب بن يزيد عن رافع بن خَدِيج أنَّ نبيَّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " شرُّ الكسب: ثمن الكلب، وكسب الحجَّام، ومهر البغيِّ " (1). قال الترمذيُّ: هذا حديث صحيحٌ (2). ز: رواه مسلم عن محمَّد بن حاتم عن يحيى بن سعيد (3) O. 2413 - قال أحمد: وحدَّثنا وكيع ثنا إسرائيل عن عبد الكريم الجزريِّ (4) عن قيس بن [حَبْتَر] (5) عن ابن عبَّاس قال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن مهر البغيِّ، وثمن الكلب، وثمن الخمر (6). 2414 - قال أحمد: وحدَّثنا عبد الجبَّار بن محمَّد ثنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم عن قيس بن [حَبْتَر] (7) عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثمن الكلب خبيث، فإذا جاءك من يطلب ثمن الكلب فاملأ فيه ترابا " (8). ز: كان فيه: (عبيد الله بن عمر) وهو خطأ، والصواب: (ابن عمرو) وهو: الرَّقَّيُّ، أحد الثِّقات المخرَّج لهم في "الصحيحين " (9).
وقد رواه أبو داود عن أبي توبة ربيع بن نافع عن عبيد الله بن عمرو (1)، وهذا الحديث إسناده جيِّدٌ. وقيس بن حَبْتَر: ثقةٌ O. 2415 - قال أحمد: وحدَّثنا إسحاق بن عيسى ثنا ابن لَهِيعةَ عن أبي الزبير عن جابر أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن ثمن الكلب، ونهى عن ثمن السِّنَّور (2). 2416 - قال أحمد: وحدَّثنا هاشم [ثنا] (3) عيسى بن المسيَّب قال: حدَّثني أبو زُرْعة عن أبي هريرة قال: كان النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأتي دار قومٍ من الأنصار، ودونهم دارٌ، فشقَّ ذلك عليهم، فقالوا: يا رسول الله، تأتي دار فلان ولا تأتي دارنا؟! فقال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لأنَّ في داركم كلبًا ". قالوا: فإنَّ في دارهم سنَّورًا. فقال: " إنَّ السِّنَّور سبعٌ " (4). ز: حديث ابن لَهِيعةَ عن أبي الزبير: روى ابن ماجة منه ذكر السِّنَّور عن هشام بن عمَّار عن الوليد بن مسلم عنه (5). وقد تابع ابن لَهِيعةَ غيره، وقد روى الحديث أبو سفيان عن جابرٍ، والله أعلم. وحديث أبي زرعة عن أبي هريرة: رواه ابن عَدِيٍّ (6) والعُقيليُّ، وقال
في عيسى: لا يتابعه على هذا الحديث إلا من هو مثله أو دونه (1). ورواه الحاكم وصحَّحه. وقد ضعَّف عيسى= أبو داود (2) وغيره. وقد سُئل أبو زرعة عن هذا الحديث، فقال: لم يرفعه أبو نُعيم، وهو أصحُّ، وعيسى ليس بقويٍّ (3) O. احتجُّوا بحديثين: 2417 - الحديث الأوَّل: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا محمَّد بن إسماعيل الفارسيُّ ثنا عبيد بن محمَّد بن إبراهيم الصنعانيُّ قال: حدَّثني محمَّد بن عمر بن أبي مسلم ثنا محمَّد بن مصعب [القَرْقَسَانيُّ] (4) ثنا نافع بن عمر عن الوليد بن عبيد الله بن أبي رباح عن عمِّه عطاء عن أبي هريرة عن النبيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ثلاثٌ كلُّهن سحتٌ: كسب الحجَّام، ومهر البغيِّ، وثمن الكلب، إلا الكلب الضاري " (5). 2418 - طريقٌ آخر: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا أحمد بن عبد الله الوكيل ثنا الحسن بن أحمد بن أبي شعيب ثنا ابن سلمة (6) ثنا المثنَّى عن عطاء قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثلاثٌ كلُّهن سحتٌ، كسب الحجَّام سحتٌ، ومهر البغيِّ سحتٌ، وثمن الكلب- إلا كلبا ضاريا
سحتٌ (1). 2419 - الحديث الثاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا أبو بكر النيسابوريُّ ثنا إسحاق بن الجَرَّاح قال: ثنا الهيثم بن جميل ثنا حمَّاد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر قال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ثمن الكلب والسِّنَّور، إلا كلب صيدٍ (2). 2420 - الطريق الثاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا الحسين بن إسماعيل ثنا يعقوب بن إبراهيم الدَّوْرَقيُّ ثنا عبَّاد بن العوَّام عن الحسن بن أبي جعفر عن أبي الزبير عن جابر قال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ثمن الكلب والهرِّ، إلا الكلب المعلَّم (3). 2421 - الطريق الثالث: قال الإمام أحمد: حدَّثنا عبَّاد بن العوَّام عن الحسن بن أبي جعفر عن أبي الزبير عن جابر قال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ثمن الكلب، إلا الكلب المعلَّم (4). والجواب: أنَّه ليس في هذه الأحاديث ما يصحُّ: أمَّا الأوَّل: ففيه الوليد بن عبيد الله، وقد ضعَّفه الدَّارَقُطْنِيُّ (5). وفي الطريق الثاني: المثنَّى بن الصَّبَّاح، قال أحمد (6) والرازيُّ (7): لا
يساوي شيئًا، هو مضطرب الحديث. وقال النسائيُّ: متروك الحديث (1). وقال يحيى: ليس بشيءٍ (2). وأمَّا حديث جابرٍ: فقال الدَّارَقُطْنِيُّ في الطريق الأوَّل: رواه سُويد بن عمرو عن حمَّاد بن سلمة موقوفًا على جابرٍ، ولم يذكر النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو أصحُّ (3). وأمَّا الطريق الثاني والثالث: ففيهما الحسن بن أبي جعفر، وهو [الجُفْريُّ] (4)، قال يحيى: ليس بشيءٍ (5). وقال النسائيُّ: متروك الحديث (6). ز: حديث عطاء عن أبي هريرة: لم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب "السنن" من الوجهين، وضعَّفه البيهقيُّ منهما (7). وحديث حمَّاد بن سلمة عن أبي الزبير: رواه النسائيُّ عن إبراهيم بن الحسن عن حجَّاج بن محمَّد عنه، وقال: هذا حديثٌ منكرٌ (8). وقال مرَّةً: ليس بصحيحٍ (9). 2422 - وقال أبو بكر بن أبي عاصم: حدَّثنا عبد الأعلى بن حمَّاد ثنا
مسألة (517): بيع الحاضر للبادي باطل، بشرط أن يكون البادي
حمَّاد بن سلمة ثنا أبو الزبير عن جابرٍ قال: نهى- أراه النبيُّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ثمن الكلب، إلا كلب صيدٍ. 2423 - وروى البيهقيُّ من حديث عبد الواحد بن غِياث قال: ثنا حمَّاد ثنا أبو الزبير عن جابر قال: نهى عن ثمن الكلب والسِّنَّور، إلا كلب صيدٍ. ثم قال: هكذا رواه عبد الواحد، وكذلك رواه سُويد بن عمرو عن حمَّاد. ثم قال: ولم يذكر حمَّاد: (عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، ورواه عبيد الله بن موسى عن حمَّاد بالشكِّ في ذكر النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه، ورواه الهيثم بن جميل عن حمَّاد فقال: (نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ...)، ورواه الحسن بن أبي جعفر عن أبي الزبير عن جابر عن النبيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وليس بالقويِّ. والأحاديث الصحاح عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النهي عن ثمن الكلب خالية عن هذا الاستثناء، وإنما الاستثناء في الأحاديث الصحاح في النهي عن الاقتناء، فلعله شبِّه على من ذكر في حديث النهي عن ثمنه- من هؤلاء الرواة الذين هم دون الصحابة والتابعين-، والله أعلم (1). وحديث الحسن بن أبي جعفر عن أبي الزبير: لم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب "السنن"، وطريقه الثاني والثالث واحدٌ، والله أعلم O. ***** مسألة (517): بيع الحاضر للبادي باطلٌ، بشرط أن يكون البادي
مسألة (518): لا يجوز أن يفرق في البيع بين كل ذي رحم محرم.
حضر لبيع سلعته (1)، أو يكون بالناس حاجةٌ إلى سلعته، وأنَّ يكون البادي جاهلاً بالأسعار، ويكون الحاضر قصد التاجر (2). 2424 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا سفيان عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يبيعنَّ حاضرٌ لبادٍ، دعوا الناس ورزق الله عز وجلَّ بعضهم من بعض" (3). انفرد بإخراجه مسلمٌ (4). ***** مسألة (518): لا يجوز أن يفرَّق في البيع بين كلِّ ذي رحم محرم. وقال مالكٌ: لا يفرَّق بين الأم وولدها خاصَّة. وقال الشافعيُّ: لا يفرَّق بينه وبين أبويه وإن علوا، وولده وإن سفل. لنا ثلاثة أحاديث: 2425 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا محمَّد بن جعفر ثنا سعيد (5) بن أبي عروبة عن الحكم بن عُتيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عليِّ ابن أبي طالبٍ قال: أمرني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أبيع غلامين أخوين، فبعتهما،
ففرَّقت بينهما، فذكرت ذلك للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " أدركهما، فارتجعهما، ولا تبعهما إلا جميعًا " (1). ز: هذا الحديث بهذا الإسناد غير مخرَّجٍ في شيءٍ من "الكتب السِّتَّة"، ورجاله رجال "الصحيحين"، لكن سعيد بن أبي عروبة لم يسمع من الحكم شيئًا. قاله الإمام أحمد (2) والنسائيُّ (3) وغيرهما. وقد رواه أحمد أيضا عن عبد الوهاب [عن سعيد عن رجل عن الحكم (4). وقد روي عن عبد الوهاب] (5) عن شعبة عن الحكم. وقد سُئل عنه الدَّارَقُطْنِيُّ، فقال: رواه شعبة وسعيد بن أبي عروبة، وسعيد لم يسمع من الحكم شيئًا. وذكر جماعةً رووه عن سعيد عن الحكم. وأمَّا حديث شعبة: فرواه عنه وضَّاح بن حسَّان الأنباريُّ، وتابعه إسماعيل بن أبي الحارث وعليُّ بن سهلٍ عن عبد الوهَّاب بن عطاء عن شعبة (6). وقد رواه أبو بكر بن أبي عاصم عن محمَّد بن عليِّ بن ميمون عن سليمان ابن عبيد الله عن عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أُنَيسة عن الحكم (7). وهذا إسنادٌ لا بأس به، وسليمان: صدَّقه أبو حاتم (8) O.
2426 - طريق آخر: قال الترمذيُّ: حدَّثنا الحسن بن عرفة ثنا عبد الرحمن بن مهديٍّ عن حمَّاد بن سلمة عن الحجَّاج عن الحكم عن ميمون بن أبي شبيب عن عليٍّ قال: وهب لي رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غلامين أخوين، فبعت أحدهما فقال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا عليٌّ، ما فعل غلامك؟ ". فأخبرته، فقال: " رُدَّه، رُدَّه ". ز: قال الترمذيُّ: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ (1). ورواه عن الحسن بن قزعة، وفي نسخة: (ابن عرفة) وهو الأشبه، فإنَّه كذلك في النسخة المكتوبة عن الترمذيِّ. وقد رواه ابن ماجة عن محمَّد بن يحيى الذُّهْليِّ عن عفَّان بن مسلمٍ عن حمَّاد بن سلمة عن الحجَّاج (2)، وهو ابن أرطأة، وقد تقدَّم الكلام فيه غير مرَّةٍ. وميمون بن أبي شبيب: صالح الحديث، لكن هو كثير الإرسال، قال أبو داود: لم يدرك عليًّا (3)، والله أعلم O. 2427 - طريقٌ آخرٌ: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا البغويُّ ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا إسحاق بن منصور ثنا عبد السلام بن حرب عن يزيد بن عبد الرحمن الدَّالانيِّ عن الحكم عن ميمون بن أبي شَبيْب عن عليِّ، بن أبي طالبٍ أنَّه فرَّق بين جاريةٍ وولدها، فنهاه النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك، فردَّ البيع (4).
ز: رواه أبو داود عن عثمان به (1). ويزيد بن عبد الرحمن: صدوقٌ، وهو أقوى من الحجَّاج O. 2428 - الحديث الثاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا إسماعيل بن محمَّد الصفَّار ثنا محمَّد بن عليٍّ الورَّاق ثنا عبيد الله بن موسى عن إبراهيم بن إسماعيل عن طُلَيق بن عمران عن أبي بردة عن أبي موسى قال: لعن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من فرَّق بين الوالدة وولدها، وبين الأخ وأخيه (2). ز: رواه ابن ماجة عن محمَّد بن عمر بن هيَّاج عن عبيد الله بن موسى (3) وإبراهيم بن إسماعيل هو: ابن مجمع، ضعَّفوه، وقال يحيى بن معين: ليس بشيءٍ (4). وطُلَيق: وثقه ابن حِبَّان (5)، ولم يرو له ابن ماجة غير هذا الحديث O. 2429 - الحديث الثالث: قال الترمذيُّ: حدَّثنا عمر بن حفص الشيبانيُّ أنا عبد الله بن وهبٍ قال: أخبرني حُيَيُّ بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحُبُليِّ عن أبي أيُّوب قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من فرَّق بين والدة وولدها، فرَّق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة ".
ز: انفرد بهذا الحديث الترمذيُّ من بين أصحاب "السنن"، وقال: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ (1). وقد رواه الإمام أحمد (2) وأبو يعلى والرُّوْيَانيُّ والطبرانيُّ (3) والدَّارَقُطْنِيُّ (4) والحاكم في "المستدرك" وقال: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرِّجاه (5). وحُيَيُّ بن عبد الله، قال أحمد: أحاديثه مناكير (6). وقال ابن معين: ليس به بأسٌ (7). وقال البخاريُّ: فيه نظرٌ (8). وقال النسائيُّ: ليس بالقويِّ (9). ولم يخرِّج له البخاريُّ ولا مسلمٌ شيئًا. 2430 - وقد روى البيهقيُّ من حديث أبي عتبة قال: ثنا بقيَّة ثنا خالد ابن حميد عن العلاء بن كثير عن أبي أيُّوب الأنصاريِّ قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من فرَّق بين الولد وأمِّه، فرَّق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة " (10). أبو عتبة هو: أحمد بن الفرج الحمصيُّ، محلُّه الصدق. قاله [ابن] (11) أبي حاتم (12)، وتكلَّم فيه غيره.
فصل (519): ولا يجوز التفريق بعد البلوغ.
وقد زال ما يخشى من تدليس بقيَّة بتصريحه بالتحديث. وخالد بن حميد هو: الإسكندرانيُّ، لا بأس به، وثَّقه ابن حِبَّان (1). والعلاء هو: الإسكندرانيُّ، وهو صدوقٌ، لكنَّه لم يسمع من أبي أيُّوب، فيكون الحديث منقطعًا، والله أعلم O. فصلٌ (519): ولا يجوز التفريق بعد البلوغ. وعنه: يجوز، كقول أبي حنيفة. لنا: مطلق الأخبار المتقدِّمة. وقد احتجُّوا بما: 2431 - رواه الدَّارَقُطْنِيُّ، قال: حدَّثنا أحمد بن عيسى بن عليٍّ الخوَّاص ثنا أحمد بن الهيثم بن خالد (2) ثنا عبد الله بن عمرو بن حسَّان ثنا سعيد ابن عبد العزيز قال: سمعت مكحولاً يقول: ثنا نافع بن محمود بن الربيع عن أبيه أنَّه سمع عبادة بن الصامت يقول: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يفرَّق بين الأمِّ وولدها، فقيل: يا رسول الله، إلى متى؟ قال: " حتَّى يبلغ الغلام، وتحيض
مسألة (520): لا يجوز المعاوضة عن عسب الفحل.
الجارية ". قال الدَّارَقُطْنِيُّ: عبد الله بن عمرو هو: الواقعيُّ، وهو ضعيف الحديث، رماه عليُّ بن المدينيِّ بالكذب، ولم يروه عن سعيد غيره (1). ز: روى هذا الحديث الحاكم وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه (2). وهذا الذي قاله خطأٌ، والأشبه أن يكون هذا الحديث موضوعًا، ولم يخرِّجه أحمد ولا أحدٌ من أصحاب الكتب السِّتَّة O. ***** مسألة (520): لا يجوز المعاوضة عن عَسْب الفحل. وقال مالك: يجوز. 2432 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا إسماعيل ثنا عليُّ بن الحكم عن نافع عن ابن عمر: أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن ثمن عَسْب الفحل (3). انفرد بإخراجه البخاري (4). احتجُّوا بما: 2433 - رواه الترمذيُّ، قال: حدثنا عَبْدة بن عبد الله البصريُّ ثنا
يحيى بن آدم عن إبراهيم بن حميد الرُّؤاسيُّ عن هشام بن عروة عن محمَّد بن إبراهيم التيميُّ عن أنس بن مالكٍ: أنَّ رجلاً من كلاب سأل النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن عَسْب الفحل، فنهاه، فقال: يا رسول الله، إنا نطرق الفحل فنُكْرَم. فرخص له في الكرامة. قال الترمذيُّ: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ، لا نعرفه إلا من حديث إبراهيم بن حميد (1). ز: رواه النسائيُّ عن عِصْمة بن الفضل عن يحيى بن آدم (2). وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: غريبٌ من حديث هشام عن محمَّد، تفرَّد به إبراهيم عنه (3). وإبراهيم: وثَّقه ابن معين (4) وأبو حاتم (5) والنسائيُّ (6)، وروى له البخاريُّ (7) ومسلمٌ (8) في " صحيحيهما "، والله أعلم O. *****
مسائل القرض
مسائل القرض مسألة (521): يجوز قرض الحيوان والثياب، وبه قال مالك والشافعيُّ، وزادا فقالا: ويجوز قرض الإماء والعبيد. وقال أبو حنيفة: لا يجوز شيءٌ من ذلك. 24340 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا يحيى بن سعيد عن سفيان قال: حدَّثني سلمة بن كُهيل عن أبي سلمة عن أبي هريرة: أنَّ رجلاً تقاضى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعيرًا، فقالوا: لا نجد إلا أفضل من سِنِّه. فقال: " أعطوه ". فقال: أوفيتني أوفى الله لك. فقال: " خيار الناس أحسنها قضاءً " (1). أخرجاه في "الصحيحين" (2). 2435 - وقال الترمذيُّ: حدَّثنا أبو كريب عن عليِّ بن صالح عن سلمة بن كُهيل عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: استقرض رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِنًّا، فأعطاه خيرًا من سِنِّه، وقال: " خياركم أحسنكم قضاءً " (3). ز: كذا وجدته في نسختين، وقد سقط بين أبي كريب وعليِّ بن صالحٍ: (وكيع) (4).
مسألة (522): يجوز قرض الخبز، وهل يجوز بالعدد، أو يكون
وقد روى هذا الحديث: مسلمٌ عن أبي كريب (1)، والله أعلم O. 2436 - قال الترمذيُّ: وحدَّثنا عَبْدُ بن حُميد ثنا رَوْح بن عبادة ثنا مالك بن أنس عن زيد بن أَسْلم عن عطاء بن يسار عن أبي رافع قال: استسلف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَكْرًا، فجاءته إبل الصدقة، فأمرني أن أقضي الرجل بَكْرةً، فقلت: لا أجد في الإبل إلا جملاً خيارًا رباعيا. فقال رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أعطه إيَّاه، فإنَّ خيار الناس أحسنهم قضاءً " (2). انفرد بإخراجه مسلمٌ (3). ***** مسألة (522): يجوز قرض الخبز، وهل يجوز بالعدد، أو يكون بالوزن؟ فيه روايتان. وقال أبو حنيفة: لا يجوز قرضه. لنا: 2437 - ما أخبرنا به محمَّد بن عبد الباقي أنبأنا الجوهريُّ أنا أبو حفص عمر بن محمَّد بن عليِّ الصيرفيُّ ثنا أبو محمَّد عبد الله بن محمَّد بن ناجية ثنا الزبير ابن بكَّار قال: حدَّثتني أمُّ كلثوم بنت عثمان بن مصعب بن عروة بن الزبير قالت: حدَّثتني صفيَّة بنت الزبير بن هشام بن عروة عن جدِّها هشام بن عروة
عن أبيه عن عائشة أنَّها قالت: سألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الخميرة أو الخبز نقرضه الجيران، فيردُّون أكثر أو أقل؟ فقال: " ليس بذاك بأسٌ، إنَّما هو أمر يترافق بين الجيران، وليس-يراد به الفضل ". ز: هذا الحديث غير مخرَّجٍ في شيءٍ من "الكتب السِّتَّة"، وفي إسناده من تجهل حاله، والله أعلم O. 2438 - وقال ابن عَدِيٍّ: حدَّثنا عبد الله بن محمَّد بن مسلم (1) ثنا ابن مصفَّى ثنا بقيَّة عن ثور بن يزيد عن خالد بن مَعْدان عن معاذ بن جبل أنَّه سُئل عن استقراض الخمير والخبز، فقال: سبحان الله، هذا مكارم الأخلاق! فخذ الصغير وأعط الكبير، وخذ الكبير وأعط الصغير، خيركم أحسنكم قضاء، سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول ذلك. ز: هذا الحديث لم يخرَّج في شيءٍ من "السنن"، وإسناده صالحٌ، لكنَّه منقطعٌ، فإنَّ خالدًا لم يدرك معاذًا. وابن عَدِيٍّ ذكره في ترجمة ثور، وروى له غيره، ثم قال: ولم أر في أحاديثه أنكر من هذا الذي ذكرته، وهو مستقيم الحديث، صالحٌ في الشاميين (2) O. *****
مسألة (523): لا يحل، للمقرض أن ينتفع من المقترض منفعة لم تجر
مسألة (523): لا يحلُّ، للمقرض أن ينتفع من المقترض منفعة لم تجر عادته بها قبل ذلك. وقال الشافعيُّ: يجوز ما لم يشترط ذلك، وعن أحمد مثله. 2439 - قال سعيد بن منصور: حدَّثنا إسماعيل بن عيَّاش عن عُتبة بن حُميد الضَّبِّيِّ عن يزيد بن أبي يحيى قال: سألت أنس بن مالك، فقلت: يا أبا حمزة، الرجل منَّا يقرض أخاه المال، فيهدي إليه؟ فقال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا أقرض (1) أحدكم قرضًا، فأهدى إليه طبقا فلا يقبله، أو حمله على دابة فلا يركبها، إلا أن تكون بينه وبينه قبل ذلك " (2). ز: كذا فيه: (عن يزيد بن أبي يحيى) (3) وهو غلطٌ، ولا يعرف في الرواة: يزيد بن أبي يحيى. وقد روى هذا الحديث: ابن ماجة عن هشام بن عمَّار عن إسماعيل بن عيَّاش عن عُتبة بن حُميد الضَّبِّيَّ عن يحيى بن أبي إسحاق الهُنائيِّ قال: سألت أنس بن مالك ... فذكره (4). كذا قال، وهو خطأٌ أيضًا، فإنَّ يحيى الهُنائيَّ غير ابن أبي إسحاق، وابن أبي إسحاق هو: الحضرميُّ البصريُّ (5).
وإسناد هذا الحديث غير قويٍّ على كلِّ حالٍ، فإنَّ ابن عيَّاش متكلَّمٌ فيه. وعُتبة: سئل أحمد عن حديثه، فقال: ضعيفٌ، وليس بالقويِّ (1). ووثَّقه ابن حِبَّان (2) O. 2440 - قال سعيد: وحدَّثنا سفيان ثنا عمَّار الدُّهنيُّ عن سالم بن أبي الجَعْد قال: جاء رجلٌ إلى ابن عبَّاس، فقال له: إنِّي أقرضت رجلاً يبيع السمك عشرين درهمًا، فأهدى إليَّ سمكةً قوَّمتها ثلاثة عشر درهمًا. فقال: خذ منه سبعة دراهم. ز: 2441 - قال أبو الجهم العلاء بن موسى في "جزءه": حدَّثنا سوار عن عمارة عن عليٍّ قال: البيع يهدم الشرط. وقال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كلُّ قرضٍ جرَّ منفعةً فهو ربًا ". هذا إسنادٌ ساقطٌ، وسوار هو: ابن مصعب، وهو متروك الحديث، والله أعلم (3) O. *****
مسائل السلم
مسائل السَّلَم مسألة (524): يصحُّ السَّلَم في المعدوم إذا كان موجودًا في محلِّه. وقال أبو حنيفة: لا يجوز. 2442 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا سفيان عن ابن أبي نَجيح عن عبد الله ابن كثير عن أبي المنهال عن ابن عبَّاس قال: قدم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة وهم يسلفون في التمر، العام والعام- وربما قال: عامين أو ثلاثة- فقال: " من أسلف في تمرٍ، فليسلف في كيلٍ معلومٍ، ووزنٍ معلومٍ، إلى أجلٍ معلومٍ " (1). أخرجاه في "الصحيحين" (2). 2443 - قال أحمد: وحدَّثنا هُشيم أنا أبو إسحاق الشيبانيُّ عن محمَّد بن أبي المجالد- مولى بني هاشم- قال: أرسلني ابن شدَّاد وأبو بُرْدَة، فقالا: انطلق إلى ابن أبي أوفى، فقل له: إنَّ عبدَ الله بن شدَّاد وأبا بُرْدَة يقرئانك السلام، ويقولان: هل كنتم تُسْلفُون في عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في البرِّ والشعير والزيت؟ قال: نعم، كنَّا نصيب غنائم في عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنسلفها في البرِّ والشعير والتمر والزيت. فقلت: عند من كان له زرعٌ، أو عند من لم يكن له زرعٌ؟ فقال: ما كنَّا نسألهم عن ذلك. فقالا: انطلق إلى عبد الرحمن بن أَبْزى
مسألة (525): يصح السلم في الحيوان.
فاسأله. فانطلق فسأله، فقال مثل ما قال ابن أبي أوفى (1). ز: هذا الحديث رواه البخاري من رواية أربعة عن أبي إسحاق (2) O. ***** مسألة (525): يصحُّ السَّلَم في الحيوان. وقال أبو حنيفة: لا يصحُّ. لنا: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: أمرني رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أبتاع البعير بالبعيرين وبالأبعرة إلى خروج المُصدِّق. وقد سبق هذا بإسناده (3). 2444 - وقال الإمام أحمد: حدَّثنا حسين بن محمَّد ثنا جرير بن حازم عن ابن (4) إسحاق عن أبي سفيان عن مسلم بن جبير عن عمرو بن الحَرِيش قال: سألت عبد الله بن عمرو بن العاص، فقلت: إنَّا بأرضٍ ليس بها دينار ولا درهم، إنَّما نبايع بالإبل والغنم إلى أجلٍ، فما ترى في ذلك؟ فقال: على الخبير سقطت! جهَّز رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جيشًا على إبلٍ من إبل الصدقة، حتَّى
نفدت، وبقي ناسٌ، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اشتر لنا إبلاً بقلائص من إبل الصدقة إذا جاءت، حتَّى نؤدِّيها إليهم ". فاشتريت البعير بالاثنين، والثلاث قلائص، حتَّى فرغت، فأدَّى ذلك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من إبل الصدقة (1). ز: قد تقدَّم ذكر هذا الحديث، وذكر الاختلاف في إسناده (2)، والله أعلم O. احتجُّوا: 2445 - بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ، قال: حدَّثنا محمَّد بن عليِّ بن إسماعيل الأُبليُّ ثنا عبد الله بن إسماعيل بن أحمد ثنا إسحاق بن إبراهيم ثنا عبد الملك الذَّمَارَيُّ عن سفيان الثوريُّ قال: حدَّثني مَعْمَر عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عبَّاس: أنَّ رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن السَّلَفِ في الحيوان (3). قال أبو زرعة: عبد الملك الذَّمَارَيُّ منكر الحديث (4). وقال الرازيُّ: ليس بقويٍّ (5). ووثَّقه الفلاس (6). وأمَّا إسحاق بن إبراهيم: فمجهولٌ. ز: هذا الحديث غير مخرَّجٍ في شيءٍ من "السنن"، وقد روي بغير هذا اللفظ، وقد صحَّح غير واحدٍ من الحفَّاظ إرساله. وإسحاق بن إبراهيم: ليس بمجهولٍ، بل هو مشهورٌ بالضعف، وهو: ابن جوني الطبريُّ الصنعانيُّ، قال ابن عَدِيٍّ: كان بصنعاء، وهو منكر
الحديث (1). وقال ابن حِبَّان: يروي عن ابن عيينة والفضل بن عياض، منكر الحديث جدًّا، يأتي عن الثقات بالموضوعات، لا يحلُّ كتب حديثه إلا على جهة التعجُّب (2). وقال الحاكم: سكن اليمن، وروى أحاديث موضوعةً (3). وقد ذكره المؤلِّف في "الضعفاء" وحكى كلام ابن حِبَّان والدَّارَقُطْنِيِّ فيه، ثُمَّ ذكره مرَّة أخرى وحكى كلام ابنَ عَدِيٍّ فيه (4)، وقد وهم في ذلك أيضًا، فإنَّه ظنَّ أنَّهما اثنان، وإنَّما هما واحد. 2446 - وقال سعيد بن منصور: ثنا هُشيم أنا عَبيْدة- يعني: ابن حُميد- عن عبد الملك بن سعيد بن جبير عن أبيه عن ابن عبَّاس: أنَّه كان لا يرى بأسًا بالسلف في الحيوان (5). كذا فيه: (يعني: ابن حميد) (6) وهو وهمٌ، والصواب: عُبيدة بن مُعَتِّب الضَّبِّيُّ، وهو ضعيفٌ، وابن حميد يروي عن ابن مُعَتِّب، والله أعلم. 2447 - وروى سعيد بإسنادٍ منقطعٍ عن ابن مسعودٍ أنَّه كره السلف في الحيوان (7). والله أعلم O. *****
مسألة (526): يجوز السلم في الخبز، خلافا لأكثرهم.
مسألة (526): يجوز السَّلَم في الخبز، خلافًا لأكثرهم. لنا: قوله عليه السلام: " ووزن معلوم ". والخبز موزونٌ، وقد سبق الحديث بإسناده (1). ***** مسألة (527): إذا أسلم إليه في سلعة، ثم تقايلا بعد قبض الثمن، لم يجز أن يصرف ذلك الثمن في شيءٍ آخر حتَّى يقبضه. وقال الشافعيُّ: يجوز. 2448 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا ابن صاعد ثنا الحسن بن عرفة وإبراهيم بن سعيد الجوهريُّ وعليُّ بن الحسين الدِّرْهَميُّ وأبو سعيد الأشج- واللفظ لعليٍّ- قالوا: ثنا أبو بدر شجاع بن الوليد ثنا زياد بن خيثمة عن سعد الطائيِّ عن عطيَّة بن سعدٍ عن أبي سعيد الخدريِّ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أسلم في شيءٍ، فلا يصرفه في غيره ". وقال إبراهيم بن سعيدٍ: " فلا يأخذ إلا ما أسلم فيه، أو رأس ماله " (2). ز: رواه أبو داود عن محمَّد بن عيسى (3)، ورواه ابن ماجة عن محمَّد
مسألة (528): لا يجوز التسعير.
ابن عبد الله بن نُمير (1)، كلاهما عن أبي بدر به. ورواه ابن ماجة أيضًا عن أبي سعيد الأشج ولم يذكر سعدًا (2). وعطيَّة هو: العَوْفيُّ، وقد ضعَّفه أحمد (3) وغيرُه، والترمذيُّ يحسِّن حديثَه، وقال ابن عَدِيٍّ: هو مع ضعفه يكتب حديثه، وكان يعدُّ من شيعة أهل الكوفة (4) O. ***** مسألة (528): لا يجوز التسعير. وقال مالكٌ: يحوز أن يقول لمن حطَّ سعرًا: إما أن يلحق بالناس، أو ينصرف عنهم. 2449 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا سريج (5) ثنا حمَّاد بن سلمة عن قتادة وثابت عن أنس بن مالك قال: غلا السعر على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالوا: يا رسول الله، لو سعَّرت؟ فقال: " إن الله عزَّ وجلَّ هو الخالق، القابض، الباسط، الرازق، المسعّر، وإنِّي لأرجو أن ألقى الله عزَّ وجلَّ ولا يطلبني أحدٌ بمظلمة ظلمتها إياه، في دمٍ، ولا مالٍ " (6).
قال الترمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (1). ز: رواه أبو داود عن عثمان بن أبي شيبة عن بُنْدَار عن حجَّاج بن المنهال عن حمَّاد به (2)، ورواه ابن ماجة عن محمَّد بن المثنَّى عن حجَّاج بإسناده (3) O. *****
مسائل الرهن
مسائل الرهن مسألة (529): يجوز الرهن في السفر والحضر. وقال داود: لا يجوز إلا في السفر. 2450 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: اشترى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من يهوديٍّ طعامًا نسيئةً، فأعطاه درعًا له رهنا (1). أخرجاه (3). 2451 - قال أحمد: وحدَّثنا يزيد ثنا هشام عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال: قُبض النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإنَّ درعَه مرهونةٌ عند رجل من يهود، على ثلاثين صاعًا من شعير، أخذها رزقًا لعياله (3). قال الترمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (4).
مسألة (530): إذا قال الراهن: إن جئتك بالحق في وقت كذا، وإلا
ز: رواه الترمذيُّ عن ابن بشَّار عن ابن عَدِيٍّ وعثمان بن عمر، كلاهما عن هشام بن حسَّان، وعنده: (بعشرين صاعًا من الطعام). ورواه النسائيُّ عن يوسف بن حمَّاد عن سفيان بن حبيب عن هشام نحوه (1). ورواه ابن ماجة من رواية هلال بن خبَّاب عن عكرمة (2)، والله أعلم O. ***** مسألة (530): إذا قال الراهن: إن جئتك بالحقِّ في وقت كذا، وإلا فالرهن لك، بطل الشرط، وصحَّ الرهن، وكذلك إذا شرط سائر الشروط الفاسدة. وقال الشافعيُّ: إن كانت الشروط مما تنقص من حقِّ المرتهن- مثل: أن يشرط أن لا يسلم الرهن إليه، أو لا يبيعه في محلِّه-، فالرهن باطلٌ؛ وإن كان مما يزيد حقه- مثل: أن يشرط دخول النماء المنفصل منه في الرهن-، ففيه قولان: أحدهما: لا يصحُّ أيضًا؛ والثاني: يصحُّ الرهن، ويبطل الشرط. لنا: 2452 - ما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ، قال: حدَّثنا ابن صاعد ثنا عبد الله بن عمران العابديُّ ثنا سفيان بن عيينة عن زياد بن سعد عن الزهريِّ عن سعيد بن المسيَّب عن أبي هريرة أنَّ رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يغلق الرهن، له غنمه، وعليه
غرمه ". قال الدَّارَقُطْنِيُّ: زياد بن سعد أحد الحفَّاظ الثقات، وهذا إسنادٌ حسنٌ متَّصلٌ (1). 2453 - قال ابن صاعد: وحدَّثنا محمَّد بن عوف ثنا عثمان بن سعيد بن كثير قال: ثنا إسماعيل بن عيَّاش عن ابن أبي ذئبٍ عن الزهريِّ عن سعيد بن المسيَّب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يغلق الرهن، لصاحبه غنمه، وعليه غرمه " (2). 2454 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا إبراهيم بن أحمد القِرْمِيْسِينيُّ ثنا يحيى ابن أبي طالب ثنا عبد الله بن نصر الأصم ثنا شَبَابة ثنا ابن أبي ذئب عن الزهريِّ عن سعيد بن المسيَّب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يغلق الرهن، والرهن لمن رهنه، له غنمه، وعليه غرمه " (3). قال إبراهيم النخعيُّ: كانوا يرهنون، ويقولون: إن جئتك بالمال إلى وقت كذا، وإلا فهو لك، فقال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا. ز: الإسناد الأوَّل: غير مخرَّجٍ في شيءٍ من "السنن". وعبد الله بن عمران العابديُّ: صدَّقه أبو حاتم (4)، ووثَّقه ابن حِبَّان (5). وقال البيهقيُّ: قد رواه غيره عن سفيان عن زياد مرسلاً، وهو
المحفوظ (1). وقد روى هذا الحديث أبو داود في "المراسيل " من رواية مالك وابن أبي ذئب والأوزاعيِّ وغيرهم عن الزهريِّ عن سعيد مرسلاً، وقال: وكذلك رواه ابن عيينة عن زياد بن سعد ويونس بن يزيد كما قال [مالك] (2). والإسناد الثاني والثالث: غير مخرَّجين في "السنن" أيضًا، وقد روى الحديث الثوريُّ وغيره عن ابن أبي ذئب مرسلاً، وهو المحفوظ. وإسماعيل بن عيَّاش: ضعيفٌ في روايته عن الحجازيين. وعبد الله بن نصر الأصم البزَّاز الأنطاكيُّ: ليس بذاك المعتمد، وقد روى عن أبي بكر بن عيَّاش وابن عليَّة ومعن بن عيسى وابن فضيل، وروى عنه أبو حاتم الرازيُّ (3). وقد ذكرنا هذا الحديث والاختلاف فيه، وكلام الأئمة عليه، في غير هذا الموضع، وقد صحَّح اتصاله: ابن عبد البر (4) وعبد الحقِّ (5)، والله أعلم O. احتجُّوا:
2455 - بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ، قال: حدَّثنا عبد الباقي بن قانع ثنا عبد الوارث (1) بن إبراهيم ثنا إسماعيل بن أبي أميَّة ثنا سعيد بن راشد ثنا حُميد الطويل عن أنس قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " الرهن بما فيه ". قال إسماعيل بن أبي أميَّة: وحدَّثنا حمَّاد بن سلمة عن قتادة عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الرهن بما فيه " (2). 2456 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا محمَّد بن مَخْلَد ثنا أحمد بن محمَّد بن غالب قال: حدَّثني عبد الكريم بن رَوْح عن هشام بن زياد عن حُميد عن أنس عن النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الرهن بما فيه " (3). والجواب: أمَّا الحديث الأوَّل: ففيه إسماعيل بن أبي أميَّة، قال الدَّارَقُطْنِيُّ: هو يضع الحديث. قال: وهذا الحديث باطلٌ عن قتادة وعن حمَّاد بن سلمة (4). وفي الإسناد: سعيد بن راشد، قال يحيى بن معين: ليس بشيءٍ (5). وقال النسائيُّ: متروك الحديث (6). وقال ابن حِبَّان: ينفرد عن الثقات بالمعضلات (7). وفي الحديث الثاني: هشام بن زياد، قال يحيى: ليس بشيءٍ (8). وقال
مسألة (531): ما ينفقه المرتهن في غيبة الراهن يكون دينا على الراهن،
النسائيُّ: متروك الحديث (1). وقال ابن حِبَّان: لا يجوز الاحتجاج به (2). وفيه: عبد الكريم، ضعَّفه الدَّارَقُطْنِيُّ (3)، وقال أبو حاتم الرازيُّ: هو مجهولٌ (4). وفيه: أحمد بن محمَّد بن غالب، وهو غلام الخليل، كان كذَّابًا يضع الحديث. وقال ابن عَدِيٍّ الحافظ: كان غلام خليل يقول: وضعنا أحاديث نرقق بها قلوب العامَّة (5)! وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: هو متروكٌ (6). ز: هذا الحديث لم يخرِّجه أحد من أصحاب "السنن"، وليس فيه حجَّة لمن نصب المؤلِّف الخلاف معه، بل ليس له تعلُّقٌ بهذه المسألة أصلاً، والله أعلم O. ***** مسألة (531): ما ينفقه المرتهن في غيبة الراهن يكون دَينًا على الراهن، وللمرتهن استيفاؤه من ظهر الرهن ودَرِّه. وقال أبو حنيفة والشافعيُّ: متى أنفق من غير أمر الحاكم كان مُتَطَوِّعًا.
احتجُّوا: 2457 - بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ، قال: حدَّثنا أبو بكر النيسابوريُّ ثنا أحمد ابن منصور ثنا يحيى بن حمَّاد ثنا أبو عوانة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الرهن مركوبٌ ومحلوبٌ " (1). ز: هذا الإسناد صحيحٌ وإن كان غير مخرَّجٍ في شيءٍ من " الكتب السِّتَّة "، والأشبه أن يكون موقوفًا. وقد رواه ابن عَدِيٍّ عن جماعة عن إبراهيم بن مجشِّر (2) عن أبي معاوية عن الأعمش، ثُمَّ قال: وهذا الحديث لا أعلمه يرفعه عن أبي معاوية غير إبراهيم بن مجشِّر (3). ورواه شعبة عن الأعمش موقوفًا، وكذا رواه الشافعيُّ عن ابن عيينة عن الأعمش (4) O. والجواب: أنَّه حجَّةٌ لنا، لأنَّ المراد: أنَّ المرتهن إذا أنفق عليه ركب وشرب، يدلُّ عليه: 2458 - ما رواه البخاريُّ، قال: حدَّثنا محمَّد بن مقاتل أنا عبد الله أنا زكريا عن الشعبيِّ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الرهن يركب بنفقته إذا كان مرهونًا، ولبن الدَّرِّ يشرب بنفقته إذا كان مرهونًا، وعلى الذي يركب
ويشرب النفقة " (1). وهذا يدلُّ على ما قلنا، لأنَّ الراهن إنما ينفق بحكم الملك، سواء انتفع به أو لم ينتفع. ز: قال البيهقيُّ: ورواه هُشيم وسفيان بن حبيب عن زكريا، وزاد (2) في متنه: " المرتهن "، ولبس بمحفوظٍ (3). وفي قوله: (ليس بمحفوظٍ) نظرٌ. وقد رواه الترمذيُّ من رواية وكيع عن زكريا، وقال: حسنٌ صحيحٌ (4)، لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث عامر الشعبيِّ، وقد روى غير واحدٍ هذا الحديث عن الأعمش عن أبي صالحٍ عن أبي هريرة موقوفٌ (5). 2459 - وقال الطحاويُّ: حدَّثنا فهد ثنا أبو نعيم قال: حدَّثني الحسن ابن صالح عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبيِّ قال: لا ينتفع من الرهن بشيءٍ. قال: فهذا الشعبيُّ يقول هذا وقد روى عن أبي هريرة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما ذكرنا. ثم ادَّعى نسخ الحديث المذكور بلا حجَّة (6)، والله أعلم O. *****
مسألة (532): ليس للراهن أن ينتفع بالرهن.
مسألة (532): ليس للراهن أن ينتفع بالرهن. وقال الشافعيُّ: له ذلك. واحتجَّ بما سبق، وقد بيَّنَّا أنَّ ذلك للمرتهن. *****
مسائل الإفلاس
مسائل الإفلاس مسألة (533): إذا أفلس المشتري بالثمن، فوجد البائع [عين] (1) ماله - والمفلس حيٌّ- ولم يقبض من ثمنه شيئًا، فهو أحقُّ به من سائر الغرماء. وقال أبو حنيفة: هو أسوة الغرماء، في الموت والحياة. وقال الشافعيُّ: هو أحقُّ به، في الموت والحياة. لنا حديثان: 2460 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا هُشيم ثنا يحيى بن سعيد عن أبي بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم عن عمر بن عبد العزيز عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من وجد عين ماله عند رجل قد أفلس، فهو أحقُّ به ممن سواه " (2). أخرجه البخاريُّ ومسلم في "الصحيحين" (3). 2461 - الحديث الثاني: قال أحمد: وحدَّثنا عبد الصمد ثنا عمر بن إبراهيم ثنا قتادة عن الحسن عن سَمُرة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من وجد متاعه عند مفلس بعينه، فهو أحقُّ به " (4).
فإن قالوا: قد قال أبو حاتم الرازيُّ: عمر بن إبراهيم لا يحتجُّ به (1). قلنا: لعله ظنَّه الكرديَّ، وذاك كذَّابٌ، إنَّما هو عمر بن إبراهيم العبديُّ، قال يحيى بن معين: هو ثقةٌ (2). ز: هذا الحديث لم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب "السنن" من حديث عمر ابن إبراهيم عن قتادة. وعمر بن إبراهيم هو: أبو حفص العبديُّ، وهو الذي قال فيه أبو حاتم: يكتب حديثه، ولا يحتجُّ به (3). وأبو حاتم أجلُّ من أن يشتبه عليه العبديُّ بالكرديِّ! فإنَ العبديَّ معروفٌ بالرواية عن قتادة، [والكرديُّ لا يروي عن قتادة، وقد وثَّق العبديَّ أيضًا أحمد (4) وغيره، وقال ابن عَدِيٍّ: يروي عن قتادة] (5) أشياء لا يوافق
عليها، وحديثه خاصةً عن قتادة مضطربٌ (1). وقال أحمد أيضًا: يروي عن قتادة أحاديث مناكير، يخالف (2). وقد روى غير عمر عن قتادة هذا الحديث فخالفه في لفظه: 2462 - قال الطبرانيُّ: حدَّثنا عليُّ بن عبد العزيز ثنا عمرو بن عون ثنا هُشيم عن موسى بن السائب عن قتادة عن الحسن عن سَمُرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من وجد عين ماله فهو أحقُّ (3)، ويتبع البيع من باعه " (4). رواه أبو داود عن عمرو بن عون (5)، ورواه النسائيُّ عن محمَّد بن داود عن عمرو بن (6) عون. ورواه الإمام أحمد عن يزيد بن هارون عن الحجَّاج بن أرطأة عن سعيد بن زيد بن عقبة عن أبيه عن سَمُرة (7)، وعن زكريا بن أبي زكريا عن هُشيم (8). 2463 - وقد روى محمَّد بن يحيى الذُّهْليُّ عن الخليل بن عمر بن إبراهيم عن أبيه عن قتادة عن الحسن عن سَمُرة: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من وجد متاعه بعينه عند مفلس، فهو أحقُّ به ". قال محمَّد بن يحيى: هما حديثان عندي من حديث قتادة، فلعلَّ- عمر
سمع من قتادة فاختلط عليه، فأمَّا هذا الحديث- يعني حديث المفلس- فإنما رواه قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نَهيك عن أبي هريرة، حدَّثنا به وهب ابن جرير عن شعبة عن قتادة، وحدَّثنا به أبو النعمان عن جرير بن حازم عن قتادة؛ والحديث الآخر فهو ما روى موسى بن السائب عن قتادة عن الحسن عن سَمُرة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هذا في السرقة، وذاك في التفليس (1) O. احتجُّوا: 2464 - بما روى الدَّارَقُطْنِيُّ، قال: حدَّثنا دَعْلَج ثنا جعفر بن محمَّد الفريابيُّ ثنا عبد الله بن عبد الجبَّار ثنا إسماعيل بن عيَاش عن الزُّبيديِّ عن الزهريِّ عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أيُّما رجل باع سلعةً، فأدرك سلعته بعينها عند رجل قد أفلس، ولم يكن قبض من ثمنها شيئًا، فهي له، وإن كان قضاه من ثمنها شيئًا، فما بقي فهو أسوة الغرماء، وأيُّهما امرئ هلك وعنده مال امرئ بعينه- اقتضى منه شيئًا أو لم يقتض- فهو أسوة الغرماء (2) ". والجواب: أنَّ إسماعيل بن عيَّاش ضعيفٌ، قال الدَّارَقُطْنِيُّ: إسماعيل مضطرب الحديث، ولا يثبت هذا عن الزهريِّ مسندًا، وإنَّما هو مرسلٌ (3). ز: رواه أبو داود عن محمَّد بن عوف عن عبد الله بن عبد الجبَّار، ورواه من حديث مالك عن الزهريِّ عن أبي بكر مرسلاً، وقال: حديث مالك
مسألة (534): إذا أفلس وفرق ماله، وبقي عليه دين، وله حرفة
أصحُّ (1). يعني حديث مالك عن الزهريِّ أصحُّ من حديث الزُبيديُّ عن الزهريِّ. وهذا الحديث المذكور هو حجَّة للمؤلِّف لا عليه! فلا معنى لقول: (احتجُّوا بكذا) ثُمَّ جوابه عنه! والله أعلم O. ***** مسألة (534): إذا أفلس وفرَّق ماله، وبقي عليه دينٌ، وله حرفة تفضل أجرتها عن كفايته، جاز للحاكم إجارته في قضاء دينه. وعنه: لا يؤجره، كقول كثرهم. 2465 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدثنا عليُّ بن إبراهيم المستملي (2) ثنا محمَّد ابن إسحاق بن خزيمة ثنا بُنْدَار قال: حدَّثني عبد الصمد بن عبد الوارث ثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار ثنا زيد بن أَسْلَم قال: رأيت شيخًا بالإسكندرية يقال [له] (3): سُرَّق، فقلت: ما هذا الاسم؟! قال: اسمٌ سمَّانيه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولن أدعه. قلت: ولم سمَّاك؟! قال: قدمت المدينة وأخبرتهم أن مالي يقدم، فبايعوني، فاستهلكت أموالهم، فأتوا بي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " أنت سُرَّق ". وباعني بأربعة أبعرة، فقال الغرماء للذي اشتراني: ما تصنع به؟ قال: أعتقه. قالوا: فلسنا بأزهد في الأجر منك! فأعتقوني بينهم، وبقي اسمي (4)!
فوجه الحجَّة: أنَّه قد عُلم أنَّه لم يبع رقبته، لأنَّه حرٌّ، وإنَّما باع منافعه، والمعنى: أعتقوني من الاستخدام، ولهذا أشار إلى الجماعة، وإنَّما اشتراه منهم واحد (1). ز: كلام المؤلِّف على هذا الحديث فيه نظرٌ، وإسناد الحديث صحيحٌ، ورواته كلُّهم ثقات، ولم يخرِّجه أحد من أهل "السنن". وقال البيهقيُّ- بعد روايته-: وبمعناه رواه عبد الرحمن وعبد الله ابنا زيد بن أَسْلَم عن أبيهما أتمَّ من ذلك، في اشترائه من أعرابيٍّ، ناقةً واستهلاكه ثمنها، ورواه مسلم بن خالد الزِّنْجيِّ عن زيد بن أَسْلَم عن ابن البَيْلَمَانِي عن سُرَّق (2). قال: ومدار حديث سُرَّق على هؤلاء، وكلُّهم ليسوا بأقوياء - عبد الرحمن بن عبد الله، وابنا زيد-، وإن كان الحديث عن زيد عن ابن البَيْلَمَانِي، فابن البَيْلَمَانِي ضعيفٌ في الحديث، وفي إجماع العلماء على خلافه - وهم لا يجمعون على ترك رواية ثابتة- دليلٌ على ضعفه أو نسخه إن كان ثابتًا، وبالله التوفيق. 2466 - وفيما ذكر أبو داود في " المراسيل " (3) عن محمَّد بن عبيد عن محمَّد بن ثور عن مَعْمَر عن الزهريِّ قال: كان يكون على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ديون على رجال، ما علمنا حرٌّ (4) بيع في دَيْنٍ (5) O.
مسألة (535): إذا امتنع المدين من قضاء دينه= حجر الحاكم عليه،
مسألة (535): إذا امتنع المدين من قضاء دينه= حجر الحاكم عليه، وباع ماله في قضاء دينه. وقال أبو حنيفة: لا يباع ماله، ويحبس حتَّى يبيع. لنا: أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجر على معاذ وباع ماله في دَيْنٍ: 2467 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا عمر بن أحمد بن عليٍّ المروزيُّ ثنا عبد الله بن أبي جبير المروزيُّ ثنا أبو إسحاق إبراهيم بن معاوية بن الفرات الخزاعيُّ (1) قال: حدَّثني هشام بن يوسف القاضي عن مَعْمَر عن ابن شهابٍ عن ابن كعب بن مالكٍ عن أبيه: أنَّ رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجر على معاذ ماله، وباعه في دَيْنٍ كان عليه (2). ز: إبراهيم بن معاوية: ضعَّفه السَّاجيُّ والأزديُّ. قاله المؤلِّف في "الضعفاء" (3)، وقال العقيلي في كتابه: إبراهيم بن معاوية الزياديُّ، بصريٌّ، يخالف في حديثه (4): 2468 - حدَّثنا إبراهيم بن محمَّد ثنا إبراهيم بن معاوية- صاحب الزياديِّ- ثنا هشام بن يوسف عن معمر عن الزهريِّ عن ابن كعب بن مالكٍ عن أبيه أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجر على معاذ ماله، وباعه في دَيْنٍ عليه. ورواه عبد الرزَّاق عن مَعْمَر عن الزهريِّ عن ابن كعب بن مالكٍ.
وقال الليث: عن يونس عن ابن شهابٍ عن ابن كعب بن مالكٍ. وقال ابن وهبٍ: عن يونس عن ابن شهابٍ عن عبد الرحمن بن كعب ابن مالك أنَّ معاذًا كثر دَينه في عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقال ابن لَهيعةَ (1): عن يزيد بن أبي حبيبٍ وعُمَارة بن غَزِيَّة عن ابن شهابٍ عن ابن كعب بن مالكٍ عن كعب بن مالك (2) أنَّ معاذًا أدان وهو غلام شابٌّ ... فذكره، والقول ما قال يونس ومَعْمَر (3) O. 2469 - وقال سعيد بن منصور: حدَّثنا ابن المبارك أنا مَعْمَر عن الزهريِّ عن عبد الرحمن بن كعب بن مالكٍ قال: كان معاذ بن جبل شابًّا سخيًّا، وكان لا يمسك شيئًا، فلم يزل يداين حتَّى أغرق ماله كلَّه في الدَيْنِ، فأتى رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكلَّمه ليكلِّم غرماءه، فلو تركوا لأحد تركوا (4) لمعاذ، من أجل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فباع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهم ماله، حتَّى قام معاذ بغير شيءٍ. ز: هذا الحديث رواه أبو داود في "المراسيل " عن سليمان بن داود المَهْرَيِّ عن ابن وهبٍ عن يونس بن يزيد عن ابن شهابٍ بنحوه (5)، وروى الحاكم الحديث متصلاً كرواية الدَّارَقُطْنِيُّ، وقال: صحيحٌ على شرطهما (6). وفي قوله نظرٌ، والمشهور في الحديث الإرسال، والله أعلم O.
مسائل الحجر
مسائل الحجر مسألة (536): الإنبات عَلَم على البلوغ. وقال أبو حنيفة: لا اعتبار به. وقال الشافعيُّ: هو عَلَمٌ في المشركين، وفي المسلمين- على قولين-. 2470 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا هُشيم أنا عبد الملك بن عمير عن عطيَّة القُرَظيِّ قال: عُرضت على النبيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم قريظة، فشكُّوا فيَّ، فأمر بي النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن ينظروا: هل أنبتُّ بعد؟ فنظروا، فلم يجدوني أنبتُّ، فخلَّى عنِّي، وألحقني بالسبي (1). ز: رواه أصحاب " السنن الأربعة (2)، وصحَّحه الترمذيُّ، ورواه ابن حِبَّان (3) والحاكم، وقال: على شرطهما (4). والله أعلم O. *****
مسألة (537): حد البلوغ بالسن خمس عشرة سنة.
مسألة (537): حدُّ البلوغ بالسنِّ خمس عشرة سنة. وقال أبو حنيفة: في حقِّ الغلام: ثماني عشرة والدخول في التاسعة عشرة، وفي الجارية: سبع عشرة. 2471 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا يحيى [عن] (1) عبيد الله قال: أخبرني نافع عن ابن عمر أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عرضه يوم أحد- وهو ابن أربع عشرة-، فلم يجزه، ثم عرضه يوم الخندق- وهو ابن خمس عشرة-، فأجازه (2). أخرجاه (3). ز: روى هذا الحديث البيهقيُّ (4) والخطيب من رواية محمَّد بن بكر عن ابن جريج عن عبيد الله، وفيه: وأنا ابن أربع عشرة، فلم يجزني، ولم يرني بلغت. وقد وَهِمَ من عزاه إلى الشافعيِّ والترمذي (5)، والله الموفِّق O. *****
مسألة (538): يحجر على المبذر.
مسألة (538): يحجر على المبذِّر. وقال أبو حنيفة: لا يحجر عليه. لنا: حديث معاذ، وقد سبق (1). احتجُّوا: 2472 - بما رواه الإمام أحمد، قال: حدَّثنا عبد الوهاب عن سعيد عن قتادة عن أنس: أنَّ رجلاً كان في عقدته ضعفٌ، وكان يبايع، وأنَّ أهله أتوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالوا: يا رسول الله، احجر عليه. فدعاه نبيُّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنهاه عن البيع، فقال: يا رسول الله، لا أصبر عن البيع! فقال: " إذا بايعت فقل: ولا خلابة " (2). قال الترمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (3). قال الخطيب: هذا الرجل هو: حبَّان بن منقذ بن عمرو، [أو] (4) والده: منقذ (5). وجواب هذا الحديث: أنَّه يقال (6): إنَّهم لما سألوا الحجر عليه لم ينكر عليهم، وإنَّما علَّمه ما
يدفع به الغبن، ولم يكن مبذِّرًا للمال في المعاصي باختياره، كالسفيه المبذِّر. ز: روى هذا الحديث أصحاب " السنن الأربعة " من حديث سعيد (1)، ورواه ابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عبد الأعلى عن محمَّد بن إسحاق عن محمَّد بن يحيى بن حَبَّان، وقال: هو جدِّي منقذ بن عمرو (2) O. *****
مسائل الحوالة
مسائل الحوالة مسألة (539): لا يعتبر رضى المحتال. وقال أكثرهم: يعتبر. 2473 - قال البخاريُّ: حدَّثنا محمَّد بن يوسف ثنا سفيان عن ابن ذكوان عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " مَطْلُ الغنيِّ ظلمٌ، ومن أُتْبع على مَليٍّ فليتبع " (1). أخرجاه في "الصحيحين" (2). ***** مسألة (540): إذا نوى المال على المحال عليه، لم يرجع المحال على المحيل. وقال أبو حنيفة: يرجع في موضعين: أحدهما: أن يجحد المحال عليه الدَّيْنَ؛ ويحلف عليه؛ أو يموت مفلسا؛ فأمَّا إن أفلس وهو حيٌّ لم يرجع عليه. وقال مالكٌ: إن أحاله على مفلس- والمحتال لا يعلم- فله الرجوع.
لنا: 2473/أ- حديث حَزَن- جدِّ سعيد بن المسيَّب- أنَّه كان له دَيْنٌ على عليِّ بن أبي طالبٍ، فسأله أن يحيله به على رجلٍ، فأحاله به عليه، ثُمَّ أتاه فقال له: قد مات. فقال عليٌّ: اخترت علينا أبعدك الله. ولم يقل له: لك الرجوع عليَّ. ز: هذه القصة ذكرها غير واحد من أصحابنا بغير إسناد، ولم أجد لها - إلى الآن- سندًا، والله أعلم O. *****
مسائل الضمان
مسائل الضمان مسألة (541): يصحُّ ضمان دَيْنِ الميِّت. وقال أبو حنيفة: لا يصحُّ، إلا أن يخلف وفاء. 2474 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا حمَّاد بن مسعدة عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع قال: كنت جالسًا مع النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأُتي بجنازة، فقال: " هل ترك من دَيْنٍ؟ ". قالوا: لا. قال: " هل ترك من شيءٍ؟ ". قالوا: لا. قال: فصلَّى عليه. قال: ثُمَّ أُتي بأُخرى، فقال: " هل ترك من دَيْنٍ؟ ". قالوا: لا. قال: "هل ترك من شيءٍ؟ ". قالوا: نعم، ثلاثة دنانير. فقال بأصابعه: " ثلاث كيَّاتٍ ". ثُمَّ أُتي بالثالثة، فقال: " هل ترك من دَيْنٍ؟ ". قالوا: نعم. قال: " هل ترك من شيءٍ؟ ". قالوا: لا. قال: " صلُّوا على صاحبكم ". فقال رجلٌ من الأنصار: عليَّ دَيْنُه يا رسول الله. قال: فصلَّى عليه (1). انفرد بإخراجه البخاريُّ (2). 2475 - قال أحمد: وحدَّثنا يزيد بن هارون أنا محمَّد بن عمرو عن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُرِيِّ عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال: أُتي النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بجنازة ليصلِّي عليها، فقال: " أعليه دَيْنٌ؟ ". قالوا: نعم، ديناران. قال:
" أترك لهما وفاء؟ ". قالوا: لا. قال: " صلُّوا على صاحبكم ". قال أبو قتادة: هما عليَّ يا رسول الله. فصلَّى عليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1). ز: هذا الحديث لم يخرجوه من حديث محمَّد بن عمرو عن سعيد عن ابن أبي قتادة. وقد رواه الإمام أحمد (2) والترمذيُّ (3) والنسائيُّ (4) وابن ماجة (5) وابن حِبَّان (6) من حديث شعبة عن عثمان بن عبد الله بن مَوْهَب عن عبد الله بن أبي قتادة نحوه، وقال الترمذيُّ: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وقد رواه ابن حِبَّان أيضًا من حديث يزيد بن هارون (7)، ورواه من رواية محمَّد بن بشر عن محمَّد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي قتادة (8). وقد روي عن عمرو بن الحارث عن بُكير عن عبد الله بن أبي قتادة أنَّ رجلاً سأله عن الحديث الذي ذكر في الرجل الذي كان عليه ديناران، فدُعي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأبى أن يصلِّي: هل سمعت أباك يذكر ذلك؟ قال: لا، ولكن حدَّثنيه من أهلي من لا أتَّهم. فلعل هذا هو السبب في كون هذا الحديث لم يخرَّج في "الصحيح "، مع أنَّ الترمذيَّ قد صحَّحه، والله أعلم O.
2476 - قال أحمد: وحدَّثنا عبد الرزَّاق ثنا مَعْمَر عن الزهريِّ عن أبي سلمة عن جابر قال: كان النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يصلِّي على رجلٍ عليه دَيْنٌ، فأُتي بميِّتٍ، فسأل: " هل عليه دَيْنٌ؟ ". قالوا: نعم، ديناران. فقال: " صلُّوا على صاحبكم ". فقال أبو قتادة: هما عليَّ يا رسول الله. فصلَّى عليه (1). ز: رواه أبو داود (2) والنسائيُّ (3) وأبو حاتم بن حِبَّان (4) من حديث عبد الرزَّاق O. 2477 - قال أحمد: وحدَّثنا عبد الصمد ثنا زائدة عن عبد الله بن محمَّد ابن عَقيْل عن جابر قال: توفِّي رجلٌ منَّا، فغسَّلناه، وحنَّطناه، وكفَّناه، ثُمَّ أتينا به رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلنا: تصلِّي عليه. فخطا خطوة، ثُمَّ قال: " أعليه دَيْنٌ؟ ". قلنا: ديناران. فانصرف، فتحملهما أبو قتادة، فأتيناه، فقال أبو قتادة: الديناران عليَّ. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حقُّ الغريم، وبرئ منهما الميِّت؟ ". قال: نعم. فصلَّى عليه، ثُمَّ قال بعد ذلك بيومٍ: " ما فعل الديناران؟ ". قال: إنَّما مات أمس. قال: فعاد إليه من الغد، فقال: قد قضيتهما. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الآن برَّدت عليه جلده " (5). ز: هذا الحديث غير مخرَّجٍ في شيءٍ من "الكتب السِّتَّة"، وقد رواه أبو داود الطيالسيُّ وغيره عن زائدة (6). ورواه عبيد الله بن عمرو عن عبد الله بن محمَّد بن عَقِيْل، وقد اختلف
الأمِّة في الاحتجاج بابن عَقِيْل. وقد رواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه (1) O. 2478 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا محمَّد بن العبَّاس (2) الفارسيُّ ثنا محمَّد بن العبَّاس بن معاوية السكونيُّ ثنا الربيع بن روح (3) ثنا إسماعيل بن عيَّاش عن عطاء بن عجلان عن أبي إسحاق الهَمْدَانيِّ عن عاصم بن ضَمْرَة عن عليٍّ عليه السلام (4) قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أُتي بالجنازة لم يسأل عن شيءٍ من عمل الرجل، ويسأل عن دَيْنِه، فإن قيل: عليه دَيْنٌ، كفَّ عن الصلاة عليه، وإن قيل: ليس عليه دَيْنٌ، صلَّى عليه، فأُتي بجنازة، فلمَّا قام ليكبِّر، سأل أصحابه، فقال: " هل على صاحبكم دَيْنٌ؟ ". قالوا: ديناران. فعدل عنه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: " صلُّوا على صاحبكم ". فقال عليٌّ عليه السلام (5): هما عليَّ، برئ منهما. فتقدَّم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فصلَّى عليه، ثُمَّ قال لعليٍّ: " جزاك الله خيرًا، فكَّ الله رهانك كما فككت رهان أخيك، إنَّه ليس من ميِّت يموت وعليه دَيْنٌ إلا وهو مرتهن بدَيْنِه، ومن فكَّ رهان ميِّت، فكَّ الله رهانه يوم القيامة ". فقال بعضهم: هذا لعليٍّ خاصَّة، أم للمسلمين عامَّة؟ قال: " بل للمسلمين عامَّة" (6).
مسألة (542): لا ينتقل الحق من ذمة المضمون عنه بالضمان.
ز: هذا حديثٌ ضعيفٌ، لم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب "السنن"، وفي إسناده غير واحدٍ ممن تكلِّم فيه. وعطاء بن عجلان: كذَّبه ابن معين (1) والسَّعديُّ (2)، وقال البخاريُّ: منكر الحديث (3). وقال ابن عَدِيٍّ: عامة رواياته [غير] (4) محفوظة (5) O. ***** مسألة (542): لا ينتقل الحقُّ من ذمَّة المضمون عنه بالضمان. وقال داود: ينتقل. لنا: في الخبر المتقدِّم أنَّه قال للضامن حين أدَّى: " الآن برَّدت جلده " (6). ***** مسألة (543): إذا تكفَّل برجلٍ إلى مدَّةٍ معلومةٍ، فلم يسلمه عند المحلِّ مع بقائه، ضمن ما عليه.
مسألة (544): لا تصح الكفالة ببدن من عليه حد.
وقال كثرهم: لا يضمن. لنا: 2479 - ما روى الترمذيُّ، قال: حدَّثنا هنَّاد ثنا إسماعيل بن عيَّاش عن شُرَحْبِيل بن مسلم عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الزعيم غارمٌ ". ز: هذا الحديث حسَّنه الترمذيُّ (1). ورواية إسماعيل عن أهل الشام جيِّدة. وشُرَحْبِيل: من ثقات الشاميين. قاله الإمام أحمد (2)، ووثَّقه أيضًا العِجْلِيُّ (3) وابن حِبَّان (4)، وضعَّفه ابن معين (5) O. ***** مسألة (544): لا تصحُّ الكفالة ببدن من عليه حدٌّ. وقال أكثرهم: تصحُّ، ويجبر على إحضاره. 2480 - قال أبو أحمد بن عَدِيٍّ: حدَّثنا أحمد بن محمَّد بن عنبسة ثنا كثير بن عبيد ثنا بقيَّة عن عمر الدمشقيِّ قال: حدَّثني عمرو بن شُعيب عن أبيه
مسألة (545): إذا أراق خمرا على ذمي لم يضمنها، وكذلك إذا قتل له
عن جدِّه أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا كفالة في حدٍّ " (1). قال المصنِّف: هذا الحديث تفرَّد به بقيَّة عن أبي محمَّد عمر بن أبي عمر الكَلاعيِّ الدمشقيِّ، وهو من مشايخ بقيَّة المجهولين، ورواياته منكرة. ز: هذا الحديث غير مخرِّجٍ في "السنن"، وكلام المؤلِّف عليه هو كلام البيهقيِّ بعينه (2). وقال ابن عَدِيٍّ: عمر بن أبي عمر الدمشقيُّ منكر الحديث عن الثقات (3) O. ***** مسألة (545): إذا أراق خمرًا على ذمِّيٍّ لم يضمنها، وكذلك إذا قتل له خنزيرًا. وقال أبو حنيفة ومالك: يضمن. 2481 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا محمَّد بن يحيى بن مرداس ثنا أبو داود ثنا أحمد بن صالحٍ ثنا ابن وهبٍ ثنا معاوية بن صالحٍ عن عبد الوهاب بن بُخْتٍ
عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أنَّ رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنَّ الله حرَّم الخمر وثمنها، وحرم الميتة وحرَّم ثمنها، وحرَّم الخنزير وثمنه " (1). ز: هذا الحديث انفرد به أبو داود (2). وعبد الوهاب: وثَّقه يحيى بن معين (3) والنسائيُّ (4) وغيرهما، وقتل مع البطَّال سنة ثلاث عشرة ومائة، قبل موت أبي الزناد بزمان، والله أعلم O. وقد ذكرنا- في مسألة بيع السِّرْجِين النجس- عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: "إذا حرَّم الله شيئًا حرَّم ثمنه " (5). وأنَّه قال: " لا يحلُّ ثمن شيءٍ لا يحلُّ أكله وشربه " (6). وقد ذكرنا- في مسألة بيع الكلب- من حديث ابن عبَّاس عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنَّه نهى عن ثمن الخمر (7). 2482 - وقد رواه بلفظ آخر الدَّارَقُطْنِيُّ، فقال: حدَّثنا أحمد بن محمَّد ابن إبراهيم ثنا أبو فَرْوَة يزيد بن محمَّد قال: حدَّثني أبي ثنا مَعْقل بن عبيد الله عن عبد الكريم عن قيس بن حَبْتَر (8) عن ابن عبَّاسٍ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ثمن الخمر حرامٌ " (9).
فإن قالوا: فقد قال عمر بن الخطَّاب: ولوهم بيعها. قلنا: معناه: اتركوهم وما هم يفعلونه بها. ز: هذا الحديث لم يخرِّجوه من حديث مَعْقِل. ومحمَّد بن أبي فَرْوَةَ يزيد بن سنان الرُّهَاويُّ: [والد] (1) أبي فَرْوَة الأصغر، تكلَّم فيه أبو داود (2) وغيره، ووثَّقه بعض الأئمة، والله أعلم O. *****
مسائل الشركة
مسائل الشركة مسألة (546): شركة الأبدان جائزةٌ، سواء اتَّفقت الصنعة أو اختلفت، أو عملاً جميعًا، أو عمل أحدهما. وقال مالكٌ: تصحُّ مع اتفاق الصنعة. وقال الشافعيُّ: لا تصحُّ بحالٍ. 2483 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا ابن صاعد ثنا عبد الله بن الوضَّاح ثنا زياد بن عبد الله البَكَّائيُّ ثنا إدريس الأَوْدِيُّ عن أبي إسحاق عن أبي عُبيدة عن عبد الله بن مسعود قال: أشرك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيني وبن عمَّار وسعد بن أبي وقَّاص في درقة سلحناها، واشتركنا فيما أصبنا، فأخفقت أنا وعمَّار، وجاء سعدٌ بأسيرين (1). ز: روى أبو داود (2) والنسائيُّ (3) وابن ماجة (4) نحو هذا الحديث من رواية الثوريِّ عن أبي إسحاق. وأبو عُبيدة: لم يسمع من أبيه.
مسألة (547): دعوة العبد التاجر وهديته وعاريته جائزة (5) من غير
وإدريس بن يزيد الأَوْدِيُّ: ثقةٌ مخرَّجٌ له في "الصحيحين" (1). وزياد البَكَّائيُّ: روى له مسلمٌ (2)، وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: مختلفٌ فيه، وليس عندي به بأسٌ (3). وعبد الله بن الوضَّاح اللؤلؤيُّ الكوفيُّ: روى عنه الترمذيُّ وابن خزيمة وغيرهما، ووثَّقه ابن حِبَّان (4) O. ***** مسألة (547): دعوة العبد التاجر وهديته وعاريته جائزةٌ (5) من غير إذن السَّيِّد، فأمَّا هبته الدراهم وكسوته الثياب فلا تجوز. وقال الشافعيُّ: لا يجوز جميع ذلك. أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل هدية بَريْرَة، وأجاب دعوة العبد: 2484 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا أبو معاوية ثنا هشام بن عروة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت: كان الناس يتصدَّقون على بَرَيْرَة،
فتهدي لنا، فذكرتُ ذلك للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " هو عليها صدفة، وهو لكم هدَّية" (1). ز: رواه مسلمٌ عن غير واحدٍ عن أبي معاوية (2) O. 2485 - قال المؤلِّف: أنا يحيى بن عليٍّ المدبر (3) أنا أحمد بن محمَّد السِّمَنَانيُّ (4) أنا أبو طاهر محمَّد بن عليٍّ الأنباريُّ ثنا عثمان بن محمَّد السمرقنديُّ ثنا محمَّد بن عبد الحكم ثنا آدم بن أبي إياس ثنا شعبة ثنا مسلم الأعور قال: سمعت أنس بن مالك يقول: كان رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعود المرضى، ويأتي دعوة المملوك. ز: رواه الترمذيُّ (5) وابن ماجة (6) من رواية مسلم بن كيسان المُلائِيِّ الأعور، وقال الترمذيُّ: لا نعرفه إلا من حديث مسلم، ومسلم يضعَّف (7) O. *****
مسألة (548): تصرفات الفضولي باطلة.
مسألة (548): تصرفات الفُضُوليِّ باطلةٌ. وعنه: أنَّها صحيحةٌ، وتقف على إجازة المالك، كقول أبي حنيفة. لنا حديثان: أحدهما: قوله لحكيم بن حزام: " لا تبع ما ليس عندك ". وقد ذكرناه في أول كتاب البيع بإسناده (1). 2486 - الثاني: قال ابن ماجة: حدَّثنا أبو كريب ثنا إسماعيل بن عليَّة ثنا أيُّوب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يحلُّ بيع ما ليس عندك، ولا ربح ما لم تضمن " (2). 2487 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أبو بكر محمَّد بن إبراهيم بن نيروز ثنا عمرو بن عليٍّ ثنا عبد العزيز بن عبد الصمد ثنا مطر الورَّاق عن عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جدِّه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يجوز: طلاقٌ، ولا عتاقٌ، ولا بيعٌ، فيما لا تملك " (3). ز: رواه أبو داود (4) والترمذيُّ (5) والنسائيُّ (6) من حديث أيُّوب عن عمرو (7)، وقال الترمذيُّ: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وقد رواه أبو داود من رواية عبد العزيز عن مطر (1) O. وللخصم حديثان: 2488 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا أبو كامل ثنا سعيد ابن زيد ثنا الزبير بن الخرِّيت ثنا أبو لَبيد عن عروة بن [أبي] (2) الجعد البارقيِّ قال: عرض للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَبٌ، فأعطاني دينارًا، وقال: " أي عروة، ائت الجلَبَ، فاشتر لنا شاةً ". فأتيت الجَلَبَ، فساومت صاحبه، فاشتريت منه شاتين بدينار، فجئت أسوقهما، فلقيني رجلٌ، فساومني، فبعته شاةً بدينارٍ، وجئت بالدينار والشاة، فقلت: يا رسول الله، هذا ديناركم، وهذه شاتكم. قال: " وصنعت كيف؟! ". فحدَّثته الحديث، فقال: " اللهم بارك له في صفقة يمينه " (3). ز: رواه أبو داود (4) والترمذيُّ (5) وابن ماجة (6) من رواية سعيد بن زيد، وهو أخو حمَّاد بن زيد. ورواه الترمذيُّ أيضًا من رواية هارون بن موسى عن الزبير (7).
مسألة (549): إذا وكله في شراء شاة بدينار، فاشترى شاتين كل
وقد روي من غير حديث أبي لبيد عن عروة، وهو حديثٌ صحيحٌ، ولا عبرة بقول من تكلَّم فيه O. 2489 - الحديث الثاني: قال الترمذيُّ: حدَّثنا أبو كريب ثنا أبو بكر ابن عيَّاش عن أبي حَصين عن حبيب بن أبي ثابت عن حَكيم بن حِزَامٍ: أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث حَكيم بن حِزَامٍ يشتري له أضحية بدينارٍ، فاشترى أضحية، فربح فيها دينارًا، فاشترى أخرى مكانها، وجاء بالأضحية والدينار إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " ضحِّ بالشاة، وتصدِّق بالدينار ". قال الترمذيُّ: لا نعرف هذا الحديث إلا من هذا الوجه، وحبيب لم يسمع عندي من حَكِيمٍ (1). ز: رواه أبو داود بنحوه عن محمَّد بن كثيرٍ عن سفيان حدَّثني أبو حَصِين عن شيخٍ من أهل المدينة عن حَكِيمٍ (2) O. ***** مسألة (549): إذا وكَّله في شراء شاةٍ بدينارٍ، فاشترى شاتين كلُّ واحدةٍ تساوي الدينار، فالبيع صحيحٌ فيهما. وقال أبو حنيفة: يلزم الموكِّل شاة بنصف دينارٍ، ويلزم الوكيل الأخرى بنصف دينارٍ.
وعن الشافعيِّ كقولنا، وعنه: يلزمه شاة، وهو بالخيار في الأخرى. لنا: حديث عروة وأنَّه اشترى شاتين، وقد سبق (1).
مسائل العارية
مسائل العاريَّة مسألة (550): العاريَّة مضمونةٌ بكلِّ حالٍ. وعنه: أنَّها مضمونةٌ، إلا أن يشترط إسقاط الضمان. وقال أبو حنيفة: لا يضمن، إلا أن يفرِّط في حفظها، كالوديعة. وقال مالكٌ: هي كالرهن، ما كان يخفى هلاكه- كالثياب والأثمان- ضمن، وما لم [يكن] (1) يخفى هلاكه- كالدار والدابة- لم يضمن. لنا: 2490 - ما روى الإمام أحمد، قال: حدَّثنا يزيد بن هارون أنا شَريك عن عبد العزيز بن رُفَيْع عن أميَّة بن صفوان بن أميَّة عن أبيه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استعار منه يوم حنين أدراعًا، فقال: أغصبًا يا محمَّد؟ قال: " بل عاريَّة مضمونة ". فضاع بعضها، فعرض عليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يضمنها له، فقال: أنا اليوم يا رسول الله، في الإسلام أرغب (2). 2491 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا الحسن بن إبراهيم بن عبد المجيد ثنا العبَّاس بن محمَّد ثنا الحسن بن بشر ثنا قيس بن الربيع عن عبد العزيز بن رُفَيْع عن ابن أبي مليكة عن أميَّة بن صفوان بين أميَّة عن أبيه قال: استعار منِّي النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أدراعًا من حديدٍ، فقلت: مضمونةٌ يا رسول الله؟ قال: " مضمونةٌ ".
فضاع بعضها، فقال له النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن شئت غرمتها ". قال: لا، إنَّ في قلبي من الإسلام غير ما كان يومئذٍ (1). ز: رواه أبو داود (2) والنسائيُّ (3) من رواية يزيد بن هارون، وقال أبو داود: وهذه رواية يزيد ببغداد، وفي روايته بواسط غير هذا. ورواه أبو داود: عن أبي بكر عن جرير عن عبد العزيز بن رُفَيْع عن أناسٍ من آل عبد الله بن صفوان أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يا صفوان، هل عندك من سلاح؟ " ... الحديث (4). وعن مسدَّد عن أبي الأحوص عن عبد العزيز بن رُفَيْع عن عطاء عن ناسٍ من آل صفوان قال: استعار النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... فذكر معناه (5). ورواه النسائيُّ عن أحمد بن سليمان عن عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن عبد العزيز بن رُفَيْع عن ابن أبي مُلَيْكة عن عبد الرحمن بن صفوان بن أميَّة أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استعار من صفوان دروعًا ... فذكره (6). وعن عليِّ بن حُجْر عن هشيم عن حجَّاج عن عطاء أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استعار من صفوان أدراعًا وأفراسًا ... وساق الحديث (7). ورواه أبو بكر بن أبي عاصم عن أحمد بن الفرات عن شاذان ويحيى،
كلاهما عن شريك عن عبد العزيز بن رُفَيْع عن ابن أبي مُلَيْكة عن أميَّة بن صفوان بنحوه (1). وهذا الحديث لا حجَّة فيه على أنَّ العاريَّة مضمونةٌ بكلِّ حالٍ، بل الظاهر أنَّ ضمانها إنَّما كان بالشرط، وقد جاء التصريح بأنَّ العاريَّة مقسَّمة إلى: عاريَّةٍ مؤدَّاةٍ؛ وعاريَّةٍ مضمونةٍ؛ وذلك فيما رواه النسائيُّ، قال: 2492 - أخبرنا إبراهيم بن المستمر ثنا حَبَّان بن هلال ثنا همَّام بن يحيى ثنا قتادة عن عطاء عن صفوان بن يعلى بن أميَّة عن أبيه قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا أتتك رسلي فأعطهم ثلاثين درعًا، وثلاثين مغفرًا ". قلت: يا رسول الله، أعاريَّة مضمونة، أو عاريَّة مؤدَّاة؟ قال: " بل عاريَّة مؤدَّاة " (2). رواته كلُّهم ثقات، لكنه معلَّلٌ، وقد رواه أبو داود عن إبراهيم بن المستمر (3). 2493 - وقد رواه الإمام أحمد بغير هذا اللفظ، فقال: حدَّثنا بَهْز بن أسد ثنا همَّام عن قتادة عن عطاء عن صفوان بن يعلى بن أميَّه عن أبيه عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا أتتك رسلي فأعطهم- أو: فادفع إليهم- ثلاثين درعًا، وثلاثين بعيرًا- أو أقل من ذلك- ". فقال له: العاريَّة مؤدَّاة، يا رسول الله؟ قال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نعم " (4) O. 2494 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أحمد بن عيسى الخوَّاص (5) ثنا صالح
ابن العلاء بن بكير ثنا إسحاق بن عبد الواحد ثنا خالد بن عبد الله عن خالد الحذَّاء عن عكرمة عن ابن عبَّاس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استعار من صفوان بن أميَّة أدراعًا وسلاحًا في غزوة حنين، فقال: يا رسول الله، عاريَّة مؤدَّاة؟ فقال: " عاريَّة مؤدَّاة " (1). ز: هذا الحديث غير مخرَّجٍ في شيءٍ من "الكتب السِّتَّة" من هذا الوجه. وصالح بن العلاء: لا أعرفه، وكأنَّه مصحَّف، والظاهر أنَّه: صالح ابن محمَّد الحافظ. وإسحاق بن عبد الواحد القرشيُّ المَوْصِليُّ: قال أبو عليٍّ الحافظ: متروك الحديث (2). وقال أبو زكريا يزيد بن محمَّد المَوْصِليُّ: هو كثير الحديث، رحَّال فيه، أكثر من (3) المعافى ونظرائه من المَوَاصِلَة، وسمع من مالك بن أنس ... وذكر جماعة، ثُمَّ قال: وصنَّف وكتب الناس عنه (4). وروى له النسائيُّ حديثًا واحدًا، وقال: إسحاق بن عبد الواحد لا أعرفه (5). والله أعلم O. 2495 - وقال الترمذيُّ: حدَّثنا هنَّاد وعليُّ بن حُجْر قالا: أنا إسماعيل ابن عيَّاش عن شُرَحْبيل بن مسلم الخَوْلاَنِيِّ عن أبي أمامة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " العاريَّة مؤدَّاةٌ، والزعيم غارمٌ، والدَّيْنُ مَقْضيٌّ " (6). ز: حسَّنه الترمذيُّ، ورواه ابن ماجة عن هشام بن عمَّار عن إسماعيل
مختصرًا: " العاريَّة مؤدَّاة، والمنحة مردودةٌ " (1) O. احتجُّوا: 2496 - بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ، قال: حدَّثنا أبو عليٍّ الحسين بن القاسم الكَوْكَبيُّ ثنا عليُّ بن حربٍ ثنا عمرو بن عبد الجبَّار عن عُبيدة بن حسَّان عن عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جدِّه عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ليس على المستعير غير المغلِّ ضمانٌ، ولا على المستودع غير المغلِّ ضمانٌ " (2). والمغلُّ: الخائن. والجواب: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: عمرو وعبيدة ضعيفان، وإنَّما يُروى هذا عن شُريح القاضي غير مرفوعٍ (3). قال المصنِّف: قلت: وقال ابن حِبَّان: عبيدة يروي الموضوعات عن الثقات، فبطل الاحتجاج به (4). ز: هذا الحديث لم يخرَّج في "السنن". وقد روى حمَّاد بن سلمة عن أيُّوب وقتادة وحبيب ويونس عن ابن سيرين أنَّ شُريحًا قال: ... فذكره، وهو المحفوظ O. *****
مسألة (551): إذا أعاره أرضه مطلقا ليبني فيها، فبنى أو غرس،
مسألة (551): إذا أعاره أرضه مطلقًا ليبني فيها، فبنى أو غرس، فللمُعِيرْ أن يستردَّ الأرض، ويضمن قيمة البناء والغِرَاس، أو قيمة ما [نقص] (1) بالقلع. وقال أبو حنيفة: للمعير أن يستردَّ الأرض، ويقلع البناء والغراس، ولا ضمان عليه. لنا: قوله عليه السلام: " ليس لعرقٍ ظالمٍ حقٌّ ". وسيأتي مسندًا (2). وفيه دليلٌ على أنَّ العرق إذا لم يكن ظالمًا فله حقٌّ. ولنا: أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من بنى في رباع قوم بإذنهم، فله قيمته ". ز: هذا الحديث الأخير رواه ابن عَدِيٍّ عن ميمون بن مسلمة عن كثير ابن أبي صابر عن عطاء الخفَّاف عن عمر بن قيسٍ عن الزهريِّ عن عروة عن عائشة مرفوعًا (3). وهذا إسنادٌ ضعيفٌ لا تقوم به حجَّةٌ. ورواه البيهقيُّ عن ابن مسعودٍ وشُريح من قولهما (4) O.
مسائل الغصب
مسائل الغصب مسألة (552): إذا مَثَّل بعبده عتق عليه. وقال أبو حنيفة والشافعيُّ: لا يعتق. لنا: 2497 - ما رواه الإمام أحمد، قال: حدَّثنا مُعمَّر بن سليمان الرَّقِّيُّ ثنا الحجَّاج عن عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جدِّه عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من مُثِّل به، أو حُرِّق بالنار، فهو حرٌّ، وهو مولى الله ورسوله ". قال: فأُتي برجلٍ قد خُصي- يقال له: سندر- فأعتقه (1). ز: الحجَّاج بن أرطأة: غير محتجٍّ به، لكنَّه غير متفرِّدٍ، فقد تابعه غيره عن عمرو، ولم يخرِّج هذا الحديث أحدٌ من أهل "السنن" من روايته O. ***** مسألة (553): إذا غيَّر صفة المغصوب- بأن طحن الحنطة، أو خبز الدقيق، أو شوى الشاة، أو قطع الثوب قميصًا، أو ضرب الزُّبرةَ (2) أواني- لم يَزُل عنه ملك المالك.
وقال أبو حنيفة: يملكها الغاصب بالتغير، ويجب عليه البدل لمالكها. 2498 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا الحسن بن إسماعيل ثنا عبد الله بن منيب ثنا يحيى بن إبراهيم بن أبي قُتَيْلَة ثنا الحارث بن محمَّد الفِهْرَيُّ عن يحيى بن سعيد عن أنس بن مالك أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يحلُّ مال امرمئ مسلمٍ إلا بطيب نفسه " (1). ز: كذا فيه: (عبد الله بن منيب) وهو خطأٌ، والصواب: (ابن شبيب) (2). وهذا الإسناد ضعيفٌ، ولبس مخرَّجًا في شيءٍ من "الكتب السِّتَّة". والحارث: لا أعرفه (3). ويحيى: وثَّقه أبو حاتم (4) وغيره. وعبد الله بن شبيب الربعيُّ: قال فضلك الرازيُّ: يحلُّ- ضرب عنقه (5)! وقال الحاكم أبو أحمد: ذاهب الحديث (6). وقد روي هذا الحديث من وجوه أُخر: من حديث ابن عمر وعمرو بن يَثْرِبي وغيرهما O. احتجُّوا:
2499 - بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ، قال: حدَّثنا أحمد بن عبد الله بن محمَّد الوكيل ثنا حميد بن الربيع ثنا ابن إدريس ثنا عاصم بن كُليب عن أبيه عن رجلٍ من الأنصار قال: دعت امرأةٌ من قريش رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه، فأتاها، فلما أُتي بالطعام، وضع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده، ووضع القوم، فبينا هو يأكل إذ كفَّ يده، فجعل الرجل يضرب يد ابنه حتَّى يرمي العَرْق من يده، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أجد لحم شاة أُخذت بغير إذن أهلها ". قال: فأرسلت المرأة: يا رسول الله، إني كنت أرسلت إلى البَقيْع أطلب شاةً فلم أصب، فبلغني أن جارًا لي اشترى شاةً، فأرسلت إليه، فلم نقدر عليه، فبعثت بها امرأته. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أطعموها الأسارى " (1). فوجه الحجَّة: أنَّ ملك صاحبها زال عنها بذلك، ولولا ذلك كان يأمر بردِّها عليه. والجواب: أنَّ حميد بن الربيع كذَّابٌ، كذلك قال يحيى بن معين (2). ز: حميد بن الربيع: وثَّقه عثمان بن أبي شيبة (3)، وكان الدَّارَقُطْنِيُّ يحسن القول فيه (4). ولا وجه للطعن فيه بعد ذكر هذا الحديث، فإنَّه لم يتفرَّد به، بل تابعه
مسألة (554): إذا غصب ساجة (2) فبنى عليها، أو آجرا فجعله في
غيره، فرواه أبو داود في " البيوع " عن محمَّد بن العلاء عن عبد الله بن إدريس (1)، والله أعلم O. ***** مسألة (554): إذا غصب ساجةً (2) فبنى عليها، أو آجرا فجعله في أساس حائطه وبنى عليه، وجب ردُّه. وقال أبو حنيفة: زال حقُّ المالك عنها، وليس له إلا القيمة. لنا: حديث أنس المتقدِّم. 2500 - وقال الإمام أحمد: حدَّثنا محمَّد بن جعفر ثنا سعيد عن قتادة عن الحسن عن سَمُرة بن جُندُب عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " على اليد ما أخذت، حتَّى تودِّيه " (3). ز: رواه أصحاب " السنن الأربعة " (4) من رواية سعيد، وحسَّنه التزمذيُّ O. *****
مسألة (555): إذا غصب أرضا فزرعها، فصاحبها بالخيار: إن شاء
مسألة (555): إذا غصب أرضًا فزرعها، فصاحبها بالخيار: إن شاء أن يقرَّ الزرع إلى وقت الحصاد؛ وإن شاء أن يدفع إليه قيمة الزرع أو ما أنفقه على الزرع- على اختلاف الروايتين في ذلك- ويكون الزرع له، وليس له إجباره على قلعه بيعير عوضٍ. وقال أكثرهم: له إجباره على القلع، وليس له إجباره على تسليم العوض عن الزرع. لنا حديثان: 2501 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا أبو كامل ثنا شَريك عن أبي إسحاق عن عطاء بن أبي رباح عن رافع بن خَدِيج قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من زرع أرضًا بغير إذن أهلها، فله نفقته، وليس له من الزرع شيءٌ" (1). ز: رواه أبو داود (2) والترمذيُّ جميعًا عن قتيية بن سعيد عن شَريك. وقال الترمذيُّ: حديثٌ حسنٌ غريبٌ. قال: وسألت محمَّد بن إسماعيل عن هذا الحديث، فقال: هو حديثٌ حسنٌ. وقال: لا أعرفه من حديث أبي إسحاق إلا من رواية شَريك. وقال محمَّدٌ: وثنا مَعْقِل بن مالك البصريُّ ثنا عقبة الأصمُّ (3) عن عطاء عن رافع عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحوه (4). ورواه ابن ماجة عن عبد الله بن عامر بن زُرارة عن شَريك (5)، ورواه
الإمام أحمد أيضًا عن أسود بن عامر والخُزَاعيُّ- يعني: منصور بن سلمة- عن شَريك (1). ورواه البيهقيُّ من رواية قيس بن الربيع عن أبي إسحاق (2). ورواه ابن عَدِيٍّ من رواية حجَّاج بن محمَّد عن شَريك عن أبي إسحاق عن عبد العزيز بن رُفَيْع عن عطاء (3). وقال أبو زرعة (4) وغيره: لم يسمع عطاء من رافع بن خَدِيج. وقال الخطَّابيُّ: هذا الحديث لا يثبت عند أهل المعرفة بالحديث. قال: وحدَّثني الحسن بن يحيى عن موسى بن هارون الحمَّال أنَّه كان ينكر هذا الحديث ويضعِّفه، ويقول: لم يروه غير شَريك، ولا رواه عن عطاء غير أبي إسحاق، وعطاء لم يسمع من رافع شيئًا. قال الخطَّابيُّ: وضعَّفه البخاريُّ أيضًا (5). كذا قال، وهو مخالفٌ لما نقله الترمذيُّ عنه. وقال البيهقيُّ: وقد رواه عقبة بن الأصمِّ عن عطاء قال: (ثنا رافع بن خَدِيج)، وعقبة ضعيفٌ لا يحتجُّ به (6). كذا قال، وقد روي هذا الحديث من رواية غير عطاء عن رافع، وقد
احتجَّ به أحمد في روايةٍ عنه (1)، والله أعلم O. 2502 - الحديث الثاني: قال الترمذيُّ: ثنا محمَّد بن بشَّار (2) ثنا عبد الوهاب ثنا أيُّوب عن هشام بن عروة عن أبيه عن سعيد بن زيد عن النبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أحيا أرضًا ميتةً فهي له، وليس لعرقٍ ظالمٍ حقٌّ ". قال الترمذيُّ: وحدَّثنا محمَّد بن المثنَّى قال: سألت أبا الوليد الطيالسيَّ عن قوله: " وليس لعرقٍ ظالمٍ حقٌّ "، فقال: هو الغاصب. قلت: هو الرجل الذي يغرس في أرض غيره؟ قال: هو ذاك (3). ز: رواه أبو داود (4) والنسائيُّ (5) من حديث عبد الوهَّاب الثقفيِّ أيضًا، وقال الترمذيُّ: حديثٌ حسنٌ غريبٌ، وقد روى بعضهم عن هشام عن أبيه أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مرسلٌ. ورواه النسائيُّ أيضًا عن عيسى بن حمَّاد عن ليث عن يحيى بن سعيد عن هشام عن عروة أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... فذكره مرسلاً. قال الليث: كتبت إلى هشام، فكتب إليَّ مثل حديث يحيى (6). وسُئل عنه الدَّارَقُطْنِيُّ، فقال: تفرَّد به عبد الوهاب الثقفيُّ عن أيُّوب عن هشام بن عروة عن أبيه عن سعيد بن زيد، واختلف فيه على هشام بن عروة:
فرواه الثوريُّ عن هشام عن أبيه قال: حدَّثني من لا أتهم عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتابعه جرير بن عبد الحميد. وقال يحيى بن سعيد ومالك بن أنس وعبد الله بن إدريس ويحيى بن سعيد الأمويُّ: عن هشام عن أبيه مرسلاً (1) O. احتجُّوا: 2503 - بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ، قال: حدَّثنا [أحمد] (2) بن إسحاق بن البهلوْل ثنا أبي ثنا يعلى عن محمَّد بن إسحاق عن يحيى وهشام ابني عروة عن عروة: أنَّ رجلين من الأنصار اختصما في أرضٍ، غرس أحدهما فيها نخلاً، والأرض للآخر، فقضى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالأرض لصاحبها، وأمر صاحب النخل يخرج نخله، وقال: " ليس لعرقٍ ظالمٍ حقٌّ ". قال: فلقد أخبرني الذي حدَّثني بهذا الحديث: أنَّه رأى النخل تقلع أصولها بالفؤوس (3). قال المصنِّف: هذا مرسلٌ، وابن إسحاق مجروحٌ. ز: 2504 - روى أبو داود عن هنَّاد عن عَبْدَة عن ابن إسحاق عن يحيى بن عروة عن أبيه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أحيا أرضًا ميتة فهي له، وليس لعرقٍ ظالمٍ حقٌّ ". قال عروة: فلقد خبَّرني الذي حدَّثني بهذا الحديث: أنَّ رجلين اختصما إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، غرس أحدهما نخلاً ... الحديث. 2505 - وروى عن أحمد بن سعيد الدارميِّ عن وهب بن جرير عن أبيه
مسألة (556): إذا كسر آلة اللهو لم يضمن.
عن ابن إسحاق بإسناده ومعناه، إلا أنَّه قال عند قوله مكان: (الذي حدَّثني بهذا)، فقال: (رجل من أصحاب النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أكثر ظنِّي أنَّه أبو سعيد-: فأنا رأيت الرجل يضرب في أصول النخل) (1) O. ***** مسألة (556): إذا كَسَر آلة اللهو لم يضمن. وقال أبو حنيفة والشافعيُّ: يضمن. 2506 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا يزيد أنا فرج بن فَضَالة عن [عليِّ] (2) ابن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنَّ الله عزَّ وجلَّ أمرني أن أمحق: الزامير، والمعازف، والأوثان التي كانت تعبد في الجاهليَّة " (3). قال المصنِّف: القاسم وعليُّ بن يزيد ضعيفان. ز: هذا الحديث غير مخرَّج في شيءٍ من "السنن". وعليٌّ: أضعف من القاسم، وقد وَثَّق القاسمَ: الترمذيُّ (4) وغيرُه. وفرجٌ: فيه مقالٌ أيضًا، والله أعلم O. *****
مسائل الشفعة
مسائل الشُّفْعة مسألة (557): لا تستحق الشُّفعة بالجوار. وقال أبو حنيفة: تستحق. لنا: 2507 - ما روى الإمام أحمد، قال: حدَّثنا عبد الرزَّاق ثنا مَعْمَر عن الزهريِّ عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله قال: إنَّما جَعَلَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشُفْعة في كلِّ ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق، فلا شُفْعة (1). انفرد بإخراجه البخاريُّ (2). 2508 - طريقٌ آخرٌ: قال مسلمٌ: حدَّثنا محمَّد بن عبد الله بن نُمير ثنا عبد الله بن إدريس ثنا ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال: قضى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالشُّفْعة في كلِّ شركة لم تقسم، ربعة أو حائط، لا يحلُّ أن يبيع حتَّى يُؤذن شريكه، فإن شاء أخذ، وإن شاء ترك، فإذا باع ولم يُؤذنه، فهو أحقُّ به. انفرد باخراجه مسلمٌ (3).
احتجُّوا بأربعة أحاديث: 2509 - الحديث الأوَّل: قال البخاريُّ: حدَّثنا مكيُّ بن إبراهيم أنا ابن جريج قال: أخبرني ابن ميسرة (1) عن عمرو بن الشَّرِيْد عن أبي رافع- مولى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنَّه قال لسعد بن أبي وقَّاص: ابتع منِّي بيتي في دارك، ولولا أنِّي سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " الجار أحقُّ بصقبه ". ما أعطيتكها بأربعة آلاف (2). أخرجه البخاريُّ ومسلمٌ في "الصحيحين". ز: هذا الحديث لم يخرِّجه مسلمٌ، بل انفرد به البخاريُّ، والله أعلم O. 2510 - الحديث الثاني: قال الإمام أحمد: حدَّثنا عفَّان ثنا همَّام عن قتادة عن الحسن عن سَمُرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " جار الدار أحقُّ بالدار من غيره " (3). 2511 - الحديث الثالث: قال أحمد: وحدَّثنا روح ثنا حسين المعلِّم عن عمرو بن شُعيب عن عمرو بن الشَّرِيد عن أبيه الشَّرِيد بن سُويد أنَّ رجلاً قال: يا رسول الله، أرضٌ ليس لأحدٍ فيها شِرْكٌ ولا قسم إلا الجوار؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الجار أحقُّ بسقبه ما كان " (4). 2512 - طريق آخر: قال أحمد: وحدَّثنا إسحاق بن سليمان ثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى قال: سمعت عمرو بن الشَّرِيد عن أبيه قال:
قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الجار أحق بسقبه " (1). 2513 - الحديث الرابع: قال أحمد: وحدَّثنا هُشيم أنا عبد الملك عن عطاء عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الجار أحقُّ بشفعة جاره، ينتظر بها إذا كان غائبًا، إذا كان طريقهما واحدًا " (2). والجواب: أمَّا حديث أبي رافع: فمحمولٌ على أنَّه كان شريكًا مخالطًا. وأمَّا حديث سَمُرة: فروى أحمد بن حنبل عن يحيى بن سعيد قال: أحاديث الحسن عن سَمُرة من كتاب (3). وقال أحمد بن هارون البرديجيُّ (4): لا يحفظ عن الحسن عن سَمُرة حديثٌ يقول فيه: (سمعت سَمُرة) إلا حديث واحد- وهو حديث العقيقة- ولا يثبت (5). وقال أبو حاتم بن حِبَّان: لم
يشافه الحسن سَمُرة (1). وقد قال ابن المدينيِّ: سمع الحسن من سَمُرة (2). وأمَّا حديث عمرو بن الشَّرِيد: فقال ابن المنذر: هو حديثٌ منكرٌ، لا أصل له. وأمَّا حديث جابر: فقال شعبة: سها فيه عبد الملك بن أبي سليمان، فإن روى حديثًا آخر مثله طرحت حديثه (3). ثُمَّ ترك شعبة التحديث عنه، وقال أحمد بن حنبل: هذا الحديث منكرٌ (4). وقال يحيى: لم يروه غير عبد اللك، وقد أنكروه عليه (5). ثُمَّ نحمل الأحاديث على الشريك المخالط، وقد يسمَّى جارًا. ز: حديث الحسن عن سَمُرة: رواه أبو داود (6) والترمذيُّ (7) والنسائيُّ (8) من رواية قتادة عنه، وصحَّحه الترمذيُّ. ورواه النسائيُّ (9) والطَّحاويُّ (10) وابن حِبَّان (11) من رواية سعيد عن قتادة عن أنس، وكأنَّه وهمٌ.
وحديث عمرو بن الشَّرَيد عن أبيه: رواه النسائيُّ (1) وابن ماجة (2) من حديث حسين المعلِّم، ورواه النسائيُّ من رواية عبد الله بن عبد الرحمن عنه، وفي إسناده اختلافٌ قد ذكره النسائيُّ (3). ورواه أيضًا من رواية حسين المعلِّم عن عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جدِّه (4)، والمحفوظ حديث عمرو بن الشَّرَيد عن أبي رافع. وحديث عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن جابر: رواه أصحاب " السنن الأربعة " (5)، وقال الترمذيُّ: حسنٌ غريبٌ، لا نعلم أحدًا رواه غير عبد الملك، وعبد الملك هو ثقةٌ مأمونٌ عند أهل الحديث، لا نعلم أحدًا تكلَّم فيه غير شعبة، من أجل هذا الحديث. وقال الشافعيُّ: سمعنا بعض أهل العلم بالحديث يقول: نخاف أن لا يكون هذا الحديث محفوظًا (6). وقال إسحاق بن إبراهيم: قال لي أبو عبد الله- يعني: أحمد بن حنبل-:
ليس العمل على هذا، لا شفعة إلا للخليط (1). واعلم أنَّ حديث عبد الملك حديثٌ صحيحٌ، ولا منافاة بينه وبين رواية جابر المشهورة، فإنَّ في حديث عبد الملك: " إذا كان طريقهما واحدًا "، وحديث جابر المشهور لم ينف فيه استحقاق الشُفْعة إلا بشرط تصرف الطرق. فنقول: إذا اشترك الجاران في المنافع- كالبئر أو السطح أو الطريق- فالجار أحقُّ بصقب جاره، لحديث عبد الملك؛ وإذا لم يشتركا في شيءٍ من النافع فلا شُفْعة، لحديث جابرٍ المشهور؛ وهو أحد الأوجه الثلاثة في مذهب أحمد وغيره. وطَعْنُ شعبة في عبد الملك بسبب هذا الحديث= لا يقدح في عبد الملك، فإنَّ عبد الملك ثقةٌ مأمونٌ، وشعبة لم يكن من الحذَّاق في الفقه، ليجمع بين الأحاديث إذا ظهر تعارضها، وإنَّما كان إمامًا في الحفظ، وطَعْنُ من طَعَنَ عليه سواه إنَّما هو اتباعٌ لشعبة، وقد احتجَّ مسلمٌ في "صحيحه بحديث عبد الملك (2)، وخرَّج له أحاديث، واستشهد به البخاريُّ، وكان سفيان يقول: حدَّثني الميزان عبد الملك بن أبي سليمان (3). وقد وثَّقه الإمام أحمد (4) ويحيى ابن معين (5) والعِجْليُّ (6) وابن عمَّار (7) والنسائيُّ (8) وغيرهم، وقد قيل
لشعبة: مالكَ لا تحدِّث عن عبد الملك بن أبي سليمان. قال: تركت حديثه. قيل له: تحدِّث عن محمَّد بن عبيد الله العَرْزَمِيِّ وتدع عبد الملك، وقد كان حسن الحديث؟! قال: من حسنها فررت (1)! قال الخطيب: قد أساء شعبة في اختياره حيث حدَّث عن محمَّد بن عبيد الله العَرْزَميِّ وترك التحديث عن عبد الملك بن أبي سليمان، لأنَّ محمَّد بن عبيد الله لم يختلف الأئمة من أهل الأثر في ذهاب حديثه وسقوط روايته، وأمَّا عبد الملك فثناؤهم عليه مستفيضٌ، وحُسنُ ذكرهم له مشهورٌ (2) O. واحتجُّوا: 2514 - بما رووا عن أبي سعيد عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " الخليط أحقُّ من الشفيع، والشفيع أحقُّ من غيره ". وهذا الحديث لا يعرف هكذا، إنَّما المعروف: 2514/أ - ما رواه سعيد بن منصور، قال: حدَّثنا عبد الله بن المبارك عن هشام بن المغيرة الثقفيِّ قال: قال الشعبيُّ: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الشفيع أولى من الجار، والجار أولى من الجنب ". ز: هذا مرسلٌ. وهشام: وثَّقه ابن معين (3)، وقال أبو حاتم: لا بأس بحديثه (4) O. *****
مسألة (558): إذا اشترى أرضا فيها زرع أو شجر مثمر، لم تجب
مسألة (558): إذا اشترى أرضًا فيها زرعٌ أو شجرٌ مثمرٌ، لم تجب الشُّفعة في الزرع والثمر. وقال أبو حنيفة ومالك: تجب. 2515 - قال مسلم بن الحجَّاج: حدَّثنا أبو الطاهر ثنا ابن وهب عن ابن جريج أن أبا الزبير أخبره أنَّه سمع جابر بن عبد الله يقول: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الشُّفعة في كلِّ شِرْكٍ، في أرضٍ أو رَبْعٍ أو حائط " (1). انفرد بإخراجه مسلمٌ. ووجه الحجَّة: أنَّه لم يثبت الشُّفْعة في غير ذلك. ***** مسألة (559): لا تثبت الشُّفْعة فيما لا يقسم، كالحمَّام والرحى ونحوه. وقال أبو حنيفة: تثبت. وعن أحمد نحوه. وعن مالك كالمذهبين. 2516 - قال سعيد بن منصور: ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد (2) قال: حدَّثني محمَّد بن عمارة أنَّ أبا بكر بن محمَّد قال: خطب عمر (3) الناس، فقال: لا شفعة في بئر ولا فحل.
2516/أ- وقد روى أصحابنا: أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا شُفْعَة في فناء، ولا طريق، ولا منقبة ". والمنقبة: الطريق الضيق بين القوم لا يمكن قسمته. وإنَّما وجبت الشُّفْعة لأجل الضرر الذي يلحق الشريك بإحداث (1) المرافق، وهذا معدومٌ فيما لا يقسم. ز: الأثر الذي ذكره منقطعٌ، وهو مشهورٌ عن عثمان: 2517 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا ابن إدريس عن محمَّد بن عمارة عن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن أبان بن عثمان عن عثمان: لا شُفْعة في بئرٍ ولا فحل ولا رف (2). قال أحمد: ما أصحَّه من حديث. ذكره الخلال. وذكره الدَّارَقُطْنِيُّ في كتاب " لعلل " موقوفًا ومرفوعًا، وقال: والموقوف أصحُّ (3). 2518 - وقال الطَّحاويُّ: ثنا أحمد بن داود ثنا يعقوب ثنا مَعْن بن عيسى عن محمَّد بن عبد الرحمن عن عطاء عن ابن عبَّاسٍ: لا شُفْعة في الحيوان (4) O. *****
مسألة (560): لا شفعة لذمي على مسلم، وهو قول الشعبي، خلافا
مسألة (560): لا شفعة لذميٍّ على مسلم، وهو قول الشعبيِّ، خلافًا لأكثرهم. 2519 - قال أبو أحمد بن عَدِيٍّ: حدَّثنا القاسم بن زكريا ثنا حفص الرَّبَاليُّ ثنا نائل بن نجيح ثنا سفيان عن حُميد عن أنسٍ أنَّ رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا شُفْعة لنصرانيٍّ " (1). 2520 - وقال الخطيب: أخبرنا محمَّد بن أحمد بن رزق أنا إسماعيل بن محمَّد الصفَّار ثنا محمَّد بن سنان القزَّاز ثنا نائل بن نجيح عن سفيان عن حُميد عن أنسٍ - مرَّةً رفعه، ومرَّةً لم يرفعه- قال: لا شفعة لنصرانيٍّ. قال الخطيب: أنا البَرْقَانِيُّ أنا الدَّارَقُطْنِيُّ- وسُئل عن حديث حُميد عن أنسٍ قال: قال رسول اللهءصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا شفعة لنصرانيٍّ "- فقال: يرويه نائل بن نجيح عن الثوريِّ عن حُميد عن أنسٍ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو وهمٌ، والصواب عن حُميد الطويل عن الحسن من قوله. قال أبو الحسن: نائل بغداديٌّ. قلت: ثقةٌ؟ قال: لا. قال الخطيب: روى حديث الشُّفْعة وكيعٌ وأبو حذيفة عن سفيان عن حُميد عن الحسن قوله، وهو الصحيح (2). ز: هذا الحديث غير مخرَّجٍ في شيءٍ من "السنن"، وقد رواه أيضًا محمَّد بن يوسف الفِرْيَابيُّ ومحمَّد بن كثير العَبْدِيُّ وعبد الله بن الوليد عن سفيان عن حُميد عن الحسن قوله.
قال البيهقيُّ: هذا هو الصواب من قول الحسن (1). وقال ابن عَدِيٍّ: أحاديث نائل مظلمةٌ جدًا، وخاصة إذا روى عن الثوريِّ (2). وقال ابن أبي حاتم: قال أبي في حديث رواه نائل بن نجيح عن الثوريِّ عن حُميد عن أنسٍ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا شفعة للنصرانيِّ ". قال: هو باطلٌ (3) O. *****
مسائل الإجارة
مسائل الإجارة مسألة (561): إذا استأجر دارًا كلَّ شهر بشيءٍ معلومٍ، لزمه في الشهر الأوَّل، وما بعده من الشهور يلزم بالدخول فيه. وعنه: لا يصحُّ في الجميع، كقول الشافعيِّ. 2521 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا إسماعيل أنا أيُّوب عن مجاهد قال: قال عليٌّ عليه السلام (1): جُعْتُ مرَّةً بالمدينة جوعًا شديدًا، فخرجت أطدب العمل في عوالي المدينة، فإذا أنا بامرأة قد جمعت مدرًا، فطننتها تريد بلَّه، فأتيتها، فقاطعتها: كلّ ذنوبٍ على تمرة، فمددت ستة عشر ذنوبا، حتى مجلت يداي (2)، ثُمَّ أتيت الماء فأصبت منه، ثُمَّ أتيتها، فقلت بكفِّي هكذا بين يديها- وبسط إسماعيل يديه وجمعهما-، فعدَّت لي ستَّ عشرة تمرة، فأتيت النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخبرته، فكل معي منها (3). وقد رواه عكرمة عن ابن عبَّاسٍ فذكر القصة. ز: حديث مجاهد عن علىٍّ منقطعٌ، قال أبو زرعة: مجاهد عن علىٍّ
مسألة (562): لا يجوز أخذ الأجرة على القرب- كتعليم القرآن،
مرسلٌ (1). وقال أبو حاتم: مجاهد أدرك عليًّا، لا يذكر رؤيةً ولا سماعًا (2). وقال الدُّورِيُّ: قيل ليحيى بن معين: يروى عن مجاهد أنَّه قال: خرج علينا عليٌّ. قال: ليس هذا بشيءٍ (3). وحديث عكرمة عن ابن عبَّاسٍ: رواه ابن ماجة عن محمَّد بن عبد الأعلى الصنعانيِّ عن المُعْتَمر بن سليمان عن أبيه عن حَنَشٍ عنه (4). وحنش اسمه: حسين بن قيس، وقد ضعَّفوه، إلا الحاكم، فإنَّه وثَّقه (5). 2522 - وقال ابن ماجة: حدَّثنا محمَّد بن بشَّار ثنا عبد الرحمن ثنا سفيان عن أبي إسحاق عن أبي حَيَّة عن عليٍّ قال: كنت أدلو الدلو بتمرةٍ، وأشترط أنَّها جَلِدَةٌ (6). هذا إسنادٌ صالحٌ O. ***** مسألة (562): لا يجوز أخذ الأجرة على القُرَب- كتعليم القرآن، والأذان، والصلاة، وتعليم الفرائض، ورواية الحديث-. وقال مالك والشافعيُّ: يجوز.
2523 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا حسن بن موسى ثنا حمَّاد بن سلمة عن سعيد الجُريريِّ عن أبي العلاء بن الشِّخِّير عن مطرِّف بن عبد الله أنَّ عثمان بن أبي العاص قال: يا رسول الله، اجعلني إمام قومي. قال: " اقتد بأضعفهم، واتَّخذ مؤذِّنًا لا يأخذ على أذانه أجرًا " (1). ز: رواه أبو داود (2) والنسائيُّ (3) من حديث حمَّاد، وإسناده جيِّد، وقد روي من وجهٍ آخر O. 2524 - قال أحمد: وحدَّثنا وكيع ثنا مغيرة بن زياد عن عُبَادة بن نُسَيٍّ عن الأسود بن ثعلبة عن عبادة بن الصامت قال: علَّمت ناسًا من أهل الصفة الكتابة والقرآن، فأهدى إليَّ رجلٌ منهم قوسًا، فقلت: أرمي عنها في سبيل الله تعالى. فسألت النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " إن سرَّك أن تطوَّق بها طوقًا من نارٍ فاقبلها" (4). قال المصنِّف: المغيرة ضعيفٌ. ز: المغيرة: مختلفٌ في توثيقه: وثَّقه وكيع (5) وابن معين (6) والعِجْليُّ (7) وغيرهم، وتكلَّم فيه أحمد (8) والبخاريُّ (9) وأبو حاتم (10)
وغيرهم، وصحَّح حديثه هذا الحاكم (1)، وقال في موضع آخر: المغيرة بن زياد صاحب مناكير، لم يختلفوا في تر، ويقال: إنَّه حدَّث عن عبادة بن نُسَيٍّ بحديثٍ موضوعٍ (2). وقد أخطأَ الحاكم في هذا القول وتناقض. وقد روى هذا الحديث: أبو داود (3) وابن ماجة (4) من رواية مغيرة. وقال ابن المدينيِّ: إسناده كلُّه معروف، إلا الأسود بن ثعلبة، فإنَّا لا نحفظ عنه إلا هذا الحديث (5). وقد رواه أبو داود من حد بقيَّة عن بشر بن عبد الله بن يسار عن عبادة بن نُسَيٍّ عن جُنادة بن أبي أميَّة عن عبادة بن الصامت (6). تابعه أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجَّاج عن بشر بن عبد الله O. 2525 - وقال ابن ماجة: حدَّثنا سهل بن أبي سهل ثنا يحيى بن سعيد عن ثور بن يزيد قال: حدَّثني عبد الرحمن بن سَلْم عن عطيَّة الكَلاعِيِّ عن أُبَيِّ ابن كعب قال: علَّمت رجلاً القرآن، فأهدى لي قوسًا، فذكرت ذلك لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " إن أخذتها أخذت قوسًا من نارٍ ". فرددتها (7). ز: عبد الرحمن بن سَلْم: لبس بالمشهور، وروى له ابن ماجة هذا الحديث الواحد، وقد ذكر شيخنا في "الأطراف " بينه وبين ثور: (خالد بن
معدان)، وذلك وهمٌ، ثُمَّ قال في هذا الحديث: رواه موسى بن عُلَيِّ بن رباحٍ عن أبيه عن أُبَيِّ بن كعبٍ. ورواه محمَّد بن جُحَادة عن رجل- يقال له: أبان- عن أُبَيِّ بن كعبٍ. ورواهُ بُنْدَار عن يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن سَلْم (1) عن عطيَّة بن قيسٍ الكَلاعِيِّ أنَّ أُبَيَّ بن كعبٍ علَّم رجلاً .... 2526 - وروى هشام بن عمَّار عن عمرو بن واقد عن إسماعيل بن عبيد الله عن أمِّ الدرداء عن أبي الدرداء أنَّ أُبَيَّ بن كعبٍ أقرأ رجلاً من أهل اليمن سورةً، فرأى عنده قوسًا فقال: تبيعنيها؟ قال: لا، بل هي لك. فسأل النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " إن كنت تريد أن تقلَّد قوسًا من نارٍ فخذها ". 2527 - وروى إسماعيل بن عيَّاش عن عبد ربِّه بن سليمان بن عمير بن زيتون عن الطفيل بن عمرو الدَّوسيِّ قال: أقرأني أُبَيُّ بن كعبٍ القرآن، فأهديت له قوسًا، فغدا إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو متقلدها ... فذكر الحديث. انتهى ما ذكره (2)، وفي بعضه نظرٌ: فإنَّ محمَّد بن هارون [الرُّوْيَانيَّ] (3) رواه عن بُنْدَار بخلاف ما ذكر عنه، فقال:
2528 - حدَّثنا محمَّد بن بشَّار ثنا يحيى بن سعيد ثنا ثور بن يزيد عن عبد الرحمن بن أبي مسلم عن عطيَّة بن قيسٍ الكَلاعِيِّ عن أُبيِّ بنِ كعب أنَّّه علَّم رجلاً القرآن، فأهدى إليه قوسًا، فوقع في نفسي شيءٌ، فذكرت ذلك للنبيِّ عفًرِو، فقال: " إن أخذتها فخذها قوسًا من نارٍ " (1). وقال أبو الفرج- المؤلِّف- في كتاب "الضعفاء": وعبد الرحمن بن مسلم (2) يروي عن عطيَّة، ضعيفٌ (3). ولم ينسب ذلك إلى أحدٍ. 2529 - وقال عثمان بن سعيد الدارميُّ: ثنا عبد الرحمن بن يحيى بن إسماعيل بن عبد الله ثنا الوليد بن مسلم ثنا سعيد بن عبد العزيز عن إسماعيل بن عبيد الله عن أمِّ الدرداء عن أبي الدرداء أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أخذ قوسًا على تعليم القرآن، قلَّده الله قوسًا من نارٍ " (4). ورواه سَمُّويَه في "فوائده " عن عبد الرحمن. وقد روى مسلمٌ في "صحيحه" حديثًا عن داود بن رُشَيد عن الوليد بن مسلمٍ بهذا الإسناد عن أبي الدرداء في الصوم في السفر (5). وعبد الرحمن هذا: قال ابن أبي حاتم: روى عنه أبي، وسمح منه في
الرحلة الأولى، وسألته عنه، فقال: ما بحديثه بأسٌ، صدوقٌ (1). وقال دُحيم: حديث أبي الدرداء عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من تقلَّد قوسا على تعليم القرآن ... " ليس له أصلٌ (2). وقال البيهقيُّ: هو ضعيفٌ (3) O. وقد احتجَّ أصحابنا: 2530 - بما أخبرنا به محمَّد بن ناصر الحافظ أنا أبو سهل محمَّد بن إبراهيم بن سعدويه أنا أبو الفضل القرشيُّ ثنا أبو بكر بن مردويه ثنا أحمد بن كامل ثنا عليُّ بن حمَّاد بن السَّكَن ثنا أحمد بن عبد الله الهَرويُّ ثنا هشام بن سليمان المخزوميُّ عن ابن أبي مُلَيْكة عن ابن عبَّاسٍ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " المعلِّمون خير الناس، كلَّما خَلِقَ الذكر جدَّدوه، عظموهم، ولا تستأجروهم فتحرجوهم، فإنَّ المعلِم إذا قال للصبيِّ: قل: بسم الله الرحمن الرحيم، وقال الصبي: بسم الله الرحمن الرحيم، كلب الله: براءة الصبيِّ، وبراءة لوالديه، وبراءة للمعلِّم من النار ". قال المؤلِّف: وهذا الحديث لا يجوز الاحتجاج به، لأنَّه من عمل أحمد ابن عبد الله الهَرويِّ، وهو الجُوَيْبَاريُّ، وكان كذَّابًا يضع الحديث، أجمع أهل النقل على ذلك. ز: هذا الحديث موضوعٌ، وقد سقط بين هشام وابن أبي مُلَيْكة رجلٌ، أمَّا ابن جريج أو غيره.
والجُوَيْبَاريُّ: دجَّالٌ. والراوي عنه (علي بن حمَّاد بن السَّكَن): قال الدَّارَقُطْنِيُّ: هو متروكٌ (1) O. احتجُّوا بحديثين: 2531 - الحديث الأوَّل: قال البخاريُّ: حدَّثنا محمَّد بن بشَّار ثنا غُنْدر ثنا شعبة عن أبي بشر عن أبي المتوكِّل عن أبي سعيد الخدريِّ: أنَّ ناسًا من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتوا على حيٍّ من أحياء العرب، فلم يَقْرُوهم، فبينا هم كذلك إذ لُدغ سيِّدُ أولئك، فقالوا: هل معكم من دواءٍ أو راقٍ؟ فقالوا: إنَّكم لم تَقْرُونا، ولن نفعل حتى تجعلوا لنا جُعْلاً. فجعلوا لهم قطيعًا من الشاء، فجعل يقرأ بأمِّ القرآن، ويجمع بُزَاقَهُ ويَتْفِلُ، فبرأ، فأتوا بالشاء، وقالوا: لا نأخذ حتَّى نسأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فسألوه، فضحك وقال: " وما يدريك أنَّها رقيَّة؟! خذوها واضربوا لي بسهمٍ " (2). 2532 - الحديث الثاني: قال البخاريُّ: وحدَّثنا سيدان بن مضارب ثنا يوسف البرَّاء (3) قال: حدَّثني عبيد الله (4) بن الأخنس عن ابن أبي مُلَيْكة
مسألة (563): لا يجوز أخذ الأجرة على الحجامة، فإن دفع إليه من
عن ابن عبَّاسٍ: أنَّ نفرًا من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرُّوا بماءٍ فيهم لديغ- أو سليم- فعرض لهم رجلٌ من الماء، فقال: هل فيكم من راقٍ، إنَّ في الماء رجلاً لديغًا- أو سليمًا-؟ فانطلق رجلٌ منهم، فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء، فبرأ، فجاء بالشاء إلى أصحابه، فكرهوا ذلك، وقالوا: أخذت على كتاب الله أجرًا! حتَّى قدموا المدينة، فقالوا: يارسول الله، أخذ على كتاب الله أجرًا؟! فقال عليه السلام: " إنَّ أحقَّ ما أخذتم عليه أجرًا كتابُ الله " (1). الحديثان في "الصحيحين". وقد أجاب أصحابنا عنهما بثلاثة أجوبة: أحدها: أنَّ القوم كانوا كفَّارًا، فجاز أخذ أموالهم. والثاني: أنَّ حقَّ الضيف لازمٌ، ولم يضيفوهم. والثالث: أنَّ الرقية ليست بقربة محضة، فجاز أخذ الأجرة عليها. ز: حديث ابن عبَّاسٍ: لم يروه مسلمٌ، بل انفرد به البخاريُّ، ولا عموم فيه O. ***** مسألة (563): لا يجوز أخذ الأجرة على الحجامة، فإن دفع إليه من غير شرط ولا عقد، لم يجز للحرِّ أكله، ولكن يعلفه ناضحه، ويطعمه رقيقه. وقال أكثرهم: يجوز.
2533 - قال الترمذيُّ: حدَّثنا محمَّد بن رافع ثنا عبد الرزَّاق أنا مَعْمَر عن يحيى بن أبي كثير عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظٍ عن السائب بن يزيد عن رافع بن خَدِيجٍ أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " كسب الحجَّام خبيثٌ " (1). ز: رواه مسلمٌ عن إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزَّاق (2)، وصحَّحه الترمذيُّ O. 2534 - وقال الإمام أحمد: حدَّثنا سفيان عن الزهريِّ عن حرام بن سعد بن مُحَيِّصة: أن مُحَيِّصة سأل النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن كسب حجَّامٍ له، فنهاه عنه، فلم يزل يكلِّمه حتَّى قال: " اعلفه ناضحك، أو أطعمه رقيقك " (3). 2535 - قال أحمد: وحدَّثنا حجَّاج بن محمَّد أنا ليث قال: أخبرني يزيد بن أبي حبيب عن أبي عفير (4) الأنصاريِّ عن محمَّد بن سهل بن أبي حَثْمَة عن مُحَيِّصة بن مسعود الأنصاريِّ: أنَّه كان له غلامٌ حجَّامٌ- يقال له: نافع أبو طيبة- فانطلق إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسأله عن خَرَاجِه، فقال: " لا تقربه ". فردَّد على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " اعلف به الناضح، واجعله في كرشه " (5). 2536 - قال أحمد: وحدَّثنا عبد الصمد ثنا هشام عن (6) يحيى
[عن] (1) محمَّد [بن] (2) أيُّوب: أنَّ رجلاً من الأنصار- يقال له: مُحَيِّصة- حدَّثه: أنَّه كان له غلام حجَّام، فزجره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن كسبه، فقال: ألا أطعمه أيتامًا لي؟ قال: " لا ". قال: أفلا أتصدَّق به؟ قال: " لا ". فرخَّص له أن يعلفه ناضحه (3). ز: رواه أبو داود عن القَعْنَبِيِّ عن مالكٍ عن ابن شهابٍ عن ابن مُحَيِّصة عن أبيه (4). ورواه الترمذيُّ عن قتيبة عن مالكٍ عن ابن شهابٍ عن ابن مُحَيِّصة- أخي بني حارثِة- عن أبيه، وقال: حسنٌ (5) O. ورواه ابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة عن شَبَابة عن ابن أبي ذئب عن الزهريِّ عن حرام بن مُحَيِّصة عن أبيه نحوه (6). وقد رواه محمَّد بن إسحاق عن الزهريِّ عن حرام بن سعد بن مُحَيصِّة عن أبيه عن جدِّه. والإسنادان الآخران فيهما من تجهل حاله. وقال ابن أبي حاتم: محمَّد بن أيُّوب، روى عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً: أنَّ مُحَيِّصة سألَ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الحجَّام ... روى ابن وهب عن عمرو بن الحارث
عن سعيد بن أبي هلال عن حديج بن صومي عنه، سمعت أبي يقول ذلك، سألت أبي عنه، فقال: هو مجهول (1). وقال البخاريُّ في "التاريخ ": محمَّد بن أيُّوب أن مُحَيِّصة سأل النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الحجَّام ... قال لي إسحاق: سمع وهبًا سمع هشامًا عن يحيى بن أبي كثير (2) O. احتجُّوا: 2537 - بما رواه الإمام أحمد، قال: حدَّثنا أبو داود عن زَمْعة عن ابن طاوس عن أبيه عن عكرمة عن ابن عبَّاسٍ: أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احتجم، وأعطى الحجَّام أجره (3). أخرجاه في "الصحيحين". ز: هذا الحديث لم يخرِّجه أحدٌ من أئمة "الكتب السِّتَّة" بهذا الإسناد، بل هو مخرَّجٌ في "الصحيحين" من حديث ابن طاوس عن أبيه عن ابن عبَّاسٍ (4) O. 2538 - قال أحمد: وحدَّثنا محمَّد بن جعفر ثنا شعبة عن الشعبيِّ (5) عن ابن عبَّاسٍ أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا غلامًا لبني بياضة يحجمه، وأعطى الحجَّام
مسألة (564): يجوز استئجار الظئر والخادم بطعامه وكسوته.
أجره: مدًّا ونصفًا، وكلَّم مواليه فحطُّوا عنه نصف مدٍّ، وكان عليه مدَّان (1). انفرد بإخراجه مسلمٌ (2). ز: كذا ذكره، وقد سقط بين شعبة والشعبيِّ رجلٌ، وقد رواه مسلمٌ من حديث مَعْمَر عن عاصم عن الشعبيِّ O. 2539 - وقال الترمذيُّ: حدَّثنا عليُّ بن حُجْر أنا إسماعيل بن جعفر عن حُميد قال: سُئل أنس عن كسب الحجَّام، فقال: احتجم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حجمه أبو طيبة، فأمر له بصاعين من طعام، وكلَّم أهله فوضعوا عنه من خراجه. قال الترمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (3). وجوابه: أنَّ في أحاديثنا زيادةَ بيان. ز: حديث أنس: رواه مسلمٌ عن يحيى بن أيُّوب وقتيبة وعليِّ بن حُجْرٍ، ثلاثتهم عن إسماعيل بن جعفر به (4) O. مسألة (564): يجوز استئجار الظئر والخادم بطعامه وكسوته. وعنه: لا يجوز، كقول الشافعيِّ.
مسألة (565): لا يصح الاستئجار لحمل الخمر، ومتى حمله لم يستحق أجرة.
وقال أبو حنيفة: يجوز في الظئر دون الخادم. 2540 - قال ابن ماجة: حدَّثنا محمَّد بن المُصَفَّى ثنا بقيَّة عن مسلمة بن عليٍّ عن سعيد بن أبي أيُّوب عن الحارث بن يزيد عن عُلَيِّ بن رباح قال: سمعت عتبة بن النُّدَّر يقول: كُنَّا عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقرأ: (طس) (1) حتى بلغ قصة موسى عليه السلام فقال: " إن موسى أجر نفسه ثمان سنين، أو عشرا، على عفَّة فرجه، وطعام بطنه " (2). ز: هذا الحديث انفرد به ابن ماجة. ومسلمة بن عليٍّ: أجمعوا على ضعفه، وقال النسائيُّ (3) وغيره: متروك الحديث. وقال ابن عَدِيٍّ: أحاديثه غير محفوطة (4) O. ***** مسألة (565): لا يصحُّ الاستئجار لحمل الخمر، ومتى حمله لم يستحق أجرة. وعنه: [يصحُّ] (5)، ويستحقُّ الأجرة، كقول أبي حنيفة. لنا: أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لعنت الخمر بعينها وحاملها ". وقد سبق الحديث بإسناده (6). *****
مسائل المساقاة
مسائل المساقاة مسألة (566): تجوز المساقاة في النخل والكرم والشجر، وكلِّ أصلٍ له ثمرٌ. وقال أبو حنيفة: لا تجوز بحالٍ. وقال الشافعيُّ: تجوز في النخل والكرم، وبقيَّةُ الشجر على قولين. وقال داود: لا تجوز إلا في النخل. 2541 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا ابن صاعد ثنا عبيد الله بن سعد ثنا عمِّي ثنا أبي عن ابن إسحاق قال: حدَّثني نافع عن عبد الله بن عمر بن الخطَّاب عن أبيه عمر: أنَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ساقى يهود خيبر على تلك الأموال على الشطر، وسهامهم معلومة (1). 2542 - قال ابن صاعد: وحدَّثنا يعقوب بن إبراهيم ثنا يحيى بن سعيد قال: حدَّثني عبيد الله قال: أخبرني نافع عن ابن عمر: أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دفع خيبر إلى أهلها على الشطر مما يخرج منها (2). أخرجاه في "الصحيحين" (3).
ز: حديث ابن إسحاق: رواه أبو داود متفرِّدًا به عن أحمد بن حنبل عن يعقوب بن إبراهيم به (1) O. 2543 - وقال الإمام أحمد: حدَّثنا سريج بن النعمان ثنا هُشيم عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن مِقْسَم عن ابن عبَّاسٍ: أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دفع خيبر- أرضها ونخلها- مقاسمة على النصف (2) O. ز: رواه ابن ماجة عن إسماعيل بن توبة عن هُشيم (3). وابن أبي ليلى: فيه كلامٌ. والحكم: لم يسمع من مِقْسَم إلا خمسة أحاديث. قاله شعبة (4) O. احتجُّوا: 2544 - بما رواه الترمذيُّ، قال: حدَّثنا بُنْدَار ثنا عبد الوهاب الثقفيُّ ثنا أيُّوب عن أبي الزبير عن جابر: أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن المحاقلة، والمزابنة، والمخابرة، والمعاومة. قال الترمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (5). ز: رواه مسلمٌ (6) وأبو داود (7) والنسائيُّ (8) من حديث أيُّوب O.
قال أبو عبيد: الخِبر- بكسر الخاء-، والمخابرة هي: المزارعة بالنصف والثلث والربع وأقلّ وكثر (1). وقال ابن الأعرابي: أصل المخابرة من خيبر، لأنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان أقرَّها في أيدي أهلها على النصف، فقيل: خابرهم- أي عاملهم في خيبر-، ثُمَّ تنازعوا، فهي عن ذلك. واحتجُّوا: 2545 - بما رواه الإمام أحمد، قال: حدَّثنا سفيان قال: سمعت عمرًا سمع ابن عمر قال: كنَّا نخابر ولا نرى بذلك بأسًا، حتَّى زعم رافع بن خَدِيج: أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عنه، فتركناه (2). انفرد بهذا اللفظ مسلمٌ (3). والجواب عن الحديثين من ثلاثة أوجه: أحدها: أنَّه إنَّما نهى عن ذلك لأجل خصومات كانت تجري بينهم: 2546 - قال البخاريُّ: حدَّثنا سليمان بن حرب ثنا حمَّاد عن أيُّوب عن نافع عن ابن عمر: أنَّه كان يُكْرِي مزارعه على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر وعمر وعثمان وصدرًا من إمارة معاوية، ثُمَّ حُدِّث عن رافع بن خَدِيج أنَّ النبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضهى عن كراء المزارع، فذهب ابن عمر إلى رافع، فذهبت معه، فسأله، فقال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن كراء المزارع. فقال ابن عمر: قد عَلِمْتَ أنَّا كنَّا نُكْرِي مزارعنا على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بما على
الأربعاء، وبشيءٍ من التبن (1). 2547 - قال البخاريُّ: وحدَّثنا محمَّد أنا عبد الله أنا يحيى بن سعيد عن حنظلة بن قيس سمع رافع بن خَدِيج قال: كنَّا أكثر أهل المدينة مُزْدَرَعًا، كنَّا نُكْرِي الأرض بالناحية منها مسمًّى لسيِّد الأرض. قال: فربَّما يصاب ذلك وتسلم الأرض، وتسلم الأرض ويصاب ذلك (2)، فنهينا، وأمَّا الذهب والوَرِق فلم يكن يومئذٍ (3). الطريقان في "الصحيحين". 2548 - وقال الإمام أحمد: حدَّثنا إسماعيل ثنا عبد الرحمن بن إسحاق عن أبي عُبيدة بن محمَّد بن عمَّار عن الوليد بن أبي الوليد عن عروة بن الزبير قال: قال زيد بن ثابت: يغفر الله لرافع بن خَدِيج، أنا- والله- أعلم بالحديث منه، إنَّما أتى رجلان قد اقتتلا، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن كان هذا شأنكم فلا تُكْرُوا المزارع ". فسمع رافع قوله: " لا تُكْرُوا المزارع " (4). ز: رواه أبو داود (5) والنسائيُّ (6) وابن ماجة (7) من حديث
مسألة (567): تصح المزارعة ببعض ما تخرج الأرض.
عبد الرحمن بن إسحاق، وهو من رجال مسلمٍ (1)، وهذا حديث حسنٌ O. والجواب الثاني: أنَّهم كانوا يكرون بما يخرج على الأربعاء- وهي جوانب الأنهار- وما على الماذيانات، وذلك أمرٌ يفسد العقد على ما بيَّنَّا. والثالث: أنَّه يحمل النهي على التنزيه، ولهذا قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لأن يمنح أحدكم أخاه أرضه، خيرٌ له من أن يأخذ عليها أجرًا معلومًا ". ***** مسألة (567): تصحُّ المزارعة ببعض ما تُخرج الأرض. وقال الشافعيُّ: لا تجوز في الأرض البيضاء، وتجوز إذا كان في الأرض نخل أو كرم تبعا. وقال أبو حنيفة ومالكٌ: لا تصحُّ بحالٍ. لنا: حديث ابن عمر المتقدِّم في المساقاة (2). واحتجُّوا: بحديث رافع: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المخابرة. وقد سبق جوابه، ولأيِّ علَّة نهى (3). *****
مسألة (568): لا ضمان على الأجير المشترك فيما لم تجن يداه، كالقصار
مسألة (568): لا ضمان على الأجير المشترك فيما لم تجن يداه، كالقصَّار لا يضمن ما لم تعرف جناية من يده. وعنه: عليه الضمان. وقال مالك: عليه ضمان ما جنت يداه، وما لم تجن. وللشافعيِّ قولان. لنا: حديث سَمُرة: " على اليد ما أخذت حعتى تؤدِّي ". وقد سبق في مسألة غصب الساجة (1). 2549 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا الحسن بن إسماعيل ثنا عبد الله بن شبيب قال: حدَّثني اسحاق بن محمَّد ثنا يزيد بن عبد الملك عن محمَّد بن عبد الرحمن الحَجَبِيِّ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا ضمان على مؤتمن " (2). ز: هذا الإسناد لا يعتمد عليه، فإنَّ يزيد بن عبد الملك ضعَّفه أحمد (3) وغيره، وقال النسائيُّ: متروك الحديث (4). وعبد الله بن شبيب: ضعَّفوه.
مسألة (569): يجوز كراء الأرض بالثلث والربع مما تخرج.
2550 - وقال الشافعيُّ: أنا إبراهيم بن أبي يحيى عن جعفر بن محمَّد عن أبيه أنَّ عليَّ بن أبي طالبٍ ضمَّن الغسَّال والصبَّاغ، وقال: لا يصلح الناس إلا ذلك. قال الشافعيُّ: ولا يُثْبت أهل الحديث مثل هذا (1). وقد رواه البيهقيُّ من رواية سليمان بن بلال عن جعفر (2) O. ***** مسألة (569): يجوز كراء الأرض بالثلث والربع مما تخرج. وعنه: المنع، كقول أكثرهم. 2550/أ - وقد روى أصحابنا من حديث ابن عبَّاسٍ: أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من كان مكريا أرضا فليكر بالربع أو بالثلث ". ز: هذا الحديث بهذا اللفظ فتَّشت عليه فلم أقف له على إسناد. 2551 - وقد قال النسائيُّ: أخبرنا عليُّ بن حُجْرٍ أنا عبيد الله عن عبد الكريم عن مجاهد قال: أخذت بيد طاوس حتى أدخلته على ابن رافع بن خَدِيج، فحدَّثه عن أبيه عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه نهى عن كراء الأرض. [فأبى] (3) طاوس وقال: سمعت ابن عبَّاسٍ لا يرى بذلك بأسًا (4).
2552 - وقال ابن ماجة: حدَّثنا أحمد بن ثابت الجحدريُّ ثنا عبد الوهاب عن خالد عن مجاهد عن طاوس أنَّ معاذ بن جبل كرى الأرض على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكرٍ وعمر وعثمان على الثلث والربع، فهو يعمل به إلى يومك هذا (1). طاوس لم يلق معاذًا (2) O. احتجُّوا: 2553 - بمارواه الإمام أحمد، قال: حدَّثنا وكيع ثنا شَريك عن أبي حَصين عن مجاهد عن رافع بن خَدِيج قال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تستأجر الأرض بالدراهم المنقودة، أو بالثلث والربع (3). 2554 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا البيعويُّ ثنا محمَّد بن حُميد ثنا عبد الرحمن بن مَغْراء عن عُبيدة الضَّبِّيِّ عن عبد الحميد بن عبد الرحمن عن سالم ابن عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر عن عائشة: أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج في مسيرٍ له، فإذا هو بزرعٍ يهتزُّ، فقال: " لمن هذا؟ ". قالوا: لرافع بن خَدِيج. فأرسل إليه- وكان أخذ الأرض بالنصف أو الثلث-، فقال: " انظر نفقتك في هذه الأرض، فخذها من صاحب الأرض، وادفع إليه أرضه " (4). والجواب: أمَّا الحديث الأوَّل: ففيه شَريك، وكان يحيى بن سعيد لا يحدِّث عنه،
ويقول: ما زال مخلطًا (1). وقال أبو حاتم الرازيُّ: له أغاليط (2). وقال أبو زرعة: صاحب وهمٍ (3). ولا يعلم أنَّ مجاهدًا سمع من رافع. وأمَّا الثاني: ففيه: عبد الحميد، وهو: الحِمَّانِيُّ، ضعَّفه أحمد (4). وفيه عُبيدة الضَّبِيِّ: قال يحيى: ليس بشيءٍ (5). وقال أحمد: ترك الناس حديثه (6). وفيه عبد الرحمن بن مَغْراء: قال عليُّ بن المدينيِّ: ليس بشيءٍ (7). وفيه محمَّد بن حُميد: كذَّبه أبو زرعة (8) وابن وارَة (9)، وقال النسائيُّ: ليس بثقةٍ (10). وقال صالح بن محمَّد الحافظ: ما رأيت أحذق (11) بالكذب منه، ومن الشَّاذَكُونِيِّ (12)! ثُمَّ قد حمل أصحابنا هذه الأحاديث على: أنَّهم كانوا يؤجِّرون بهذا، وبأشياء مجهولة. ز: حديث مجاهد عن رافع: مضطربٌ، ولم يخرِّجه أحدٌ من أئمة
"الكتب السِّتَّة" من رواية شَريك. وقد رواه الترمذيُّ من رواية أبي بكر بن عيَّاش (1)، والنسائيُّ من رواية أبي عوانة (2)، كلاهما عن أبي حَصين بيعير لفظ شَريك. ومجاهد لم يسمع من رافع هذا، بل بينهما واسطةٌ، كما جاء ذلك من غير وجهٍ، والله أعلم هل سمع منه شيئًا أم لا؟ وحديث عائشة: لم يخرِّجه أحدٌ منهم. وعبد الحميد بن عبد الرحمن هو: ابن زيد بن الخطَّاب، وهو من الثقات المخرَّج لهم في "الصحيحين" (3). وقول المؤلِّف: (هو الحِمَّانِيُّ) وهمٌ قبيحٌ، وخطأٌ فاحشٌ، فإنَّ هذه الطبقة ليست طبقة الحِمَّانِيِّ، بل الحِمَّانِيُّ متأخرٌ عن هذا بكثيرٍ، يروي عنه عبَّاس الدُّوريُّ وطبقته، وعُبيدة بن مُعَتِّب الضَّبِّيُّ أكبر من الحِمَّانِيِّ بكثيرٍ، بل هو في طبقة كبار شيوخه. وعبد الرحمن بن مَغْراء: وثَّقه بعض الأئمة، وضعَّفه بعضهم. وفي الجملة حديث عائشة هذا ضعيفٌ لا يجوز الاحتجاج به، لحال عُبيدة ومحمَّد بن حُميد، والله أعلم O. *****
مسألة (570): لا يجوز إحياء ما باد أهله من الأراضي.
مسائل إحياء المَوَات مسألة (570): لا يجوز إحياء ما باد أهله من الأراضي. وعنه: يجوز، كقول أبي حنيفة ومالك. 2555 - قال سعيد بن منصور: حدَّثنا إسماعيل بن عيَّاش قال: حدَّثني ليثٌ عن طاوسٍ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عادي الأرض لله ولرسوله، ثُمَّ لكم بعد، ومن أحيا مَوَاتا من الأرض فله رقبتها ". ز: هذا دليل للرواية الثانية، لكنَّه مرسلٌ، وإسناده غير قويٍّ، والله أعلم O. ***** مسألة (571): لا يفتقر التملك بالإحياء إلى إذن الإمام. وقال أبو حنيفة: يفتقر. وقال مالك: ما كان في الفلوات لم يفتقر، وما قرب من العمران افتقر. 2556 - قال الترمذيُّ: حدثنا محمَّد بن بشَّار ثنا عبد الوهاب ثنا أيُّوب عن هشام بن عروة عن وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أحيا أرضًا ميتة فهي له ".
قال الترمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (1). وقد سبق في مسألة: " إذا غصب أرضًا " أيضًا (2). ز: هذا الحديث رواه الإمام أحمد عن يونس عن حمَّاد- وهوابن زيدٍ - عن هشام بن عروة به (3). ورواه النسائيُّ عن محمَّد بن يحيى بن أيُّوب عن الثقفيِّ، ولفظه: " من أحيا أرضًا ميتةً فله فيها أجرٌ " (4). وقال الإمام أبو محمَّد المقدسيُّ في "الكافي"- بعد أن ذكر هذا الحديث-: (متفق عليه) (5) وذلك وهمٌ. وقد روي هذا الحديث عن هشام بن عروة عن عبيد الله بن عبد الرحمن ابن رافع عن جابرٍ، وروي عنه عن سعيد بن زيدٍ - وقد مضى- (6) O. *****
مسألة (572): إذا حوط على موات ملكه.
مسألة (572): إذا حوط على موات ملكه. وقال الشافعيُّ: لا يملك أرضًا حتَّى يستخرج لها ماءً ويزرعها، ولا دارًا حتَّى يقطعها بيوتًا ويسقفها. 2557 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا عبد الوهاب الخفَّاف ثنا سعيد عن قتادة عن الحسن عن سَمُرة بن جُنْدب قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أحاط حائطًا على أرضٍ فهي له " (1). ز: رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل عن محمَّد بن بشر العَبْدِيِّ عن سعيدٍ (2) O. ***** مسألة (573): حريم البئر العاديِّ خمسون ذراعًا، والبَدِئ (3) خمسة وعشرون. وقال أبو حنيفة: أربعون. وقال الشافعيُّ: ما يحتاج إليه. 2558 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا عثمان بن عليٍّ الصيدلانيُّ ثنا محمَّد بن
يوسف المقرئ ثنا إسحاق بن أبي حمزة (1) ثنا يحيى بن الخصيب (2) ثنا هارون ابن عبد الرحمن عن ابراهيم بن أبي عَبْلة عن الزهريِ عن سعيد بن المسيَّب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حريم البئر البَدِيء خمسة وعشرون ذراعًا، وحريم البئر العاديَّة خمسون ذراعًا ". قال الدَّارَقُطْنِيُّ: الصحيح من هذا الحديث أنَّه مرسلٌ عن ابن المسيَّب، ومَنْ أسنده فقد وهم (3). ز: هذا الإسناد المتصل لا يثبت، لأنَّه جامع للمجهول والمتهم بالكذب. قال الدَّارَقُطْنِيُّ في محمَّد بن يوسف المقرئ: وضع نحوًا من ستين نسخة قراءات ليس لشيءٍ منها أصلٌ، ووضع الأحاديث المسندة والنسخ ما لا يضبط (4). وقد روى هذا الحديث أبو داود في "المراسيل " عن محمَّد بن كثير عن سفيان الثوريِّ عن إسماعيل بن أميَّة عن الزهريِّ عن سعيد مرسلاً (5)، وهو الصواب O. احتجُّوا: 2559 - بما رواه ابن ماجة، قال: حدَّثنا الحسن بن محمَّد بن الصَّبَّاح
ثنا عبد الوهاب بن عطاء ثنا إسماعيل المكيُّ عن الحسن عن عبد الله بن مُغَفَّل: أنَّ النبيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من حفر بئرًا فله أربعون ذراعًا عطنًا لماشيته " (1). 2560 - قال ابن ماجة: وحدَّثنا سهل بن أبي الصُغْديِّ ثنا منصور بن صقير ثنا ثابت بن محمَّد عن نافع أبي غالب عن أبي سعيد الخدريِّ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حريم البئر مَدُّ رشائها " (2). والجواب: أنَّ الحديثين [ضعيفان] (3)، [ففي الأوَّل] (4): عبد الوهاب، قال الرازيُّ: كان يكذب. وقال العُقَيْلِيُّ والنسائيُّ: متروك الحديث (5). وفيه إسماعيل المكيُّ، قال أحمد: منكر الحديث (6). وقال يحيى: ليس بشيءٍ (7). وقال عليٌّ: لا يكتب حديثه (8). وفي الثاني: منصور، قال ابن حِبَّان: لا يحتجُّ به إذا انفرد (9). ز: هذان الحديثان انفرد بهما ابن ماجة. وعبد الوهاب بن عطاء في الإسناد الأوَّل هو: الخفَّاف، وهو صدوقٌ،
مسألة (574): ما نبت من الكلأ، ونبع من الماء، في أرض إنسان،
من رجال مسلمٍ (1). وعبد الوهاب- الذي ذكر المؤلِّف كلام الرازيِّ (2) والنسائيِّ والعُقَيْليِّ (3) فيه-، هو: ابن الضحَّاك، وهو متأخرٌ عن الخَفَّاف. مع أنَّ عبد الوهاب لم ينفرد بهذا الحديث عن إسماعيل المكيِّ، فقد رواه ابن ماجة أيضًا عن الوليد بن عمرو بن السُّكين عن محمَّد بن عبد الله بن المثنَّى عن إسماعيل (4). واعلم أنَّ هذا الذي فعله المؤلِّف في هذا الحديث من أقبح الأشياء، فإنَّ ابن ماجة رواه في موضعٍ واحدٍ من رواية اثنين عن إسماعيل، فذكره هو من رواية أحدهما، ثم نسب إليه ما لم يقل فيه، مع أن الحديث يكفي في ضعفه كون إسماعيل فيه! ونافع أبو غالب في الإسناد الثاني: إن لم يكن الباهليَّ، فهو مجهولٌ. وثابت بن محمَّد- الراوي عنه-: ليس بالمشهور. والظاهر أنَّه مقلوبٌ، وفي إسناد الحديث اختلافٌ، والله أعلم O. ***** مسألة (574): ما نبت من الكلأ، ونبع من الماء، في أرض إنسان، فليس بملك له. وعنه: أنَّه ملك لصاحب الأرض، كقول الشافعيِّ.
مسألة (575): يلزمه بذل ما فضل عن حاجته من الماء.
2561 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا رَوْح ثنا ابن جريج قال: أخبرني عمرو بن دينار أنَّ أبا المنهال أخبره: أنَّ إياس بن عبدٍ - وكان من أصحاب النبيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: إنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن بيع فضل الماء (1). 2562 - وقال الترمذيُّ: حدَّثنا قتيبة ثنا داود بن عبد الرحمن العطَّار عن عمرو بن دينار عن أبي المنهال عن إياس بن عبدٍ المزنيِّ قال: نهى النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيع الماء. قال الترمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (2). ز: رواه أبو داود (3) والنسائيُّ (4) وابن ماجة (5) من حديث عمرو. وأبو المنهال اسمه: عبد الرحمن بن مُطْعِم. وهو في " صحيح مسلمٍ " من حديث جابر (6) O. ***** مسألة (575): يلزمه بذل ما فضل عن حاجته من الماء. وعنه: لا يلزمه ذلك، كقول أبي حنيفة والشافعيِّ. لنا: الحديث المتقدِّم. *****
مسائل الوقف
مسائل الوقف مسألة (576): يلزم الوقف بغير حكم الحاكم. وقال أبو حنيفة: لا يصحُّ إلا أن يحكم به حاكمٌ، أو يخرجه مخرج الوصيَّة. وصاحباه معنا. 2563 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا إسماعيل ثنا ابن عون عن نافع عن ابن عمر قال: أصاب عمر أرضًا بخيبر، فأتى النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاستأمره فيها، فقال: أصبتُ أرضًا بخيبر، لم أصب مالاً قطُّ أنفس عندي منه! فما تأمر به؟ قال: " إن شئت حبست أصولها وتصدَّقت بها ". قال: فتصدَّق بها عمر أن: لا تباع، ولا توهب، ولا تورث، فتصدَّق بها في القُرْبَى، وفي سبيل الله، وابن السبيل، والضيف، لا جناح على من وليها أن يكل منها بالمعروف، أو يطعم صديقًا غير متأثِّلٍ فيه مالاً (1). أخرجاه في "الصحيحين" (2). *****
مسألة (577): يجوز وقف المنقولات التي ينتفع بها مع بقاء عينها.
مسألة (577): يجوز وقف المنقولات التي ينتفع بها مع بقاء عينها. وقال أبو حنيفة: لا يصحُّ. وقال أبو يوسف: لا يصحُّ، إلا في الخيل والسلاح وبقر الضيعة وآلاتها. 2564 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا عليُّ بن حفص أنا ورقاء عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: بعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمر على الصدقة، فقيل: منع ابن جَمِيل وخالد بن الوليد والعبَّاس. فقال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما نقم ابن جَميل إلا أنَّه كان فقيرًا فأغناه الله؟! وأمَّا خالد فإنَّكم تظلمون خالدًا، فقد احتبس أدراعه في سبيل الله؛ وأمَّا العبَّاس فهي عليَّ ومثلها " (1). أخرجاه في "الصحيحين" (2). ***** مسألة (578): إذا وقف على غيره، واستثنى أن ينفق منه على نفسه حياته، صحَّ. وقال مالكٌ والشافعيُّ: لا يصحُّ. لنا: حديث عمر المتقدِّم، وأنَّه لا جناح على من وليها أن يأكل منها، وكان هو واليها (3). *****
مسائل الهبة
مسائل الهبة مسألة (579): يصحُّ هبة المشاع. وقال أبو حنيفة: لا يصحُّ فيما ينقسم. 2565 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا عبد الصمد ثنا حمَّاد بن سلمة ثنا محمَّد ابن إسحاق عن عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جدِّه قال: شهدت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم حنين، وجاءته وفود هوازن، فقالوا: يا محمَّد، مُنَّ علينا مَنَّ الله عليك. فقال: " اختاروا بين نسائكم وأموالكم وأبنائكم ". فقالوا: نختار أبناءنا. فقال: " أمَّا ما كان لي ولبني عبد المطَّلب، فهو لكم ". وقال المهاجرون: ما كان لنا فهو لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقالت الأنصار مثل ذلك (1). ز: رواه أبو داود عن موسى بن إسماعيل عن حمَّاد (2). ورواه النسائيُّ عن عمرو بن يزيد (3) عن ابن أبي عَدِيٍّ عن ابن إسحاق (4)، وهو حديثٌ حسنٌ O. *****
مسألة (580): العمرى تمليك الرقبة، وصفتها: أن يقول: أعمرتك
مسألة (580): العُمْرَى تمليك الرقبة، وصفتها: أن يقول: أعمرتك داري، وهي لك مدَّة حياتك. فإن مات من جُعلت له، انتقلت إلى ورثته، فإن لم يكن له وارث، فهي لبيت المال. وقال مالكٌ: هي تمليك المنافع، فإن مات رجعت إلى المُعمر. 2566 - قال البخاريُّ: حدَّثنا أبو نُعيم ثنا شَيبان عن يحيى عن أبي سلمة عن جابر قال: قضى النبيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالعُمْرَى لمن وهبت له (1). أخرجاه في "الصحيحين" (2). 2567 - وقال الإمام أحمد: حدَّثنا عبد الرزَّاق أنا سفيان عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أمسكوا عليكم أموالكم، ولا تعطوها أحدًا، فمن أعمر شيئًا فهو له " (3). ز: رواه مسلمٌ من رواية وكيع عن سفيان (4) O.
2568 - قال أحمد: وثنا محمَّد بن جعفر ثنا سعيد (1) عن قتادة عن عطاء عن جابر بن عبد الله: أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " العُمْرَى جائزةٌ لأهلها، - أو ميراثٌ لأهلها- " (2). ز: رواه البخاريُّ من حديث همَّام عن قتادة (3)، فيما ذكر صاحب " الأطراف " (4). ورواه مسلمٌ من رواية غُنْدر عن شعية عن قتادة (5) O.
2569 - قال أحمد: وحدَّثنا رَوْحٌ ثنا سفيان الثوريُّ عن حميد بن قيس عن محمَّد بن إبراهيم عن جابر: أنَّ رجلاً من الأنصار أعطى أمَّه حديقةً من نخلٍ حياتها، فماتت، فجاء إخوته، فقالوا: نحن فيه شرع سواء. فأبى، فاختصموا إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقسمها بينهم ميراثًا (1). ز: هذا الحديث لم يخرِّجه أحدٌ من أئمة "الكتب السِّتَّة"، ورواته ثقاتٌ، والله أعلم O. 2570 - قال أحمد: وحدَّثنا عبد الرزَّاق أنا ابن جريج قال: أخبرني عطاء عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا عُمْرَى ولا رقبى، فمن أعمر شيئًا أو أرقبه فهو له حياته ومماته " (2). ز: رواه النسائيُّ (3) وابن ماجة (4) من رواية عبد الرزَّاق. وقد صحَّح الترمذيُّ حديثًا من رواية حبيب عن ابن عمر (5). وقال الدَّارَقُطْنِيُّ في هذا الحديث: يرويه عطاء بن أبي رباح عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر مرفوعًا. ورواه يزيد بن زياد بن (6) أبي الجعد عن حبيب عن ابن عمر مرفوعًا في الرقبى دون العُمْرَى.
ورواه مِسْعَر (1) عن حبيب في العُمْرَى دون الرُّقْبَى مرفوعًا أيضًا. وروي عن أيّذُوب السَّختيانيُّ وعمرو بن دينار وكامل أبي (2) العلاء عن حبيب موقوفًا، والموقوف أشبه. انتهى كلامه (3)، وفي بعضه نظرٌ O. 2571 - قال أحمد: وحدَّثنا سفيان عن عمرو عن طاوس عن حُجْر المَدَرِيِّ عن زيد بن ثابت: أنَّ النبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جعل العُمْرَى للوارث (4). ز: رواه أبو داود (5) والنسائيُّ (6) وابن ماجة (7) من حديث عمرو، وفي إسناده اختلافٌ، وليس لحُجْر في "السنن" غير هذا الحديث O. 2572 - قال أحمد: وحدَّثنا حجَّاج عن أبي الزبير عن طاوس عن ابن عبَّاسٍ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أعمر عُمْرَى فهي لمن أعمرها جائزةٌ، ومن أرقب رُقْبَى فهي لمن أرقبها جائزةٌ، ومن وهب هبةً ثم عاد فيها فهو كالعائد في قيئه " (8). ز: كذا وجدته في نسختين، وقد سقط بين أحمد وحجَّاج: (أبو معاوية وابن نُمير) فإنَّ أحمد رواه عنهما عنه، وحجَّاج هو: ابن أرطأة. وقد رواه النسائيُّ من طريقه، ومن غير طريقه، وذكر الاختلاف
مسألة (581): وحكم الرقبى حكم العمرى، وصفتها: أن يقول
فيه (1)، والله أعلم O. ***** مسألة (581): وحكم الرُّقْبَى حكم العُمْرَى، وصفتها: أن يقول: أَرْقَبْتُك داري- أو يقول: الدار لك- فإن متَّ قبلي رجعت إليَّ، وإن متُّ قبلك فهي لك ولعقبك. وقال أبو حنيفة: الرُّقْبَى باطلةٌ. لنا: ما تقدَّم. 2573 - وقد روى الإمام أحمد، قال: حدَّثنا إبراهيم بن خالد ثنا رباح عن عمر بن حبيب عن عمرو بن دينار عن طاوس عن حُجْر المَدَرِيِّ عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله ىصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تُرْقِبُوا، فمن أرفب فسبيل الميراث " (2). ز: رواه الإمام أحمد أيضًا (3) والنسائيُّ (4) وابن حِبَّان (5) من طرقٍ عن طاوس.
مسألة (582): إذا فضل بعض ولده على بعض في العطية- مع تساويهم
وعمر بن حبيب هذا: وثَّقه أحمد (1) وغيره O. 2574 - وقال سعيد بن منصور: حدَّثنا سفيان عن ابن جريج عن عطاء عن جابر بن عبد الله عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " لا تُرْقِبُوا ولا تُعْمِروا، فمن أعمر عُمْرَى، أو أَرْقَب رُقبَى، فهي سبيل الميراث ". ز: رواه أبو داود عن إسحاق بن إسماعيل (2)، ورواه النسائيُّ عن محمَّد بن عبد الله بن يزيد (3)، كلاهما عن سفيان به. وقد روي عن عطاء عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر- وقد مضى (4) -. وروي عن عطاء عن النبيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً O. ***** مسألة (582): إذا فضَّل بعض ولده على بعضٍ في العطيَّة- مع تساويهم في الذكوريَّة والأنوثيَّة- أساء، وأُمر بارتجاع ذلك، وبالتسوية بينهم. وقال أكثرهم: لا يرجع. 2575 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا يحيى بن سعيد عن مُجالد ثنا عامر قال: سمعت النعمان بن بَشير يقول: إن أبي- بَشيرًا- وهب لي هبةً، فقالت
أمِّي: أَشهِد عليها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فأخذ بيدي، فانطلق بي حتَّى أتينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يا رسول الله، إنَّ أمَّ هذا الغلام سألتني أن أهب له هبةً، فوهبتها له، فقالت: أَشْهد عليها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأتيتك لأُشْهِدك. فقال: " رويدك، ألك ولدٌ غيره؟ ". قال: نعم. قال: " كلُّهم أعطيتهم كما أعطيته؟ ". قال: لا. قال: " فلا تشهدني على جَوْرٍ، إنَّ لبنيك عليك من الحقِّ أن تعدل بينها " (1). 2576 - قال أحمد: وحدَّثنا عبد الرزَّاق ثنا مَعْمَر عن الزهريِّ قال: أخبرني محمَّد بن النعمان بن بَشير وحُميد بن عبد الرحمن عن النعمان بن بَشير قال: ذهب أبي- بشير بن سعد- بل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليُشْهِدَه على نَحْلٍ نَحَلَنِيه، فقال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أكلُّ بنيك نَحَلْتَ مثل هذا؟ ". قال: لا. قال: " فأرجعها " (2). 2577 - قال أحمد: وحدَّثنا محمَّد بن أبي عَدِيٍّ عن داود عن الشعبيِّ عن النعمان بن بَشيرٍ قال: حملني أبي- بَشير بن سعدٍ- إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يارسول الله، أشهد أنِّي قد نَحَلْتُ النعمان كذا وكذا- شيئًا سمَّاه-. فقال: " أكلَّ ولدك نَحَلْتَ مثل الذي نَحَلْتَ النعمان؟ ". قال: لا. قال: " فأشهد غيري ". قال: " أليس يسرُّك أن يكونوا لك في البرِّ سواء؟ ". قال: بلى. قال: " فلا إذًا " (3). هذه الطرق مخرَّجةٌ في "الصحيحين". ز: طريق مجالد: ليست في "الصحيحين".
وطريق داود بن أبي هند: انفرد بها مسلمٌ O. 2578 - قال أحمد: وحدَّثنا سليمان بن حرب ثنا حمَّاد بن زيد عن حاجب بن المفضَّل بن المهلَّب بن أبي صُفْرَة عن أبيه قال: سمعت النعمان بن بَشير يخطب يقول: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اعدلوا بين أبنائكم، [اعدلوا بين أبنائكم] " (1). ز: رواه أبو داود عن سليمان (2)، ورواه النسائيُّ عن يعقوب بن سفيان عنه (3). ورواه عبد الله بن أحمد عن غير واحدٍ عن حمَّاد (4). وحاجب: وثَّقه ابن معين (5). وأبوه: وثَّقه ابن حِبَّان (6) O. احتجُّوا: 2579 - بما رواه سعيد بن منصور، قال: حدَّثنا إسماعيل بن عيَّاش عن سعيد بن يوسف عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ساووا بين أولادكم في العطيَّة، فلو كنت مفضلاً أحدًا لفضَّلت النساء".
مسألة (583): للأب الرجوع في هبته لولده سواء بان نفع ذلك عليه،
قلت: إسماعيل بن عيَّاش وسعيد بن يوسف: ضعيفان، فلا يعارض خبرُهما أخبارَنا الصحاح. ز: سعيد بن يوسف هو: الرَّحَبِيُّ، الشاميُّ، الصَّنعانيُّ، تكلَّم فيه الإمام أحمد (1) وابن معين (2) والنسائيُّ (3) وغيرهم، وقال أبو حاتم: ليس بالمشهور، وحديثه لبس بالمنكر (4). وقال ابن عَدِيٍّ: لا أعلم يروي عنه غير إسماعيل بن عيَّاش، وهو قليل الحديث، ورواياته الأسانيد لا بأس بها، ولا أعرف له شيئًا أَنْكَر مما ذكرت من حديث عكرمة عن ابن عبَّاس- يعني هذا الحديث (5) -. وذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثقات" (6)، والله أعلم O. ***** مسألة (583): للأب الرجوع في هبته لولده سواءً بان نفع ذلك عليه، أو لم يبن. وعنه: أنَّه متى بان نفع ذلك عليه- مثل: أن يستدين على ذلك، أو يُزَوَّج البنت لأجله- لم يكن له الرجوع، وهو قول مالك. وقال أبو حنيفة: لا يجوز له الرجوع بحالٍ.
2580 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا محمَّد بن جعفر عن سعيد عن عامر الأحول عن عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جدِّه: أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يرجع في هبته إلا الوالد من ولده، والعائد في هبته كالعائد في قيئه " (1). 2581 - قال أحمد: وحدَّثنا يزيد أنا حسين بن ذَكوان عن عمرو بن شُعيب عن طاوس أنَّ ابن عمر وابن عبَّاسٍ رفعاه إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " لا يحلُّ لرجلٍ أن يعطي العطيَّة فيرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطي لولده " (2). ز: حديث سعيد عن عامر: رواه النسائيُّ (3)، وروى ابن ماجة (4) أوَّله. وقال النسائيُّ: عامر ليس بالقويِّ في الحديث (5). وحديث حسين عن عمرو: رواه أصحاب " السنن الأربعة " (6) وأبو حاتم البُسْتِيُّ (7) والدَّارَقُطْنِيُّ (8)، وسُئل عنه فقال: يرويه عمرو بن شُعيب واختلف عنه:
مسألة (584): لا يملك الأجنبي الرجوع في هبته.
فرواه حسين المعلِّم عن عمرو بن شُعيب عن طاوس عن ابن عمر وابن عبَّاسٍ. ورواه عامر الأحول عن عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جدِّه. ولعل الإسنادين محفوظان O. ***** مسألة (584): لا يملك الأجنبيُّ الرجوع في هبته. وقال أبو حنيفة: له الرجوع ما لم يُثَبْ منها، أو يكون بينهما رحم محرم أو زوجيَّة، أو يزيد الموهوب زيادة متَّصلة. لنا: 2582 - ما رواه الإمام أحمد، قال: حدَّثنا إسماعيل ثنا أيُّوب عن عكرمة عن ابن عبَّاسٍ أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ليس لنا مثل السوء، العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه " (1). أخرجاه في "الصحيحين". ز: انفرد به البخاريُّ من رواية أيُّوب عن عكرمة (2)، وأخرجاه من رواية ابن طاوس عن أبيه عن ابن عبَّاسٍ بنحوه، وليس فيه: (ليس لنا مثل
السوء) (1) O. احتجُّوا بأربعة أحاديث: 2583 - الحديث الأوَّل: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا إسماعيل بن محمَّد الصفَّار ثنا عليُّ بن سهل بن المغيرة ثنا عبيد الله بن موسى ثنا حنظلة بن أبي سفيان قال: سمعت سالم بن عبد الله عن ابن عمر عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من وهب هبة فهوأحقُّ بها ما لم يثب منها " (2). 2584 - الحديث الثاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا محمَّد بن القاسم بن زكريا ثنا أبو سعيد الأشجُّ ثنا إبراهيم بن إسماعيل (3) عن عمرو بن دينار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الرجل أحقُّ بهبته ما لم يثب منها " (4). 2585 - الحديث الثالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا إسماعيل بن محمَّد الصفَّار ثنا عبد العزيز بن عبد الله الهاشميُّ ثنا عبد الله بن جعفر عن عبد الله بن المبارك عن حمَّاد بن سلمة عن قتادة عن الحسن عن سَمُرة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا كانت الهبة لذي رحم محرَّم لم يرجع فيها " (5). 2586 - الحديث الرابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا عبد الصمد بن عليٍّ ثنا محمَّد بن نوح بن حرب العسكريُّ ثنا يحيى بن غَيْلان ثنا إبراهيم بن أبي
يحيى عن محمَّد بن عبيد الله عن عطاء عن ابن عبَّاسٍ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من وهب هبة فارتجع بها، فهو أحقُّ بها ما لم يثب منها، ولكنه كالكلب يعود في قيئه " (1) .. والجواب: ليس في هذه الأحاديث ما يصحُّ: أمَّا الأوَّل: فقال الدَّارَقُطْنِيُّ: لا يثبت مرفوعًا، غلط فيه عليُّ بن سهلٍ، والصواب عن ابن عمر عن عمر قوله (2). وأمَّا الثاني: ففيه إبراهيم بن إسماعيل بن مُجَمِّع بن يزيد، قال أبو نُعيم: لا يساوي حديثه فلسين (3). وقال أبو حاتم الرازيُّ: لا يحتجُّ به (4). وأمَّا الثالث: ففيه عبد الله بن جعفر، وقد ضعَّفوه. وأمَّا الرابع: ففيه محمَّد بن عبيد الله العَرْزَمِيُّ، قال الفلاس (5) والنسائيُّ (6): هو متروك الحديث. وفيه إبراهيم بن أبي يحيى: قال مالكٌ (7) ويحيى بن سعيد (8) وابن
معين (1): هو كذَّابٌ. وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: متروكٌ (2). ز: هذه الأحاديث لم يخرِّج أصحاب "الكتب السِّتَّة" منها شيئًا، إلا الحديث الثاني- وهو حديث عمرو بن دينار عن أبي هريرة- فإنَّ ابن ماجة رواه متفرِّدًا به عن عليِّ بن محمَّد ومحمَّد بن إسماعيل عن وكيع عن إبراهيم بن إسماعيل بن مُجَمِّع بن جارية الأنصاريِّ عنه (3). وإبراهيم: ضعيفٌ. وعمرو عن أبي هريرة: منقطعٌ، والمحفوظ: 2587 - عن عمرو عن سالم عن أبيه عن عمر قال: من وهب هبةً فلم يثب، فهو أحقُّ بهبته إلا لذي رحمٍ. ورواه سعيد عن سفيان عنه. قال البخاريُّ في "التاريخ ": وهذا أصحُّ (4). وقد سقط في الطريق التي ذكرها المؤلِّف بين الأشج وإبراهيم رجلٌ، وهو: وكيع. والحديث الأوَّل: رواه الحاكم في "المستدرك" عن إسحاق بن محمَّد بن خالد الهاشميِّ عن أحمد بن حازم بن أبي غرزة عن عبيد الله بن موسى به، وقال: على شرطهما إلا أن نكل الحَمْلَ فيه على شيخنا (5).
ورواه البيهقيُّ عن الحاكم، وقال: وهو وهمٌ، إنَّما المحفوظ: عن حنظلة عن سالم عن أبيه عن عمر. ثُمَّ رواه من طريق ابن وهبٍ عن حنظلة (1). وحديث الحسن عن سَمُرة: رواه الحاكم، وقال: صحيحٌ على شرط البخاريِّ (2). ورواه البيهقيُّ عن ابن بشران عن الصفَّّار، قال: ولم نكتبه إلا بهذا الإسناد، وليس بالقويِّ (3). واعلم أنَّ حديث سَمُرة هذا رواته كلُّهم ثقاتٌ: فإنَّ عبد الله بن جعفر هو: الرَّقِّيُّ، وهو ثقةٌ، من رجال "الصحيحين" (4)، وأخطأ المؤلِّف في قوله: (وقد ضعَّفوه)، فإنَّ الذي ضعَّفوه هو: المدنيُّ، والد عليٍّ، وهو متقدِّم على هذا. وعبد العزيز بن عبد الله الهاشميُّ: روى عنه جماعةٌ، ووثَّقه الدَّارَقُطْنِيُّ (5). لكنَّ الحديث منكرٌ جدًّا، وهو أنكر (6) ما روي عن الحسن عن سَمُرة، والله أعلم O. *****
مسألة (585): للأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء ما لم يجحف بماله،
مسألة (585): للأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء ما لم يُجْحِف بماله، خلافًا لأكثرهم في أنَّه لا يأخذ إلا قدر الحاجة. 2588 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا يحيى ثنا عبيد الله بن الأَخْنَس قال: حدَّثني عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جدِّه قال: أتى أعرابيٌّ إلى النبيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يا رسول الله، إنَّ أبي يريد أن يجتاح مالي! قال: " أنت ومالك لوالدك، إنَّ أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإنَّ أموال أولادكم من كسبكم، فكلوه هنيأ " (1). ز: رواه أبو داود من رواية حبيب المعلِّم عن عمرو (2)، ورواه ابن ماجة من رواية الحجَّاج بن أرطأة عن عمرو (3) O. 2589 - وقال ابن ماجة: حدَّثنا هشام بن عمَّار ثنا عيسى بن يونس ثنا يوسف بن إسحاق عن محمَّد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أنَّ رجلاً قال: يا رسول الله، إنَّ لي مالاً وولدًا، وإنَّ أبي يريد أن يجتاح مالي! فقال: " أنت ومالك لأبيك " (4). ز: هذا الحديث لم يروه من أصحاب "السنن" غير ابن ماجة، وقد رواه ابن صاعد عن الحسين بن الحسن المروزيِّ عن عيسى بن يونس. ويوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق السَّبيعيُّ: من الثقات المخرَّج لهم في "الصحيحين " (5).
وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: غريبٌ من حديث يوسف بن إسحاق عن ابن المنكدر، تفرَّد به عيسى بن يونس عنه (1). قال الحافظ محمَّد بن عبد الواحد: قلت: وغرابة الحديث، والتفرَّد به لا يخرجه عن الصحَّة، فإنَّ البخاريَّ روى في "صحيحه" من حديث محمَّد بن المنكدر عن جابر عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من فال إذا سمع النداء: اللهم ربَّ هذه الدعوة التامة ... " الحديث (2)، قال الدَّارَقُطْنِيُّ: غريبٌ من حديث محمَّد، تفرَّد به شعيب بن أبي حمزة عنه، ولا نعلم رواه عنه غير عليِّ بن عيَّاش الحمصيِّ (3). وحديث الاستخارة: رواه البخاريُّ (4)، قال الدَّارَقُطْنِيُّ: غريبٌ من حديث عبد الرحمن بن أبي الموالي عن محمَّد عن جابر. قال: وهو صحيحٌ عنه (5). وحديث: " رحم الله رجلاً سمحًا إذا باع ... " (6)، قال: تفرَّد به أبو غسَّان محمَّد بن مطرِّف عن محمَّد (7). وحديث: " كلُّ معروفٍ صدقة " (8)، قال: تفرَّد به عليُّ بن عيَّاش عن أبي غسَّان عن محمَّد (9). أخرجهما البخاريُّ في "كتابه" O. *****
مسائل اللقطة
مسائل اللقطة مسألة (586): لا يجوز التقاط الإبل والبقر والطيور. وقال أبو حنيفة: يجوز 2590 - قال البخاريُّ: حدَّثنا عبد الله بن محمَّد ثنا أبو عامر ثنا سليمان ابن بلال المدينيُّ عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالد الجُهَنِيِّ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سأله رجلٌ عن اللقطة، فقال: " اعرف وكاءها- أوقال: وعاءها- وعِفَاصَها، ثُمَّ عرِّفها سنةً، ثُمَّ استمتع بها، فإن جاء ربُّها فأدِّها إليه ". قال: فضالة الإبل؟ فغضب حتَّى احمرَّت وجنتاه- أو قال: احمرَّ وجهه- فقال: " ما لك ولها؟! معها سقاؤها وحذاؤها، ترد الماء، وترعى الشجر، فذرها حتَّى يلقاها ربُّها ". قال: فضالة الغنم؟! قال: " لك، أو لأخيك، أو للذئب " (1). أخرجاه في "الصحيحين" (2). ***** مسألة (587): يجوز التقاط الغنم، ولا يملكها قبل الحول.
وقال مالكٌ وداود: إذا وجدها بفلاةٍ ولا قرية هناك يضمها إليها، جاز أكلها في الحال من غير تعريفٍ. لنا: قوله في الحديث المتقدِّم: " ثم عرِّفها سنةً " (1). 2591 - وقال الإمام أحمد: حدَّثنا أبو بكر الحنَفِيُّ ثنا الضحَّاك بن عثمان عن أبي النضر عن بُسر بن سعيد عن زيد بن خالد الجُهَنِيِّ قال: سُئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن اللقطة، فقال: " عرِّفها سنةً، فإن اعترفت فأدِها، وإلا فاعرف عفاصها ووعاءها وعددها، ثم كلها، فإن اعترقت فأدِّها " (2). ز: رواه مسلمٌ عن إسحاق بن منصور عن أبي بكر الحَنَفِيِّ (3) O. 2592 - قال أحمد: وحدَّثنا يعلى ثنا محمَّد بن إسحاق عن عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جدِّه قال: سمعت رجلاً من مزينة يسأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: يا رسول الله، جئت أسألك عن الضالة من الإبل. فقال: " معها حذاؤها وسقاؤها، تأكل الشجر وترد الماء، فدعها حتَّى يأتيها باغيها ". قال: الضالة من الغنم؟ قال: " هي لك، أو لأخيك، أو للذئب، تجمعها حتَّى يأتيها باغيها" (4). ز: رواه أبو داود من حديث ابن إسحاق (5).
2593 - قال أحمد: وحدَّثنا [سريج] (1) بن النعمان ثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن بكر بن سوادة عن أبي سالم الجَيْشَانِيِّ (2) عن زيد بن خالد الجُهَنِيِّ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من آوى ضالةً فهو ضالٌّ ما لم يعرِّفها " (3). انفرد بإخراجه مسلمٌ (4). 2594 - قال أحمد: وحدَّثنا يحيى بن سعيد عن أبي حَيَّان قال: حدَّثني الضحَّاك- خال المنذر بن جرير- عن المنذر بن جرير عن أبيه عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يأوي الضالة إلا ضالٌّ " (5). ز: هذا الحديث اختصره المؤلِّف، وقد رواه النسائيُّ (6) وابن ماجة (7) من حديث يحيى بن سعيد. وسُئل عنه الدَّارَقُطْنِيُّ، فقال: يرويه أبو حَيَّان يحيى بن سعيد بن حَيَّان، واختلف عنه: فرواه يحيى بن سعيد القطَّان وابن [] (8) نُمير وابن أبي زائدة وابن عُليَّة عن أبي حَيَّان عن [الضحَّاك بن المنذر] (9) عن المنذر بن جرير عن جرير.
مسألة (588): إذا عرف اللقطة حولا ملكها إن كانت أثمانا، وإن كانت
وخالفهم إبراهيم بن عيينة فرواه عن أبي حيَّان عن أبي زرعة عن المنذر. قال: رواه صفوان بن رستم عن روح عن أبي حَيَّان عن المنذر عن جرير، ولم يذكر الضحَّاك. وخالفه مجالد بن يزيد عن رَوْح بن القاسم عن أبي حيَّان عن الضحَّاك عن رجلٍ عن جرير. ورواه ابن المبارك عن أبي حَيَّان عن الضحَّاك عن جرير. والأشبه بالصواب عن أبي حَيَّان ما قاله يحيى القطَّان ومن تابعه، هو الصحيح (1). وقال عليُّ بن المدينيِّ عن حديث جرير أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يأوي الضالة إلا ضالٌ ": رواه أبو حَيَّان عن الضحَّاك خال المنذر بن جرير عن المنذر ابن جرير عن أبيه، والضحَّاك لا يعرفونه، روى عنه أبو حَيَّان، ولم يرو عنه غيره O. ***** مسألة (588): إذا عرَّف اللقطة حولاً ملكها إن كانت أثمانا، وإن كانت عروضًا أو حليًّا أو ضالةً لم يملكها وأ ينتفع بها، سواءً كان غنيًّا أو فقيرًا. وقد قال أبو حنيفة: لم يملك شيء من اللقطات (2) بحال، ولا ينتفع بها إذا كان غنيًّا، فإن كان فقيرًا جاز له الانتفاع بها.
وقال مالكٌ والشافعيُّ وداود: يملك جميع اللقطات، سواءً كان غنيًّا أو فقيرًا، ويتخرَّج لنا مثله (1). لنا حديثان: الحديث الأوَّل: حديث زيد بن خالد، وقد سبق. 2595 - طريق آخر: قال سعيد بن منصور: حدَّثنا عبد العزيز بن محمَّد الدَّرَاوَرْدِيُّ قال: سمعت ربيعة يحدِّث عن يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالدٍ الجُهَنِيِّ أنَّ رجلاً وجد في زمان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مائة دينارٍ، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اعرف وعاءها ووكاءها، ولا يدخل ركب إلا أنشدت بذكرها، ثم أمسكط حولاً، فإن جاء صاحبها فأدِّها إليه، وإلا فاصنع بها ما تصنع بمالك ". ز: لم يخرِّجوه من حديث الدَّرَاوَرْدِيِّ O. 2596 - الحديث الثاني: قال أحمد: حدَّثنا يعلى ثنا محمَّد بن إسحاق عن عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جدِّه قال: سمعت رجلاً من مزينة يسأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: يا رسول الله، اللقطة في السبيل العامرة؟ قال: " عرِّفها حولاً، فان وجد باغيها فأدِّها إليه، وإلا فهي لك " (2). ز: تقدَّم أنَّ أبا داود رواه (3) O. احتجُّوا: 2597 - بما رواه الإمام أحمد، قال: حدَّثنا وكيع ثنا سفيان عن سلمة
مسألة (589): لقطة الحرم لا تحل، إلا لمن يعرفها أبدا.
ابن كُهَيل قال: حدَّثني سُويد بن غَفَلَة عن أُبَيِّ بن كعبٍ قال: التقطت مائة دينارٍ على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسألته، فقال: " عرِّفها سنةً ". فعرَّفتُها سنةً، فلم أجد من يعرفها، فقال: " اعرف عددها ووعاءها ووكاءها، ثم عرِّفها سنةً، فإن جاء صاحبها، وإلا فهي كسبيل مالك " (1). أخرجاه في "الصحيحين" (2)، وفي بعض ألفاظ الصِّحاح: أنَّه عرَّفها سنتين أو ثلاثًا. قال المصنِّف: وهذه الروايات لا تخلو: إمَّا أن تكون غلطًا من الراوي، يدلُّ على هذا أنَّ شعبة قال: سمعت سلمة بن كُهَيلٍ بعد عشر سنين يقول: عرِّفها عامًا واحدًا (3). والثاني: أن يكون عليه السلام علم أنَّه لم يقع تعريفها كما ينبغي، فلم يحتسب له بالتعريف الأوَّل. والثالث: أن يكون قد دلَّه على الورع، وهو استعمال ما لم يلزم. ***** مسألة (589): لقطة الحَرَمِ لا تحلُّ، إلا لمن يعرِّفها أبدًا. وعن أحمد: أنَّها كسائر اللقط.
وعن أصحاب الشافعيِّ كالروايتين. وجه الأولى: 2598 - ما رواه البخاريُّ قال: حدَّثنا عليُّ بن عبد الله ثنا جرير بن عبد الحميد عن منصور عن مجاهد عن طاوس عن ابن عبَّاسٍ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم فتح مكة: " إنَّ هذا البلد حرَّمه الله، لا يعضد شوكه، ولا ينفَّر صيده، ولا يلتقط لقطته إلا من عرَّفها " (1). أخرجاه (2). ومعلومٌ أنَّ لقطة كلَّ بلد تعرَّف ولكن سنة، فلو كان كغيره لم يكن لتخصيصه بهذا الذكر معنى، ويدلُّ على هذا: 2599 - ما رواه الإمام أحمد، قال: حدَّثنا سريج ثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن بُكير بن الأشج عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن عبد الرحمن بن عثمان التَيْمِيِّ أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن لقطة الحاج (3). انفرد بإخراجه مسلمٌ (4). *****
مسألة (590): إذا جاء مدعي اللقطة، فأخبر بعددها وعفاصها
مسألة (590): إذا جاء مدَّعي اللقطة، فأَخبر بعددها وعفاصها ووكائها، دفعت إليه بغير بيِّنة. وقال أبو حنيفة والشافعيُّ: لا تدفع إلا ببيِّنة (1). لنا: ما تقدَّم من قوله: " اعرف عِفاصها، ووِكاءها، وعددها "، ولو كان التسليم موقوفًا على البيِّنة لم يكن في معرفة العِفاص والوِكاء فائدةٌ. 2600 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا بَهْز ثنا حمَّاد بن سلمة عن سلمة بن كُهَيل عن سُوَيد بن غَفَلة عن أُبيِّ بن كعبٍ أنَّه التقط لقطة، فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عرِّفها سنةً ". فعرَّفها، فقال: " عرِّفها سنةً أخرى ". ثم أتاه، فقال له: " احص عددها ووِكاءها، واستمتع بها، فإن جاء صاحبها فعَرَفَ عدَّتها ووِكاءها فأعطها إياه " (2). أخرجاه في "الصحيحين" (3). 2601 - قال أحمد: وحدَّثنا هُشيم ثنا خالد عن يزيد بن عبد الله بن الشّخّير عن أخيه مطرِّف بن عبد الله عن عياض بن حمارٍ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من وجد لقطة فليُشهد ذوي عدل، وليحفظ عِفاصها ووِكاءها، فان جاء صاحبُها فلا يكتم، وهو أحقُّ بها؛ وإن لم يجئ صاحبها، فهو مال الله يؤتيه من
مسألة (591): إذا وقعت دابته فألقاها بأرض مهلكة، فجاء غيره
يشاء " (1). ز: رواه أبو داود (2) والنسائيُّ (3) وابن ماجة (4) من حديث خالد الحذَّاء، وهو حديثٌ صحيحٌ O. ***** مسألة (591): إذا وقعت دابته فألقاها بأرض مهلكة، فجاء غيره فأطعمها وسقاها حتَّى سلمت، ملكَها، خلافًا لأكثرهم. 2602 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا محمَّد بن يحيى بن مِرْدَاس ثنا أبو داود ثنا موسى بن إسماعيل ثنا حمَّاد عن عبد الله (5) بن حُميد بن عبد الرحمن أنَّ عامر الشَّعبيَّ حدَّثه: أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من وجد دابةً قد عجز عنها أهلها أن يعلفوها، فسيَّبوها، فأخذها رجلٌ فأحياها، فهي له " (6). 2603 - وقال سعيد بن منصور: ثنا هُشيم ثنا منصور عن عبيد الله بن حُميد الحِمْيَرِيِّ قال: سمعت الشعبيِّ يقول: من قامت عليه دابته، فتركها، فهي لمن أحياها. قال: عمَّن هذا يا أبا عمرو؟ قال: إن شئت عددت لك كذا
مسألة (592): يصح إسلام الصبي وردته.
وكذا من أصحاب محمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1). ز: كذا في الإسناد الأوَّل: (عبد الله بن حُميد)، والصواب: (عبيد الله) كما في الثاني، وهو: ابن حمُيد بن عبد الرحمن الحِمْيَرِيُّ، وقد ذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثقات" (2)، وسُئل عنه ابن معين فقال: لا أعرفه (3). وقد روى أبو داود هذا الحديث من رواية حمَّاد بن سلمة وأبان بن يزيد العطَّار وخالد الحذَّاء عنه، وعنده: قال أبان: قال عبيد الله، فقلت عمَّن؟ قال: عن غير واحد من أصحاب النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وفي رواية خالد: فرفع الحديث إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " من ترك دابته بمهلكة، فأحياها رجلٌ، فهي لمن أحياها " (4). ومنصور شيخ هُشيم هو: ابن زاذان، والله أعلم O. ***** مسألة (592): يصح إسلامُ الصبيِّ وردَّتُه. وقال الشافعيُّ: لا يصحُّ. لنا: ما روى أحمد: أنَّ عليًّا أسلم وهو ابن ثمان سنين (5).
وروى ابن شاهين: أنَّ عليًّا والزبير أسلما ابنا ثمان سنين. وفي لفظٍ رواه أبو محمَّد الخلال: أنَّه أسلم عليٌّ وهو ابن عشر سنين، وقد تمدَّح بذلك فقال: سبقتكم إلى الإسلام طرًّا ... صغيرًا ما بلغت أوان حلمي فإن قيل: قد روى أحمد: أنَّه أسلم وهو ابن خمس عشرة سنة. قلنا: الذي نقلناه فيه زيادة علم، فإنَّ من روى خمس عشرة سنة، لم يبلغه إسلامه وهو ابن ثمانٍ، على أنَّ استقراء الحال يبيِّن بطلان هذه الدعوى، فإنَّه إذا كان له يوم المبعث ثمان سنين فقد عاش بعد المبعث ثلاثًا وعشرين سنة، وبقي بعد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحو الثلاثين، فهذه مقاربة الستين، وهو الصحيح في مقدار عمره. 2604 - أخبرنا إسماعيل بن أحمد السَّمَرْقَنْدِيُّ أنا عمر بن عبيد الله البقَّال أنا أبو الحسين بن بشران أنا عثمان بن أحمد الدَّقَّاق ثنا حنبل ثنا الحُميديُّ ثنا سفيان ثنا جعفر بن محمَّد عن أبيه قال: قتل عليٌّ عليه السلام (1) وهو ابن ثمان وخمسن، ومات لها حسن، وقتل لها الحسين، [ومات عليُّ بن الحسين] (2) وهو ابن ثمان وخمسين، وسمعت جعفرًا يقول: سمعت أبي يقول لعمَّته فاطمة بنت حسين: هذه توفي لي ثمان وخمسين. فمات لها.
ومتى قلنا: أنَّه قد كان له يوم إسلامه خمس عشرة، صار عمره ثمانيًا وستين، ولم يقل هذا أحدٌ. ز: قوله: (ومات لها حسن) غلطٌ، فإنَّ الصحيح أنَّه لم يبلغ الخمسين. وقد روى غير واحد عن أبي جعفر محمَّد بن علي قال: مات الحسن بن علي وهو ابن سبع وأربعين سنة. والدليل على صحَّة إسلام الصبيِّ: 2605 - ما رواه البخاريُّ في "صحيحه" عن أنس قال: كان غلامٌ يهوديٌّ يخدم النبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مرض، فأتاه النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له: " أسلم ". فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال: أطع أبا القاسم. فأسلم، فخرج النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يقول: " الحمد لله الذي أنقذه بي من النار " (1). ولأنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عرض الإسلام على ابن صيَّادٍ وهو غلامٌ لم يبلغ، وقال: " من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة ". والمنصوص عن الإمام أحمد صحَّة إسلام ابن سبع سنين، قال إسحاق ابن إبراهيم بن هانئ: سألت أبا عبد الله عن غلامٍ له أبوان يهوديَّان، فأسلم، وهو ابن سبع سنين، قال: قال: " مروا صبيانكم بالصلاة لسبع، واضربوهم لعشر سنين ". فإذا بلغ سبعًا جاز إسلامه، ويجبر على الإسلام إذا كان أحد أبويه مسلمًا (2).
وقال صالح بن أحمد: قال أبي: إذا بلغ اليهوديُّ والنصرانيُّ سبع سنين، ثُمَّ أسلم، جبر على الإسلام (1). وقال أبو بكر عبد العزيز: ثنا أحمد بن محمَّد ثنا محمَّد بن جعفر ثنا أبو الحارث قال: قيل لأحمد: إن غلامًا صغيرًا أقرَّ بالإسلام، شهد أن لا إله إلا الله، محمَّدًا رسول الله، وهو صغيرٌ لم يدرك، ثم رجع عن الإسلام، يجوز إسلامه وهو صغير؟ قال: نعم، إذا أتى له سبع سنين ثم أسلم، جبر على الإسلام، لأنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "علِّموهم الصلاة لسبع سنين "، فإذا رجع عن الإسلام انتظر به حتَّى يبلغ، فإن أقام على رجوعه عن الإسلام فحكمه حكم المرتدين، ان أسلم وإلا قتل (2) O. *****
مسائل الوصايا
مسائل الوصايا مسألة (593): الوصيَّة لمن لا يرثه من أقاربه مستحبةٌ. وقال أبو بكر- من أصحابنا-: هي واجبةٌ. كقول داود. 2606 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا البيعويُّ ثنا داود بن رُشَيْدٍ ثنا إسماعيل ابن عُليَّة ثنا أيُّوب عن نافع عن ابن عمر عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما حقُّ امرئ أن يبيت ليلتين وله مالٌ يريد أن يوصي فيه، إلا ووصيَّته مكتوبة عنده " (1). فوجه الحجَّة: أنَّه علَّقه بالإرادة، فدلَّ على أنَّه ليس بواجبٍ. ز: رواه مسلمٌ عن زهير بن حربٍ عن إسماعيل، وعنده أيضا: (يريد) (2)، ولا حجَّة فيه، لأن الواجب قد يعلق على الإرادة. وقوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) إلى آخر الآية [البقرة: 180]، يدلُّ على وجوب الوصيَّة للقريب مطلقًا، خُصَّ من ذلك الوارث فيبقى الوجوب في غيره، والله أعلم O. *****
مسألة (594): إذا وصى لجيرانه، دخل فيه من كل جانب أربعون
مسألة (594): إذا وصَّى لجيرانه، دخل فيه من كلِّ جانبٍ أربعون دارًا. وقال أبو حنيفة: لا يدخل فيه إلا الملاصق. 2607 - قال أبو داود: حدَّثنا أزهر (1) بن مروان الدمشقيُّ قال: حدَّثني أبي ثنا هِقْل بن زياد ثنا الأوزاعيُّ عن يونس عن ابن شهابٍ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أربعين دارًا جار ". قال: فقلت لابن شهابٍ: وكيف أربعين دارًا؟ قال: أربعين عن يمينه، وعن يساره، وخلفه، وبين يديه (2). ز: كذا فيه: (عن أزهر بن مروان)، وهو غلطٌ، وإنَّما هو: (إبراهيم بن مروان)، وهو: ابن محمَّد الطاطريُّ، وهو صدوقٌ. ولم يرو هذا الحديث غير أبي داود في " المراسيل " عن إبراهيم. 2608 - وقد روى البيهقيُّ من رواية أمِّ هانئ بنت أبي صفرة عن عائشة مرفوعًا: " أوصاني جبريل عليه السلام بالجار إلى أربعين دارًا، عشرة من ها هنا، وعشرة من ها هنا، وعشرة من ها هنا، وعشرة من ها هنا ". وقال: في إسناده ضعفٌ (3) O. *****
مسألة (595): تصح الوصية للقاتل.
مسألة (595): تصحُّ الوصيَّة للقاتل. وقال أبو حنيفة: لا تصحُّ. وعن الشافعيِّ كالقولين. لنا: إطلاق الوصيَّة في قوله تعالى: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ} [النساء: 12]. وللخصم: 2609 - ما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ، قال: حدَّثنا أحمد بن إبراهيم بن حبيب ثنا أحمد بن الفرج ثنا بقيَّة بن الوليد ثنا مبشر بن عبيد عن الحجَّاج بن أرطأة عن الحكم بن عُتيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عليٍّ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس لقاتلٍ وصيَّةٌ " (1). قلنا: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: مبشر متروكٌ، يضع الحديث (2). والحجَّاج: قد سبق الطعن فيه (3). ز: هذا الحديث رواه البيهقيُّ من رواية بقيَّة عن مبشر عن حجَّاج عن عاصم بن بَهْدَلة عن زِرٍّ عن عليٍّ، وقال: تفرَّد به مبشر بن عبيد الحِمْصِيُّ، وهو منسوبٌ إلى وضع الحديث (4).
مسألة (596): إذا وصى لرجل بسهم من ماله كان له السدس، إلا أن
وقال أحمد بن حنبل: مبشر أحاديثه موضوعةٌ كذبٌ (1) O. ***** مسألة (596): إذا وصَّى لرجلٍ بسهمٍ من ماله كان له السدس، إلا أن تعول الفريضة فيعطى سدسًا عائلاً. وعنه: أنَّه يُعطى أقلَّ سهام الورثة وإن نقص ذلك عن السدس، فإن زاد على السدس أعطي السدس. وعن أبي حنيفة: كالرواية الثانية، وعنه: يُعطى أقلَّ نصيب الورثة ما لم ينقص من السدس. وقال الشافعيُّ: يُعطى ما شاء الورثة. 2610 - قال سعيد بن منصور: ثنا عبد الله بن المبارك عن يعقوب بن القعقاع عن الحسن في رجلٍ أوصى بسهمٍ من ماله، قال: له السدس على كلِّ حالٍ. ***** مسألة (597): تصحُّ الوصيَّة بما زاد على الثلث، وتقف على تنفيذ الورثة، خلافًا لأحد قولي الشافعيِّ: أنَّها لا تصحُّ. 2611 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أحمد بن محمَّد بن أبي عثمان ثنا طاهر
ابن يحيى بن قَبِيصَةَ ثنا سهل بن عمَّار ثنا الحسين بن الوليد ثنا حمَّاد بن سلمة عن حَبيب بن الشهيد عن عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جدِّه أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا وصيَّة لوارثٍ، إلا أن يجيزها الورثة " (1). ز: لم يخرِّج هذا الحديث أحدٌ من أصحاب "السنن". وسهل: كذَّبه الحاكم (2) O. 2612 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ. وحدَّثنا عبيد الله بن عبد الصمد بن المهتديِّ بالله ثنا أبو علاثة محمَّد بن عمرو بن خالد ثنا أبي ثنا يونس بن راشد عن عطاء الخراسانيِّ عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تجوز وصيَّة لوارثٍ، إلا أن يشاء الورثة " (3). فوجه الحجَّة: أنَّه جعل ما يجيزه الورثة وصيَّةً. ز: رواه أبو داود (4) عن أبي مَعْمَر إسماعيل بن إبراهيم عن حجَّاج عن ابن جريج عن عطاء الخراسانيِّ عن ابن عبَّاسٍ- ولم يذكر عكرمة-، وقال: عطاء الخراسانيُّ لم يدرك ابن عبَّاسٍ، ولم يره (5). ويونس بن راشد الحَرَّانِيُّ: قال أبو زرعة: لا بأس به (6). ووثَّقه
بعض الأئمة O. احتجُّوا: 2613 - بما رواه الإمام أحمد، قال: حدَّثنا أبو المغيرة ثنا إسماعيل بن عيَّاش ثنا شُرَحْبِيل بن مسلم الخَوْلاَنِيُّ قال: سمعت أبا أمامة البَاهِلِيَّ يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول في خطبته عام حجَّة الوداع: " إنَّ الله عزَّ وجلَّ قد أعطى كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، فلا وصيَّة لوارثٍ " (1). وقد رواه سعيد بن أبي سعيد السَّاحِلِيُّ عن أنسٍ عن رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ورواه شَهْرُ بن حَوْشَب عن ابن أبي ليلى عن عمرو بن خارجة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قلنا: إسماعيل وشَهْرٌ: ضعيفان. والساحِلِيُّ: مجهولٌ. ثُمَّ في خبرنا زيادةٌ، والأخذ بالزيادة أولى، ثُمَّ نحمله على أنَّه لا وصيَّة نافذٌ. ز: حديث أبي أمامة: رواه أبو داود (2) والترمذيُّ (3) وابن ماجة (4)
من حديث إسماعيل، وحسَّنه الترمذيُّ، وقد قال الإمام أحمد (1) والبخاريُّ (2) وجماعةٌ من الحفَّاظ: ما روى إسماعيل بن عيَّاش عن الشاميين صحيحٌ، وما روى عن أهل الحجاز فليس بصحيحٍ. وهذا الحديث إنَّما رواه إسماعيل عن شاميٍّ ثقةٍ. وحديث عمرو بن خارجة: رواه الترمذيُّ (3) والنسائيُّ (4) وابن ماجة (5) من رواية قتادة، عن شَهْرٍ عن عبد الرحمن بن غَنْم عنه، وقال الترمذيُّ: حديث حسن صحيح. وشهر: وثَّقه غير واحد من الأئمة، ولم يرو هذا الحديث عن ابن أبي ليلى كما ذكر المؤلِّف، إنما رواه عن ابن غَنْم، وفي إسناده اختلافٌ. وحديث سعيد عن أنسٍ: رواه الدَّارَقُطْنِيُّ من رواية عبد الرحمن بن يزيد [بن] (6) جابر عنه (7). ورواه ابن ماجة عن هشام بن عمَّار عن محمَّد بن شُعيب عن عبد الرحمن ابن يزيد (8).
وقد ذكره ابن عساكر وشيخنا في " الأطراف " (1) في ترجمة سعيد بن أبي سعيد المَقْبُرِيِّ عن أنسٍ (2)، وإنَّما هو السَّاحِلِيُّ، وهو غير محتجِّ به، كذلك رواه الوليد بن مَزْيَد البروتيُّ عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن سعيد بن أبي سعيد شيخٌ بالساحل قال: حدَّثني رجلٌ من أهل المدينة قال: إنِّي لتحت رسول الله ... فذكر الحديث (3) O. *****
مسائل الفرائض
مسائل الفرائض مسألة (598): ذوو الأرحام يرثون. وقال مالك والشافعيُّ: لا يرثون. 2614 - قال الإمام أحمد: ثنا وكيع ثنا سفيان عن عبد الرحمن بن الحارث بن عيَّاش بن أبي ربيعة عن حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف عن أبي أمامة بن سهل أنَّ رجلا رمى رجلا بسهم فقتله، وليس له وارث إلا خال، فكتب في ذلك أبو عبيدة إلى عمر، فكتب: أنَّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الخال وارث من لا وارث له " (1). ز: رواه الترمذيُّ (2) والنسائيُّ (3) وابن ماجة (4) وأبو حاتم البستيُّ (5) من رواية سفيان، وقال الترمذيُّ: حديثٌ حسنٌ O. 2615 - قال أحمد: وحدَّثنا محمَّد بن جعفر ثنا شعبة عن بديل عن عليٍّ ابن أبي طلحة عن راشد بن سعد عن أبي عامر الهوزنيِّ عن المقدام أبي كريمة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " الخال وارث من لا وارث له، يرثه ويعقل عنه " (6).
ز: رواه أبو داود (1) والنسائيُّ (2) وابن ماجة (3) من رواية شعبة وغير روايته، وفي إسناده اختلاف. وقد قال المفضَّل بن غسَّان الغلابيُّ: كان يحيى بن معين يبطل حديث " الخال وارث من لا وارث له "- يعني حديث المقدام-، وقال: ليس فيه حديث قويٌّ (4) O. احتجُّوا: 2616 - بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ، قال: حدَّثنا إسماعيل بن علي الخُطَبَيُّ (5) ثنا موسى بن إسحاق الأنصاريُّ ثنا الربيع بن ثعلب (6) ثنا مسعدة بن اليسع الباهليُّ عن محمَّد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: سئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ميراث العمَّة والخالة، فقال: " لا أدري حتى يأتيني جبريل ". ثم قال: " أين السائل عن ميراث العمَّة والخالة؟ ". قال: فأتى الرجل، فقال: "سارَّني جبريل أنَّه لا شيء لهما ". قال الدَّارَقُطْنِيُّ: لم يسنده غير مسعدة عن محمَّد بن عمرو، وهو ضعيفٌ، وضَّاعٌ للحديث، والصواب مرسل (7). قال المصنِّف: قال أحمد بن حنبل: مسعدة ليس بشيءٍ، خرقنا حديثه (8).
مسألة (599): قاتل الخطأ لا يرث.
2617 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أحمد بن محمَّد بن زياد ثنا عبيد بن شريك ثنا أبو الجماهر ثنا الدَّرَاورديُّ عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار: أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ركب إلى قباء يستخير في ميراث العمَّة والخالة، فأنزل الله عزَّ وجلَّ أن لا ميراث لهما (1). قال المصنِّف: هذا مرسلٌ. ز: الحديث الأوَّل: لم يخرجوه. والثاني: رواه أبو داود في "المراسيل " عن القَعْنَبِيِّ، عن الدَّرَاورديِّ (2)، ورواه أبو نعيم ضِرار بن صُرَد- وهو ضعيفٌ- عن الدَّرَاورديُّ موصولاً بذكر أبي سعيد الخدريِّ رضي الله عنه O. ***** مسألة (599): قاتل الخطأ لا يرث. وقال مالكٌ: يرث من المال دون الدية. لنا ثلاثة أحاديث: 2618 - الحديث الأوَّل: قال الترمذيُّ: حدَّثنا قتيبة ثنا الليث عن إسحاق بن عبد الله عن الزهريِّ عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " القاتل لا يرث " (3).
قال المصنِّف: إسحاق هو: الفرويُّ، متروكٌ. ز: رواه ابن ماجة أيضًا عن محمَّد بن رمح عن الليث (1). وقال الترمذيُّ: هذا حديث لا يصحُّ، ولا يعرف إلا من هذا الوجه، وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة تركه بعض أهل العلم (2). وقال البخاريُّ: إسحاق تركوه، ونهى أحمد بن حنبل عن حديثه (3) O. 2619 - الحديث الثاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا يعقوب بن إبراهيم البزَّاز ثنا الحسن بن عرفة ثنا اسماعيل بن عيَّاش عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس للقاتل من الميراث شيءٌ" (4). ز: رواه النسائيُّ عن عليِّ بن حُجر عن إسماعيل بن عيَّاش عن ابن جريج ويحيى بن سعيد وذكر آخر، ثلاثتهم عن عمرو بن شعيب به. 2620 - وعن الحارث بن مسكين عن عبد الرحمن بن القاسم عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب أن عمر قال: إن النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ليس لقاتل شيءٌ ". قال النسائيُّ: وهو الصواب، وحديث إسماعيل خطأ (5).
وقد جوَّد ابن عبد البر حديث إسماعيل هذا (1)، والصواب ما قاله النسائيُّ. وإسماعيل: ضعيف في روايته عن الحجازبين، والله أعلم O. 2621 - الحديث الثالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا أبوطالب الحافظ ثنا عبد الله بن يزيد الأعمى (2) ثنا محمَّد بن سليمان بن أبي داود (3) ثنا عبد الله ابن جعفر (4) عن يحيى بن سعيدعن سعيد بن المسيَّب عن عمر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ليس لقاتل ميراث " (5). قال المصنِّف: إسماعيل بن عيَّاش قد تقدَّم الجرح فيه (6). ومحمَّد بن سليمان: قال فيه أبو حاتم الرازيُّ: منكر الحديث (7). ز: هذا إسناد لا يثبت، وهو غير مخرَّج في شيء من "السنن"، والصواب ما تقدَّم من رواية مالك عن يحيى بن سعيد (8)، والله أعلم O. احتجُّوا بثلاثة أحاديث:
2622 - (1) - الحديث الأوَّل: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا محمَّد بن جعفر المَطيريُّ ثنا إسماعيل بن عبد الله بن ميمون (2) ثنا عبيد الله بن موسى ثنا حسن ابن صالح عن محمَّد بن سعيد عن عمرو بن شعيب قال: أخبرني أبي عن جدِّي عبد الله بن عمرو أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام يوم فتح مكة، فقال: " لا يتوارث أهل ملَّتين، والمرأة ترث من دية زوجها وماله، وهو ورث من ديتها ومالها، ما لم يقتل أحدهما صاحبه عمدًا، فإن قتل أحدهما صاحبه عمدًا لم يرث من ديته وماله شيئًا، وإن قتل صاحبه خطًأ، ورث من ماله، ولم يرث من ديته ". قال الدَّارَقُطْنِيُّ: محمَّد بن سعيد هو: الطائفيُّ، ثقةٌ (3). قلت: الحسن بن صالح مجروحٌ، قال ابن حِبَّان: ينفرد عن الثقات بما لا يشبه حديث الأثبات. ز: الحسن بن صالح هو: ابن حيٍّ، وهو من الثقات الحفَّاظ المخرَّج لهم في الصحيح (4)، ولم يتكلَّم فيه ابن حِبَّان، وكلامه هذا الذي ذكره المؤلِّف في آخر مجهول، مختلف في نسبته، يروي عن ثابت عن أنس، ويقال له: العجليُّ (5)، وذكره المؤلِّف في "الضعفاء" وحكى كلام ابن حِبَّان فيه، ثم قال: والحسن بن صالح عشرة، ليس فيهم مطعون فيه غيره (6).
وروى هذا الحديث ابن ماجة عن عليِّ بن محمَّد ومحمَّد بن يحيى، كلاهما عن عبيد الله بن موسى عن الحسن بن صالح عن محمَّد بن سعيد- وقال محمَّد بن يحيى: عن عمر بن سعيد- عن عمرو بن شعيب قال: حدَّثني أبي عن جدِّي عبد الله بن عمرو به (1). وقد وقع في بعض النسخ المتأخرة: (عمرو بن سعيد)، وكذلك هو في "الأطراف " لأبي القاسم، وهو خطأٌ، قال شيخنا أبو الحجَّاج: والصواب: (عمر بن سعيد) كما وقع في عامة الأصول القديمة (2). وقد فرَّق شيخنا في "التهذيب" بين راوي هذا الحديث عن عمرو (3)، وبين محمَّد بن سعيد الطائفيّ (4)، وعند الدَّارَقُطْنِيِّ أنَّه الطالفيُّ (5). وقد قال بعض الحفَّاظ في هذا الحديث: إنَّه منكر (6). وقال الإمام أبو بكر محمَّد بن داود الظاهريُّ في كتاب "الفرائض " له: وهذا الخبر عندنا ضعيف. والله أعلم O. 2624 - الحديث الثاني: قال أبو داود: حدَّثنا عيسى بن يونس ثنا حجَّاج عن ابن أبي ذئب عن الزهريِّ عن سعيد بن المسيَّب قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يرث قاتل عمد ولا خطأ من الدية ".
مسألة (600): لا يرث اليهودي النصراني، وكذلك كل أهل ملتين.
ز: هذا الحديث رواه أبو داود في "المراسيل " عن عيسى بن يونس هذا (1)، وهو الطرسوسيُّ، ولا نعلم أحدًا روى عنه غير أبي داود. وتمام الحديث: قال الزهريُّ: يرث من غيرها. وحجاج هو: ابن محمَّد، أحد الأثبات، والله أعلم O. 2625 - الحديث الثالث: رواه عبد الله بن الحكم (2) عن مسلمة بن عليٍّ عن هشام بن عروة عن أبيه أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال- في الرجل يقتل وليَّه خطأ-: " إنَّه يرث من ماله، ولا يرث من ديته ". قال المصنِّف: وهذا مرسلٌ، ثم هو يخالف الأصول، وهو الميراث من بعض التركة، وراويه مسلمة بن عليٍّ: قال يحيى: ليس بشيء (3). وقال الرازيُّ: لا يشتغل به (4). وقال النسائيُّ (5) والدَّارَقُطْنِيُّّ (6): متروكٌ. ***** مسألة (600): لا يرث اليهوديُّ النصرانيَّ، وكذلك كلُّ أهل ملتين. وعنه: يتوارثون، وهو قول أبي حنيفة والشافعيِّ.
لنا خمسة أحاديث: 2626 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا سفيان عن يعقوب ابن عطاء عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يتوارث أهل ملَّتين شتَّى " (1). قال المصنِّف: يعقوب: ضعيف الحديث. ز: هذا الحديث لم ينفرد به يعقوب عن عمرو، فقد رواه أبو داود عن موسى بن إسماعيل عن حمَّاد عن حبيب المعلِّم عن عمرو، وقال: (عن جدِّه عبد الله بن عمرو) (2). وهذا إسنادٌ جيِّد إلى عمرو، قال أبو عمر بن عبد البر في "الفرائض " (3) له: هذا إسنادٌ لا مطعن فيه عند أحد من أهل العلم بالحديث. لكن تناقض أبو عمر لتضعيفه إياه في كتاب "التمهيد" (4)! وقد رواه النسائيُّ من رواية عامر الأحول ويعقوب بن عطاء وغيرهما عن عمرو، وقال: يعقوب بن عطاء وعامر الأحول ليسا بالقويين في الحديث (5). وقد رواه ابن ماجة عن محمَّد بن رمح عن ابن لهيعة عن خالد ين يزيد
عن المثنَّى بن الصبَّاح عن عمرو (1)، والله أعلم O. 2627 - الحديث الثاني: قال الترمذيُّ: حدَّثنا حميد بن مسعدة ثنا حُصين بن نمير عن ابن أبي ليلى عن أبي الزبير عن جابر عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يتوارث أهل ملَّتين " (2). قال المصنِّف: لا يعرف إلا من حديث ابن أبي ليلى، وفيه ضعفٌ. ز: هذا الحديث انفرد به الترمذيُّ، وقال: لا نعرفه من حديث جابر إلا من حديث ابن أبي ليلى (3) O. 2628 - الحديث الثالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أحمد بن محمَّد بن محمَّد (4) ثنا عليُّ بن حرب ثنا الحسن بن محمَّد ثنا عمر بن راشد عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا ووث أهل ملَّة أهل ملَّة" (5). ز: هذا الحديث غير مخرَّج في "السنن". وعمر بن راشد اليماميُّ: ضعَّفه كثر الأمِّة، والترمذيُّ يحسِّن حديثه، فالله أعلم O. 2629 - الحديث الرابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا أبو بكر النيسابوريُّ ثنا بحر بن نصر ثنا ابن وهب أنا يونس قال: أخبرني ابن شهاب عن عليِّ بن
الحسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد أنَّ النبيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يرث الكافر المسلم، ولا يرث المسلم الكافر " (1). ز: أخرجاه في "الصحيحين" من حديث ابن شهاب (2) O. 2630 - الحديث الخامس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا النيسابوريُّ ثنا يونس بن عبد الأعلى ثنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني محمَّد بن عمرو عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يرث المسلم النصرانيَّ، إلا أن يكون عبده أو أمته ". قال الدَّارَقُطْنِيُّ: روي موقوفًا، وهو المحفوظ (3). ز: رواه النسائيُّ عن يونس بن عبد الأعلى (4). ومحمَّد بن عمرو هو: اليافعيُّ المصريُّ، وهو من رجال مسلم (5)، ولم يرو عنه غير ابن وهب، ووثقه ابن حِبَّان (6)، وقال أبو سعيد بن يونس: روى عنه ابن وهب وحده، وهو قريب السنِّ من ابن وهب، حدَّث بغرائب، وما علمت حدَّث عنه غير ابن وهب (7) O. *****
مسألة (601): إذا كان للميت أقارب كفار، فأسلموا قبل قسمة
مسألة (601): إذا كان للميِّت أقارب كفَّار، فأسلموا قبل قسمة التركة، استحقُّوا الميراث. وعنه: لا يستحقُّون شيئًا، وبه قال أكثرهم. لنا أربعة أحاديث: 2631 - الحديث الأوَّل: قال أبو داود: حدَّثنا حجَّاج بن أبي يعقوب ثنا موسى بن داود ثنا محمَّد بن مسلم عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كل قَسْمٍ قُسم في الجاهليَّة فهو على ما قُسم، وكلُّ فَسْمٍ أدركه الإسلام فإنه على قسم الإسلام " (1). ز: رواه ابن ماجة عن العبَّاس بن جعفر بن أبي طالب- وهو أخو يحيى- عن موسى بن داود (2). ورواه أبو يعلى الموصليُّ عن محمَّد بن منصور عن موسى (3)، وإسناده جيِّدٌ O. 2632 - الحديث الثاني: قال ابن ماجة: حدَّثنا محمَّد بن رمح ثنا عبد الله بن لهيعة عن عقيل أنَّه سمع نافعًا يخبر عن عبد الله بن عمر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما كان من ميراث قسم في الجاهلية فهو على قسمة الجاهليَّة، وما كان من ميراث أدركه الإسلام، فهو على قسمة الأسلام " (4). 2633 - الحديث الثالث: قال الإمام أحمد: حدَّثنا محمَّد بن جعفر ثنا
شعبة عن عمرو بن أبي حكيم عن عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر عن أبي الأسود الديليِّ قال: كان معاذ باليمن، فارتفعوا إليه في يهوديٍّ مات وترك أخاه مسلمًا، فقال معاذ: إنِّي سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن الإسلام يزيد ولا ينقص ". فورَّثه (1). ز: رواه أبو داود من رواية شعبة وغيره عن عمرو (2)، وهو ثقةٌ O. 2634 - الحديث الرابع: قال سعيد بن منصور: حدَّثنا عبد الله بن المبارك عن حيوة بن شريح عن محمَّد بن عبد الرحمن بن نوفل عن عروة بن الزبير قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أسلم على شيء فهو له " (3). ز: هذا إسنادٌ صحيحٌ، لكنَّّه مرسلٌ. وفي الاستدلال بهذه الأحاديث على هذه المسألة نظرٌ، والله أعلم O.
مسألة (602): الجد يقاسم الإخوة للأب، ولا يحجبهم.
مسألة (602): الجدُّ يقاسم الإخوة للأب، ولا يحجبهم. وقال أبو حنيفة: يسقطهم. لنا: أنَّ التوريث بالأخوة منصوصٌ عليه في القرآن، ولا يثبت حجبهم إلا بنصٍّ أو إجماعٍ. احتجُّوا: 2635 - بما رواه الإمام أحمد، قال: حدَّثنا عفَّان ثنا وهيب بن خالد عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عبَّاس أنَّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فهو لأولى رجل ذكر " (1). أخرجاه في "الصحيحين" (2). قالوا: والجدُّ أولى رجل. وربما رووا في حديث لهم: " فهو لأولى عصبة ". وما نحفظ هذه اللفظة. قالوا: والجدُّ أولى عصبة، لأنَّ التعصيب منه نشأ. قلنا: لا نسلِّم أنَّه أولى عصبة، ولا اعتبار بقولهم: (التعصيب منه نشأ)، فإن تعصيب البنوة مقدَّم على تعصيب الأبوة، وإن كان ذاك أسبق، والجدُّ أسبق من الأب، والأب يسقطه.
ز: الصحيح أنَّ الجدَّ يسقط جميع الإخوة والأخوات من جميع الجهات، كما يسقطهم الأب، وهذا قول كثر أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال أبو محمَّد بن حزم: هو الثابت عن أبي بكر وعمر وعثمان (1). وقال البخاريُّ: وقال أبو بكر وابن عبَّاس وابن الزبير: الجدُّ أبٌ، وقرأ ابن عبَّاس: (يَا بَنِي آدَمَ) [الأعراف: 26]، (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ) [يوسف: 38]، ولم يُذكر أنَّ أحدًا خالف أبا بكر في زمانه، وأصحاب النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متوافرون، ويُذكر عن عمر وعليٍّ وابن مسعود وزيد أقاويل مختلفة (2). والدليل على أنَّ الجدَّ أولى من الأخ: أنَّ الجدَّ له قرابة إيلاد وبعضيَّة فأشبه الأب. وإذا ازدحمت الفروض سقط الأخ دونه، ولا يسقطه أحد إلا الأب، والأخ والأخوات يسقطون بثلاثة. ويجمع له بين الفرض والتعصيب كالأب، وهم ينفردون بواحد منهما. وشمقط ولد الأم، وولد الأب يسقطون بهم بالإجماع إذا استغرقت الفروض المال، وكانوا عصبة، وكذلك ولد الأبوين في المشرَّكة عند الأكثرين. ولأنه لا يقتل بقتل ابن ابنه، ولا يحدُّ بقذفه، ولا يقطع بسرقة ماله، وتجب عليه نفقته، ويمنع من دفع زكاته إليه كالأب سواء؛ فدلَّ ذلك على قربه.
مسألة (603): الأخوات مع البنات عصبة، خلافا لابن عباس.
ولأنَّ ابن الإبن- وإن نزل- يقوم مقام أبيه في الحجب، فكذلك أبو الأب يجب أن يقوم مقام ابنه: ولذلك قال ابن عبَّاس: ألا يتَّقي الله زيد؟! يجعل ابن الابن ابنا، ولا يجعل أبا الأب أبا! ولأنَّ أبا الأب- و [إن] (1) علا- يسقط بني الإخوة، ولو كانت قرابة الأخ والجدِّ واحدة = لوجب أن يكون أبو الجد مساويا لبني الأخ، لتساوي درجة من أدليا به (2). واعلم أن لشيخنا العلامة أبو العبَّاس في هذه المسألة مصنفًا جليلاً، فمن أحب الوقوف عليه فليسارع إليه. ثم إني بعد [أن] (3) كتبت هذا الكلام بمدَّة جمعت الآثار الواردة في هذه المسألة، وذكرت ما جاء عن الصحابة والتابعن ومن بعدهم من الاختلاف فيها في عدَّة كراريس، ثم حكيت كلام شيخنا بحروفه في آخر ذلك، والله أعلم O. ***** مسألة (603): الأخوات مع البنات عصبة، خلافًا لابن عبَّاس. 2636 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا وكيع ثنا سفيان عن أبي قيس عن الهزيل (4) بن شرحبيل قال: جاء رجل إلى أبي موسى وسلمان بن ربيعة،
مسألة (604): يرث من الجدات للأب: (أم أمه، وأم أبيه، وأم
فسألهما عن: (ابنة، وابنة ابن، وأخت لأب وأمٍّ:)، فقالا: للابنة النصف، وللأخت النصف؛ وائت ابن مسعود فإنَّه سيتابعنا. فأتى ابن مسعود، فقال: لقد ضللت إذا، وما أنا من المهتدين! سأقضي فيها بما قضى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: للابنة النصف، ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين، وما بقي فللأخت (1). انفرد بإخراجه البخاريُّ (2). ***** مسألة (604): يرث من الجدَّات للأب: (أمُّ أمِّه، وأمُّ أبيه، وأمُّ جدِّه). وقال أبو حنيفة والشافعيُّ: ترث الجدَّات وإن كثرن. وقال مالكٌ وداود: لا ترث إلا جدَّتان: (أمُّ أمِّه وأمُّ أبيه) وأمُّهاتهما وإن علون. 2637 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا محمَّد بن إسماعيل الفارسيُّ ثنا موسى ابن عيسى بن المنذر ثنا أحمد بن خالد الوهبيُّ ثنا خارجة بن مصعب عن منصور عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد قال: أعطى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاث جدَّات السدس، ثنتين من قبل الأب، وواحدة من قبل الأمِّ (3). ز: هذا مرسلٌ، وخارجة بن مصعب ضعَّفه ابن معين (4) وغيره،
وقال النسائيُّ وغيره: متروكٌ (1). وهذا الحديث مشهور من مراسيل إبراهيم: 2638 - قال سعيد: ثنا ابن عيينة عن منصور عن إبراهيم أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورَّث ثلاث جدَّات، ثنتين من قبل الأب، وواحدة من قبل الأمِّ (2). 2639 - وقال أحمد: ثنا معاوية (3) عن الأعمش عن إبراهيم قال: كانوا يورِّثون من الجدَّات ثلاثًا: جدَّتين من قبل الأب، وواحدة من قبل الأمِّ. 2640 - وقال أيضا: ثنا وكيع ثنا الفضل عن الحسن أنَّ النبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورَّث ثلاث جدَّات. 2641 - ثنا وكيع ثنا الأعمش عن إبراهيم عن عبد الله أنَّه قال: ترث ثلاث جدَّات: جدَّتان من قبل الأب، وواحدة من قبل الأمِّ. 2642 - ثنا محمَّد بن جعفر ثنا سعيد عن قتادة عن الحسن عن زيد بن ثابت: كان يورِّث ثلاث جدَّات: ثنتين من قبل أبيه، وواحدة من قبل أمه. وقال محمَّد بن نصر: جاءت الأخبار عن أصحاب النبيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجماعة من التابعين أنَّهم ورَّثوا ثلاث جدَّات، مع الحديث المنقطع الذي روي عن النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه ورَّث ثلاث جدَّات، ولا نعلم عن أحد من أصحاب النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلاف ذلك، إلا ما روينا عن سعد بن أبي وقَّاص مما لا يثبت أهل المعرفة بالحديث إسناده (4) O. *****
مسألة (605): ترث أم الأب مع الأب.
مسألة (605): ترث أمُّ الأب مع الأب. وعنه: لا ترث، كقولهم. لنا: أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورَّث جدَّةً وابنها حيٌّ. 2643 - قال الترمذيُّ: حدَّثنا الحسن بن عرفة ثنا يزيد بن هارون عن محمَّد بن سالم عن الشعبيِّ عن مسروق عن عبد الله قال في الجدَّة مع ابنها: إنَّها أوَّل جدَّة أطعمها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع ابنها، وابنها حيٌّ (1). ز: محمَّد بن سالم ضعَّفوه. وقال الترمذيُّ في هذا الحديث: لا نعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه. وقال البيهقيُّ: محمَّد بن سالم ينفرد به هكذا، وروي عن يونس عن ابن سيرين قال: أنبئت، وعن أشعث بن سوار عن ابن سيرين عن عبد الله، وعن أشعث بن عبد الملك عن الحسن وابن سيرين عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وحديث يونس وأشعث منقطع، ومحمَّد بن سالم غير محتجٍّ به، وإنَّما الرواية الصحيحة فيه عن عمر وعبد الله وعمران بن حصين (2). 2644 - وقال الإمام أحمد: حدََثنا وكيع ثنا سفيان عن أشعث عن ابن سيرين أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أطعم جدَّة مع ابنها السدس، فكانت أول جدَّة ورثت في الإسلام.
مسألة (606): عصبة ولد الملاعنة= أمه، فإن عدمت فعصباتها من
2645 - ثنا هشيم عن أشعث عن الحسن أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورَّث جدَّة وابنها حيٌّ. 2645/أ- ثنا وكيع ثنا الفضل عن الحسن أنَّ عمر ورَّث جدَّة مع ابنها. 2645/ب- ثنا يزيد بن هارون أنا أشعث بن سوار عن ابن سيرين أنَّ أوَّل جدَّة أطعمت [في] (1) الإسلام: أمُّ أب، وابنها حيٌّ. 2645/جـ - ثنا عبد الرحمن ثنا سفيان عن إسماعيل عن أبي عمرو الشيباني عن عبد الله أنَّه كان يورِّث الجدَّة مع ابنها. 2645/د- ثنا سفيان عن ابن أبي ليلى عن الشعبيِّ عن ابن مسعود أنَّ أوَّل جدَّة ورثت في الإسلام: جدَّة مع ابنها. وأنَّ عليًّا وزيدًا كانا لا يورثانها. 2645/هـ- ثنا سفيان عن إبراهيم بن ميسرة سمع سعيد بن المسيَّب يقول: ورَّث عمر جدَّة رجل من ثقيف مع ابنها، وهو حيٌّ. وقال مرَّة: أنَّ عمر قال: ترث مع ابنها O. ***** مسألة (606): عصبةُ ولد الملاعنة= أمُّه، فإن عدمت فعصباتها من بعدها. وعنه: عصبته عصبة أمِّه. وقال أبوحنيفة: ترثه أمُّه بالفرض والردِّ.
وقال مالكٌ والشافعيُّ: ترث أمُّه الثلثَ، والباقي لبيت المال، ولا تكون هي ولا عصباتها عصبة له. 2646 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا يزيد بن عبد ربِّه ثنا محمَّد بن حرب الخولانيُّ قال: حدَّثني [عمر] (1) بن رؤبة قال: سمعت عبد الواحد النصريَّ يقول: سمعت واثلة بن الأسقع يذكر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " المرأة تحوز (2) ثلاثة مواريث: عتيقها، ولقيطها، والولد الذي لاعنت عليه " (3). قال أبو حاتم الرازيُّ: عبد الواحد النصريُّ لا يحتجُّ به (4). ز: رواه أصحاب " السنن الأربعة " من رواية محمَّد بن حرب (5). وقال الترمذيُّ: حديث حسنٌ غريبٌ، لا نعرفه الا من حديث محمَّد ابن حرب. ورواه النسائيُّ أيضًا عن إسحاق بن إبراهيم وغيره عن بقيَّة عن أبي سلمة سليمان بن سليم الحمصيِّ عن عمر (6). وعبد الواحد بن عبد الله النصريُّ: روى له البخاريُّ في "صحيحه" (7)،
ووثَّقه العجليُّ (1) والدَّارَقُطْنِيُّ (2) وغيرهما. وعمر بن رؤبة التغلبيُّ الحمصيُّ: محلُّه الصدق، قال دحيم: لا أعلمه إلا ثقة (3)، وقال البخاريُّ: فيه نظرٌ (4). وقال أبو حاتم: صالح الحديث (5). وذكره ابن حِبَّان في "الثقات" (6). واعلم أن هذا الحديث قد تكلَّم فيه الشافعيُّ وغيره (7)، لكن له شواهد تقوِّيه، والقياس يشهد له ولشواهده بالصحَّة، فإنَّ الولاء مُفرَّعٌ على النسب وملحق به، والولاء في الأصل لموالي الأب، فإذا تعذَّر عوده إليهم صار لموالي الأمّ، وصاروا عصبة العتيق، فهكذا النسب هو في الأصل للأب، فإذا انقطع النسب من جهته- بلعان أو زنا- عاد إلى جهة الأمّ، وصار عصبةُ الأم عصبةَ الولد، كما كان مواليها مواليه عند انقطاع الولاء من جهة الأب، وعلى هذا فإذا اعترف المتلاعنين بالولد عاد التعصيب، إليه، وانقطع من جهة الأمِّ، وهذا قياسٌ جليٌّ. وإذا تبيَّن أنَّ عصبتَه عصبةُ أمِّه، فبطريق الأولى تكون هي عصبتَه، لأنَّهم مُفرَّعون عليها وهي الأصل، وتعصيبهم إنَّما نشأ من جهتها؛ فكيف يكونون عصبةً وهي لا تكون عصبة، وهي أقرب منهم وأصلٌ لهم، وبها يدلون إلى هذا الولد؟! وهذا ظاهرٌ بحمد الله (8).
مسألة (607): لا يرث المولود ولا يورث، حتى يستهل صارخا.
وأيضًا فهي قد قامت مقام أبيه وأمِّه في انتسابه إليها، فصارت هي أصل نفسه وجهة الأبوة معدومة في حقِّه، فلم ينشأ نسبه إلا من جهتها، فوجب أن تحوز ميراثه هي وعصبتها من بعدها، والله أعلم O. 2647 - وقال أبو داود: حدَّثنا موسى بن إسماعيل ثنا حمَّاد ثنا داود بن أبي هند عن عبد الله بن عبيد عن رجل من أهل الشام أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ولد الملاعنة عصبته عصبة أمِّه " (1). ز: هذا الحديث منقطعٌ. قاله البيهقيُّ (2). 2648 - وقال أبو داود: ثنا محمود بن خالد وموسى بن عامر قالا: ثنا الوليد ثنا ابن جابر عن مكحول قال: جعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ميراث ابن الملاعنة لأمِّه، ولورثتها من بعدها. 2649 - قال: وحدَّثنا موسى بن عامر ثنا الوليد أخبرني عيسى أبو محمَّد عن العلاء بن الحارث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثله (3) O. ***** مسألة (607): لا يرث المولود ولا يورث، حتَّى يستهلَّ صارخا. وقال أبو حنيفة والشافعيُّ: إذا تنفَّس وتحرَّك يورَّث (4).
لنا: 2650 - ما رواه ابن ماجة، قال: حدَّثنا هشام بن عمَّار ثنا الربيع بن بدر ثنا أبو الزبير عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا استهلَّ الصبيُّ صُلِّي عليه وورِّث " (1). ز: الربيع بن بدر: يعرف بـ " عُلية "، ضعَّفوه، وقال النسائيُّ وغيره: متروكٌ (2). 2651 - وقد روى الترمذيُّ من حديث إسماعيل بن مسلم المكِّيِّ عن أبي الزبير عن جابر مرفوعًا قال: " الطفل لا يصلَّى عليه، ولايورث، ولا يرث، حتى يستهلَّ ". وقال: هذا حديث قد اضطرب الناس فيه: فرواه بعضهم مرفوعًا، ورواه أشعث بن سوار وغير واحد عن أبي الزبير عن جابر موقوفًا، وكأنَّ هذا أصحّ من الحديث المرفوع (3). وقد رواه النسائيُّ من رواية المغيرة بن مسلم عن أبي الزبير عن جابر مرفوعًا. ورواه من رواية ابن جريج عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول في المنفوس: يرث إذا سمع صوته. موقوفًا. وقال: هذا أولى بالصواب من حديث المغيرة بن مسلم، وعند المغيرة
ابن مسلم عن أبي الزبير غير حديث منكر، وابن جريج أثبت من المغيرة (1). وقد رواه الطبرانيُّ من رواية إسحاق الأزرق عن سفيان عن أبي الزبير عن جابر مرفوعًا (2). وكذلك رواه البيهقيُّ من رواية بقية عن الأوزاعيِّ عن أبي الزبير، وقال: ورواه أيضًا المغيرة بن صالح عن أبي الزبير مرفوعًا (3). وقد رواه ابن إسحاق عن عطاء عن جابر موقوفًا O. 2652 - وقال أبو داود: حدَّثنا حسين بن معاذ ثنا عبد الأعلى ثنا محمَّد ابن إسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا استهلَّ المولود ورِّث " (4). ز: هذا إسناد جيِّدٌ. وحسن: قال أبو داود: كان ثبتا في عبد الأعلى (5). وذكره ابن حِبَّان في "الثقات" (6) O. *****
مسائل العتق
مسائل العتق (1) مسألة (608): المعتق بعضه: يرث ويورَّث بقدر ما فيه من الحريَّة. وقال مالكٌ: لا يرث ولا يورَّث. وقال الشافعيُّ: لا يرث، وهل يورَّث؟ على قولين. ولا يتصور مع أبي حنيفة، فإنَّ عنده يستسعى وهو حرٌّ. 2653 - قال النسائيُّ: أخبرنا محمَّد بن عيسى النقاش ثنا يزيد بن هارون أنا حمَّاد عن قتادة عن خلاس عن عليٍّ وعن أيُّوب عن عكرمة عن ابن عبَّاس عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " المكاتب يعتق منه بقدر ما أدَّى، ويقام عليه الحدُّ بقدر ما عتق منه، ويرث بقدرما عتق منه " (2). ز: هذا الحديث روي موقوفًا ومرسلاً، وفي إسناده اختلافٌ، وقد رواه أبو داود (3) والترمذيُّ (4) من حديث ابن عبَّاس، وحسَّنه الترمذيُّ، والله أعلم O. *****
مسألة (609): إذا أعتق عن الغير بغير إذنه، فالولاء للمعتق.
مسألة (609): إذا أعتق عن الغير بغير إذنه، فالولاء للمعتق. وقال مالكٌ: للمعتق عنه. لنا: حديث عائشة: " إنَّما الولاء لمن أعتق ". وقد سبق بإسناده، وهو في "الصحيحين" (1). ***** مسألة (610): إذا أعتق المسلم عبدًا ذميًّا ورثه بالولاء. وقال أكثرهم: لا يرثه، إلا أن يموت العبد مسلمًا. لنا: قوله: " الولاء لمن أعتق ". ولنا حديث جابر أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يرث السلم النصرانيَّ، إلا أن يكون عبده أو أمته ". وقد سبق بإسناده (2). *****
مسألة (611): بنت المولى ترث بالولاء.
مسألة (611): بنت المولى ترث بالولاء. وعنه: لا ترث، كقول كثرهم. 2654 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أحمد بن محمَّد بن زياد ثنا محمَّد بن غالب ثنا سليمان بن داود المنقريُّ ثنا يزيد بن زريع ثنا سعيد عن قتادة عن جابر ابن زيد عن ابن عبَّاس أن مولى لحمزة توفي، وترك ابنته وابنة حمزة، فأعطى النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابنته النصف، ولابنة حمزة النصف (1). ز: سليمان بن داود: هو الشاذكونيُّ، وقد ضعَّفوه، وكذَّبه ابن معين (2) وغيره، وقال أبو حاتم: متروك الحديث (3). وقال البخاريُّ: هو عندي أضعف من كلِّ ضعيفٍ (4). وقد روي أنَّ ابنة حمزة هي المُعْتِقَةُ: 2655 - قال النسائيُّ: أخبرنا القاسم بن زكريا بن دينار الكوفيُّ ثنا حسين بن عليٍّ الجعفيُّ عن زائدة عن محمَّد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الحكم عن عبد الله بن شدَّادٍ عن ابنة حمزة قالت: مات مولى لي، وترك ابنته، فقسم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ماله بيني وبين ابنته، فجعل لي النصف ولها النصف. 2656 - أخبرني أبو بكر بن عليٍّ ثنا عبد الأعلى ثنا حمَّاد بن سلمة عن عبد الله بن عون عن الحكم بن عتيبة عن عبد الله بن شدَّاد بن الهاد أنَّ ابنة حمزة ابن عبد المطلب أعتقت مملوكًا لها، فمات، وترك ابنته ومولاته، فورثته ابنته
النصف، وورثته ابنة حمزة النصف. قال أبو عبد الرحمن: وهذا أولى بالصواب من الذي قبله (1). وقال البيهقيُّ في هذا الحديث: هو منقطعٌ، وقد قيل: عن الشعبيِّ عن عبد الله بن شدَّادٍ عن أبيه، وليس بمحفوظٍ (2). وقد روى ابنُ ماجة هذا الحديث عن أبي بكر بن أبي شيبة عن حسين الجُعفيّ (3). ورواه أبو داود في "المراسيل " عن محمَّد بن المثنَّى عن محمَّد بن جعفر عن شعبة عن الحكم بنحوه، وقال: رواه عدَّةٌ عن عبد الله بن شدَّادٍ أنَّ بنت حمزة هي المُعْتِقَةُ (4) O. *****
كتاب النكاح
كتاب النكاح مسألة (612): الاشتغال بالنكاح في حقِّ غير التائق أفضل من التشاغل بنفل العبادة. وقال الشافعيُّ: نفل العبادة له أفضل. لنا أحاديث: 2657 - الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا يعلى بن عبيدٍ ثنا الأعمش عن عمارة عن عبد الرحمن بن يزيد قال: قال عبد الله: كنَّا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شبابًا ليس لنا شيءٌ، فقال: " يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوَّج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنَّ الصوم له وجاء " (1). ز: أخرجاه في "الصحيحين" من حديث الأعمش عن عمارة (2)، ومن حديث الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود (3) O. 2658 - والثاني: في "الصحيحين" من حديث أنس عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " لكنِّي أصوم وأفطر، وأتزوَّج النساء، فمن رغب عن سنَّتي فليس منِّي " (4).
2659 - والثالث: رواه أحمد من حديث أنس قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمر بالباءة، وينهى عن التبتل نهيًّا شديدًا، ويقول: " تزوَّجوا الودود الولود، إنِّي مكاثر الأنبياء بكم يوم القيامة " (1). ز: رواه أحمد عن عفَّان عن خلف بن خليفة عن حفص عن أنس، ولا أدري لم لم يذكر المؤلِّف إسناده، وإسناد الذي قبله، وإسناد ما بعده من الأحاديث؟! O. 2660 - والرابع: رواه أحمد من حديث أبي ذرٍّ أنَّ النبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لعكاف بن بشر: " هل لك من زوجة؟ ". قال: لا. قال: " ولا جارية؟ ". قال: ولا جارية. قال: " وأنت موسر بخير؟ ". قال: وأنا موسر. قال: " أنت إذا من إخوان الشياطين، إنَّ سنَّتنا النكاح، شراركم عزَّابكم (2)، وأراذل موتاكم عزَّابكم، أبا لشياطين تمرَّسون " (3). ز: هذا حديثٌ ضعيفٌ، واختصره المؤلِّف، وقد رواه أحمد بطوله (4) عن عبد الرزَّاق عن محمَّد بن راشد عن مكحولٍ عن أبي ذرٍّ (5). وقيل: إنه موضوع.
وقد اختلف في إسناده: 2661 - قال أبو يعلى الموصليُّ: ثنا أبو طالب عبد الجبار بن عاصم ثنا بقيَّة بن الوليد عن معاوية بن يحيى عن سليمان بن موسى عن مكحولٍ عن غضيف بن الحارث عن عطيَّة بن بُسْر المازنيِّ قال: جاء عكاف بن وداعة الهلاليُّ إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له: " يا عكاف، ألك زوجة؟ ... " الحديث بطوله (1) O. احتجُّوا بثلانة أحاديث: 2662 - أحدها في "الصحيحين" من حديث أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " إنَّ الله عز وجل يقول: الصوم لي " (2). 2663 - والثاني: في أفراد البخاريِّ من حديث أبي هريرة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما يروي عن ربِّه عز وجل أنَّه قال: " ما يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتَّى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به " (3). قالوا: ومثل ذلك لا يُلفَى في النكاح. 2664 - والثالث-: رواه الإمام أحمد، قال: حدَّثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن سالم عن ثوبان قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اعلموا أنَّ خير أعمالكم الصلاة " (4).
مسألة (613): لا يجوز للمرأة أن تلي عقد النكاح.
ز: رواه ابن ماجة من رواية منصور عن سالم (1)، وهو ابن أبي الجعد، ولم يسمع من ثوبان، بينهما معدان. قاله أحمد بن حنبل (2). وقد رواه أبو كبشة السلوليُّ وسلمان بن شُمير (3) وعبد الرحمن بن ميسرة عن ثوبان، فهو إذا حديث صحيح O. ***** مسألة (613): لا يجوز للمرأة أن تلي عقد النكاح. وقال أبو حنيفة: يجوز. وقال محمَّد بن الحسن: إن أذن لها وليُّها صحَّ. وقال مالكٌ: لا تلي، وهل لها أن تأذن لرجل أن يزوِّجها؟ على ثلاث روايات عنه: إحداهن: يجوز؛ والثانية: لا يجوز؛ والثالثة: إن كانت شريفة لم يجز، وإن كانت دنئة جاز. وقال داود: إن كانت ثيِّبًا جاز. لنا ثمانية إحاديث: 2665 - الحديث الأوَّل: قال الترمذيُّ: حدَّثنا ابن أبي عمر ثنا سفيان ابن عيينة عن ابن جريج عن سليمان عن الزهريِّ عن عروة عن عائشة أنَّ رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أيُّما امرأة نُكحت بغير إذن وليِّها، فنكاحها باطلٌ، فنكاحها باطلٌ، فإن دخل بها فلها المهر بما استحلَّ من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان وليُّ من لا وليَّ له " (1). فإن قيل: قد قال ابن جريج: لقيت الزهريَّ فأخبرته بهذا الحديث، فأنكره (2). قلنا: هذا الحديث صحيحٌ، ورجاله رجال الصحيح، وقد أخرجه أبو عبد الله الحاكم في " المستدرك على الصحيحين " (3)، وما ذكرتموه عن ابن جريج فإنَّه ليس في هذه الرواية التي ذكرناها، قال الترمذيُّ: لم يذكره عن ابن جريج إلا ابن عليَّة، وسماعه من ابن جريج ليس بذاك (4). 2666 - وقد رواه الإمام أحمد، قال: حدَّثنا إسماعيل ثنا ابن جريج قال: أخبرني سليمان بن موسى عن الزهريِّ عن عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا نكحت المرأة بغير إذن وليِّها فنكاحها باطل، فنكحها باطل، فان أصابها فلها مهرها بما أصابها، فإن اشتجروا فالسلطان وليُّ من لا وليَّ له ". قال ابن جريج: فلقيت الزهريَّ فسألته عن هذا الحديث، فلم يعرفه، قال: وكان سليمان بن موسى وكان ... فأثنى عليه (5). قال المصنِّف: قلت: وإذا ثبت هذا عن الزهريِّ كان نسيانا منه، وذلك لا يدلُّ على الطعن في سليمان لأنَّه ثقةٌ، ويدلُّ على أنَّه نسي: أنَّ هذا
الحديث قد رواه عنه جعفر بن ربيعة وقرَّة بن عبد الرحمن وابن إسحاق، فدلَّ على ثبوته عنه. والإنسان قد يحدِّث وينسى، قال أحمد بن حنبل: كان ابن عيينة يحدِّث بأشياء ثم يقول: ليس هذا من حديثي، ولا أعرفه. وروي عن سهيل بن أبي صالح أنه ذُكر له حديثٌ فأنكره، فقال له ربيعة: أنت حدَّثتني به عن أبيك! فكان سهيل يقول: حدَّثني ربيعة عنِّي! وقد جمع الدَّارَقُطْنِيُّ جزءًا فيمن حدَّث ونسي (1). ز: هذا الحديث رواه أبو داود (2) وابن ماجة (3) أيضًا من حديث ابن جريجٍ عن سليمان، وحسَّنه الترمذيُّ. وقول المؤلِّف: (ورجاله رجال الصحيح) فيه نظرٌ، فإنَّ سليمان بن موسى ليس هو من رجال الصحيح، بل هو إمام صدوق، قال النسائيُّ: هو أحد الفقهاء، وليس بالقويِّ في الحديث (4). وقد تكلَّم المؤلِّف فيه في بعض المواضع، وإنَّما غرَّه في هذا القول إخراج الحاكم له، والحاكم قد عرف تساهله، مع أن هذا الحديث من أجود ما رواه الحاكم في " مستدركه ". وما حكاه المؤلِّف عن الترمذيِّ (من أنَّ سماع ابن عليَّة من ابن جريجٍ ليس بذاك)، ليس هو من قول الترمذيِّ، وإنَّما الترمذيُّ حكاه عن يحيى بن معين (5)، وقد تكلَّم في حكاية ابن عليَّة عن ابن جريج هذه: أحمد (6) وابن
معين (1) وغيرهما. وقد صحَّح حديث سليمان هذا: ابنُ معين في رواية الدوريِّ عنه (2)، والبيهقيُّ (3)، وغير واحد. وضعَّفه: أحمدُ في رواية حربٍ عنه. وحديث جعفر بن ربيعة عن الزهريِّ: رواه أبو داود عن القعنبيِّ عن ابن لهيعة عنه، وقال: جعفر لم يسمع من الزهريِّ، كتب إليه (4) O. وقد روي هذا الحديث عن عائشة بلفظٍ آخر: 2667 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا مُعَمَّر بن سليمان الرَّقِّيُّ ثنا حجَّاج عن الزهريِّ عن عروة عن عائشة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا نكاح إلا بوليٍّ، والسلطان وليٌّ من لا وليَّ له " (5). قال المصنِّف: الحجَّاج هو: ابن أرطأة، وهو ضعيفٌ. ز: رواه ابن ماجة عن أبي كريب عن ابن المبارك عن حجَّاج (6) O. وقد روي هذا الحديث عن عائشة بلفظٍ آخر: 2668 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أبو ذرٍّ أحمد بن محمَّد ثنا أحمد بن
الحسين بن عبَّاد النسائيُّ ثنا محمَّد بن يزيد بن سنان ثنا أبي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا نكاح إلا بوليِّ وشاهدي عدلٍ " (1). قال المصنِّف: في هذا الإسناد يزيد بن سنان، قال أحمد (2) وعليٌّ (3): هو ضعيفٌ. وقال يحيى: ليس بثقةٍ (4). وقال النسائيُّ: متروك الحديث (5). وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: هو وأبوه ضعيفان. ز: قول الدَّارَقُطْنِيِّ إنَّما هو في محمَّد وأبيه، وهما راويا الحديث، لا في يزيد وأبيه (6)، وكذلك ذكره المؤلِّف في "الضعفاء" (7). وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: رواه عن هشام: سعيد بن خالد بن عبد الله بن عمرو ابن عثمان ونوح بن دراج وعبد الله بن حكيم، وقالوا فيه: " وشاهدي عدل " (8) O. وقد روي عن عائشة بلفظ آخر: 2669 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا محمَّد بن مخلد ثنا أبو واثلة عبد الرحمن ابن الحسين ثنا الزبير بن بكَّار ثنا خالد بن الوضَّاح عن أبي الخصيب عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا بدَّ في النكاح من
أربعة: الوليِّ، والزوج، والشاهدين ". قال الدَّارَقُطْنِيُّ: أبو الخصيب اسمُه: نافع بن ميسرة، وهو مجهولٌ (1). ز: هذا الحديث منكرٌ جدًّا، والأشبه أن يكون موضوعًا، وقد روي نحوه من وجهين ضعيفين عن أبي هريرة مرفوعًا. ومن وجه آخر ضعيف عن ابن عبَّاس مرفوعًا. وروي من وجه آخر صحيح عن قتادة عن ابن عبَّاس موقوفًا، إلا أنَّه منقطعٌ، لأنَّ قتادة لم يدرك ابن عبَّاس، والله أعلم O. 2670 - الحديث الثاني: قال الإمام أحمد: حدَّثنا وكيع وعبد الرحمن عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا نكاح إلا بوليٍّ " (2). فإن قيل: قد رواه أسباط وزيد بن الحباب فقالا: (عن أبي بردة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ولم يذكرا أبا موسى، وكذلك رواه شعبة وسفيان (3). فالجواب من وجهين: أحدهما: أنَّ الترمذيَّ قال: قد رواه إسرائيل وشريك بن عبد الله وأبو عوانة (4) وزهير بن معاوية وقيس بن الربيع فذكروا أبا موسى. قال: وقول
هؤلاء أصحُّ (1). 2671 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا عبد الرحمن بن الحسن (2) الهمدانيُّ ثنا يحيى بن عبد الله بن ماهان ثنا محمَّد بن مخلد السعديُّ ثنا عبد الرحمن بن مهديٍّ عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا نكاح إلا بوليٍّ ". قال: فقلت لعبد الرحمن: إنَّ شعبة وسفيان يوقفانه على أبي بردة. فقال: إسرائيل عن أبي إسحاق أحبُّ إليَّ من شعبة وسفيان. قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا دعلج ثنا أحمد بن محمَّد بن مهديٍّ ثنا صالح جزرة ثنا عليُّ بن المدينيِّ قال: سمعت عبد الرحمن بن مهديٍّ يقول: كان إسرائيل يحفظ حديث أبي إسحاق كلما يحفظ " سورة الحمد ". قال صالح: إسرائيل أتقن في أبي إسحاق خاصَّةً (3). ثم قد روينا عن شعبة أنَّه رفعه: 2672 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا محمَّد بن سليمان المالكيُّ ثنا محمَّد بن موسى الحرشيُّ ثنا يزيد بن زريع عن شعبة عن أبي إسحاق عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه عن النبيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا نكاح إلا بوليِّ " (4). والجواب الثاني: أنَّ الراوي قد يسند ويرسل، فيجوز أن يكون أبو بردة قد قال مرَّة: قال رسول الله كذا، وهو عنده عن أبيه عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ز: وقد روى حديث أبي إسحاق هذا عن أبي بردة عن أبي موسى:
أبو داود (1) والترمذيُّ (2) وابن ماجة (3)، وأطال الترمذيُّ الكلام عليه، وقال: وروى أسباط بن محمَّد وزيد بن الحباب عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى (4). وهذا يخالف ما ذكره المؤلِّف عنهما. وقال ابن المدينيِّ: حديث إسرائيل صحيحٌ في لا نكاح إلا بوليٍّ (5). وسئل عنه البخاريُّ، فقال: الزيادة من الثقة مقبولة، وإسرائيل بن يونس: ثقةٌ، وإن كان شعبة والثوريُّ أرسلاه، فإنَّ ذلك لا يضرُّ الحديث (6). 2673 - وقال البيهقيُّ: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ في كتاب "المستدرك" (7) ثنا أبو عليٍّ الحافظ أنا أبو جعفر محمَّد بن أحمد الضبعيُّ ببغداد ثنا محمَّد بن سهل بن عسكر ثنا قبيصة بن عقبة ثنا يونس بن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا نكاح إلا بوليٍّ ". قال ابن عسكر: فقال لي قبيصة بن عقبة: جاءني عليُّ بن المدينيِّ فسألني عن هذا الحديث، فحدَّثته به، فقال عليُّ بن المدينيِّ: قد استرحنا من خلاف أبي إسحاق. 2674 - وأخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق المزكِّي أنا أبو بكر أحمد بن كامل بن خلف القاضي ثنا عبد الملك بن محمَّد الرقاشيُّ ثنا سليمان بن داود
حدَّثني النعمان بن عبد السلام عن شعبة وسفيان الثوريِّ عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعريِّ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا نكاح إلا بوليٍّ ". قال البيهقيُّ: تفرَّد به سليمان بن داود الشاذكونيُّ عن النعمان بن عبد السلام، وقد روي عن مؤمل بن إسماعيل وبشر بن منصور عن الثوريِّ موصولاً، وعن يزيد بن زريع عن شعبة موصولاً، والمحفوظ عنهما غير موصول، والاعتماد على ما مضى من رواية إسرائيل ومن تابعه في وصل الحديث، والله أعلم (1) O. 2675 - الحديث الثالث: قال الإمام أحمد: حدَّثنا مُعَمَّر بن سليمان الرَّقِّيُّ عن الحجَّاج عن عكرمة عن ابن عبَّاس عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا نكاح إلا بوليِّ، والسلطان وليُّ من لا وليَّ له " (2). قال المصنِّف: الحجَّاج هو: ابن أرطأة، وفيه ضعفٌ. ز: روى ابن ماجة قوله: " لا نكاح إلا بوليٍّ " عن أبي كريب عن ابن المبارك عن حجَّاجٍ (3). وفي سماع حجَّاجٍ من عكرمة نظرٌ، قال حنبلٌ: ذكرت هذا لأبي عبد الله، فقال: لم يسمع حجَّاج من عكرمة شيئًا، إنَّما يحدِث عن داود بن الحصين عن عكرمة (4). 2676 - وقال الطبرانيُّ: حدَّثنا الحسين بن إسحاق التستريُّ ثنا سهل
ابن عثمان ثنا ابن المبارك عن خالد الحذَّاء عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا نكاح إلا بوليٍّ " (1). وقد رواه البيهقيُّ من رواية سهل عن ابن المبارك عن حجَّاج (2)، فالله أعلم O. وقد روى هذا الحديث عديُّ بن الفضل عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عبَّاس عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلا أنَّ عديًّا وعبد الله لا يحتجُّ بهما. ز: عديٌّ: متروكٌ. وابن خثيمٍ: روى له مسلمٌ (3). والصواب ما رواه الثوريُّ وغيره عن ابن خُثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عبَّاس موقوفًا O. 2677 - طريقٌ آخرٌ: قال العقيليُّ: حدَّثنا الفضل بن عبد الله ثنا قتيبة ابن سعيد ثنا الربيع بن بدر عن النهَّاس بن قَهْم عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " البغايا اللاتي تُنكحن أنفسهنَّ، لا يجوز النكاح إلا بوليٍّ، وشاهدين، ومهرٌ قلَّ أو كثر " (4). قال يحيى: النهَّاس ضعيفٌ (5). وقال ابن أبي عديٍّ: لا يساوي النهَّاس شيئًا (6).
ز: الربيع بن بدر هو: عُلَيْلَة، وقد ضعَّفوه. وابن أبي عديٍّ الذي تكلَّم في النهَّاس هو: محمَّد O. 2678 - الحديث الرابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا يعقوب بن إبراهيم البزَّاز ثنا عمر بن [شَبَّة] (1) ثنا بكر بن بكار ثنا عبد الله بن مُحَرَّر عن قتادة عن الحسن عن عمران بن حصين عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا نكاح إلا بوليّ وشاهدي عدلٍ " (2). قال يحيى بن معين: بكر بن بكار ليس بمشيءٍ (3). وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: عبد الله بن مُحَرَّر متروكٌ (4). ز: رواه أبو نعيم الفضل بن دكين عن عبد الله بن مُحَرَّر، ولم يذكر ابن مسعود. ورواه ابن وهب عن الضحَّاك بن عثمان عن عبد الجبَّار عن الحسن مرسلاً، وهو الصواب. قال الشافعيُّ: وهذا وإن كان منقطعًا دون النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإنَّ أكثر أهل العلم يقول به (5) O. 2679 - الحديث الخامس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا محمَّد بن مخلد ثنا
عبد الله بن أبي [سعد] (1) ثنا إسحاق بن هشام التمار (2) ثنا ثابت بن زهير ثنا نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا نكاح إلا بوليِّ، وشاهدي عدلٍ " (3). قال أبو حاتم الرازيُّ: ثابت بن زهير منكر الحديث، لا يشتغل به (4). وقال ابن عديٍّ: كلُّ أحاديثه يخالف فيها الثقات إسنادًا ومتنًا (5). وقال ابن حِبَّان: خرج عن جملة من يحتجُّ به (6). 2680 - الحديث السادس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أحمد بن محمَّد بن عبد الكريم الفزاريُّ ثنا جميل بن الحسن الجهضميُّ ثنا محمَّد بن مروان العقيليُّ ثنا هشام بن حسَّان عن محمَّد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تُزوِّج المرأةُ المرأةَ، ولا تُزوِّج الرأةُ نفسَها، فإنَّ الزانيةَ هي التي تُزوِّج نفسَها " (7). 2681 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا دَعلج ثنا موسى بن هارون ثنا مسلم ابن أبي مسلم الجرميُّ ثنا مخلد بن الحسن ثنا هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تُنكح المرأةُ المرأةَ، ولا تُنكح المرأةُ نفسَها، إنَّ التي تُنكح نفسَها هي البغيُّ " (8).
قال المصنِّف: في الطريق الأوَّل: جميل، وفي الثاني: مسلم، وكلاهما لا يعرف. ز: جميل بن الحسن الأزديُّ، العتكيُّ، الأهوازيُّ: مشهورٌ، روى عنه ابن خزيمة وابن أبي داود وخلق، وروى عنه ابن ماجة (1) وابن خزيمة (2) هذا الحديث، ووثَّقه ابن حِبَّان (3) وتكلَّم فيه ابن عبدان (4)، وذكره المؤلِّف في كتاب "الجرح والتعديل"، وذكر كلام عبدان وابن [عَدِيٍّ] (5) فيه (6). ومسلم الجرميُّ هو: ابن عبد الرحمن، وقد روى عنه الحسن بن سفيان أيضًا هذا الحديث، وقال: سألت يحيى بن معين عن رواية مخلد بن حسين عن هشام بن حسان، فقال: ثقة. فذكرت له هذا الحديث، قال: نعم، قذ كان شيخ عندنا يرفعه عن مخلد (7). وقال ابن أبي حاتم: مسلم بن عبد الرحمن الجرميُّ من الغزاة، روى عن مخلد بن حسين، روى عنه المنذر بن شاذان الرازيُّ الصادق، قال: إنَّه قتل من الروم مائة ألف (8)! وقد روى هذا الحديث بحر بن نصر عن بشر بن بكر عن الأوزاعيِّ عن ابن سيرين عن أبي هريرة موقوفًا، وهو أشبه، وكذلك قاله ابن عيينة عن هشام
ابن حسَّان عن ابن سيرين، والله أعلم O. 2682 - الحديث السابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أبو عليٍّ محمَّد بن سليمان المالكيُّ ثنا أبو موسى ثنا عبد الوهاب الثقفيُّ عن يونس عن الحسن أنَّ معقل بن يسارٍ زوَّج أختًا له فطلَّقها الرجل، ثم أنشأ يخطبُها، فقال: زوَّجتك كريمتي فطلَّقتها، ثم أنشأت تخطبُها!! فأبى أن يزوِّجه، وهويته المرأة، فأنزل الله عز وجل: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ) [البقرة: 232] (1). أخرجه البخاريُّ (2). 2683 - الحديث الثامن: أخبرنا أبو منصور القزَّاز أنا أبو بكر بن ثابتٍ أنا محمَّد بن عمر بن إسماعيل الداوديُّ ثنا عليُّ بن عمر الحافظ ثنا محمَّد بن الحسين بن محمَّد بن حاتم ثنا محمَّد بن عبد الرحمن الطبريُّ ثنا الحسين بن إسماعيل ابن خالد الطبريُّ ثنا يوسف بن يعقوب (3) أبو المثنَّى عن أبي عصمة عن مقاتل ابن حيَّان عن قبيصة بن ذؤيب عن معاذ بن جبل عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أيُّما امرأة زوَّجت نفسها من غير وليٍّ فهي زانية " (4). قال المصنِّف: أبو عصمة اسمه: نوح بن أبي مريم، قال يحيى: ليس بشيء (5). وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: هو متروكٌ (6).
ز: هذا إسنادٌ مظلمٌ إلى أبي عصمة، فيه غير واحد من المجهولين. ومحمَّد بن الحسين شيخ الدَّارَقُطْنِيُّ: يعرف أبوه بـ " عبيد العجليِّ "، وكان محمَّدٌ سيءَ الحال فىِ الحديث. ومقاتل: لم يلق قبيصة. ونوح: متَّهم. والأشبه أنَّ الحديث موضوعٌ، والله أعلم O. احتجُّوا بحديثين: 2684 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا عبد الرحمن عن مالك عن عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الأيِّم أحقُّ بنفسها من وليِّها، والبكر تستأذن في نفسها، وإذنها صماتها" (1). انفرد بإخراجه مسلمٌ (2). ووجه حجَّته: أنَّه شارك بينها وبين الوليِّ، ثم قدمها بقوله: "أحقُّ "، وقد صحَّ العقد منه، فوجب أن يصحَّ منها. 2685 - الحديث الثاني: قال سعيد بن منصور: ثنا أبو الأحوص عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: جاءت امرأةٌ إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت: إنَّ أبي أنكحني رجلاً وأنا كارهة، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مسألة (614): ولاية الفاسق لا تصح.
لأبيها: " لا نكاح لكَ، اذهبي انكحي من شئت " (1). والجواب: أمَّا الحديث الأوَّل: فإنَّه أثبت لها حقًّا، وجعلها أحقّ، لأنَّه ليس إلى الوليِّ إلا مباشرة العقد، ولا يجوز له أن يزوِّجها إلا بإذنها. وأمَّا الحديث الثاني: فهو حديث خنساء بنت خِذَامٍ، وأنَّ أباها أنكحها وهي كارهةً، فردَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك. هذا قدر ما أخرج في الصحيح (2). وأمَّا قوله: " انكحي من شئت " فرواه أبو سلمة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً، والمرسل ليس بحجَّةٍ، ثم لو قلنا إنَّه حجَّةٌ، فالمراد به: تخيَّري الأكفاء. ***** مسألة (614): ولاية الفاسق لا تصحُّ. وعنه: تصح، كقول أبي حنيفة ومالك. لنا حديثان ضعيفان: 2686 - الحديث الأوَّل: أنبأنا محمَّد بن ناصر أنبأ أبو طاهر أحمد بن الحسن الباقلانيّذُ (3) عن أبي بكر أحمد بن محمَّد البرقانيِّ قال: قرأت على أبي العبَّاس محمَّد بن أحمد بن حمدان قال: حدَّثني محمَّد بن عبد الله قال: حدَّثني
أبي ثنا قطن بن نُسير ثنا عمرو بن النعمان بن عبد الرحمن ثنا محمَّد بن عبيد الله العرزميُّ عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا نكاح إلا بوليّ مرشد، وشاهدي عدل ". قال أحمد: ترك الناس حديث العرزميِّ. وقال الفلاس والنسائيُّ: هو متروكٌ. وقال يحيى: لا يكتب حديثه، وقد حدَّث عنه شعبة وسفيان. وقطن بن نُسير: ضعيفٌ. ز: هذا الحديث لم يخرِّجوه. وقطن: روى عنه مسلمٌ (1). وعمرو بن النعمان هو: الباهليُّ، بصريٌّ، وثَّقه ابن حِبَّان (2)، وقال ابن عديٍّ: ليس بالقويِّ في الحديث، روى عن جماعة من الضعفاء، أحاديثه منكرة، فلا أدري البلاء منه أو من الضعيف الذي روى هو عنه (3) O. 2687 - الحديث الثاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا عليُّ بن أحمد بن الهيثم ومحمَّد بن جعفر المَطيريُّ قالا: ثنا عيسى بن أبي حرب ثنا يحيى بن أبي [بكير] (4) ثنا عديُّ بن الفضل عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا نكاح إلا بوليٍّ وشاهدي
مسألة (615): يملك الأب إجبار البكر البالغ على النكاح.
عدلٍ، وأيُّما امرأة أنكحها وليُّ مسخوط عليه، فنكاحها باطلٌ " (1). قال المصنِّف: في هذا الإسناد عديٌّ، قال يحيى: ليس بثقة، لا يكتب حديثه (2). وقال أبو حاتم الرازيُّ: متروك الحديث (3). وفيه: عبد الله بن عثمان، قال يحيى: ليست أحاديثه بالقويَّة (4). ز: وقد روى هذا الحديث أيضًا عن عديِّ بن الفضل: سعيد بن سليمان، والصواب ما رواه سعيد بن منصور عن إسماعيل بن عيَّاش عن جعفر ابن الحارث عن ابن خثيم موقوفًا على ابن عبَّاس (5). وابن خثيم: روى له مسلمٌ (6) O. ***** مسألة (615): يملك الأب إجبار البكر البالغ على النكاح. وعنه: لا يملك، كقول أبي حنيفة. لنا حديثان:
2688 - الحديث الأوَّل: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا الحسين بن إسماعيل ثنا يوسف بن موسى ثنا سفيان بن عيينة عن زياد بن سعد عن عبد الله بن الفضل سمع نافع بن جبير يذكر عن ابن عبَّاس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الثيِّب أحقُّ بنفسها من وليِّها، والبكر يستأمرها أبوها في نفسها " (1). فوجه الدليل: أنَّه قسم النساء قسمين: ثيبًا وأبكارا، ثم خصَّ الثيِّب بأنَّها أحقُّ من وليِّها، مع أنَّها هي والبكر اجتمعا في ذهنه، فلو أنَّها كالثيِّب في ترجّح حقِّها على حقِّ الوليِّ لم يكن لإفراد الثيِّب بهذا معنى، وصار هذا كقوله: " في سأمِّة الغنم الزكاة ". فإن قالوا: لفظ الصحيح في هذا الحديث: " الأيِّم " (2)، وهي: التي لا زوج لها، بكرًا كانت أو ثيِّبًا. وجواب هذا من وجهين: أحدهما: أن لفظ الثيِّب صحيحٌ، قال الدَّارَقُطْنِيُّ: روى هذا الحديث جماعة عن مالك عن عبد الله بن الفضل بهذا الإسناد عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " الثيِّب أحقُّ بنفسها "، منهم شعبة وابن مهديٍّ وعبد الله بن داود الخُريبيُّ وسفيان بن عيينة ويحيى بن أيُّوب المصريُّ وغيرهم (3). وكلُّهم قال: " الثيِّب ". والثاني: أنَّ المراد ههنا بالأيِّم: الثيِّب، لأنَّه لمَّا ذكر البكر علم أنَّه أراد الثيِّب، إذ ليس ثمَّ قسمٌ ثالثٌ.
ز: لفظ " الثيِّب " في " الصحيح " أيضًا، رواه مسلم عن قتيبة وابن أبي عمر كلاهما عن سفيان عن زياد به (1)، ولا دلالة في هذا الحديث على أنَّ البكر ليست أحقَّ بنفسها إلا من جهة المفهوم، والحنفيون لا يقولون به. ثم على تقدير القول به- كما هو الصحيح- لا حجَّة فيه على إجبار كلِّ بكرٍ، لأنَّ المفهوم لا عموم له، فيمكن حمله على من لها دون التسع، أو من هي دون البلوغ. ثم إنَّ هذا المفهوم قد خالفه منطوقه، وهو قوله: " والبكر تستاذن "، والاستئذان منافٍ للإجبار، وإنَّما وقع التفريق في الحديث بين الثيِّب والبكر= لأنَّ الثيِّب تخطب إلى نفسها، فتأمر الوليَّ بتزويجها، والبكر تخطب إلى وليِّها فيستأذنها، ولهذا فرَّق بينهما في كون الثيِّب إذنها الكلام، والبكر إذنها الصمات، لأنَّ البكر لمَّا كانت تستحيى أن تتكلَّم في أمر نكاحها لم تخطب إلى نفسها، بل إلى وليِّها، بخلاف الثيِّب، فإنَّها تخطب إلى نفسها، لزوال حياء البكر عنها، فتتكلم بالنكاح، وتأمر وليَّها أن يزوِّجها، فلم يقع التفريق في الحديث بين الثيِّب والبكر لأجل الإجبار وعدمه، والله أعلم O. 2689 - الحديث الثاني: قال سعيد بن منصور: حدَّثنا هشيم ثنا ابن أبي ليلى عن عبد الكريم عن الحسن قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تستأمر الأبكار في أنفسهن، فان أبين أجبرن " (2). قال المصنِّف: هذا مرسلٌ، وفي إسناده عبد الكريم البصريُّ، وقد أجمعوا على الطعن فيه.
احتجُّوا بسبعة أحاديث: 2690 - الحديث الأوَّل: حديثنا، وهو قوله " البكر تستأمر ". 2691 - الحديث الثاني: قال الإمام أحمد: حدَّثنا حسين ثنا جرير عن أيُّوب عن عكرمة عن ابن عبَّاس أنَّ جاريةً بكرًا أتت النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكرت أنَّ أباها زوَّجها وهي كارهة، فخيَّرها النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1). ز: رواه أبو داود (2) وابن ماجة (3) من رواية حسين، وهو: ابن محمَّد المرُّوذِيُّ، أحد الثقات المخرَّج لهم في "الصحيحين" (4). وقال البيهقيُّ: هذا حديث أخطأ فيه جرير بن حازم على أيُّوب السَّختيانيِّ، والمحفوظ عن أيُّوب عن عكرمة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلا (5). وقد رواه أبو داود عن محمَّد بن عبيد عن حمَّاد بن زيد عن أيُّوب عن عكرمة مرسلا، وقال: وكذلك يروى مرسل معروفٌ (6). وقد رواه ابن ماجة من رواية زيد بن حِبَّان عن أيُّوب موصولا (7)، وزيد مختلف في توثيقة. وقد سأل ابن أبي حاتم [أباه] (8) عن حديث حسين، فقال: هذا
خطأ، إنما هو كما روى الثقات عن أيُّوب عن عكرمة أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .... مرسلٌ، ابن عليَّة وحمَّاد بن زيد، وهو الصحيح. قلت: الوهم ممن هو؟ قال: من حسين، ينبغي أن يكون، فإنَّه لم يروه عن جرير غيره. قال أبي: رأيت حسين المرُّوذِيَّ ولم أسمع منه (1). وقال الخطيب: قد رواه سليمان بن حرب عن جرير بن حازم أيضًا كما رواه حسين، فبرئت عهدته، وزالت تبعته. ثم ذكره بإسناده، وقال: ورواه أيُّوب بن سويد هكذا عن الثوريِّ عن أيُّوب موصولا، وكذلك رواه مُعَمَّر بن سليمان عن زيد بن حِبَّان عن أيُّوب (2) O. 2692 - الحديث الثالث: قال أحمد: وحدَّثنا عبد الرزاق أنا ابن جريج قال: أخبرني عطاء الخراسانيُّ عن ابن عبَّاس أن خِذَاما أبا وديعة أنكح ابنته رجلاً، فأتت النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاشتكت إليه أنها أنكحت وهي كارهة، فانتزعها النبيُّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من زوجها، وقال: " لا تكرهوهن " (3). ز: هذا الحديث لم يخرِّجه أحد من أمِّة "الكتب السِّتَّة" من هذا الوجه، وهو منقطعٌ، فإنَّ عطاء الخراسانيَّ: لم يدرك ابن عبَّاس، ولم يره. قاله أبو داود (4). وهذه المرأة التي زوَّجها أبوها هي: خنساء بنت خِذَام، وقد روى
البخاريُّ وغيره حديثها من غير هذا الوجه- وسيأتي (1) - وفيه: أنَّها كانت ثيِّبًا، وقد روى بعضهم عنها أنَّها قالت: انكحني أبي وأنا بكرٌ. والله أعلم O. 2693 - الحديث الرابع: قال أحمد: وحدَّثنا وكيع عن كهمس بن الحسن عن عبد الله بن بريدة عن عائشة قالت: جاءت فتاةٌ إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت: يا رسول الله، إنَّ أبي- ونعم الأب هو- زوَّجني ابن أخيه ليرفع من خَسِيسَتَه (2). قالت: فجعل الأمر إليها، فقالت: إني قد أجزت ما صنع أبي، ولكنِّي أردت أن تعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيءٌ (3). ز: رواه النسائيُّ عن زياد بن أيُّوب عن عليِّ بن غراب عن كهمس، وعنده: (ليرفع بي خَسِيسَتَه) (4). ورواه البيهقيُّ من رواية عبد الوهاب بن عطاء عن كهمس، وعنده: (ليرفع بها)، وقال: وهذا مرسل، ابن بريدة لم يسمع من عائشة، وإن صحَّ هذا الحديث فإنَّما جعل الأمر إليها لوضعها في غير كفو، والله أعلم (5) O. 2694 - الحديث الخامس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا محمَّد بن عليِّ بن إسماعيل الأبليُّ ثنا أحمد بن عبد الله بن سليمان الصنعانيُّ ثنا إسحاق بن إبراهيم ثنا عبد الملك الذماريُّ عن سفيان عن هشام صاحب الدستوائيِّ عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عبَّاس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ردَّ نكاح بكرٍ وثيِّبٍ أنكحهما
أبوهما وهما كارهتان، فردَّ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نكاحهما (1). ز: إسحاق بن إبراهيم هذا، هو: ابن جوني الطبريُّ، الصنعانيُّ، وقد ضعَّفوه، وقد قال المؤلِّف فيما تقدَّم في السلم: إنَّه مجهولٌ، ولم يصب في ذلك، وكذلك قال ابن حزمٍ، وقد ذكرنا كلام الأئمة عليه هناك بما فيه كفاية (2). ولم يتفرَّد بهذا الحديث عن الذماريِّ، فقد رواه البيهقيُّ من رواية أبي سلمة المسلم بن محمَّد بن عمَّار الصنعانيِّ عن الذماريِّ. وقال الدَّارَقُطْنِيُّ (3): هذا وهمٌ، والصواب عن يحيى عن المهاجر عن عكرمة مرسلٌ، وَهِمَ فيه الذماريُّ على الثوريِّ، وليس بقويٍّ. قال البيهقيُّ: فهو في "جامع الثوريِّ " عن الثوريِّ كما ذكره أبو الحسن الدَّارَقُطْنِيُّ رحمه الله مرسلا، وكذلك رواه عامَّة أصحابه عنه، وكذلك رواه الثوريُّ عن هشام (4) O. 2695 - الحديث السادس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا عمر بن محمَّد بن القاسم الأصبهانيُّ ثنا محمَّد بن أحمد بن راشد ثنا موسى بن عامرٍ ثنا الوليد قال: قال ابن أبي ذئب: أخبرني نافع عن ابن عمر أنَّ رجلاً زوَّج ابنته بكرًا، فكرهت ذلك، فردَّ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نكاحها (5).
وفي رواية أخرى عن ابن عمر قال: كان النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينتزع النساء من أزواجهن ثيبًا وأبكارا، بعد أن يزوِّجهن الآباء، إذا كرهوا ذلك. ز: رواه الهيثم بن كليب الشاشيُّ عن صاحب بن محمود عن عبد الرحمن ابن إبراهيم عن الوليد بن مسلم. وقد سئل عنه الدَّارَقُطْنِيُّ فقال: يرويه صدقة بن عبد الله والوليد بن مسلم عن ابن أبي ذئب عن نافع عن ابن عمر مختصرا. وخالفهم ابن أبي فديك، فرواه عن ابن أبي ذئب عن عمر بن حسين عن نافع عن ابن عمر بلفظ آخر، وبيَّن فيه أنَّ ابن أبي ذئب سمعه من نافع، وأتى به بطوله على الصواب، وكذلك رواه محمَّد بن إسحاق وعبد العزيز بن المطَّلب عن عمر، ومن قال فيه: (عمر بن علي بن حسين) فقد وهم. وقد رواه يونس بن بكير عن ابن إسحاق عن نافع، والصحيح عن ابن إسحاق عن عمر بن حسين عن نافع. وفي هذه الأحاديث بيان أنَّ التزويج كان من قدامة بن مظعون- أخي عثمان بن مظعون- لابنة عثمان- وهو عمُّها-، وهو أصحُّ من قول من قال: زوَّجها أبوها، لأنَّ ابن عمر إنَّما تزوَّجها بعد وفاة أبيها عثمان بن مظعون، وهو خال ابن عمر O. 2696 - الحديث السابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا ابن صاعد ثنا الحسن بن محمَّد الزعفرانيُّ ثنا الحكم بن موسى ثنا شعيب بن إسحاق عن الأوزاعيِّ عن عطاء عن جابر أنَّ رجلاً زوَّج ابنته- وهي بكر- من غير أمرها، فأتت النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ففرَّق بينهما (1).
ز: ذكر الأثرم لأبي عبد الله حديث شعيب هذا، فقال: ثناه أبو المغيرة عن الأوزاعيِّ عن عطاء مرسلا، مثلُ هذا عن جابرٍ؟! كالمنكر أن يكون (1). قال الدَّارَقُطْنِيُّ: الصحيح مرسل، وقول شعيب وَهْمٌ (2). وقال أبو عليٍّ الحافظ: لم يسمعه الأوزاعيُّ من عطاء، والحديث في الأصل مرسل لعطاء، إنما رواه الثقات عن الأوزاعيِّ عن إبراهيم بن مرَّة عن عطاء عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلا (3). وقد روي من وجه آخر ضعيف عن أبي الزبير عن جابر، والله أعلم O. والجواب: أمَّا استئمار البكر فلتطييب قلبها. وجمهور الأحاديث محمولٌ على أنَّه زوَّج من غير كفء، وقولها: (زوجني ابن أخيه) يكون ابن عمِّها من الأمِّ (4). على أنَّه قد قال الدَّارَقُطْنِيُّ حديث ابن عبَّاس وجابر وعائشة مراسيل (5)، وابن بريدة لم يسمع من عائشة (6). وقد أنكر أحمد حديث جابر (7). وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: الصحيح أنَّه مرسلٌ عن عطاء أنَّ رجلاً ... ، وقول
مسألة (616): لا يملك الأب إجبار الثيب الصغيرة، في أحد الوجهين.
شعيب (1) وَهْمٌ (2). قال: وحديث الذَّماريِّ وهمٌ، وَهِمَ فيه النَّماريُّ على سفيان، والصواب عن عكرمة مرسلٌ (3). قال: وحديث ابن عمر لا يثبت عن ابن أبي ذئب، لم يسمعه من نافع، إنَّما سمعه من عمر بن حسين (4). وقد سُئل عن هذا الحديث أحمد، فقال: باطلٌ. ا. هـ ز: في بعض ما ذكره المؤلِّف من الأجوبة نظرٌ، وقد تكلَّمنا على ما مضى من الأحاديث بأبسط مما ذكره، والله أعلم O. مسألة (616): لا يملك الأب إجبار الثيِّب الصغيرة، في أحد الوجهين. وفي الآخر: يملك، كقول أبي حنيفة. لنا أربعة أحاديث: الحديث الأوَّل: الحديث المتقدِّم (5): " الثيِّب أحقُّ بنفسها من وليِّها " (6).
2697 - الحديث الثاني: قال الترمذيُّ: حدَّثنا إسحاق بن منصور أنا محمَّد بن يوسف ثنا الأوزاعيُّ عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تنكح الثيِّب حتى تستأمر ". قال الترمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (1). ز: رواه مسلم عن إبراهيم بن موسى عن عيسى بن يونس عن الأوزاعيِّ (2) O. 2698 - الحديث الثالث: قال الإمام أحمد: حدَّثنا عبد الرحمن بن مهديٍّ ثنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عبد الرحمن ومجمع ابني يزيد بن جارية عن خنساء ابنة خِذَام أنَّ أباها زوَّجها وهي كارهة، وكانت ثيِّبًا فردَّ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نكاحه. انفرد بإخراجه البخاريُّ (3). 2699 - طريق آخر: قال أحمد: وحدَّثنا عبد الرزَّاق أنا ابن جريج قال: أخبرني عطاء الخراسانيُّ عن ابن عبَّاس أن خِذَاما أبا وديعة أنكح ابنته رجلاً، فأتت النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاشتكت إليه أنَّها أنكحت وهي كارهة، فانتزعها النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من زوجها، وقال: " لا تكرهوهن ". قال: فنكحت بعد ذلك أبا لبابة الأنصاريَّ، وكانت ثيِّبا (4). ز: تقدَّم هذا الحديث مختصرًا (5)، وهو منقطعٌ O.
2700 - طريق آخر: قال أحمد: وحدَّثنا يزيد بن هارون أنا محمَّد بن إسحاق عن الحجَّاج بن السائب بن أبي لبابة قال: كانت بنت خِذَام عند رجل فأمَتْ منه، فزوَّجها أبوها رجلاً من بني عوف، وحَطَّت (1) هي إلى أبي لبابة، فأبى أبوها إلا أن يلزمها العوفي، وأبت هي، حتى ارتفع شأنهما إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " هي أولى بأمرها فألحقها بهواها ". فزوجت أبا لبابة، فولدت له أبا السائب (2). ز: كذا فيه: (فولدت له أبا السائب) (3)، والصواب: (فولدت له السائب)، وهو والد الحسين وحجَّاج. وهذا الإسناد غير مخرَّجٍ في شيءٍ من "الكتب السِّتَّة"، وهو منقطعٌ، وقد قيل فيه: عن الحجَّاج عن أبيه. قال البخاريُّ في "التاريخ": حجَّاج بن السائب بن أبي لبابة بن عبد المنذر الأنصاريُّ المدنيُّ عن أبيه عن جدَّته الخنساء بن خِذَام. قاله محمَّد بن سعيدٍ أنا عبد الرحيم عن ابن إسحاق (4). وذكره ابن أبي حاتمٍ نحو ما ذكره البخاريُّ، لم يزد (5)، والله أعلم O. 2701 - الحديث الرابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أبو بكر النيسابوريُّ ثنا أحمد بن منصور ثنا عبد الرزَّاق أنا معمر عن صالح بن كيسان عن نافع بن جبير عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس للوليِّ مع الثيِّب أمرٌ ".
مسألة (617): إذا ذهبت بكارتها بالزنا، زوجت تزويج الثيب.
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: لم يسمعه صالحٌ من نافع، إنَّما سمعه من عبد الله بن الفضل عنه، قال النيسابوريُّ: والذي عندي أَنَّ معمرًا أخطأ فيه (1). ز: رواه أبو داود عن الحسن بن عليٍّ عن عبد الرزَّاق به (2). ورواه النسائيُّ عن محمَّد بن رافع عن عبد الرزَّاق، وقال: لعل صالح ابن كيسان سمعه من عبد الله بن الفضل (3). ورواه عن أحمد بن سعيد عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن محمَّد بن إسحاق عن صالح بن كيسان عن عبد الله بن الفضل (4). وقال ابن حِبَّان في " الأنواع ": ذكر الخبر المدحض قول من زعم أنَّ هذا الخبر تفرَّد به عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير بن مطعم. ثم ذكره من رواية صالحٍ عن نافعٍ (5)، ولم يصنع شيئًا، فإنَّ صالحًا إنَّما سمعه من عبد الله بن الفضل، والله أعلم O. ***** مسألة (617): إذا ذهبت بكارتها بالزنا، زوِّجت تزويج الثيِّب.
مسألة (618): لا يجوز لأحد إنكاح الصغير والصغيرة اليتيمين.
وقال أبو حنيفة ومالك: تزويج البكر (1). لنا حديثان: الحديث الأوَّل: قوله: " الثيِّب أحقُّ بنفسها ". وقد تقدَّم. 2702 - الحديث الثاني: قال الإمام أحمد: حدَّثنا إسحاق بن عيسى قال: حدَّثني ليث بن سعدٍ قال: حدَّثني عبد الله بن عبد الرحمن عن عديِّ بن عديٍّ الكنديِّ عن أبيه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الثيِّب تعرب عن نفسها، والبكر رضاها صمتها " (2). ز: رواه ابن ماجة عن عيسى بن حمَّاد عن الليث عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين به (3). ورواه يحيى بن أيُّوب المصريُّ عن ابن أبي حسينٍ عن عديِّ بن عديٍّ عن أبيه عن العرس- رجلٍ من أصحاب النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (4) O. ***** مسألة (618): لا يجوز لأحدٍ إنكاح الصغير والصغيرة اليتيمين. وقال الشافعيُّ: يجوز ذلك للجدِّ وحده.
وعن أحمد: يجوز لجميع العصبات، ويثبت لها الخيار إذا بلغت، وهو قول أبي حنيفة. 2703 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: قرئ على ابن صاعدٍ - وأنا أسمع-: حدَّثكم عبيد الله بن سعيدٍ الزهريُّ ثنا عمِّي ثنا أبي عن ابن إسحاق قال: حدَّثني عمرُ بنُ حسينٍ عن نافعٍ عن ابنِ عمرَ قال: توفِّي عثمان بن مظعون وترك بنتا له، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هي يتيمة، لا تنكح إلا باذنها " (1). ز: رواه الإمام أحمد مطوَّلا عن يعقوب بن إبراهيم به (2) O. فإن قالوا: المراد باليتيمة البالغة، إذ غير البالغة لا إذن لها. 2704 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا وكيعٌ ثنا يونس بن أبي اسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تستأمر اليتيمة في نفسها، فإن سكتت فهو إذنها، وإن أبت فلا جواز عليها " (3). ز: هذا إسناد جيِّد، وقد رواه غير يونس: 2705 - قال أحمد: ثنا أسود بن عامر ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبيه رفعه قال: " تستأمر اليتيمة في نفسها، فإن سكتت فقد أذنت، وإن أبت فلا تزوَّج " (4). وقد روى هذا الحديث أبو داود وغيره من حديث أبي هريرة (5) O.
مسألة (619): تستفاد ولاية النكاح بالبنوة.
قلنا: إنَّما يشير بذلك إلى زمان جواز الإذن، وهو البلوغ، فسمَّاها يتيمةً بالاسم الذي كان لها (1). احتجُّوا: بأنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زوَّج أمامةَ بنتَ حمزة من عمر بن أبي سلمة وكانت صغيرةً، وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابنُ عمِّها. والجواب: أنَّه إنَّما زوَّجها بولاية النبوة لا بالقرابة، بدليل أنَّ العبَّاس أقرب منه إليها، لأنَّه عمٌّ، ولا ولاية لابن العمِّ مع وجود العمِّ، والرجل المتزوِّج: (سلمة بن أبي سلمة)، لا عمر، فقد غلط من قال: عمر. ***** مسألة (619): تستفاد ولاية النكاح بالبنوة. وقال الشافعيُّ: لا تستفاد بالبنوة. وقد استدلَّ أصحابنا بحديثين: أحدهما: أن عمر بن أبي سلمة زوَّج أمَّه أمَّ سلمةَ برسولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. والثاني: أنَّ أنسَ بنَ مالكٍ زوَّج أمَّه أبا طلحة. 2706 - أمَّا الأوَّل: فرواه الإمام أحمد، قال: حدَّثنا عفَّان ثنا حمَّاد
ابن سلمة قال: أنا ثابت قال: حدَّثني ابنُ عمر بن أبي سلمة عن أبيه: أنَّ أمَّ سلمة لما انقضت عدَّتُها من أبي سلمةَ بعث إليها رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت: مرحبًا برسولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبرسولِه، أخبر رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنِّي امرأةٌ غَيْري، وأني مصبية، وأنَّه ليس أحدٌ من أوليائي شاهد. فبعث إليها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أمَّا قولك: إنِّي مصبية، فإنَّ الله سيكفيك صبيانك؛ وأمَّا قولك: إنِّي غيري، فسأدعو الله أن يذهب غيرتَك؛ وأمَّا الأوَّلياء، فليس أحد منهم شاهد ولا غائب إلا سيرضى بي ". فقالت: يا عمر، قم فزوِّج رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1). قال المصنِّف: قلت: هكذا روي لنا الحديث (أنَّها قالت: يا عمر قم)، وأصحابنا قد ذكروا أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " قم يا غلام، فزوِّج أمَّك ". وما عرفنا هذا. وفي هذا الحديث نظرٌ، لأنَّ عمر كان له من العمر يوم تزوَّجها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاث سنين، وكيف يقال له: زوِّج؟! وهذا لأنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوَّجها في سنة أربع، ومات رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولعمر تسع سنين، فعلى هذا يحمل قولها لعمر: قم فزوِّج= أن يكون على وجه المداعبة للصغير. ولو صحَّ أن يكون الصغير قد زوَّجها= فلأنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يفتقر نكاحُه إلى وليٍّ، قال أبو الوفاء ابن عقيلٍ: ظاهر كلام أحمد أنَّه يجوز أن يتزوَّج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بغير وليٍّ لأنَّه مقطوعٌ بكفاءته. 2707 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا ابن أبي داود ثنا عمِّي ثنا ابن الأصبهانيِّ ثنا شَريك عن أبي هارون (2) عن أبي سعيد قال: لا نكاح إلا بوليٍّ
وشهودٍ ومهرٍ إلا ما كان من النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1). وقد ذكر بعض أصحابنا عن أحمد أنَّه قال: من يقول إن عمر كان صغيرًا؟! وهذا إن ثبت عن أحمد فلعلَّه قاله قبل أن يعلم مقدار سنِّه، وقد ذكر مقدار سنِّه جماعةٌ من المؤرِّخين، منهم: محمَّد بن سعدٍ في " الطبقات ". وقد اعتذر الخصم عن تزويج عمر أمَّه، قالوا: إنَّما زوَّجها لكونه ابن عمِّها، فإنَّ أمَّ سلمة هندُ بنتُ أبي أميَّة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وابنها عمرُ بنُ عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. قال أصحابنا: فقد كان لها من هو أولى من عمِّها فكيف ابن عمها؟! وهو عبد الله بن أبي أميَّة أخوها. قال المصنِّف: قلت: ذاك كان كافرًا يومئذٍ ولم يسلم بعد. ز: حديث أمِّ سلمة هذا: رواه النسائيُّ عن محمَّد بن إسماعيل بن إبراهيم عن يزيد بن هارون عن حمَّاد بن سلمة به، وعنده: فقالت لابنها: يا عمر، قم فزوِّج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فزوَّجه (2). وكذلك رواه أبو يعلى الموصليُّ عن إبراهيم بن الحجَّاج عن حمَّاد (3). ورواه الحاكم، وقال: على شرط مسلمٍ (4).
وليس كما قال، وابن عمر بن أبي سلمة ليس بالمشهور، لكن رواية ثابت عنه ممَّا يقوِّي أمره، وقد جاء في روايةٍ ضعيفةٍ تسميتُه محمَّدًا. 2708 - وقال أبو يعلى: ثنا هدبة بن خالد ثنا سليمان بن المغيرة عن ثابتٍ قال: حدَّثني ابن أمِّ سلمة ... فذكر الحديث، وفيه: فقالت لابنها: زوِّج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فزوَّجه (1). وقول المؤلِّف: (أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مات ولعمر تسع سنين) بعيدٌ، وإن كان قد قاله أبو نصر الكلاباذيُّ وغير واحد، فإنَّ ابن عبد البر قال: إنَّه ولد في السنة الثانية من الهجرة إلى الحبشة (2). وقال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: فحديث عمر بن أبي سلمة حين زوَّج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمَّه أمَّ سلمة، أليس كان صغيرًا؟ قال: ومن يقول كان صغيرًا؟! ليس فيه بيان (3). ومما يقوِّي هذا ما رواه مسلم في "صحيحه" عن عمر بن أبي سلمة أنَّه سأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أيقبِّل الصائم؟ فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سل هذه " لأمِّ سلمة، فأخبرتْه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصنع ذلك، فقال: يا رسول الله، قد غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر؟ فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أما والله، إني لأتقاكم لله، وأخشاكم له " (4). وظاهر هذا أنَّ عمر كان كبيرًا.
وقد قيل: إنَّ عمر المقول له زوِّج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو عمر بن الخطَّاب. والمعنى: أنها رضيت، وأجابت إلى أن يتزوَّج بها رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والمزوِّج لها من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابنُها سلمة بن أبي سلمة. 2709 - قال سعيد بن يحيى الأمويُّ: حدَّثني أبي ثنا محمَّد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي نجيحٍ، وعن أبان بن صالحٍ عن عطاء بن أبي رباحٍ عن (1) مجاهدٍ عن ابن عبَّاس أنَّ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوَّج ميمونةَ بنتَ الحارث وهو حرامٌ، وأقام بمكة ثلاثا ... فذكر الحديث إلى أن قال: وقد جاءتْه بنتُ حمزةَ بنِ عبد الطلب وكانت مع خالتها- بمكَّة- أسماءَ بنتِ عميسٍ ليخرجها معه، فاختصم فيها عليٌّ وزيدٌ وجعفرٌ، وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخى بين زيدٍ وحمزةَ، فقضى بها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لجعفرٍ لمكان خالتِها أسماءَ بنتِ عميسٍ، وزوَّجها رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سلمةَ بنَ أبي سلمةَ، فماتَا قبل أن يجتمعَا، فكان نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " هل حزنت سلمة؟! ". وهو كان زوَّج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمَّه. كذا فيه: (عن مجاهدٍ)، والصواب: (ومجاهدٍ). 2710 - قال البيهقيُّ: أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا أبو جعفرٍ الرزاز ثنا أحمدُ بنُ الخليل ثنا الواقديُّ؟ ثنا عمر بن عثمان المخزوميُّ عن سلمة بن عبد الله بن سلمة بن أبي سلمة عن أبيه عن جدِّه أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطب أمَّ سلمةَ ... ثم قال: " مري ابنك أن يزوِّجك ". أو قال: " زوَّجها ابنها "، وهو يومئذٍ صغير لم يبلغ (2). الواقديُّ غير محتجٍّ به، والله أعلم O.
2711 - الحديث الثاني: عن أنسٍ رضي الله عنه، أخبرنا محمَّد بن عبد الباقي بن سليمان أنا حمد بن أحمد ثنا أبو نعيمٍ أحمد بن عبد الله ثنا محمَّد بن عليٍّ ثنا الحسين بن محمَّدٍ الحرَّانيُّ ثنا أحمد بن سنانٍ ثنا يزيد بن هارون أنا حمَّادٌ عن ثابتٍ عن أنسٍ أنَّ أبا طلحةَ خطب أمَّ سليمٍ، فقالت: يا أبا طلحة، ألست تعلم أنَّ إلهك الذي تعبد خشبةٌ تنبتُ من الأرضِ نجرها حبشيُّ بني فلان؟! قال: بلى. قالت: أفلا تستحي أن تعبد خشبةَ من نباتِ الأرض نجرها حبشيُّ بني فلانٍ؟! إن أنت أسلمت لم أرد منك من الصداق غيره. قال: حتى أنظر في أمري، فذهب، ثم جاء فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمَّدًا رسولُ الله. قالت: يا أنس، زوِّج أبا طلحة. قال المصنِّف: وهذا أيضًا فيه نظرٌ، لأنَّه لا خلاف أنَّ أبا طلحةَ شهد العقبة مسلمًا، والعقبةُ قبل الهجرةِ، وقدم رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنس بن مالك ابن عشرٍ، فإن كان زوَّج أمَّه فقد زوَّجها وهو ابن سبعٍ أو ثمانٍ، ومثل هذا ليس بوليٍّ، ثم قد كان هذا قبل تقرير الأحكام. ز: قال البيهقيُّ: أنا أبو عبد الله الحافظ ثنا عليُّ بن حمشاذ العدل ثنا عليُّ بن عبد العزيز ثنا مسلم بن إبراهيم وحجَّاج بن منهالٍ قالا: ثنا حمَّاد بن سلمة عن ثابتٍ وإسماعيل بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنسٍ أنَّ أبا طلحةَ خطب أمَّ سليمٍ ... فذكره بنحو ما تقدَّم (1). وإسماعيل: ثقةٌ، وهو أخو إسحاق. وقال الحاكم: هذا الحديث على شرط مسلمٍ (2).
مسألة (620): يصح إذن بنت تسع سنين في النكاح، خلافا لأكثرهم.
وقال البيهقيُّ: أنس بن مالك ابنها وعَصَبَتُها، فإنَّه أنس بن مالكِ بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرامٍ، من بني عَدِيِّ بن النجار؛ وأمُّ سليم هي: ابنة ملحان بن خالدٍ بن يزيد بن حرامٍ، من بني عَدِيِّ بن النجار (1). واعلم أنَّ هذا الحديث- وإن كان إسناده صحيحًا- إلا أنَّ قوله: (قالت: يا أنس، زوِّج أبا طلحة) شاذٌ منكرٌ، وقد روى النسائيُّ (2) وغيره هذا الحديث من رواية جعفر بن سليمان عن ثابتٍ عن أنسٍ، وليس فيه أنَّ أنسًا كان وليًّا، وهو الصحيح O. ***** مسألة (620): يصحُّ إذن بنتِ تسعِ سنين في النكاح، خلافًا لأكثرهم. 2712 - أنبأنا أحمدُ بن الحسن بن البنا قال: أنبأنا أبو يعلى محمَّدُ بن الحسين الفقيه قال: أخبرني أخي أبو خازم قال: قرئ على أبي الحسن عليُّ بنُ أحمد بنُ محمَّدٍ بنُ داود الرزاز- وأنا أسمع- قال: حدَّثنا محمَّد بن عبد الله الشافعيُّ ثنا محمَّد بن إسماعيل السلميُّ ثنا عبد الملك بن مهران الرِّقاعيُّ ثنا سهل ابن أسلم العدويُّ قال: حدَّثني محمَّد بن قرَّة اليزنيُّ قال: سمعت ابن عمر يقول: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا أتى على الجارية تسع سنين فهي امرأةٌ " (3). قال المصنِّف: في إسناده مجاهيل، منهم: عبد الملك، قال أبو أحمد بن
عديٍّ: هو مجهولٌ غير معروفٍ (1). ز: عبد الملك هذا، هو: أبو هاشم الرِّقاعيُّ- بالقاف-، يروي أحاديث منكرة، ولم يدركه محمَّد بن إسماعيل السلميُّ، بل قد سقط بينهما شيءٌ. ولهم أبو هشام محمَّد بن يزيد الرفاعيُّ- بالفاء-. والمشهور ما ذكره البخاريُّ عن عائشة أنَّها قالت: إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة. ورواه الإمام أحمد بإسناده عنها (2) O. 2713 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا عليُّ بن محمَّد المصريُّ ثنا إسماعيل بن محمود النيسابوريُّ قال: حدَّثني عمير بن المتوكل قال: حدَّثني أحمد بن موسى الضَّبيُّ قال: حدَّثني عبَّاد بن عبَّاد المهلّبيُّ قال: أدركت فينا- يعني المهالبة- امرأةً صارت جدَّةً وهي بنت ثمان عشرة سنة، ولدت لتسع سنين ابنةً، فولدت ابنتُها لتسع سنين ابنةً، فصارت هي جدَّةٌ وهي ابنة ثمان عشرة سنة (3).
ز: قال ابن عديٍّ: ثنا أحمد بن عليٍّ المدائنيُّ ثنا يحيى بن عثمان ثنا بكر ابن سعيد أبو سعيد الأحدب الخولانيُّ حدَّثني ابن وهبٍ حدَّثني الليث حدَّثني كاتبي عبد الله بن صالح أنَّ امرأةً في جوارهم حملت وهي بنت تسع سنين (1) O. *****
مسائل الشهادة
مسائل الشهادة مسألة (621): الشهادة شرطٌ في النكاح. وعنه: ليست شرطًا، كقول مالك. لنا ثلاثة أحاديث: الحديث الأوَّل: قوله: " لا ناح إلا بوليٍّ، وشاهدي عدلٍ ". وقد سبق فيما مضى والكلام فيه (1). 2714 - الحديث الثاني: قال الترمذيُّ: حدَّثنا يوسف بن حمَّاد ثنا عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة عن جابر بن زيد عن ابن عبَّاس أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " البغايا اللاتي يُنكحن أنفسهنَّ بغير بيِّنة ". قالوا: قد قال الترمذيُّ: لا نعلم أحدًا رفعه إلا عبد الأعلى، وقد وقفه في مكان أخر، والصحيح أنَّه من قول ابن عبَّاس (2). قلنا: عبد الأعلى ثقةٌ، والرفع زيادةٌ، والزيادة من الثقة مقبولةٌ، وقد يرفع الراوي الحديث وقد يقفه. ز: الصحيح وقف هذا الحديث، فقد رواه الترمذيُّ أيضًا عن قتيبة
عن غندرٍ عن سعيدٍ نحوه، ولم يرفعه. وقال يوسف: رفع عبد الأعلى هذا الحديث في التفسير، وأوقفه في كتاب الطلاق ولم يرفعه (1). قال البيهقيُّ: والصواب موقوفٌ (2) O. 2715 - الحديث الثالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا عثمان بن جعفر بن محمَّد الأحول (3) ثنا محمَّد بن إبراهيم ثنا محمَّد بن إسماعيل الجعفريُّ ثنا عبد الله ابن سلمة بن أسلم قال: حدَّثني محمَّد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه عن أبي سعيد الخدريِّ أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يضرُّ أحدكم بقليلٍ من ماله تزوَّج أو بكثيرٍ بعد أن يشهد " (4). قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ابن أسلم ضعيفٌ (5). قال أحمد: لم يثبت في الشهادة شيءٌ (6). وقال ابن المنذر: الأحاديث في الشهادة لا تصحُّ (7). ز: حديث أبي سعيد هذا لا يصحُّ، وقد رواه تمَّام (8) والبيهقيُّ (9) من
مسألة (622): لا ينعقد النكاح بشهادة فاسقين.
رواية أبي هارون العبديِّ عن أبي سعيدٍ، وسيأتي (1)، وإسناده ضعيفٌ إلى أبي هارون غير محتجٍّ به. 2716 - وقد روى عبد الوهاب بن عطاءٍ عن سعيدٍ عن قتادة عن الحسن وسعيد بن المسيَّب أنَّ عمرَ قال: لا نكاح إلا بوليٍّ وشاهدي عدلٍ. قال البيهقيُّ: هذا إسنادٌ صحيحٌ، ابن المسيَّب كان يقال له: راوية عمر، وكان ابن عمر يرسل إليه يسأله عن بعض شأن عمر وأمره (2). 2717 - وروى مالكٌ عن أبي الزبير قال: أُتي عمر بنكاحٍ لم يَشْهَد عليه إلا رجلٌ وامرأةٌ، فقال: هذا نكاح السرِّ ولا أجيزه، ولو كنت تقدَّمت فيه لرجمت (3) O. ***** مسألة (622): لا ينعقد النكاح بشهادة فاسقين. وقال أبو حنيفة: ينعقد. وقد استدلَّ أصحابنا بقوله: " وشاهدي عدلٍ " على ما سبق (4). *****
مسألة (623): لا ينعقد النكاح بشاهد وامرأتين.
مسألة (623): لا ينعقد النكاح بشاهد وامرأتين. وقال أبو حنيفة: ينعقد. لنا: قوله: " وشاهدي عدلٍ ". وهذا إنما يطلق على الذكور. وقد قال الزهريُّ: مضت السنَّة من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن لا تجوز شهادة النساء في الحدود والنكاح والطلاق. ز: 2718 - قال سعيد بن منصور: ثنا هشيم أنا حجَّاج عن عطاء عن عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه أنَّه أجاز شهادة النساء مع الرجل في النكاح (1). قال البيهقي: هذا منقطعٌ، والحجَّاج بن أرطأة: لا يحتجُّ به (2) O. ***** مسألة (624): لا ينعقد نكاح المسلم للذمِّيَّة بشهادة أهل الذِّمَّة. وقال أبو حنيفة: ينعقد. الحديث المتقدِّم، وقوله: " وشاهدي عدلٍ ". *****
مسائل الكفاءة
مسائل الكفاءة مسألة (625): شروط الكفاءة خمسة: النسب والدِّين والحريَّة والصناعة والمال وعنه: أنَّها شرطان: النسب والدِّين. وقال أبو حنيفة: النسب والدِّين والحريَّة. وعنه: الدِّين والحريَّة والسلامة من العيوب. لنا: 2719 - ما روى الدَّارَقُطْنِيُّ، قال: حدَّثنا أبو حامد محمَّد بن هارون الحضرميُّ ثنا محمَّد بن زكريا الأزرق ثنا سويد ثنا بقية بن الوليد قال: حدَّثني محمَّد بن الفضل عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الناس أكفاء: قبيلة لقبيلة، وعربيٌّ لعربيٍّ، ومولى لولى، إلا حائك أو حجَّام " (1). 2720 - طريق آخر: قال ابن عديٍّ: حدَّثنا الحسن بن سفيان ثنا محمَّد بن عبد الله بن عمَّار ثنا عثمان بن عبد الرحمن عن عليِّ بن عروة عن نافعٍ (2) عن ابن عمر عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " العرب بعضها لبعضٍ أكفاء، والموالي
بعضها لبعضٍ أكفاء، إلا حائك أو حجَّام " (1). قال المصنِّف: محمَّد بن الفضل وعثمان بن عبد الرحمن وعليُّ بن عروة كلُّهم ضعافٌ. ز: الطريقان لا يحتجُّ بهما. وعثمان بن عبد الرحمن هو: الطرائفيُّ، من أهل حرَّان، وهو صدوقٌ إلا أنَّه يروي عن المجهولين، فهو في الجزريين كبقيَّة في الشاميين. وقد سقط بين عليِّ بن عروة وبين نافعٍ: ابنُ جريجٍ، كذلك هو في ترجمة عليِّ بن عروة من كتاب ابن عديٍّ. وقد روى هذا الحديث أبو عتبة عن بقية عن زرعة بن عبد الله الزبيديِّ عن عمران بن أبي الفضل عن نافع، وهو ضعيفٌ. وقد روي من وجهٍ آخر عن عائشة، وهو ضعيفٌ بمرَّةٍ. 2721 - وقال الحاكم: ثنا الأصم ثنا الصَّغانيُّ ثنا شجاع بن الوليد ثنا بعض إخواننا عن ابن جريج عن عبد الله بن أبي مليكة عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " العرب بعضها أكفاءٌ لبعضٍ: قبيلة بقبيلة، ورجل برجل؛ والموالي بعضها أكفاءٌ لبعضٍ: قبيلة بقبيلة، ورجل برجل، إلا حائك او حجَّام " (2). هذا منقطعٌ بين شجاعٍ وابن جريجٍ، حيث لم يسم شجاع بعض أصحابه O. احتجُّوا:
2722 - بما رواه ابن عديٍّ، قال: حدَّثنا إبراهيم بن دحيم بمكة ثنا خالد بن يزيد الرمليُّ ثنا ضمرة عن إسماعيل بن عيَّاش عن محمَّد بن الوليد الزبيديِّ وابن سمعان عن الزهريِّ عن عروة عن عائشة أنَّ أبا هند مولى بياضة كان حجَّاما حجم النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من سرَّه أن ينظر إلى من صوَّر الله الكتاب في قلبه فلينظر إلى أبي هند، أنكحوا أبا هند، وانكحوا إليه ". قال ابن عديٍّ: هذا الحديث ينفرد به ابن عيَّاش عن الزبيديِّ، وهو منكرٌ من حديث الزبيديِّ، إلا أنَّ خالد بن يزيدٍ ذكر الزبيديَّ وابن سمعان، فكأن ابن عيَّاش حمل حديث الزبيديِّ على حديث ابن سمعان فأخطأ (1). قال المصنِّف: قلت: أمَّا ابن عيَّاش: فقال ابن حِبَّان: لمَّا كبر إسماعيل تغيَّر حفظه، فكثر الخطأ في حديثه ولا يعلم، فخرج عن حدِّ الاحتجاج به (2). وأما ابن سمعان: فقال مالكٌ (3) ويحيى بن معينٍ (4): هو كذَّابٌ. ز: هذا الحديث لم يخرِّجوه، وقد ذكره ابن عديٍّ في ترجمة إسماعيل، وقال آخر ما تكلم عليه: والزبيدي ثقة، وابن سمعان ضعيف. وقد روي هذا الحديث من غير هذا الوجه: 2723 - قال أبو داود: ثنا عبد الواحد بن غياث ثنا حمَّاد ثنا محمَّد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أنَّ أبا هند حجم النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في اليافوخ (5)،
مسألة (626): فقد الكفاءة يبطل النكاح.
فقال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا بني بياضة، أنكحوا أبا هند، وانكحوا إليه " (1) هذا إسناد جيِّد O. ***** مسألة (626): فقد الكفاءة يبطل النكاح. وعنه: لا يبطل، ويقف على اعتراض الأولياء، كقول أكثرهم. 2724 - أخبرنا أبو منصور القزَّاز أنا أبو بكر أحمد بن عليٍّ ثنا القاضي أبو عمر القاسم بن جعفر الهاشميُّ ثنا أبو العبَّاس محمَّد بن أحمد الأثرم ثنا عليُّ بن حرب الطائيُّ ثنا الحارث بن عمران عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " تخيَّروا لنطفكم، ولا تضعوها إلا في الأكفاء " (2). 2725 - طريق آخر: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا القاضي أحمد بن إسحاق ابن البهلول ثنا أبو سعيد الأشج ثنا الحارث بن عمران الجعفريُّ عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تخيَّروا لنطفكم، فأنكحوا الأكفَّاء وانكحوا إليهم ". قال المصنِّف: مدار الطريقن على الحارث بن عمران، قال الدَّارَقُطْنِيُّ: هو ضعيفٌ (3). وقال ابن حِبَّان: كان يضع الحديث على الثقات (4).
ز: كان فيه: (الحارث بن عمران الجعفيُّ) وهو خطأٌ، والصواب: (الجعفريُّ). وقد رواه ابن ماجة عن الأشج (1). وقال أبو حاتمٍ الرازيُّ: ليس بقويٍّ، والحديث الذي رواه عن هشام ابن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تخيَّروا لنطفكم " لا أصل له (2). وقد روى هذا الحديث عن هشام أيضًا: عكرمة بن إبراهيم وأبو أميَّة بن يعلى، وكلاهما ضعيفٌ. وقد رواه غيرُهما عن هشام من الضعفاء. وقال الخطيب: كلُّ طرقه واهية، ورواه أبو المقدام هشام بن زيادٍ عن هشام بن عروةَ عن أبيه عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً، وهو أشبه بالصواب (3) O. ولهم: حديث عائشة: أنَّّ فتاةً جاءت إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت: إنَّ أبي- ونعم الأب هو- زوَّجني ابنَ أخيه ليرفع بي خسيسته. فجعل الأمر إليها، فقالت: إنِّي قد أجزت ما صنع أبي، ولكنِّي أردت أن تعلم النساء= أن ليس إل الآباء من الأمر شيءٌ. وقد ذكرناه بإسناده في مسألة إجبار البكر البالغ (4). *****
مسألة (627): لا ينعقد النكاح إلا بلفظي الإنكاح والتزويج، أو
مسألة (627): لا ينعقد النكاح إلا بلفظي الإنكاح والتزويج، أو معناهما الخاص في حقِّ من لم يحسن اللفظين. وقال أبو حنيفة: ينعقد بهما، وبكلِّ لفظٍ يدلُّ على التمليك، كلفظ البيع والهبة والملك. وأصحابنا يستدلون: بقوله تعالى: (وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ) إلى قوله: (خَالِصَةً لَّكَ} [الأحزلب: 50]. 2726 - وبما رواه أبو بكر بن أبي الدنيا قال: حدَّثنا الحسن بن الصبَّاح ثنا مكِّّي بن إبراهيم ثنا موسى بن عبيدة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أيُّها الناس، إنَّ النساء عوان عندكم لا يملكن لأنفسهن ضرًّا ولا نفعًا، أخذتموهن بأمانة الله عز وجلَّ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ". قالوا: وكلمة الله هي المذكورة في القرآن، ولم يذكر إلا الإنكاح والتزويج، فدلَّ على أن غير الكلمة لا يستحلُّ بها. ز: هذا الحديث من هذا الوجه غير مخرَّجٍ في شيءٍ من "الكتب السِّتَّة". وموسى بن عبيدة الزبيديُّ: ضعَّفه جماعةٌ من الأئمة. وقد أبعد المؤلِّف في ذكر هذا الحديث بهذا الإسناد وتركه: 2727 - ما رواه مسلمٌ في حديث جابرٍ الطويل في الحجِّ: " فاتقوا الله قي النساء فإنَّكم أخذتموهنَّ بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله " (1).
واعلم أنَّ الآية والحديث لا يدلان على أنَّ النكاح لا ينعقد إلا بلفظ الإنكاح والتزويج. قال شيخنا العلامة أبو العبَّاس: أصحُّ قولي العلماء أنَّ النكاح ينعقد بكلِّ لفظٍ يدلُّ عليه، وهذا مذهب جمهور العلماء، كأبي حنيفة ومالك وأحد القولين في مذهب أحمد، بل نصوصه لم تدل إلا على هذا الوجه. وأمَّا الوجه الآخر- وهو: أنَّه إنَما ينعقد بلفظ الإنكاح أو التزويج- فهو قول أبي عبد الله بن حامدٍ وأتباعه، كالقاضي ومتبعيه. وأمَّا قدماء أصحاب أحمد وجمهورهم= فلم يقولوا بهذا الوجه، وقد نصَّ أحمد في غير موضعٍ على أنَّه إذ قال: (أعتقت أمتي وجعلت عتقها صداقها) انعقد النكاح، وليس هذا لفظ إنكاح وتزويجٍ، ولهذا ذكر ابن عقيلٍ وغيره أنَّ هذا يدلُّ على أنَّه لا يختص النكاح بلفظٍ. وأمَّا ابن حامدٍ فطرد قوله، فقال: لا بدَّ أن يقول مع ذلك: وتزوجتها. والقاضي أبو يعلى جعل هذا خارجًا عن القياس، فجوَّز النكاح هنا بدون لفظ الإنكاح والتزويج. وأصول أحمد ونصوصه تخالف هذا، فإنَّ من أصله أنَّ العقود تنعقد بما يدلُّ على مقصودها من قولٍ وفعلٍ، فهو لا يرى اختصاصها بالصيغ (1). وقال شيخنا في موضعٍ آخر: وقد ظنَّ بعض الناس أنَّ المراد بكلمة الله قولُه: (أنكحتك وزوَّجتك)، وليس كذلك، فإنَّ هذا ليس كلام الله، بل هذا كلام المخلوقين، وهو مخلوقٌ، وكلام الله غير مخلوقٍ، وإنَّما كلمته:
ما تكلم به، وهو شرعه وإباحته وإذنه في ذلك (1) O. احتجُّوا: 2728 - بما رواه البخاريُّ، قال: حدَّثنا قتيبة ثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن سهل بن سعد قال: جاءت امرأةٌ إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت: يا رسول الله، جئت أهب لك نفسي. فنظر إليها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فصعَّد النظر فيها، وصوَّبه، ثم طأطأ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأسه، فلما رأت المرأة أنَّه لم يقض فيها شيئًا جلست، فقام رجلٌ من أصحابه فقال: يا رسول الله، إن لم يكن لك بها حاجة فزوِّجنيها. قال: " هل عندك من شيءٍ؟ " قال: لا والله! فقال: " اذهب إلى أهلك فانظر، هل تجد شيئًا؟ " فذهب، ثمي رجع فقال: لا والله ما وجدت شيئًا! فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " انظر ولو خاتمًا من حديدٍ ". فذهب، ثم رجع فقال: لا والله يا رسول الله، ولا خاتمًا من حديد، ولكن هذا إزاري، فلها نصفه. فقال: " ما تصنع بإزارك إن لبستَه لم يكن عليها منه شيء، وإن لبستْه لم يكن عليك منه شيء؟! ". فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه قام، فرآه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مولِّيًا، فأمر به فدعي، فلما جاء قال: " ماذا معك من القرآن؟ ". قال: معي سورة كذا وسورة كذا ... عدَّدها. فقال: " تقرأهن عن ظهر قلبك؟ ". قال: نعم. قال: " اذهب، فقد ملكتكها بما معك من القرآن " (2). أخرجه البخاريُّ ومسلم (3) في "الصحيحين".
مسألة (628): إذا زوج ابنته بدون مهر مثلها جاز.
والجواب: أنَّ هذا الحديث قد رواه مالكٌ والثوريُّ وابن عيينة وحمَّاد بن زيد وزائدة ووهيب والدَّراورديُّ وفضيل بن سليمان، فكلُّهم قال: زوجتكها. ورواه أبو غسان فقال: أنكحناكها. وإنَّما روى (ملكتكها) ثلاثة أنفس: معمرٌ- وكان كثير الغلط- وعبد العزيز بن أبي حازم ويعقوب الإسكندرانيُّ- وليسا بحافظين-، والأخذ برواية الحفَّاظ الفقهاء مع كثرتهم أولى. ز: هذا الحديث قد روي بألفاظٍ عدَّة، ولم يتكلَّم النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بها كلِّها، وإنَّما تكلَّم [بلفظ] (1) واحد منها، والباقي مرويٌّ بالمعنى. والنكاح ينعقد بكلِّ واحدٍ منها على الصحيح، وفي جواب المؤلِّف نظرٌ، فإنَّ رواية ابن عيينة: (أنكحتكها)، ورواية الثوريِّ: (أملكتكها)، ورواية أبي غسان: (أمكناكها)، وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: والصواب رواية من روى: (زوجتكها). وقال: وهم أكثر وأحفظ (2) O. ***** مسألة (628): إذا زوَّج ابنته بدون مهر مثلها جاز. وقال الشافعيُّ: لا يجوز.
وقال أبو حنيفة ومالك: إن كانت صغيرة كقولنا، وإن كانت كبيرة كقول الشافعيِّ. لنا: أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زوَّج ابنته فاطمة بمهرٍ قليلٍ، وهي أشرف نساء العرب. 2729 - أخبرنا ابن ناصر الحافظ قال: أنبأنا الحسن بن أحمد ثنا أبو القاسم بن بشران أنا أحمد بن جعفر ثنا عبد الله بن أحمد ثنا إبراهيم بن عبد الله البصريُّ ثنا إبراهيم بن بشَّار ثنا سفيان عن ابن أبي نجيحٍ عن أبيه قال: أخبرني من سمع عليًّا عليه السلام (1) قال: خطبت فاطمة، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وهل عندك شيءٌ؟ ". قلت: لا. قال: " فأين درعك الحُطميَّة التي كنت أعطيتك يوم كذا وكذا؟ ". قلت: عندي. قال: " فأت بها ". فأتيت بها، فأنكحنيها (2). ز: هذا الإسناد غير مخرَّج في شيءٍ من "الكتب السِّتَّة"، وفيه رجلٌ مبهمٌ. وإبراهيم بن بشَّار الرماديُّ: صدوقٌ، وقد تكلَّم فيه أحمد (3) ويحيى (4). 2730 - وقال أبو يعلى الموصليُّ: ثنا الحسن بن حمَّاد الكوفيُّ عَبدة بن سليمان ثنا سعيد بن أبي عروبة عن أيُّوب عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال: لما
تزوَّج عليٌّ فاطمة، قال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أعطها شيئًا ". قال: ما عندي شيءٌ. قال: " فأين درعك الحُطميَّة؟ " (1). رواه أبو داود (2) والنسائيُّ (3) من حديث عَبدة O. 2731 - أخبرنا ابن ناصر قال: أنبأنا الحسن بن أحمد أنا أبو عليٍّ بن شاذان ثنا محمَّد بن نهار التيميُّ ثنا عبد الملك بن حيار ثنا محمَّد بن دينار ثنا هشيم عن يونس عن الحسن عن أنسٍ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا عليٌّ، إن الله أمرني أن أزوِّجك فاطمة، وإنِّي قد زوجتكها على أربعمائة مثقالٍ فضَّةٍ ". ز: هذا حديث باطلٌ. ومحمَّد بن دينار: مجهولٌ. وكذلك عبد الملك، وقيل: إنما هو ابن خيار- بالخاء المعجمة-. ومحمَّد بن نهار: ضعَّفه الدَّارَقُطْنِيُّ (4)، ولم يدركه ابن شاذان (5)، بل سقط بينهما رجل، إمَّا أبو بكر الشافعيُّ أو ابن أبي نجيح أو غيرهما، والله أعلم O. *****
مسألة (629): إذا أذنت لوليين في تزويجها، فزوج أحدهما بعد
مسألة (629): إذا أذنت لوليين في تزويجها، فزوَّج أحدهما بعد الآخر، فالنكاح للأوَّل. وقال مالكٌ: إن دخل بها الثاني فهو أحقُّ بها. لنا حديثان: 2732 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا يونس ثنا أبان ثنا قتادة عن الحسن عن عقبة بن عامر أنَّ نبيَّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا أنكح الوليَّان فهو للأوَّل منهما، وإذا باع الرجل بيعا من رجلين فهو للأوَّل منهما " (1). 2733 - الحديث الثاني: قال أحمد: وحدَّثنا عبد الصمد ثنا هشام عن قتادة عن الحسن عن سمرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا أنكح الوليَّان فهو للأوَّل، وإذا باع وليَّان فالبيع للأوَّل " (2). ز: روى حديث الحسن عن سمرة أصحاب " السنن الأربعة " (3)، وحسَّنه الترمذيُّ. وروى حديث الحسن عن عقبة: النسائيُّ (4)، ورواه ابن ماجة عن عقبة أو سمرة بالشك (5). وسماع الحسن من سمرة مختلفٌ فيه، ولم يسمع من عقبة بن عامر شيئًا.
مسألة (630): إذا كان الولي ممن يجوز له التزويج بموليته، لم يجز أن
قاله ابن المدينيِّ (1). وقال البيهقيُّ: الصحيح رواية من رواه عن سمرة (2) O. ***** مسألة (630): إذا كان الوليُّ ممن يجوز له التزويج بموليته، لم يجز أن يتولَّى طرفي العقد، كابن العم والمعتق. وعنه: يجوز، كقول أبي حنيفة ومالك. استدلَّ أصحابنا: بقوله عليه السلام: " لا بدَّ في النكاح من أربعة ... ". وقد سبق بإسناده (3). 2734 - وروى أصحابنا من حديث سعيد بن المسيَّب أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يتزوَّج الرجل المرأة حتى يكون الوليُّ غيره ". ز: كلا الحديثين لا يجوز الاحتجاج به، والله أعلم O. احتجُّوا: 2735 - بما رواه الإمام أحمد، قال: حدَّثنا هشيم ثنا عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعتق صفيَّة بنتَ حييٍّ، وجعل
مسألة (631): إذا قال: (أعتقت أمتي، وجعلت عتقها صداقها)
عتقَها صداقَها (1). أخرجاه في "الصحيحين" (2). قالوا: ولم ينقل أنَّه تولاها غيره. ***** مسألة (631): إذا قال: (أعتقت أمتي، وجعلت عتقها صداقها) بحضرة شاهدين= صحَّ النكاح. وعنه: لا يصحُّ، كقول أكثرهم. لنا: أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعتق صفيَّة، وجعل عتقَها صداقَها. ز: قال البيهقيُّ: وقد روي من حديث ضعيف أنَّه أمهرها ..... ثم ذكره بإسناده. 2736 - وروى من حديث عبيد الله بن عمر عن نافع قال: كان ابن عمر يكره أن يجعل عتق المرأة مهرها، حتى يفرض لها صداقًا (3) O.
مسألة (632): لا يتزوج العبد كثر من امرأتين.
مسألة (632): لا يتزوَّج العبد كثر من امرأتين. وقال مالك وداود: يتزوَّج أربعًا. 2737 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أبو بكر النيسابوريُّ ثنا عبد الرحمن بن بشر ثنا سفيان عن محمَّد بن عبد الرحمن مول آل طلحة عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن عتبة عن عمر قال: ينكح العبد امرأتين، ويطلِّق طلقتين، وتعتدُّ الأمة حيضتين (1). وقال الحكم: أجمع أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّ العبد لا ينكح أكثر من امرأتين. ز: 2738 - رواه البيهقيُّ عن الحكم فقال: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ إجازةً أنا أبو الوليد ثنا الحسن بن سفيان ثنا أبو بكر ثنا المحاربيُّ عن ليث عن الحكم قال: اجتمع أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أنَّ المملوك لا يجمع من النساء فوق اثنتين (2) O. ***** مسألة (633): إذا كانت معتدَّة من طلاقه لم يجز أن يتزوَّج أختها وأربعا سواها. وقال مالكٌ والشافعيُّ: إذا كانت العدَّة من طلاق بائن جاز.
مسألة (634): إذا دخل بامرأة حرمت عليه ابنتها.
وأصحابنا يستدلُّون: بقوله: (وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ) [النساء: 23]. قالوا: وإذا تزوَّج أختها جمع بينهما في استلحاق نسب ولديهما، وحبسهما عن الأزواج لحقِّه. واستدلُّوا بقوله عليه السلام: " ملعون من جمع ماءه في رحم أختين ". ز: هذا الحديث لم أر له سندًا بعد أن فتشت عليه في كتب كثيرة O. ***** مسألة (634): إذا دخل بامرأة حرمت عليه ابنتها. وقال داود: لا تحرم إلا إذا كانت في حجره. لنا حديثان ضعيفان: 2739 - الحديث الأوَّل: قال الترمذيُّ: حدَّثنا قتيبة ثنا ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أيُّما رجلٍ نكح امرأةً فدخل بها فلا يحلُّ له نكاح ابنتها، وإن لم يكن دخل بها فلينكح ابنتها، وأيُّما رجلٍ نكح امرأةً فدخل بها- أو لم يدخل بها- فلا يحلُّ له نكاح أمِّها ". قال الترمذيُّ: هذا حديثٌ لا يصحُّ من قبل إسناده، إنَّما رواه ابن لهيعة والمثنَّى بن الصبَّاح عن عمرو، وابن لهيعة والمثنَّى يضعَّفان (1).
قال المصنِّف: قلت: قال أبو زرعة: ابن لهيعة ليس ممَّن يحتجُّ به (1). وقال أحمد بن حنبل (2) والرازيُّ (3): المثنَّى بن الصبَّاح لا يساوي شيئًا. وقال النسائيُّ: متروك الحديث (4). ز: هذا الحديث انفرد به الترمذيُّ، وقد أسقط المؤلِّف منه قوله: (أو لم يدخل بها) ولا بد منه. وقد رواه البيهقيُّ من رواية: ابن المبارك عن مثنَّى؛ ومن رواية أبي الأسود عن ابن لهيعة (5). والأشبه أن يكون ابن لهيعة أخذه عن مثنَّى، ثم أسقطه، وقال: (عن عمرو)، وقد قال أبو حاتمٍ الرازيُّ: لم يسمع ابن لهيعة من عمرو بن شعيبٍ شيئًا (6) O. 2740 - الحديث الثاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أبو بكر الشافعيُّ ثنا محمَّد بن شاذان ثنا معلَّى بن منصور ثنا حفص بن غياث عن ليث عن حماد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال: لا ينظر الله عز وجل إلى رجلٍ نظر إلى فرج امرأةٍ وابنتها. موقوف.
مسألة (635): لا يجوز نكاح الزانية إلا بعد انقضاء عدتها.
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ليث وحمَّاد ضعيفان (1). ***** مسألة (635): لا يجوز نكاح الزانية إلا بعد انقضاء عدَّتها. وقال أبو حنيفة والشافعيُّ: يجوز، إلا أنَّ أبا حنيفة قال: لا يطأ (2) إلا بعد انقضاء العدَّة. لنا حديثان: 2741 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة قال: حدَّثني محمَّد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي مرزوق - مولى تُجِيب- عن رويفع بن ثابت الأنصاريِّ قال: كنت مع النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين افتتح خيبر (3)، فقام فينا خطيبًا، فقال: " لا يحلُّ لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرعَ غيرِه " (4). ز: رواه أبو داود من رواية محمَّد بن سلمة وأبي معاوية كلاهما عن ابن إسحاق، وزاد: (حنشًا الصنعانيَّ) بين رويفع وأبي مرزوق (5).
وكذلك رواه أحمد عن يعقوب عن أبيه عن ابن إسحاق (1). وحنش: ثقةٌ، روى له مسلمٌ (2). وأبو مرزوق: ثقةٌ. وقد رواه الترمذيُّ عن عمر بن حفص الشيبانيِّ البصريِّ عن ابن وهبٍ عن يحيى بن أيُّوب عن ربيعة بن سليمٍ عن بسر بن عُبيد الله عن رويفع مختصرًا، وقال: حديثٌ حسنٌ (3) O. 2742 - الحديث الثاني: قال أبو داود: حدَّثنا الحسن بن عليٍّ ثنا عبد الرزَّاق أنا ابن جريجٍ عن صفوان بن سُليمٍ عن سعيد بن المسيَّب عن رجلٍ من الأنصار- يقال له: بصرة- قال: تزوَّجت امرأةً بكرًا في سترها، فدخلت عليها، فإذا هي حبلى، فقال لي النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لها الصداق بما استحللت من فرجها، والولد عبدٌ لك، فاذا ولدت فاجلدوها " (4). قال المصنِّف: ومعنى قوله: (عبدٌ لك) أي: كالعبد لك. ز: قال البيهقيُّ: هذا الحديث إنَّما أخذه ابن جريج عن إبراهيم بن أبي يحيى عن صفوان بن سُليم، وإبراهيم مختلفٌ في عدالته (5). وقد رواه أبو داود أيضًا: قال: ثنا محمَّد بن المثنَّى ثنا عثمان بن عمر ثنا عليٌّ عن يحيى عن يزيد بن
مسألة (636): لا يحل للزاني أن يتزوج بالزانية حتى يتوبا، خلافا
نعيمٍ عن سعيد بن المسيَّب أنَّ رجلاً يقال له بصرة بن أكثم نكح امرأةً ... فذكر معناه، زاد: وفرَّق بينهما (1) O. ***** مسألة (636): لا يحلُّ للزاني أن يتزوَّج بالزانية حتَّى يتوبا، خلافًا لأكثرهم. 2743 - قال أبو داود: حدَّثنا إبراهيم بن محمَّد التيميُّ ثنا يحيى ثنا عبيد الله بن الأخنس عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه أنَّ مرثدَ بن أبي مرثدٍ الغنويَّ كان يحمل الأسارى بمكَّة، وكان بمكَّة بغيٌّ يقال لها: عَناق، وكانت صديقته، قال: فجئت إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: يا رسول الله، أنكح عَناقًا؟ فسكت عنِّي، فنزلت: (وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ) [النور: 3]، فدعاني، فقرأها عليَّ، وقال لي: " لا تنكحها " (2). 2744 - قال أبو داود: وحدَّثنا مسدَّد ثنا عبد الوارث عن حبيب قال: حدَّثني عمرو بن شعيبٍ عن سعيد المقبريِّ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله " (3). ومعلومٌ أنَّه بعد التوبة لا يسمَّى زانيًا (4). ز: حديث عبيد الله بن الأخنس عن عمرو: رواه النسائيُّ عن إبراهيم
مسألة (637): الزنا يثبت تحريم المصاهرة.
ابن محمَّد التيميِّ به (1). وإبراهيم: من القضاة الأثبات (2). ورواه الترمذيُّ عن عبد بن حميد عن روح بن عبادة عنه، وقال: حديث حسنٌ غريبٌ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه (3). وحديث حبيبٍ عن عمروٍ: رواه أحمد عن عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه (4)، وإسنادُه جيِّدٌ، والله أعلم O. ***** مسألة (637): الزنا يثبت تحريم المصاهرة. وقال الشافعيُّ: لا يثبت. وعن مالك كالمذهبين. وأصحابنا يستدلُّون:
بقوله تعال: (وَلَا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكْم) [النساء: 22]. والنكاح حقيقة في الوطء. احتجَّ الخصم بحديثين: 2745 - الحديث الأوَّل: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا عثمان بن أحمد الدَّقَّاق ثنا جعفر بن محمَّد بن الحسن الرازيُّ (1) ثنا الهيثم بن اليمان (2) ثنا عثمان ابن عبد الرحمن عن الزهريِّ عن عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الحلال لا يفسد بالحرام " (3). 2746 - طريق آخر: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا يوسف بن يعقوب ثنا جدِّي ثنا عبد الله بن نافع- مولى بني مخزوم- عن المغيرة بن إسماعيل عن عثمان بن عبد الرحمن عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عن الرجل يتبع المرأة حرامًا ثم ينكح ابنتها، أو يتبع الابنة ثم ينكح أمِّها؟ قال: " لا يحرِّم الحرامُ الحلال " (4) 2747 - الحديث الثاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا القاضي الحسين بن إسماعيل ثنا عليُّ بن أحمد الجواربيُّ (5) ثنا إسحاق بن محمَّد الفرويُّ ثنا عبد الله بن
عمر عن نافع عن ابن عمر عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يحرِّم الحرامُ الحلال ". والجواب: أمَّا الحديث الأوَّل: ففي الطريقين الأوَّلين: عثمان بن عبد الرحمن، وهو: الوقَّاصيُّ، قال يحيى بن معين: ليس بشيءٍ، كان يكذب (1). وضعَّفه ابن المدينيِّ جدًّا (2)، وقال البخاريُّ والنسائيُّ والرازيُّ (3) وأبو داود (4): ليس بشيءٍ. وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: متروكٌ (5). وقال ابن حِبَّان: كان يروي عن الثقات الموضوعات، لا يجوز الاحتجاج به (6). وفي الحديث الثاني: عبد الله بن عمر، وهو: أخو عبيد الله، قال ابن حِبَّان: فحش خطؤه فاستحقَّ الترك (7). وفيه: إسحاق الفرويُّ، قال يحيى: لبس بشيءٍ، كذَّابٌ. وقال البخاريُّ: تركوه (8). ز: حديث عائشة: لم يخرِّجوه. وحديث ابن عمر: رواه ابن ماجة عن يحيى بن معلَّى بن منصور عن
إسحاق بن محمَّد الفروي (1). وقال البيهقيُّ: حديث عائشة تفرَّد به عثمان بن عبد الرحمن الوقَّاصيُّ، وهو ضعيفٌ. قال يحيى بن معين وغيره من أئمة الحديث: والصحيح عن ابن شهاب الزهريِّ عن عليٍّ رضي الله عنه مرسلا موقوفا، وعنه عن بعض العلماء، وحديث عبد الله العمريِّ أمثل، والله أعلم (2). وقد وهم المؤلِّف في الكلام على الوقَّاصيِّ والفرويِّ، أمَّا الوقاصيُّ: فإنَّما قال فيه أبو حاتم الرازيُّ: متروك الحديث، ذاهب الحديث، كذَّاب (3). وكذلك النسائيُّ، إنَّما قال فيه: متروك الحديث (4). وقال مرَّة: ليس بثقة، ولا يكتب حديثه (5). وكذلك البخاريُّ، إنَّما قال فيه: تركوه (6). وأمَّا الفرويُّ: فإنَّ الكلام الذي حكاه فيه عن يحيى (7) والبخاريِّ (8) إنَّما هو في: إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، وأمَّا راوي هذا الحديث فهو: إسحاق بن محمَّد بن إسماعيل بن عبد الله بن أبي الفرويُّ المدنيُّ، وقد روى
مسألة (638): إذا أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة اختار منهن أربعا،
عنه البخاريُّ في "صحيحه" (1)، وتكلَّم فيه بعضهم، وهو متأخرٌ عن إسحاق ابن عبد الله، والله أعلم O. ***** مسألة (638): إذا أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة اختار منهن أربعًا، وكذلك إذا كان تحته أختان. وقال أبو حنيفة: إن تزوجهنَّ في عقد واحد= بطل نكاح الجميع؛ وإن كنَّ في عقود= بطل نكاح ما بعد الأربع، والثانية من الأختين. 2748 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا إسماعيل أنا معمر عن الزهريِّ عن سالم عن أبيه أنَّ غيلان بن سلمة الثقفيَّ أسلم وتحته عشر نسوة، فقال له النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اختر منهن أربعا ". فلما كان في عهد عمر طلَّق نساءه، وقَسَم ماله بين بنيه، فبلغ ذلك عمر، فقال: إنِّي لأظنُ الشيطان- فيما يسترق من السمع- سمع بموتك، فقذفه في نفسك، وأيم الله، لتراجعنَّ نساءك، ولترجعن مالك، أو لأورثهنَّ، ولآمرنَّ بقبرك فيرجم، كلما رجم قبر أبي رغال (2). 2749 - وقال الترمذيُّ: حدَّثنا هنَّاد ثنا عَبْدةُ عن سعيد بن أبي عَرُوبة عن مَعْمَر عن الزهريِّ عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر أنَّ غيلان بن سلمة الثقفيَّ أسلم وله عشر نسوة في الجاهليَّة، فأسلمن معه، فأمره النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يتخيَّر أربعًا منهنَّ.
قال الترمذيُّ: سمعت محمَّد بن إسماعيل يقول: هذا حديثٌ غير محفوظٍ، والصحيح ما روى شعيب بن أبي حمزة وغيره عن الزهريِّ قال: حدِّثت عن محمَّد بن سويد الثقفيِّ أنَّ غيلان بن سلمة أسلم وعنده عشر نسوة. قال محمَّد: وإنَّما حديث سالم عن أبيه أنَّ رجلاً من ثقيف طلَّق نساءه، فقال له عمر: لتراجعنَّ نساءك، أو لأرجمنَّ قبرك كما رجم قبر أبي رغال (1). ز: رواه ابن ماجة عن يحيى بن حكيم عن محمَّد بن جعفر عن مَعْمَر (2). ورواه أبو حاتم البُسْتِيُّ عن أبي يعلى الموصليِّ عن أبي خَيثمة عن إسماعيل (3)، وعن عبد الله بن محمَّد الأزْدِيِّ عن إسحاق بن إبراهيم عن عيسى ابن يونس (4) عن مَعْمَر. وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: رواه مَعْمَر بالبصرة عن الزهريِّ عن سالم عن أبيه عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حدَّث به ابن عليَّة ومروان بن معاوية وابن أبي عَروبة. وقيل عن سفيان الثوريِّ ويزيد بن زُريع والفضل بن موسى ويحيى بن أبي كثير وغُنْدَر عن مَعْمَر كذلك. وخالفهم عبد الرَّزَّاق، رواه عن مَعْمَر (5) عن الزهريِّ مرسلاً. ورواه يونس عن الزهريِّ أنَّه بلغه عن عثمان بن محمَّد بن أبي سويد عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وقول يونس أشبهها بالصواب. ورواه سَرَّار بن مُجَشِّر أبو عبيدة- ثقة من أهل البصرة- عن أيُّوب عن نافع وسالم عن ابن عمر أنَّ عثمان بن سلمة الثقفيَّ أسلم وعنده عشر نسوة، فأمره النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يمسك منهن أربعًا. تفرَّد به سيف بن عبيد الله الجرميُّ عن سَرَّار. ورواه الدَّارَقُطْنِيُّ بعد هذا الكلام عن عبد الله بن محمَّد بن سعيد عن أحمد ابن يوسف التغلبيِّ عن أبي عُبيد القاسم بن سلام عن يحيى بن سعيد عن سفيان عن مَعْمَر عن الزهريِّ عن أبيه أسلم غَيْلان ... فذكره، وقال: تفرَّد به أبو عُبيد عن يحيى القطَّان عن الثوريِّ. وقال الأثرم: ذكرت لأبي عبد الله هذا الحديث، فقال: ما هو صحيحًا، هذا حدَّث به مَعْمَر بالبصرة فأسنده لهم، وقد حدَّث بأشياء بالبصرة فأخطأ فيها، أسند أحاديث وأخطأ، والناس يهمون. وقال مُهَنَّا: سألت أحمد عن هذا الحديث، فقال: ليس بصحيح، والعمل عليه. وسألت يحيى عنه، فقال: كان مَعْمَر يخطئ فيه بالعراق، وأمَّا باليمن فكان يقول: عن الزهريِّ مرسلاً. وقال مسلم بن الحجَّاج في حديث مَعْمَر: أهل اليمن أعرف بحديث مَعْمَر من غيرهم، فإنَّه حدَّث بهذا الحديث عن الزهريِّ عن سالم عن أبيه بالبصرة، وقد تفرَّد بروايته عنه البصريون، فإن حدَّث به ثقةٌ من غير أهل البصرة صار الحديث حديثًا، وإلا فالإرسال أولى (1).
قال البيهقيُّ: قد رويناه عن غير أهل البصرة عن مَعْمَر كذلك موصولاً، فالله أعلم (1) O. 2750 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا محمَّد بن عمرو بن البختريِّ ثنا أحمد ابن الخليل ثنا الواقديُّ ثنا عبد الله بن جعفر الزهريُّ عن عبد الله بن أبي سفيان عن أبيه عن ابن عبَّاس قال: أسلم غيلان بن سلمة وتحته عشر نسوة، فأمره النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يمسك أربعا، ويفارق سائرهن (2). 2751 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا أبو بكر النيسابوريُّ ثنا أحمد بن الأزهر ثنا وهب بن جرير ثنا أبي قال: سمعت يحيى بن أيُّوب قال: حدَّثني يزيد بن أبي حبيب عن أبي وهب الجيشانيِّ عن الضحَّاك بن فيروز الديلميِّ عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله، إنِّي أسلمت وتحتي أختان؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " طلِّق أيتهما شئت " (3).
مسألة (639): إذا هاجرت الحربية بعد الدخول= وقفت (6) الفرقة
قال المصنِّف: هذا الحديث أثبت من الذي قبله، لأنَّ ذاك فيه الواقديُّ، وقد كذَّبوه. ز: حديث فيروز: رواه أبو داود عن يحيى بن معين عن وهب بن جرير (1). وقال البيهقي: إسناده صحيحٌ (2). ورواه الترمذيُّ (3) وابن ماجة (4) من رواية ابن لَهِيعة عن أبي وهب. وقال البخاريُّ: الضحَّاك بن فيروز عن أبيه، روى عنه أبو وهب الجيشانيُّ، لا يعرف سماع بعضهم من بعض (5) O. ***** مسألة (639): إذا هاجرت الحربيَّة بعد الدخول= وقفت (6) الفرقة على انقضاء العدَّة. وقال أبو حنيفة: تقع الفرقة باختلاف الدارين.
مسألة (640): أنكحة الكفار صحيحة.
أنَّ عكرمة وصفوان هربَا يوم الفتح إلى الطائف والساحل، فأسلمت امرأتاهما، فأخذتا لهما الأمان. وأسلم أبو سفيان بمر الظهران، وامرأته مقيمةٌ بمكَّة، وأقرهم النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على النكاح، وكانت مكَّة واليمن والطائف [والساحلٍ] (1) دار شركٍ. ***** مسألة (640): أنكحة الكفار صحيحةٌ. وقال مالكٌ: باطلةٌ. 2752 - أخبرنا محمَّد بن عبد الباقي البزَّاز أنا أبو محمَّد الجوهريُّ أنا أبو عمر بن حيويه أنا أحمد بن معروف ثنا الحارث بن أبي أسامة ثنا محمَّد بن سعد أنا محمَّد بن عمر الأسلميُّ قال: حدَّثني محمَّد بن عبد الله بن مسلم عن [عمِّه] (2) الزهريِّ عن عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خرجت من نكاح غير سفاح " (3). ز: محمَّد بن عمر هو: الواقديُّ، وقد طعن فيه المؤلِّف قريبًا (4). وقد روي هذا الحديث من غير هذا الوجه.
مسألة (641): نكاح الشغار باطل.
2753 - وقال البيهقيُّ: أنا أبو نضر بن قتادة أنا أبو علي حامد بن محمَّد الرفاء أنا عليُّ بن عبد العزيز ثنا محمَّد بن أبي نُعيم ثنا هُشيم حدَّثني المدينيُّ عن أبي الحُويرث عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما ولدني من سفاح أهل الجاهلية شيء، ما ولدني إلا نكاح [] (1) كنكاح الإسلام " (2). ورواه الطبرانيُّ في "المعجم الكبير" عن عليِّ بن عبد العزيز، ثُمَّ قال: المدينيُّ هو عندي: فليح بن سليمان (3). كذا قال، والظاهر أنَّه إبراهيم بن أبي يحيى، وهو ضعيفٌ. وقال بعضهم: يحتمل أن يكون عبد الله بن جعفر، والد عليِّ بن المدينيِّ. وهو ضعيفٌ أيضًا. وأبو الحويرث: اسمه: عبد الرحمن بن معاوية، وهو متكلَّمٌ فيه O. ***** مسألة (641): نكاح الشغار باطلٌ. وقال أبو حنيفة: ليس بباطلٍ. وصفة الشغار: أن يقول: زوَّجتك ابنتي على أن تزوِّجني ابنتك بغير صداق. وقال الشافعيُّ: هذه صفته، وأن يقول: (ونضع كلَّ واحدةٍ منهما مهر
مسألة (642): إذا تزوج امرأة وشرط لها دارها، أو أن لا يتسرى عليها،
الأخرى) فإن لم يقل فالنكاح صحيحٌ. 2754 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا عبد الرحمن بن مهديٍّ ثنا مالك عن نافعٍ عن ابن عمر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن الشغار (1). أخرجاه في "الصحيحين" (2). ***** مسألة (642): إذا تزوَّج امرأةً وشرط لها دارها، أو أن لا يتسرَّى عليها، فمتى لم يف كان لها الخيار، خلافًا لأكثرهم في قولهم: لا يثبت لها الخيار. 2755 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا يحيى بن سعيد عن عبد الحميد بن جعفر قال: حدَّثني يزيد بن أبي حبيب عن مرثد بن عبد الله اليزنيِّ عن عقبة بن عامر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنَّ أحقَّ الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج " (3). أخرجاه في "الصحيحين" (4). احتجُّوا:
مسألة (643): اذا تزوج امرأة على أنه متى أحلها للأول طلقها= لم
2756 - بما رواه الإمام أحمد قال: حدَّثنا إسحاق بن عيسى قال: حدَّثني ليث قال: حدَّثني ابن شهاب عن عروة عن عائشة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " ما بال أناس يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله؟! من اشترط شرطًا ليس في كتاب الله فليس له، وإن شرط مائة شرط، شرط الله أحقُّ وأوثق " (1). أخرجاه في "الصحيحين" (2). وجوابه: أنَّا نقول به، ولا نسلِّم أنَّ هذا الشرط ليس في كتاب الله، فإنَّه قال تعالى: (أَوْفُوا بالْعُقُودِ} [المائدة: 2]. وقال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من شرط شرطًا لزمه الوفاء به ". ز: هذا الحديث لم يذكره المؤلِّف بإسناده، ولا أعرف له إسنادًا، والله أعلم O. ***** مسألة (643): اذا تزوج امرأةً على أنَّه متى أحلَّها للأوَّل طلَّقها= لم يصحّ. وقال أبو حنيفة: يصحُّ، ويبطل الشرط.
2757 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا الفضل بن دُكين ثنا سفيان عن أبي قيس عن هُزَيل بن شُرَحبيل عن عبد الله بن مسعود قال: لعن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المحلَّ والمحلَّل له (1). قال الترمذيُّ: هذا حديث صحيحٌ، وأبو قيس اسمه: عبد الرحمن بن ثروان (2). ز: رواه النسائيُّ من حديث أبي نُعيم (3)، ورواه الترمذيُّ من حديث أيى أحمد الزبيريِّ عن سفيان. 2758 - وقد روى أحمد (4) وأبو داود (5) وابن ماجة (6) والترمذيُّ (7) من حديث الشَّعبيِّ عن الحارث عن عليٍّ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه لعن المحلَّ والمحلَّل له. 2759 - وروى أحمد (8) وابن أبي شيبة (9) والجُوزجانيُّ والبيهقيُّ (10) بإسنادٍ جيِّدٍ عن المَقْبُرِيِّ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لعن الله المُحِلَّ والمُحَلَّلَ له ".
مسألة (644): ينفسخ النكاح بالجنون، والجذام، والبرص، والقرن،
وروى ابن ماجة عن ابن عبَّاس عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحو ذلك (1). وقد صنَّف شيخنا العلامة أبو العبَّاس في هذه المسألة كتابًا جليلاً سمَّاه " كتاب بيان الدليل على بطلان التحليل " (2)، ينبغي لكلِّ ذي لبٍّ أن ينظر فيه، لتقرَّ عينه، وينشرح صدره، والله الموفق O. ***** مسألة (644): ينفسخ النكاح بالجنون، والجُذَام، والبرص، والقرن، والفتق، والجَبِّ، والعُنَّة. ووافق الشافعيُّ ومالكٌ إلا في الفتق. وقال أبو حنيفة: لا يفسخ إلا بالجَبِّ والعُنَّة. 2760 - قال سعيد بن منصور: ثنا أبو معاوية ثنا جميل بن زيد الطائيُّ عن زيد بن كعب بن عُجْرَة قال: تزوَّج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امرأةً من بني غفار، فلمَّا دخلت عليه وضعت ثيابها، فرأى بكَشْحها (3) بياضًا، فقال: " البسي ثيابك، والحقي بأهلك " (4). ز: جميل بن زيد: ليس بثقة. قاله يحيى بن معين (5)، وقال
النسائيُّ: ليس بالقويِّ (1). وقد اختلف عليه في هذا الحديث: فقيل عنه: هكذا. وقال غير واحد عنه: عن ابن عمر. وقيل عنه: عن سعيد بن زيد، قال: وكان من أصحاب النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقيل عنه: عن عبد الله بن كعب. وقيل عنه: عن كعب بن زيد- أو زيد بن كعب-. وقال البخاريُّ: لم يصحّ حديثه (2). وقد روى أبو بكر بن عيَّاش عن جميل بن زيد قال: هذه أحاديث ابن عمر ما سمعت من ابن عمر شيئًا (3). 2761 - وقال الإمام أحمد في "المسند": ثنا القاسم بن مالك المُزَنِيُّ أبو جعفر قال: أخبرني جميل بن زيد قال: صحبت شيخًا من الأنصار، ذكر أنه كانت له صحبة، يقال له: كعب بن زيد- أو: زيد بن كعب-، فحدَّثني أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوَّج امرأةً من بني غِفَار، فلمَّا دخل عليها فوضع ثوبه، وقعد على الفراشى أبصر بكَشْحها بياضا، فانحاز عن الفراش، ثم قال: " خذي عليك ثيابك ". ولم يأخذ مما أتاها شيئا (4) O.
مسألة (645): إذا أعتقت الأمة تحت حر لم يثبت لها الخيار.
2762 - قال سعيد: وثنا هُشيم أنا يحيى بن سعيد ثنا سعيد بن المسيَّب أنَّ عمر بن الخطَّاب قال: أيُّما رجلٍ تزوَّج امرأةً، فدخل بها، فوجد بها برصا، أو مجنونة، أو مجذومة، فلها الصداق بمسيسه إياها، وهو له على من غرَّه منها (1). 2763 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: محمَّد بن مخلد ثنا عيسى بن أبي حرب ثنا يحيى بن أبي بكير ثنا شعبة عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيَّب قال: قضى عمر في البرصاء والجذماء والمجنونة- إذا دخل بها- فُرِّق بينهما، والصداق لها بمسيسه إيَّاها، وهو له على وليِّها. قال: قلت له: أنت سمعته؟ قال: نعم (2). ز: روى نحو هذا مالك عن يحيى بن سعيد. وعيسى هو: ابن موسى بن أبي حرب الصفَّار، وهو ثقةٌ، قال أبو داود: سمعت ابن حساب يقول: أكثر الله في الناس مثله (3) O. ***** مسألة (645): إذا أعتقت الأمة تحت حرٍّ لم يثبت لها الخيار. وقال أبو حنيفة: لها الخيار. 2764 - قال الترمذيُّ: حدَّثنا عليُّ بن حُجْر أنا جرير بن عبد الحميد
عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كان زوج بَرِيرة عبدًا، فخيَّرها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاختارت نفسها، ولو كان حرًّا لم تخيَّر (1). 2765 - قال الترمذيُّ: وحدَّثنا هنَّاد (2) ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: كان زوج بَرِيرة حرًّا فخيَّرها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (3). الحديثان صحيحان، ولكن قد قال البخاريُّ: قول الأسود منقطعٌ (4). ثُمَّ إنَّ راويه (5) عروة عن عائشة وهي خالته، والقاسم عنها وهي عمته أولى من البعيدة (6). ز: حديث جرير عن هشام: رواه مسلمٌ (7) وأبو داود (8)، ورواه النسائيُّ، وقال في آخره: قال عروة: لو كان حرًّا ما خيَّّرها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (9). وحديث الأعمش عن إبراهيم: رواه ابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة عن حفص بن غياث عنه بنحوه: أنَّها أعتقت بريرة، فخيَّرها النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان لها زوجٌ حرٌّ (1).
ورواه أبو داود (1) والنسائيُّ (2) من رواية منصور عن إبراهيم، ورواه النسائيُّ من رواية الحكم عنه (3). ولم يذكر المؤلِّف إسناد حديث القاسم عن عائشة، وقد رواه مسلمٌ (4) وأبو داود (5) والنسائيُّ (6) من رواية سِمَاك بن حَرْبٍ عن عبد الرحمن بن القاسم عنه. وقد روى ابن إسحاق عن أبان بن صالح عن مجاهد عن عائشة أنَّ زوج بَرِيرة كان عبدًا. وكذلك رواه الدَّارَقُطْنِيُّ من رواية عثمان بن مِقْسَم عن يحيى بن سعيد عن عمرو (7) عن عائشة (8). وقال البيهقيُّ في حديث الأسود عن عائشة: وقوله: (وكان زوجها حرًّا) من قول الأسود، لا من قول عائشة. ثُمَّ ذكر الدليل على ذلك (9). وقال البخاريُّ: قول الأسود منقطعٌ، وقول ابن عباس رأيته عبدًا أصحُّ (10).
وقال إبراهيم بن أبي طالب: خالف الأسود بن يزيد الناس في زوج بَرِيرة، فقال: حرٌّ. وقال الناس: أنَّه كان عبدًا. قال البيهقيُّ: وقد روي عن أبي حذيفة عن الثوريِّ عن منصور عن إبراهيم، وعن أبي جعفر الرازيِّ عن الأعمش عن إبراهيم، عن الأسود عن عائشة، قال أحدهما: أنَّ زوج بَرِيرة كان عبدًا حين أعتقت. وقال الآخر: قالت: كان زوج بَرِيرة مملوكًا لآل أبي أحمد. وليس ذاك بشيءٍ من هذين الوجهين، فرواية الجماعة عن الثوريِّ والأعمش بخلاف ذلك، وبالله التوفيق (1) O. ***** فصل (646) فإن أعتقت تحت عبد فلها الخيار، ما لم تمكِّنه من وطئها. وعن الشافعيِّ: كقولنا، وعنه: لها الخيار إلى ثلاث، وعنه: إن لم تختر على الفور فلا خيار لها. 2766 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا هُشيم أنا خالد عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال: لمَّا خُيِّرت بَرِيرة رأيت زوجها يتبعها في سكك المدينة، ودموعه تسيل على لحيته، فكلَّم العبَّاس ليكلِّم فيه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا بَرِيرة، إنَّه زوجك ". قالت: تأمرني به يا رسول الله؟ قال: " إنما أنا شافع ". قال: فخيَّرها، فاختارت نفسها، وكان عبدًا لآل المغيرة، يقال
له: مغيث (1). ز: رواه البخاريُّ عن محمَّد عن الثقفيِّ عن خالد بنحوه (2). وقوله: (فكلَّم العبَّاس) فيه نظر، فإن عتق بريرة كان قبل إسلام العباس، ويحتمل أن ذلك كان وقت فدائه بعد بدر (3) O. 2767 - قال أحمد: وحدَّثنا يحيى بن إسحاق ثنا ابن لهيعة عن عبيد الله ابن أبي جعفر عن الفضل بن عمرو بن أميَّة عن أبيه قال: سمعت رجالاً يتحدَّثون عن النبيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " إذا أُعتقت الأمة فهي بالخيار ما لم يطأها، إن شاءت فارقته، وإن وطئها فلا خيار لها، ولا تستطيع فراقه (4) ". ز: ابن لهيعة: لا يحتجُّ به. والفضل: ليس بذاك المشهور، قال ابن أبي حاتم: الفضل بن عمرو ابن أُميَّة، روى عن أبيه عمرو بن أُميَّة، روى عنه صالح بن كيسان، سمعت أبي يقول ذلك (5). وقد روى النسائيُّ نحو هذا الحديث عن أحمد بن عبد الواحد عن مروان ابن محمَّد عن الليث- وذكر آخر قبله (6) - عن عبيد الله بن أبي جعفر عن الشَّعبيِّ عن عمرو بن أُميَّة الضَّمْرِيِّ أنَّ رجالاً من أصحاب النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حدَّثوه به.
مسألة (647): لا يحل للرجل إتيان المرأة فى الدبر.
قال النسائيُّ: هذا عندي حديثٌ منكرٌ (1) O. 2768 - وقال سعيد بن منصور: ثنا سفيان عن الزهريِّ عن سالم أنَّ أَمَةً لبني عَدِيِّ بن كعب أعتقت ولها زوجٌ، فقالت لها حفصة: إنِّي مخبرتك بشيءٍ وما أحب أن تفعليه، لك الخيار ما لم يَمَسّك زوجك، فإذا مَسَّك فلا خيار لك. قالت: فاشهدي أنِّي قد فارقته، ثُمَّ فارقته. ***** مسألة (647): لا يحلُّ للرجل إتيان المرأة فى الدبر. ويحكى عن مالك جواز ذلك، وأكثر أصحابه ينكرون أن يكون هذا مذهبًا له. 2769 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا عفَّان ثنا وهيب ثنا سهيل عن الحارث بن مُخَلَّد عن أبي هريرة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا ينظر الله عزَّ وجلَّ إلى رجل جامع امرأته في دبرها " (2). ز: رواه النسائيُّ (3) وابن ماجة (4) من حديث سهيل، ورواه أبو داود ولفظه: " ملعون من أتكى امرأة في دبرها " (5).
وهو حديث جيِّد الإسناد، وقد روي عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة، والصواب: (عن الحارث) بدل: (عن أبيه). 2770 - وقد روى غير واحد عن إسماعيل بن عيَّاش عن سهيل بن أبي صالح عن محمَّد بن المنكدر عن جابر قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " استحيوا، إن الله لا يستحي من الحقِّ، لا يحل مأتى النساء في حشوشهن ". والصواب حديث أبي هريرة، وإسماعيل ضعيفٌ في روايته عن غير الشاميين، والله أعلم O. قال المصنِّف: قد روى النهي عن هذا جماعة من الصحابة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، منهم: عمر بن الخطاب، وعليُّ بن أبي طالب، وابن مسعود، وأبو ذرٍّ، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن عبَّاس، والبراء بن عازب، وعقبة بن عامر، وخزيمة بن ثابت، وطَلْقُ بن عليٍّ. وقد روي النهي عن ذلك عن جماعة من الصحابة والتابعين، وقد ذكرت جميع ذلك في جزء أفردت فيه هذه المسألة مستوفاة. *****
مسائل الصداق
مسائل الصداق (1) مسألة (648): لا يتقدَّر أقلّ المهر. وقال أبو حنيفة ومالك: يتقدّر بما يقطع به السارق، مع اختلافهما في ذلك. وقد استدلَّ أصحابنا بأربعة أحاديث: 2771 - الحديث الأوَّل: قال الترمذيُّ: حدَّثنا محمَّد بن بشَّار ثنا يحيى ابن سعيد وعبد الرحمن بن مهديٍّ ومحمَّد بن جعفر قالوا: ثنا شعبة عن عاصم ابن عبيد الله قال: سمعت عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه أنَّ امرأة من بني فزارة تزوَّجت على نعلين، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أرضيت من نفسك ومالك بنعلين؟ ". قالت: نعم. فأجازه (2). 2772 - الحديث الثاني: قال الإمام أحمد: حدَّثنا يونس ثنا صالح بن مسلم بن رومان قال: أخبرني أبو (3) الزبير عن جابر بن عبد الله أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لو أنَّ رجلاً أعطى امرأة صداقها ملء يديه طعامًا كانت له حلالاً " (4). 2773 - طريق آخر: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أبو بكر النيسابوريُّ ثنا
أحمد بن منصور ثنا يزيد بن هارون أنا موسى بن مسلم بن رومان عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أعطى في نكاح ملء كفٍّ (1) فقد استحلَّ ". قال: " من دقيق أو طعام أو سويق " (2). 2774 - الحديث الثالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا يعقوب بن إبراهيم ثنا الحسن بن عرفة ثنا إسماعيل بن عيَّاش عن برد بن سنان عن أبي هارون العَبْدِيِّ عن أبي سعيد الخُدْرِيِّ عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " لا يضرُّ أحدكم أبقليل من ماله تزوَّج أم بكثير بعد أن يشهد " (3) 2775 - الحديث الرابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا محمَّد بن مخلد ثنا أحمد بن منصور ثنا عمرو بن خالد الحَرَّانِيُّ ثنا صالح بن عبد الجبَّار عن محمَّد بن عبد الرحمن بن البَيْلَمَانِيِّ عن أبيه عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنكحوا الأيامى، وأدُّوا العلائق ". قيل: ما العلائق بينهم، يا رسول الله؟ قال: " ما تراضى عليه الأهلون، ولو بقضيب من أراك " (4). قال المصنِّف: هذه الأحاديث كلُّها معلولةٌ:
أمَّا الأوَّل: ففيه عاصم بن عبيد الله، قال يحيى بن معين: ضعيفٌ لا يحتجُّ بحديثه (1). وقال ابن حِبَّان: فاحش الخطأ متروكٌ (2). وأمَّا الثاني: فيرويه صالح بن مسلم، وقد ضعَّفه يحيى (3) والرازيُّ (4). وقد رواه أبو عاصم عن صالح أيضًا، وإنَّما يزيد بن هارون سمَّاه موسى ابن مسلم، ولا يعرف موسى. وقد رواه ابن مهديٍّ عن صالح عن أبي الزبير عن جابر موقوفًا. 2776 - ورواه الدَّارَقُطْنِيُّ من حديث عبد الله بن المؤمّل عن أبي الزبير عن جابر قال: إن كنَّا لننكح المرأة على الحفنة والحفنتين من الدقيق (5). وقد قال أحمد: أحاديث ابن المؤمَّل مناكير (6). وقال يحيى: هو ضعيف الحديث (7). وأمَّا الحديث الثالث: ففيه إسماعيل بن عيَّاش، وقد ضعَّفوه، قال ابن حِبَّان: خرج عن حدِّ الاحتجاج به (8).
وفيه: أبو هارون العبديُّ، واسمه: عمارة بن جوين، قال حمَّاد بن زيد: كان كذَّابًا (1). وقال أحمد: ليس بشيءٍ (2). وقال شعبة: لأن أُقَدَّم فيضرب عنقي أحبُّ إليَّ من أن أحدِّث عنه (3)! وقال السَّعْدِيُّ: كذَّابٌ مفتر (4). وأمَّا الحديث الرابع: قفيه محمَّد بن عبد الرحمن، قال يحيى: ليس بشيءٍ (5). وقال ابن حِبَّان: حدَّث عن أبيه بنسخةٍ شبها بمائتي حديث، كلُّها موضوعةٌ (6). وقال أبو حاتم الرازيُّ: هو منكر الحديث (7)، وأبوه ليِّنٌ (8). والحديث الصحيح الذي يحتجُّ به: حديث سهل بن سعد في الواهبة نفسها، وقد سبق في مسألة: انعقاد النكاح بلفظ الهبة (9). ز: حديث عامر بن ربيعة: رواه الإمام أحمد عن محمَّد بن جعفر وحجَّاج عن شعبة (10)، ورواه ابن ماجة من رواية سفيان عن عاصم (11). وقال الترمذيُّ: حديث حسن صحيح (12).
وحديث جابر: رواه أبو داود عن إسحاق بن جيريل البغداديِّ عن يزيد ابن هارون بنحوه (1). وقال الآجرِّيُّ: سمعت أبا داود- وذكر صالح بن مسلم بن رومان- فقال: أخطأ يزيد بن هارون في اسمه، فقال: موسى بن رومان (2). وحديث أبي سعيد: لم يخرِّجوه، وقد تقدَّم (3) أنَّ الدَارَقُطْنِيَّ رواه بإسناد آخر ضعيف. وقول المؤلف في إسماعيل: (قد ضعَّفوه) فيه نظر. وحديث ابن عباس: لم يخرِّجوه أيضًا، وقد روي من حديث ابن عمر: 2777 - قال ابن عَدِيٍّ: أنا الحسن بن سفيان ثنا بندار ثنا محمَّد بن الحارث عن محمَّد بن عبد الرحمن بن البيلماني عن أبيه عن ابن عمر مرفوعًا: " أنكحوا الآيامى ". قالوا: يا رسول الله، ما العلائق؟ قال: " ما تراضى عليه أهلوهم ". قال ابن عَدِيٍّ: محمَّد بن عبد الرحمن بن البيلماني ضعيفٌ، ومحمَّد بن الحارث ضعيفٌ، والضعف على حديثهما بيِّنٌ (4) O. احتجَّ الخصم: 2778 - بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ، قال: حدَّثنا أحمد بن عيسى بن السكين
البلديُّ ثنا زكريا بن الحكم الرسعنيُّ ثنا أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجَّاج ثنا مبمشر بن عبيد قال: حدَّثني الحجَّاج بن أرطأة عن عطاء وعمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تنكحوا النساء إلا الأكفاء، ولا يزوِّجهنَّ إلا الأوَّلياء، ولا مهر أقلّ من عشرة دراهم " (1). قال المصنِّف: قد روينا هذا الحديث من طرق، مدارها كلِّها على مبشر ابن عبيد، قال أحمد بن حنبل: مبشر ليس بشيءٍ، أحاديثه موضوعات كذبٌ، يضع الحديث (2). وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: يكذب (3). وقال ابن حِبَّان: يروي عن الثقات الموضوعات، لا يحلُّ كتب حديثه إلا على سبيل التعجُّب (4). ز: هذا الحديث لم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب "السنن". وقال البيهقيُّ: هو حديث ضعيفٌ بمرَّة، وقد رواه بقيَّة عن مبشر عن الحجَّاج عن أبي الزبير عن جابر (5). وقال أبو عليٍّ الحافظ: مبشر بن عبيد متروك الحديث، وهذا منكر لم يتابع عليه (6) O. وقد رووا مثل هذا عن عليٍّ عليه السلام (7) موقوفا:
2779 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا الحسين بن يحيى بن عيَّاش ثنا عليُّ بن إشكاب ثنا محمَّد بن ربيعة ثنا داود الأَوْدِيُّ عن الشَّعبيِّ قال: قال عليٌّ عليه السلام (1): لا يكون مهر أقلّ من عشرة دراهم (2). قال يحيى بن معين: داود ليس حديثه بشيءٍ (3). قال ابن حِبَّان: كان داود يقول بالرجعة (4). ثُمَّ إنَّ الشَّعبيَّ لم يسمع من عِليٍّ (5). وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا دَعْلَج ثنا محمَّد بن إبراهيم الكنانيُّ قال: سمعت أبا سيَّار البغداديَّ قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: لقَّن غياثُ بنُ إبراهيمَ: داودَ الأوْدِيَّ (عن الشَّعبيِّ عن عليٍّ: لا مهر أقلَّ من عشرة دراهم) فصار حديثًا (6). وقال أحمد (7) والبخاريُّ (8) والدَّارَقُطْنِيُّ: غياث بن إبراهيم متروك. وقال يحيى: ليس بثقةٍ، كان كذَّابًا (9). وقال ابن حِبَّان: يضع الحديث (10).
مسألة (649): لا يجوز أن يجعل تعليم القرآن صداقا.
وقد روى الخصم عن عليٍّ روايةً أخرى: 2780 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا عليُّ بن الفضل بن طاهر البَلْخيُّ ثنا عبد الصمد بن الفضل ثنا عليُّ بن محمَّد المَنْجُوريُّ ثنا الحسن بن دينار عن عبد الله الدَّانَاج عن عكرمة عن ابن عبَّاس عن عليٍّ قال: لا مهر أقلّ من خمسة دراهم (1). قال أحمد: الحسن بن دينار لا يكتب حديثه (2). وقال يحيى: ليس بشيءٍ (3). وقال أبو حاتم الرازيُّ: متروك الحديث، كذَّابٌ (4). وقال الفلاس: اجتمع أهل العلم على أنَّه لا يروى عنه (5). ***** مسألة (649): لا يجوز أن يجعل تعليم القرآن صداقًا. وعنه: الجواز، كقول مالكٍ والشافعيِّ. 2781 - قال سعيد بن منصور: حدَّثنا أبو معاوية ثنا أبو عرفجة الفايشيُّ (6) عن أبي النعمان الأزديِّ قال: زوَّج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امرأةً على سورة من القرآن، ثُمَّ قال: " لا يكون لأحد بعدك مهرا ".
2782 - وقال أبو داود: حدَّثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء ثنا أبي ثنا محمَّد بن راشد عن مكحول أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زوَّج رجلاً على ما معه من القرآن، قال: وكان مكحول يقول: ليس ذلك لأحدٍ بعد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1). ز: هذان الحديثان غير ثابتين، وكلاهما مرسل. وأبو عرفجة وأبو النعمان: مجهولان. وقول مكحول ليس بحجَّة، والله أعلم O. احتجُّوا: بحديث سهل بن سعد، وقوله: " زوجتكها على ما معك من القرآن ". وقد سبق بإسناده (2). قال المصنِّف: وهذا إنما كان لضرورة الفقر أوَّل الإسلام. 2783 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أبو عبيد القاسم بن إسماعيل ثنا القاسم بن هاشم السمسار ثنا عتبة بن السكن ثنا الأوزاعيُّ ثنا محمَّد بن عبد الله ابن أبي طلحة قال: أخبرني زياد بن أبي زياد قال: حدَّثني عبد الله بن سخبرة عن ابن مسعود أنَّ امرأةً أتت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت: يا رسول الله، رأ فِيَّ رأيَكَ. فقال: " من ينكح هذه؟ ". فقام رجلٌ عليه بردة عاقدها في عنقه، فقال: أنا يا رسول الله. فقال: " ألك مالٌ؟ ". قال: لا. قال: " اجلس ". ثُمَّ جاءت امرأة أخرى، فقالت: يا رسول الله، رأ فِيَّ رأيك. قال: " من ينكح هذه؟ ". فقام ذلك الرجل، فقال: أنا يا رسول الله. قال: " ألك
مسألة (650): يجب للمفوضة (4) مهر المثل [بالعقد] (5)، ويستقر
مال؟ ". قال: لا. قال: " اجلس ". ثُمَّ جاءت الثالثة، .... فذكر مثل ذلك، فقال: " هل تقرأ من القرآن شيئًا؟ ". قال: نعم، سورة البقرة، وسورة المفصل. فقال: " قد أنكحتكها على أن تقرئها وتعلمها، وإذا رزقك الله عوِّضها ". فتزوَّجها الرجل على ذلك. قال الدَّارَقُطْنِيُّ: تفرَّد به عتبة بن السكن، وهو متروكٌ (1). ز: هذا الحديث لم يخرِّجوه. وقال البيهقيُّ: عتبة بن السكن منسوبٌ إلى الوضع، وهذا [باطل] (2) لا أصل له، والله أعلم (3) O. ***** مسألة (650): يجب للمفوِّضة (4) مهر المثل [بالعقد] (5)، ويستقرُّ بالموت. وقال مالك: لا يجب لها شيءٌ. وقال الشافعيُّ: لا يجب بالعقد شيءٌ، وفي وجوبه بالموت قولان.
لنا: أنَّه لو لم يجب بالعقد لم يجب بالوطء. ولنا على اسثقراره بالموت: 2784 - ما رواه الإمام أحمد، قال: حدَّثنا يزيد بن هارون أنا سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة قال: أُتي عبد الله في امرأةٍ تزوَّجها رجلٌ، ثُمَّ مات عنها ولم يفرض لها صداقًا، ولم يكن دخل بها، فاختلفوا إليه، فقال: أرى لها مثل صداق نسائها، ولها الميراث، وعليها العِدَّة. فشهد معقل بن سنان الأشجعيُّ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى في بروع بنت واشق بمثل ما قضى (1). قال الترمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (2). ز: هذا الحديث رواه أصحاب "السنن" من حديث سفيان (3). وقال الشافعيُّ: وقد روي عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأبي وأمي أنَّه قضى في بروع بنت واشق- ونكحت بغير مهر فمات زوجها- فقضى لها بمهر نسائها، وقضى لها بالميراث، فإن كان ثبت عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهو أول الأمور بنا، ولا حجَّة في قول أحدٍ دون النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا في قياسٍ، ولا في شيء، وفي قوله (4) إلا طاعة الله بالتسليم له، وإن كان لا يثبت عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن لأحد أن يثبت عنه ما لم يثبت، ولم أحفظه من وجه يثبت مثله، هو مرَّة يقال: (عن معقل بن يسار)، ومرَّة: (عن معقل بن سنان)، ومرَّة: (عن بعض أشجع) لا يسمَّى (5).
وقال رضي الله عنه: إن صحَّ حديث بروع بنت واشق قلت به (1). قال الحاكم: لو حضرت الشافعيَّ لقمت إليه على رؤوس أصحابه، وقلت: قد صحَّ الحديث فقل به (2). قال البيهقيُّ: وشيخنا أبو عبد الله إنَّما حكم بصحَّة الحديث لأنَّ الثقة قد سمَّى فيه رجلاً من الصحابة، وهو معقل بن سنان الأشجعيُّ (3). وهذا الخلاف في تسمية من روى قصَّة بروع بنت واشق عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يوهن الحديث، فإنَّ أسانيد هذه الروايات صحيحة، وفي بعضها: أنَّ جماعةً من أشجع شهدوا بذلك، فبعضهم سمَّى هذا، وبعضهم سمَّى آخر، وكلُّهم ثقةٌ، ولولا الثقة بمن رواه عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما كان عبد الله رضي الله عنه يفرح بروايته (4) O.
مسألة (651): يثبت المسمى في النكاح الفاسد.
مسألة (651): يثبت المسمَّى في النكاح الفاسد. وقال الشافعيُّ: يثبت مهر المثل. وقال أبو حنيفة: يثبت الأقل من المسمَّى أو مهر المثل. لنا: حديث عائشة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أيُّما امرأة نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطلٌ، فان أصابها، فلها مهرها بما أصاب منها ". وقد ذكرناه بإسناده في أول كتاب النكاح (1). ***** مسألة (652): الخلوة الصحيحة تقرر المهر. قال مالكٌ والشافعيُّ: لا يتكمل إلا بالوطء. 2785 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أبو بكر الشافعيُّ ثنا محمَّد بن شاذان ثنا مُعلَّى بن منصور ثنا ابن لهيعة أنا أبو الأسود عن محمَّد بن عبد الرحمن بن ثوبان قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من كشف خمار امرأة ونظر إليها وجب الصداق، دخل بها أو لم يدخل ". 2786 - قال مُعلَّى: وثنا ابن أبي زائدة عن يحيى بن سعيد عن سعيد ابن المسيَّب عن عمر قال: من أغلق بابًا، وأرخى سترًا، فقد وجب الصداق.
2787 - قال مُعلَّى: وأنا شَريك عن ميسرة عن المنهال عن عبَّاد بن عبد الله عن عليٍّ قال: إذا أغلق بابًا، وأرخى سترًا، أو رأى عورةً، فقد وجب عليه الصداق (1). فإن قيل: الحديث الأوَّل مرسلٌ، ثُمَّ فيه ابن لهيعة وهو ضعيفٌ. قلنا: المراسيل عندنا حجَّةٌ، وابن لهيعة قد روى عنه العلماء. ز: عباد بن عبد الله- الراوى عن عليٍّ- هو: الأسديُّ، الكوفيُّ، وقد قال البخاريُّ: فيه نظر (2). وقد حكى المؤلِّف عن ابن المدينيِّ أنه ضعَّفه (3). لكنه لم يتفرَّد بهذا عن عليٍّ: 2788 - فقد قال محمَّد بن عبد الله الأنصاريُّ: ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن الأحنف أنَّ عمر وعليًّا قالا: إذا أغلق بابًا، وأرخى سترًا، فقد وجب الصداق كاملاً، وعليها العدَّة. 2789 - وقال سعيد بن منصور: ثنا هشيم أنا عوف عن زرارة بن أوفى قال: قضاء الخلفاء الراشدين المهديين أنَّه من أغلق بابًا، أو أرخى سترًا، فقد وجب الصداق والعدَّة (4). قال البيهقيُّ: هذا مرسل، فإن زرارة لم يدركهم، وقد رويناه عن عليٍّ
وعمر موصولاً (1). ومرسل ابن ثوبان: لم ينفرد به ابن لهيعة: 2790 - فقد رواه أبو داود في " المراسيل " عن قتيبة بن سعيد عن الليث عن عبيد الله بن أبي جعفر عن صفوان بن سليم عن عبد الله بن يزيد عنه، ولفظه: " من كشف امرأة فنظر إلى عورتها، فقد وجب الصداق " (2) O. *****
مسائل الوليمة والقسمة والنشوز
مسائل الوليمة والقسمة والنشوز (1) مسألة (653): نثار العرس مكروه. وعنه: لا يكره، كقول أبي حنيفة. لنا أربعة أحاديث: 2791 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا وكيع ثنا شعبة عن عَدِيِّ بن ثابت قال: سمعت عبد الله بن يزيد يحدِّث قال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن النهبة والمثلة (2). انفرد بإخراجه البخاريُّ (3). ز: 2792 - قال الطبرانيُّ: ثنا محمَّد بن محمَّد الجذوعيُّ القاضي ثنا عقبة بن مكرم ثنا يعقوب بن إسحاق الحضرميُّ ثنا شعبة عن عَدِيِّ بن ثابت عن عبد الله بن يزيد عن أبي أيُّوب قال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن النهبة والمثلة (4). كذا رواه بزيادة أبي أيُّوب، ورواه البخاريُّ عن آدم وحجَّاج بن منهال كلاهما عن شعبة، ولم يذكر أبا أيُّوب، قال: وزاد حجَّاج في حديثه: وقال
عَدِيٌّ عن سعيد- يعني: ابن جبير- عن ابن عبَّاس عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1) O. 2793 - الحديث الثاني: قال أحمد: وحدَّثنا هاشم بن القاسم عن ابن أبي ذئب قال: حدَّثني مولى لجهينة عن عبد الرحمن بن زيد بن خالد عن أبيه أنَّه سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن النهبة والخلسة (2). ز: هذا الحديث لم يخرِّجوه، وفي إسناده من تجهل حاله O. 2794 - الحديث الثالث: قال أحمد: وحدَّثنا إبراهيم بن إسحاق الطَّالقانيُّ ثنا الحارث بن عمير عن حُميد الطويل عن الحسن عن عِمْران بن حُصَين أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من انتهب فليس منا " (3). ز: الحارث: وثَّقه ابن معين (4) وغير واحد، وتكلَّم فيه ابن حِبَّان (5) والحاكم (6). وقد رواه الترمذيُّ (7) والنسائيُّ (8) وابن ماجة (9) من غير رواية الحارث عن حُميد، وصحَّحه الترمذيُّ.
والحسن لم يسمع من عِمْران. قاله ابن المدينيِّ (1) وغيره O. 2795 - الحديث الرابع: قال الترمذيُّ: حدَّثنا محمود بن غيلان ثنا عبد الرزَّاق عن معمر عن ثابت عن أنسٍ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من انتهب فليس منَّا ". قال الترمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (2). ز: رواه أحمد (3) وإسحاق (4) وعبدٌ (5) وغيرهم عن عبد الرزَّاق، وهو مختصرٌ من حديثٍ فيه أحكام. ورواه ابن حِبَّان من حديث عبد الرَّزَّاق (6). وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: تفرَّد به معتمر (7) عن ثابت. وقال أبو حاتم الرازيُّ: هذا حديثٌ منكرٌ جدًّا (8). والله أعلم. 2796 - وقد احتجَّ الطحاويُّ بحديث ثور بن يزيد عن خالد بن مَعْدَان عن معاذ بن جبل أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان في إملاك (9)، فجاءت الجواري معهن
مسألة (654): الأمة على النصف من الحرة في القسم.
الأطباق، عليها اللوز والسكر (1)، فأمسك القوم أيديهم، فقال.: " ألا تنتهبون؟ ". قالوا: إنَّك كنت نهيت عن النهبة. قال: " تلك نهبة العساكر، فأمَّا العرسات فلا ". قال: فرأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجاذبهم ويجاذبونه (2). وقد أنكر البيهقيُّ هذا الحديث، وقال: من رواية عون بن عمارة وعصمة بن سليمان (3) - وكلاهما لا يحتجُّ به- عن لمازة بن المغيرة- وهو مجهول- عن ثور. قال: وخالد بن مَعْدَان عن معاذ منقطعٌ (4) O. ***** مسألة (654): الأمة على النصف من الحُرَّة في القَسْم. وقال داود: هما سواء. وعن مالك كالمذهبين. 2797 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا دَعْلَج ثنا محمَّد بن عليِّ بن زيد ثنا سعيد بن منصور ثنا هُشيم قال: ثنا ابن أبي ليلى عن المنهال عن عبَّاد بن عبد الله الأسديِّ عن عليٍّ أنَّه كان يقول: إذا تزوَّج الحرَّة على الأمة: للأمة الثلث،
مسألة (655): تفضل البكر بسبع، والثيب بثلاث.
وللحرَّة الثلثان (1). 2798 - وقال سعيدٌ: ثنا هُشيم أنا داود بن أبي هند قال: سمعت ابن المسيَّب يقول: تنكح الحرَّة على الأمة، ولا تنكح الأمة على الحرَّة، ويقسم بينهما: الثلث للأمة، والثلثان للحرَّة (2). ***** مسألة (655): تفضَّل البكر بسبع، والثيِّب بثلاث. وقال أبو حنيفة وداود: يقضي في حق الجميع. 2799 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا يحيى بن سعيد عن سفيان قال: حدَّثني محمَّد بن أبي بكر عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبيه عن أمِّ سلمة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمَّا تزوَّجها أقام عندها ثلاثة أيَّام، وقال: " إنَّه ليس بك على أهلك هوان، وإن شئت سبَّعت لك، وإن سبَّعت لك سبَّعت لنسائًي " (3). انفرد بإخراجه مسلمٌ (4). 2800 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا البيعويُّ ثنا حاجب بن الوليد (5) ثنا محمَّد بن سلمة عن ابن إسحاق عن أيُّوب عن أبي قِلابة عن أنسٍ قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " للبكر سبعة أيَّام، وللثيِّب ثلاثٌ، ثُمَّ يعود إلى نسائه " (6).
ز: رواه ابن ماجة عن هنَّاد بن السَّرِي عن عَبْدَة بن سليمان عن ابن إسحاق بنحوه (1) O. 2801 - وقال الترمذيُّ: أنا يحيى بن خلف ثنا بشر بن المفضَّل ثنا خالد الحذَّاء عن أبي قِلابة عن أنس بن مالكٍ- قال: لو شئت أن أقول: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكنَّه- قال: السنَّة إذا تزوَّج الرجل البكر على امرأته أقام عندها سبعًا، وإذا تزوَّج الثيِّب على امرأته أقام عندها ثلاثًا. قال الترمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (2). ز: أخرجاه في "الصحيحين" من حديث خالد (3)، والله أعلم O. *****
مسألة (656): يكره الخلع بأكثر من المهر، ويصح.
من مسائل الخُلْع مسألة (656): يكره الخُلْع بأكثر من المهر، ويصحُّ. وقال أكثرهم: لا يكره. 2802 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أبو بكر النيسابوريُّ ثنا يوسف بن سعيد ثنا حجَّاج عن ابن جُريج قال: أخبرني أبو الزبير أنَّ ثابت بن قيس بن شماس كانت عنده بنت عبد الله بن أُبَيِّ بن سَلُول، وكان أصدقها حديقةً، فكرهته، فقال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أتردِّين عليه حديقته التي أعطاك؟ ". قالت: نعم، وزيادة! فقال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أمَّا الزيادة فلا، ولكن حديقته ". قالت: نعم. فأخذها له، وخلَّى سبيلها، فلما بلغ ذلك ثابت بن قيس، قال: قد قبلت قضاء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1). إسنادٌ صحيحٌ، قال الدَّارَقُطْنِيُّ: سمعه أبو الزُّبير من غير واحدٍ. 2803 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا أبو بكر الشافعيُّ ثنا بشر بن موسى ثنا الحُميديُّ ثنا سفيان ثنا ابن جُريجٍ عن عطاء أنَّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يأخذ من المختلعة أكثر مما أعطاها " (2). ز: 2804 - رواه أبو داود في " المراسيل " عن أبي بكر محمَّد بن خلاد الباهليِّ عن يحيى عن ابن جُريج عن عطاء قال: جاءت امرأة إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
تشكو زوجها، فقال: " أتردين عليه حديقته؟ ". قالت: نعم، وزيادة! قال: أمَّا الزيادة فلا (1). 2805 - وروى أيضًا عن إسحاق بن إسماعيل الطَّالَقَانِيِّ عن سفيان عن ابن جُريج عن عطاء عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المُخْتَلِعة: لا يأخذ منها كثر مما أعطاها (2). 2806 - وروى أيضًا عن أحمد بن صالح عن أبي نُعيم عن سفيان عن ابن جُريج عن عطاء أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى أن يأخذ من المُخْتَلِعة كثر مما أعطاها. قال أبو داود: قال وكيع: سألت ابن جُريج عنه فأنكره، ولم يعرفه (3) O. احتجُّوا: 2807 - بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ، قال: قرئ على أبي القاسم بن منيع- وأنا أسمع-: حدَّثكم أبو حفص عمر بن زرارة ثنا مسروح بن عبد الرحمن عن الحسن بن عمارة عن عطيَّة العَوْفِيِّ عن أبي سعيد الخدريِّ قال: كانت أختي تحت رجلٍ من الأنصار، تزوَّجها على حديقة، فكان بينهما كلامٌ، فارتفعا إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " تردِّين عليه حديقته، ويطلِّقك ". قالت: نعم، وأزيده! قال: " ردِّي عليه حديقته، وزيديه " (4). والجواب:
أنَّ هذا إسنادٌ لا يصحُّ، أمَّا عطيَّة: فقد ضعَّفه الثوريُّ (1) وهُشيم (2) وأحمد (3) ويحيى (4)، وقال ابن حِبَّان: لا يحلُّ كتب حديثه إلا على التعجُّب (5). وأمَّا الحسن بن عمارة: فقال شعبة: هو كذَّابٌ، يحدِّث بأحاديث قد وضعها (6). وقال يحيى: يكذب (7). وقال أحمد (8) والرازيُّ (9) والنسائيُّ (10) والفلاس (11) ومسلم بن الحجَّاج (12) والدَّارَقُطْنِيُّ (13): هو متروكٌ. وقال زكريا السَّاجيُّ: أجمعوا على ترك حديثه (14). *****
مسائل الطلاق
مسائل الطلاق مسألة (657): لا يصحُّ عقد الطلاق قبل النكاح، وفي العتاق روايتان. وقال أبو حنيفة: يصحُّ. وقال مالكٌ: يصحُّ في خصوصهن، دون عمومهن. لنا ستة أحاديث: 2808 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا محمَّد بن جعفر ثنا سعيد عن مطر عن عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جدِّه عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ليس على رجل طلاق فيما لا يملك، ولا عتاق فيما لا يملك، ولا بيع فيما لا يملك " (1). ز: رواه أبو داود من رواية غير واحدٍ عن مطر (2)، وقد رواه عن عمرو غير مطر، والله أعلم O. 2809 - الحديث الثاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا إسحاق بن محمَّد بن الفضل الزيَّات ثنا عليُّ بن شُعيب ثنا عبد المجيد عن ابن جريج عن عمرو بن شُعيب عن طاوس عن معاذ بن جبل أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يجوز طلاقٌ، ولاعتاقٌ، ولا بيعٌ، ولا وفاءُ نذرٍ، فيما لا يملك " (3).
2810 - طريق آخر: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا محمَّد بن الحسن الحرَّانِيُّ ثنا أحمد بن يحيى بن زُهير ثنا عبد الرحمن بن سعدٍ أبو أُميَّة ثنا إبراهيم أبو إسحاق الضرير ثنا يزيد بن عياض عن الزهريِّ عن سعيد بن المسيَّب عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا طلاق إلا بعد نكاح، وإن سُمِّيت المرأة بعينها " (1). ز: هذا الحديث لم يخرِّجه أحد من أصحاب "السنن" من الطريقين، وكلاهما مرسلٌ، غير أنَّ الإسناد الأوَّل لا بأس برواته، والإسناد الثاني ضعيفٌ جدًّا، والله أعلم O. 2811 - الحديث الثالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا جعفر بن محمَّد بن نصير ثنا أحمد بن يحيى الحُلْوانيُّ ثنا عليُّ بن قرين ثنا بقيَّة بن الوليد عن ثور بن يزيد عن خالد بن مَعْدَان عن أبي ثعلبة الخُشَنِيِّ قال: قال عمٌّ (2) لي: اعمل لي عملاً حتَّى أزوّجك ابنتي. فقلت: إن تزوَّجتها فهي طالقٌ ثلاثًا. ثُمَّ بدا لي أن أتزوَّجها، فأتيت النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسألته، فقال لي: " تزوَّجها، فإنَّه لا طلاق إلا بعد نكاحٍ ". فتزوجتها، فولدت لي سعدًا (3) وسعيدًا (4).
ز: هذا حديثٌ باطلٌ، لا أصل له. وعليُ بن قرين: كذَّبه يحيى بن معين (1) وغيره، وقال ابن عَدِيٍّ: يسرق الحديث (2). وقال المؤلِّف في "الضعفاء": وهو الذي يروي في بعض حديثه عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من كذب عَلَيَّ متعمدًا فليتبوأَ مقعده من النار "، ثم يكذب!! (3) O. 2812 - الحديث الرابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثني أحمد بن محمَّد بن جعفر الجوزي ثنا محمَّد بن غالب بن حرب ثنا خالد بن يزيد القرنيُّ ثنا عبد الرحمن بن مسهر قال: ثنا أبو خالد الواسطيُّ عن أبي هاشم الرُّمانيُّ (4) عن سعيد ابن جبير عن ابن عمر عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه سئل عن رجل قال: يوم أتزوج فلانة فهي طالق، قال: " طلَّق ما لا يملك " (5). ز: وهذا أيضًا باطلٌ. وأبو خالد الواسطيُّ هو: عمرو بن خالد، وهو وضَّاعٌ، وقال أحمد (6) ويحيى (7): هو كذَّابٌ. زاد يحيى: غير ثقة ولا مأمون (8) O.
2813 - الحديث الخامس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا محمَّد بن أحمد بن قطن ثنا الحسن بن عرفة ثنا عمر بن يونس عن سليمان بن أبي سليمان الزهريِّ عن يحيى بن أبي كثير عن طاوس عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا نذر إلا فيما أطيع الله فيه، ولا يمين في قطيعة رحم، ولا عتاق ولا طلاق فيما لا يملك " (1). ز: وهذا أيضًا ضعيفٌ، لا أصل له. وسليمان هو: ابن داود اليماميُّ، وقد ضعَّفوه، قال ابن معين: ليس بشيءٍ (2). وقال البخاريُّ (3) وأبو حاتم (4): منكر الحديث. وقال ابن عَدِيٍّ: عامَّة ما يرويه لا يتابعه عليه أحدٌ (5). وقوله في الإسناد: (الزهريُّ) فيه نظرٌ، والله أعلم O. 2814 - الحديث السادس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا محمَّد بن مخلد قال: حدَّثني إسماعيل بن الفضل البلخيُّ قال: حدَّثني أحمد بن يعقوب ثنا الوليد بن سلمة الأردنيُّ ثنا يونس عن الزهريِّ عن عروة عن عائشة قالت: بعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا سفيان بن حرب على نجران اليمن، فكان فيما عهد إليه: أن لا يطلِّق الرجل ما لا يتزوج، ولا يعتق ما لا يملك (6). ز: هذا الحديث أيضًا لا أصل له.
مسألة (658): جمع الطلاق الثلاث في طهر واحد بدعة.
والوليد بن سلمة: متهمٌ بالكذب، وقال أبو حاتم الرازيُّ: ذاهب الحديث (1). وقال ابن حِبَّان: يضع الحديث على الثقات (2). وقال الأزديُّ: كذَّابٌ، يضع الحديث (3). وأحمد بن يعقوب هو: البلخيُّ، وهو صاحب مناكير وعجائب، يروي عن ابن عيينة وغيره O. قال المصنِّف: وقد روي نحو هذا من حديث عليٍّ وجابر، ولكنَّها طرقٌ مجتنبة بمرَّةٍ، وإن كان في هذه الطرق ما يصلح اجتنابه، إلا أن تلك بمرَّةٍ. ز: طريق عليٍّ وجابر في هذا الباب أصلح من بعض ما ذكره، وفي الباب أيضًا: 2815 - حديث المسور بن مخرمة، رواه ابن ماجة عن أحمد بن سعيد الدارميِّ عن عليِّ بن الحسين بن واقد عن هشام بن سعد عن الزهريِّ عن عروة عنه، ولفظه: " لا طلاق قبل نكاح، ولا عتق قبل ملك " (4) O. ***** مسألة (658): جمع الطلاق الثلاث في طهر واحد بدعةٌ.
وعنه: أنَّه مباحٌ، كقول الشافعيِّ. 2816 - قال البخاريُّ: حدَّثنا إسماعيل بن عبد الله قال: حدَّثني مالكٌ عن نافعٍ عن ابن عمر أنَّه طلَّق امرأته وهي حائض، فسأل عمرُ بن الخطاب رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك، فقال: " مُرْهُ فليراجعها، ثُمَّ ليمسكها حتى تطهر، ثُمَّ تحيض، ثُمَّ تطهر، ثُمَّ إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلَّق فبل أن يمسَّ، كملك العدَّة التي أمر الله أن تطلَّق لها النساء " (1). أخرجاه في "الصحيحين" (2). 2817 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا عليُّ بن محمَّد بن عبيد الحافظ ثنا محمَّد ابن شأذان الجوهريُّ ثنا مُعَلَّى بن منصور ثنا شُعيب بن رزيق أنَّ عطاء الخرسانيَّ حدَّثهم عن الحسن ثنا عبد الله بن عمر أنَّه طلَّق امرأتَه تطليقةً وهي حائض، ثُمَّ أراد أن يتبعها بتطليقتين أخرتين عند القرءين، فبلغ ذلك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " يا ابن عمر، ما هكذا أمرك الله، إنَّك قد أخطأت السُّنَّة، والسُّنَّة أن تستقبل الطهر فتطلِّق لكلِّ قرء " (3). وقال: فأمرني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فراجعتها، ثُمَّ قال: " إذا هي طهرت فطلِّق عند ذلك، أو أمسك ". فقلت: يا رسول الله، أفرأيت لو أنِّي طلقتها ثلاثًا، أكان يحلُّ لي أن أرتجعها؟ قال: " لا، كانت تبين منك، وتكون معصية " (4) قال أبو حاتم بن حِبَّان الحافظ: لم يشافه الحسنَ ابنُ عمر (5).
ز: هذا الحديث لم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب "الكتب السِّتَّة"، وقد رواه الإمام أبو بكر محمَّد بن داود عن محمَّد بن شاذان. وقال بعض من تكلَّم عليه: هذا إسنادٌ قويٌّ، وقد صرَّح الحسن هنا بمشافهة ابن عمر (1). وفي هذا نظرٌ، بل الحديث فيه نكارة، وبعض رواته متكلَّم فيه. قال ابن حِبَّان في عطاء الخرسانيِّ: عطاء من خيار عباد الله، غير أنَّه كان ردئ الحفظ، كثير الوهم، يخطئ ولا يعلم، فحمل عنه، فلما كثر ذلك في روايته بطل الاحتجاج به (2). وشعيب بن رزيق هو: الشاميُّ، أبو شيبة المقدسيُّ، سكن طرسوس، ثُمَّ سكن فلسطين، قال دُحيم: لا بأس به (3). ووثَّقه ابن حِبَّان (4) والدَّارَقُطْنِيُّ (5)، وقال الأَزْدِيُّ: ليِّنٌ (6). والحسن سمع من ابن عمر. قاله الإمام أحمد- في رواية ابنه صالح عنه- (7)، وأبو حاتم الرازيُّ (8)، وقيل لأبي زُرعة: الحسن لقي ابنَ عمر؟ قال:
مسألة (659): إذا قال لزوجته: أنت خلية، أو برية، أو بائن، أو
نعم (1). وقال بهز بن أسد: سمع الحسن من ابن عمر حديثًا (2)، والله أعلم O. ***** مسألة (659): إذا قال لزوجته: أنت خليَّةٌ، أو بريَّةٌ، أو بائنٌ، أو بتَّةٌ، أو بتلةٌ، أو طالقٌ لا رجعة لي فيها ولا مثنوية: وأراد بذلك الطلاق، وقعت ثلاث نوى أو لم ينو. وقال الشافعيُّ: يرجع إلى نيته فيقع. 2818 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أحمد بن محمَّد بن سعيد ثنا أحمد بن يحيى الصوفيُّ ثنا إسماعيل بن أميَّة (3) القرشيُّ ثنا عثمان بن مطر عن عبد الغفور عن أبي هاشم عن زاذان عن عليٍّ قال: سمع النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً طلَّق البتَّة، فغضب، وقال: " يتخذون آيات الله هزوا، ودين الله هزوا- أو: لعبا- من طلَّق البتَّة ألزمناه ثلاثا، لا تحلُّ له حتَّى تنكح زوجًا غيره ". قال الدَّارَقُطْنِيُّ: إسماعيل بن أميَّة (4) كوفيٌّ، ضعيف الحديث (5).
ز: عثمان بن مطر: ضعَّفوه، وقال ابن حِبَّان: كان ممن يروي الموضوعات عن الأثبات، لا يحلُّ الاحتجاج به (1). وعبد الغفور هو: أبو الصبَّاح، الواسطيُّ، وهو متروكٌ، قال ابن حِبَّان: كان ممن يضع الحديث على الثقات (2) O. 2819 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا البيعويُّ ثنا داود بن رشيد ثنا أبو حفص الأبَّار عن عطاء بن السائب عن الحسن عن عليٍّ عليه السلام (3) قال: الخليَّة، والبريَّة، والبتَّة، والبائن، والحرام ثلاث، لا تحلُّ حتى تنكح زوجًا (4). قال المصنِّف: الحسن لم يسمع من عليٍّ. احتجُّوا: 2820 - بما رواه الترمذيُّ، قال: حدَّثنا هنَّاد ثنا قَبيصة عن جرير بن حازم قال: حدَّثني الزبير بن سعيد الهاشميُّ عن عبد الله بن عليِّ بن ركانة عن أبيه عن جدِّه قال: طلَّقت امرأتي البتَّة، فأتيت النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: يا رسول الله، إنِّي طلَّقت امرأتي البتَّة، قال: " ما أردت بهذا؟ ". قلت: واحدة. قال: " آلله؟ ". قلت: آلله. قال: " فهو ما أردت " (5).
ز: رواه أحمد (1) وأبو داود (2) وابن ماجة (3) من رواية جرير عن الزبير، وعندهم: عبد الله بن عليِّ بن يزيد بن ركانة. ورواه ابن حِبَّان (4). والزبير: تكلَّم فيه يحيى (5) والنسائيُّ (6) وغيرهما. وعبد الله: قال العُقيليُّ: لا يتابع على حديثه، إسناده مضطربٌ (7). وعليٌّ: قال البخاريُّ: لم يصح حديثُه (8) O. 2821 - طريق آخر: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا محمَّد بن يحيى بن مرداس ثنا أبو داود السجستانيُّ ثنا أحمد بن عمرو بن السرح وأبو ثور إبراهيم ابن خالد الكلبيُّ في آخرين قالوا: ثنا محمَّد بن إدريس الشافعيُّ قال: حدَّثني عمِّي محمَّد بن عليِّ بن شافع عن عبد الله بن عليِّ بن السائب عن نافع بن عجير ابن عبد يزيد عن ركانة أنَّه طلَّق امرأته سُهيمة البتَّة، فأخبر النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك، فقال: " والله ما أردت إلا واحدة؟ ". فقال: والله ما أردت إلا واحدة. فردَّها
مسألة (660): لا يصح طلاق المكره، ولا يمينه، ولا نكاحه.
إليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فطلَّقها الثانية في زمن عمر، والثالثة في زمن عثمان. قال أبو داود: هذا الحديث صحيحٌ (1). قلنا: قد قال أحمد: حديث ركانة ليس بشيءٍ. ز: قال أبو داود: سُئل أحمد عن حديث ركانة لا تثبته- أنه طلق امرأته البتَّة-؟ قال: لا، لأنَّ ابن إسحاق يرويه عن داود بن الحُصين عن عكرمة عن ابن عبَّاس أنَّ ركانة طلَّق امرأته ثلاثًا. وأهل المدينة يسمُّون الثلاث: البتَّة (2). وقال أحمد بن أصرم: سئل أبو عبد الله عن حديث ركانة في البتَّة، قال: ليس بشيءٍ (3). ذكره أبو بكر في " الشافي " O. ***** مسألة (660): لا يصحُّ طلاق المكره، ولا يمينه، ولا نكاحه. وقال أبو حنيفة: يصحُّ. لنا حديثان وأثرٌ: 2822 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا سعد بن إبراهيم ثنا أبي عن محمَّد بن إسحاق قال: حدَّثني ثور بن يزيد الكلاعيُّ عن محمَّد بن
عبيد المكِّيِّ عن صفيَّة بنت عثمان بن شيبة عن عائشة قالت: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا طلاق ولا عتاق في إغلاق " (1). [قال] (2) ابن قتيبة: الإغلاق: الإكراه على الطلاق والعتاق، وهو من: غلقت الباب، كأنَّ المكره أغلق عليه حتَى يفعل. ز: كذا فيه: (عن صفيَّة بنت عثمان بن شيبة)، والصواب: بنت شيبة بن عثمان. وقد روى هذا الحديث: أبو داود عن عبيد الله بن سعد الزهريِّ عن يعقوب بن إبراهيم عن أبيه (3). ومحمَّد بن عبيد هو: ابن أبي صالح، المكِّيُّ، سكن بيت المقدس، ضعَّفه أبو حاتم (4)، ووثَّقه ابن حِبَّان (5). ورواه ابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عبد الله بن نُمَير عن محمَّد ابن إسحاق عن ثورٍ عن عبيد بن أبي صالح عن صفيَّة به (6). كذا عنده، وهو وهمٌ، والصواب: (عن محمَّد بن عبيد). ورواه الحاكم، وقال: على شرطهما (7).
وهو خطأٌ من وجوه، منها: أنَّ محمَّدًا لم يرو له إلا أبو داود هذا الحديث، وعنده: (عن محمَّد بن عبيد بن صالح)، والصواب: ابن أبي صالح (1). وقد رواه أيضًا من رواية نعيم بن حمَّاد عن أبي صفوان الأمويِّ عن ثور ابن يزيد عن صفيَّة من غير ذكر محمَّد (2)، ونعيم: له مناكير. وقد فُسِّر الإغلاق بـ: الإكراه، كما تقدَّم. وفُسِّر أيضًا بـ: الغضب، قال أبو داود: أظنه الغضب (3). وقد نص الإمام أحمد على هذا التفسير في رواية حنبل (4). قال شيخنا: والصواب أنَّه يعمُّ الإكراه والغضب والجنون، وكلَّ أمر انغلق على صاحبه علمه وقصده، مأخوذٌ من: غلق الباب؛ بخلاف من علم ما يتكلَّم به وقصده وأراده، فإنَّه انفتح له بابه، ولم يغلق عليه، والله أعلم (5) O. 2823 - الحديث الثاني: قال سعيد بن منصور: ثنا خالد بن عبد الله عن هشام عن الحسن عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله عز وجل عفا لكم عن ثلاث: عن الخطأ، والنسيان، وما استكرهتم عليه " (6).
ز: هذا مرسلٌ، وقد رواه ابن عَدِيٍّ متصلاً، فقال: 2824 - ثنا حذيفة بن الحسن التنيسيُّ ثنا أبو أميَّة محمَّد بن إبراهيم ثنا جعفر بن جسر بن فَرْقد حدَّثني أبي عن الحسن عن أبي بكرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رفع الله عن هذه الأمة ثلاثًا: الخطأ، والنسيان، والأمر يكرهوا (1) عليه ". قال الحسن: قولٌ باللسان، فأمَّا اليد فلا (2). وجعفر وجسر: ضعيفان، وقال ابن عَدِيٍّ: البلاء من جعفر لا من جسر (3). وقد روي نحو هذا من حديث أبي ذرٍّ وعقبة بن عامر وابن عبَّاس وابن عمر، وقد ذكرت أسانيدها والكلام عليها في موضع آخر، والله أعلم O. وأمَّا الأثر: 2825 - فرواه سعيد بن منصور، قال: ثنا إبراهيم بن قدامة بن إبراهيم الجُمَحِيُّ قال: سمعت أبي- قدامة بن إبراهيم-: أنَّ رجلاً على عهد عمر بن الخطَّاب تدلَّى يشتار عسلا، فأقبلت امرأته، فجلست على الحبل، فقالت: لتطلقنَّها ثلاثًا، وإلا قطعت الحبل! فذكَّرها الله والإسلام، فأبت، فطلَّقها ثلاثًا، ثُمَّ خرج إلى عمر بن الخطَّاب، فذكر ذلك له، فقال: ارجع إلى أهلك، فليس هذا بطلاقٍ (4). ز: هذا منقطعٌ، فإنَّ قدامة بن إبراهيم الجُمَحِيَّ لم يدرك عمرَ رضي
الله عنه، إنَّما يروى عن: ابنه عبد الله بن عمر وسهل بن سعد وغيرهما من المتأخرين O. احتجُّوا بثلاثة أحاديث: 2826 - الحديث الأوَّل: قال الترمذيُّ: حدَّثنا قتيبة ثنا حاتم بن إسماعيل عن عبد الرحمن بن حبيب عن عطاء عن ابن ماهك عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثلاثٌ جدُّهنَّ جدٌ، وهزلهُنَّ جدٌّ: النكاج، والطلاق، والرجعة " (1). قال المصنِّف: عطاء هو: ابن عجلان، متروك الحديث. ز: هذا الذي قاله المؤلِّف خطأٌ، بل عطاء: ابن أبي رباح، أحد الأئمة. وقد روى أبو داود (2) وابن ماجة (3) هذا الحديث من رواية عبد الرحمن ابن حبيب، وهو: ابن أردك، وقال الترمذيُّ: حديثٌ حسنٌ غريبٌ. وأخرجه الحاكم، وقال: هذا حديثٌ صحيح الإسناد، وعبد الرحمن من ثقات المدنيين، ولم يخرجاه (4). وقال النسائيُّ: عبد الرحمن منكر الحديث (5). وذكره ابن حِبَّان في "الثقات" (6).
وقد رواه الحارثيُّ في " مسند أبي حنيفة " عن صالح عن الفضل بن العبَّاس عن محرز بن محمَّد عن الوليد بن مسلم عنه عن عطاء، ولا يثبت إلى الوليد. ورواه البغويُّ عن جدِّه عن أبي معاوية عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن عبادة بن الصامت بنحوه، مرفوعًا. وإسماعيل: ضعيفٌ. والحسن: لم يسمع من عبادة، والله أعلم O. 2827 - الحديث الثاني: قال الترمذيُّ: وأنا محمَّد بن عبد الأعلى ثنا مروان بن معاوية الفَزَارِيُّ عن عطاء بن عجلان عن عكرمة بن خالد المخزوميِّ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كلُّ الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه المغلوب على عقله ". قال الترمذيُّ: لا نعرفه من حديث عكرمة بن خالد إلا من رواية عطاء، وهو ضعيف، ذاهب الحديث (1). 2828 - الحديث الثالث: قال العُقيليُّ: حدَّثنا يحيى بن عثمان ثنا نُعيم ابن حمَّاد ثنا بقيَّة عن الغاز بن جبلة عن صفوان الأصم عن رجلٍ من أصحاب النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّ رجلاً كان نائمًا مع امرأته، ققامت فأخذت سكينًا، وجلست على صدره، ووضعت السكن على حلقه، وقالت له: طلِقني، أو لأذبحنَّك! فناشدها الله، فأبت، فطلَّقها ثلاثًا، فذكر ذلك لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " لا قيلولة في الطلاق " (2).
مسألة (661): الخلع فسخ.
قال البخاريُّ: صفوان الأصم (1) عن بعض أصحاب النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المكره حديثٌ منكرٌ، لا يتابع عليه (2) ***** مسألة (661): الخُلْع فسخٌ. وعنه: أنَّه طلاقٌ، كقول أبي حنيفة. وعن الشافعيِّ قولان. 2829 - قال سعيد بن منصور: حدَّثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن طاوس قال: سمعت إبراهيم بن سعد يسأل ابن عبَّاس عن رجل طلَّق امرأته تطليقتين، ثُمَّ اختلعت منه، فقال: ينكحها إن شاء، إنما ذكر الله الطلاق في أوَّل الآية وآخرها، والخُلْع فيما بين ذلك (3). احتجُّوا: 2830 - بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ، قال: حدَّثنا أبو الحسن عليُّ بن محمَّد المصريُّ ثنا عبد الله بن وهيب الغزيُّ ثنا محمَّد بن أبي السري ثنا روَّاد عن عبَّاد بن كثير عن أيُّوب عن عكرمة عن ابن عبَّاس أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جعل الخُلْع تطليقة بائنة (4).
2831 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا عبد الباقي بن قانع ثنا إبراهيم بن أحمد بن مروان ثنا إسماعيل بن يزيد البصريُّ ثنا هشام بن يوسف ثنا مَعْمَر عن عمرو بن مسلم عن عكرمة عن ابن عبَّاس أنَّ امرأة ثابت بن قيس اختلعت منه، فأمرها النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تعتدَّ بحيضة (1). قلنا: أمَّا الحديث الأوَّل: ففيه: عبَّاد بن كثير، قال أحمد: روى أحاديث كذب لم يسمعها (2). وقال يحيى: ليس بشيء في الحديث (3). وقال البخاريُّ (4) والنسائيُّ (5): متروكٌ. وفي الحديث الثاني: عمرو بن مسلم، ضعَّفه أحمد (6) ويحيى (7). 2831/أ - وقد رووا عن سعيد بن المسيَّب أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الخُلْع طلقة بائن ". قلنا: لا يصحُّ، ثُمَّ هو مرسلٌ، ثُمَّ نحمله على ما إذا نوى. ز: عبَّاد بن كثير هو: الثقفيُّ، البصريُّ، وقد تركوه، وقد أخطأ بعضهم، فقال: هو الرمليُّ.
وقد روى حديثه هذا: أبو يعلى الموصليُّ (1) وابن عَدِيٍّ (2) وغيرهما. وقال البيهقيُّ: كيف يصحُّ ذلك، وقد ذهب ابن عباس وعكرمة بخلافه (3)؟! وحديث هشام بن يوسف: رواه أبو داود (4) والترمذيُّ (5) جميعًا عن محمَّد بن عبد الرحيم البزَّاز عن عليِّ بن بحر القطَّان عنه، وقال الترمذيُّ: حديثٌ حسنٌ غريبٌ. ورواه الحاكم، وقال: هذا حديثٌ صحيحُ الإسناد، غير أنَّ عبد الرزاق أرسله عن مَعْمَر (6). وعمرو بن مسلم- راويه- هو: الجنَديُّ، اليماني، وقد روى له مسلمٌ حديثا (7)، ووثَّقه ابن حِبَّان (8)، وقال ابن معين في رواية: لا بأس به (9). وقال ابن عَدِيٍّ: ليس له حديث منكر جدًّا (10). وقال ابن حزم: ليس بشيءٍ. ورَدَّ هذا الحديث لأجله (11).
مسألة (662): المختلعة لا يلحقها الطلاق.
واعلم أن هذا الحديث إن كان ثابتًا فهو حجَّة لمن قال: الخُلْع ليس بطلاق، لأنَّه لو كان طلاقًا لم يعتد فيه بحيضة، فلا وجه لذكر المؤلِّف له في حجَّة من قال: إن الخُلْع طلاق. وقد رواه الخطيب من رواية المسنديِّ عن هشام وعَبْدَة، فجعل عدتها حيضة ونصفًا (1)، ولفظ: (النصف) غريبٌ، والله أعلم O. ***** مسألة (662): المختلعة لا يلحقها الطلاق. وقال أبو حنيفة: يلحقها صريح الطلاق ما دامت في العدَّة، ويلحقها من الكنايات: " اعتدِّي، واستبرئي، وأنت واحدة " دون بقيَّة الكنايات. لنا: قوله: " لا طلاق ولا عتاق فيما لا يملك ". وقد ذكرناه بإسنأده (2)، والمختلعة لا ملك له عليها. احتجُّوا: 2832 - بما روى أبو يوسف أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " المختلعة يلحقها الطلاق ما دامت في العِدَّة ".
قلنا: هذا حديثٌ موضوعٌ، لا أصل له. ز: 2833 - قال الشافعيُّ: أنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عبَّاس وابن الزبير أنَّهما قالا في المختلعة يطلقها زوجها، قالا: لا يلزمها طلاق، لأنَّه طلاق ما لا يملك (1). وبمعناه رواه الثوريُّ عن ابن جريج، وهو قول الحسن البصريِّ. قال الشافعيُّ: فسألته- يعني: بعض من يخالفه في هذه المسألة-: هل يروى في قوله خبرا؟ قال: فذكر حديثًا لا تقوم بمثله حجَّة عندنا ولا عنده. فقلت: هذا عندنا وعندك غير ثابتٍ (2). والظاهر أنَّ الحديث الذي ذكر له هو هذا الذي ذكره المؤلِّف ورَدَّه. وقال البيهقيُّ: أمَّا الخبر الذي ذكر له فلم يقع إلينا إسناده بعدُ، لننظر فيه، وقد طلبته من كتب كثيرة صنِّفت في الحديث فلم أجده، ولعله أراد ما روي عن فرج بن فَضَالة بإسناده عن أبي الدرداء من قوله، وفرج بن فَضَالة ضعيفٌ. أو ما روي عن رجلٍ مجهولٍ عن الضحَّاك بن مزاحم عن ابن مسعودٍ من قوله، وهو منقطعٌ وضعيفٌ (3). وقد ذكر ابن حزمٍ من رواية عليِّ بن المبارك عن يحيى بن أبي كثيٍر قال:
مسألة (663): إصابة الزوج الثاني شرط في إباحتها للأول، خلافا
كان عمران بن حُصين وابن مسعود يقولان في التي تفتدي من زوجها: يقع عليها الطلاق ما دامت في العِدَّة (1). وهو منقطع، والله أعلم O. مسألة (663): إصابة الزوج الثاني شرطٌ في إباحتها للأوَّل، خلافًا لابن المسيَّب وداود. 2834 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا عبد الأعلى (2) عن مَعْمَر عن الزهريِّ عن عروة عن عائشة قالت: دخلَتْ امرأة رفاعة القُرظيِّ وأنا وأبو بكر عند النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت: إنَّ رفاعة طلَّقني البتَّة، وإنَّ عبد الرحمن بن الزبير تزوَّجني، وإنَّما عنده مثل هُدْبة الثوب. وأخذت هدبة من جلبابها، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كأنَّك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟! لا، حتى تذوقي عسيلته، ويذوق عسيلتك " (3). أخرجاه في "الصحيحين" (4). *****
مسألة (664): إذا قال لزوجته: " أنت طالق إن شاء الله "= وقع
مسألة (664): إذا قال لزوجته: " أنت طالقٌ إن شاء الله "= وقعَ الطلاق، وكذا العتاق. وقال أبو حنيفة والشافعيُّ: لا يقع. لنا: 2835 - حديث ابن عمر: كنَّا أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نرى الاستثناء جائزا في كلِّ شيءٍ إلا في الطلاق والعتاق. ز: لم يذكر المؤلِّف لهذا الحديث إسنادًا، ومثلُ هذا لا يجوز الاحتجاج به، والله الموفِّق O. احتجُّوا بثلاثة أحاديث: 2836 - الحديث الأوَّل: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا يعقوب بن إبراهيم ثنا الحسن بن عرفة ثنا إسماعيل بن عيَّاش عن حميد بن مالك اللخميِّ عن مكحول عن معاذ بن جبل قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا معاذ، ما خلق الله شيئًا على وجه الأرض أحبّ إليه من العتاق، ولا خلق الله شيئًا على وجه الأرض أبغض إليه من الطلاق، فإذا قال الرجل لمملوكه: أنت حرٌّ إن شاء الله، فهو حرٌّ، ولا استثناء له، وإذا قال الرجل لامرأته: أنت طالق إن شاء الله، فله استثناؤه، ولا طلاق عليه " (1). 2837 - طريق آخر: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا عثمان بن أحمد الدَّقَّاق ثنا إسحاق بن إبراهيم بن سنين ثنا عمر بن إبراهيم بن خالد ثنا حميد بن عبد الرحمن بن مالك اللخميُّ ثنا مكحولٌ عن مالك بن يَخَامر (2) عن معاذ قال:
قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من طلَّق واستثنى فله ثنياه " (1). 2838 - الحديث الثاني: قال أبو أحمد بن عَدِيٍّ: حدَّثنا عبد الله بن محمَّد بن مسلم ثنا الحسين بن أبي سعيد العَسْقَلانيُّ ثنا آدم ثنا الجارود بن يزيد عن بَهز بن حَكيم عن أبيه عن جدِّه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا قال لامرأته: أنت طالق إلى سَنَة إن شاء الله، فلا حنث عليه " (2). 2839 - الحديث الثالث: قال ابن عَدِيٍّ: حدَّثنا إبراهيم بن إسماعيل ثنا عليُّ بن معبد بن نوح ثنا إسحاق بن أبي يحيى (3) عن عبد العزيز بن أبي روَّاد عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عبَّاس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من قال لامرأته: أنت طالق إن شاء الله، أو غلامه حرٌّ إن شاء الله، أو عليه المشي إلى بيت الله إن شاء الله، فلا شيء عليه " (4). والجواب: أمَّا الحديث الأوَّل: فإنَّ مكحولاً لم يلق معاذًا. وإسماعيل بن عيَّاش وحميد ومكحول كلُّهم ضعَافٌ. والثاني: فيه: حميد أيضًا. وفيه: عمر بن إبراهيم، قال الدَّارَقُطْنِيُّ: كان كذَّابًا، يضع الحديث (5). وأمَّا حديث بَهز بن حَكيم: فالمتهم به: الجارود، كان أبو أسامة يرميه بالكذب (6)،
وقال يحيى: ليس بشيءٍ (1). وقال أبو داود: غير ثقةٍ. وقال أبو حاتم الرازيُّ: كذَّابٌ، لا يكتب حديثه (2). وأمَّا حديث ابن عبَّاس: فلا يرويه إلا إسحاق بن أبي يحيى، قال ابن عَدِيٍّ: حدَّث عن الثقات بالمناكير (3). وقال ابن حِبَّان: لا يحلُّ الاحتجاج به (4). ز: هذه الأحاديث لم يخرِّج أحدٌ من أصحاب "السنن" منها شيئًا. والحديث الأوَّل: رواه أبو يعلى عن داود بن رُشيد عن إسماعيل (5)، وقال البيهقيُّ: هو حديثٌ ضعيفٌ، وحميد بن مالك مجهولٌ، ومكحول عن معاذ بن جبل منقطعٌ (6). وقد تكلَّم في حميد: ابن معين (7) وأبو زرعة (8) وأبو حاتم (9) وابن عَدِيٍّ (10) والأزديُّ (11)، وقال النسائيُّ: لا أعلم روى عنه غير إسماعيل بن عيَّاش (12).
وقد روى عنه غيره كما تقدَّم في رواية الدَّارَقُطْنِيِّ (1)، إلا أنَّه كذَّابٌ، والحمل في هذا الحديث على حميد، وأخطأ المؤلِّف في تضعيف مكحول، وكلذلك تضعيفه لإسماعيل لا وجه له هنا. وقد سقط في حديث ابن عباس بين عليِّ بن معبد بن نوح وبين إسحاق رجلٌ، وهو: علي بن معبد بن شدَّاد الكعبيُّ (2). وقال ابن عَدِيٍّ فيه: وهذا الحديث بإسناده منكر، ليس يرويه إلا إسحاق الكعبيُّ (3) O. *****
مسائل الظهار
مسائل الظهار مسألة (665): يصحُّ الظهار المؤقَّت، وتلزم الكفَّارة إن عزم على الوطء في المدَّة، وإن لم يعزم حتَّى مضت المدة فلا كفَّارة عليه. وقال مالك: يبطل التوقيت، ويتأبَّد التحريم. وعن الشافعيِّ كقولنا، وعنه لا يكون ظهارًا. 2840 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا يزيد بن هارون أنا محمَّد بن إسحاق عن محمَّد بن عمرو بن عطاء عن سليمان بن يسار عن سلمة بن صخر الأنصاريِّ قال: كنت امرأ أوتيت من جماع النساء ما لم يؤت غيري، فلما دخل رمضان، تظهرت (1) من امرأتي حتى ينسلخ رمضان، فَرَقا من أن أصيب في ليلتي شيئًا، فأتتابع في ذلك إلى أن يدركني النهار وأنا لا أقدر أن أنزع، فبينا هي تخدمني من الليل، إذ تكشف لي منها شيءٌ، فوثبت عليها، فلمَّا أصبحتُ غدوتُ على قومي، فأخبرتهم خبري، وقلت: انطلقوا معي إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبره بأمري. فقالوا: لا والله، لا نفعل، نتخوَّف أن ينزل فينا قرآن، أو يقول فينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقالة يبقى علينا عارها، ولكن اذهب أنت فاصنع ما بدا لك. قال: فخرجت حتَّى أتيت النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخبرته خبري، فقال لي: " أنت بذاك؟ ". فقلت: أنا بذاك. فقال: " أنت بذاك؟ ". فقلت: أنا بذاك. قال: " أنت بذاك؟ ". قلت: نعم، ها أنا ذا، فأمض فِيَّ حكم الله
عزَّ وجلَّ، فإني صابرٌ له. [قال:] (1) " فأعتق رقبة ". قال: فضربت صفحة رقبتي بيدي، وقلت: لا والذي بعثك بالحقِّ، ما أصبحت أملك غيرها. قال: " فصم شهرين ". قلت: يا رسول الله، وهل أصابني ما أصابني إلا في الصيام؟! قال: " فتصدق ". قلت: والذي بعثك بالحقِّ، لقد بتنا ليلتنا هذه وَحْشا (2)، ما لنا عشاء. قال: " اذهب إلى صاحب صدقة بني زريق، فقل له، فليدفعها إليك، فأطعم عنك منها وسقًا من تمر ستين مسكينا، ثُم استعن بسائرها عليك وعلى عيالك ". قال: فرجعت إلى قومي، فقلت: وجدت عندكم التضييق وسوء الرأي، ووجدت عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السعة والبركة، قد أمر لي بصدقتكم، فادفعوها إليَّ. فدفعوها إليَّ (3). ز: رواه الترمذيُّ عن غير واحد عن يزيد، وقال: قال محمَّد بن إسماعيل: سليمان لم يسمع عندي من سلمة (4). ورواه أبو داود (5) وابن ماجة (6) من حديث ابن إسحاق. ورواه أبو داود أيضًا عن أبي الظاهر بن السرح عن ابن وهب عن ابن لهيعة وعمرو بن الحارث كلاهما عن بكير بن الأشج عن سليمان بن يسار به O. *****
مسألة (666): اذا وطئ المظاهر قبل التكفير أثم، واستقرت الكفارة
مسألة (666): اذا وطئ المظاهر قبل التكفير أثم، واستقرَّت الكفَّارة في ذمته. وقال أبو حنيفة: لاتستقرُّ، فإن عزم على الوطء ثانيا أمرته بالكفَّارة كما أمرته قبل الوطء الأوَّل. لنا: أنَّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر سلمة بن صخر بالتكفير حين وطئ، على ما سبق. ***** مسألة (667): الإيمان شرطٌ في الكفَّارة. وعنه: أنَّه (1) شرطٌ في كفَّارة القتل، وأمَّا كفَّارة الظهار واليمين فلا، وهو قول أبي حنيفة. لنا حديثان: 2841 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا عبد الصمد ثنا حمَّاد ابن سلمة ثنا محمَّد بن عمرو عن أبي سلمة عن الشَّريد أنَّ أمَّه أوصت أن يعتق عنها رقبة مؤمنة، فسأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك، وقال: عندي جارية سوداء نُوبيَّة، أفأعتقها عنها؟ قال: " ائت بها ". قال: فدعوتها، فجاءت، فقال لها: " مَنْ ربُّك؟ ". قالت: الله. قال: " من أنا؟ ". قالت: أنت رسول الله. قال: " أعتقها فإنَّها مؤمنة " (2).
ز: رواه أبو داود (1) والنسائيُّ (2) من حديث حمَّاد، وقال أبو داود: خالد بن عبد الله أرسله، لم يذكر الشَّريد. ورواه أبو حاتم البُسْتِيُّ (3) والطبرانيُّ (4) كلاهما عن أبي خليفة عن أبي الوليد الطيالسيِّ عن حمَّاد. وهذا الحديث لا حجَّة فيه على اشتراط الإيمان في الرقبة في كلِّ كفَّارة، فإنَّ أمَّ الشَّريد إنَّما أوصت بعتق رقبة متَّصفة بالإيمان، لا مطلقة، والله أعلم O. 2842 - الحديث الثاني: قال أحمد: وحدَّثنا عبد الرَّزَّاق ثنا مَعْمَر عن الزهريِّ عن عبيد الله (5) بن عبد الله عن رجلٍ من الأنصار أنَّه جاء بأمة سوداء، فقال: يا رسول الله، إنَّ عليَّ رقبة مؤمنة، فإن كنت ترى هذه مؤمنة أعتقتها (6). فقال لها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أتشهدين أن لا إله إلا الله؟ ". قالت: نعم. قال: " أتشهدين أني رسول الله؟ ". قالت: نعم. قال: " أتؤمنين بالبعث بعد الوت؟ ". قالت: نعم. قال: " أعتقها " (7). ز: وهذا الحديث لا حجَّة فيه أيضًا، ولم أره في شيءٍ من " الكتب السِّتَّة "، ورواته أئمة، والله أعلم O. *****
مسألة (668): الطلاق بالرجال، فإن كان الرجل حرا فطلاقه ثلاث،
مسألة (668): الطلاق بالرجال، فإن كان الرجل حرًّا فطلاقه ثلاث، وإن كان عبدًا فاثنتان. وقال أبو حنيفة: يعتبر بالنساء. وقد رويت أحاديث في الطرفين كلُّها ضعاف: 2843 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا يوسف بن يعقوب ثنا إبراهيم بن عبد العزيز المقوم ثنا صُغدي بن سنان عن مظاهر بن أسلم عن القاسم بن محمَّد عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " طلاق العبد اثنتان، وقرء الأمة حيضتان " (1). قال يحيى بن سعيد: مظاهر ليس بشيء (2). مع أنه لا يعرف، وقال أبو حاتم الرازيُّ: هو منكر الحديث (3). ز: أخطأ المؤلِّف في قوله: (قال يحيى بن سعيد) فإنَّ قائل هذا الكلام هو: ابن معين، ورواه عنه إسحاق بن منصور (4). والمشهور في لفظ هذا الحديث: " طلاق الأمة ... " كما يأتي (5). وصُغدي بن سنان: ضعَّفه أبو حاتم (6) والنسائيُّ (7) والدَّارَقُطْنِيُّ (8)،
وقال عبَّاس عن يحيى: ليس بشيءٍ (1). وقال ابن عَدِيٍّ: يتبيَّن على حديثه ضعفه (2) O. 2844 - وقد روى بعض من نصر هذه المسألة (3) عن ابن عبَّاس عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " الطلاق بالرجال، والعِدَّة بالنساء ". وإنَّما هذا من كلام ابن عبَّاس. أمَّا حجَّتُهم: 2845 - فقال الترمذيُّ: حدَّثنا محمَّد بن يحيى النيسابوريُّ ثنا أبو عاصم عن ابن جريج ثنا مظاهر بن أسلم قال: حدَّثني القاسم عن عائشة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " طلاق الأمة تطليقتان، وعِدَّتها حيضتان " (4). قال المصنِّف: لا يعرف (5) هذا مرفوعًا إلا من حديث مظاهر، وقد سبق الجرح فيه. ز: روى هذا الحديث أيضًا: أبو داود (6) وابن ماجة (7) من حديث أبي عاصم عن ابن جريج. وقال أبو داود: هذا حديث مجهولٌ.
وقال الترمذيُّ: غريبٌ، لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث مظاهر بن أسلم، ومطاهر لا يعرف له في العلم غير هذا الحديث. وقال ابن عَدِيٍّ: ومظاهر يعرف بحديث أبي عاصم في طلاق الأمة، وقد ذكرنا له غيره، وإنَّما أنكروا عليه طلاق الأمة (1). وقال أبو بكر النيسابوريُّ: ثنا محمَّد بن إسحاق [قال:] (2) سمعت أبا عاصم يقول: لبس بالبصرة حديث أنكر من حديث مطاهر هذا (3). وقد روى الحاكم حديث مظاهر هذا، وصحَّحه (4)، وقد أخطأ في تصحيحه. وقال تلميذه البيهقيُّ: مظاهر رجلٌ مجهول، يعرف بهذا الحديث (5). وقد ضعَّف مظاهرًا أيضًا: النسائيُّ (6) وغيره، وذكره ابن حِبان في "الثقات" (7) فلم يصب. وقد روى أسامة بن زيد بن أسلم عن أبيه أنَّه كان جالسًا عند أبيه، فأتاه رسول الأمير، فأخبره أنَّه سأل القاسم بن محمَّد وسالم بن عبد الله عن ذلك، فقالا هذا، وقالا له: قل له إن هذا ليس في كتاب الله، ولا سنَّة رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن عمل به المسلمون. وهذا مختصرٌ مما ذكره البخاريُّ في "التاريخ" (1)، فدلَّ على أنَّ الحديث المرفوع غير محفوظٍ، والله أعلم O. 2846 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أبو حامد أحمد بن الحسين القاضي ثنا أحمد بن محمَّد بن عمر المنكدريُّ ثنا محمَّد بن رباح الجوزجانيُّ ومحمَّد بن صالح ابن سهل (2) قالا: ثنا صالح بن عبد الله الترمذيُّ ثنا سلم بن سالم عن ابن جريج عن نافع عن ابن عمر أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا كانت الأمة تحت الرجل، فطلَّقها تطليقتين، ثُمَّ اشتراها، لم تحلّ له حتَّى تنكح زوجًا غيره " (3). 2847 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا الحسين بن إسماعيل ثنا عليُّ بن شعيب ثنا عمر بن شبيب المُسْلي (4) ثنا عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن عن عطيَّة العوفيِّ عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " طلاق الأمة اثنتان، وعِدَّتها حيضتان " (5). قال المصنِّف: هذان حديثان (6) لا يثبتان: أمَّا الأوَّل: ففيه: سلم (7) بن سالم، كان ابن المبارك يكذِّبه (8)، وقال
يحيى: حديثه ليس بشيءٍ (1). وقال السعديُّ: لبس بثقةٍ (2). وأمَّا الثاني: فقال الدَّارَقُطْنِيُّ: تفرَّد به عمر بن شبيب مرفوعًا، وكان ضعيفًا، والصحيح عن ابن عمر من قوله (3). قال يحيى بن معين: عمر بن شييب ليس بشيءٍ (4). وقال أبو زرعة: واهي الحديث (5). ز: حديث سلم عن ابن جريج: لم يخرجوه. وأحمد بن محمَّد المنكدريُّ: له أفراد وعجائب. قاله الحاكم (6)، وقال السليمانيُّ: فيه نظرٌ. وقال الإدريسيُّ: دخل المنكدريُّ سمرقند، وحدَّث بها، ودوَّن من العجائب والإفرادات ما الله به عليم، ويقع في حديثه المناكير، وما أراها تقع من جهته، فإنَّ مثله لا يتعمد- إن شاء الله- الكذب. قال: وسألت محمَّد بن أبي سمعيد الحافظ السمرقنديَّ عنه، فرأيته حسن الرأي فيه. قال (7): وسمعته يقول: سمعت المنكدريَّ يقول: أناظر في ثلاثمائة ألف حديث. فقلت له: هل رأيت ابن عُقْدَة أحفظ من المنكدريِّ؟ قال: لا (8).
مسألة (669): الإطعام في الكفارة: لكل مسكين: مد من بر، أو
ومحمَّد بن صالح وابن رباح- شيخا المنكدريِّ -: ينظر فيهما. وحديث عطيَّة عن ابن عمر: رواه ابن ماجة عن محمَّد بن طريف وإبراهيم بن سعيد الجوهريِّ عن عمر بن شبيب (1). وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: هو منكرٌ، غير ثابتٍ من وجهين: أحدهما: أنَّ عطيَّة ضعيفٌ، وسالم ونافع أثبت منه، وأصحُّ رواية؛ والوجه الآخر: أنَّ عمر بن شبيب ضعيفٌ لا يحتجُّ بروايته، والله أعلم (2) O. ***** مسألة (669): الإطعام في الكفَّارة: لكلِّ مسكينٍ: مدٌّ من برٍّ، أو نصف صاعٍ من شعيرٍ أو تمرٍ. وقال أبو حنيفة: نصف صاعٍ من برٍّ، أو صاعٌ من تمرٍ أو شعيرٍ. وقال الشافعيُّ: مدٌّ من الجميع. 2848 - قال سعيد بن منصور: ثنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار قال: أدركت الناس وهم يعطون في طعام المساكين مدًّا مدًّا، ويرون أنَّ ذلك يجزئ عنهم. ز: هذا الأثر لا يحتجُّ بمثله في هذه المسألة، ولم يذكر المؤلِّف حجَّةً للقول الذي قدَّمه.
والصحيح أنَّ الإطعام في الكفَّارة غير مقدَّر بالشرع، بل يرجع (1) فيه إلى العرف، والله أعلم O. *****
مسائل اللعان
مسائل اللعان مسألة (670): الأمة تصير فراشا بالوطء، فما تأتي به من الأولاد يلحق به. وقال أبو حنيفة: لا يلحق به الولد إلا باعترافه. 2849 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا سفيان عن الزهريِّ عن عروة عن عائشة قالت: اختصم عبد بن زَمْعة وسعد بن أبي وقاص عند النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ابن أَمَةِ زَمْعة، فقال: يا رسول الله، أخي ابن أَمَةِ أبي، ولد على فراش أبي. وقال سعدٌ: أوصاني أخي إذا قدمت مكَّة فانظر ابن أَمَةِ زَمْعة فأقبضه، فإنَّه ابني. فرأى النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شبها "بَيِّنًا بعتبة، فقال: " هو لك يا عبد، الولد للفراش، واحتجبي منه يا سود" " (1). أخرجاه في "الصحيحين" (2). ***** مسألة (671): موجب قذف الزوج الحدُّ، وله إسقاطه عنه باللعان.
وقال أبو حنيفة: موجبه اللعان، ولا يجب الحدُّ إلا أن يكذِّب نفسه. 2850 - قال البخاريُّ: حدَّثني محمَّد بن بشَّار ثنا ابن أبي عَدِيٍّ عن هشام بن حسَّان ثنا عكرمة عن ابن عبَّاس أنَّ هلال بن أُمَيَّة قذف امرأته عند النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشريك بن سحماء، فقال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " البيِّنة أو حدٌ في ظهرك ". فقال: يا رسول الله، إذا رأى أحدنا على امرأته رجلاً، ينطلق يلتمس البيِّنة؟! فجعل النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " البيِّنة وإلا حدٌّ في ظهرك ". فقال هلال: والذي بعثك بالحقِّ إنِّي لصادقٌ، ولينزلنَّ الله ما يبرئ ظهري من الحدِّ، فنزل جبريل فأنزل عليه: (والَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ) حتى بلغ: (إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ) [النور: 6 - 9]. انفرد بإخراجه البخاريُّ (1). ***** مسألة (671/ب): العبد والذميُّ والمحدود في القذف من أهل اللعان في إحدى الروايتين، وهو قول الشافعيِّ. وفي الأخرى: ليس (2) من أهل اللعان، فإن قذفوا حُدُّوا ما لم تقم البيِّنة. لنا: قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ) [النور: 6]، وهذا عامٌّ في كلِّ زوجٍ.
احتجُّوا: 2851 - بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ، قال: ثنا عبد الرحمن بن سعيد بن هارون أنا محمَّد بن الحجاج بن نذير (1) ثنا عبد الرحيم بن سليمان عن عثمان بن عبد الرحمن الزهريِّ عن عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جدِّه عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أربعة ليس بينهم لعان: ليس بين الحرِّ والأمة لعانٌ، وليس بين العبد والحرَّة لعانٌ، وليس بين المسلم واليهوديَّة لعانٌ، وليس بين المسلم والنصرانيَّة لعانٌ " (2). 2852 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا أحمد بن محمَّد بن يزيد الزعفرانيُّ ثنا عليُّ ابن سعيد بن قتيبة ثنا ضمرة بن زمعة (3) عن ابن عطاء عن أبيه عن عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جدِّه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أربع من النساء لا ملاعنة بينهن (4): النصرانيَّة تحت المسلم، واليهوديَّة تحت المسلم، والمملوكة تحت الحرِّ، والحرَّة تحت المملوك " (5) 2853 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا الحسن بن أحمد بن سعيد ثنا محمَّد بن أبي فروة ثنا أبي ثنا عمَّار بن مطر ثنا حمَّاد بن عمرو عن زيد بن رفيع عن عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جدِّه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث عتَّاب بن أَسيد ... ثم ذكر نحوه (6). كذا قال الدَّارَقُطْنِيُّ.
والجواب: أمَّا الحديث الأوَّل: ففي إسناده عثمان بن عبد الرحمن الزهريُّ، قال يحيى (1) والبخاريُّ وأبو حاتم الر ازيُّ (2) وأبو داود: لبس بشيءٍ (3). وقال يحيى مرَّة: كان يكذب (4). وقال ابن حِبَّان: كان يروي عن الثقات الموضوعات، لا يجوز الاحتجاج به (5). وقال النَّسائيُّ (6) والدَّارَقُطْنِيُّ (7): متروك الحديث. والحديث الثاني: يرويه عثمان بن عطاء الخراسانيُّ، ضعَّفه يحيى (8) والدَّارَقُطْنِيُّ (9) وقال أبو حاتم الرازيُّ: لا يحتجُّ به (10). وقال عليُّ بن الجُنيد: متروكٌ (11). وقال ابن حِبَّان: لا يجوز الاحتجاج به (12). قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وقد تابعه يزيد بن بزيع عن عطاء وهو ضعيفٌ أيضًا،
وقد روى هذا الحديث الأوزاعي وابن جريج- وهما إمامان- عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه قوله، ولم يرفعه إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1). وأمَّا الحديث الثالث: ففيه عمَّار بن مطر، قال أبو حاتم الرازيُّ: كان يكذب (2). وقال ابن عَدِيٍّ: أحاديثه بواطيل، وهو متروك الحديث (3). وفيه: حمَّاد بن عمرو، قال يحيى: كان يكذب ويضع الحديث (4). وقال الساجيُّ: أجمعوا على أنَّه متروك الحديث (5). وفيه: زيد بن رفيع، وقد ضعَّفه النَّسائيُّ (6) والدَّارَقُطْنِيُّ (7). ز: روى حديث عثمان بن عطاء الخراسانيِّ عن أبيه: ابنُ ماجة عن محمَّد بن يحيى عن حيوة بن شُريح الحضرميِّ عن ضَمرة بن ربيعة عنه (8). وقد وهم المؤلِّف في نقل كلام البخاريِّ وأبي حاتم في عثمان بن عبد الرحمن الوقاصيِّ كما بيَّنَّا ذلك في الكلام على حديث: " لا يحرم الحرام الحلال " (9). وزيد بن رفيع إنَّما قال فيه النَّسائيُّ: ليس بالقويِّ (1)، كما ذكره المؤلِّف
مسألة (672): لا يصح اللعان على نفي الحمل.
في "الضعفاء" (1). 2854 - وقال ابن عَدِيٍّ: ثنا القاسم بن عليٍّ الجوهريُّ ثنا يحيى بن عثمان بن صالح ثنا يحيى بن بكير حدَّثني يحيى بن صالح الأيليُّ عن إسماعيل بن أميَّة عن عطاء عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا عتَّاب بن أَسيد إنِّي قد بعثك على أهل مكَّة، فانههم عن كذا ... فذكر الحديث، وفيه: أربعة ليس بينهم ملاعنة: اليهوديَّة تحت المسلم، والنصرانيَّة تحت المسلم، والعبد عنده الحرَّة، والحرُّ عنده الأمة " (2). قال البيهقي: وهذا الحديث بهذا الإسناد باطلٌ، ويحيى بن صالح الأيليُّ أحاديثه غير محفوطة (3) O. ***** مسألة (672): لا يصحُّ اللعان على نفي الحمل. وقال مالكٌ والشافعيُّ: يلاعن لنفي الحمل. احتجُّوا: 2855 - بما رواه الإمام أحمد قال: حدَّثنا وكيع ثنا عبَّاد بن منصور عن عكرمة عن ابن عبَّاس أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاعن بالحمل (4).
2856 - قال أحمد: وحدَّثنا يزيد ثنا عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عبَّاس أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاعن بين هلال بن أميَّة وامرأته، وفرَّق بينهما، وقضى أن لا يدعى ولدها لأبٍّ، ولا يرمى ولدها، ومن رماها أو رمى ولدها (1) فعليه الحدُّ. قال عكرمة: وكان بعد ذلك أميرًا على مصر، وكان يدعى لأمِّه، وما يدعى لأبٍّ (2). والجواب: أمَّا الحديث الأوَّل: فقد أنكره أحمد، وقال: إنَّما وكيع أخطأ، فقال: لاعن بالحمل، وإنما لاعن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما جاء فشهد بالزنا، ولم يلاعن بالحمل. وهذا جواب الحديث الثاني. ز: حديث يزيد بن هارون: رواه أبو داود عن الحسن بن عليٍّ عنه (3). وعبَّاد بن منصور: وثَّّقه يحيى القطَّان (4)، وقال ابن معين: ليس بشيءٍ (5). وقال ابن الجنيد: قدريٌّ متروكٌ (6). وقال أبو حاتم الرازيُّ: كان ضعيف الحديث، يكتب حديثه، ونرى أنَّه أخذ هذه الأحاديث عن ابن أبي (7)
مسألة (673): لا تقع فرقة اللعان إلا: بلعانهما، وتفريق الحاكم.
يحيى عن داود بن الحصن عن عكرمة عن ابن عبَّاس (1). وقال أبو الحارث: سئل أبو عبد الله عن حديث عبَّاد بن منصور عن عكرمة أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاعن بالحمل. قال: هذا باطلٌ، إنَّما قال: " إن جاءت به كذا وكذا ... ". وقال: عبَّاد عن عكرمة ليس بشيءٍ، عبَّاد ضعيفٌ وأحاديثه مناكير. وقال الميمونيُّ: قالوا لأبي عبد الله: فلاعن- يعنون رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالحمل؟ قال: لا. ثم قال: بلغني أنَّ ابن أبي شيبة أخرجه في كتابه (2)، أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاعن بالحمل، وهذا خطأٌ بيِّنٌ! وأقبل يتعجَّب من إخراجه، ومن خطائه في هذا، ثم قال: إنَّما الأحاديث التي جاعت عنه أنَّه قال: " لعله أن تجيء به كذا، فإن جاءت به كذا فهو كذا " وليس فيه أنَّه لاعن O. ***** مسألة (673): لا تقع فرقة اللعان إلا: بلعانهما، وتفريق الحاكم. وعنه: تقع بلعانهما، وهو قول مالك. وقال الشافعيُّ: يقع الفراق بلعان الزوج وحده. 2857 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا أبو كامل ثنا إبراهيم بن سعد ثنا ابن شهاب عن سهل بن سعد أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاعن بين عويمر وبين امرأته، فقال عويمر: إن انطلقت بها يا رسول الله لقد كذبت عليها! قال: ففارقها قبل أن يأمره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فصارت سُنَّة المتلاعنين (3). 2858 - قال أحمد: وحدَّثنا ابن إدريس ثنا ابن إسحاق عن الزهريِّ
عن سهل بن سعد قال: لما لاعن أخو بني العجلان امرأته، قال: يا رسول الله، ظلمتها إن أمسكتها! هي الطلاق، وهي الطلاق، وهي الطلاق (1). فوجه الدليل من ثلاثة أوجه: أحدها: أنَّه قال: (إن انطلقت بها لقد كذبت عليها) فاعتقد أنه يجوز له إمساكها، وأقرَّه الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ذلك، فدلَّ على أن الفرقة لم تقع. والثاني: أنَّه طلقها ثلاثا، ولو كانت الفرقة قد حصلت لم يقع الطلاق. والثالث: قوله: (فكانت سنة المتلاعنين) فأخبر على أنَّ السُّنَّة استقرَّت على أنَّه يحتاج إلى التفرقة. ز: حديث سهل: مخرَّجٌ في "الصحيحين" من رواية مالك (2) وغير واحد (3) عن الزهريِّ. وحديث ابن إسحاق عن الزهريِّ: لم يخرجوه. والأوجه الثلاثة التي ذكرها المؤلِّف فيها نظرٌ، والله أعلم O. 2859 - وقال الإمام أحمد: حدَّثنا يحيى بن سعيد ثنا عبد الملك بن أبي
مسألة (674): فرقة اللعان تقع مؤبدة.
سليمان قال: سمعت سعيد بن جبير قال: سألت ابن عمر، فقلت: المتلاعنان أيفرق بينهما؟ فقال: لاعن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينهما، ثم فرَّق بينهما (1). أخرجاه في "الصحيحين" (2). فإن قيل: ففي "الصحيحين" من حديث ابن عمر أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: " لا سبيل لك عليها ". قلنا: إنَّما ظنَّ أنَّ له المطالبة بالمهر، ولهذا قال في تمام الحديث: أنَّه لما قال له: " لا سبيل لك عليها "، قال: يا رسول الله، مالي! قال: " لا مال لك، إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها، وإن كنت كذبت عليها فذلك أبعد لك منها ". ***** مسألة (674): فرقة اللعان تقع مؤبدة. وعنه: إذا لاعن امرأته وأكذب نفسه جلد، وردت إليه امرأته، وهو قول أبي حنيفة.
لنا: حديث ابن عمر: " لا سبيل لك عليها ". وهذا عام، كذب نفسه أو لم يكذب. 2860 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أبو بكر النيسابوريُّ ثنا يونس بن عبد الأعلى ثنا ابن وهب عن عياض بن عبد الله الفِهْريِّ عن ابن شهاب عن سهل بن سعد قال: حضرت المتلاعنين عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فطلَّقها ثلاث تطليقات عند رسول الله، فأنفذه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان ما صُنع عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَّةً، فمضت السُّنَّة بعد في المتلاعنين يفرَّق بينهما، ثم لا يجتمعان أبدًا (1). ز: رواه أبو داود عن ابن السرح عن ابن وهب به (2) O. 2861 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا محمَّد بن أحمد بن الحسن ثنا محمَّد ابن عثمان ثنا فروة بن أبي المغراء ثنا أبو معاوية عن محمَّد بن زيد عن سعيد بن جبير عن ابن عمر عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: المتلاعنان إذا تفرَّقا لا يجتمعان أبدًا (3). ز: هذا إسنادٌ جيِّدٌ، ولم يخرجوه، والله أعلم O. 2862 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا أحمد بن محمَّد بن سعيد ثنا الحسن ابن عتبة بن عبد الرحمن ثنا عبد الرحمن بن هانئ عن عاصم (4) عن زِرٍّ عن عليٍّ وعبد الله قالا: مضت السُّنَّة أن لا يجتمع المتلاعنان (5).
ز: عبد الرحمن هو: أبو نعيم النخعيُّ، وقد جرحه أحمد ويحيى وغيرها (1). وشيخ ابن عقدة ينظر فيه (2)، والله أعلم O. *****
مسائل العدد
مسائل العدد مسألة (675): الأقراء: الحِيض. وعنه: الأطهار، كقول مالك والشافعيِّ. لنا: قوله عليه السلام: " طلاق الأمة طلقتان، وعدَّتها حيضتان ". وقد سبق بإسناده (1). ***** مسألة (676): المبتوتة لا سكنى لها ولا نفقة. وعنه: لها السكنى، كقول مالك والشافعيِّ. وقال أبو حنيفة: لها السكنى والنفقة. 2863 - قال مسلمُ بن الحجاج: حدَّثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن عبد الله بن يزيد- مولى الأسود بن سفيان- عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس أنَّ أبا عمرو بن حفص طلَّقها البتة وهو غائبٌ، فأرسل إليها وكليله بشعير، فتسخطته، فقال: والله، ما لك علينا من شيء.
فجاءت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكرت ذلك له، فقال: " ليس لك عليه نفقة ". وأمرها أن تعتدَّ في بيت أمِّ شريك، ثم قال: " تلك امرأة يغشاها أصحابي، اعتدِّي عند ابن أمِّ مكتوم، فإنَّه رجلٌ أعمى " (1). انفرد بإخراجه مسلمٌ. 2864 - وقال الإمام أحمد: حدَّثنا عفَّان ثنا عبد الواحد ثنا الحجَّاج بن أرطأة ثنا عطاء عن ابن عبَّاس قال: حدَّثتني فاطمة بنت قيس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يجعل لها سكنى، ولا نفقة (2). 2865 - قال أحمد: وحدَّثنا يحيى بن سعيد ثنا مجالد ثنا عامر قال: قدمت المدينة فأتيت فاطمة بنت قيس، فحدَّثتني أنَّ زوجها طلَّقها على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبعثه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سرية، قالت: فقال لي أخوه: أخرجي من الدار. فقلت: إن لي نفقة وسكنى حتَّى يحلَّ الأجل. قال: لا. قالت: فأتيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: إن فلانًا طلَّقني، وإن أخاه أخرجني، ومنعني السكنى والنفقة. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنما النفقة والسكنى للمرأة على زوجها ما كانت له عليها رجعة، فإذا لم يكن له عليها رجعة، فلا نفقة ولا سكنى" (3). ز: حديث الحجاج: لم يخرجوه. وحديث مجالد: رواه مسلم مقرونًا بجماعة بنحوه (4).
والحجَّاج ومجالد: فيهما كلام، والله أعلم O. احتجُّوا: 2866 - بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ، قال: حدَّثنا عثمان بن أحمد الدَّقَّاق ثنا عبد الملك بن محمَّد أبو قِلابة ثنا أبي ثنا حرب بن أبي العالية عن أبي الزبيرعن جابر عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " المطلَّقة ثلاثًا لها السكنى والنفقة " (1). 2867 - وقال الترمذيُّ: حدَّثنا هنَّاد ثنا جرير عن مغيرة عن الشعبيِّ قال: قالت فاطمة بنت قيس: طلَّقني زوجي ثلاثًا على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا سكنى لك، ولا نفقة ". قال مغيرة: فذكرته لإبراهيم، فقال: [قال] (2) عمر: لا ندع كتاب الله (3)، وسنَّة نبيِّنا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لقول امرأةٍ، لا ندري أحفظت أو نسيت! وكان عمر يجعل لها السكنى والنفقة (4). والجواب: أمَّا الحديث الأوَّل: ففيه: حرب بن أبي العالية، قال يحيى بن معين: هو ضعيفٌ (5). وأمَّا الثاني: فإنَّ إبراهيم لم يدرك عمر.
وقد رواه جماعة أنَّ عمر قال: (لا نترك كتاب الله) ولم يقل: (سنة نبيه)، وهو أصحُّ، ثم لا نقبل قول الصحابي إذا صحَّ عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضده. ز: الحديث الأوَّل: لم يخرجوه. وحرب: روى له مسلمٌ (1)، ووثَّقه يحيى- في رواية الدُّوريِّ (2) -، وضعَّفه- في رواية ابن أبي خيثمة (3) -. والأشبه وقف الحديث على جابر. وحديث الشعبيِّ: رواه مسلمٌ من رواية غير واحد عنه (4). وقال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل- ذكر له قول عمر: لا ندع كتاب ربِّنا وسنَّة نبينا- قلت: يصح هذا عن عمر؟ قال: لا. ذكره في "المسائل" (5). وقال ابن أبي حاتم: سُئل أبي عن حديث عمر: لا ندع كتاب ربِّنا وسنَّة نبيِّنا ... ، فقال: الحديث ليس بمتصلٍ. فقيل له: حديث الأسود عن عمر؟ قال: رواه عمَّار بن رزيق عن أبي إسحاق وحده، ولم [يتابع] (6) عليه (7) O. *****
مسألة (677): المبتوتة لا تلزمها العدة في بيت زوجها، خلافا لأبي
مسألة (677): المبتوتة لا تلزمها العدَّة في بيت زوجها، خلافًا لأبي حنيفة والشافعيِّ. لنا: أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر فاطمة بنت قيس أن تعتدَّ عند ابن أمِّ مكتوم، على ماسبق (1). ***** مسألة (678): البائن يجوز لها أن تخرج من بيتها في حوائجها نهارًا. وقال أبو حنيفة: لا تخرج إلا لعذر ملجئ. وعن الشافعيِّ كالمذهبين. 2868 - قال النَّسائيُّ: أخبرنا عبد الحميد بن محمَّد ثنا مخلد ثنا ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال: طُلقت خالته، فأرادت أن تخرج إلى نخل لها، فلقيت رجلاً فنهاها، فجاءت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " اخرجي فجُدِّي نخلك، لعلَّك أن تصدَّقي، وتفعلي معروفا " (2). فوجه الحجَّة: أنَّ النخل كان خارج المدينة، والجداد بالنهار. ز: هذا الحديث رواه مسلمٌ من رواية غير واحد عن ابن جريج (3)، والله أعلم O. *****
مسائل الرضاع
مسائل الرضاع مسألة (679): لا يثبت تحريم الرضاع إلا بخمس (1) رضعات. وعنه: بواحدة، كقول أبي حنيفة ومالك. وعنه: بثلاث، كقول داود. 2869 - قال الترمذيُّ: حدَّثنا اسحاق بن موسى الأنصاريُّ ثنا مَعْن ثنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر (2) عن عَمْرة عن عائشة قالت: أنزل في القرآن عشر رضعات معلومات، فنسخ من ذلك خمس، وصار إلى خمس رضعات، فتوفي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والأمر على ذلك (3). 2870 - وقال الإمام أحمد: حدَّثنا معتمر (4) عن أيُّوب عن ابن أبي مُلكية عن ابن الزبير عن عائشة أنَّ نبيَّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تحرم المصَّة ولا المصَّتان " (5). انفرد بإخرجه مسلمٌ (6).
ز: حديث مالك: رواه مسلمٌ عن يحيى بن يحيى عنه (1). وحديث [ابن] (2) الزبير عن عائشة: رواه ابن حِبَّان في كتاب " الأنواع والتقاسيم " (3)، ورواه من رواية ابن الزبير عن أبيه مرفوعًا (4)، ومن رواية ابن الزبير عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (5)، وقال: لست أنكر أن يكون ابن الزبير سمع هذا الخير من النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسمعه من أبيه وخالته عائشة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمرة أدّى ما سمع، ومرة روى عنهما، وهذا شيء مستفيض في الصحابة (6). كذا قال، وهو بعيد. قال الترمذيُّ: روى غير واحد هذا الحديث عن هشام عن أبيه عن ابن الزبير عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وروى محمَّد بن دينار عن هشام عن أبيه عن ابن الزبير عن الزبير (7)، وهو غير محفوظ. والصحيح (8) حديث ابن أبي مليكة عن ابن الزبير عن عائشة (9) O. *****
مسألة (680): مدة الرضاع حولان.
مسألة (680): مدَّة الرضاع حولان. وقال أبو حنيفة: سنتان ونصف. وقال مالك: سنتان وشيء. ولم يحدّه. وقال زفر: ثلاث سنين. 2871 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا الحسين بن إسماعيل ثنا أبو الوليد بن بُرْد الأنطاكيُّ ثنا الهيثم بن جميل ثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا رضاع إلا ما كان في الحولين ". قال الدَّارَقُطْنِيُّ: لم يسنده عن ابن عيينة غير الهيثم، وهو ثقةٌ حافظٌ (1). 2872 - قال: وحدَّثنا البيعويُّ ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا طلحة بن يحيى عن يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله عن ابن عبَّاس كان يقول: لا رضاع بعد حولين كاملين (2). ز: هذا الحديث لم يخرجوه. وأبو الوليد بن برد هو: محمَّد بن أحمد بن الوليد بن برد، وثَّقه الدَّارَقُطْنِيُّ (3)، وقال النسائيُّ: صالحٌ (4). والهيثم بن جميل: وثَّقه الإمام أحمد (5) والعِجْلِيُّ (6) وابن حِبَّان (7)
وغير واحد، وكان من الحفَّاظ، إلا أنَّه واهمٌ في رفع هذا الحديث، فإنَّ الصحيح وَقْفُه على ابن عبَّاس، رواه سعيد بن منصور عن سفيان موقوفًا. وقال ابن عَدِيٍّ في هذا الحديث: يعرف بالهيثم بن جميل عن ابن عيينة مسندًا، وغير الهيثم يُوقِفه على ابن عبَّاس (1) O. *****
مسائل النفقات
مسائل النفقات مسألة (681): نفقة الزوجات غير مقدَّرة شرعًا، إنَّما هو بحسب الكفاية، وذلك معتبر بحال الزوجين. وقال الشافعيُّ: هي مقدرة، وتختلف باختلاف حال الزوج، فعلى الموسر مُدَّان، وعلى المتوسط مُدٌّ ونصفٌ، وعلى الفقير مُدٌّ. 2873 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا سفيان عن هشام عن أبيه عن عائشة أنَّ هندًا قالت: يا رسول الله، إنَّ أبا سفيان رجلٌ شحيحٌ، وليس لي إلا ما يدخل بيتي؟ قال: " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " (1). أخرجاه في "الصحيحين " (2). ***** مسألة (682): الإعسار بنفقة الزوجة يٌثبت لها حقَّ الفسخ. وقال أبو حنيفة: لا يملك حقَّ الفسخ، بل يرفع يده عنها. 2874 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا عبد الباقي بن قانع (3) ثنا أحمد بن
عليٍّ الخزَّاز ثنا إسحاق بن إبراهيم (1) ثنا إسحاق بن منصور ثنا حمَّاد بن سلمة عن عاصم بن بَهْدَلة عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته- قال: " يفرِّق بينهما " (2). ز: هذا الحديث لم يخرجه أحدٌ من أصحاب "الكتب السِّتَّة"، وهو حديثٌ منكرٌ، وإنَّما يعرف هذا من كلام سعيد بن المسيَّب، كذا رواه سعيد بن منصور، وقيل لابن المسيَّب: سُنَّة قال: يُشبه (3) O. آخر كتاب النكاح، ولله الحمد والمنة (4). *****
كتاب الجنايات
كتاب الجنايات مسألة (683): لا يقتل المسلم بالكافر. وقال أبو حنيفة: يقتل بالذِّمِّي. لنا ثلاثة أحاديث: 2875 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا سفيان عن مطرِّف عن الشعييِّ عن أبي جُحَيْفة قال: سألتُ عليًّا عليه السلام (1): هل عندكم من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيءٌ بعد القرآن؟ قال: لا والذي فلق الحبَّة وبرأ النسمة، إلا فهم يؤتيه الله عز وجل رجلاً في القرآن، أو ما في هذه الصحيفة. قلت: وما في الصحيفة؟ قال: العقل، وفكاك الأسير، ولا يقتل مسلم بكافر (2). انفرد بإخراجه البخاريُّ (3). 2876 - طريق آخر: قال أحمد: وحدَّثنا يحيى ثنا سعيد بن أبي عروبة ثنا قتادة عن الحسن عن قيس بن عبَّاد قال: انطلقت أنا والأشتر إلى عليٍّ عليه السلام (4)، فقلنا: هل عهد إليك نبيُّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئًا لم يعهده إلى الناس عامة؟
قال: لا، إلا ما في كتابي هذا. قال: وكتاب في قراب سيفه، فإذا فيه: المؤمنون تتكافأ دماؤهم، وهم يدٌ على من سواهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، ألا لا يقتل مؤمنٌ بكافرٍ، ولا ذو عهدٍ في عهده (1). ز: رواه أبو داود (2) والنَّسائيُّ (3) من رواية يحيى عن سعيد، وإسناده صحيح O. 2877 - الحديث الثاني: قال أحمد: وحدَّثنا هاشم بن القاسم ثنا محمَّد ابن راشد الخزاعيُّ عن سليمان بن موسى عن عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جدِّه أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى أن لا يقتل مسلمٌ بكافرٍ (4). ز: رواه أبو داود عن مسلم بن إبراهيم عن محمَّد بن راشد، ولفظه: لا يقتل مؤمن بكافر (5). وهو حديث حسن O. 2878 - الحديث الثالث: قال النَّسائيُّ: أخبرنا أحمد بن حفص بن عبد الله قال: حدَّثني أبي قال: حدَّثني إبراهيم عن عبد العزيز بن رفيع عن عبيد بن عمير عن عائشة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يحلُّ قتل مسلمٍ إلا في إحدى ثلاث خصال: زانٍ محصن فيرجم؛ ورجل يقتل مسلمًا متعمِّدًا؛ ورجلٌ
يخرج من الإسلام فيحارب الله ورسوله، فيقتل، أو يصلب (1)، أو ينفى من الأرض " (2). ز: رواه أبو داود عن محمَّد بن سنان الباهليِّ عن إبراهيم بن طَهْمَان بنحوه (3)، ورواه النَّسائيُّ أيضًا عن العبَّاس بن محمَّد الدوريِّ عن أبي عامر العقديِّ عن إبراهيم (4). وهو حديثٌ صحيحٌ على شرط الصحيح O. احتجُّوا: 2879 - بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ، قال: حدَّثنا الحسن بن أحمد بن سعيد الرهاويُّ أخبرني سعيد بن [محمَّد] (5) الرهاويُّ أن عمَّار بن مطر حدَّثهم قال: ثنا إبراهيم بن محمَّد الأسلميُّ عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن ابن البَيْلَمَانِيِّ عن ابن عمر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قتل مسلمًا بمعاهد، وقال: " أنا أكرم من وفَّى بذمته ". قال الدَّارَقُطْنِيُّ: لم يسنده غير إبراهيم بن أبي يحيى، وهو متروك الحديث، والصواب عن ربيعة عن ابن البَيْلَمَانِيِّ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسل، وابن البَيْلَمَانِيِّ ضعيفٌ، لا تقوم به حجَّة إذا وصل الحديث، فكيف بما يرسله؟! والله أعلم (6).
قال المصنِّف: أمَّا إبراهيم بن أبي يحيى: فقال مالك بن أنس ويحيى بن سعيد وابن معين: هو كذَّابٌ (1). وقال أحمد (2) والبخاريُّ (3): ترك الناس حديثه. وأمَّا ابن البَيْلَمَانِيِّ: فاسمه: عبد الرحمن، وقد ضعَّفوه (4). قال أحمد: من حكم بحديث ابن البَيْلَمَانِيِّ فهو عندي مخطئٌ، وإن حكم به حاكمٌ، فرفع إلى حاكم آخر ردَّه (5). قال أبو عبيد القاسم بن سلام: ليس في حديث (6) ابن البَيْلَمَانِيِّ مسند، ولا يجعل مثله إمامًا يسفك به دماء المسلمين (7). قال: وقد قال عبد الرحمن بن زياد (8): قلت لزفر: إنكم لتقولون (9): إنَّا ندرأ الحدود بالشبهات، وإنَّكم جئتم إلى أعظم الشبهات فأقدمتم عليها! فقال: ما هو؟ فقلت: المسلم يقتل بالكافر. قال: فاشهد أنت على رجوعي
عن هذا. ز: قال البيهقي: حديث عمَّار بن مطر هذا خطأٌ من وجهين: أحدهما: وصله بذكر ابن عمر فيه، وإنَّما هو عن ابن البَيْلَمَانِيِّ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً. والآخر: روايته عن إبراهيم عن ربيعة، وإنَّما يرويه إبراهيم عن ابن المنكدر، والحمل فيه على عمَّار بن مطر الرهاويِّ، فقد كان يقلب الأسانيد، ويسرق الأحاديث، حتَّى كثر ذلك في رواياته، وسقط عن حدِّ الاحتجاج به. 2880 - أنا أبو سعيد بن أبي عمرو ثنا أبو العبَّاس محمَّد بن يعقوب ثنا الحسن بن عليِّ بن عفَّان ثنا يحيى بن آدم ثنا إبراهيم بن أبي يحيى عن محمَّد بن المنكدر عن عبد الرحمن بن البَيْلَمَانِيِّ أنَّ رجلاً من المسلمين قتل رجلاً من أهل الكتاب، فرفع إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنا أحق من وفَّى بذمته ". ثم أمر به فقتل. هذا هو الأصل في هذا الباب، وهو منقطعٌ، وراويه غير ثقةٍ. ئم قال: وقد روي عن ربيعة عن عبد الرحمن بن البَيْلَمَانِيِّ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً ... - ثم ذكر ذلك بإسناده، ثم قال:- ويقال: إنَّ ربيعة إنَّما أخذه عن إبراهيم بن محمَّد بن أبي يحيى، والحديث يدور عليه. قال أبو عبيد: بلغني عن ابن أبي يحيى أنَّه قال: أنا حدَّثت ربيعة بهذا الحديث. وقال عليُّ بن المدينيِّ: حديث ابن البَيْلَمَانِيِّ (أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قتل مسلمًا بمعاهد) هذا إنَّما يدور على ابن أبي يحيى، ليس له وجه حجاج، إنَّما أخذه عنه. وقال صالح بن محمَّد الحافظ: عبد الرحمن بن البَيْلَمَانِيِّ حديثُه منكرٌ،
وروى عنه ربيعة أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قتل مسلمًا بمعاهد، وهو مرسلٌ منكرٌ (1). 2881 - وقد روى أبو داود في "المراسيل " عن محمَّد بن داود بن أبي ناجية الإسكندرانِيِّ عن ابن وهبٍ عن سليمان بن بلال عن ربيعة عن عبد الرحمن ابن البَيْلَمَانِيِّ أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتي برجلٍ من المسلمين قتل معاهدًا من أهل الذمَّة، فقدَّمه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فضرب عنقه، وقال: " أنا أولى من وفَّى بذمته ". قال ابن وهب في تفسيره: أنَّه قتله غيلة (2). ورواه الطحاوي عن ابن مرزوق عن أبي عامر عن سليمان بن بلال، ورواه أيضًا عن سليمان بن شعيب عن يحيى بن سلام عن محمَّد بن أبي حميد المدنِيِّ عن ابن المنكدر مرسلاً (3)، وإسناده ضعيفٌ. وقول المؤلِّف في عبد الرحمن بن البَيْلَمَانيِّ: (ضعَّفوه) فيه نظرٌ، فإنَّ بعض الأئمة وثَّقه، وضعَّفه غير واحد منهم، وإنَّما اتفق الأئمة على تضعيف ابنه محمَّد. وقوله: (قال عبد الرحمن بن زياد: قلت لزفر) خطأٌ، والصواب: عبد الواحد بن زياد، وراوي هذه القصَّة عنه عبد الرحمن بن مهدي، والله أعلم O. وقد ذكروا في التعاليق أنَّ الذي قتله رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالذمِّي: عمرو بن أميَّة الضمريُّ، وعمرو عاش بعد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سنين!
قالوا: فقد قَتل عليٌّ مسلمًا بكافرٍ. قلنا: ليس كذا الحديث، إنما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ: 2882 - قال: حدَّثنا أحمد بن محمَّد بن سعيد [نا محمَّد بن أحمد] (1) ابن الحسن ثنا محمَّد بن عديس ثنا يونس بن أرقم عن شعبة عن الحكم عن حسين بن ميمون عن أبي الجنوب قال: قال عليٌّ: من كانت له ذمتنا فدمه كدمائنا. قال الدَّارَقُطْنِيُّ (2) والرازيُّ (3): وأبو الجنوب ضعيفٌ. ثم نحمله على أنَّ دمه محرمٌ كتحريم دمائنا. ز: 2883 - قال الشافعيُّ: أنا محمَّد بن الحسن أنا قيس بن الربيع الأسديُّ عن أبان بن تغلب عن الحسن بن ميمون عن عبد الله بن عبد الله مولى بني هاشم عن أبي الجنوب الأسديِّ قال: أُتي عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه برجل من المسلمين قتل رجلاً من أهل الذمَّة، قال: فقامت عليه البيِّنة، قأمر بقتله، فجاء أخوه، فقال: إنِّي قد عفوت. قال: فلعلهم هدَّوك وفرقوك؟ قال: لا، ولكن قَتْله لا يردُّ عَلَيَّ أخي، وعوَّضوني فرضيت. قال: أنت أعلم، من كان له ذمتنا فدمه كدمنا، وديته كديتنا (4). كذا قال: (حسن) والصواب: حسين بن ميمون- كما تقدَّم-،
مسألة (684): لا يقتل حر بعبد.
وهو: الخِنْدفيُّ، قال عليُّ بن المدينيِّ: ليس بمعروفٍ، قَلَّ من روى عنه (1). وقال أبو زرعة: شيخٌ (2). وقال أبو حاتم: ليس بقويٍّ في الحديث، يكتب حديثه (3). وذكره البخاريُّ في "الضعفاء" (4)، وابن حِبَّان في "الثقات" وقال: ربَّما أخطأ (5). وقال الشافعيُّ: وفي حديث أبي جُحيفة عن عليٍّ رضي الله عنه ما دلكم أنَّ عليًّا لا يروي عن النبيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئًا ويقول بخلافه (6) O. ***** مسألة (684): لا يقتل حرٌّ بعبدٍ. وقال أبو حنيفة: يقتل بعبدِ غيره. وقال داود: يقتل بعبده. لنا ثلاثة أحاديث: 2884 - الحديث الأوَّل: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا عبد الصمد بن عليٍّ ثنا السريُّ بن سهل ثنا عبد الله بن رشيد ثنا عثمان البريُّ عن جُويبر عن الضحَّاك عن ابن عبَّاس أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يقتل حرٌّ بعبدٍ " (7).
ز: هذا الحديث لم يخرجوه، ولا يجوز الاحتجاج به، لأنَّ الضحَّاك لم يسمع من ابن عبَّاس- قاله النَّسائيُّ (1) وغيره-، ولأنَّ جُويبر متروكٌ- قاله الدَّارَقُطْنِيُّ (2) وغيره-، وعثمان بن مقسم البريُّ كذَّبه يحيى (3) وغيره. وقال البيهقيُّ في هذا الإسناد: ضعيفٌ (4) O. 2885 - الحديث الثاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا أبو عبيد القاسم بن إسماعيل ثنا سلم بن جنادة ثنا وكيع عن إسرائيل عن جابر عن عامر قال: قال عليٌّ عليه السلام (5): من السُّنَّة أن لا يقتل مسلمٌ بكافرٍ، ومن السُّنَّة أن لا يقتل حرٌّ بعبدٍ (6). ز: جابر هو: الجعفيُّ، وهو غير محتجٍّ به. والشعبيُّ لم يصرح بالسماع من عليٍّ في هذا، فكأنه منقطعٌ، وقد قيل: إنه لم يسمع منه شيئًا، والله أعلم. 2886 - وقد قال سعيد بن منصور: ثنا جرير عن منصور عن الحكم عن عليٍّ وعبد الله رضي الله عنهما في الحرِّ يقتل العبد، قالا: القود (7). وهذا منقطعٌ.
2887 - الحديث الثالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا الحسين بن الحسن الأنطاكيُّ ثنا محمَّد بن عبد الحكم الرمليُّ ثنا محمَّد بن عبد العزيز الرمليُّ ثنا إسماعيل بن عيَّاش عن الأوزاعيِّ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه أنَّ رجلاً قتل عبده متعمدًا، فجلده النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مائة جلدة، ونفاه سنةً، ومحا سهمه من المسلمين، ولم يقده (1) به، وأمره أن يعتق رقبة (2). قال المصنِّف: جُويبر وعثمان البريُّ (3) وجابرٌ- هو الجعفيُّ- وإسماعيل ابن عيَّاش كلُّهم ضعفاء. ز: كذا وجدت في نسختين مقابلتين بأصل المؤلِّف: (الحسين بن الحسن الأنطاكيُّ ثنا محمَّد بن عبد الحكم) وذلك خطأٌ، والصواب: الحسين ابن الحسين الأنطاكيُّ ثنا محمَّد بن الحكم الرمليُّ (4). وقال البيهقيُّ في هذا الحديث: إسناده ضعيفٌ، لا تقوم به حجَّةٌ (5). وقد رواه الطحاويُّ فقال: ثنا ابن أبي داود ثنا محمَّد بن عبد العزيز الواسطيُّ ثنا إسماعيل بن عيَّاش ثنا الأوزاعيُّ عن عمرو ... فذكره (6).
وابن أبي داود هو: إبراهيم بن سليمان البُرُلّسيُّ. ومحمَّد بن عبد العزيز هو: الرمليُّ، المعروف بـ " ابن الواسطيِّ "، روى عنه البخاريُّ في "صحيحه" (1)، وذكره ابن حِبَّان في "الثقات" وقال: ربَّما خالف (2). وقال أبو زرعة: ليس بقويٍّ (3). وقال أبو حاتم: كان عنده غرائب، ولم يكن عندهم بالمحمود، وهو إلى الضعف ما هو (4). وقال يعقوب بن سفيان: كان حافظًا (5). والمشهور في هذا الحديث ما رواه إسماعيل بن عيَّاش عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن عمرو، كذلك رواه أبو بكر بن أبي شيبة الحافظ الثبت عن إسماعيل. وإسحاق: متروك الحديث O. احتجُّوا: 2888 - بما رواه الإمام أحمد، قال: حدَّثنا يزيد بن هارون أنا هشام عن الحسن (6) عن سَمُرة بن جُندب عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من كيل عبده قتلناه،
ومن جدع عبده جدعناه " (1). والجواب من وجهين: أحدهما: أنَّ هذا الحديث مرسلٌ، لأنَّ الحسن لم يسمع من سَمُرة، قال أبو حاتم بن حِبَّان الحافظ: لم يشافه الحسن سَمُرة (2). والثاني: أنَّ هذا على وجه الوعيد، وقد يتواعد بما لا يفعل، كما قال: " من شرب الخمر في الرابعة فاقتلوه ". هذا مذهب ابن قتيبة (3)، وهو الصحيح. ز: هذان الوجهان فيهما نظر، بل الثاني ضعيفٌ جدًّا. وقد روى هذا الحديث أصحاب " السنن الأربعة " من رواية قتادة عن الحسن (4). وقال الترمذيُّ: حديثٌ حسنٌ غريبٌ. وفي رواية بعضهم: ثم إنَّ الحسن نسي هذا الحديث، فكان يقول: لا يقتل حرٌّ بعبدٍ. قال البيهقيُّ: يشبه أن يكون الحسن لم ينس الحديث، لكن رغب عنه
مسألة (685): لا يقتل الأب بابنه.
لضعفه، وأكثر أهل العلم بالحديث رغبوا عن رواية الحسن عن سَمُرة (1). وقال البيهقيُّ في حديثٍ آخر من رواية الحسن عن سَمُرة: هذا إسنادٌ صحيح، ومن أثبت سماع الحسن البصري من سمرة بن جندب عدَّه موصولاً، ومن لم يثبته فهو مرسلٌ جيِّدٌ (2) O. ***** مسألة (685): لا يقتل الأب بابنه. وقال مالك: إذا أضجعه فذبحه قتل به. وقال داود: يقتل [به] (3) بكل حال. لنا أربعة أحاديث: 2889 - الحديث الأول: قال الإمام أحمد: حدَّثنا أبو سعيد مولى بني هاشم ثنا عبد الله بن لهيعة ثنا عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه أنَّ رسول الله (4) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يقاد والد من ولده " (5).
ز: كذا فيه: (عن ابن لهيعة ثنا عمرو). وابن لهيعة لا يحتجُّ به، ولم يخرج أحد من أهل "السنن" حديثه هذا، وقد قال أبو حاتم الرازيُّ: لم يسمع ابن لهيعة من عمرو بن شعيب شيئًا (1). وقد رواه الدَّارَقُطْنِيُّ في " الأفراد " من رواية محمَّد بن جابر اليماميِّ عن يعقوب بن عطاء بن أبي رباح عن عمرو (2). ومحمَّد ويعقوب: لا يحتجُّ بهما، والله أعلم O. 2890 - الحديث الثاني: قال الترمذيُّ: حدَّثنا أبو سعيد الأشجُّ ثنا أبو خالد الأحمر عن حجَّاج بن أرطأة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه عن عمر بن الخطَّاب قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا يقاد الوالد بالولد " (3). ز: رواه ابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي خالد الأحمر (4). وقال يحيى بن معين في حجَّاج: صدوقٌ، ليس بالقويِّ، يدلِّس عن محمَّد بن عبيد الله العرزميِّ عن عمرو بن شعيب (5). وقال ابن المبارك: كان الحجَّاج يدلِّس، فكان يحدِّثنا بالحديث عن عمرو بن شعيب مما يحدِّثه العرزميُّ، والعرزميُّ متروكٌ لا نقر به (6).
وقد روى البيهقيُّ نحوه من رواية ابن عجلان عن عمرو (1)، وصحَّح إسناده (2) O. 2891 - الحديث الثالث: قال الترمذيُّ: وحدَّثنا عليُّ بن حُجْر قال: ثنا إسماعيل بن عيَّاش قال: حدَّثني المثنَّى بن الصبَّاح عن عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جدِّه عن سُراقة بن مالك قال: حضرت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقيد الأب من ابنه، ولا يقيد الابن من أبيه (3). ز: كذا رواه الترمذيُّ بهذا اللفظ، ورواه البيهقيُّ بعكس هذا اللفظ من رواية حجَّاج عن عمرو عن أبيه عن جدِّه عن عمرو (4). قال التزمذيُّ في حديث سراقة: لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وليس إسناده بصحيح، المثنَّى يضعَّف. وقد روى هذا الحديث أبو خالد- يعني الأحمر- عن الحجَّاج عن عمرو عن أبيه عن جدِّه عن عمرو (5) عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وروي عن عمرو بن شُعيب مرسلٌ، وهذا الحديث فيه اضطرابٌ (6) O. 2892 - الحديث الرابع: قال الترمذيُّ: حدَّثنا محمَّد بن بشار ثنا ابن أبي عَدِيٍّ عن إسماعيل بن مسلم عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عبَّاس
مسألة (686): تقتل الجماعة بالواحد.
عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يقتل الوالد بالولد " (1). قال المصنِّف: ابن لهيعة والحجَّاج وإسماعيل بن مسلم كلُّهم ضعفاء. ز: رواه ابن ماجة عن سُويد بن سعيد عن عليِّ بن مُسهر عن إسماعيل ابن مسلم (2). وقال الترمذيُّ: لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث إسماعيل بن مسلم المكيِّ، وقد تكلَّم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه (3). وقد رواه المعمريُّ عن عقبة بن مكرم عن أبي حفص التمَّار عن عبيد الله ابن الحسن العنبريِّ عن عمرو. ورواه أيضًا سعيد بن بشير عن قتادة عن عمرو بن دينار موصولاً O. ***** مسألة (686): تقتل الجماعة بالواحد. وعنه: لا يقتلون، كقول داود. 2893 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا محمَّد بن مخلد ثنا موسى بن إسحاق ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا يحيى بن سعيد (4) عن يحيى بن سعيد (5) عن سعيد
مسألة (687): يجب القتل بالمثقل إذا كان مما يقصد به القتل غالبا.
ابن المسيَّب أن إنسانًا قتل بصنعاء، وأن عمر قَتَل به سبعة نفر، وقال: لو تمالأ عليها (1) أهل صنعاء لقتلتهم به (2). ز: 2894 - قال البخاريُّ في " الصحيح ": وقال لي ابن بشَّار: ثنا يحيى عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أنَّ غلامًا قُتِل غيلة، فقال عمر: لو اشترك فيها أهل صنعاء لقتلتهم. وقال مغيرة بن حكيم عن أبيه أنَّ أربعة قتلوا صبيًّا، فقال عمر: ... مثله (3) O. ***** مسألة (687): يجب القتل بالمثقل إذا كان مما يقصد به القتل غالبا. وقال أبو حنيفة: لا يجب، إلا فيما له حدٌّ. لنا حديثان: 2895 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا وكيع ثنا همَّام بن يحيى عن قتادة عن أنس بن مالك أنَّ يهوديًّا رضخ رأس امرأة بين حجرين، فقتلها، فرضخ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأسه بين حجرين (4). أخرجه البخاريُّ ومسلمٌ في "الصحيحين" (5).
2896 - الحديث الثاني: قال أحمد: وحدَّثنا عبد الرزاق أنا ابن جريج أنا عمرو بن دينار أنَّه سمع طاوسًا يخبر عن ابن عبَّاس عن عمر أنَّه نشد قضاء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الجنين، فجاء (1) حمل بن مالك بن النابغة، فقال: لكنت بين امرأتين، فضربت إحداهما الأخرى بمسطح، فقتلتها وجنينها، فقضى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في جنينها بغرَّة، وأن تقتل بها (2). ز: رواه أبو داود (3) والنَّسائيُّ (4) وابن ماجة (5) وأبو حاتم البُسْتِيُّ (6) من حديث ابن جريج. وقد روي عن طاوس عن عمر من غير ذكر ابن عباس O. احتجُّوا بستَّة أحاديث: 2897 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا محمَّد بن جعفر ثنا شعبة عن أيُّوب عن القاسم بن ربيعة يحدِّث عن عبد الله بن عمرو أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن قتيل الخطأ شبه العمد: قتيل السوط والعصا، فيه مائة، منها أربعون في بطونها أولادها " (7). 2898 - الحديث الثاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا عثمان بن أحمد ثنا إسحاق بن سُنين ثنا خالد بن مرداس ثنا مُعلَّى بن هلال عن أبي إسحاق عن
عاصم بن ضَمْرة عن عليٍّ عليه السلام (1) قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا قود في النفس وغيرها إلا بحديدة " (2). 2899 - الحديث الثالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا محمَّد بن أحمد بن أسد ثنا أبو الأحوص القاضي ثنا نُعيم بن حمَّاد ثنا بقيَّة عن أبي معاذ عن الزهريِّ عن سعيد بن المسيَّب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا قود إلا بالسيف " (3). 2900 - الحديث الرابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا عثمان بن أحمد الدَّقَّاق قال: ثنا أيُّوب بن سليمان الصُغْدِيُّ ثنا المسيَّب بن واضح ثنا بقيَّة عن أبي معاذ عن عبد الكريم بن أبي المُخَارِق عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا قود إلا بسلاح " (4). 2901 - الحديث الخامس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا عليُّ بن إبراهيم ابن حمَّاد ثنا أحمد (5) بن يحيى الحلوانيُّ ثنا سعيد بن سليمان ثنا سليمان بن كثير عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قتل في عمياء، أو رميا بحجر، أو بسوط، أو عصا، فعقله عقل الخطأ " (6). 2902 - الحديث السادس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن بهلول ثنا جدِّي ثنا وكيع عن سفيان عن جابر عن أبي
عازب عن النعمان بن بشير عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " كلُّ شيء خطأ، إلا السيف، وفي كلِّ خطأ أرشٌ " (1). 2903 - طريق آخر: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أبو عبيد القاسم بن إسماعيل ثنا محمَّد بن عبد الله بن يزيد ثنا شَبابة ثنا ورقاء عن جابر [عن] (2) مسلم بن أراك عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كلُّ شيء خطأ، إلا ما كان بحديدة، ولكل خطأ أرش " (3). والجواب: أمَّا الحديث الأوَّل: فمضطرب الإسناد، يرويه القاسم بن ربيعة، فتارة يقول: عن يعقوب بن أوس؛ وتارة يقول: عن عقبة بن أوس عن رجل من أصحاب النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وتارة يقول: عن عبد الله بن عمرو عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وتارة يقول: عن ابن عمر بن الخطَّاب. ثم نحمله على العصا الصغيرة، لوجهين: أحدهما: أنَّ اسم العصا لا يتناول إلا ما صغر ودقَّ. والثاني: أنَّه قرنه بالسوط. وأمَّا حديث عليٍّ: فجوابه من وجهين: أحدهما: أنَّه يرويه مُعلَّى بن هلال، قال يحيى بن معين: كان يضع الحديث (4).
والثاني: أنَّه لو صحَّ كان معناه: لا قود يستوفى إلا بحديدة، وهي رواية لنا. وكذلك حديث أبي هريرة وابن مسعود، على أن راويهما أبو معاذ واسمه: سليمان بن أرقم، وهو متروكٌ بإجماعهم. وقد روي مثل حديث أبي هريرة عن: أبي بكرة والنعمان بن بشير، وراويهما مبارك بن فضالة، وكان أحمد لا يعبأ به (1). وحديث ابن عبَّاس في الخطأ. وأما حديث النعمان الثاني والثالث: فيرويهما جابر الجُعْفِيُّ، وقد اتَّفقوا على تكذيبه. ز: حديث القاسم بن ربيعة عن عبد الله بن عمرو: رواه النَّسائيُّ عن محمَّد بن بشَّار عن عبد الرحمن عن شعبة به (2). وعن محمَّد بن إسماعيل بن إبراهيم عن يونس عن حمَّاد بن سلمة عن أيُّوب بنحوه مرسلا، ليس فيه عبد الله (3). ورواه ابن ماجة عن محمَّد بن بشَّار عن عبد الرحمن ومحمَّد بن جعفر كلاهما عن شعبة به (4). وقد رواه أبو داود (5) والنَّسائيُّ (6) وابن ماجة (7) من رواية القاسم عن
ابن عمر، ورواه (1) أيضًا من رواية القاسم عن عقبة بن أوس عن ابن عمرو (2)، وفي إسناده اختلاف كثير. وعقبة بن أوس: وثَّقه ابن سعد (3) والعجليُّ (4) وابن حِبَّان (5)، وقال ابن خزيمة: عقبة بن أوس رجل من أهل البصرة، قد رواه عنه محمَّد بن سيرين مع جلالته. والقاسم: وثَّقه ابن المدينيِّ (6) وأبو داود (7) وابن حِبَّان (8). وحديث عليٍّ: لم يخرجوه، وقال البيهقيُّ: لم يثبت إسناده، ومعلَّى بن هلال الطحَّان متروكٌ (9). 2904 - وقال الطحاويُّ: ثنا محمَّد بن خزيمة ثنا يوسف بن عَدِيٍّ ثنا شَريك عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضَمرة عن عليٍّ قال: شبه العمد: بالعصا، والحجر الثقيل، وليس فيهما قود (1). وحديث أبي هريرة وابن مسعود: لم يخرجهما أحدٌ من أصحاب
"السنن". وقد روى ابن عَدِيٍّ حديث أبي هريرة عن عمر بن سنان عن ابن مصفَّى عن بقيَّة عن سليمان عن الزهريِّ عن أبي سلمة عنه (1). كذا قال: (عن أبي سلمة) وقال غيره: (عن ابن المسيَّب) كما تقدَّم. وسليمان هو: ابن أرقم، وهو متروكٌ. وحديث ابن عبَّاس: رواه أبو داود عن محمَّد بن أبي غالب (2)، ورواه النَّسائيُّ عن هلال بن العلاء بن هلال، كلاهما عن سعيد بن سليمان به (3). ورواه النَّسائيُّ أيضًا عن محمَّد بن معمر عن محمَّد بن كثير عن أخيه سليمان بن كثير بنحوه، وقال: يرفعه (4). ورواه ابن ماجة عن محمَّد بن معمر به (5). وإسناده جيِّدٌ، لكن قد روي مرسلاً. وأما حديث النُّعمان بن بشير فهو في "المسند" وغيره، وقد اختلف في إسناده ولفظه. 2905 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا وكيع ثنا سفيان عن جابر عن أبي عازب عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لكلِّ شيء خطأ إلا
السيف، ولكلِّ خطأ أرش " (1). ورواه عن أحمد بن عبد الملك عن زهير عن جابر (2). 2906 - وقال أبو داود الطيالسيُّ: ثنا قيس عن جابر الجُعْفِيِّ عن أبي عازب عن النعمان بن بشير عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا قود إلا بحديدة " (3). كذا أتى به قيس بن الربيع. 2907 - وقال الطحاويُّ: ثنا إبراهيم بن مرزوق ثنا أبو عاصم ثنا سفيان الثوريُّ عن جابر عن أبي عازب عن النعمان قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا قود إلا بالسيف " (4). رواه ابن ماجة عن إبراهيم بن المستمر العُروقي البصري عن أبي عاصم النبيل به (5). 2908 - ورواه أبو شيبة إبراهيم بن عثمان عن جابر الجُعْفِيِّ عن أبي عازب عن أبي سعيد الخدريِّ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " القود بالسيف، والخطأ على العاقلة ". وأبو شيية: غير محتجٍّ به. وأبو عازب: ليس بمعروفٍ، واسمه: مسلم بن عمرو. قاله أبو حاتم (6) وغير واحدٍ، وقال غيرهم: اسمه مسلم بن أراك، كما تقدَّم تسميته
بذلك في رواية ورقاء عن جابر (1). 2909 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا محمَّد بن سليمان النعمانيُّ ثنا الحسين ابن عبد الرحمن الجرجرائي ثنا موسى بن وداعة (2) عن مبارك عن الحسن قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا قود إلا بالسيف ". قال يونس: قلت للحسن: عمن أخذت هذا؟ قال: سمعت النعمان بن بشير يذكر ذلك (3). قال البيهقيُّ: وقيل: عن مبارك بن فضالة عن الحسن عن أبي بكرة مرفوعًا: أخبرناه أبو بكر بن الحارث الأصبهانيُّ أنا أبو محمَّد بن حيَّان ثنا إسحاق ابن حكيم ثنا أبو أميَّة الطرسوسيُّ ثنا الوليد بن مسلم ثنا مبارك بن فضالة ... فذكره. قال: ومبارك بن فضالة لا يحتجُّ به (4). وقد روى حديث مبارك عن الحسن عن أبي بكرة أيضًا: ابن ماجة عن إبراهيم بن المستمر العروقي عن الحرِّ بن مالك العنبريِّ عنه (5). وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: حدَّثني أبي ثنا هُشيم أنا الأشعث- قال: قلت له: يا أبا معاوية، من أشعث؟ قال: ابن عبد الملك- عن الحسن قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا قود إلا بحديدة " (6).
مسألة (688): إذا أمسك رجلا (4) وقتله آخر، حبس الممسك،
كذا رواه مرسلاً، وهو أشبه بالصواب. وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث رواه أبو أميَّة الطرسوسيُّ (1) عن الوليد بن محمَّد بن صالح الأيليُّ عن مبارك بن فضالة عن الحسن عن أبي بكرة قال: قال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا قود إلا بالسيف ". قال أبي: هذا حديث منكر (2). وقول المؤلف: (وأما حديث النعمان الثاني والثالث: فيرويهما جابر الجُعفيُّ وقد اتَّفقوا على تكذيبه) خطأ، فإنهم لم يتفقوا على ذلك، وقد قال المؤلف في موضع- واحتج فيه بحديث جابر الجُعفِيِّ، واعترض عليه بتضعيفه-: (والجواب: أما جابرٌ الجُعْفِيُّ: فقد وثَّقه الثوريُّ وشعبة، وناهيك بهما!) (3) فكيف يقول هذا، ثم يحكي الاتفاق؟! ولا معنى لقوله: (الثاني والثالث)، والله أعلم O. ***** مسألة (688): إذا أمسك رجلاً (4) وقتله آخر، حبس الممسك، وقتل القاتل. وعنه: يقتلان، كلقول مالك.
2910 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا الحسن بن أحمد بن صالح الكوفيُّ ثنا إبراهيم بن محمَّد بن إبراهيم (1) الصيرفيُّ ثنا عبدة بن عبد الله الصفَّار ثنا أبو داود الحفريُّ عن سفيان الثوريِّ عن إسماعيل بن أميَّّة عن نافع عن ابن عمر عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا أمسك الرجلُ الرجلَ وقتله الآخر، يقتل الذي قتل، ويحبس الذي أمسك " (2). ز: هذا الحديث لم يخرجوه، وقال البيهقيُّ: هذا غير محفوظ (3). وقال أبو الحسن بن القطَّان: هو عندي صحيح (4). وقول البيهقيِّ أصحُّ من قول ابن القطان، والصواب ما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ قال: " 2911 - ثنا أبو عبيد ثنا سلم بن جنادة ثنا وكيع عن سفيان عن إسماعيل بن أميَّة قال: قضى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في رجل أمسك رجلاً وقتله الآخر، قال: " يقتل القاتل، ويحبس الممسك " (5). هذا هو المحفوظ، وقد قيل: عن إسماعيل بن أميَّة عن سعيد بن المسيَّب عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ O. *****
مسألة (689): لولي الدم أن يعفو عن القود إلى الدية من غير رضى
مسألة (689): لولي الدم أن يعفو عن القود إلى الدِّية من غير رضى الجاني. وقال أبو حنيفة: ليس له ذلك إلا برضا الجاني. 2912 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا يعقوب ثنا أبي عن ابن إسحاق قال: حدَّثني سعيد بن أبي سعيد المقبريُّ عن أبي شريح الخزاعيِّ أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال يوم فتح مكة: " من قتل بعد مقامي هذا، فأهله بخير النظرين: إن شاؤوا فدم قاتله، وإن شاؤوا فعقله " (1). 2913 - طريقٌ آخرٌ: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أبو عبيد القاسم بن إسماعيل ثنا الحسن بن أحمد بن أبي شعيب ثنا محمَّد بن سلمة عن محمَّد بن إسحاق عن الحارث بن الفضيل عن سفيان بن أبي العوجاء عن أبي شريح الخزاعيِّ قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من أصيب بدم أو خبل - والخبل عرج- فهو بالخيار بين إحدى ثلاث، فإن أراد الرابعة فخذوا على يديه: بين أن يقتص، أو يعفو، أو يأخذ العقل، فان قبل شيئًا من ذلك، ثُمَّ عدا بعد ذلك، فله النار خالدًا فيها مخلدا " (2). ز: رواه أبو داود عن موسى عن حمَّاد عن ابن إسحاق عن الحارث به (3).
مسألة (690): الواجب بقتل العمد أحد شيئين: القصاص، أو
ورواه ابن ماجة عن عثمان بن أبي شيبة عن أبي خالد الأحمر، وعن عثمان عن جرير بن عبد الحميد وعبد الرحيم بن سليمان، كلهم عن ابن إسحاق بإسناده نحوه (1). والحارث: ثقةٌ، روى له مسلمٌ في "صحيحه" (2). وسفيان بن أبي العوجاء هو: أبو ليلى الحجازيُّ، لم يرو له إلا أبو داود وابن ماجة هذا الحديث الواحد، قال البخاريُّ: في حديثه نظرٌ (3). وقال أبو حاتم: ليس بالمشهور (4). وقال الحاكم أبو أحمد: حديثه ليس بالقائم (5). وذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثقات" (6)، والله أعلم O. ***** مسألة (690): الواجب بقتل العمد أحد شيئين: القصاص، أو الدِّية. وعنه: الواجب القود فحسب، كلقول أبي حنيفة ومالك. وعن الشافعيِّ كالروايتين.
وفائدة الخلاف: أنه إذا عفا مطلقا تثبت الدِّية على الرواية الأولى، ولم ثثبت على الثانية. لنا ثلاثة أحاديث: الحديث الأوَّل: حديث أبي شريح المتقدِّم. 2914 - الحديث الثاني: قال الإمام أحمد: حدَّثنا الوليد ثنا الأوزاعيُّ ثنا يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من قتل له قتيل فهو بخير النظرين: إما أن يفدى، وإما أن يقتل " (1). أخرجاه في "الصحيحين" (2). 2915 - الحديث الثالث: قال أحمد: وحدَّثنا أبو النضر ثنا محمَّد بن راشد ثنا سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من قتل متعمدا دفع إلى أولياء المقتول، فإن شاؤوا قتلوه، وإن شاؤوا أخذوا الدية " (3). ز: رواه أبو داود (4) والترمذيُّ (5) وابن ماجة (6) من رواية محمَّد بن راشد، وقال الترمذيُّ: حديثٌ حسنٌ غريبٌ O. *****
مسألة (691): يجري القصاص في كسر السن، كما يجري في قلعها،
مسألة (691): يجري القصاص في كسر السنِّ، كما يجري في قلعها، خلافا للشافعيَّة. 2916 - أخبرنا محمَّد بن عبد الباقي البزَّاز أنا إبراهيم بن عمر البرمكيُّ أنا عبد الله بن إبراهيم بن ماسي أنا أبو مسلم الكجيُّ (1) ثنا محمَّد بن عبد الله الأنصاريُّ ثنا حميد عن أنس أنَّ الرُّبيِّع بنت النضر عمَّته لطمت جارية فكسرت سنّها، فعرضوا عليهم الأرش، فأبوا، فطلبوا العفو، فأبوا، فأتوا النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمرهم بالقصاص، فجاء أخوها أنس بن النضر، فقال: يا رسول الله، أتكسر سنُّ الرُّبيِّع؟! والذي بعثك بالحق لا تكسر سنّها. قال: " يا أنس، كتاب الله القصاص ". فعفا القوم، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنَّ من عباد الله من لو أقسم على الله لأبرَّه ". انفرد بإخراجه البخاريُّ، فرواه عن محمَّد بن عبد الله الأنصاريِّ (2)، فكأن شيخنا أبا الوقت سمعه مني. 2917 - وقال النَّسائيُّ: حدَّثنا اسحاق بن إبراهيم ثنا أبو خالد سليمان ابن حَيَّان (3) ثنا حميد عن أنس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى بالقصاص في السنِّ (4). ز: كذا فيه في نسختين: (فكأن شيخنا أبا الوقت سمعه مني) وهو غلطٌ، والصواب: سمعه معي، فإن المؤلِّف ساوى شيخه أبا الوقت فيه O. *****
مسألة (692): لا يقتص من الجناية إلا بعد الاندمال.
مسألة (692): لا يقتصُّ من الجناية إلا بعد الاندمال. وقال الشافعيُّ: يقتصُّ في الحال. 2918 - قال الدَارَقُطْنِيُ: حدَّثنا محمَّد بن مخلد ثنا إسماعيل بن الفضل ثنا يعقوب بن حميد ثنا عبد الله بن عبد الله الأمويُّ عن ابن جريج وعثمان بن الأسود ويعقوب بن عطاء عن أبي الزبير عن جابر أنَّ رجلاً جرح، فأراد أن يستقيد، فنهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يستقاد من الجارح حتى يبرأ المجروح (1). ز: هذا الحديث لم يخرجوه، وقال بعضهم: هو من مناكير يعقوب. وعبد لله بن عبد الله الأموي: روى له ابن ماجة حديثًا واحدًا (2)، وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: يخالف في روايته (3). وقال العقيلي: لا يتابع على حديثه. ثم ذكر له حديث: " من اعتز بالعبيد أذله الله " (4)، ولا يعلم روى عنه غير ابن كاسب، والله أعلم. 2919 - وقال الطحاويُّ: ثنا روح بن الفرح ثنا مهديُّ بن جعفر ثنا عبد الله بن المبارك عن عنبسة بن سعيد عن الشعبيِّ عن جابر عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يستقاد من الجرح حتى يبرأ " (5). هذا إسنادٌ صالحٌ. وعنبسة: وثَّقه أحمد (6) وغيره.
فصل (693): فإن خالف فاقتص قبل الاندمال، فسرت الجناية الى موضع آخر
ومهدي: زاهدٌ، قال ابن معين: لا بأس به (1). وتكلَّم فيه ابن عَدِيٍّ (2). وقال ابن أبي حاتم: سئل أبو زرعة عن حديث رواه ابن المبارك عن عنبسة بن سعيد عن الشعبيِّ عن جابر عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يستقاد من الجرح حتَّى يبرأ". قال أبو زرعة: هو مرسلٌ مقلوبٌ (3) O. ***** فصلٌ (693) فإن خالف فاقتصَّ قبل الاندمال، فسرت الجناية الى موضع آخر، فلا ضمان على الجاني، خلافًا لأكثرهم. 2920 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا القاضي أبو طاهر ثنا أبو أحمد بن عبدوس ثنا القواريريُّ ثنا محمَّد بن حمران عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه أنَّ رجلاً طعن رجلاً بقرنٍ في ركبته، فجاء إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: أقدني. قال: " حتَّى تبرأ ". ئُمَّ جاء إليه، فقال: أقدني. فأقاده، ثم
جاء إليه، فقال: يا رسول الله، عرجت! قال: " قد نهيتك فعصيتني، فأبعدك الله، وبطل عرجك ". ثُمَّ نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقتصَّ من جرح حتَّى يبرأ صاحبه (1). ز: هذا الحديث لم يخرجوه. ومحمَّد بن حمران هو: القيسيُّ، أبو عبد الله البصريُّ، قال أبو حاتم: صالح (2). وقال أبو زرعة: محله الصدق (3). وقال النسائيُّ: ليس بالقوي (4). وقال ابن عَدِيٍّ: له أفراد وغرائب، ما أرى به بأسًا (5). وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: يخطئ (6). وقد روى الإمام أحمد هذا الحديث عن يعقوب عن أبيه عن ابن إسحاق قال: وذكر عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه قال: قضى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في رجل طعن رجلا بقرنٍ في رجله ... الحديث (7). وليس فيه ذكر سماع ابن إسحاق من عمرو، فالظاهر أنه لم يسمعه منه، والله أعلم O. *****
مسألة (694): لا قود إلا بالسيف.
مسألة (694): لا قود إلا بالسَّيف. وعنه: يقتل بمثل الآلة التي قتل بها، وهو قول مالك والشافعيِّ. لنا: ما روى ابن مسعود وأبو هريرة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا قود إلا بالسَّيف ". [و] (1) قد ذكرنا ذلك في مسألة القتل بالمثقل (2). ز: حديث أبي هريرة وابن مسعود وغيرهما في هذه المسألة قد ضعَّفها المؤلِّف فيما تقدم (3)، فكيف يجوز له بعد هذا الاحتجاج بها؟! وقد تكلَّم الإمام أحمد وغيره في هذا الحديث (3). والصحيح في هذه المسألة هو الرواية الثانية، قال أحمد: [إنَّه] (4) لأهل أن يفعل به كما فعل (5). لقول الله تعالى: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ) [النحل: 126]، وقوله سبحانه: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) [البقرة: 194]. ولأنَّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رضخ رأس يهودي لرضخه رأس جارية من الأنصار بين حجرين O.
مسألة (695): قتل عمد الخطأ لا يوجب القود، وهو ما وجد فيه
احتجُّوا: 2921 - بما روي أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من غرق غرقناه، ومن حرق حرقناه ". وهذا لا يثبت عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إنما قاله زياد في خطبته. ز: 2922 - قال البيهقيُّ: وروينا عن بشر بن حازم عن عمران بن يزيد بن البراء عن أبيه عن جدِّه عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من عرض عرضنا له، ومن حرق حرقناه، ومن غرق غرقناه ". وهو فيما أنبأنيه أبو عبد الله الحافظ إجازةً أنا أبو الوليد ثنا محمَّد بن هارون بن منصور ثنا عثمان بن سعيد عن محمَّد بن أبي بكر المقدميِّ ثنا بشر ... فذكره (1). وفي هذا الإسناد من تجهل حاله، كبشر وغيره، والله أعلم O. ***** مسألة (695): قتل عمد الخطأ لا يوجب القود، وهو ما وجد فيه عمد في الفعل، وخطأ في القصد. وقال مالكٌ: قتل عمد الخطأ محالٌ، وفيه القود. 2923 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا أبو النضر ثنا محمَّد بن راشد ثنا سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" عقل شبه العمد مغلظ، مثل عقل العمد، ولا يقتل صاحبه، وذلك أن ينزو الشيطان بين الناس، فيكون رميا في عمياء، في غير فتنة ولا سلاح " (1). 2924 - قال أحمد: وحدَّثنا محمَّد بن جعفر ثنا شعبة عن أيُّوب قال: سمعت القاسم بن ربيعة يحدِّث عن عبد الله بن عمرو أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن قتيل الخطأ شبه العمد جعل السوط والعصا، فيه مائة، منها أربعون في بطونها أولادها " (2). ز: حديث محمَّد بن راشد: رواه أبو داود (3). ومحمَّد: يعرف بالمكحولي، وقد وثَّقه أحمد (4) وابن معين (5) والنَّسائيُّ (6) وغيرهم، وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: هو ضعيفٌ عند أهل الحديث (7). وفي هذا القول نظرٌ، وقال مرَّةً: يعتبر به (8). وقال ابن عَدِيٍّ: إذا حدَّث عنه ثقةٌ فحديثه مستقيمٌ (9).
مسألة (696): دية الخطأ أخماس، عشرون جذعة، ومثلها حقة،
وحديث القاسم: قد اختلف فيه، وقد تقدَّم الكلام عليه (1)، والمؤلِّف ممن تكلَّم فيه، والله أعلم O. ***** مسألة (696): دية الخطأ أخماس، عشرون جذعة، ومثلها حقة، ومثلها بنت لبون، ومثلها بنت مخاض، ومثلها ابن مخاض. وقال مالكٌ والشافعيُّ: بل ابن لبون. 2925 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا يحيى بن زكريا ثنا حجَّاج عن زيد بن جبير عن خِشف بن مالك عن ابن مسعود قال: قضى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في دية الخطأ عشرين بنت مخاض، وعشرين بني مخاض ذكور، وعشرين ابنة لبون، وعشرين حقة، وعشرين جذعة (2). أمَّا حجَّتهم: 2926 - فما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ، قال: حدَّثنا دَعْلَج ثنا حمزة بن جعفر الشيرازيُّ ثنا أبو سلمة ثنا حمَّاد بن سلمة أنا سليمان التيميُّ عن أبي مِجْلز عن أبي عبيدة أنَّ ابن مسعود قال: دية الخطأ خمسة أخماس، عشرون حقة، وعشرون جذعة، وعشرون بنات مخاض، وعشرون بنات لبون، وعشرون بنو لبون ذكور.
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: هذا إسنادٌ حسنٌ، ورواته ثقاتٌ (1). قال: وأما حديث خِشف بن مالك فضعيفٌ غير ثابتٍ عند أهل المعرفة بالحديث من وجوه: أحدها: أنَّه مخالف لما رواه أبو عبيدة عن أبيه بالسَّند الصحيح، وأبو عبيدة أعلم بحديث أبيه ومذهبه من خِشف بن مالك، وابن مسعود أتقى لربِّه وأشحُّ على دينه من أن يروي عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قضى بقضاءٍ ويفتي هو بخلافه (2). قال: وخِشفٌ رجلٌ مجهولٌ، لم يرو عنه إلا زيد بن جبير، ثم إنه لا نعلم أحدا رواه عن زيد غير (3) الحجَّاج بن أرطأة، وهو رجلٌ مدلسٌ، ثُمَّ قد رواه عن الحجَّاج أقوامٌ فاختلفوا عليه (4). قال المصنِّف: قلت: يعارض قول الدَّارَقُطْنِيُّ هذا= أنَّ أبا عبيدة لم يسمع من أبيه، فكيف جاز له أن يسكت عن ذكر هذا؟! ثم إنَّما حكى عنه فتواه، وخِشف روى عنه عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومتى كان الإنسان ثقةً فينبغي أن يقبل قوله، وكيف يقال عن الثقة: مجهولٌ؟! واشتراط المحدثين أن يروي عنه اثنان لا وجه له. ز: حديث خِشف عن ابن مسعود: رواه أبو داود عن مسدَّد عن عبد الواحد بن زياد (5).
ورواه الترمذيُّ (1) والنَّسائيُّ (2) جميعا عن عليِّ بن سعيد بن مسروق الكنديِّ عن يحيى بن أبي زائدة. ورواه ابن ماجة عن عبد السلام بن عاصم الرازيِّ عن الصبَّاح بن محارب (3). ثلاثتهم عن حجَّاج بن أرطأة به، وقال الترمذيُّ: لا نعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه، وقد روي عن عبد الله موقوف. وخِشف: وثَّقه النَّسائيُّ (4) وأبو حاتم بن حِبَّان (5)، وقال الأزديُّ: ليس بذاك (6). وقال البيهقيُّ: مجهولٌ (7). وزيد بن جبير: هو الجشميُّ، وقد وثَّقه ابن معين (8) وغيره، وروى له البخاريُّ (9) ومسلمٌ (1) في " صحيحيهما ". وكلام الدَّارَقُطْنِيُّ والمؤلِّف على هذا الحديث لا يخلوا كلٌّ منهما من ميل،
مسألة (697): الدراهم والدنانير أصل مقدر في الدية، يجوز أخذها
والله أعلم O. ***** مسألة (697): الدَّراهم والدَّنانير أصلٌ مقدَّرٌ في الدِّية، يجوز أخذها مع القدرة على الإبل. وقال الشافعيُّ: الأصل الإبل، فإن عدمت فعلى قولين: أحدهما: يعدل إلى ألف دينار، أو اثني عشر ألف درهم؛ والثاني: إل قيمة الإبل حين القبض زائدة وناقصة. 2927 - قال الترمذيُّ: حدَّثنا بندار ثنا معاذ بن هانئ ثنا محمَّد بن مسلم الطائفيُّ عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عبَّاس عن النبيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه جعل الدية اثنى عشر ألفا (1). قالوا: قد رواه سفيان بن عيينة عن عمرو عن عكرمة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً، ولم يذكر ابن عبَّاس غير محمَّد بن مسلم، وقد ضعَّفه أحمد (2). قلنا: قد قال يحيى: هو ثقةٌ (3). والرفع زيادةٌ، ثم قد روي من غير طريقه: 2928 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أبو محمَّد بن صاعد ثنا محمَّد بن ميمون الخيَّاط ثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عبَّاس
أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى باثني عشر ألفا في الدية. قال ابن ميمون: إنما قال لنا فيه: (عن ابن عبَّاس) مرَّةً واحدةً، وأكثر ذلك كان يقول: (عن عكرمة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) (1). ز: رواه أبو داود (2) والنَّسائيُّ (3) وابن ماجة (4) من رواية محمَّد بن مسلم الطائفيِّ، وهو من رجال مسلم. وقال أبو داود: رواه ابن عيينة عن عمرو عن عكرمة، ولم يذكر ابن عبَّاس. ورواه الترمذيُّ عن سعيد بن عبد الرحمن عن سعفيان عن عمرو عن عكرمة مرسلاً، قال: ولا نعلم أحدًا يذكر في هذا الإسناد (ابن عبَّاس) غير محمَّد بن مسلم (5). وقال النَّسائيُّ: محمَّد بن مسلم ليس بالقويِّ في الحديث، وهذا خطأٌ، والصواب: عن عكرمة مرسل (6). ورواه عن محمَّد بن ميمون المكيِّ عن سفيان عن عمرو عن عكرمة سمعناه مرَّة يقول: عن ابن عبَّاس أنَّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى باثني عشر ألفا في الدية. قال: ومحمَّد بن ميمون أيضًا ليس بالقويِّ (7).
مسألة (698): والبقر والغنم والحلل أصل في الدية أيضا، مقدرة
وقال عبَّاس الدوريُّ: سمعت يحيى بن معين يقول: كان محمَّد بن مسلم الطائفيُّ ثقةً لا بأس به، وكان ابن عيينة أثبت منه ومن أبيه، كان إذا حدَّث من حفظه يخطئ، وإذا حدَّث من كتابه فليس به بأسٌ (1). وقد روى أبو حاتم الرازيُّ عن محمَّد بن ميمون وقال: كان أميًّا مغفلاً (2). وذكره ابن حِبَّان في "الثقات" وقال: ربَّما وهم (3). وقول المؤلِّف: (والرفع زيادة) فيه نظرٌ، والصواب أن يقول: والوصل زيادةٌ، والله أعلم O. ***** مسألة (698): والبقر والغنم والحُلَل أصلٌ في الدِّية أيضًا، مقدَّرة بمائتي بقرة، وألقي شاة، ومائتي حُلَّة، كل حُلَّة إزارٌ ورداءٌ، وهو قول أبي يوسف ومحمَّد. وقال أكثرهم: ليس شيء من ذلك أصلا ولا مقدرا. لنا: 2929 - ما رواه أبو داود، قال: قرأت على سعيد بن يعقوب الطالقانيِّ (4) قال: ثنا أبو تميلة ثنا محمَّد بن إسحاق قال: ذكر عطاء عن جابر ابن عبد الله قال: فرض رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الدِّية على أهل الإبل مائة من الإبل،
مسألة (699): في أشراف الأذنين الدية.
وعلى أهل البقر مائتي بقرة، وعلى أهل الشاء ألفي شاة، وعلى أهل الحلل مائتي حُلَّة (1). ز: رواه أبو داود أيضًا عن موسى بن إسماعيل عن حمَّاد عن ابن إسحاق عن عطاء أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مرسلٌ (2) O. ***** مسألة (699): في أشراف الأذنين الدية. وقال مالكٌ: فيها حكومة. 2930 - قال أبو داود: حدَّثنا وهب بن بيان وابن السرح وأحمد بن سعيد قالوا: ثنا ابن وهب قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب قال: قرأت في كتاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمرو بن حزم حين بعثه إلى نجران- وكان الكتاب عند أبي بكر بن حزم-، فكتب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه: " في النفس مائة من الإبل، وفي الألف إذا أوعى (3) جدعه مائة من الإبل، وفي العين خمسون من الإبل، وفي الأذن خمسون من الإبل " (4). ز: هكذا رواه مرسلا، وقد رواه النَّسائيُّ عن ابن السرح (5)، ورواه
مسألة (700): في العين القائمة، واليد الشلاء، ولسان الأخرس،
أبو داود والنَّسائيُّ وغيرهما متصلاً، وقد تقدَّم الكلام عليه بما فيه كفاية (1) O. ***** مسألة (700): في العين القائمة، واليد الشَّلاء، ولسان الأخرس، والذَّكر الأشلّ، والأصبع الزائدة= ثلث دية العضو. وعنه: فيها حكومة، كقول أكثرهم. 2931 - قال النَّسائيُّ: أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن محمَّد أنا ابن عائذ ثنا الهيثم بن حميد قال: أخبرني العلاء بن الحارث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى في العين العوراء السَادَّة لمكانها إذا طمست بثلث ديتها، وفي اليد الشَّلاء إذا قطعت بثلث ديتها، وفي السِّنِّ السوداء إذا نزعت بثلث ديتها (2). ز: كان فيه: (الهيثم بن جميل) [وهو خطأ] (3)، والصواب: ابن حميد، وهو ثقة. وقد روى أبو داود أوَّل الحديث عن محمود بن خالد عن مروان بن محمَّد عن الهيثم بن حميد بإسناده، ولفظه: قضى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في العين القائمة السادَّة لمكانها إذا طمست بثلث الدية (4) O.
مسألة (701): في موضحة الوجه خمس من الإبل.
2932 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا الحسين ثنا عبد الله بن أحمد ثنا شيبان ثنا أبو هلال [عن عبد الله] (1) بن بريدة عن يحيى بن يعمر عن ابن عبَّاس أنَّه قال: في اليد الشَّلاء ثلث الدِّية، وفي العين القائمة إذا خسفت ثلث الدِّية (2). ز: هذا إسنادٌ حسنٌ. وأبو هلال: الراسبيُّ، واسمه: محمَّد بن سُليم، وهو صدوقٌ، وثَّقه أبو داود (3)، وقال النَّسائيُّ: ليس بالقويِّ (4). وباقي الإسناد ثقاتٌ أثباتٌ، والله أعلم O. ***** مسألة (701): في موضحة الوجه خمسٌ من الإبل. وقال مالكٌ: في موضحة الأنف واللّحي الأسفل حكومة. 2933 - قال الترمذيُّ: حدَّثنا حميد بن مسعدة ثنا يزيد بن زريع ثنا حسين المعلِّم عن عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جدِّه أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " في المواضح خمس خمس " (5).
مسألة (702): إذا ضربت حامل فماتت، ثم انفصل عنها جنين ميت،
ز: رواه أبو داود (1) والنَّسائيُّ (2) من رواية خالد بن الحارث عن حسين، وعند أبي داود الإخبار واسم جدِّه. وقال الترمذيُّ: حديثٌ حسنٌ O. ***** مسألة (702): إذا ضربت حامل فماتت، ثم انفصل عنها جنين ميت، وجبت فيه الغرَّة. وقال أبو حنيفة ومالكٌ: لا شيء في الجنين. لنا حديثان: 2934 - الحديث الأوَّل: قال البخاريُّ: حدَّثنا موسى بن إسماعيل ثنا وهيب ثنا هشام عن أبيه عن المغيرة بن شعبة أنَّ عمر استشارهم في إملاص (3) المرأة، فقال المغيرة: قضى النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالغُرَّة عبد أو أمة، فشهد محمَّد بن مسلمة أنَّه شهد أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى به. أخرجاه في "الصحيحين" (4). ز: لم يروه مسلمٌ من حديث عروة عن المغيرة، إنَّما رواه من رواية وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه عن المسور بن مخرمة عن المغيرة ومحمَّد بن
مسلمة (1) O. 2935 - الحديث الثاني: قال الإمام أحمد: حدَّثنا أبو سعيد ثنا زائدة عن منصور عن إبراهيم عن عبيد بن نُضيلة عن المغيرة أنَّ امرأةً ضربتها ضرتُها بعمود فسطاط، فقتلها، وهي حبلى، فأتي فيها النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقضى فيها على عصبة القاتلة بالدِّية، وفي الجنين غرَّة، فقال عصبتها: أندي من لا أكل ولا شرب، ولا صاح فاستهل، مثل ذلك بطل (2). فقال: " سجع كسجع الأعراب " (3). انفرد بإخراجه مسلمٌ (4). *****
مسائل القسامة
مسائل القسامة مسألة (703): يبدأ في القسامة بأيمان المدَّعين. وقال أبو حنيفة: بأيمان المدَّعى عليهم. 2936 - قال مسلم بن الحجَّاج: حدَّثنا قتيبة ثنا ليث عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة (1) قال: خرج عبد الله بن سهل ومُحَيِّصة بن مسعود حتَّى إذا كانا بخيبر تفرَّقا في بعض ما هنالك، فإذا مُحَيِّصة يجد عبد الله بن سهل قتيلا، فدفنه، ثم أقبل إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو وحُوَيِّصة بن مسعود وعبد الرحمن بن سهل- وكان أصغر القوم-، فذهب عبد الرحمن ليتكلم قبل صاحبيه، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كبِّر ". فصمت، وتكلَّم صاحباه، وتكلَّم معهما، فذكروا لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقتل عبد الله بن سهل، فقال لهم: " أتحلفون خمسين يمينا فتستحقون صاحبكم- أو قاتلكم- ". قالوا: وكيف نحلف ولم نشهد؟! قال: " فتبرئكم يهود بخمسين يمينا ". قالوا: وكيف نقبل أيمان قوم كفَّار؟! فلما رأى ذلك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعطى عقله (2). أخرجاه في "الصحيحين" (3). قالوا: فقد روي في " الصحيح " غير ما قلتم:
مسألة (704): إذا انتقل الذمي إلى دين من أديان الكفر، لم يقبل منه
2937 - قال البخاريُّ: حدَّثنا أبو نعيم ثنا سعيد بن عبيد عن بشير بن يسار زعم أنَّ رجلاً من الأنصار- يقال له: سهل بن أبي حثمة- أخبره: أنَّ نفرًا من قومه انطلقوا إلى خيبر، فتفرقوا فيها، ووجدوا أحدهم قتيلا، فانطلقوا، فأخبروا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال لهم: " تأتون بالبيِّنة على من قتله ". قالوا: ما لنا بيِّنة. قال: " فيحلفون ". قالوا: لا نرضى بأيمان اليهود. فكره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يبطل دمه، فوداه بمائة من إبل الصدقة (1). أخرجاه في "الصحيحين" (2) أيضًا. قلنا: الأكثر عل ما ذكرنا، وما رويتم يرويه سعيد بن عبيد، وروايتنا أولى لكثرة من رواها، وكمال لفظها، فإنه ليس في حديثكم إلا عرض اليمين على المدَّعى عليهم، وذلك في حديثنا أيضًا، ولكن بعد عرضها على المدّعي، فبان أن روايتنا تضمنت زيادة لم يضبطها من لم يروها. ويدل على ما قلنا: قوله عليه السلام: " البيِّنة على من ادَّعى، واليمين على من أنكر، إلا في القسامة ". وسيأتي بإسناده في الأيمان إن شاء الله تعالى (3). ***** مسألة (704): إذا انتقل الذِّمِّيُّ إلى دين من أديان الكفر، لم يقبل منه سوى الإسلام.
مسألة (705): لا يجوز اتباع المنهزم من البغاة، ولا يجاز على
وقال أبو حنيفة: يقرُّ. وعن الشافعيِّ قولان. 2938 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا عفَّان ثنا حمَّاد بن زيد ثنا أيُّوب عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من بدَّل دينه فاقتلوه " (1). ز: رواه البخاريُّ عن أبي النعمان محمَّد بن الفضل عن حمَّاد (2) O. ***** مسألة (705): لا يجوز اتباع المنهزم من البغاة، ولا يجاز على جريحهم. وقال أبو حنيفة: إن كان لهم فئة يرجعون إليها، جاز ذلك. 2939 - قال سعيد بن منصور: ثنا عبد العزيز بن محمَّد عن جعفر بن محمَّد عن أبيه عن عليِّ بن حسين عن مووان بن الحكم قال: صرخ صارخ لعليٍّ عليه السلام يوم الجمل: لا يقتلن مدبر، ولا يدفف (3) على جريحٍ، ومن أغلق باب داره فهو آمنٌ، ومن طرح السلاح فهو آمنٌ. ز: 2940 - قال البيهقيُّ: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر بن
أحمد بن الحسن القاضي قالا: ثنا أبو العباس محمَّد بن يعقوب ثنا يوسف بن عبد الله الخوارزمي ثنا أبو نصر التمَّار (ح) وأنا أبو عبد الله الحافظ حدَّثني أبو بكر محمَّد بن أحمد بن بالويه ثنا أحمد بن عليٍّ الخراز ثنا أبو نصر التمَّار ثنا كوثر ابن حكيم عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعبد الله بن مسعود: " يا ابن مسعود، أتدري ما حكم الله فيمن بغى من هذه الأمة؟ ". قال ابن مسعود: الله ورسوله أعلم. قال: " فإن حكم الله فيهم: أن لا يتبع مدبرهم، ولا يقتل أسيرهم، ولا يدفف على جريحهم ". لفظ حديث الخراز، وفي رواية الخوارزمي: " لا يجاز على جريحهم، ولا يقسم فيهم " (1). هذا حديث ضعيفٌ، غير ثابتٍ، تفرَّد به كوثر بن حكيم، وأحاديثه بواطيل، ليس بشيء. قاله الإمام أحمد (2)، وقال البخاريُّ: منكر الحديث (3). وقال النَّسائيُّ: متروك الحديث (4). وقد روى ابن عَدِيٍّ هذا الحديث في ترجمته عن الحسن بن عليٍّ بن سليمان عن أبي نصر، وقال: عامَّة ما يرويه غير محفوظٍ (5) O. *****
مسائل الحدود
مسائل الحدود مسألة (706): يجتمع الجلد والرجم في حقِّ الزاني المحصن، وبه قال داود. وعنه: لا يجتمعان، كقول أكثرهم. لنا ثلاثة أحاديث: 2941 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا محمَّد بن جعفر ثنا سعيد عن قتادة عن الحسن عن حطَّان بن عبد الله الرقاشيِّ عن عبادة بن الصامت قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا نزل عليه الوحي، أثر عليه كرب لذلك، وتربَّد وجهه (1)، فأنزل الله عزَّ وجلَّ عليه ذات يوم، فلمَّا سري عنه، قال: " خذوا عنِّي، قد جعل الله لهنَّ سبيلا، الثيّب بالثيّب، والبكر بالبكر، الثيّب جلد مائة، ورجم بالحجارة؛ والبكر جلد مائة، ثم نفي سنة " (2). انفرد بإخراجه مسلمٌ (3). 2942 - الحديث الثاني: قال أحمد: وثنا وكيع قال: ثنا الفضل بن دلهم عن الحسن عن قبيصة بن حريث عن سلمة بن المحبِّق قال: قال رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خذوا عنِّي:، خذوا عنِّي، قد جعل الله لهنَّ سبيلا، البكر بالبكر، جلد مائة، ونفي سنة، والثيِّب بالثيِّب، جلد مائة، والرجم " (1). ز: هكذا رواه وكيع عن الفضل، وهو وهمٌ، وإنَّما المحفوظ بهذا الإسناد: أنَّ رجلاً وقع على جارية امرأته .... وقد رواه أبو داود عن محمَّد بن عوف الطائيِّ عن الربيع بن روح عن خليد عن محمَّد بن خالد- يعني الوهبيَّّ- عن الفضل بن دَلْهَم عن الحسن عن سلمة بن المحبّق عن عبادة وطوّله (2). والاضطراب في ذلك من الفضل بن دلهم، قال أبو داود: والفضل بن دلهم ليس بالحافظ، كان قصابا بواسط (3). وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث رواه الفضل بن دَلْهَم عن الحسن عن قبيصة بن حريث عن سلمة بن المحبّق عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا .. " الحديث. قال أبي: هذا خطأ، إنما أراد الحسن عن حطان عن عبادة بن الصامت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... الحديث (4) O. 2943 - الحديث الثالث: قال أحمد: وحدَّثنا حسين بن محمَّد ثنا شعبة عن سلمة ومجالد عن الشعبيِّ أنَّهما سمعاه يحدِّث أنَّ عليًّا حين رجم المرأة من أهل
الكوفة: ضربها يوم الخميس، ورجمها يوم الجمعة، وقال: أجلدها بكتاب الله، وأرجمها بسنَّة نبيِّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1). ز: رواه البخاريُّ عن آدم عن شعبة عن سلمة بن كهيل- وحده- عن الشعبيِّ (2)، ورواه النَّسائيُّ من رواية شعبة عنهما (3). 2944 - وقال الطحاويُّ: حدَّثنا عليُّ بن شيبة ثنا يحيى بن يحيى ثنا أبو الأحوص عن سماك عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: جاءت امرأة من همدان - يقال لها شراحة- إلى عليٍّ رضي الله عنه فقالت: إني زنيت. فرددها حتَّى شهدت على نفسها أربع شهادات، فأمر بها فجلدت، ثم أمر بها فرجمت. حدَّثنا روح بن الفرج ثنا يوسف بن عَدِيٍّ ثنا أبو الأحوص ... فذكر بإسناده مثله (4). 2945 - وقال أيضًا: ثنا يونس أنا ابن وهب قال: سمعت ابن جريج يحدِّث عن أبي الزبير عن جابر أنَّ رجلاً زنى، فأمر به النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجلد، ثم أخبر أنَّه قد كان أحصن، فأمر به فرجم (5). رواه أبو داود عن قتيبة بن سعيد وأبي الطاهر بن السرح كلاهما عن ابن وهب به (6). ورواه عن محمَّد بن عبد الرحيم البزَّاز عن أبي عاصم عن ابن جريج عن
مسألة (707): الإسلام ليس بشرط في الإحصان.
أبي الزبير عن جابر أنَّ رجلاً زنى، فلم يُعلم بإحصانه، فجلد، ثم عُلم بإحصانه، فرجم (1). ولم يذكر النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ورواه النَّسائيُّ! عن قتيبة به- وقال: لا أعلم أنَّ أحدًا رفع هذا الحديث غير ابن وهب (2) -، وعن محمَّد بن بشَّار عن أبي عاصم به موقوفًا، وقال: هذا هو الصواب، والذي قبله خطأ (3)، والله أعلم O. ***** مسألة (707): الإسلام ليس بشرطٍ في الإحصان. وقال أبو حنيفة ومالك: هو شرطٌ. لنا حديثان: 2946 - الحديث الأوَّل: قال عبد الله بن الإمام أحمد (4): حدَّثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا شريك بن عبد الله عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال: رجم النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يهوديًّا ويهوديَّة (5). ز: رواه الترمذيُّ عن هنَّاد بن السَّريِّ (6)، ورواه ابن ماجة عن
إسماعيل بن موسى (1)، كلاهما عن شريك به. وقال الترمذيُّ: حديثٌ حسنٌ غريبٌ. وقال أبو الحسن القافلاني (2): ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حضرت أبي، فسمع من محمَّد بن جعفر الوركانيِّ، فمرَّ على حديث شريك عن سماك عن عكرمة أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجم يهوديًّا ويهوديَّة، فقال أبي: يا أبا عمران، إنما هذا عن شريك عن سماك عن جابر بن سمرة، فلعل شريكًا سبقه لسانه. فقال الوركانيُّ: قد نظر يحيى بن معين في هذا. فقال أبي: وما يدري يحيى بن معين؟ وكل شيء يعرفه يحيى؟! اضرب عليه. فضرب عليه (3) O. 2947 - الحديث الثاني: قال الترمذيُّ: حدَّثنا إسحاق بن موسى الأنصاريُّ ثنا معن ثنا مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجم يهوديًّا ويهوديَّة (4). ز: هكذا رواه الترمذيُّ وصحَّحه، وهو مختصرٌ من حديث: أنَّ اليهود جاؤوا إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكروا له أن رجلاً منهم وامرأة زنيا ... الحديث.
وهو في "الصحيحين" من حديث مالك (1)، والله أعلم O. احتجُّوا بحديثين: 2948 - الحديث الأوَّل: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أحمد بن الحسين بن الجنيد ثنا الحسن بن عرفة ثنا عيسى بن يونس عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم عن عليِّ بن أبي طلحة عن كعب بن مالك أنَّه أراد أن يتزوَّج يهوديَّة أو نصرانيَّة، فسأل النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك، فنهاه عنه، وقال: " إنَّها لا تحصنك " (2). 2949 - الحديث الثاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا دَعْلَج ثنا ابن شيرويه ثنا إسحاق ثنا عبد العزيز بن محمَّد عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أشرك بالله فليس بمحصن " (3). والجواب: أنَّ الحديثين لا يثبتان، قال الدَّارَقُطْنِيُّ: أبو بكر بن أبي مريم ضعيفٌ جدًّا، وعليُّ بن أبي طلحة لم يدرك كعبًا (4). وحديث ابن عمر: لم يرفعه غير إسحاق، ويقال إنَّه رجع عنه، والصواب أنَّه موقوفٌ (5). ز: حديث كعب: رواه سعيد بن منصور عن عيسى بن يونس (6)،
ورواه أيضًا أبو داود في " المراسيل " من رواية بقية بن الوليد عن أبي سبأ عتبة بن [تميم] (1) عن عليِّ بن أبي طلحة عن كعب (2)، وهو منقطعٌ. قاله البيهقيُّ (3). وعتبة: وثَّقه ابن حِبَّان (4). وحديث ابن عمر: رواه الحاكم أبو أحمد عن أبي العبَّاس أحمد بن محمَّد ابن الحسين الماسرجسيِّ عن إسحاق، وقال: هذا حديثٌ غريبٌ من حديث عبيد الله بن عمر العدويِّ عن ناقع عن ابن عمر، لا أعلم أحدًا حدَّث به غير إسحاق الحنظليّ عن عبد العزيز بن محمَّد بن عبيد بن أبي عبيد الجهنيِّ الدراورديِّ. وقد سُئل عنه الدَّارَقُطْنِيُّ، فقال: رواه عفيف بن سالم عن الثوريِّ عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حدَّث به أحمد بن أبي نافع الموصليُّ، واختلف عنه، فرواه التمتام عن أحمد بن أبي نافع عن المعافى عن عمران عن الثوريِّ، وغيره يرويه عن أحمد بن أبي نافع عن عفيف بن سالم، وهو الصواب. وخالفه أبو أحمد الزبيريُّ، فرواه عن الثوريِّ عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر موقوفًا، وهو أصحُّ. وروي عن إسحاق بن راهويه عن الدراورديِّ عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا، والصحيح موقوفٌ.
مسألة (708): جراح المرأة تساوي جراح الرجل فيما دون الثلث، فإذا
وقال الدَّارَقُطْنِيُّ في موضع آخر: وهم عفيف في رفعه، والصواب موقوفٌ من قول ابن عمر: 2950 - ثنا عبد الله بن خشيش ثنا سلم بن جنادة ثنا وكيع عن سفيان عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال: من أشرك بالله فليس بمحصن (1). 2951 - وقال البيهقيُّ: أنا أبو نصر بن قتادة أنا عليُّ بن الفضل بن محمَّد ابن عقيل ثنا إبراهيم بن هاشم البيعويُّ ثنا عبد الله بن محمَّد بن أسماء حدَّثني جويرية عن نافع أنَّ عبد الله بن عمر كان يقول: من أشرك بالله فليس بمحصن. هكذا رواه أصحاب نافع عن نافع (2) O. ***** مسألة (708): جراح المرأة تساوي جراح الرَّجل فيما دون الثلث، فإذا بلغ الثلث فعلى روايتين: إحداهما: تساويه؛ والثانية: تكون على النصف منه. وقال أبو حنيفة والشافعيُّ- في الجديد-: تكون على النصف منه، في القليل والكثير. 2952 - قال النَّسائيُّ: أخبرنا عيسى بن يونس ثنا ضمرة عن إسماعيل ابن عيَّاش عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عقل المرأة مثل عقل الرجل، حتَّى يبلغ الثلث من ديتها " (3).
ز: ابن جريج حجازيٌّ، وإسماعيل بن عيَّاش ضعيفٌ في روايته عن الحجازيين، والله أعلم O. 2953 - وقال سعيد بن منصور: ثنا هشيم ثنا أشعث (1) بن عبد الملك عن الحسن وابن سيرين أنَّهما كانا يقولان: القصاص بين الرجل والمرأة فيما كان من العمد إلى ثلث الدِّية. 2954 - وقال هشيم عن الشيبانيِّ وابن أبي ليلى وزكريا عن الشعبيِّ أنَّ عليًّا- عليه السلام- كان يقول: جراحات النساء على النصف من دية الرجل، فيما قلَّ أو كثر. ز: 2955 - قال أبو القاسم البيعويُّ: ثنا عليُّ بن الجعد أنا شعبة عن الحكم عن الشعبيِّ عن زيد بن ثابت أنَّه قال: جراحات الرجل (2) والنساء سواء إلى الثلث، فما زاد فعلى النصف. وقال ابن مسعود: إلا السن والموضحة، فإنها (3) سواء، وما زاد فعلى النصف. وقال عليُّ بن أبي طالب: على النصف في كلِّ شيءٍ. قال: وكان قول عليٍّ رضي الله عنه أعجبها إلى الشعبيِّ (4). 2956 - وقال بحر بن نصر: ثنا عبد الله بن وهب حدَّثني مالك وأسامة بن زيد الليثيُّ وسفيان الثوريُّ عن ربيعة أنَّه سأل سعيد بن المسيّب: كم
مسألة (709): دية الذمي إذا قتله مسلم عمدا مثل دية المسلم، فإن
في أصبع المرأة؟ قال: عشر. قال: كم في اثنتين؟ قال: عشرون. قال: كم في ثلاث؟ قال: ثلاثون؟ قال: كم في أربع؟ قال: عشرون. قال ربيعة: حين عظم جرحها، واشتدت مصيبتها، نقص عقلها؟! قال: أعراقيٌّ أنت؟ قال ربيعة: عالم متثبت، أو جاهل متعلم. قال: يا ابن أخي، إنها السنَّة (1) O. ***** مسألة (709): دية الذِّمِّيِّ إذا قتله مسلمٌ عمدًا مثل دية المسلم، فإن قتله خطأٌ فعلى روايتين: إحداهما: نصف الدِّية؛ والثانية: ثلث الدِّية. وأمَّا المجوسيُّ فديته ثمان مائة درهم. وقال أبو حنيفة: دية الكافر (2) مثل دية المسلم، في العمد والخطأ. وقال مالكٌ: نصف دية المسلم. وقال الشافعيُّ: دية الذِّمِّيِّ ثلث الدِّية، في الخطأ والعمد. وقال في المجوسيِّ كقولنا. استدلَّ أصحابنا على ما إذا قتله عمدًا بثلاثة أحاديث:
2957 - الحديث الأوَّل: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا عليُّ بن إبراهيم بن حمَّاد ثنا أحمد بن يحيى الحلوانيُّ ثنا عليُّ بن الجعد قال: أخبرني أبو كرز القرشيُّ عن نافع عن ابن عمر أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " دية ذمِّيٌّ دية مسلم " (1). 2958 - الحديث الثاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا يوسف بن يعقوب ابن بهلول ثنا جدِّي ثنا أبي ثنا عثمان بن عبد الرحمن عن الزهريِّ عن عليِّ بن حسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جعل دية المعاهد كدية المسلم (2). 2959 - الحديث الثالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا إسماعيل بن محمَّد الصفَّار ثنا العبَّاس بن محمَّد الدوريُّ ثنا أحمد بن يونس ثنا أبو بكر بن عيَّاش عن أبي سعد (3) عن عكرمة عن ابن عباس قال: جعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دية العامرين دية المسلم. قال أبو بكر: كان لهما عهد (4). قال المصنِّف: الأحاديث الثلاثة ضعاف بمرَّة. أمَّا الأوَّل: فقال الدَّارَقُطْنِيُّ: لم يروه عن نافع غير أبي كرز، واسمه: عبد الله بن عبد الملك الفهريُّ، وهو متروكٌ (5). قال: وهذا الحديث باطلٌ، لا أصل له (6).
وكذلك قال ابن حبان: هذا باطلٌ لا أصل له من كلام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا يحلُّ الاحتجاج بأبي (1) كرز (2). وأمَّا الثاني: فعثمان هو: الوقَّاصيُّ، وهو متروكٌ. وأمَّا الثالث: فأبو سعد هو: سعيد بن المَرزُبان البقَّال، قال يحيى: ليس بشيء، ولا يكتب حديثه (3). وقال الفلاس: متروكٌ (4). ز: هذه الأحاديث لم يخرجوا شيئًا منها، إلا حديث أبي بكر بن عيَّاش، فإنَّ الترمذيَّ رواه عن أبي كريب عن يحيى بن آدم عنه، ولفظه: أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودى العامريين بدية المسلمين، وكان لهما عهد من النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقال: لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وأبو سعد البقَّال هو: سعيد بن المَرْزُبان (5). وقد رواه البيهقيُّ من رواية الحسن بن عمارة عن الحكم عن مِقْسم عن ابن عبَّاس قال: ودى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلين من المشركن- وكانا منه في عهد- دية الحرِّ من المسلمين (6).
وقال: والحسن بن عمارة متروكٌ، لا يحتجُّ به (1). وأمَّا حديث الوقَّاصيِّ عن الزهريِّ: فباطلٌ، والمعروف بإسناده: " لا يرث المسلم الكافر ". والإمام أحمد رحمه الله: لم يستدل بشيء من هذه الأحاديث الضعيفة على إضعاف الدية في قتل المسلمِ الذِمِّيَّ عمدًا، إنَّما احتجَّ: 2960 - بما رواه عن عبد الرزَّاق عن معمر عن الزهريِّ عن سالم عن أبيه أنَّ رجلاً قتل رجلاً من أهل الذِّمَّة، فرفع إلى عثمان، فلم يقتله، وغلَّظ عليه ألف دينار (2) O. واستدلُّوا على ما إذا قتله خطأ: 2961 - بما رواه الإمام أحمد، قال: حدَّثنا يزيد أنا محمَّد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه عبد الله بن عمرو عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " دية الكافر نصف دية المسلم " (3). 2962 - قال أحمد: وحدَّثنا أبو النضر ثنا محمَّد بن راشد ثنا سليمان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى أنَّ عقل أهل الكتابين نصف عقل المسلم، وهم اليهود والنصارى (4).
وهذا يحمل على قتل الخطأ. ز: حديث ابن إسحاق عن عمرو: رواه أبو داود، ولفظه: " دية المعاهد نصف دية الحرِّ " (1). وحديث سليمان عن عمرو: رواه النَّسائيُّ عن عمرو بن عليٍّ عن عبد الرحمن عن محمَّد بن راشد (2). وقد رواه الترمذيُّ (3) والنَّسائيُّ (4) من حديث أسامة بن زيد الليثيِّ عن عمرو، وحسَّنه الترمذيُّ. ورواه ابن ماجة (5) من رواية عبد الرحمن بن عيَّاش عن عمرو (6). 2963 - وقد روى جعفر بن عون عن ابن جريج قال: أخبرني عمرو ابن شعيب أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرض على كلِّ مسلمٍ قتَلَ رجلاً من أهل الكتاب أربعة آلاف. هكذا روي مرسلاً، والله أعلم O. فأمَّا دية المجوسيِّ: 2964 - فروى الدَّارَقُطْنِيُّ، قال: حدَّثنا عثمان بن أحمد الدَّقَّاق ثنا الحسن بن سلام ثنا معاوية بن عمرو ثنا زائدة ثنا منصور بن المعتمر عن ثابت أبي
مسألة (710): قيمة العبد إذا قتل خطأ في مال الجاني، وكذا الجناية
المقدام عن سعيد بن المسيَّب أنَّ عمر جعل دية اليهوديِّ والنصرانيِّ أربعة آلاف، والمجوسيِّ ثمانمائة (1). ز: رواه الشافعيُّ عن فضيل بن عياض عن منصور (2). 2965 - وقال ابن وهب: أخبرني ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن ابن شهاب أنَّ عليًّا وابن مسعود رضي الله عنهما كانا يقولان في دية المجوسيِّ: ثمانمائة درهم (3). وقد رواه أبو صالح كاتب الليث عن ابن لهيعة عن يزيد عن أبي الخير عن عقبة بن عامر مرفوعًا، وهو غير محفوظٍ، والله أعلم O. احتجُّوا: بالأحاديث المتقدِّمة: أنَّ دية اليهوديِّ والنصرانيِّ مثل دية المسلم. وهذا محمول على قتله عمدًا. ***** مسألة (710): قيمة العبد إذا قُتِل خطأ في مال الجاني، وكذا الجناية على أطرافه. وقال أبو حنيفة: بدل نفسه على عاقلة الجاني، والأطراف في ماله.
مسألة (711): اللواط يوجب الحد.
وعن الشافعيِّ كقولنا، وعنه: أن الجميع على العاقلة. لنا: 2966 - ما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ، قال: حدَّثنا القاسم بن إسماعيل ثنا سلم ابن جنادة ثنا وكيع عن عبد الملك بن حسين النخعيِّ عن عبد الله بن أبي السفر عن عامر عن عمر قال: العمد، والعبد، والصلح، والاعتراف، لا تعقله العاقلة (1). ز: الشعبيُّ عن عمر: منقطعٌ، قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي وأبا زرعة يقولان: الشعبيُّ عن عمر مرسلٌ (2). وعبد الملك بن حسين هو: أبو مالك النخعيُّ، وقد ضعَّفوه، وقال الأزديُّ: متروك الحديث (3) O. ***** مسألة (711): اللواط يوجب الحدَّ. وقال أبو حنيفة: يوجب التعزير. 2967 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا أبو القاسم بن أبي الزناد قال: أخبرني ابن أبي حبيبة وداود (4) بن الحصين عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال: قال
مسألة (712): إتيان البهيمة يوجب الحد كحد اللوطي.
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اقتلوا الفاعل والمفعول به في عمل قوم لوط، والبهيمة والواقع على البهيمة، ومن وقع على ذات محرم فاقتلوه " (1). ز: كذا فيه: (أخبرني ابن أبي حبيبة وداود) وهو خطأ، والصواب: (عن داود). وقد رواه ابن ماجة عن عبد الرحمن بن إبراهيم عن ابن أبي فديك عن إبراهيم بن إسماعيل- وهو ابن أبي حبيبة- عن داود، ولم يذكر القصة (2) الأولى (3). وإبراهيم: يضعف في الحديث. قاله الترمذيُّ (4)، لكن قد تابعه غيره عن داود، وقد رواه غير داود عن عكرمة O. ***** مسألة (712): إتيان البهيمة يوجب الحدَّ كحدِّ اللوطيِّ. وعنه: يوجب التعزير، كقول أبي حنيفة ومالك. لنا: الحديث المتقدِّم. 2968 - وقال الإمام أحمد: حدَّثنا أبو سعيد قال: ثنا سليمان بن بلال
عن عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عبَّاس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من وقع على بهيمة فاقتلوه، واقتلوا البهيمة " (1). ز: حديث عمرو: رواه أبو داود (2) والترمذيُّ من رواية الدَّرَاوَرْدِيِّ عنه. وقال الترمذيُّ: لا نعرفه إلا من حديث عمرو عن عكرمة. 2969 - وقد روى سفيان عن عاصم عن أبي رزين عن ابن عبَّاس أنَّه قال: من أتى بهيمة فلا شيء عليه. حدَّثنا بذلك ابن بشَّار عن ابن مهديٍّ عن الثوريِّ. وهذا أصحُّ (3). وروى ابن إسحاق هذا الحديث عن عمرو بن أبي عمرو، فقال: " ملعون من عمل عمل قوم لوط " ولم يذكر القتل (4). وقال أبو داود: حديث عاصم يضعِّف حديث عمرو بن أبي عمرو (5). قال البيهقيُّ: وقد رويناه من أوجه عن عكرمة، ولا أرى عمرو بن أبي عمرو يقصر عن عاصم بن بهدلة في الحفظ، كيف وقد تابعه على روايته جماعة؟! وعكرمة عند أكثر الأئمة من الثقات الأثبات (6) O.
مسألة (713): إذا تزوج ذات محرم، ووطئها- مع علمه بالتحريم-،
مسألة (713): إذا تزوَّج ذات محرم، ووطئها- مع علمه بالتحريم-، فعليه الحدُّ. وقال أبو حنيفة: التعزير. لنا حديثان: أحدهما: الحديث المتقدِّم: " من وقع على ذات محرم فاقتلوه " (1). 2970 - الحديث الثاني: قال الإمام أحمد: حدَّثنا وكيع ثنا حسن (2) ابن صالح عن السُّدِّيِّ عن عَدِيِّ بن ثابت عن البراء قال: لقيت خالي- يعني: أبا بردة- ومعه الراية، فقلت: أين تريد؟ فقال: بعثني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى رجلٍ تزوَّج امرأة أبيه من بعده، أن أضرب عنقه، وآخذ ماله (3). ز: هذا الحديث رواه أصحاب " السنن الأربعة " (4)، وفي إسناده اختلافٌ. ورواه النَّسائيُّ أيضًا عن أحمد بن عثمان بن حكيم عن أبي نعيم عن الحسن ابن صالح به (5) O. *****
مسألة (714): إذا أذنت المرأة لزوجها في وطء جاريتها، ففعل- مع
مسألة (714): إذا أذنت المرأة لزوجها في وطء جاريتها، ففعل- مع علمه بالتحريم-، فعليه تعزير مائة. وقال أكثرهم: حدُّه حدُّ الزَّاني. 2971 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا يزيد أنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن حبيب بن سالم قال: رُفع إلى النعمان بن بشير رجلٌ أحلت له امرأته جاريتها، فقال: لأقضين فيها بقضية رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إن كانت أحلَّتها له: لأجلدنَّه مائة: وإن لم تكن أحلَّتها له: لأرجمنَّه. قال: فوجدها قد أحلَّتها له، فجلده مائة (1). ز: روى حديث النعمان هذا: أصحاب "السنن الأربعة" (2). وقال الترمذيُّ: في إسناده اضطرابٌ، سمعت محمَّد بن إسماعيل يقول: لم يسمع قتادة من حبيب هذا الحديث (3). وهذا الذي قاله البخاريُّ صحيحٌ، فإنَّ قتادة سمع هذا الحديث من خالد ابن عرفطة عن حبيب، ثم قال قتادة: فكتبت إلى حبيب بن سالم، فكتب إليَّ بهذا. وهذا لا يطعن في الحديث، فكم من حديث في " الصحيح " قد روي بالكتابة. والله أعلم O. *****
مسألة (715): إذا أقر أنه زنا بامرأة، فجحدت، لم يسقط عنه الحد.
مسألة (715): إذا أقرَّ أنَّه زنا بامرأةٍ، فجحدت، لم يسقط عنه الحدُّ. وقال أبو حنيفة: يسقط. 2972 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا حسين بن محمَّد ثنا مسلم بن خالد عن عبَّاد بن إسحاق عن أبي حازم عن سهل بن سعد أنَّ رجلاً من أسلم، جاء إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: إنَّه قد زنا بامرأة سمَّاها، فأرسل النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المرأة، فدعاها، فسألها عما قال، فأنكرت، فحدَّه وتركها (1). قال المصنِّف: مسلم بن خالد هو: الزنجيُّ، قال عليُّ بن المدينيِّ: ليس بشيءٍ (2). وقال الرازيُّ: لا يحتجُّ به (3). وقال البخاريُّ: هو منكر الحديث (4). ز: مسلم بن خالد: وثَّقه ابن معين (5)، ولم يتفرَّد بهذا الحديث، لا هو، ولا شيخه، فقد رواه أبو داود عن عثمان بن أبي شيبة عن طلق بن غنَّام عن عبد السلام بن حفص عن أبي حازم (6). وعبد السلام: وثَّقه يحيى بن معين (7)، وقال أبو حاتم: ليس بمعروف (8) O. *****
مسألة (716): حد الزنا لا يثبت بإقرار مرة، خلافا لمالك والشافعي.
مسألة (716): حدُّ الزنا لا يثبت بإقرار مرَّة، خلافًا لمالك والشافعيِّ. لنا: حديث ماعز، وله تسعة طرق: 2973 - الطريق الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا أسود بن عامر ثنا إسرائيل عن جابر عن عامر عن عبد الرحمن بن أبزى عن أبي بكر قال: كنت جالسًا عند النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجاء ماعز بن مالك، فاعترف عنده مرَّةً، فردَّه، ثم جاء فاعترف عنده الثانية، فردَّه، ثم جاء فاعترف الثالثة، فردَّه، فقلت له: إنَّك إن اعترفت الرابعة رجمك. قال: فاعترف الرابعة، فحبسه، ثم سأل عنه، فقالوا: ما نعلم إلا خيرا. فأمر برجمه (1). ز: جابر هو: الجُعفيُّ، ولا يحتجُّ به O. 2974 - الطريق الثاني: قال أحمد: وحدَّثنا يونس ثنا أبو عوانة عن سماك عن سعيد بن جبير عن ابن عبَّاس قال: لقي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ماعز بن مالك، فقال: " أحقٌّ ما بلغني عنك؟ ". قال: وما بلغك عنِّي؟! قال: " بلغني أنك فجرت بأمة آل فلان ". قال: نعم. فردَّه، حتَّى شهد أربع مرَّات، ثم أمر برجمه (2). ز: رواه مسلمٌ عن قتيبة بن سعيد وأبي كامل الجَحْدَريِّ (3)، ورواه أبو داود عن مسدَّد (4)، ورواه الترمذيُّ (5) والنَّسائيُّ (6) جميعًا عن قتيبة،
ثلاثتهم عن أبي عوانة به. وقال الترمذيُّ: حديثٌ حسنٌ، وروى شعبة هذا الحديث عن سماك عن سعيد بن جبير مرسلاً، ولم يذكر فيه ابن عباس O. 2975 - الطريق الثالث: قال أحمد: وحدَّثنا عبد الرزَّاق أنا إسرائيل عن سماك عن سعيد بن جبير عن ابن عبَّاس قال: أتى رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ماعزٌ، فاعترف عنده مرتين، فقال: " اذهبوا به ". ثم قال: " ردُّوه ". فاعترف مرتين، حتَّى اعترف أربع مرَّات، فقال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اذهبوا به فارجموه " (1). ز: رواه أبو داود عن نصر بن عليٍّ عن أبي أحمد الزبيريِّ عن إسرائيل (2)، ورواه النَّسائيُّ من رواية إسرائيل وزهير كلاهما عن سماك به (3) O. 2976 - الطريق الرابع: قال أحمد: وحدَّثنا أسود بن عامر ثنا شريك عن سماك عن جابر بن سمرة أنَّ ماعزًا جاء، فأقرَّ عند النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربع مرَّات، فأمر برجمه (4). ز: رواه مسلمٌ عن أبي كامل الجَحْدَريِّ عن أبي عوانة عن سماك بنحوه أتمَّ منه، ثم قال: 2977 - حدَّثنا محمَّد بن المثنَّى وابن بشَّار- واللفظ لابن مثنَّى- قالا: ثنا محمَّد بن جعفر ثنا شعبة عن سماك بن حرب قال: سمعت جابر بن سمرة قال: أُتي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برجل قصير أشعث، ذي عضلات، عليه إزار، وقد
زنى، فردَّه مرَّتين، ثم أمر به فرجم ... ، قال: فحدَّثْتُه سعيد بن جبير فقال: إنه ردَّه أربع مرَّات (1). 2978 - الطريق الخامس: قال أحمد: وحدَّثنا يزيد قال: أنا حجَّاج ابن أرطأة عن عبد الملك بن المغيرة عن عبد الله بن المقدام عن ابن شدَّاد عن أبي ذرٍّ قال: كنَّا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأتاه رجل، فقال: إن الآخِر قد زنا، فأعرض عنه، ثم ثنَّى، ثم ثلَّث، ثم ربَّع، فأمرنا فحفرنا له، فرجم (2). ز: هذا الحديث لم يخرجوه بهذا الإسناد. وحجَّاج: فيه كلامٌ. وعبد الملك هو: الطائفيُّ، وقد وثَّقه ابن حِبَّان (3)، وروى له الترمذيُّ حديثًا (4). وعبد الله بن المقدام بن الورد: طائفيٌّ أيضًا، رأى ابن عمر يطوف بين الصفا والمروة، ولم يذكر ابن أبي حاتم فيه جرحًا (5)، والله أعلم O. 2979 - الطريق السادس: قال أحمد: حدَّثنا وكيع ثنا هشام بن سعد قال: أخبرني يزيد بن نعيم بن هزال عن أبيه قال: كان ماعز بن مالك في حجر أبي، فأصاب جارية من الحيِّ، فقال له أبي: ائت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخبره بما صنعت، لعله يستغفر لك، وإنما يريد بذلك رجاء أن يكون له مخرج، فأتاه،
فقال: يا رسول الله، إنِّي زنيت، فأقم عَلَيَّ كتاب الله. فأعرض عنه، إلى أن أتاه الرابعة، فقال: " إنَّك قد قلتها أربع مرَّات، فبمن؟ ". قال: بفلانة. قال: " هل ضاجعتها ". قال: نعم. قال: " هل باشرتها؟ ". قال: نعم. قال: " هل جامعتها؟ ". قال: نعم. فأمر به أن يرجم، فوجد مسَّ الحجارة، فخرج يشتدُّ، فلقيه عبد الله بن أنيس، فنزع له بوظيف بعر (1)، فقتله، وذكر ذلك للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " هلا تركتوه؟ لعله يتوب، فيتوب الله عليه ". قال هشام: فحدَّثني ابن نعيم بن هزال عن أبيه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له حين رآه: " والله يا هزال، لو كنت سترته بثوبك كان خيرًا مما صنعت به! " (2). ز: هذا الإسناد صالحٌ. وهشام بن سعد: روى له مسلمٌ (3)، وقد تُكلِّم فيه من قبل حفظه. ويزيد بن نعيم: روى له مسلمٌ أيضًا (4)، وذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثقات" (5). وأبوه نعيم بن هزال مختلف في صحبته، فإن لم تثبت صحبته فآخر هذا الحديث مرسلٌ، وقد ذكره ابن حِبَّان في "الثقات" أيضًا (6). وقد روى النَّسائيُّ حديث هزال من غير وجه عن يزيد (7)، وفي إسناده
اختلاف، والله أعلم O. 2980 - الطريق السابع: قال أحمد: وحدَّثنا أبو نعيم ثنا بشير بن المهاجر قال: حدَّثني عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: كنت جالسًا عند النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذ جاءه رجل يقال له ماعز بن مالك، فقال: يا نبيَّ الله، إنِّي قد زنيت، وأنا أريد أن تطهِّرني. فقال له النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ارجع ". فلمَّا كان من الغد أتاه أيضًا، فاعترف عنده بالزِّنا، فقال له: " ارجع ". ثم عاد إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثالثة، فاعترف عنده بالزِّنا، ثم رجع الرابعة، فاعترف عنده بالزِّنا، فأمر النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحُفر له حفرة، فجُعل فيها إلى صدره، ثم أمر الناس أن يرجموه، قال بريدة: كنَّا نتحدث أصحاب نبيِّ الله بيننا: أنَّ ماعز بن مالك لو جلس في رحله بعد اعترافه ثلاث مرَّات= لم يطلبه، وإنَّما رجمه عند الرابعة (1). انفرد بإخراجه مسلمٌ. ز: بشير بن المهاجر: وثَّقه ابن معين (2)، وقال أحمد: منكر (3) الحديث، قد اعتبرت أحاديثه فإذا هو يجيء بالعجب (4). وقال البخاريُّ: يخالف في بعض حديثه (5) O.
2981 - الطريق الثامن: قال البخاريُّ: حدَّثنا سعيد بن عفير قال: حدَّثني الليث قال: حدَّثني عبد الرحمن بن خالد عن ابن شهاب عن ابن المسيَّب عن أبي هريرة قال: أتى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجل من أسلم وهو في المسجد، فناداه: يا رسول الله، إن الآخر قد زنا. فأعرض عنه النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فتنحَّى لشقِّ وجهه الذي أعرض قبله، فقال: يا رسول الله، إنِّي قد زنيت فأعرض عنه، فجاء لشقِّ وجه النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي أعرض عنه، فلما شهد على نفسه أربع شهادات، دعاه النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " أبك جنون؟ ". قال: لا، يا رسول الله. قال: " أحصنت؟ ". قال: نعم، يا رسول الله. قال: " اذهبوا به فارجموه " (1). أخرجه البخاريُّ ومسلمٌ في "الصحيحين" (2). 2982 - الطريق التاسع: قال الترمذيُّ: حدَّثنا أبو كريب ثنا عَبْدة بن سليمان عن محمَّد بن عمرو ثنا أبو سلمة عن أبي هريرة قال: جاء ماعز الأسلميُّ إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: إنَّه قد زنا. فأعرض عنه، ثم جاء من شقه الآخر، فقال: إنَّه قد زنا. فأعرض عنه، ثم جاء من شقه الآخر، فقال: يا رسول الله، إنَّه قد زنا. فأعرض عنه، ثم جاء من شقه الآخر (3)، فقال: يا رسول الله، قد زنى. فأمر به- في الرابعة- فأخرج إلى الحرَّة، ورجم بالحجارة، فلما وجد مسَّ الحجارة، فرّ يشتدُّ، حتَّى مرَّ برجل معه لَحْي جمل (4)، فضربه به، وضربه الناس حتَّى مات، فذكروا ذلك لرسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنَّه فرَّ حين وجد مسَّ الحجارة، ومسَّ الموت، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هلا تركتموه؟! " (1). ز: قال الترمذيُّ: هذا حديثٌ حسنٌ. قال: وروي عن أبي سلمة عن جابر عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحو هذا. ورواه النَّسائيُّ عن أحمد بن سليمان عن يزيد بن هارون عن محمَّد بن عمرو به (2)، ورواه ابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عبَّاد بن العوَّام عن محمَّد بنحوه (3). وقد روي حديث ماعز من طرقٍ صحيحةٍ غير الذي (4) ذكرها المؤلِّف، من حديث أبي سعيد وجابر وغيرهما، والله أعلم (5) O. احتجُّوا: بحديث العسيف، وقوله: " واغد يا أنيس على امرأة هذا، فان اعترفت فارجمها". وقد ذكرناه بإسناده في المطاوعة، في كتاب الصوم (6) ووجه احتجاجهم به: أنَّه لم يشترط الأربع.
مسألة (717): إذا أقر بالزنا، ثم رجع عنه، سقط الحد، خلافا
وجوابه: أنَّ المعنى: إن اعترفت الاعتراف المعلوم بالتردُّد. ***** مسألة (717): إذا أقرَّ بالزنا، ثم رجع عنه، سقط الحدُّ، خلافًا لداود، وإحدى الروايتين عن مالك. لنا: حديث أبي هريرة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه لما أخبر أنَّ ماعزًا فرَّ حين رجم، قال: " هلا تركتموه؟ ". وقد سبق بإسناده (1). ***** مسألة (718): للسَّيِّد إقامة الحدِّ على رقيقه، خلافًا لأبي حنيفة. لنا ثلاثة أحاديث: 2983 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا وكيع ثنا سفيان عن عبد الأعلى الثعلبيِّ عن أبي جميلة الطُّهَويِّ عن عليٍّ أنَّ خادمًا للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحدثت، فأمرني النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أقيم عليها الحدَّ، فأتيتها، فوجدتها لم تجفّ من
دمها، فأتيته، فأخبرته، فقال: " إذا جفَّت من دمها فأقم عليها الحدَّ، أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم " (1). 2984 - الحديث الثاني: قال الترمذيُّ: حدَّثنا أبو سعيد الأشج ثنا أبو خالد الأحمر ثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها ثلاثًا، فإن عادت فليبعها ولو بحبل من شعر" (2). قال الترمذيُّ: الحديثان صحيحان (3). ز: الحديث الأوَّل: رواه أبو داود عن محمَّد بن كثير عن إسرائيل عن عبد الأعلى (4). ورواه النَّسائيُّ من رواية سفيان وغيره عن عبد الأعلى (5)، وهو: ابن عامر الثعلبيُّ- بالثاء المثلثة، والعين المهملة-، وقد ضعَّفه أحمد (6) وغيره، وقال النَّسائيُّ: ليس بالقويِّ (7). 2985 - وقال مسلمٌ في "صحيحه": ثنا محمَّد بن أبي بكر المقدميُّ ثنا
سليمان أبو داود ثنا زائدة عن السُّدِّيِّ عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن قال: خطب عليٌّ رضي الله عنه، فقال: يا أيها الناس، أقيموا على أرقائكم الحدَّ، من أحصن منهم، ومن لم يحصن، فإنَّ أمةً لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زنت، فأمرني أن أجلدها، فإذا هي حديث عهد بنفاس، فخشيت- إن أنا جلدتها- أن أقتلها، فذكرت ذلك للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " أحسنت ". قال: وحدَّثناه إسحاق بن إبراهيم أنا يحيى بن آدم ثنا إسرائيل عن السُّدِّيِّ بهذا الإسناد، ولم يذكر: (من أحصن منهم، ومن لم يحصن)، وزاد في الحديث: (اتركها حتَّى تماثل) (1). وقد روى هذا الحديث: الترمذيُّ عن الحسن بن عليٍّ الخلال عن أبي داود الطيالسيِّ، وصحَّحه (2)، ولم يصحَّح حديث عبد الأعلى، ولا رواه، والله أعلم. والحديث الثاني: رواه النَّسائيُّ عن أبي سعيد الأشج أيضًا (3)، ورواه من حديث الثوريِّ، ومن حديث أبي خالد عن الأعمش، كلاهما عن حبيب ابن أبي ثابت عن أبي صالح به (4). ورواه سعيد بن أبي سعيد الجرحانيُّ عن سفيان عن الأعمش عن حبيب (5) O. 2986 - الحديث الثالث: قال الإمام أحمد: حدَّثنا سفيان ثنا الزهريُّ
مسألة (719): حد شارب الخمر ثمانون.
عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجُهنيِّ وشبل قالوا: سئل النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الأمة تزني قبل أن تحصن، قال: " اجلدوها، فإن عادت فاجلدوها، فان عادت فاجلدوها، فإن عادت فبيعوها ولو بضفير " (1). أخرجاه في "الصحيحين" (2). ***** مسألة (719): حدُّ شارب الخمر ثمانون. وعنه: أربعون. 2987 - قال الترمذيُّ: حدَّثنا محمَّد بن بشَّار ثنا محمَّد بن جعفر ثنا شعبة قال: سمعت قتادة يحدِّث عن أنس (3) عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه أُتي برجل قد شرب الخمر، فضربه بجريدتين نحو الأربعين، وفعله أبو بكر، فلمَّا كان عمر، استشار الناس، فقال عبد الرحمن بن عوف: أخفُّ الحدود ثمانون. فأمر به عمر (4). هذا حديثٌ صحيحٌ. وربَّما اعترضوا فقالوا: إذا كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد ضرب نحوا من
أربعين، فكيف يجوز التجاوز؟! قلنا: إنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يحدِّ في ذلك حدًّا، ولو حدَّه ما تجاوز به الصحابة، وإنَّما ضرب تأديبًا وعقوبة، فبلغ الضرب نحو أربعين (1)، فلما فهمت الصحابة أنَّ المقصود الزجر ألحقوه بأخفِّ الحدود. وهذا مذهب عمر وعثمان وعبد الرحمن وطلحة والزبير. ز: حديث أنس هذا: مخرَّجٌ في "الصحيحين" من حديث شعبة وغيره عن قتادة (2). 2988 - وقال مسلمٌ في " الصحيح ": حدَّثني محمَّد بن منهال الضرير ثنا يزيد بن زريع ثنا سفيان الثوريُّ عن أبي حَصين عن عمير بن سعيد عن عليٍّ قال: ما كنت أقيم على أحد حدًّا، فيموت فيه، فأجد منه في نفسي، إلا صاحب الخمر، لأنَّه إن مات وديته، لأنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يَسُنّه (3). وقد رواه البخاريُّ من حديث سفيان (4). 2989 - وقال الطحاويُّ: ثنا سليمان بن شعيب ثنا الخَصِيب بن ناصح ثنا عبد العزيز بن مسلم عن مطرِّمف عن عمير بن سعيد النخعيِّ قال: قال عليٌّ: من شرب الخمر، فجلدناه، فمات، وديناه، لأنَّه شيءٌ صنعناه (5).
مسألة (720): يضرب في الحدود جميع البدن، ما عدا: الرأس،
وقد حكى الطحاويُّ إجماع أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الثمانين. 2990 - وروى- بإسناد غريب لا يثبت- عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا: " من شرب بسقة خمرٍ، فاجلدوه ثمانين " (1) O. ***** مسألة (720): يضرب في الحدود جميع البدن، ما عدا: الرأس، والوجه، والفرج. وقال مالكٌ: يضرب الظهر وما يقاربه حسب. 2991 - قال سعيد بن منصور: ثنا هشيم أنا ابن أبي ليلى عن عَديِّ بن ثابت قال: أخبرني هنيدة بن خالد الكنديُّ أنَّه شهد عليًّا عليه السلام (2) أقام على رجل حدًّا، فقال للجلاد: اضربه، وأعط كلَّ عضو منه حقَّه، واتَّق وجهه ومذاكيره (3). ***** مسألة (721): لا يستوفى الحدُّ في دار الحرب. وقال مالكٌ والشافعيُّ: يستوفى.
2992 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا الحسن بن موسى ثنا عبد الله بن لهيعة ثنا عيَّاش بن عبَّاس عن شِيَيْم بن بَيْتَان عن جنادة بن أبي أميَّة أنَّه قال على المنبر برودس- حين جلد الرجلين اللذين سرقا غنائم الناس- فقال: إنَّه لم يمنعني من قطعهما إلاَّ أنَّ بُسر بن أرطأة وجد رجلاً يسرق في الغزو، فجلده، ولم يقطع دوه، وقال: نهانا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن القطع في الغزو (1). 2993 - وقال سعيد بن منصور: ثنا إسماعيل بن عيَّاش عن أبي بكر ابن أبي مريم عن حميد بن عقبة بن رومان عن أبي الدرداء أنَّه كان ينهى أن تقام الحدود على الرجل وهو غاز في سبيل الله حتَّى يقفل، مخافة أن تلحقه الحميَّة فيلحق بالكفَّار (2). قال المصنِّف: ابن لهيعة و [إسماعيل] (3) بن عيَّاش ضعيفان. ز: أمَّا الحديث الأوَّل: فلم ينفرد به ابن لهيعة، فلا معنى لتضعيفه، فقد رواه الإمام أحمد أيضًا عن عَتَّاب بن زياد عن عبد الله- وهو ابن المبارك- عن سعيد بن يزيد عن عيَّاش (4). ورواه أبو داود عن أحمد بن صالح عن ابن وهب عن حيوة بن شريح عن عيَّاش عن شِيَيْم ويزيد بن صُبْح الأصبحيِّ، كلاهما عن جنادة بنحوه (5).
ورواه الترمذيُّ عن قتيبة عن ابن لهيعة، وقال: غريبٌ، وقد رواه غير ابن لهيعة بهذا الإسناد نحو هذا (1). ورواه النَّسائيُّ من رواية حيوة عن عيَّاش عن جنادة، ولم يذكر بين عيَّاش وجنادة أحدًا (2). وبُسر هو: ابن أرطأة، ويقال: ابن أبي أرطأة، القرشيُّ، العامريُّ، الشاميُّ، وقد اختلف في سماعه من النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والله أعلم. وأمَّا حديث أبي الدرداء: ففيه: أبو بكر بن أبي مريم، وهو أضعف من إسماعيل بن عيَّاش. وفيه: حميد بن عقبة، وليس بذاك المشهور، وهو: القرشيُّ، ويقال: الفلسطينيُّ، وقد ذكره البخاريُّ (3) وابن أبي حاتم (4)، ولم يذكرا فيه جرحًا، والله أعلم O. احتجُّوا: 2994 - بما رواه أبو داود في " المراسيل "، قال: حدَّثنا هشام بن خالد الدمشقيُّ ثنا الحسن بن يحيى الخشنيُّ عن زيد بن واقد عن مكحول عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أقيموا الحدود في الحضر والسفر، على القريب والبعيد، ولا تبالوا في الله لومة لائم " (5). والجواب:
أنَّ زيد بن واقد ضعيفٌ. ويحيى الخشنيُّ: ليس بشيء، قال يحيى بن معين: ليس بشيءٍ (1). وقال النَّسائيُّ: ليس بثقة (2). وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: متروكٌ (3). ثم إنَّ مكحولاً لم يلق عبادة. ثم نحمله على غير سفر الغزو. ز: كلام المؤلِّف على هذا الحديث فيه نظرٌ، من وجوه: أحدها: تضعيفه زيد بن واقد، فإنَّ زيد بن واقد راوي هذا الحديث هو: الدمشقيُّ، وقد روى له البخاريُّفي "صحيحه" (4)، ووثَّقه أحمد (5) وابن معين (6) ودحيم (7) والدَّارَقُطْنِيُّ (8) وغيرهم. وأمَّا زيد بن واقد المتكلَّم فيه، فهو أبو علي السمتيُّ البصريُّ، نزيل الريِّ، روى عن حميد الطويل، قال أبو زرعة: ليس بشيءٍ. ووثَّقه أبو حاتم، وروى عنه، وقال: كان شيخًا فانيًا كبيرًا (9).
الثاني: قوله: (ويحيى الخشنيُّ ليس بشيء)، والصواب: الحسن بن يحيى الخشنيُّ. الثالث: حكايته عن ابن معين تضعيفه، وعدم حكايته توثيق من وثَّقه، وقد وثَّقه ابن معين- في رواية (1) -، وقال دُحيم: لا بأس به (2). وقال أبو حاتم: صدوقٌ، سيء الحفظ (3). وقال الحاكم أبو أحمد: ربَما يخطئ في الشيء (4). وقال ابن عَدِيٍّ: هو ممن تحتمل رواياته (5). وقد قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث رواه الحسن بن يحيى الخشنيُّ عن زيد بن واقد عن مكحول عن جبير بن نفير عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أقيموا (6) الحدود في الحضر والسفر، على القريب والبعيد، ولا تأخذكم في الله لومة لائم ". فقال أبي: هذا حديث حسنٌ، إن كان محفوظًا (7). هكذا ذكره بزيادة: (جبير بن نفير)، والله أعلم. وقد روي هذا الحديث من غير هذا الوجه عن عبادة: 2995 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا أبو اليمان وإسحاق بن عيسى قالا: ثنا إسماعيل بن عيَّاش عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم عن أبي سلام- قال إسحاق الأعرج: عن المقدام بن معدي كرب الكنديِّ- أنه جلس مع عبادة بن
الصامت وأبي الدرداء والحارث بن معاوية الكنديِّ، فتذاكروا حديث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال أبو الدرداء لعبادة: يا عبادة، كلمات رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة كذا، في شأن الأخماس. فقال عبأدة- قال إسحاق في حديثه: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى بهم في غزوهم إل بعير من المقسم، فلم سلَّم، قام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فتناول وبرة بين أنملتيه، فقال: " إن هذه من غنائمكم، وإنه ليس لي فيها إلا نصيبي معكم، إلا الخمس، والخمس مردود عليكم، فأدُّوا الخيط والمخيط، وأكبر من ذلك وأصغر، ولا تغلُّوا، فإنَّ الغلول نار وعار على أصحابه في الدنيا والآخرة، وجاهدوا الناس في الله تبارك وتعالى، القريب والبعيد، ولا تبالوا في الله لومة لائم، وأقيموا حدود الله في الحضر والسفر، وجاهدوا في سبيل الله، فإنَّ الجهاد باب من أبواب الجنة عظيم، ينجي الله به من الغمِّ والهمِّ " (1). أبو بكر بن أبي مريم: ضعيفٌ، لكنَّه لم يتفرَّد بهذا الحديث، فقد روى نحوه عبد الله بن أحمد من رواية إسماعيل عن سعيد بن يوسف عن يحيى بن أبي كثير عن سلام (2)، وقد رواه عبد الله أيضًا من رواية القاسم بن الوليد عن أبي صادق عن ربيعة بن ناجد عن عبأدة، ولفظه: " وجاهدوا في سبيل الله القريب والبعيد، في الحضر والسفر، وأقيموا حدود الله تعالى في القريب والبعيد، ولا تأخذكم في الله لومة لائم " (3). هكذا رواه بهذا اللفظ، والله أعلم O. *****
مسائل التعزير
مسائل التعزير مسألة (722): لا يبالغ بالتعزير أعلى الحدود. وقال مالكٌ: يفعل الإمام ما يؤدِّيه إليه اجتهاده، وإن زاد على الحدِّ. 2996 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا هاشم وحجَّاج قالا: ثنا ليث بن سعد قال: حدَّثني يزيد بن أبي حبيب عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن سليمان بن يسار (1) عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله عن أبي بردة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يجلد فوق عشر جلدات، إلا في حدٍّ من حدود الله تعالى " (2). أخرجاه في "الصحيحين" (3). 2997 - وقد روى أصحابنا أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من بلغ حدًّا في غير حدٍّ، فهو من المتعدِّين " (4). ز: حديث أبي بردة: انفرد به البخاريُّ من رواية الليث عن يزيد عن بكير به (5). ورواه مسلمٌ من رواية عمرو بن الحارث عن بكير عن سليمان عن
عبد الرحمن عن أبيه عن أبي بردة (1)، وكذلك رواه البخاريُّ أيضًا (2). والحديث الذي رواه أصحابنا: لا يثبت، ولا يعرف له إسنادٌ موصولٌ صحيحٌ، وقد رواه أبو داود الطيالسيُّ مرسلاً، فقال: 2998 - حدَّثنا مسعر عن الوليد عن الضحَّاك- هو ابن مزاحم- قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من بلغ حدًّا في غير حدٍّ، فهو من المتعدِّين ". كذا رواه مرسلاً، قال البيهقيُّ: وهو المحفوظ (3). وقد رواه ابن ناجية في "فوائده" متصلاً، فقال: 2999 - ثنا محمَّد بن حصين الأصبحيُّ ثنا عمر بن عليِّ المُقَدَّمِيُّ ثنا مسعر عن خاله الوليد بن عبد الرحمن عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من بلغ حدًّا في غير حدٍّ، فهو من المعتدين " (4). والله أعلم O. *****
مسائل السرقة
مسائل السرقة مسألة (723): النصاب في السرقة ربع دينار، أو ثلاثة دراهم، أو قيمة ثلاثة دراهم من العروض والأثمان، أصلٌ لا يقوَّم بعضها ببعض، وهو قول مالك. وقال أبو حنيفة: النصاب دينار، أو عشرة دراهم، أو قيمة أحدهما من العروض. وقال الشافعيُّ: ربع دينار، أو ما قيمته ربع دينار. لنا ثلاثة أحاديث: 3000 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا إسماعيل ثنا أيُّوب عن نافع عن ابن عمر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قطع في مِجَنٍّ ثمنه ثلاثة دراهم (1). 3001 - الحديث الثاني: قال أحمد: وحدَّثنا سفيان قال: سمعت من الزهريِّ عن عَمْرة عن عائشة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقطع في ربع دينار، فصاعدًا (2). الحديثان في "الصحيحين".
3002 - الحديث الثالث: قال أحمد: وحدَّثنا هاشم ثنا محمَّد بن راشد عن يحيى بن يحيى الغسَّانيِّ عن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن عَمْرة عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اقطعوا في ربع الدينار، ولا تقطعوا فيما هو أدنى من ذلك ". قالت: وكان ربع الدينار يومئذ ثلاثة دراهم (1). ز: لم يخرجوه من حديث محمَّد بن راشد عن يحيى. ويحيى: ثقةٌ. ومحمَّد: مختلفٌ في توثيقه. وقد رواه مسلمٌ من رواية يزيد بن عبد الله بن الهاد عن أبي بكر بن محمَّد ابن عمرو بن حزم عن عَمْرة عن عائشة رضي الله عنها، ولفظه: " لا تُقطع يد سارقٍ إلا في ربع دينار، فصاعدًا " (2) O. احتجُّوا بثلاثة أحاديث: 3003 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا ابن إدريس ثنا ابن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه أنَّ قيمة المِجَنِّ كان على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عشرة دراهم (3). 3004 - الحديث الثاني: أخبرنا محمَّد بن ناصر قال: أنا محمَّد بن أحمد ابن عبد الرزَّاق أنا أبو بكر بن الأخضر ثنا عمر بن شاهين ثنا أحمد بن محمَّد بن سليمان ثنا عمر بن شبَّة ثنا سلم بن قتيية ثنا زفر بن الهذيل ثنا الحجَّاج بن أرطأة
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يقطع السارق إلا في عشرة دراهم " (1). 3005 - الحديث الثالث: قال النَّسائيُّ: حدَّثنا محمَّد بن بشَّار ثنا عبد الرحمن ثنا سفيان عن منصور عن مجاهد عن أيمن قال: لم تكن تقطع اليد على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا في ثمن المِجَنِّ، وقيمته يومئذ دينار (2). قال المصنِّف: ابن إسحاق وسلم وزفر والحجَّاج كلُّهم ضعفاء. وأمَّا حديث أيمن: فقد ذكرنا في الصِّحاح عن ابن عمر وعائشة ضدَّ هذا، وهما أعرف منه، وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: أيمن تابعيٌّ لم يدرك زمان النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا الخلفاء بعده (3). ز: حديث ابن إسحاق عن عمرو: رواه النَّسائيُّ عن خلاد بن أسلم عن ابن إدريس (4)، ورواه أيضًا عن عبيد الله بن سعد بن إبراهيم عن عمِّه عن أبيه عن ابن إسحاق عن عمرو عن عطاء عن ابن عبَّاس (5). 3006 - وروى أبو داود عن عثمان بن أبي شيبة ومحمَّد بن أبي السري العسقلانيُّ كلاهما عن عبد الله بن نمير [عن محمَّد بن إسحاق عن أيوب بن موسى] (6) عن عطاء عن ابن عبَّاس أنُّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قطح يد رجل في مِجَن، قيمته دينار، أو عشرة دراهم (7).
وروى النَّسائيُّ عن يحيى بن موسى البلخيِّ عن ابن نمير بإسناده: وكان ثمن المجن على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقوَّم عشرة دراهم. ورواه عن محمَّد بن وهب عن محمَّد بن سلمة عن ابن إسحاق به مرسلاً، ليس فيه: ابن عبَّاس. وعن حُميد بن مَسعدة عن سفيان بن حبيب عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء قوله (1). 3007 - قال الطحاويُّ: حدَّثنا ابن مرزوق ثنا أبو عاصم عن ابن جريج قال: كان قول عطاء على قول عمرو بن شعيب: لا تقطع اليد في أقلّ من عشرة دراهم (2). وأمَّا حديث الحجَّاج عن عمرو: فرواه الإمام أحمد في "المسند" عن نصر بن باب عنه، ولفظه: " لا قطع فيما دون عشرة دراهم " (3). ونصر: ليس بثقة. قاله ابن معين (4)، وقال النَّسائيُّ: متروكٌ (5). وقال البخاريُّ: يرمونه بالكذب (6). وحجَّاج: مدلِّسٌ، ولم يسمع هذا الحديث من عمرو. وأمَّا حديث أيمن: فقد اختلف في إسناده، كما ذكر ذلك النَّسائيُّ (7)،
وقال في أيمن: ما أحسب أنَّ له صحبة (1). وقال أبو القاسم في " الأطراف ": أيمن هو: ابن عبيد بن عمرو، وهو ابن أمِّ أيمن (2). وقال غيره: إنَّما هو أيمن الحبشيُّ، والد عبد الواحد بن أيمن، وأمَّا ابن أمِّ أيمن- وهو أخو أسامة بن زيد لأمِّه- فإنَّه قتل يوم حنين، في عهد النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (3). 3008 - وقال الطحاويُّ: ثنا ابن أبي داود ثنا يحيى بن عبد الحميد الحِمَّانيُّ ثنا شَرِيك عن منصور عن عطاء عن أيمن بن أمِّ أيمن عن أمِّ أيمن قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تقطع يد السارق إلا في جحفة ". وقوِّمت يومئذ- على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دينارًا وعشرة دراهم (4). كذا رواه، وفيه نظرٌ، وقد رواه النَّسائيُّ من رواية شَرِيك، وليس فيه: عن أمِّ (5) أيمن، فقال: 3009 - أخبرنا علي بن حُجْر ثنا شَرِيك عن منصور عن عطاء ومجاهد عن أيمن بن أمِّ أيمن رفعه، قال: " لا تقطع إلا في ثمن المِجَنِّ " وثمنه يومئذ دينار (6).
مسألة (724): يجب القطع على جاحد العارية، خلافا لأكثرهم.
كذا رواه، والله أعلم. وأمَّا تضعيف المؤلِّف لسَلْم بن قتيبة وزفر وابن إسحاق: ففيه نظرٌ، فإنَّ سَلْمًا روى له البخاريُّ في "صحيحه" (1)، ووثَّقه أبو داود (2) وأبو زرعة (3). وزفر: وثَّقه غير واحد، قال أبو نعيم (4) ويحيى بن معين (5): هو ثقةٌ مأمونٌ. مع أنَّه غير متفرِّد بالحديث عن حجَّاج. وابن إسحاق: صدوقٌ، والمؤلِّف يحتجُّ به في غير موضع، والله أعلم O. ***** مسألة (724): يجب القطع على جاحد العاريَّة، خلافًا لأكثرهم. 3010 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا عبد الرزَّاق ثنا معمر عن الزهريِّ عن عروة (6) عن عائشة قالت: كانت امرأة مخزوميَّة تستعير المتاع وتجحده، فأمر النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقطع يدها، فأتى أهلُها أسامةَ بن زيد، فكلَّموه، فكلَّم أسامةُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " يا أسامة، ألا أراك تكلِّمني في حدٍّ من حدود الله ". ثم قام النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطيبًا، فقال: " إنما هلك من كان قبلكم بأنَّه إذا سرق فيهم الشريف
مسألة (725): إذا اشترك جماعة في سرقة نصاب من حرز، قطعوا.
تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه، والذي نفسي بيده، لو كانت فاطمة بنت محمَّد لقطعت يدها ". فقطع يد المخزوميَّة (1). انفرد بإخراجه مسلمٌ (2). 3011 - قال أحمد: وحدَّثنا عبد الرزَّاق ثنا معمر عن أيُّوب عن نافع عن ابن عمر قال: كانت مخزوميَّة تستعير المتاع وتجحده، فأمر النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقطع يدها (3). ز: حديث معمر عن أيُّوب هذا: رواه أبو داود (4) والنَّسائيُّ (5) من رواية عبد الرزَّاق عنه. وقال البيهقيُّ- بعد أن تكلَّم على حديث المخزوميَّة-: وتقدير الخبر أنَّ امرأة مخزوميَّة كانت تستعير المتاع وتجحده- كما رواه معمر-= سرقت- كما رواه غيره-، فقطعت. يعني بالسرقة (6) كذا قال، وفيه نظر، والله أعلم O. ***** مسألة (725): إذا اشترك جماعة في سرقة نصاب من حرز، قطعوا.
وبه قال مالكٌ، إلاَّ أنَّه اشترط أن يخرجوا النصاب معًا، ويكون مما يحتاج إلى المعاونة فيه. وقال أبو حنيفة والشافعيُّ: لا قطع بحال. 3012 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده " (1). أخرجاه في "الصحيحين" (2). ولا يصحُّ هذا إلاَّ على قولنا، وهو أن يخرج كلُّ واحد بيضة أو حبلا. ز: هذا الذي ذكره المؤلِّف هو أحد ما قيل في هذا الحديث. وقيل: إن هذا من باب التدريج. وقيل: إن المراد بالبيضة: بيضة السلاح، وبالحبل: ما يساوي نصابًا. وقيل: المعنى أنه قد يسرق البيضة والحبل، فيقطعه بعض الولاة سياسة، لا قطعا جائزا شرعا. وقيل غير ذلك، والله أعلم O. *****
مسألة (726): يجتمع الغرم مع القطع.
مسألة (726): يجتمع الغرم مع القطع. وقال أبو حنيفة: القطع ينفي الضمان. وقال مالكٌ: إن كان السارق موسرًا كمذهبنا، وإن كان معسرًا فكمذهبهم. لنا: قوله عليه السلام: " على اليد ما أخذت حتَّى تؤدِّيه ". وقد سبق بإسناده في كتاب البيوع، في مسألة الأجير المشترك (1). احتجُّوا: 3013 - بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ، قال: حدَّثنا محمَّد بن مخلد ثنا محمَّد بن إسحاق الصاغانيُّ ثنا سعيد بن عفير ثنا مفضل بن فضالة عن يونس بن يزيد عن سعيد (2) بن إبراهيم عن أخيه مسور بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا غرم على السارق بعد قطع يمينه " (3). والجواب: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: سعيد بن إبراهيم مجهولٌ، والمسور لم يدرك عبد الرحمن ابن عوف (4). قال: ويروى من وجوه كلّها لا تثبت (5).
ز: كذا فيه: (عن سعيد بن إبراهيم) والمعروف: عن سعد. ومسور بن عبد الرحمن: منسوب إلى جدِّه، وهو: ابن إبراهيم بن عبد الرحمن. وقد روى النَّسائيُّ هذا الحديث، فقال: 3014 - أخبرنا عمرو بن منصور ثنا حسَّان بن عبد الله ثنا المفضَّل بن فضالة عن يونس بن يزيد قال: سمعت سعد بن إبراهيم يحدِّث عن المسور بن إبراهيم عن عبد الرحمن بن عوف أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يغرم صاحب السرقة إذا أقيم عليه الحدُّ ". قال النَّسائيُّ: هذا مرسلٌ، وليس بثابتٍ (1). وسعد بن إبراهيم هذا: قيل: إنَّه الزهريُّ، قاضي المدينة، وهو أحد الثقات الأثبات، لكن قال البيهقيُّ: لا نعرف له أخا معروفا بالرواية يقال له: المسور (2). وقيل: إنه غيره، قال ابن المنذر: سعد بن إبراهيم هذا مجهولٌ (3). وقال ابن أبي حاتم: مسور بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، أخو صالح وسعد ابني إبراهيم، روى عن عبد الرحمن مرسلاً (4).
مسألة (727): إذا ملك السارق العن المسروقة- بجهة من جهات
وقال ابن عبد البرِّ في هذا الحديث: ليس بالقويِّ (1). والله أعلم O. ***** مسألة (727): إذا ملك السارق العن المسروقة- بجهة من جهات الملك- لم يسقط القطع، خلافًا لأبي حنيفة. 3015 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا روح أنا محمَّد بن أبي حفصة ثنا الزهريُّ عن صفوان بن (2) عبد الله بن صفوان عن أبيه (3) أنَّ صفوان بن أميَّة قال: بينا أنا راقد، إذ جاء السارق فأخذ ثوبي من تحت رأسي، فأدركته، فأتيت به النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: إنَّ هذا سرق ثوبي. فأمر به النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقطع. قال: فقلت: يا رسول الله، ليس هذا أردت هو عليه صدقة. قال: " هلا قبل أن تأتيني به؟ " (4). 3016 - وروى أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " تعافوا الحدود فيما بينكم، فما بلغني من حدٍّ فقد وجب " (5).
مسألة (728): يجب القطع على النباش، إذا بلغت قيمة الكفن نصابا،
ز: حديث صفوان: صحيحٌ، وقد رواه الإمام أحمد أيضًا (1)، وأبو داود (2) والنَّسائيُّ (3) وابن ماجة (4) من غير وجهٍ عنه. وحديث ابن عمرو: إسناده حسنٌ، فإنَّه من رواية ابن جريج عن عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جدِّه، وقد رواه النَّسائيُّ (5) أيضًا O. ***** مسألة (728): يجب القطع على النبَّاش، إذا بلغت قيمة الكفن نصابا، خلافًا لأبي حنيفة. 3017 - وقد روى أصحابنا أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قطع نبَاشًا. 3018 - وقال أبو بكر الأثرم: حدَّثنا أبو عبد الله أحمد بن حنبل عن أسود بن عامر عن إسرائيل عن عبد الله بن المختار عن معاوية بن قُرَّة قال: يقطع. 3019 - قال الأثرم: حدَّثني ابن الطبَّاع قال: ثنا [هشيم] (6) عن يونس عن الحسن وابن سيرين قالا: النبَّاش يقطع. *****
مسألة (729): إذا سرق في المرة الثالثة، وما بعدها، لم يقطع، بل
مسألة (729): إذا سرق في المرَّة الثالثة، وما بعدها، لم يقطع، بل يحبس حتَّى يتوب، في أصحِّ الروايتين، وهو قول أبي حنيفة. وفي الأخرى: تقطع في الثالثة (1) يده اليسرى، وفي الرابعة رجله اليمنى، وهو قول مالكٍ والشافعيِّ. 3020 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا محمَّد بن الحسن ثنا أحمد بن العبَّاس ثنا إسماعيل بن سعيد ثنا محمَّد بن الحسن عن أبي حنيفة ثنا عمرو بن مرَّة عن عبد الله بن سلمة عن عليٍّ رضي الله عنه قال: إذا سرق السارق قطعت يده اليمنى، فإن عاد، قطعت رجله اليسرى، فإن عاد، ضمن السجن حتَّى يحدث خيرا، إني لأستحيى أن أدعه يعيش (2). يعني بلا رجل ولا يد. ز: 3021 - قال سعيد: ثنا أبو معشر عن سعيد بن أبي سعيد المقبريِّ عن أبيه قال: حضرت عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه أُتي برجل مقطوع اليد والرجل، قد سرق، فقال لأصحابه: ما ترون في هذا؟ قالوا: اقطعه يا أمير المؤمنين. قال: قتلته إذا، وما عليه القتل؟! بأيِّ شيء يكل الطعام؟! بأيِّ شيء يتوضَّأ للصلاة؟! بأيِّ شيء يغتسل من جنابته؟! بأيِّ شيء يقوم على حاجته؟! فردَّه إلى السجن أيَّامًا، ثم أخرجه، فاستشار أصحابه، فقالوا مثل قولهم الأوَّل، وقال لهم مثل ما قال أوَّل مرَّة، فجلده جلدًا شديدًا، ثم أرسله (3). 3022 - وقال سعيد: ثنا أبو الأحوص عن سماك بن حرب عن عبد الرحمن بن عائذ قال: أتي عمر برجل أقطع اليد والرجل (4)، قد سرق،
فأمر به عمر أن تقطع رجله، فقال عليٌّ: إنَّما قال الله تعالى: (إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً) الآية [المائدة: 33]، وقد قطعت يد هذا ورجله، فلا ينبغي أن تقطع رجله، فتدعه ليس له قائمة يمشي عليها، إمَّا أن تعزره، أو تستودعه السجن. فاستودعه السجن (1) O. احتجُّوا: 3023 - بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ، قال: حدَّثنا الحسن بن أحمد بن سعيد الرهاويُّ ثنا العبَّاس بن عبيد الله الرهاويُّ ثنا محمَّد بن يزيد بن سنان ثنا أبي ثنا هشام بن عروة عن محمَّد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: أُتي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسارق، فقطع يده، ثم أُتي به قد سرق، فقطع رجله، ثم أُتي به قد سرق، فقطع يده، ثم أُتي به قد سرق، فقطع رجله، ثم أُتي به قد سرق، فأمر به فقتل (2). 3024 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا محمَّد بن الحسن المقري ثنا أحمد بن العبَّاس ثنا إسماعيل بن سعيد أنا الواقديُّ عن ابن أبي ذئب عن خالد بن سلمة - أراه عن أبي سلمة- عن أبي هريرة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا سرق السارق فاقطعوا يده، فإن عاد فاقطعوا رجله، فإن عاد فاقطعوا يده، فإن عاد فاقطعوا رجله " (3). 3025 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا عثمان بن أحمد ثنا يحيى بن أبي طالب أنا عبد الوهَّاب أنا خالد الحذَّاء عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال: شهدت عمر ابن الخطاب قطع- بعد يد ورجل- يدًا (4).
والجواب: أمَّا حديث جابر، فقال الدَّارَقُطْنِيُّ: محمَّد بن يزيد ضعيفٌ (1). وأمَّا حديث أبي هريرة: فقال أحمد: الواقديُّ كذَّابٌ (2). ثم الحديثان محمولان على أنَّ ذلك كان قبل أن تشرع الحدود، ولهذا أمر بقتله. وابن عمر معارضٌ بما روينا عن عليٍّ. ز: حديث هشام عن ابن المنكدر: لم يخرجوه، وقد روي نحوه من وجه آخر عن ابن المنكدر: 3026 - قال النَّسائيُّ: أنا محمَّد بن عبد الله بن عبيد بن عقيل ثنا جدِّي ثنا مصعب بن ثابت عن محمَّد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: جيء بسارق إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " اقتلوه ". فقال: يا رسول الله، إنَّما سرق. قال: " اقطعوه ". فقطع، ثم جيء به الثانية، فقال: " اقتلوه ". فقالوا: يا رسول الله، إنَّما سرق. قال: " اقطعوه ". فأتي به الثالثة، قال: " اقتلوه ". قالوا: يا رسول الله، إنَّما سرق. قال: " اقطعوه ". [فأتي به الرابعة، قال: " اقتلوه ". قالوا: يا رسول الله، إنَّما سرق. قال: " اقطعوه ".] (3) فأتي به الخامسة، قال: " اقتلوه ". قال جابر: فانطلقنا به إلى مربد النعم، ثم حملناه فاستلقى على ظهره، ثم كسر بيده (4) ورجله (5)، فانصدعت الإبل، ثم حملوا
مسألة (730): يسقط حد الزنا والسرقة والشرب بالتوبة.
عليه الثانية، ففعل مثل ذلك، ثم حملوا عليه الثالثة، فرميناه بالحجارة، فقتلناه، ثم ألقيناه في بئر، ثم رميناه بالحجارة (1). ورواه أبو داود أيضًا عن شيخ النسائيِّ (2). وقال النَّسائيُّ: هذا حديثٌ منكرٌ، ومصعب بن ثابت ليس بقويٍّ في الحديث. وقد روى النَّسائيُّ أيضًا نحوه من حديث حمَّاد بن سلمة عن أبي يعقوب يوسف بن سعد عن الحارث بن حاطب الجمحيِّ، وفيه: ثم سرق على عهد أبي بكر حتَّى قطعت قواثمه كلُّها، ثم سوق الخامسة، فدفعه إلى فتية من قريش ليقتلوه ... الحديث (3). وحديث خالد بن سلمة عن أبي سلمة: لم يخرجوه، والله أعلم O. مسألة (730): يسقط حدُّ الزنا والسرقة والشرب بالتوبة. وعنه: لا يسقط كقول أبي حنيفة ومالكٍ.
وعن الشافعيِّ كالمذهبين. 3027 - أنبأنا أحمد بن أحمد المتوكليُّ -وثنا عنه ابن ناصر- قال: أبنا أبو بكر أحمد بن عليِّ بن ثابت أنا أبو سعيد محمَّد بن موسى الصيرفيُّ أنا أبو عبد الله محمَّد بن عبد الله الأصبهانيُّ ثنا عبد الله بن محمَّد القرشيُّ (1) ثنا أحمد ابن بديل ثنا سلم بن سالم ثنا سعيد الحمصيُّ عن عاصم الجذاميُّ عن عطاء عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " التائب من الذانب كمن لا ذنب له " (2). ز: هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا، لا يجوز الاحتجاج به. وعاصم: ليس بالمشهور. وقوله: (الجذامي) خطأٌ، والصواب: الحُدَّاني (3). وسعيد الحمصيُّ هو: ابن عبد الجبَّار، وكان جرير يكذِّبه. قاله قتيبة (4)، وقال ابن المدينيِّ: لم يكن بشيء (5). وقال النَّسائيُّ: ليس بثقة (6). وسلم بن سالم هو: أبو محمَّد البلخيُّ، وقد كذَّبه ابن المبارك. قاله الحاكم (7)، وقال ابن معين: ليس بشيء (8). وقال السعديُّ: غير ثقةٍ (9).
مسألة (731): المرتدة تقتل، خلافا لأبي حنيفة.
وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: منكر الحديث (1). وقد ذكر البيهقيُّ هذا الحديث بهذا الإسناد، ثم قال: هذا إسناد فيه ضعيف (2). قال: وقد روي من أوجه ضعيفة (3) O. ***** مسألة (731): المرتدة تقتل، خلافًا لأبي حنيفة. لنا ثلاثة أحاديث: الحديث الأوَّل: قوله عليه السلام: " من بدَّل دينه فاقتلوه ". وقد سبق بإسناده في مسألة انتقال الذميِّ إلى غير دينه (4). 3028 - الحديث الثاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا إبراهيم بن محمَّد بن عليِّ بن بطحا ثنا نجيح بن إبراهيم الزهريُّ ثنا معمر بن بكار السعديُّ ثنا إبراهيم ابن سعد عن الزهريِّ عن محمَّد بن المنكدر عن جابر أنَّ امرأة- يقال لها: أم رومان (5) - ارتدَّت عن الإسلام، فأمر النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يعرض عليها الإسلام،
فإن رجعت، وإلا قتلت (1). 3029 - طريق آخر: وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثني محمَّد بن عبد الله بن موسى البزَّاز ثنا أحمد بن يحيى بن زكير (2) ثنا جعفر بن أحمد بن سلم العبديُّ ثنا الخليل بن ميمون الكنديُّ ثنا [عبد الله] (3) بن أذينة عن هشام بن الغاز عن محمَّد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: ارتدَّت امرأة عن الإسلام، فأمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يعرضوا عليها الإسلام، فان أسلمت، وإلا قتلت، فعرض عليها الإسلام، فأبت أن تسلم، ققتلت (4). ز: هذا الحديث لم يخرجوه من الطريقين، وهو غير ثابت. ومعمر بن بكار- في الطريق الأوَّل-: قال العقيليُّ: في حديثه وهمٌ (5). وذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحًا، وذكر أنَّ سلمة بن شبيب ونجيح بن إبراهيم القرشيَّ الكوفيَّ رويا عنه (6). والطريق الثاني: مظلمٌ. وعبد الله بن أذينة: قال ابن حِبَّان: يروي عن ثور بن يزيد ما ليس من حديثه، لا يجوز الاحتجاج به بحالٍ (7) O.
3030 - الحديث الثالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا محمَّد بن الحسين ابن حاتم الطويل ثنا محمَّد بن عبد الرحمن بن يونس السرَّاج ثنا محمَّد بن إسماعيل ابن عيَّاش ثنا أبي ثنا محمَّد بن عبد الملك الأنصاريُّ عن الزهريِّ عن عروة عن عائشة قالت: ارتدَّت امرأة يوم أحد، فأمر النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تستتاب، فإن تابت، وإلا قتلت (1). ز: هذا الإسناد أيضًا لا يثبت، ولم يخرجوه. ومحمَّد بن عبد الملك هذا: أجمعوا على ضعفه، وقال البخاريُّ: منكر الحديث (2). وقال النَّسائيُّ: متروك الحديث (3) O. احتجُّوا: 3031 - بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ، قال: حدَّثنا عبد الصمد بن عليٍّ ثنا عبد الله بن عيسى الجزريُّ ثنا عفَّان ثنا شعبة عن عاصم عن أبي رزين عن ابن عبَّاس قال: قال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تقتل المرأة إذا ارتدَّت ". قال الدَّارَقُطْنِيُّ: لا يصحُّ هذا الحديث عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: وعبد الله بن عيسى هذا كذَّابٌ، يضع الأحاديث على عفَّان وغيره (4). ز: قد روي هذا من وجه آخر عن عاصم عن أبي رزين عن ابن عبَّاس موقوفًا عليه، وليس بثابتٍ أيضًا. قال الإمام أحمد بن حنبل: ثنا عبد الرحمن بن مهديٍّ قال: سألت
سفيان عن حديث عاصم في المرتدَّة، فقال: أمَّا من ثقة فلا (1) O. *****
مسائل الصول
مسائل الصول مسألة (732): ما أتلفته البهائم نهارًا، فلا ضمان على صاحبها، إذا لم يكن معها؛ وما أتلفته ليلاً، فضمانه عليه. وقال أبو حنيفة: لا يضمن، إلا أن يكون معها قائد أو سائق أو راكب، أو يكون قد أرسلها. 3032 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا محمَّد بن مصعب ثنا الأوزاعيُّ عن الزهريِّ عن حرام بن مُحَيِّصة عن البراء بن عازب أنَّه كانت له ناقة ضارية، فدخلت حائطًا، فأفسدت فيه، فقضى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنَّ حفظ الحوائط بالنهار على أهلها، وأنَّ حفظ الماشية بالليل على أهلها، وأنَّ ما أصابت الماشية بالليل فهو على أهلها (1). ز: رواه أبو داود عن محمود بن خالد عن الفريابيِّ عن الأوزاعيِّ (2)، ورواه النَّسائيُّ عن عمرو بن عثمان عن الوليد عن الأوزاعيِّ (3). وقد رواه معمر وغيره عن الزهريِّ، وفي إسناده اختلافٌ. وقد أخرجه ابن حِبَّان من حديث معمر (4).
مسألة (733): ما أتلفته البهيمة برجلها، وصاحبها راكبها، لا يضمنه.
وقال الطحاويُّ في هذا الحديث: وإن كان منقطعًا لا تقوم بمثله عند المحتجِّ به علينا حجَّة، لأنَّه وإن كان الأوزاعيُّ قد وصله، فإنَّ مالكًا والأثبات من أصحاب الزهريِّ قد قطعوه (1). وقال ابن عبد البرِّ: وإن كان هذا مرسلاً، فهو مشهورٌ، حدَّث به الأئمة الثقات، واستعمله فقهاء الحجاز بالقبول (2) O. ***** مسألة (733): ما أتلفته البهيمة برجلها، وصاحبها راكبها، لا يضمنه. وقال مالكٌ: لا يضمن سواء أتلفت بيدها أو رجلها، إذا لم يكن من جهة من هو معها سببٌ. وقال الشافعيُّ: يضمن ما جنت بيدها ورجلها. 3033 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا عبد الرزَّاق ثنا معمر عن همَّام بن منبِّه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " العجماء جبار، والمعدن جبار، والبئر جبار " (3).
3034 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا عبد الله بن محمَّد بن عبد العزيز ثنا داود بن رشيد ثنا عبَّاد بن العوَّام عن سفيان بن حسين عن الزهريِّ عن سعيد بن المسيَّب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الرِّجل جبار " (1). قال الدَّارَقُطْنِيُّ: لم يُتابَع سفيان بن حسين على قوله: (الرِّجل جبار)، وهو وهمٌ، لأنَّ الثقات خالفوه، مثل أبي صالح السمَّان وعبد الرحمن الأعرج ومحمَّد بن سيرين ومحمَّد بن زياد وغيرهم، ولم يذكروا: (الرِّجل)، وهو المحفوظ عن أبي هريرة (2). وقد روى آدم عن شعبة عن محمَّد بن زياد عن أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الرِّجل جبار ". ولم يروه عن شعبة غير آدم (3). قال المصنِّف: العجماء: البهيمة، والجبار: الهدر، والمراد بالرِّجل: ما جنت البهيمة برجلها. ز: حديث همَّام عن أبي هريرة: صحيحٌ على شرط "الصحيحين". وحديث سفيان بن حسين عن الزهريِّ: رواه أبو داود (4) والنَّسائيُّ (5)، وقد رواه مالكٌ والليث وابن جريج وعُقيل وابن عيينة وغيرهم عن الزهريِّ، فلم يذكر أحدٌ منهم: (الرِّجل). وقال يحيى بن معين: سفيان بن حسين ثقةٌ، وهو ضعيف الحديث عن الزهريِّ (6).
مسألة (734): إذا عض يد إنسان، فانتزعها من فيه، فسقطت
وحديث آدم عن شعبة: رواه الدَّارَقُطْنِيُّ عن محمَّد بن إسماعيل الفارسيِّ عن جعفر القلانسيِّ عنه (1)، وقال: وهو وهمٌ، ولم يتابعه عليه أحدٌ عن شعبة (2) O. ***** مسألة (734): إذا عضَّ يدَ إنسانٍ، فانتزعها من فيه، فسقطت أسنانه، فلا ضمان عليه. وقال مالكٌ: يلزمه الضمان. لنا حديثان: 3035 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا حجَّاج قال: حدَّثني شعبة قال: سمعت قتادة قال: سمعت زرارة بن أوفى عن عمران بن حصين قال: قاتل يعلى بن أميَّة رجلاً، فعض أحدهما صاحبه، فانتزع يده من فيه، فانتزع ثنيته، فاختصما إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " يعضُّ أحدكم أخاه كما يعضّ الفحل! لا دية له " (3). 3036 - الحديث الثاني: قال أحمد: وحدَّثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج قال: أخبرني عطاء قال: أخبرني صفوان بن يعلى بن أميَّة عن أبيه قال:
مسألة (735): إذا اطلع في بيت إنسان على أهله، فله أن يرمي عينه،
قاتل أجيري رجلاً، فعضَّ يده، فنزع يده من فيه، فأندر ثنيته، فأتى النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأهدره، وقال: " فيدع يده في فيك، تقضمها كما يقضمها الفحل؟! " (1). الحديثان في "الصحيحين". ***** مسألة (735): إذا اطَّلع في بيت إنسان على أهله، فله أن يرمي عينه، فإن فقأها فلا ضمان عليه. وقال أبو حنيفة: يلزمه الضمان. لنا ثلاثة أحاديث: 3037 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا سفيان عن الزهريِّ عن سهل بن سعد قال: اطَّلع رجل من جحر في حجرة النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومعه مِدْرًى يحك به رأسه، فقال: " لو أعلمك تنظر لطعنت به في عينك، إنَّما جعل الاستئذان من أجل البصر " (2). 3038 - الحديث الثاني: قال البخاريُّ: حدَّثنا مسدَّد ثنا حمَّاد بن زيد عن عبيد الله بن أبي بكر عن أنس بن مالك أنَّ رجلاً اطَّلع من بعض حجر النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فقام النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمشقص أو بمشاقص، فكأني أنظر إليه يَخْتِل الرجل ليطعنه (1). الحديثان في "الصحيحين". والمشقص: سهم عريض النصل، ويَخْتِله: يترقب الفرصة منه. 3039 - الحديث الثالث: قال البخاريُّ: وحدَّثنا عليُّ بن عبد الله ثنا سفيان ثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال أبو القاسم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو أن أمرأ اطَّلع عليك بغير إذن، فحذفته بحصاة، ففقأت عينه، لم يكن عليك جناحٌ " (2). 3040 - طريق آخر: قال الإمام أحمد: حدَّثنا عبد الرزَّاق ثنا معمر عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من اطَّلع على قوم في بيتهم بغير إذنهم، فقد حلَّ لهم أن يفقؤوا عينه " (3). الطريقان في "الصحيحين". ز: حديث سهيل عن أبيه هذا: لم يخرِّجه البخاريُّ ولا مسلمٌ (4)، إنَّما رواه أبو داود عن موسى بن إسماعيل عن حمَّاد بن سلمة عنه (5) O. 3041 - طريق آخر: قال أحمد: وحدَّثنا عليُّ بن عبد الله المدينيُّ ثنا
مسألة (736): الختان واجب على الرجل، وفي المرأة روايتان.
معاذ بن هشام الدستوائيُّ قال: حدَّثني أبي عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نَهيك عن أبي هريرة أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من اطَّلع في بيت قوم بغير إذنهم، ففقؤوا عينه، فلا دية ولا قصاص " (1). ز: رواه النَّسائيُّ عن محمَّد بن مثنَّى عن معاذ (2) O. ***** مسألة (736): الختان واجب على الرجل، وفي المرأة روايتان. وقال أبو حنيفة ومالك: لا يجب. لنا ثلاثة أحاديث: أحدها: أنَّ إبراهيم الخليل عليه السلام اختتن، وقد قال عزَّ وجلَّ: (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ) [النحل: 123]. 3042 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا عليُّ بن حفص أنا ورقاء عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اختتن إبراهيم خليل الرحمن بعد ما أتت عليه ثمانون سنة " (3). أخرجاه في "الصحيحين" (4). 3043 - الحديث الثاني: قال أحمد: وحدَّثنا عبد الرزَّاق أنا ابن جريج قال أخبرت عن عُثيم بن كليب عن أبيه عن جدِّه أنَّه جاء النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال:
قد أسلمتُ. فقال: " ألق عنك شعر الكفر ". قال: وأخبرني آخر معه أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لآخر: " ألق عنك شعر الكفر واختتن " (1). ز: رواه أبو داود عن مخلد بن خالد الشعيريِّ عن عبد الرزَّاق (2). ورواه ابن عَدِيٍّ عن أحمد بن محمَّد بن هارون (3) بن إسماعيل الغزيِّ عن محمَّد بن حمَّاد (4) الطِّهرانيِّ عن عبد الرزَّاق. وقال: وهذا الذي قال ابن جريج في هذا الإسناد: (أُخبرت عن عُثيم ابن كليب) إنَّما حدَّثه إبراهيم بن أبي يحيى، فكنَّى عن اسمه (5). وعُثيم هو: ابن كثير بن كليب، نسب إلى جدِّه، وقد وثَّقه ابن حِبَّان (6)، وروى عنه أربعة نفر، وقد ظنَّ ابن أبي حاتم أنَّ كليبًا هو والد عثيم، وأنَّ عثيمًا روى عن كليب مرسلاً (7)، وهو وهمٌ، فإنَّ كليبًا جدُّ عثيم، وعثيم روى عن
أبيه كثير عن جدِّه كليب، والله أعلم O. 3044 - الحديث الثالث: قال النَّسائيُّ: أخبرنا حميد بن مسعدة عن بشر ثنا [عبد الرحمن] (1) بن إسحاق عن سعيد المقبريِّ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خمس من الفطرة .... ". فذكر منهن الختان (2). ز: رواه النَّسائيُّ أيضًا عن قتيبة عن مالك عن المقبريِّ موقوفًا (3)، والله أعلم O. احتجُّوا: 3045 - بما رواه الإمام أحمد، قال: حدَّثنا سريج (4) ثنا عبَّاد بن العوَّام عن حجَّاج (5) عن أبي المليح بن أسامة عن أبيه أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الختان سنَّة للرجال، مكرمة للنساء " (6). قال المصنِّف: الحجَّاج ضعيفٌ. ز: رواه إبراهيم بن الحجَّاج عن حفص بن غياث عن الحجَّاج هكذا. ورواه عبد الواحد بن زياد عن الحجَّاج عن مكحول عن أبي أيُّوب مرفوعًا، وهو منقطعٌ. وروى النعمان بن المنذر عن مكحول قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الختان
سنَّة للرجال، مكرمة للنساء ". وقد رواه البيهقيُّ من رواية الوليد بن الوليد عن ابن ثوبان عن ابن عجلان عن عكرمة عن ابن عبَّاس مرفوعًا. وقال: هذا إسنادٌ ضعيفٌ، والمحفوظ موقوفٌ (1) O. *****
مسائل السير
مسائل السير مسألة (737): لا يستعان في الحرب بكافر. وقال أبو حنيفة والشافعيُّ: يستعان بهم، إلا أنَّ الشافعيَّ يشترط أن يكون بالمسلمين حاجة إليهم، وأن يكون من يستعان به منهم حسن الرأي في المسلمين. لنا حديثان: 3046 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا أبو المنذر إسماعيل ابن عمر ثنا مالك بن أنس عن الفضيل بن أبي عبد الله عن عبد الله بن نيار الأسلميِّ عن عروة عن عائشة أنَّ رجلاً تبع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: أتبعتك لأصيب معك. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تؤمن بالله ورسوله؟ ". قال: لا. قال: فإنَّا لا نستعين بمشركٍ. فقال له في المرَّة الثانية: " تؤمن بالله ورسوله؟ ". قال: نعم. قال: " فانطلق ". فتبعه (1). انفرد بإخراجه مسلمٌ (2). ز: كان فيه: (إسماعيل بن عمرو) وإنَّما هو: ابن عمر الواسطيُّ، نزيل بغداد، وكان من الثقات الصالحين O.
3047 - الحديث الثاني: قال أحمد: حدَّثنا يزيد أنا مستلم بن سعيد الثقفيُّ (1) ثنا خبيب بن (2) عبد الرحمن عن أبيه عن جدِّه قال: أتيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يريد غزوا- أنا ورجل من قومي، ولم نسلم، فقلنا: إنَّا نستحي أن يشهد قومنا مشهدًا لا نشهده معهم! قال: " أو أسلمتما؟ ". قلنا: لا. قال: " فإنا لا نستعين بالمشركين في المشركين ". فأسلمنا، وشهدنا معه (3). ز: هذا الحديث لم يخرِّجوه، وقد رواه أحمد بن منيع وأبو بكر بن أبي شيبة (4) وأخوه عثمان عن يزيد بن هارون (5). . ومستلم: ثقةٌ. وخبيب بن عبد الرحمن بن خبيب بن يساف: من الثقات الأثبات O. احتجُّوا: 3048 - بما رواه أبو داود في " المراسيل "، قال: حدَّثنا سعيد بن منصور ثنا سفيان عن يزيد بن يزيد بن جابر عن الزهريِّ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه استعان بناس من اليهود في حربه، فأسهم لهم (6). 3049 - قال أبو داود: وحدَّثنا هنَّاد ثنا القَعْنَبِيُّ ثنا ابن المبارك عن حيوة بن شريح عن ابن شهاب أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسهم ليهود كانوا غزوا معه، مثل سهام المسلمين (7).
والجواب: أنَّ هذا حديث مرسلٌ، فلا يقاوم أحاديثنا المتصلة الصحاح. ز: كذا فيه: (ثنا هناد ثنا القَعْنَبِيُّ) وهو خطأٌ، وإنَّما رواه أبو داود عن هنَّاد والقَعْنَبِيِّ كلاهما عن ابن المبارك وعبدة، وزاد هنَّاد: مثل سهام المسلمين. 3050 - وقال الترمذيُّ: وقد روي عن الزهريِّ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسهم لقوم من اليهود قاتلوا معه. حدَّثنا بذلك قتيبة بن سعيد ثنا عبد الوارث بن سعيد ثنا عزرة (1) بن ثابت عن الزهريِّ بهذا (2). 3051 - وقال أبو بكر بن أبي شيبة: ثنا حفص عن ابن جريج عن الزهريِّ أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غزا بناس من اليهود، فأسهم لهم (3). ومراسيل الزهريِّ ضعيفةٌ، وقد كان يحيى القطَّان لا يرى إرسال الزهريِّ وقتادة شيئًا، ويقول: هو بمنزلة الريح. ويقول: هؤلاء قوم حفَّاظ، كانوا إذا سمعوا الشيء علقوه (4). وروى الدُّوريُّ عن يحيى بن معين قال: مراسيل الزهريِّ ليس بشيء (5). 3052 - وقد روى الحسن بن عمارة- وهو متروك- عن الحكم عن مقسم عن ابن عبَّاس قال: استعان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيهود قينقاع، ورضخ لهم، ولم يسهم لهم. والله أعلم O. *****
مسألة (738): لا يقتل الشيخ الفاني، ولا الرهبان، ولا العميان،
مسألة (738): لا يقتل الشيخ الفاني، ولا الرهبان، ولا العميان، ولا الزمنى، إلا أن يكون لهم رأي وتدبير، يخاف منهم النكاية في المسلمين، خلافًا لأحد قولي الشافعيِّ". 3053 - قال الترمذيُّ: حدَّثنا قتيبة ثنا الليث عن نافع أنَّ ابن عمر أخبره أنَّ امرأة وجدت في بعض مغازي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقتولة، فأنكر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك، ونهى عن قتل النساء والصبيان. قال الترمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (1). ز: رواه مسلمٌ عن قتيبة (2)، ورواه البخاريُّ عن أحمد بن يونس عن الليث (3) O. ***** مسألة (739): إذا استولى المشركون على أموال المسلمين، لم يملكوها. وقال أبو حنيفة [ومالك] (4): يملكونها. لنا حديثان: 3054 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا عفَّان ثنا حمَّاد بن زيد ثنا أيُّوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين قال: كانت
العضباء لرجل من بني عقيل، وكانت من سوابق الحاج، فأسر الرجل، وأخذت العضباء معه، فحبسها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لرحله، ثم إنَّ المشركين أغاروا على سرح المدينة، وكانت العضباء فيه، وأسروا امرأة من المسلمين، فكانو إذا نزلوا أراحوا إبلهم بأفنيتهم، فقامت المرأة ذات ليلة بعد ما ناموا، فجعلت كلَّما أتت على بعير رغا، حتَّى أتت على العضباء، فأتت على ناقة ذلول! فركبتها، ثم وجهتها قبل المدينة، ونذرت إن الله أنجاها عليها لتنحرنها! فلما قدمت المدينة، عُرفت الناقة، وقيل: ناقة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: فأخبر النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنذرها- أو أتته فأخبرته-، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بئس ما جزتها، إن الله أنجاها عليها لتتحرنها! ". ثم قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا وفاء لنذز في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم " (1). انفرد بإخراجه مسلمٌ (2). ووجه الحجَّة: أنَّه لو ملكها المشركون ما أخذها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبطل نذرها. 3055 - الحديث الثاني: قال أبو داود: حدَّثنا محمَّد بن سليمان الأنباريُّ ثنا ابن نمير عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: ذهبت فرس له- يعني لابن عمر- فأخذها العدو، فظهر عليهم المسلمون، فرُدَّ عليه في زمن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبق عبد له، فلحق بالروم، فظهر عليهم المسلمون، فردَّه عليه خالد بن الوليد بعد وفاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (3).
ز: رواه البخاريُّ تعليقًا، فقال: وقال ابن نمير ... بهذا (1). ورواه ابن ماجة عن عليِّ بن محمَّد عن ابن نمير (2) O. احتجُّوا: 3056 - بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ، قال: حدَّثنا عليُّ بن عبد الله بن مبشِّر ثنا أحمد بن بختان (3) ثنا يزيد بن هارون أنا الحسن بن عمارة عن عبد الملك عن طاوس عن ابن عبَّاس عن النبيِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما أحرز العدو فاستنقذه المسلمون منهم: " إن وجده صاحبه قبل أن يقسم فهو أحقُّ به، وإن وجده قد قسم فإن شاء أخذه بالثمن ". قال الدَّارَقُطْنِيُّ: الحسن بن عمارة متروكٌ (4). ز: هذا الحديث يعرف بالحسن بن عمارة عن عبد الملك بن ميسرة، رواه عنه غير واحد. ورواه أيضًا مسلمة بن عليٍّ الخشنيُّ عن عبد الملك، وهو أيضًا متروكٌ. وروي بإسناد آخر مجهول عن عبد الملك. ولا يصحُّ شيءٌ من ذلك، والله أعلم O.
مسألة (740): إذا نازل الإمام حصنا، لم يجز: أن يفتح البثوق
مسألة (740): إذا نازل الإمام حصنا، لم يجز: أن يفتح البثوق ليغرقهم؛ ولا يقطع أشجارهم، إلا بأحد شرطين: أحدهما: أن يفعلوا بنا مثل ذلك؛ أو يكون بنا حاجة إلى قطع ذلك، لنتمكن من قتالهم. وقال الشافعيُّ: يجوز ذلك من غير شرط. 3057 - وقد روى أصحابنا أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا بعث جيشًا قال: " لا تغوروا عينا، ولا تعقروا شجرا، إلا شجرا يمنعكم من القتال ". احتجُّوا بحديثين: 3058 - الحديث الأوَّل: قال الترمذيُّ: حدَّثنا قتيبة ثنا الليث عن نافع عن ابن عمر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حرَّق نخل بني النضير وقطع، وهي البويرة، فأنزل الله تعالى: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإذْنِ اللهِ) [الحشر: 5]. قال الترمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (1). ز: هذا الحديث أخرجه البخاريُّ (2) ومسلمٌ (3) في " صحيحيهما " عن قتيبة O. 3059 - الحديث الثاني: قال الإمام أحمد: حدَّثنا وكيع قال: حدَّثني صالح بن أبي الأخضر عن الزهريِّ عن عروة بن الزبير عن أسامة بن زيد قال:
بعثني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى قرية يقال لها أُبْنَى (1)، فقال: " ائتها صباحًا، ثم حرِّق " (2). قال المصنِّف: الحديثان محمولان على ما ذكرنا. ز: رواه ابن ماجة عن محمَّد بن إسماعيل بن سمرة عن وكيع (3). ورواه أبو داود عن هنَّاد عن ابن المبارك عن صالح بنحوه، وصالح غير قويٍّ في روايته عن الزهريِّ (4)، والله أعلم O. *****
مسألة (741): الإمام مخير في الأسرى بين: القتل، والاسترقاق،
مسائل قسمة الغنائم مسألة (741): الإمام مخير في الأسرى بين: القتل، والاسترقاق، والمنِّ، والفداء. وقال أبو حنيفة: لا يجوز المنُّ والفداء. لنا: قوله تعالى: (فَإِمَّا مَنَّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء) [محمَّد: 4]. ودلَّ على جواز المنِّ: 3060 - ما رواه الإمام أحمد، قال: حدَّثنا حجَّاج ثنا ليث قال: حدَّثني سعيد أنَّه سمع أبا هريرة يقول: بعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيلاً قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة- يقال له: ثمامة بن أثال، سيد أهل اليمامة- فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " ما عندك يا ثمامة؟ ". قال: عندي يا محمَّد خيرٌ، إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تُنعم تُنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال، فسل تعط منه ما شئت. فتركه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حتَّى كان الغد، ثم قال له: " ما عندك يا ثمامة؟ ". قال: ما قلت لك، إن تنعم تنعم على شكر، وإن تقتل تقتل ذا دم، وإن كنت تريد المال، فسل تعط منه ما شئت. فتركه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حتَّى كان بعد الغد، فقال: " ما عندك يا ثمامة؟ ". فأعاد ذلك القول، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " انطلقوا بثمامة ". فانطلق به إلى نخل قريب من المسجد، فاغتسل، ثم دخل المسجد،
فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمَّدا رسول الله (1). ز: رواه البخاريُّ (2) ومسلم (3) جميعًا عن قتيبة عن الليث O. وقد منَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أبي عزَّة الجمحيِّ وفدى الأسارى يوم بدر. 3061 - قال أبو داود: حدَّثنا عبد الرحمن بن المبارك العَيْشيُّ ثنا سفيان ابن حبيب ثنا شعبة عن أبي العَنْبَس عن أبي الشعثاء عن ابن عبَّاس أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جعل فداء أهل الجاهلية يوم بدر أربعمائة (4). ز: رواه النَّسائيُّ عن عمرو بن منصور النسائيِّ عن عبد الرحمن بن المبارك (5). ورواه الطبرانيُّ عن الحسين بن إسحاق التستريِّ عن عبيد الله بن عمر القَوَارِيريِّ عن سفيان بن حبيب (6). وقد رواه أبو بحر البكراويُّ عن شعبة (7). وأبو العَنْبَس هذا، هو: اكبر، لا يسمَّى O. 3062 - وقال الإمام أحمد: حدَّثنا عليُّ بن عاصم عن حميد عن أنس
مسألة (742): السلب للقاتل.
قال: استشار رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الناس في الأسارى يوم بدر، فقال أبو بكر: نرى أن تعفو عنهم، وتقبل منهم الفداء. فعفا عنهم، وقبل منهم الفداء (1). 3063 - وقال الترمذيُّ: حدَّثنا ابن أبي عمر ثنا سفيان ثنا أيُّوب عن أبي قلابة عن عمِّه عن عمران بن حصين أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدى رجلاً من المشركين برجل (2). ز: رواه النَّسائيُّ عن قتيبة عن سفيان (3). وقال الترمذيُّ: حديث حسنٌ صحيحٌ O. ***** مسألة (742): السلب للقاتل. وعنه: لا يستحقه إلا أن يشرط له ذلك. وقال مالكٌ: يستحق بالشرط، ويكون محتسبًا من خمس الخمس. 3064 - قال البخاريُّ: حدَّثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن يحيى ابن سعيد عن ابن أفلح- وهو عمر بن كثير بن أفلح- عن أبي محمَّد مولى أبي قتادة عن أبي قتادة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قتل قتيلاً له عليه بيِّنة فله سلبه " (4).
مسألة (743): يصح أمان العبد.
أخرجاه في "الصحيحين" (1). 3065 - وقال الإمام أحمد: حدَّثنا أبو المغيرة ثنا صفوان بن عمرو قال: حدَّثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف بن مالك وخالد ابن الوليد أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يخمس السلب (2). ز: رواه أبو داود عن سعيد بن منصور عن إسماعيل بن عيَّاش عن صفوان بن عمرو، وزاد فيه: (قضى بالسَّلب للقاتل) (3). 3066 - وهذا القول قد روي في "صحيح مسلم" أن عوف بن مالك قال لخالد بن الوليد: ألم تعلم أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى بالسلب للقاتل؟ قال: بلى (4) O. مسألة (743): يصحُّ أمان العبد. وقال أبو حنيفة: لا يصحُّ، إلا أن يأذن له السيد في القتال. 3067 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن إبراهيم التيميِّ عن أبيه قال: خطبنا عليٌّ، فقال: من زعم أنَّ عندنا شيئًا نقرؤه إلا كتاب الله، وهذه الصحيفة- صحيفة فيها أسنان الإبل، وأشياء من الجراحات-، فقد كذب، وفيها: " ذمَّة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم " (5).
ز: رواه مسلم عن أبي بكر وغيره عن أبي معاوية (1)، ورواه هو أيضًا والبخاريُّ من رواية جماعة عن الأعمش (2) O. 3068 - قال أحمد: وحدَّثنا منصور بن سلمة الخزاعيُّ ثنا سليمان بن بلال عن كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يجير على أمَّتي أدناهم " (3). ز: هذا إسنادٌ حسنٌ. وكثير: صدوقٌ، وقد تكلَّم فيه بعض الأئمة O. 3069 - وقال مسلمٌ: حدَّثنا أبو بكر بن النضر بن أبي النضر ثنا أبو النضر ثنا عبد الله الأشجعيُّ عن سفيان عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ذمَّة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم ". انفرد بإخراجه مسلمٌ (4). 3070 - وقال سعيد بن منصور: حدَّثنا أبو معاوية ثنا عاصم الأحول عن فضيل بن زيد أنَّ عبدًا أمَّن قومًا، فأجاز عمر أمانه (5). ز: فضيل بن زيد الرَّقاشيُّ: وثَّقه ابن معين (6).
3071 - وقد روى البيهقيُّ بإسناد ضعيفٍ عن عليٍّ مرفوعًا: " ليس للعبد من الغنيمة شيء إلا خُرْثِي (1) المتاع، وأمانه جائز، وأمان المرأة جائز إذا هي أعطت القوم الأمان " (2) O. *****
مسائل الخيل
مسائل الخيل (1) مسألة (744): يستحق الفارس ثلاثة أسهم. وقال أبو حنيفة: سهمين. لنا أربعة أحاديث: 3072 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا عتَّاب ثنا عبد الله أنا فليح بن محمَّد عن المنذر بن الزبير عن أبيه أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعطى الزبير سهمًا، وأمه سهمًا، وفرسه سهمين (2). ز: كذا رواه عن أحمد (3): (عن فليح بن محمَّد عن المنذر بن الزبير). وفليح والمنذر: ليسا بمشهورين. وقال البخاريُّ في "تاريخه": فليح بن محمَّد بن المنذر بن الزبير بن العوَّام، القرشيُّ، المدينيُّ، عن أبيه مرسل، روى عنه ابن المبارك (4) O. 3073 - الحديث الثاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أحمد بن محمَّد بن إسماعيل الآدميُّ ثنا محمَّد بن الحسين الحنينيُّ ثنا معلََّى بن أسد ثنا محمَّد بن حمران
قال: حدَّثني عبد الله بن بسر (1) عن أبي كبشة الأنماريِّّ قال: لما فتح رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكَّة كان الزبير على المجنبة اليسرى، وكان المقداد على المجنبة اليمنى، فلما دخل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكَّة، وهدأ الناس، جاءا بفرسيهما، فقام رسمول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح الغبار عنهما، وقال: " إني قد جعلت للفرس سهمين، وللفارس سهمًا، فمن نقصهما نقصه الله عزَّ وجلَّ " (2). ز: هذا الحديث لم يخرِّجوه. وأبو كبشة: له صحبة، وقد اختلف في اسمه. والراوي عنه: عبد الله بن بُسر السَّكْسَكيُّ، الحُبْرَانيُّ، الحمصيُّ، وقد تكلَّم فيه غير واحد من الأئمة، قال يحيى بن سعيد: لا شيء (3). وقال أبو حاتم (4) والدَّارَقُطْنِيُّ (5) وغيرهما: ضعيف الحديث. وقال النَّسائيُّ: ليس بثقة (6). وذكره ابن حِبَّان في "الثقات" (7). ومحمَّد بن حمران القيسيُّ: محلُّه الصدق، وقال النَّسائيُّ: ليس بالقويِّ (8). وذكره ابن حِبَّان في "الثقات" وقال: يخطئ (9). وقال ابن
عَدِيٍّ: له أفراد وغرائب، ما أرى به بأسًا (1) O. 3074 - الحديث الثالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا الحسين بن إسماعيل ثنا فضل بن سهل ثنا أحوص بن جواب ثنا قيس بن الربيع عن محمَّد بن عليٍّ عن أبي حازم عن أبي رُهْم قال: غزوت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنا وأخي، ومعنا فرسان، فأعطانا ستة أسهم: أربعة أسهم لفرسينا، وسهمين لنا (2). ز: هذا الحديث لم يخرِّجوه. وأبو رُهْم: مختلفٌ في صحبته. وقيس: ضعَّفه غير واحد من الأئمة O. 3075 - الحديث الرابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا عثمان بن جعفر ثنا محمَّد بن عثمان بن كرامة ثنا أبو أسامة ثنا عبيد الله بن عمر (3) عن نافع عن ابن عمر قال: أسهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للفرس سهمين، ولصاحبه سهمًا (4). ز: رواه البخاريُّ عن عبيد بن إسماعيل عن أبي أسامة (5) O. احتجُّوا بحديثين: 3076 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا إسحاق بن عيسى ثنا مُجمِّع بن يعقوب قال: سمعت أبي يحدِّث عن عمِّه عبد الرحمن بن يزيد
الأنصاريِّ عن عمِّه مُجمِّع بن جارية (1) قال: قسم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيبر، فأعطى الفارس سهمين، وأعطى الراجل سهمًا (2). قال أبو داود: وحديث مُجمِّع فيه وهمٌ (3). ز: رواه أبو داود عن محمَّد بن عيسى عن مُجَمِّع، وذكر أنَّ حديث ابن عمر أصحُّ. ويحتمل أن يكون في هذا الحديث (أعطى الفارس سهمين) يعني بفرسه، (وأعطى الراجل سهمًا) يعني صاحبه، فتكون ثلاثة أسهم، والله أعلم O. 3077 - الحديث الثاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أبو بكر النيسابوريُّ ثنا أحمد بن منصور ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا ابن نمير ثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جعل للفارس سهمين، وللراجل سهمًا. قال أبو بكر النيسابوريُّ: هذا عندي وهمٌ من أبي بكر بن أبي شيبة، أو من الرماديِّ، لأنَّ أحمد بن حنبل وعبد الرحمن بن بشر وغيرهما رووه عن ابن نمير خلاف هذا. على ما تقدَّم (4).
مسألة (745): ويسهم لفرسين.
قال النيسابوريُّ: وقد رواه نعيم بن حمَّاد عن ابن المبارك عن عبيد الله كما روى ابن أبي شيبة، ولعل الوهم من نعيم (1)، لأنَّ ابن المبارك من أثبت الناس (2). وقد رواه عبد الله بن عمر عن نافع أيضًا، وعبد الله ضعيفٌ. قال خالد الحذَّاء: لا يختلف فيه عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنَّ للفارس ثلاثة أسهم، وللراجل سهمٌ (3). ز: روى مسلمٌ في "صحيحه" عن محمَّد بن عبد الله بن نمير عن أبيه بإسناده أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قسم للفرس سهمين، وللراجل سهمًا (4) O. ***** مسألة (745): ويسهم لفرسين. وقال أكثرهم: لا يسهم لأكثر من واحد. 3078 - قال سعيد بن منصور: حدَّثنا ابن عيَّاش عن الأوزاعيِّ أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يسهم للخيل، وكان لا يسهم للرجل فوق فرسين، وإن كان معه عشرة أفراس (5).
مسألة (746): لا يفرق في السبي بين كل ذي رحم محرم.
3079 - قال سعيد: وحدَّثنا فرج بن فضالة ثنا محمَّد بن الوليد الزبيديُّ عن الزهريِّ أنَّ عمر بن الخطَّاب كتب إلى أبي عبيدة بن الجرَّاح أن أسهم للفرس سهمين، وللفرسين أربعة أسهم، ولصاحبها سهمًا، فذلك خمسة أسهم، وما كان فوق الفرسين فهو جنائب (1). ***** مسألة (746): لا يفرَّق في السبي بين كلِّ ذي رحم محرَّم. وقال أكثرهم: يجوز، مع اختلاف قولهم في التفريق في البيع. وقد ذكرنا في البيع أحاديث في المنع من ذلك، منها: حديث أبي موسى: " لعن الله من فرَّق بين والدة وولدها " (2). ***** مسألة (747): إذا عدم أبوا الطفل أو أحدهما حكم بإسلامه، خلافًا لأكثرهم. 3080 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا عبد الرزَّاق ثنا معمر عن همَّام بن منبِّه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما من مولود يولد إلا على الفطرة وأبواه يهودانه أو ينصرانه " (3).
مسألة (748): إذا غل من الغنيمة أحرق رحله، إلا السلاح،
أخرجاه في "الصحيحين" (1). فوجه الحجَّة: أنَّه جعله تبعًا لهم. مسألة (748): إذا غلَّ من الغنيمة أحرق رحله، إلا السلاح، والمصحف، والحيوان. وقال أكثرهم: لا يجوز. 3081 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا أبو سعيد مولى بني هاشم ثنا عبد العزيز بن محمَّد ثنا صالح بن محمَّد بن زائدة عن سالم بن عبد الله أنَّه كان مع مسلمة بن عبد الملك في أرض الروم، فوجد في متاع رجل غلول، فسأل سالم ابن عبد الله، فقال: حدَّثني عبد الله عن (2) عمر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من وجدتم في متاعه غلولا فأحرقوه ". قال: وأحسبه قال: واضربوه. قال: فأُخرج متاعه إلى السوق، فوُجد فيه مصحف، فسأل سالمًا، فقال: بعه، وتصدق بثمنه (3). قالوا: تفرَّد به صالح، وقد ضعَّفه يحيى (4) والدَّارَقُطْنِيُّ (5). وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: أنكروا هذا الحديث على صالح بن محمَّد.
قال: وهذا حديث لم يتابع عليه، ولا أصل لهذا الحديث عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1). قلنا: قد قال أحمد بن حنبل: ما أرى بصالح بأسًا (2). ز: هذا الحديث رواه أبو داود (3) والترمذيُّ (4) من حديث الدَّرَاوْرَدِيِّ، وهو عندهما من مسند ابن عمر (5). وقال الترمذيُّ: حديث غريبٌ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وسألت
محمَّدا عن هذا، فقال: إنما رواه صالح بن محمَّد، وهو منكر الحديث. وقال البخاريُّ أيضًا في صالح: تركه سليمان بن حرب، روى عن سالم عن أبيه عن عمر رفعه: " من وجدتموه قد غلَّ فاحرقوا متاعه "، لا يتابع عليه، وقال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صلُّوا على صاحبكم " ولم يحرِّق متاعه (1). وقد سئل الدَّارَقُطْنِيُّ أيضًا عنه، فقال: يرويه أبو واقد صالح بن محمَّد ابن زائدة عن سالم عن أبيه عن عمر عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو واقد هذا ضعيفٌ، والمحفوظ أنَّ سالمًا أمر بهذا، ولم يرفعه إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا ذكره عن أبيه، ولا عن عمر (2). 3082 - وقال أبو داود: حدَّثنا أبو صالح الأنطاكيُّ ثنا أبو إسحاق عن صالح بن محمَّد قال: غزونا مع الوليد بن هشام، ومعنا سالم بن عبد الله بن
مسألة (749): هدايا الأمراء كبقية أموال الفيء، لا يختصون بها.
عمر وعمر بن عبد العزيز، فغلَّ رجلٌ متاعًا، فأمر الوليد بمتاعه فأحرق وطيف به، ولم يعطه سهمه. قال أبو داود: وهذا أصحُّ الحديثين (1). وقد روى إحراق متاع الغال من حديث عمرو بن شعيب، والله أعلم O. ***** مسألة (749): هدايا الأمراء كبقية أموال الفيء، لا يختصون بها. وعنه: يختصون، كقول أبي حنيفة. لنا حديثان: 3083 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا سفيان عن الزهريِّ عن عروة عن أبي حميد الساعديِّ قال: استعمل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً يقال له: ابن اللتبية على صدقة، فجاء، فقال: هذا لكم، وهذا أهدي لي. فقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المنبر، فقال: " ما بال العامل نبعثه فيقول: (هذا لكم، وهذا أهدي لي)؟! أفلا جلس في بيت أبيه وأمِّه، فينظر أيهدى إليه أم لا؟! والذي نفسي بيده لا يأتي أحد منكم منها بشيء، إلا جاء به يوم القيامة على رقبته " (2). أخرجاه في "الصحيحين" (3).
"308 - الحديث الثاني: قال أحمد: وحدَّثنا إسحاق بن عيسى ثنا إسماعيل بن عيَّاش عن يحيى بن سعيد عن عروة بن الزبير عن أبي حميد الساعديِّ أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " هدايا العمال غلول " (1). ز: إسماعيل: ضعيفٌ في روايته عن الحجازيين، ولم يخرِّجوا حديثه هذا، والله أعلم O. 3085 - طريق آخر: [أخبرنا ابن ناصر أنا المبارك] (2) بن عبد الجبار أنا عبيد الله بن عمر بن شاهين ثنا محمَّد بن الحسين بن كوثر ثنا إبراهيم الحربيُّ ثنا محمَّد بن هارون ثنا يعقوب بن كعب عن محمَّد بن حمير عن خالد بن حميد عن يحيى بن نعيم عن عطاء عن ابن عبَّاس أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " هدايا الأمراء غلول ". ز: لم يخرِّجوه بهذا الإسناد. ويحيى: لا أعرفه. ومحمَّد بن الحسن بن كوثر أبو بحر البَرْبَهَارِيُّ: شيخٌ تكلَّموا فيه، والله أعلم O. *****
مسائل الأراضي
مسائل الأراضي (1) مسألة (750): مكَّة فتحت عنوة. وعنه: أنَّها فتحت صلحا، كقول الشافعيِّ (2). لنا ثلاثة أحاديث: 3086 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا حجَّاج ثنا ليث قال: حدَّثني سعيد المقبريُّ عن أبي شريح عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال في الغد من يوم الفتح: " إنَّ مكَّة حرَّمها الله ولم يحرِّمها الناس، فلا يحلّ لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دمًا، ولا يعضد بها شجرة، فإن أحد ترخَّص لقتال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها، فقولوا: إنَّ الله عزَّ وجلَّ أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنَّما أذن لي فيها ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، فليبلِّغ الشاهد الغائب " (3). 3087 - الحديث الثاني: قال البخاريُّ: حدَّثنا يحيى بن موسى ثنا الوليد بن مسلم ثنا الأوزاعيُّ قال: حدَّثني يحيى بن أبي كثير قال: حدَّثني أبو سلمة قال: حدَّثني أبو هريرة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنَّ الله حبس عن مكَّة
الفيل، وسلَّط عليها رسوله والمؤمنين، وإنَّها لا تحلُّ لأحد من بعدي، وإنَّما أحلَّت لي ساعة من نهار " (1). الحديثان في "الصحيحين". 3088 - الحديث الثالث: قال الإمام أحمد: حدَّثنا بهز وهاشم قالا: ثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت البُنانيِّ عن عبد الله بن رباح عن أبي هريرة أنَّه ذكر فتح مكَّة، فقال: أقبل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدخل مكَّة، فبعث الزبير على إحدى المُجَنِّبتين، وبعث خالدًا على المُجَنِّبة الأخرى، وبعث أبا عبيدة على الحُسَّر (2)، فأخذوا بطن الوادي، ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كتيبته. قال: وقد وبَّشَت قريش أوباشها (3)، وقالوا: نقدِّم هؤلاء، فإن كان لهم شيء كنا معهم، وإن أصيبوا أعطينا الذي سئلنا. قال أبو هريرة: ففطن (4)، فقال لي: " يا أبا هريرة ". قلت: لبيك يا رسول الله. قال: " اهتف لي بالأنصار، ولا يأتني إلا أنصاريّ ". فهتفت بهم، فجاؤوا، فأطافوا برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " ترون إلى أوباش قريس وأتباعهم ". ثم قال بيديه إحداهما على الأخرى: " احصدوهم حصدًا، حتَّى توافوني بالصفا ". قال أبو هريرة: فانطلقنا، فما يشاء أحد منا أن يقتل منهم ما شاء، فقال أبو سفيان: أبيحت خضراء قريش، لا قريش بعد اليوم! فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ". فغلق الناس أبوابهم، فأقبل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الحَجَر، فاستلمه، ثم
طاف بالبيت، وفي يده قوس أخذ بسِيَةِ (1) القوس، فأتى في طوافه على صنم إلى جنب البيت يعبدونه، فجعل يطعن بها في عينه، ويقول: " جاء الحق وزهق الباطل ". ثم أتى الصفا، فعلاه حيث ينظر إلى البيت، فرفع يديه، فجعل يذكر الله بما شاء أن يذكره، ويدعوه (2). انفرد بإخراجه مسلمٌ (3). وقد استدلَّ أصحابنا بحديث لا يصلح الاستدلال به: 3089 - قال أبو أحمد بن عَدِيٍّ: حدَّثنا أبو يعلى ثنا زهير بن حرب ثنا محمَّد بن الحسن المدينيُّ قال: حدَّثني مالك بن أنس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فتحت القرى بالسيف، وفتحت المدينة بالقرآن " (4). قال أحمد بن حنبل: هذا حديث منكر، لم يسمع من حديث مالك ولا هشام، إنما هذا قول مالك، لم يروه عن أحد، قد رأيت هذا الشيخ- يعني محمَّد بن الحسن- وكان كذَّابًا (5).
قال المصنِّف: قلت: وكذا قال أبو داود (1) ويحيى بن معين (2): كان هذا الشيخ كذَّابًا. ز: محمَّد بن الحسن هذا، هو: ابن زَبَالة، المخزوميُّ، قال ابن عَدِيٍّ: أنكر ما روى حديث هشام بن عروة: (فتحت القرى بالسيف) (3). وقال معاوية بن صالح: قال لي يحيى بن معين: محمَّد بن الحسن الزَّبَاليُّ - والله- ما هو بثقة، حدَّث- عدو الله- عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فتحت المدينة بالقرآن، وفتحت سائر البلاد بالسيف " (4). وقال أحمد بن صالح المصريُّ: كتبت عنه مائة ألف حديث، ثم تبيَّن لي أنَّه كان يضع الحديث، فتركت حديثه (5). وقال أبو حاتم: عنده مناكير، وليس بمتروك الحديث (6). وقال أبو داود: كذَّابًا المدينة: محمَّد بن الحسن بن زَبَالة ووهب بن وهب أبو البَختريِّ، بلغني أنَّه كان يضع الحديث بالليل على السراج (7). وقال النَّسائيُّ في ابن زَبَالة: متروك الحديث (8). والله أعلم O. *****
مسألة (751): لا يجوز بيع رباع مكة.
مسألة (751): لا يجوز بيع رباع مكَّة. وعنه: يجوز كقول الشافعيِّ. وهذه مبنيَّة على التي قبلها، إن قلنا: إنَّها فتحت عنوة، صارت وقفًا على المسلمين؛ وإن قلنا: صلحًا، فهي باقية على أهلها. وقد ذكرنا هذه المسألة في كتاب البيع (1). ""طيه طيه طيه مسألة (752): إذا ملكت الأرض عنوة، فالإمام مخيَّر بين: قسمتها بين الغانمين؛ وبين إيقافها على جماعة المسلمين. وعنه: تجب قسمتها بين الغانمين، كقول الشافعيِّ. وعنه: أنَّها تصير وقفًا على جماعة المسلمين بنفس الظهور، ولا يجوز قسمتها، كقول مالك. وقال أبو حنيفة: الإمام مخيَّر بين: قسمتها؛ وبين إقرار أهلها عليها بالخراج؛ وبن صرفهم عنها، ويأتي بقوم آخرين يضرب عليهم الخراج؛ وليس له أن يقفها. لنا على الشافعيِّ (2):
مسألة (753): يجوز إخراج النفل من أربعة أخماس الغنيمة.
3090 - ما رواه أبو داود، قال: حدَّثنا الربيع بن سليمان المؤذِّن ثنا أسد بن موسى ثنا يحيى بن زكريا قال: حدَّثني سفيان عن يحيى بن سعيد عن بُشير بن يسار عن سهل بن أبي حَثْمة قال: قسم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيبر نصفين: نصف لنوائبه وحاجته، ونصف بين المسلمين، قسمها بينهم على ثمانية عشر سهمًا (1). ز: هذا الحديث انفرد به أبو داود، وإسناده جيِّد. ويحيى بن زكريا المؤذِّن، أبي زائدة: أحد الثقات. ورواه الطبرانيُّ عن المقدام بن داود عن أسد (2) O. ***** مسألة (753): يجوز إخراج النفل من أربعة أخماس الغنيمة. وقال مالكٌ والشافعيُّ: يكون ذلك من خمس الخمس الذي للمصالح. لنا حديثان: 3091 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا سفيان عن أيُّوب عن نافع عن ابن عمر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث سرية إلى نجد، فبلغت سهامهم اثني عشر بعيرًا، ونفلنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعيرًا بعيرًا (3).
مسألة (754): ما فضل من أموال الفيء عن المصالح، فإنه لجميع
أخرجاه (1). 3092 - الحديث الثاني: قال أحمد: وحدَّثنا حمَّاد بن خالد الخيَّاط عن معاوية بن صالح عن العلاء بن الحارث عن مكحول عن زياد بن جارية (2) عن حبيب بن مسلمة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نفل الربع بعد الخمس في بداته، ونفل الثلث بعد الخمس في رجعته (3). ز: رواه أبو داود عن القواريريِّ عن ابن مهديٍّ عن معاوية (4). وقد رواه غير واحدٍ عن مكحول، وفي إسناده اختلافٌ. ورواه سليمان بن موسى عن زياد، ورواه أيضًا عن مكحول عنه. وقد روي من حديث عبادة بن الصامت، والله أعلم O. ***** مسألة (754): ما فضل من أموال الفيء عن المصالح، فإنَّه لجميع المسلمين، غنيهم وفقيرهم. وقال الشافعيُّ: يختص بالمصالح. 3093 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا عبد الرزَّاق ثنا معمر عن الزهريِّ عن
مالك بن أوس بن الحدثان قال: قال عمر: إنَّ الله عزَّ وجلَّ خصَّ نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من هذا الفيء بشيء لم يعطه غيره، فقال: (وَمَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ) [الحشر: 6] فكانت لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاصة، والله ما اختارها (1) دونكم، ولا استأثر بها عليكم، وكان ينفق على أهله منه سنة، ثم يجعل ما بقي منه مجعل مال الله عزَّ وجلَّ (2). ووجه الحجَّة: أنَّ الآيات استوعبت كلَّ النَّاس. ز: هذا الحديث مخرَّج في " الصحيح " من رواية معمر وغيره عن الزهريِّ (3)، والله أعلم O. *****
مسائل الجزية
مسائل الجزية مسألة (755): المجوس لا كتاب لهم، خلافًا لأحد قولي الشافعيِّ. 3094 - قال أبو داود: حدَّثنا أحمد بن سنان الواسطيُّ ثنا محمَّد بن بلال عن عمران القطَّان عن أبي جمرة (1) عن ابن عبَّاس قال: إنَّ أهل فارس لمَّا مات نبيُّهم، كتب لهم إبليس المجوسيَّة (2). ز: عمران القطَّان: مختلفٌ في توثيقه. ومحمَّد بن بلال الكنديُّ التمَّار: وثَّقه ابن حِبَّان (3)، وقال أبو داود: ما سمعت إلا خيرًا (4). وقال ابن عَدِيٍّ: يُغرب عن عمران، وأرجو أنَّه لا بأس به (5) O. 3095 - وقال الشافعيُّ: ثنا سفيان عن سعيد بن المرزبان عن نصر بن عاصم قال: قال فروة بن نوفل: على ما تؤخذ الجزية من المجوس، وليسوا بأهل كتاب؟! فقام إليه المستورد، فأخذ بتلابيبه، وقال: يا عدو الله، تطعن على أبي بكر وعمر وعلى أمير المؤمنين- يعني عليًّا- وقد أخذوا منهم الجزية. فذهب به إلى القصر، فخرج عليهم عليٌّ، فقال: ألبدا (6) أنا أعلم الناس بالمجوس، كان لهم علمٌ يعلمونه، وكتابٌ يدرسونه، وإنَّ ملكهم سَكِر فوقع
على ابنته أو أمِّه (1)، فاطلع عليه بعض أهل مملكته، فلمَّا صحا (2)، جاءوا يقيمون عليه الحدَّ، فامتنع منهم، فدعا أهل مملكته، فقال: تعلمون دينا خيرا من دين آدم؟! قد كان يُنكح بنيه من بناته، فأنا على دين آدم، وما يرغب بكم عن دينه؟! فبايعوه (3)، وقاتلوا الذين خالفوهم حتَّى قتلوهم، فأصبحوا وقد أسري على كتابهم فرفع من بين أظهرهم، وذهب العلم الذي في صدورهم، وهم أهل كتاب، وقد أخذ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر وعمر منهم الجزية (4). قال المصنِّف: سعيد بن المرزبان: مجروحٌ، قال يحيى بن سعيد: لا أستحل أن أروي عنه (5). وقال يحيى: ليس بشيء، ولا يكتب حديثه (6). وقال الفلاس: متروك الحديث (7). وقال أبو أسامة: كان ثقة (8). وقال أبو زرعة: صدوقٌ، مدلِّسٌ (9).
3096 - قال الشافعيُّ: وأنا مالك عن جعفر بن محمَّد عن أبيه أنَّ عمر ابن الخطَّاب ذكر المجوس، فقال: ما أدري ما أصنع في أمرهم؟ فقال له عبد الرحمن بن عوف: أشهد لسمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: سنُّوا بهم سنَّة أهل الكتاب (1). ز: هذا منقطعٌ، لأنَّ محمَّد بن عليٍّ: لم يلق عمر، ولا عبد الرحمن ابن عوف. وقد رواه عبيد الله بن عبد المجيد الحنفيُّ عن مالك عن جعفر عن أبيه عن جدِّه، فزاد ذكر جعفر، وهو أيضًا منقطعٌ، لأنَّ عليَّ بن الحسين لم يلق عمر ولا عبد الرحمن. وقد روي في هذا عن عبد الرحمن من وجه آخر متصل، لكن في إسناده من تجهل حاله: 3097 - قال ابن أبي عاصم: ثنا إبراهيم- يعني: ابن الحجَّاج- الساميُّ ثنا أبو رجاء- جار كان لحمَّاد بن سلمة- ثنا الأعمش عن زيد بن وهب قال: كنت عند عمر بن الخطَّاب، فذكر من عنده علم من المجوس، فوثب عبد الرحمن بن عوف، قال: أشهد بالله على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لسمعته يقول: "إنَّما المجوس طائفة من أهل الكتاب، فاحملوهم على ما تحملون عليه أهل الكتاب " (2) O. 3098 - وقال الإمام أحمد: حدَّثنا سفيان عن عمرو سمع بَجَالة يقول: لم يكن عمر قَبِل الجزية من المجوس، حتَّى شهد عبد الرحمن بن عوف
مسألة (756): إذا مر الحربي بمال التجارة على عاشر المسلمين، أخذ
أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذها من مجوس هجر (1) انفرد بإخراجه البخاريُّ (2). ***** مسألة (756): إذا مرَّ الحربيُّ بمال التجارة على عاشر المسلمين، أخذ منه العشر، وإن كان ذميًّا نصف العشر. وقال أبو حنيفة: لا يؤخذ منهم، إلا أن يكونوا يأخذون منا. وقال مالكٌ: يؤخذ منهم إذا باعوا امتعتهم. وقال الشافعيُّ: إن اشترط ذلك عليهم جاز أخذه. 3099 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا جرير عن عطاء بن السائب عن حرب بن هلال عن أبي أميَّة- رجل من تغلب- أنَّه سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ليس على المسلمين عشور، إنَّما العشور على اليهود والنصارى " (3). 3100 - طريق آخر: قال أبو داود: حدَّثنا محمَّد بن إبراهيم البزَّاز ثنا أبو نعيم ثنا عبد السلام عن عطاء بن السائب عن حرب بن عبيد الله بن عمير الثقفيِّ عن جدِّه- رجل من بني تغلب- قال: أتيت النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسلمت، وعلَّمني الإسلام، وعلَّمني كيف آخذ الصدقة من قومي، فقلت: يا رسول الله، أعشرهم؟ قال: " لا، إنَّما العشور على النصارى واليهود " (4).
مسألة (757): إذا ذكر الذمي الله تعالى ورسوله وكتابه بما لا ينبغي=
ز: رواه أبو داود أيضًا عن مسدَّد عن أبي الأحوص عن عطاء بن السائب عن حرب بن عبيد الله عن جدِّه- أبي أمِّه- عن أبيه بنحوه مختصر. وعن محمَّد بن عبيد المحاربيِّ عن وكيع عن سفيان عن عطاء بن السائب عن حرب بن عبيد الله عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمعناه. وعن ابن بشَّار عن عبد الرحمن عن سفيان عن عطاء عن رجل من بكر ابن وائل عن خاله، قال: قلت: يا رسول الله أعشِّر قومي ... بمعناه (1). وحرب: روى له أبو داود هذا الحديث وحده، تفرَّد به عنه عطاء بن السائب، وكان ممن اختلط، واختلف عليه فيه على وجوه كثيرة، أشبهها ما رواه الثوريُّ عنه، فيما قيل، والله أعلم O. ***** مسألة (757): إذا ذكر الذميُّ الله تعالى ورسوله وكتابه بما لا ينبغي= انتقضت ذمَّته. وقال أبو حنيفة: لا تنتقض بذلك. 3101 - قال أبو داود: حدَّثنا عبَّاد بن موسى ثنا إسماعيل بن جعفر قال: حدَّثني إسرائيل عن عثمان الشحَّام عن عكرمة عن ابن عبَّاس أنَّ أعمى كان على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكانت له أمُّ ولد، وكانت تشتم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتقع فيه، فيزجرها فلا تنزجر، وينهاها فلا تنتهي، فلما كان ذات ليلة، ذكرت النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوقعت فيه، فأخذ المعول، فوضعه في بطنها واتكأ
عليه، فقتلها، فذُكر ذلك للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجمع الناس، وقال: " أنشد الله رجلا لي عليه حقٌّ فعل ما فعل إلا قام " (1). فأقبل الأعمى يتزلزل، فقال: يا رسول الله، أنا صاحبها، كانت تشتمك، وتقع فيك، فأنهاها فلا تنتهي، وأزجرها فلا تنزجر، فلما كان البارحة، جعلت تشتمك، فأخذت المعول فوضعته في بطنها واتكأت عليها، حتَّى قتلتها، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ألا اشهدوا أنَّ دمَها هدرٌ " (2). ز: رواه النَّسائيُّ عن عثمان بن عبد الله عن عبَّاد (3)، وإسناده جيِّد، فإنَّ عكرمة احتجَّ به البخاريُّ (4) وكثر الأئمة. وعثمان الشحَّام: احتجَّ به مسلمٌ (5) وغيره. وباقي الإسناد: مخرَّج لهم في "الصحيحين". وقد رواه أبو بكر بن أبي عاصم عن إسماعيل بن سالم عن عبيد الله بن موسى عن إسرائيل (6) O. 3102 - وقال النَّسائيُّ: حدَّثنا (7) عمرو بن عليٍّ ثنا معاذ بن معاذ ثنا شعبة عن توبة العنبريِّ عن عبد الله بن قدامة عن أبي برزة قال: أغلظ رجل لأبي بكر الصدِّيق، فقلت: أقتله؟ فانتهرني، وقال: ليس هذا لأحد بعد
مسألة (758): إذا شرط الإمام في عقد الهدنة: من جاءه من الرجال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1). ز: عبد الله بن قدامة: وثَّقه النَّسائيُّ (2)، وروى هذا الحديث أيضًا من غير وجه عن أبي برزة (3)، ورواه أحمد (4) وأبو داود (5) والنَّسائيُّ (6) من رواية عبد الله بن مطر عن أبي برزة O. ***** مسألة (758): إذا شرط الإمام في عقد الهدنة: من جاءه من الرجال مسلمًا رد إليهم، أو صالح الأمير أهل الحرب على أن يبعث إليهم بمال فإن لم يقدر رجع إليهم، لزم الوفاء بالشرطين. وقال الشافعيُّ: لا يلزم الوفاء بذلك، إلا أن يكون من جاءه من الرجال مسلمًا له عشيرة تمنع منه، فإنَّه يردُّه. 3103 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا عبد الرزَّاق عن معمر عن الزهريِّ عن عروة عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم قالا: خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زمان الحديبية، وكتبوا بينهم كتابًا، وردَّ أبا جندل، ورجع إلى المدينة، فجاءه أبو بصير، فردَّه (7).
مسألة (759): يمنع الذمي من استيطان الحجاز.
انفرد بإخراجه البخاريُّ (1). ***** مسألة (759): يمنع الذمِّيُّ من استيطان الحجاز. وقال أبو حنيفة: لا يمنع. 3104 - قال الترمذيُّ: حدَّثنا الحسن بن عليٍّ الخلال ثنا عبد الرزَّاق أنا ابن جريج أنا أبو الزبير أنَّه سمع جابر بن عبد الله يقول: أخبرني عمر بن الخطَّاب أنَّه سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لأخرجنَّ اليهود والنصارى من جزيرة العرب، فلا أترك فيها إلا مسلمًا ". قال الترمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (2). ز: رواه مسلمٌ عن محمَّد بن رافع عن عبد الرزَّاق، ورواه من غير وجه عن أبي الزبير (3) O. ***** مسألة (760): ما تشعث من البِيَع والكنائس، أو انهدم= لم يجز رمه، ولا بناؤه، في إحدى الروايات، وهي اختيار أبي سعيد الإصطخريِّ وأبي عليٍّ
ابن أبي هريرة من الشافعيَّة. والثانية: يجوز، كقول أكثر الفقهاء. والثالثة: يجوز عمارة ما تشعث، فأمَّا إن استولى الخراب على جميعها، لم يجز إنشاؤها، وهي اختيار أبي بكر الخلال. 3105 - أنبأنا ابن خيرون قال: أنبأنا أبو بكر الخطيب قال: أنا ابن رزقويه بإسناد له عن عمر بن الخطَّاب عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تبنى كنيسة في الإسلام، ولا يجدَّد ما خرب منها " (1). ز: هذا الحديث لا يثبت مرفوعًا، والله أعلم O. *****
مسائل الصيد
مسائل الصيد مسألة (761): إذا أكل الكلب من الصيد لم يبح. وعنه: أنَّه يباح، كقول مالك. وعن الشافعيِّ كالمذهبين. 3106 - قال البخاريُّ: حدَّثنا حفص بن عمر ثنا شعبة عن ابن أبي السفر عن الشعبيِّ عن عديِّ بن حاتم قال: سألت النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " إذا أرسلت كلبك المعلَّم فقتل، فكل، فإذا أكل فلا تأكل، فإنَّما أمسكه على نفسه " (1). أخرجاه في "الصحيحين" (2). احتجُّوا: 3107 - بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ، قال: حدَّثنا عليُّ بن عبد الله بن مبشِّر ثنا أحمد بن المقدام ثنا يزيد بن زريع ثنا حسين (3) المعلِّم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه أنَّ رجلاً أتى النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقال له: أبو ثعلبة- فقال: يا رسول الله، إن لي كلابًا مكلبة، فأفتني في صيدها، فقال: " إن كانت لك كلاب مكلبة، فكل مما أمسكن عليك ". قال: ذكيٌّ وغير ذكيٍّ؟ قال: " ذكيٌّ وغير
ذكيٍّ ". قال: وإن أكل منه؟ قال: " وإن أكل منه ". قال: يا رسول الله، أفتني في قوسي؟ قال: " كل ما رد عليك قوسك ". قال: ذكيٌّ وغير ذكيٍّ؟ قال: " ذكيٌّ وغير ذكيٍّ ". قال: وإن تغيب عني؟ قال: " وإن تغيب عنك، ما لم يضل أو تجد فيه أثرًا غير سهمك " (1). ز: كذا وجدته في نسخة: (يزيد بن حسين) (2)، وفي نسخة أخرى: (عن حبيب المعلم) (3) وهو الصواب، فإنَّ أبا داود رواه عن محمَّد بن المنهال عن يزيد بن زريع عن حبيب (4). 3108 - وقال: ثنا محمَّد بن عيسى ثنا هشيم أنا داود بن عمرو عن بُسر بن عبيد الله عن أبي إدريس الخولانيِّ عن أبي ثعلية قال: قال النبيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صيد الكلب: " إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله فكل، وإن أكل منه، وكل ما ردَّت يدك- أو قال: وكل ما ردَّت عليك يدك- " (5). هذا إسنادٌ حسنٌ. وداود بن عمرو الدمشقيُّ، عامل واسط: ثقةٌ مشهورٌ. قاله ابن معين (6)، وقال أحمد: حديثه مقارب (7). وقال العجليُّ: يكتب حديثه،
وليس بالقويِّ (1). وقال أبو زرعة: لا بأس به (2). وحديث عمرو بن شعيب: إسناده صحيحٌ إليه، فمن احتجَّ بعمرو فهو عنده صحيحٌ. وقال البيهقيُّ: إلا أنَّ حديث أبي ثعلبة مخرَّج في "الصحيحين" (3) من حديث ربيعة بن يزيد الدمشقيِّ عن أبي إدريس الخولانيِّ عن أبي ثعلبة، وليس فيه ذكر الأكل. وحديث الشعبيِّ عن عديٍّ أصحُّ من حديث داود بن عمرو الدمشقيِّ، ومن حديث عمرو بن شعيب، والله أعلم. 3109 - وقد روى شعبة عن عبد ربِّه بن سعيد عن عمرو بن شعيب عن رجل من هذيل أنَّه سأل النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الكلب يصطاد، فقال: " كل، أكل أو لم يأكل " فصار حديث عمرو بهذا معلولا. انتهى كلامه (4). وقد يقال: ليس بين حديث عمرو وداود، وبين حديث عديٍّ المخرَّج في "الصحيحين"= منافاة، لأنَّه علل الأكل في حديث عديٍّ بكونه أمسك على نفسه، وفي هذا الحديث يحتمل أنَّه أكل منه بعد أن قتله وانصرف عنه، والله أعلم O. *****
مسألة (762): إذا قتل الكلب من غير جرح- نحو: إن صدمه
مسألة (762): إذا قتل الكلب من غير جرح- نحو: إن صدمه فمات- لم يحل، خلافًا لأحد قولي الشافعيِّ (1). 3110 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا يحيى عن سفيان قال: حدَّثني أبي عن عباية بن رافع بن خديج (2) عن جدِّه رافع بن خديج قال: قلت: يا رسول الله، إنَّا لاقوا العدو غدًا وليست معنا مدى؟ قال: " ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل، ليس السنّ والظفر، وسأحدثك، أما السنُّ: فعظمٌ، وأمَّا الظفر: فمدى الحبش " (3). أخرجاه في "الصحيحين" (4). ***** مسألة (763): لا يباح صيد الكلب الأسود البهيم، خلافًا لأكثرهم.
مسألة (764): إذا أصاب صيدا بالرمي فغاب عنه، ثم وجده ميتا=
3111 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا إسماعيل أنا يونس عن الحسن عن عبد الله بن مغفَّل قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لولا أنَّ الكلاب أمَّة من الأمم لأمرت بقتلها، فاقتلوا منها الأسود البهيم " (1). فوجه الحجَّة: أنَّه أمر بقتله، وذلك يقتضي النهي عن إمساكه وتعليمه والاصطياد به. ز: روى هذا الحديث أصحاب "السنن الأربعة" من رواية يونس - وهو: ابن عبيد-، وصحَّحه الترمذيُّ (2). والحسن سمع من ابن مغفَّل. قاله الإمام أحمد فيما رواه ابنه صالح عنه (3)، والله أعلم O. ***** مسألة (764): إذا أصاب صيدًا بالرمي فغاب عنه، ثم وجده ميتًا= حلَّ. وعنه: إن وجده في يومه حلَّ، وإن بات عنه لم يحلّ. وعنه: إن كانت الإصابة موجبة (4) حلَّ، وإلا فلا.
وهكذا إذا أرسل الكلب فغاب عنه، ثم وجده قتيلاً. وقال أبو حنيفة: إن اشتغل بطلبه حلَّ، وإلا فلا. وقال الشافعيُّ- في أحد القولين-: لا يحلُّ بحالٍ. لنا حديثان: الحديث الأوَّل: حديث عمرو بن شعيب، وقد تقدَّم (1). 3112 - الحديث الثاني: قال الإمام أحمد: حدَّثنا هشيم عن أبي بشر (2) عن سعيد بن جبير عن عديِّ بن حاتم قال: سألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قلت: يرمي أحدنا الصيد، فيغيب عنه ليلة أو ليلتين، فيجده وفيه سهمه، قال: " إذا وجدت سهمك ولم تجد فيه أثر غيره، وعلمت أنَّ سهمك قتله فكله " (3). ز: رواه النسائيُّ عن زياد بن أيُّوب عن هشيم (4) O. 3113 - حديث آخر: قال الترمذيُّ: حدَّثنا محمود بن غيلان ثنا أبو داود أنا شعبة عن أبي بشر قال: سمعت سعيد بن جبير يحدِّث عن عديِّ بن حاتم قال: قلت: يا رسول الله، أرمي الصيد، فأجد فيه سهمي من الغد؟ قال: " إذا علمت أنَّ سهمك قتله، ولم تر فيه أثر سبع فكل " (5). ز: قال الترمذيُّ: روى شعبة هذا الحديث عن أبي بشر وعبد الملك بن
ميسرة عن سعيد بن جبير عن عديِّ بن حاتم، وكلا الحديثين صحيحٌ (1). وقد رواه النسائيُّ من رواية خالد بن الحارث عن شعبة عنهما (2)، والله أعلم O. 3114 - طريق آخر: قال الترمذيُّ: حدَّثنا أحمد بن منيع ثنا عبد الله قال: أخبرني عاصم الأحول عن الشعبيِّ عن عديِّ بن حاتم قال: سألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الصيد، فقال: " إذا رميت بسهمك فاذكر اسم الله، فإن وجدته قد قتل فكل، إلا أن تجده قد وقع في ماء فلا تأكل، فإنَّك لا تدري الماء قتله أو سهمك " (3). قال الترمذيُّ: الحديثان صحيحان. ز: رواه مسلمٌ في "صحيحه" عن يحيى بن أيُّوب عن عبد الله بن المبارك به (4) O. 3115 - طريق آخر: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا يعقوب بن إبراهيم البزَّاز ثنا الحسن بن عرفة ثنا عبَّاد بن عبَّاد المهلبيُّ عن عاصم الأحول عن الشعبيِّ عن عديِّ بن حاتم أنَّه سأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: أرمي بسهمي فأصيب، فلا أقدر عديه إلا بعد يوم أو يومين؟ فقال: " إذا قدرت عليه وليس فيه أثرٌ ولا خدشٌ إلا رميتك فكل، وإن وجدت فيه أثرًا غير رميتك فلا تأكله، فإنَّك لاتدري
مسألة (765): إذا توحش الإنسي من الحيوان- كالبعير يند، والفرس
أنت قتلته أم غيرك " (1). ز: هذا إسنادٌ صحيحٌ، ولم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب "الكتب السِّتَّة" من حديث عبَّاد، والله أعلم O. ***** مسألة (765): إذا توحشَّ الإنسيُّ من الحيوان- كالبعير يند، والفرس يشرد- فذكاته حيث يجرح من بدنه، وهكذا إذا تردَّى في بئر فلم يقدر على ذبحه. وقال مالكٌ: لا تجوز ذكاته إلا في الحلق واللبَّة. 3116 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا يحيى عن سفيان قال: حدَّثني أبي عن عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج [عن جده رافع بن خديج] (2) قال: أصابنا نهب إبل، فندّ منها بعير، فرماه رجل بسهم فحبسه، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنَّ لهذه الإبل أوابد كأوابد الوحش، فإذا غلبكم منها شيءٌ فافعلوا به هكذا" (3). أخرجاه في "الصحيحين" (4). احتجُّوا:
مسألة (766): متروك التسمية لا يحل، سواء ترك التسمية عامدا أو
بقوله: " لا ذكاة إلا في الحلق واللبَّة ". وسيأتي بإسناده (1)، وذلك في المقدور عليه. ***** مسألة (766): متروك التسمية لا يحلُّ، سواء ترك التسمية عامدًا أو ساهيًا. وعنه: إن تركها عامدًا لم يحل، وإن تركها ناسيًا حلَّ، وهو قول أبي حينفة ومالك. وعنه: إن نسيها على الذبيحة حلَّت، فأمَّا على الصيد فلا (2). وعنه: إن نسيها على السهم حلَّت، فأمَّا على الكلب والفهد فلا. وقال الشافعيُّ: يحلُّ، سواء تركها عامدًا أو ناسيًا. لنا: قوله تعالى: (وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) [الأنعام: 121]. ولنا حديثان: أحدهما: حديث رافع بن خديج: " ما أنهر الدم، وذكر اسم الله عليه فكل ".
وقد سبق بإسناده (1). 3117 - الحديث الثاني: قال البخاريُّ: حدَّثنا حفص بن عمر ثنا شعبة عن ابن أبي السفر عن الشعبيِّ عن عديِّ بن حاتم قال: قلت: يا رسول الله، أرسل كلبي فأجد معه كلبًا آخر، قال: " فلا تأكل، فإنَّما سمَّيت على كلبك، ولم تسمّ على كلبٍ آخر " (2). أخرجاه في "الصحيحين" (3). 3118 - طريق آخر: قال الإمام أحمد: حدَّثنا عبد الرزَّاق ثنا معمر عن عاصم بن سليمان عن الشعبيِّ عن عديِّ بن حاتم قال: قلت: يا رسول الله، إنَّ أرضي أرض صيد. قال: " إذا أرسلت كلبك وسمَّيت فكل ما أمسك عليك كلبك وإن قتل، فإن أكل منه فلا تأكل، فإنَّه إنَّما أمسك على نفسه " (4). ز: أخرجاه في "الصحيحين" من حديث عاصم الأحول (5). ورواه النسائيُّ من رواية معمر (6)، والله أعلم O. احتجُّوا بأربعة أحاديث: 3119 - الحديث الأوَّل: قال البخاريُّ: حدَّثنا محمَّد بن عبيد الله ثنا
أسامة بن حفص عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنَّ قومًا قالوا للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ قومًا يأتونا باللحم لا ندري: أذكر اسم الله عليه أم لا؟ فقال: " سمُّوا عليه أنتم وكلوه ". قالت: وكانو حديثي عهد بالكفر (1). انفرد بإخراجه البخاريُّ. 3120 - الحديث الثاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا عبد الباقي بن قانع ثنا محمَّد بن نوح العسكريُّ ثنا يحيى بن يزيد الأهوازيُّ ثنا أبو همَّام محمَّد بن الزبرقان عن مروان بن سالم عن الأوزاعيِّ عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: سأل رجلٌ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يا رسول الله، أرأيت الرجل منا يذبح وينسى أن يسمي الله عز وجل؟ فقال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اسم الله على فم كلِّ مسلمٍ " (2). 3121 - الحديث الثالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا الحسين بن إسماعيل ثنا أبو حاتم الرازيُّ ثنا محمَّد بن يزيد ثنا معقل عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عبَّاس أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " المسلم إن نسي أن يسمِّي حين يذبح، فليسمِّ، وليذكر اسم الله، ثم ليأكل " (3). 3122 - الحديث الرابع: قال أبو داود في " المراسيل ": حدَّثنا مسدَّد ثنا عبد الله بن داود عن ثور بن يزيد عن الصلت قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ذبيحة المسلم حلالٌ، ذكر اسم الله أو لم يذكر " (4). والجواب:
أمَّا الحديث الأوَّل: فالظاهر تسميتهم. وأمَّا الثاني: ففيه: مروان بن سالم، قال أحمد: ليس بثقة (1). وقال النسائيُّ (2) والدَّارَقُطْنِيُّ (3): متروكٌ. وأمَّا الثالث: ففيه: معقل، وهو مجهولٌ. وأمَّا الرابع: فمرسلٌ. ز: حديث مروان بن سالم القَرْقَسانيُّ: رواه أبو أحمد بن عديٍّ عن عبدان عن يحيى بن يزيد والحسن بن الحارث، كلاهما عن أبي همَّام عنه، وقال: عامَّة حديث مروان بن سالم مما لا يتابعه الثقات عليه (4). وقال البيهقيُّ: مروان بن سالم الجزريُّ ضعيفٌ، ضعَّفه أحمد بن حنبل والبخاريُّ وغيرهما، وهذا الحديث منكرٌ بهذا الإسناد (5). وأمَّا حديث معقل عن عمرو: فلم يخرِّجوه. وقول المؤلِّف في معقل: (إنَّه مجهولٌ) خطأ بيِّن، فإنَّ معقلاً مشهورٌ، وهو: ابن عبيد الله الجزريُّ، وقد روى له مسلمٌ في "صحيحه" (6)، واختلفت الرواية فيه عن يحيى بن معين: فمرَّة وثَّقه (7)، ومرَّة ضعَّفه (8)،
مسألة (767): لا يشرع عند الاصطياد والذبح الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد ذكره المؤلِّف في "الضعفاء" فقال: معقل بن عبيد الله الجزريُّ، يروي عن عمرو بن دينار، قال يحيى: ضعيفٌ (1). لم يزد على هذا. ومحمَّد بن يزيد- الراوي عن معقل- هو: ابن سنان الجزريُّ، ابن أبي فروة، الرهاويُّ، قال أبو داود: ليس بشيءٍ (2). وقال النسائيُّ: ليس بالقويِّ (3). وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ضعيفٌ (4). وذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثقات" (5). والصحيح أنَّ هذا الحديث موقوفٌ على ابن عبَّاس، كذلك رواه سفيان عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد عن عين- وهو عكرمة- عن ابن عبَّاس (6) O. ***** مسألة (767): لا يشرع عند الاصطياد والذبح الصلاة على النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقال الشافعيُّ: يستحب ذلك.
3123 - وقد روى أصحابنا أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " موطنان لا حظَّ لي فيهما: عند العطاس والذبح ". ز: 3124 - قال الحاكم: حدَّثنا أبو بكر أحمد بن إسحاق الفقيه أنا إسماعيل بن قتيبة ثنا يحيى بن يحيى أنا سليمان بن عيسى أخبرني عبد الرحيم بن زيد العَمِّيُّ عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تذكروني عند ثلاثٍ: عند تسمية الطعام، وعند الذبح، وعند العطاس " (1). هذا منقطعٌ، وإسناده ساقطٌ، فإنَّ عبد الرحيم وأباه ضعيفان، وعبد الرحيم أشدُّهما ضعفًا. وسليمان بن عيسى بن نجيح السِّجْزِيُّ: يضع الحديث. قاله ابن عَدِيٍّ (2) وغيره، وكذَّبه أبو حاتم (3) والجوزجانيُّ (4)، ولو عرف يحيى بن يحيى حاله ما استجاز الرواية عنه، والله أعلم O. *****
مسائل الذبح
مسائل الذبح مسألة (768): لا تجوز الذَّكاة بالسِّنِّ والظفر. وقال أبو حنيفة: تجوز بهما، إذا كانا منفصلين. وعن مالك: أنَّه يباح بالسِّنِّ والعظم. لنا: حديث رافع بن خديج: " ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه [فكل] (1)، ليس السنّ والظفر، وسأحدثك، أمَّا السنُّ: فعظمٌ، وأمَّا الظفر: فمدى الحبش ". وقد سبق بإسناده (2). ***** مسألة (769): يجزئ في الذَّكاة قطع الحلقوم والمريء. وعنه: لا يجزئ حتَى يقطع مع ذلك الودجين، وبه قال مالك. فالحلقوم: مجرى النفس، والمريء: مجرى الطعام، والودجان: عرقان محيطان بالحلقوم. وقال أبو حنيفة: يجزى قطع ثلاثة من الأربعة. 3125 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا محمَّد بن مخلد ثنا محمَّد بن سليمان الواسطيُّ ثنا سعيد بن سلام العطَّار ثنا عبد الله بن بُديل الخزاعيُّ عن الزهريِّ عن
مسألة (770): لا تحل ذبائح نصارى العرب.
سعيد بن المسيَّب عن أبي هريرة قال: بعث رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُديل بن ورقاء الخزاعيَّ على جمل أورق، يصيح في فجاج منى: ألا إنَّ الذَّكاة في الحلق واللبَّة (1). ز: هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا، فإنَّ عبد الله بن بُديل: ضعَّفه أبو بكر النيسابوريُّ (2) والدَّارَقُطْنِيُّ (3)، ووثَّقه ابن حِبَّان (4). وسعيد بن سلام العطَّار: أجمع الأئمة على ترك الاحتجاج بحديثه، وكذَّبه ابن نمير (5)، وقال البخاريُّ: يذكر بوضع الحديث (6). وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: متروكٌ، يحدِّث بالبواطيل (7) O. ***** مسألة (770): لا تحلُّ ذبائح نصارى العرب. وقال أبو حنيفة: تحلُّ. 3126 - روى أصحابنا من حديث ابن عبَّاس أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن ذبائح نصارى العرب. ز: هذا الحديث لا يثبت O. 3127 - وقال سعيد بن منصور: حدَّثنا هشيم عن يونس عن ابن
مسألة (771): إذا مات الجراد بغير سبب= حل أكله.
سيرين عن عَبيدة السلمانيِّ عن عليٍّ عليه السلام قال: لا تأكلوا من ذبائح نصارى بني تغلب، فإنَّهم لم يتمسَّكوا من النصرانيَّة بشيءٍ، إلا بشربهم الخمر. مسألة (771): إذا مات الجراد بغير سببٍ= حلَّ أكله. وقال مالكٌ: لا يحلُّ إلا إذا مات بسبب، نحو أن يقطف رأسه، أو يقع في نار فيحترق. 3128 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا سريج ثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن زيد بن أسلم (1) عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أحلت لنا ميتتان ودمان، فأمَّا الميتتان: فالحوت والجراد، وأمَّا الدمان: فالكبد والطحال " (2). قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وقد رواه سليمان بن بلال عن زيد بن أمسلم عن ابن عمر موقوفًا، وهو أصحُّ (3). ورواه المسور بن الصلت عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي
سعيد الخدريِّ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا يصحُّ، والمسور ضعيفٌ. قال المصنِّف: قلت: المسور قد كذَّبه أحمد بن حنبل (1)، وقال ابن حِبَّان: يروي عن الثقات الموضوعات، لا يجوز الاحتجاج به (2). ز: حديث عبد الرحمن بن زيد: رواه ابن ماجة عن أبي مصعب عنه (3). وعبد الرحمن: ضعَّفه جماعة من الأئمة. وقد رواه الشافعيُّ عنه (4)، ورواه الدَّارَقُطْنِيُّ عن المحامليِّ عن عليِّ بن مسلم عنه. ورواه أيضًا عن محمَّد بن مخلد عن إبراهيم بن محمَّد العتيق عن مطرِّف عن عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه (5). وعبد الله: وثَّقه بعض الأئمة، وضعَّفه بعضهم. وقد رواه إسماعيل بن أبي أويس عن عبد الرحمن وعبد الله وأسامة بني زيد بن أسلم عن أبيهم مرفوعًا. وقد روى عبَّاس الدوريُّ عن يحيى بن معين أنَّه قال: بنو زيد بن أسلم ثلاثتهم حديثهم ليس بشيءٍ، ضعفاء ثلاثتهم (6). وقال أبو حاتم: سألت أحمد بن حنبل عن ولد زيد بن أسلم، أيهم أحبُّ إليك؟ قال: أسامة.
قلت: ثم من؟ قال: عبد الله (1). وقال البخاريُّ: ضعَّف عليٌّ عبدَ الرحمن ابن زيد بن أسلم. قال: وأمَّا أخواه أسامة وعبد الله فذكر عنهما صحَّةً (2). والصحيح في هذا الحديث ما رواه سليمان بن بلال- الثقة الثبت- عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر أنَّه قال: أحلت لنا ميتتان ... وهو موقوفٌ في حكم المرفوع، والله أعلم. 3129 - وقال الخطيب: أخبرنا الحسن بن عليٍّ الجوهريُّ أنا أبو الحسن عليُّ بن محمَّد بن أحمد بن لؤلؤ الورَّاق ثنا ابن الحسن (3) بن سليمان القطيعيُّ ثنا محمَّد بن مسكين ثنا يحيى بن حسَّان ثنا مسور بن الصلت- كتبت عنه ببغداد- عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحو حديث قبله قال: " أحلَّ لنا من الميتة ميتتان، ومن الدم دمان: الحيتان والجراد؛ والطحال والكبد " (4). ومسور هو: ابن الصلت بن ثابت بن وردان، أبو الحسن مولى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، من أهل المدينة، وقيل: بل هو كوفيٌّ، قدم بغداد. وقد ضعَّفه أيضًا البخاريُّ (5) وأبو زرعة (6) وأبو حاتم (7) وغيرهم، وقال أبو حاتم: ضعَّفه أحمد بن حنبل (8). وقال النسائيُّ: متروك الحديث (9). والله أعلم O. *****
مسألة (772): يحل أكل السمك الطافي.
مسألة (772): يحلُّ أكل السمك الطافي. وقال أبو حنيفة: لا يحلُّ. 3130 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا حسن بن موسى ثنا زهير ثنا أبو الزبير عن جابر قال: بعثنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمَّر علينا أبا عبيدة، وزوَّدنا جرابًا من تمر، لم يجد لنا غيره، فكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة، فرفع لنا على سعاحل البحر على هيئة الكثيب الضخم، فإذا هو دابة تدعى العنبر، فأكلنا منها حتَّى سمنا، فلمَّا قدمنا أتينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكرنا ذلك له، فقال: " هل معكم من لحمه شيء فتطعمونا؟ ". فأرسلنا إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأكله (1). أخرجه مسلمٌ في "صحيحه" (2). احتجُّوا بحديث، وله ثلاث طرق: 3131 - الطريق الأوَّل: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا يعقوب بن إبراهيم البزَّاز ثنا الحسن بن عرفة ثنا إسماعيل بن عيَّاش عن عبد العزيز بن عبيد الله عن وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " كلوا ما حسر عنه البحر، وما ألقى، وما وجدتموه ميِّتًا أو طافيًا فوق الماء فلا تأكلوه ". قال الدَّارَقُطْنِيُّ: تفرَّد به عبد العزيز عن وهب، وعبد العزيز ضعيفٌ لا يحتجُّ به (3). وقال أحمد: هو ضعيفٌ، والحديث ليس بصحيحٍ.
وقال النسائيُّ: هو متروكٌ (1). 3132 - الطريق الثاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا أبو بكر النيسابوريُّ ثنا محمَّد بن عليٍّ الكوفيُّ ثنا أبو أحمد الزبيريُّ ثنا سفيان الثوريُّ عن أبي الزبير عن جابر عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا طفا فلا تأكله، وإذا جهر عنه فكله، وما كان على حافتيه فكله " (2). قال الدَّارَقُطْنِيُّ: لم يسنده عن الثوريِّ غير أبي أحمد، ورواه وكيع وعبد الرزَّاق ومؤمَّل وغيرهم عن الثوريِّ موقوفًا (3). وكذلك رواه أيُّوب السَّختيانيُّ وعبيد الله بن (4) عمر وابن جريج وزهير وحمَّاد بن سلمة وغيرهم عن أبي الزبير موقوقًا. ولا يصحُّ رفعه (5). ز: رواه الطبرانيُّ عن عليِّ بن إسحاق الأصبهانيِّ عن نصر بن عليٍّ عن أبي أحمد، وقال: لم يرفع هذا الحديث عن سفيان إلا أبو أحمد (6). وقال البيهقيُّ: هو واهمٌ فيه (7) O. 3133 - الطريق الثالث: قال أبو داود: حدَّثنا أحمد بن عبدة (8) ثنا
يحيى بن سليم الطائفيُّ ثنا إسماعيل بن أميَّة عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما ألقى البحر، أو جزر عنه، فكلوه: وما مات فيه وطفا، فلا تأكلوه ". وفي هذه الطريق: إسماعيل بن أميَّة، وهو متروكٌ. قال أبو داود: وقد رواه سفيان وأيُوب وحمَّاد عن أبي الزبير، فوقفوه على جابر (1). ز: رواه ابن ماجة عن أحمد بن عبدة (2). وقال البيهقيُّ: يحيى بن سليم الطائفيُّ كثير الوهم، سيء الحفظ، وقد رواه غيره عن إسماعيل بن أميَّة موقوفًا (3). وقال غيره: رواه إسحاق بن عبد الواحد الموصليُّ عن يحيى بن سليم عن إسماعيل بن أميَّة عن نافع عن ابن عمر عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (4). وقول المؤلف في إسماعيل بن أميَّة: (هو متروكٌ) وهمٌ فاحشٌ، فإنَّه مجمعٌ على ثقته! وهو إسماعيل بن أميَّة القرشيُّ، الأمويُّ، المكيُّ، ابن عم أيُّوب بن موسى، وقد روى له البخاريُّ (5) ومسلمٌ (6) في "صحيحيهما". وأمَّا المتروك: فآخر غيره، وليس هو في طبقته، والله أعلم.
وقال أبو زكريا النوويُّ: وأما الحديث المروي عن جابر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما طفاه البحر أو جزر عنه (1)، فكلوه؟ وما مات فيه فطفا، فلا تأكلوه " فحديثٌ ضعيفٌ باتفاق أئمة الحديث (2). 3134 - وقد روى الترمذيُّ عن الحسين بن يزيد عن حفص بن غياث عن ابن أبي ذئب عن أبي الزبير عن جابر عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما اصطدتموه وهو حيٌّ فكلوه، وما وجدتم (3) ميِّتًا طافيًا فلا تأكلوه ". قال أبو عيسى: سألت محمَّدا عن هذا الحديث، فقال: ليس هذا بمحفوظ، ويروى عن جابر خلاف هذا، ولا أعرف لابن أبي ذئب عن أبي الزبير شيئًا (4). وقال أبو داود: وقد أسند هذا الحديث أيضًا من وجه آخر ضعيف عن ابن أبي ذئب عن أبي الزبير عن جابر عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (5). ومراده هذا الذي ذكره الترمذيُّ. قال البيهقيُّ: وقد رواه أيضًا يحيى بن أبي أنيسة عن أبي الزبير مرفوعًا، ويحيى متروكٌ، لا يحتجُّ به (6).
مسألة (773): الجنين يتذكى بذكاة أمه.
ورواه بقيَّة بن الوليد عن الأوزاعيِّ عن أبي الزبير عن جابر مرفوعًا، ولا يحتجُّ بما ينفرد به بقيَّة، فكيف بما يخالف فيه؟! وقول الجماعة من الصحابة على خلاف قول جابر، مع ما روينا عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال في البحر: " هو الطهور ماؤه، الحلُّ ميتته ". وبالله التوفيق (1) O. ***** مسألة (773): الجنين يتذَّكى بذكاة أمِّه. وقال أبو حنيفة: لا يتذكَّى. وقال مالكٌ كقولنا إن خرج وقد كمل خلقه ونبت شعره، وكقولهم إن لم يكن كذلك. لنا حديثان: 3135 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا أبو عبيدة ثنا يونس ابن أبي إسحاق عن أبي الودَّاك جبر بن نوف عن أبي سعيد الخدريِّ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ذكاة الجنين ذكاة أمِّه " (2) ز: رواه ابن حِبَّان البستيُّ عن محمَّد بن إسحاق الثقفيِّ عن عليِّ بن أنس العسكريِّ عن أبي عبيدة الحدَّاد (3) O.
3136 - طريق آخر: قال أحمد: وحدَّثنا يحيى بن زكريا بن (1) أبي زائدة ثنا مجالد عن أبي الودَّاك عن أبي سعيد الخدريِّ قال: سألنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الجنين يكون في بطن الناقة، أو البقرة، أو الشاة، فقال: " كلوه إن شئتم، فإنَّ ذكاته ذكاة أمِّه " (2). ز: رواه أبو داود عن القَعنبيِّ عن ابن المبارك، وعن مسدَّد عن هشيم (3). ورواه الترمذيُّ عن بندار عن يحيى، وعن سفيان بن وكيع عن حفص ابن غياث (4). ورواه ابن ماجة عن أبي كريب عن ابن المبارك وأبي خالد الأحمر وعبدة ابن سليمان (5). كلّهم عن مجالد به. وقال الترمذيُّ: حديثٌ حسنٌ O. 3137 - الحديث الثاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا محمَّد بن حمدويه المروزيُّ ثنا معمر بن محمَّد البلخيُّ ثنا عصام بن يوسف ثنا مبارك بن مجاهد عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنَّ رسؤل الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في الجنين: " ذكاته ذكاة أمِّه، أشعر أو لم يشعر " (6).
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: الصواب أنَّه من قول ابن عمر (1). ز: مبارك بن مجاهد: تكلَّم فيه غير واحد من الأئمة، قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه، فقال: ما أرى بحديثه بأسًا، وكان قتيبة بن سعيد ضعَّفه جدًّا، وقال: كان قدريًّا (2). وقال ابن حِبَّان: هو منكر الحديث، ممن ينفرد عن الثقات بما لا يشبه حديث الأثبات، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد (3). 3138 - وقال الطبرانيُّ: ثنا أحمد بن يحيى الأنطاكيُّ قُرقُرة ثنا عبد الله ابن نصر الأنطاكيُّ ثنا أبو أسامة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ذكاة الجنين ذكاة أمِّه " قال الطبرانيُّ: لم يروه موفوعًا عن عبيد الله إلا أبو أسامة، تفرَّد به عبد الله بن نصر (4). وقد رواه أبو بكر بن أبي داود عن عبد الله بن نصر (5). وسُئل عنه الدَّارَقُطْنِيُّ، فقال: اختلف في رفعه على نافع: فرواه محمَّد بن إسحاق واختلف عنه: فرواه محمَّد بن الحسن- هو المزنيُّ الواسطيُّ- عن محمَّد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر موفوعًا (6).
وخالفه ابن عيينة وهشيم وعليُّ بن مسهر عن ابن إسحاق، فقالوا: عن نافع عن ابن عمر موقوفًا. واختلف عن عبيد الله بن عمر: فقال عبد الله بن نصر الأنطاكيُّ. عن أبي أسامة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر [مرفوعًا] (1)، وتابعه مبارك بن مجاهد عن عبيد الله فرفعه أيضًا. وغيرهما يرويه عن عبيد الله موقوفًا. ورواه مالك بن أنس، واختلف عنه: فرواه أحمد بن عصام الموصليُّ- وهو ليس بثقةٍ - عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وخالفه أصحاب "الموطأ" فرووه عن مالك عن نافع عن ابن عمر قوله، وهو الصواب عن مالك. ورواه أيُّوب بن موسى عن نافع عن ابن عمر عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حدَّث به محمَّد بن مسلم الطائفيُّ عنه. ورفعه يزيد بن عياض وخصيف عن نافع عن ابن عمر أيضًا. ورواه أيُّوب السَّختيانيُّ وابن جريج ومالك بن مغول وعليُّ بن ثابت الأنصاريُّ عن نافع عن ابن عمر موقوفًا، وهو الصحيح (2) O.
مسألة (774): السنة نحر الإبل، فإن ذبحها جاز.
مسألة (774): السنَّة نحر الإبل، فإن ذبحها جاز. وقال داود: لا يجوز. وعن مالك كالمذهبين. لنا: قوله: " لا ذكاة إلا في الحلق واللبَّة ". وقد سبق مسندًا (1). ***** مسألة (775): يحلُّ أكل الضبع، وفي الثعلب روايتان. وقال أبو حنيفة: لا يحلُّ أكلهما. 3139 - قال الترمذيُّ: حدَّثنا أحمد بن منيع ثنا إسماعيل بن إبراهيم ثنا ابن جريج عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن ابن أبي عمَّار قال: قلت لجابر: الضبع صيدٌ هي؟ قال: نعم. قلت: فنأكلها؟ قال: نعم. قلت: أقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: نعم. قال الترمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (2). ز: رواه باقي أصحاب "السنن" من حديث عبد الله بن عبيد (3)،
مسألة (776): يحل أكل الضب، وفي اليربوع روايتان.
وصحَّحه البخاريُّ (1). وقال البيهقيُّ: هو حديثٌ جيِّد، تقوم به الحجَّة (2) O. ***** مسألة (776): يحلُّ أكل الضبِّ، وفي اليربوع روايتان. وقال أبو حنيفة: لا يحلُّ. لنا حديثان: 3140 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا عتَّاب (3) ثنا عبد الله- يعني ابن المبارك- ثنا يونس عن الزهريِّ قال: أخبرني أبو أمامة بن سهل بن حنيف أنَّ ابن عبَّاس أخبره أنَّ خالد بن الوليد أخبره أنَّه دخل مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ميمونة، فوجد عندها ضبًّا محنوذا، فقدمت الضبَّ لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأهوى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده إلى الضبِ، فقالت امرأة من النسوة الحضور: أخبرن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما قدمتن إليه. قلن: هو الضبُّ. فرقع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده، فقال خالدٌ: أحرامٌ الضبُّ، يا رسول الله؟ قال: " لا، ولكن لم يكن بأرض قومي، فأجدني أعافه ". قال خالدٌ: فاجتررته، فأكلته، ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينظر إليَّ، فلم ينهني (4).
مسألة (777): يحل أكل لحوم الخيل.
أخرجاه (1). 3141 - الحديث الثاني: قال أحمد: وحدَّثنا محمَّد بن جعفر ثنا سعيد عن قتادة عن سليمان عن جابر بن عبد الله أنَّ عمر بن الخطَّاب قال: إنَّ نبيَّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحرِّم الضبَّ، ولكنَّه قذره (2). ز: رواه ابن ماجة عن يحيى بن خلف عن عبد الأعلى عن سعيد (3). ورواه مسلمٌ من رواية معقل عن أبي الزبير عن جابر عن عمر (4) بنحوه (5) O. ***** مسألة (777): يحلُّ أكل لحوم الخيل. وقال أبو حنيفة: لا يحلُّ. لنا حديثان: 3142 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا عفَّان ثنا حمَّاد بن زيد ثنا عمرو بن دينار عن محمَّد بن عليِّ عن جابر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر، وأذن في لحوم الخيل (6).
3143 - الحديث الثاني: قال أحمد: وحدَّثنا أبو معاوية ثنا هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء قالت: نحرنا في عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرسًا فأكلناه (1). الحديثان في "الصحيحين". احتجُّوا: 3144 - بما رواه الإمام أحمد، قال: حدَّثنا أحمد بن عبد الملك ثنا محمَّد ابن حرب ثنا سليمان بن سليم عن صالح بن يحيى بن المقدام عن جدِّه المقدام بن معد يكرب عن خالد بن الوليد عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " حرام عليكم لحوم الحمر الأهليَة وخيلها " (2). 3145 - قال أحمد: وحدَّثنا يزيد بن عبد ربِّه ثنا بقيَّة بن الوليد ثنا ثور ابن يزيد عن صالح بن يحيى بن المقدام عن أبيه عن جدِّه عن خالد بن الوليد قال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أكل لحوم الخيل والبغال والحمير (3). والجواب: قال أحمد: هذا حديثٌ منكرٌ (4). وقال موسى بن هارون الحافظ: لا نعرف صالح بن يحيى ولا أبوه إلا بجدِّه (5).
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وهذا حديثٌ ضعيفٌ (1). قال المصنِّف: قلت: وفي بعض ألفاظ هذا الحديث أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حرَّمها يوم خيبر، قال الواقديُّ: إنَّما أسلم خالد بعد خيبر. ثم نحمله على الإشفاق عليها من جهة الجهاد. ز: حديث خالد: رواه أبو داود (2) والنسائيُّ (3) وابن ماجة (4) من رواية بقيَّة. وقال أبو داود: هذا منسوخٌ. وقال النسائيُّ: لا أعلمه رواه غير بقيَّة، والذي قبله- يعني: حديث جابر في أكل لحوم الخيل- أصحُّ من هذا، ويشبه- إن كان هذا الحديث صحيحًا- أن يكون منسوخًا، لأنَّ قوله: (أذن في لحوم الخيل) دليلٌ على ذلك (5). وقال البيهقيُّ: إسناده مضطربٌ، ومع اضطرابه مخالفٌ لحديث الثقات (6).
مسألة (778): يحرم أكل البغال والحمر الأهلية.
وقد تابع بقيَّة على رواية هذا الحديث الواقديُّ ومحمَّد بن حمير عن ثور، فقال: عن صالح سمع جدَّه. وقال الواقديُّ: عن أبيه عن جدِّه. ورواه عمر بن هارون البلخيُّ عن ثور عن يحيى بن المقدام عن أبيه عن خالد. وقد رواه عن صالح: سليمان بن سليم، وهو ثقةٌ. وصالح بن يحيى بن المقدام: روى عنه جماعة من الحمصيين، وقال البخاريُّ: فيه نظرٌ (1). وذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثقات"، وقال: يخطئ (2) O. ***** مسألة (778): يحرم أكل البغال والحمر الأهليَّة. وقال مالكٌ: لا يحرم، بل يكره. لنا ثمانية أحاديث: الحديث الأوَّل: حديث خالد المتقدِّم (3). ز: العجب من المؤلِّف، كيف يحتجُّ بحديث خالد بعد فراغه من تضعيفه؟! O.
3146 - الحديث الثاني: قال البخاريُّ: حدَّثنا إسحاق ثنا يعقوب بن إبراهيم ثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب أنَّ أبا إد يس أخبره أنَّ أبا ثعلبة قال: حرَّم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحوم الحمر الأهليَّة (1). أخرجاه في "الصحيحين" (2). 3147 - طريق آخر: قال الإمام أحمد: حدَّثنا زكريا بن عديٍّ ثنا بقيَّة عن بحير بن سعد (3) عن خالد بن معدان عن جبير بن نفير عن أبي ثعلبة قال: غزوت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيبر، فأصبنا بها حمرًا من الحمر الإنسيَّة، فذبحناها، فأُخبر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمر عبد الرحمن بن عوف فنادى في الناس: أنَّ الحمر الأهلية (4) لا تحلُّ لمن شهد أنِّي رسول الله (5). ز: رواه النسائيُّ عن عمرو بن عثمان عن بقيَّة بنحوه (6). ورواية بقيَّة عن بحير حسنةٌ أو صحيحةٌ، سواء صرَّح بالتحديث أو لم يصرِّح O. 3148 - الحديث الثالث: قال أحمد: وحدَّثنا معاوية بن عمرو ثنا زائدة ثنا محمَّد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حرَّم يوم خيبر كلَّ ذي نابٍ من السباع، والحمار الإنسيَّ (7). (1) "صحيح البخاري": (7/ 126)؛ (فتح- 9/ 653 رقم: 5527). (2) "صحيح مسلم": (6/ 63)؛ (فؤاد- 3/ 1538 - رقم: 1936). (3) في "التحقيق": (عن يحيى بن سعيد) خطأ. (4) في "التحقيق": (إن لحوم الحمر الأنسية). (5) "المسند": (4/ 194). (6) "سنن النسائي": (7/ 204 - رقم: 4341). (7) "المسند": (2/ 366).
ز: رواه الترمذيُّ عن أبي كريب عن سفيان (1) عن عليٍّ الجعفيِّ عن زائدة، وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ (2) O. 3149 - الحديث الرابع: قال أحمد: وحدَّثنا هاشم بن القاسم ثنا عكومة بن عمَّار عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن جابر قال: حرَّم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحمر الإنسيَّة، ولحوم الثعالب، وكلَّ ذي نابٍ من السباع، وكلَّ ذي مخلبٍ من الطير (3). ز: كذا فيه. (ولحوم الثعالب) وهو خطأ، والصواب: (ولحوم البغال) (4). وقد رواه الترمذيُّ عن محمود بن غيلان عن أبي النضر هاشم، وقال: حديثٌ حسنٌ غريبٌ (5) O. 3150 - الحديث الخامس: قال أحمد: وحدَّثنا عبد الصمد قال: حدَّثني أبي عن أبي إسحاق قال: حدَّثني عبد الله بن عمرو بن ضمرة الفزاريُّ عن عبد الله بن أبي سليط (6) عن أبيه أبي سليط قال: أتانا نهي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن كل الحمر الإنسيَّة والقدور تفور بها، فكفأناها على وجوهها (7).
ز: كذا فيه: (عن أبي إسحاق) وهو خطأٌ، والصواب: (عن ابن إسحاق) وهو الإمام المشهور. وهذا الإسناد لم يخرِّجه أحدٌ من أئمة "الكتب السِّتَّة"، وفيه من تجهل حاله، والله أعلم O. 3151 - الحديث السادس: قال أحمد: وحدَّثنا هاشم (1) ثنا شعبة عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال: أصبنا يوم خيبر حمرًا، فنادى منادي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن اكفئوا القدور (2). أخرجاه في "الصحيحين". ز: رواه مسلمٌ وحده من حديث شعبة عن أبي (3) إسحاق (4). وأخرجاه من حديث شعبة [عن] (5) عدي بن ثابت عن البراء وابن أبي أوفى (6) O. 3152 - الحديث السابع: قال الترمذيُّ: حدَّثنا قتيبة ثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن جابر قال: أطعمَنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحوم الخيل، ونهانا عن لحوم الحمر (7).
هذا حديثٌ صحيحٌ، وقد ذكرناه آنفا عن عمرو عن محمَّد بن عليٍّ عن جابرٍ (1). قال البخاريُّ: سفيان بن دمِنة أحفظ من حمَّاد بن زيد (2). ز: رواه النسائيُّ عن قتيبة (3). وقال الترمذيُّ: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، وهكذا روى غير واحد عن عمرو، وروى حمَّاد بن زيد عن عمرو عن محمَّد بن عليٍّ عن جابرٍ، ورواية ابن عيينة أصحُّ. وسمعت محمَّدًا يقول: ابن عيينة أحفظ من حمَّاد بن زيد (4). كذا حكى الترمذيُّ عن البخاريِّ، ولم يروه البخاريُّ من حديث ابن عيينة، إنَّما رواه هو ومسلمٌ من حديث حمَّاد (5). وقال النسائيُّ: ما أعلم أحدًا وافق حمَّاد بن زيد على: (محمَّد بن عليٍّ) (6). وقد رواه أبو داود من رواية ابن جريج عن عمرو بن دينار قال: أخبرني رجلٌ عن جابر به (7)، ولم يسمِّه O.
مسألة (779): كل حيوان له ناب يعدو به على الناس ويتقوى به،
3153 - الحديث الثامن: قال النسائيُّ: أخبرنا محمَّد بن عبيد الله (1) ابن يزيد ثنا سفيان عن أيُّوب عن محمَّد عن أنس قال: أتانا منادي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: إنَّ الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر، فإنَّها رجسٌ (2). ز: هذا الحديث مخرَّجٌ في " الصحيح " من حديث سفيان (3)، والله أعلم O. ***** مسألة (779): كلُّ حيوان له ناب يعدو به على الناس ويتقوَّى به، كالأسد والذئب والنمر والفهد = فحرامٌ أكله، وكذلك ما له مخلبٌ من الطير، كالبازي والشاهين والعقاب. وقال مالكٌ: يكره ولا يحرم. لنا أحاديث: منها: ما قد تقدَّم. 3154 - وقال الإمام أحمد: حدَّثنا معاوية بن عمرو ثنا زائدة ثنا محمَّد ابن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حرَّم يوم خيبر: كلَّ ذي نابٍ من السباع، والمجثمة، والحمار الإنسيَّ (4).
ز: هذا الحديث رواه الترمذيُّ وصحَّحه (1)، وقد تقدَّم أيضًا (2) O. 3155 - قال أحمد: وحدَّثنا يونس ثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن ميمون ابن مهران عن ابن عبَّاس قال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن كلِّ ذي نابٍ من السبع، وعن كلِّ ذي مخلبٍ من الطير (3). ز: رواه مسلمٌ من رواية أبي بشر وغيره عن ميمون (4). وقد روي عن ميمون (5) عن سعيد بن جبير عن ابن عبَّاس. قال الخطيب: والصحيح في هذا: عن ميمون عن ابن عبَّاس، ليس بينهما: سعيد بن جبير (6) O. 3156 - وقال عبد الله بن أحمد: حدَّثني محمَّد بن يحيى ثنا عبد الصمد قال: حدَّثني أبي ثنا حسين (7) بن ذكران عن حبيب بن أبي ثابت عن عاصم بن
ضمرة عن عليٍّ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن: كلِّ ذي نابٍ من السبع، وذي مخلبٍ من الطير، وعن لحم الحمر الأهليَة، وعن عسب الفحل (1). ز: كذا فيه: (حسين بن ذكوان) وهو خطأٌ، والصواب: حسن بن ذكوان. ولم يخرِّج هذا الحديث أحدٌ من أصحاب "الكتب السِّتَّة"، ورواه أبو يعلى الموصليُّ عن أبي خيثمة عن عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه عن الحسن ابن ذكوان عن حبيب (2). وقد قال يحيى بن معين: الحسن بن ذكوان لم يسمع من حبيب بن أبي ثابت شيئًا، إنَّما سمع من عمرو بن خالد عنه، وعمرو بن خالد لا يسوى حديثه شيئًا، إنَّما هو كذَّابٌ (3). وقال العقيليُّ: حدَّثني الخضر بن داود ثنا أحمد بن محمَّد بن هانئ قال: قلت لأبي عبد الله: الحسن بن ذكوان ما تقول فيه؟ فقال: أحاديثه بواطيل، يروي عن حبيب بن أبي ثابت؟ فقلت له: نعم، عنده غير حديث عجيب عن عاصم بن ضمرة عن عليٍّ في: المسألة، وعسب الفحل. فقال أبو عبد الله: هو لم يسمع من حبيب بن أبي ثابت، إنَّما هذه أحاديث عمرو بن خالد الواسطيِّ (4). وقال عليُّ بن المدينيِّ: لم يرو حبيب بن أبي ثابت عن عاصم بن ضمرة
مسألة (780): المستخبث من الطير لا يحل أكله، كالنسر، والرخم،
إلا حديثًا واحدًا (1). وقال أبو حاتم: لا يثبت لحبيب رواية عن عاصم (2). وقال ابن مهديٍّ عن سفيان الثوريِّ: حبيب لم يرو عن عاصم بن ضمرة شيئًا قط (3). وقد اختلف الأئمة في توثيق عاصم بن ضمرة، والله أعلم O. 3157 - وقال مسلم بن الحجَّاج: حدَّثني زهير بن حرب ثنا عبد الرحمن ابن مهديٍّ عن مالك عن إسماعيل (4) بن أبي حكيم عن عبيدة بن سفيان عن أبي هريرة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " كلُّ ذي ناب من السباع فأكله حرامٌ " (5). انفرد بإخراجه مسلمٌ. ***** مسألة (780): المستخبث من الطير لا يحلُّ أكله، كالنسر، والرخم، والغراب الأبقع، والغراب الأسود الكبير.
مسألة (781): يحرم أكل القنفذ وابن عرس.
وقال مالكٌ: يحلُّ. لنا: قوله عليه السلام: " خمسٌ لا جناح على من قتلهن ... " فذكر منهن الغراب. وقد ذكرناه بإسناده في كتاب الحجِّ (1)، وما يحلُّ قتله لا يحلُّ أكله. ***** مسألة (781): يحرم أكل القنفذ وابن عرس. وقال مالكٌ والشافعيُّ: لا يحرم. 3158 - قال سعيد بن منصور: حدَّثنا عبد العزيز بن محمَّد قال: حدَّثني عيسى بن نميلة الفزاريُّ عن أبيه قال: كنت عند ابن عمر فسأله رجلٌ عن كل القنفذ، فقال شيخٌ عنده: سمعت أبا هريرة يقول: ذُكر عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " خبيثةٌ من الخبائث ". فقال ابن عمر: إن كان رسول الله قاله، فهو كما قاله. ز: رواه الإمام أحمد عن سعيد (2)، ورواه أبو داود عن أبي ثور عن سعيد (3).
مسألة (782): كل ما يعيش في البحر يحل أكله، إلا الضفدع
وقال البيهقيُّ: هذا حديثٌ لم يرو إلا بهذا الإسناد، وهو إسنادٌ فيه ضعفٌ (1). وعيسى: ذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثقات" (2)، وهو ابن نميلة - بالنون-، وضبطه بعضهم بالتاء، وهو خطأٌ، والله أعلم O. ***** مسألة (782): كلُّ ما يعيش في البحر يحلُّ أكله، إلا الضفدع والتمساح والكوسج. وقال أبو حنيفة: لا يحلُّّ إلا السمك. "وقال مالكٌ: يحلُّ أكلُّه. لنا أربعة أحاديث: الحديث الأوَّل: قوله عليه السلام: " الحلُّ ميتته ". وقد ذكرناه بإسناده في أوَّل كتاب الطهارة (3). 3159 - الحديث الثاني: قال الإمام أحمد: حدَّثنا يزيد أنا ابن أبي ذئب عن سعيد بن خالد عن سعيد بن المسيَّب عن عبد الرحمن بن عثمان قال: ذكر طبيبٌ عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دواء، وذكر الضفدع يجعل فيه، فنهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عن قتل الضفدع (1). ز: رواه أبو داود (2) والنسائيُّ (3) من حديث ابن أبي ذئب. وقال البيهقيُّ: هو أقوى ما ورد في الضفدع (4). وسعيد بن خالد، هو: القارظيُّ، وقد ضعَّفه النسائيُّ (5)، ووثَّقه ابن حِبَّان (6)، وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: مدنيٌّ يحتجُّ به (7) O. 3160 - الحديث الثالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا محمَّد بن عبدويه (8) ثنا عبد الله بن روح ثنا شبابة ثنا حمزة عن عمرو بن دينار عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما من دابة في البحر إلا قد ذكَّاها الله عز وجلَّ لبني آدم " (9). ز: هذا الحديث لم يخرِّجوه. وحمزة هو: ابن أبي حمزة الجعفيُّ، وقد أجمعوا على ترك الاحتجاج به،
واتهمه غير واحد من الأئمة بالوضع O. 3161 - الحديث الرابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا عبد الله بن أحمد بن ثابت ثنا سعدان بن نصر ثنا فهير بن زياد عن إبراهيم بن يزيد الخوزيِّ عن عمرو ابن دينار عن عبد الله بن سرجس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ذبح كلِّ ذي نون في البحر لبني آدم " (1). ز: هذا أيضًا لم يخرِّجوه. وإيراهيم بن يزيد الخوزيُّ: لا يحتجُّ به، قال الإمام أحمد (2) والنسائيُّ (3) وغيرهما: هو متروك الحديث. وقال ابن معين: ليس بثقة (4). وقال أبو زرعة وأبو حاتم: منكر الحديث، ضعيف الحديث (5). وشيخ الدَّارَقُطْنِيُّ هو: عبد الله بن أحمد بن ثابت، أبو القاسم، البزَّار، وهو ثقةٌ، ووجدته في النسختين مصغرًا، وهو خطأٌ. 3162 - وقد روى البيهقيُّ بإسناد ضعيفٍ عن حذيفة مرفوعًا: " إنَّ الله ذكَّى لكم صيد البحر " (6) 3163 - وروى الدَّارَقُطْنِيُّ بإسناده عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال: سمعت أبا بكر رضي الله عنه يقول: إنَّ الله ذبح لكم ما في البحر فكلوه كلَّه، فإنَّه ذكيٌّ (7).
مسألة (783): يحرم أكل الجلالة وبيضها ولبنها ما لم تحبس، فإن كان
3164 - وقد روى حمَّاد بن سلمة عن عمرو بن دينار قال: سمعت شيخًا يكنى أبا عبد الرحمن قال: سمعت أبا بكر الصدِّيق رضي الله عنه يقول: ما في البحر من شيءٍ إلا قد ذكَّاه الله لكم. 3165 - وروي عن عمرو وأبي الزبير سمعا شريحًا- رجلاً أدرك النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: كلُّ، شيءٍ في البحر مذبوحٌ (1) O. ***** مسألة (783): يحرم أكل الجلالة وبيضها ولبنها ما لم تحبس، فإن كان طائرًا: فثلاثة أيام؛ وإن كان من بهيمة الأنعام: فأربعين في رواية، وثلاثًا في رواية؛ والبقر: تحبس ثلاثين؛ والغنم: سبعة؛ والدجاج: ثلاثة. وقال أكثرهم: لا يحرم. لنا ثلاثة أحاديث: 3166 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا يحيى عن هشام قال: حدَّثني قتادة عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن لبن الشاة الجلالة (2). ز: رواه أبو داود (3) والنسائيُّ من حديث هشام (4)، وإسناده صحيحٌ.
ورواه ابن حِبَّان من رواية سعيد عن قتادة (1) O. 3167 - الحديث الثاني: قال الترمذيُّ: حدَّثنا هنَّاد ثنا عَبْدهَ عن محمَّد ابن إسحاق عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عمر قال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أكل الجلالة وألبانها (2). ز: رواه أبو داود عن عثمان بن أبي شيبة عن عَبْدة (3). وقال الترمذيُّ: حديثٌ حسنٌ غريبٌ. ورواه ابن ماجة عن سويد بن سعيد عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن ابن إسحاق (4). ورواه الثوريُّ عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلٌ. 3168 - وقال الطبرانيُّ: ثنا معاذ بن المثنَّى ثنا مسدَّد ثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج قال: حدَّثني أبو الزبير عن مجاهد عن ابن عمر قال: نهي عن الجلالة (5) O. 3169 - الحديث الثالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا الحسين بن إسماعيل ثنا أبو بكر بن زنجويه ثنا عبيد الله بن عبد المجيد عن إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر قال: حدَّثني أبي عن عبد الله بن باباه عن عبد الله بن عمرو قال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الإبل الجلالة أن يؤكل لحمها، ولا تشرب ألبانها، ولا يركبها
الناس، حتَّى تعلف أربعين ليلة (1). قال المصنِّف: إسماعيل وأبوه ضعيفان. ز: هذا الحديث لم يخرِّجوه. وإسماعيل بن إبراهيم: ضعَّفوه. وأمَّا أبوه إبراهيم بن مهاجر: فروى له مسلمٌ (2)، وقال الثوريُّ (3) وأحمد (4): لا بأس به. وضعَّفه ابن معين (5)، وقال النسائيُّ: ليس بالقويِّ في الحديث (6). وقال البيهقيُّ- بعد أن روى هذا الحديث من رواية محمَّد بن سنان القزَّاز عن أبي عليٍّ الحنفيِّ-: ليس هذا بالقويِّ، وقد أشار إليه الشافعيُّ وزعم أنَّه أراد تغيرها من الطباع المكروهة إلى الطباع غير المكروهة، التي هي فطرة الدواب، حتَّى لا توجد أرواح العذرة في عرقها وجزرها (7) O. *****
مسألة (784): إذا مر بالثمار المعلقة ولا حائط عليها= جاز له الأكل
مسألة (784): إذا مرَّ بالثمار المعلقة ولا حائط عليها= جاز له الأكل من غير ضمان، سواء اضطر إليها، أو لم يضطر. وعنه: يأكل عند الضرورة. وقال أبو حنيفة ومالكٌ والشافعيُّ: لا يجوز له الأكل من غير ضرورة، فإن اضطر أكل بشرط الضمان. 3170 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا يزيد أنا الجُريريُّ عن أبي نضرة عن أبي سعيد عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا أتيت على راعي إبل فناد: يا راعي الإبل، ثلاثًا، فإن أجابك، وإلا فاحلب واشرب في غير أن تفسد، لإذا أتيت على حائط فناد: يا صاحب الحائط، ثلاثًا، فإن أجابك، وإلا فكل في غير أن تفسد " (1). ز: رواه ابن ماجة عن محمَّد بن يحيى الذهْليِّ عن يزيد بن هارون (2). ورواه ابن حِبَّان عن أبي يعلى الموصليِّ عن زهير عن يزيد (3)، ورواه البيهقيُّ من رواية الحارث بن أبي أسامة عن يزيد، وقال: تفرَّد به سعيد بن إياس الجُريريُّ، وهو من الثقات، إلا أنَّه اختلط في آخر عمره، وسماع يزيد ابن هارون عنه بعد اختلاطه (4). كذا قال البيهقيُّ، ولم يتفرَّد يزيد بهذا الحديث عن الجُريريِّ، فقد رواه الإمام أحمد عن مؤمَّل بن إسماعيل عن حمَّاد بن سلمة عن الجُريريِّ (5).
مسألة (785): يجب على المسلم ضيافة المسلم المسافر المجتاز به ليلة.
ورواه أيضًا عن حمَّاد عن عفَّان (1)، وعن عبد الرزَّاق عن معمر (2)، عن الجُريريِّ، والله أعلم. وقد روي نحو حديث أبي سعيد هذا: من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه. ومن حديث الحسن عن سمرة. ومن حديث نافع عن ابن عمر. وروي عن عمر رضي الله عنه موقوفًا عليه، بإسنادٍ صحيحٍ O. ***** مسألة (785): يجب على المسلمِ ضيافةُ المسلمِ المسافرِ المجتازِ به ليلةً. وقال أكثرهم: لا يجب. 3171 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا يحيى بن سعيد ثنا شعبة ثنا منصور عن الشعبيِّ عن المقدام أبي كريمة سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ليلة الضيف واجبةٌ على كلِّ مسلمٍ، فان أصبح بفنائه محرومًا كان دَينًا له عليه إن شاء اقتضى، وإن شاء ترك " (3).
3172 - قال أحمد: وحدَّثنا حجَّاج ثنا شعبة قال: سمعت أبا الجوديِّ يحدِّث عن ابن المهاجر عن المقدام أبي كريمة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أيما مسلم أضاف (1) قومًا، فأصبح الضيف محرومًا، فإنَّ حقًّا على كلِّ مسلمٍ نصره حتَّى يأخذ بقرى ليلته من زرعه وماله " (2). ز: حديث الشعبيِّ عن المقدام: رواه أبو داود من رواية أبي عوانة عن منصور (3)، ورواه ابن ماجة من رواية سفيان عن منصور (4). وحديث أبي الجوديِّ: رواه أبو داود الطيالسيُّ عن شعبة (5)، ورواه أبو داود السجستانيُّ عن مسدَّد عن يحيى بن سعيد عن شعبة (6). وأبو الجوديِّ: اسمه الحارث بن عمير، وهو ثقةٌ. وابن المهاجر: اسمه سعيد، وهو شاميٌّ، حمصيٌّ، وقد ذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثقات" (7)، ويقال فيه: ابن أبي المهاجر، والله أعلم O. 3173 - قال أحمد: وحدَّثنا حجَّاج قال: أنا ليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر أنَّه قال: قلنا: يا رسول الله، إنَّك تبعثنا، فننِزل بقوم لا يقرونا، فما ترى في ذلك؟ فقال لنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا، وإن لم يفعلوا فخذوا منهم حقَّ
الضيف الذي ينبغي لهم " (1). ز: أخرجاه في "الصحيحين" من حديث الليث (2) O. 3174 - قال أحمد: وحدَّثنا قتيبة ثنا ليث بن [سعد] (3) عن معاوية ابن صالح عن أبي طلحة عن أبي هريرة أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أيما ضيف نزل بقوم فأصبح الضيف محرومًا، فله أن يأخذ بقدر قراه، ولا حرج عليه " (4). ز: لم يخرِّجوه من هذا الوجه. وأبو طلحة هو: الأنماريُّ، الشاميُّ، واسمه: نعيم بن زياد، وقد وثَّقه النسائيُّ (5) وغيره O. *****
مسائل الأشربة
مسائل الأشربة مسألة (786): كلُّ شراب يسكر كثيره فقليله حرامٌ، وفيه الحدُّ، ويسمَّى خمرًا. وقال أبو حنيفة: الخمر عصير العنب التي إذا اشتد وقذف بزبده، وقليله وكثيره حرام؛ فأمَّا ما عمل من التمر والزبيب فإن كان مطبوخًا أدنى طبخٍ فهو حلالٌ، وإن كان نيًّا فهو محرمٌ، إلا أنَّه لا يسمَّى خمرًا، وإنَّما يسمَّى نبيذًا؛ وما عمل من الحنطة والشعير والذرة والأرز والعسل ونحوها فهو حلالٌ، طبخ أو لم يطبخ، وإنما يحرم منه السكر. والكلام في ثلاثة فصول: أحدها: أنَّ اسم الخمر يقع على كلِّ مسكرٍ. والثاني: في الدليل على تحريم النبيذ. والثالث: في الدليل على أنَّ الخمر معللة، وأنَّ علَّة تحريمها: الشدَّة المطربة، وهي موجودةٌ في كلِّ شراب مسكرٍ. وعند أبي حنيفة: أنَّ تحريم الخمر غير معلل، وإنما ثبت بالنصِّ. * * * * *
فصل (787): فأما الدليل على أن اسم الخمر يقع على كل مسكر
فصل (787): فأمَّا الدليل على أنَّ اسم الخمر يقع على كلِّ مسكرٍ: 3175 - فما رواه الإمام أحمد، قال: حدَّثنا روح ثنا ابن جريج قال: أخبرني موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " كلُّ مسكر خمرٌ، وكلُّ خمر حرامٌ " (1). ز: رواه مسلمٌ عن إسحاق بن إبراهيم وأبي بكر بن إسحاق، كلاهما عن روح بن عبادة، ولفظه: " كلُّ مسكرٍ خمرٌ، وكلُّ (2) مسكر حرامٌ ". 3176 - وقال: حدَّثنا محمد بن مثنَّى ومحمَّد بن حاتم قالا: ثنا يحيى - وهو القطَّان - عن عبيد الله أنا نافع عن ابن عمر قال: ولا أعلمه إلا عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " كلُّ مسكرٍ خمرٌ، وكلُّ خمرٍ حرامٌ " (3) O. 3177 - وقال البخاريُّ: حدَّثنا أحمد بن أبي رجاء ثنا يحيى عن أبي حَيَّان التيمي عن الشعبي عن ابن عمر قال: خطب عمر على منبر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: إنَّه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة أشياء: العنب والتمر والحنطة والشعير والعسل، والخمر ما خامر العقل (4). أخرجه البخاري ومسلم في "الصحيحين" (5).
3178 - قال أحمد: وحدَّثنا حسن بن موسى ثنا ابن لهيعة عن أبي النضر عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " من الحنطة خمرٌ، ومن التمر خمرٌ، ومن الشعير خمرٌ، ومن الزبيب خمرٌ، ومن العسل خمرٌ " (1). ز: هذا الإسناد لم يخرِّجوه، والله أعلم O. 3179 - قال أحمد: وحدَّثنا يونس ثنا ليث عن يزيد بن أبي حبيب عن خالد بن كثير الهمداني أنَّه حدَّثه أنَّ السَّريَّ بن إسماعيل حدَّثه أنَّ الشعبي حدَّثه أنَّه سمع النعمان بن بشير يقول: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنَّ من الحنطة خمرًا، ومن الشعير خمرًا، ومن الزبيب خمرًا، ومن التمر خمرًا، وأنا أنهى عن كلِّ مسكرٍ " (2). ز: رواه ابن ماجه عن محمَّد بن رمح عن الليث (3). والسَّريّ بن إسماعيل: ضعَّفوه، وقال أحمد بن حنبل: ترك الناس حديثه (4). وقال أبو قدامة عن يحيى بن سعيد: استبان لي كذبه في مجلسٍ (5). وقال عليُّ بن المديني عن يحيى: ما كلَّمته إلا مرَّة واحدة، وسمعته يقول: ثنا عامر قال: سمعت النعمان بن بشير يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " الخمر من خمسٍ ... ". قال يحيى: فتركته. يعني أنَّه ترك السَّريّ فلم يحمل عنه، لإنكاره ما حدَّث به عن الشعبي، لأنَّ الثقات يروون عن أبي حَيَّان التيمي عن الشعبي عن ابن عمر عن عمر قوله: إن الخمر نزل تحريمها يوم نزل
وهي من خمسة ... (1). وقد روى هذا الحديث: أبو داود (2) والترمذي (3) والنسائي (4) من رواية إبراهيم بن مهاجر عن الشعبي عن النعمان. ورواه أبو داود أيضًا من رواية أبي حَريز عن الشعبي (5). وقال الترمذي في حديث أبي حَيَّان (6): هذا أصحُّ من حديث إبراهيم ابن مهاجر (7). وقال [] (8). وقد رواه أبو حصين عن الشعبي عن ابن عمر قوله، ولم يذكر عمر.
والمحفوظ ما رواه [] (1) عن الشعبي عن ابن عمر عن عمر قوله، والله أعلم O. 3180 - قال أحمد: وحدَّثنا عبد الله بن إدريس قال: سمعت المختار ابن فلفل قال: قال أنس بن مالك: الخمر من العنب والتمر والعسل والذرة، فما خمرت من ذلك فهو خمرٌ (2). 3181 - قال أحمد: وحدَّثنا يحيى بن سعيد عن حميد عن أنس قال: كنت أسقي أبا عبيدة بن الجرَّاح وأُبيَّ بن كعب وسهيلَ بن بيضاء ونفرًا من أصحابه عند أبي طلحة حتى كاد الشراب يأخذ فيهم، فأتى آت من المسلمين، فقال: أما شعرتم أنَّ الخمر قد حرِّمت؟! فما قالوا: حتى ننظر ونسأل! فقالوا: يا أنس، أكفئ ما في إنائك. فوالله ما عادوا فيها، وما هي إلا التمر والبسر، وهي خمرهم يومئذ (3). أخرجاه في "الصحيحين" (4). فإن قيل: فقد قال ابن عمر: حرِّمت الخمر وما بالمدينة منها شيءٌ. قلنا: يعنى به ماء العنب، فإنَّه مشهور باسم الخمر، ولا يمنع هذا أن يسمَّى غيره خمرًا. قال أحمد بن حنبل: هذا أشدُّ ما على الخصم! وهو: أنَّ الخمر حرِّمت وشرابهم الفضيخ.
فصل (788): والدليل على تحريم النبيذ
قال: وقد روي تحريم المسكر عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عشرين وجهًا. * * * * * فصل (788): والدليل على تحريم النبيذ: الحديث السابق: " كلُّ مسكر خمر، وكلُّ خمر حرام ". 3182 - وقال الإمام أحمد: حدَّثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن سعيد ابن أبي بردة عن أبيه عن جدِّه عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " كلُّ مسكر حرام " (1). أخر جاه (2). 3183 - قال أحمد: حدَّثنا يحيى عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن ابن عمر عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " كلُّ مسكر حرام " (3). ز: رواه النسائي عن محمد بن المثنَّى عن يحيى بن سعيد (4). وأخرجه الترمذي من وجه آخر عن محمد بن عمرو، وقال: حديثٌ حسنٌ، وقد روي عن أبي سلمة عن أبي هريرة نحوه، وكلاهما صحيح (5) O. 3184 - قال أحمد: وحدَّثنا هاشم بن القاسم ثنا أبو معشر عن موسى
ابن عقبة عن سالم عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كلُّ مسكر خمر (1)، وما أسكر كثيره فقليله حرام " (2). ز: لم يخرِّجوه من هذا الوجه. وأبو مَعشر هو: نَجيح بن عبد الرحمن، وقد تكلَّم فيه غير واحد من الأئمة O. 3185 - قال أحمد: وحدَّثنا أبو كامل ثنا عبد الله بن عمر العمري عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما أسكر كثيره فقليله حرام " (3). ز: لم يخرِّجوه أيضًا من هذا الوجه من حديث عبد الله العمري. والعمري: تُكلِّم فيه من قبل حفظه. وقد رواه الطحاوي عن علي بن معبد عن يونس بن محمد عنه (4). وقد رواه النسائي عن أبي قدامة عن يحيى بن سعيد (5)، ورواه ابن ماجه عن دحيم عن أنس بن عياض (6)، كلاهما عن عبيد الله بن عمر - الثقة الثبت - عن عمرو.
فصحَّ الإسناد إلى عمرو، والله أعلم O. 3186 - قال أحمد: وحدَّثنا يحيى بن إسحاق قال: أخبرني مهدي بن ميمون قال: حدَّثني أبو عثمان الأنصاري عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما أسكر الفرَق منه، فملء الكف منه حرام " (1). قال ابن قتيبة: الفرَق - بفتح الراء -: ثلاثة آصع، ستة عشر رطلاً (2). قال الدَّارَقُطْنِي: رفعوه، وخالف خلف بن الوليد فوقفه على عائشة، والقول قوله (3). ز: رواه أبو داود (4) والترمذي (5) والطحاوي (6) من رواية مهدي. وقال الترمذي: حديثٌ حسنٌ، ورواه ليث بن أبي سليم والربيع بن صَبيح عن أبي عثمان نحو رواية مهدي. وقد رواه ابن حِبَّان في "صحيحه" من حديث أبي عثمان (7). وقال أبو الحسن بن القطَّان: ليس هذا الحديث بصحيحٍ، وأبو عثمان هذا لا تعرف حاله، وكان قاضيًّا بمرو، ولم أجد ذكره في مظان وجوده في
مصنفات الرجال الرواة (1). كذا قال! وأبو عثمان هذا: اسمه عمرو بن سالم، وقيل: عمر، وقيل في اسم أبيه غير ذلك، قال الحاكم أبو أحمد: وهو معروفٌ بكنيتة، ولا أحقُّ في اسمه واسم أبيه شيئًا (2). وقد أحسن مهدي بن ميمون الثناء على أبي عثمان (3)، ووثَّقه أبو داود في رواية أبي عبيد الآجري عنه (4)، وذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثقات" (5). 3187 - وقال الطحاوي: ثنا عليُّ بن معبد ثنا مُعَلَّى (6) بن منصور أنا إسماعيل بن جعفر عن داود بن بكر عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما أسكر كثيره، فقليله حرامٌ " (7). رواه الإمام أحمد عن سليمان بن داود الهاشمي عن إسماعيل بن جعفر (8).
وأخرجه أبو داود (1) والترمذي (2) جميعًا عن قتيبة بن سعيد عن إسماعيل. وقال الترمذي: حديثٌ حسنٌ غريبٌ من حديث جابر. ورواه ابن ماجه عن دحيم عن أنس بن عياض عن داود (3). وداود بن بكر بن أبي الفرات: وثَّقه ابن معين (4)، وقال أبو حاتم: شيخٌ، لا بأس به، ليس بالمتين (5). وقد قيل: إن داود لم ينفرد به عن ابن المنكدر، فقد تابعه موسى بن عقبة: 3188 - [قال أبو بكر بن أبي عاصم: ثنا رزق الله بن موسى ثنا أنس ابن عياض عن موسى بن عقبة] (6) عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قليلُ ما أسكر كثيرُه حرامٌ ". رواه أبو حاتم البُستيّ عن حاجب بن أرَّكين عن رزق الله بن موسى (7). وقال الدَّارَقُطْنِي: تفرَّد به رزق الله بن موسى عن أبي ضمرة أنس بن عياض عن موسى بن (8) عقبة (9).
3189 - وقال الطحاوي: حدَّثنا عليُّ بن معبد ثنا سعيد بن أبي مريم أنا محمد بن جعفر أنا الضحَّاك بن عثمان عن (1) بكير بن عبد الله بن الأشج عن عامر بن سعد (2) عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنهاكم عن قليل ما أسكر كثيره " (3). رواه سمويه عن سعيد (4)، ورواه إسحاق بن راهويه عن المعتمر بن سليمان عن محمد بن جعفر (5)، ورواه ابن أبي عاصم (6) وأبو يعلى الموصلي وغيرهما عن أبي سعيد الأشج عن الوليد بن كثير عن الضحَّاك (7)، ورواه الإمام أحمد في كتاب " الأشربة " عن عبد الله بن الحارث المخزومي عن الضحَّاك (8)، ورواه النسائي عن حميد بن مخلد عن سعيد بن الحكم بن أبي مريم وعن محمد بن عبد الله بن عمَّار الموصلي عن الوليد بن كثير (9)، ورواه أبو حاتم ابن حِبَّان عن عبد الله بن قحطبة عن أحمد بن أبان القرشي عن عبد العزيز بن محمد عن الضحَّاك (10). وسُئل عنه الدَّارَقُطْنِي، فقال: يرويه الضحَّاك بن عثمان عن بكير بن
الأشج عن عامر بن سعد عن أبيه، حدَّث به كذلك جماعة منهم: عبد العزيز ابن أبي حازم والدَّراوردي والوليد بن كثير أبو سعيد ومحمد بن جعفر بن أبي كثير. ورواه عبد الله بن الحارث المخزومي وابن أبي فديك عن الضحَّاك بن عثمان عن بكير عن عامر بن سعد مرسلاً، لم يذكر فيه سعدًا، والصواب حديث عامر بن سعد عن أبيه (1). 3190 - وقال حنبل بن إسحاق: حدَّثنا الحجَّاج بن المنهال ثنا محمد ابن عبد الرحمن بن المجبِّر عن نافع عن عبد الله أنَّه جاء ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى جنب المنبر يكلِّم الناس، قال: فقلت: ما قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: قال: " كلُّ مسكر خمر، وكلُّ مسكر حرام، لا يطعمها أحدٌ في الدنيا فيطعمها (2) في الآخرة، إلا أن يتوب الله على من يشاء ". قال عبد الله: فتخطيت (3) حتى قمت بين يدي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: فقلت: يا رسول الله، أرأيت ما أسكر كثيره؟ قال: " فقليله حرامٌ " (4). هذا لا يثبت. وابن المجبِّر: ضعَّفوه، وقال ابن عَدِيٍّ: هو مع ضعفه يكتب حديثه (5). 3191 - وقال الخطيب: أخبرني الأزهري ثنا الحسين بن محمد بن
سليمان الكاتب ثنا محمد بن مخلد ثنا عاصم بن زمزم البلخي ثنا صالح بن محمد الترمذي ثنا عمر بن صُهبان ثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كلُّ مسكر خمر (1)، وما أسكر كثيره فالقطرة منه حرامٌ " (2). وهذا أيضًا لا يثبت. وعمر بن صُهبان: متروك الحديث. قاله النسائي (3) وغيره. والإسناد إليه مظلمٌ، والله أعلم. 3192 - وقال الخطيب أيضًا: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد بن موسى بن هارون بن الصلت الأهوازي أنا محمد بن مخلد ثنا القاسم بن هاشم السمسار ثنا الصباح بن عبد الله الرملي ثنا صبيح - مولى عائشة أمِّ المؤمنين - قال: سمعت عائشة تقول: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من شرب نبيذًا فاقشعر منه مفرق رأسه، فالحسوة منه حرام " (4). وهذا الاسناد غير ثابتٍ أيضًا، والله الموفق O. 3193 - قال أحمد: وحدَّثنا أبو أحمد ثنا سفيان عن عليِّ بن بَذيمة قال: أخبرني قيس بن حَبْتَر عن ابن عبَّاس عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " كلُّ مسكر حرامٌ " (5). ز: هذا الذي ذكره مختصرٌ من حديث ابن عبَّاس.
وقد رواه أبو داود عن ابن بشَّار عن أبي أحمد (1). وقد تابع سفيان: إسرائيل بن يونس وقيس بن الربيع عن عليِّ بن بَذيمة. ورواه عليُّ بن معبد بن شدَّاد الرَّقِّي عن موسى بن أعين عن عليِّ بن بَذيمة عن سعيد بن جبير عن قيس بن حَبْتَر (2) عن ابن عبَّاس. ورواه عبد السلام بن عبد الحميد الحرَّاني عن موسى بن أعين عن عليِّ ابن بَذيمة عن سعيد بن جبير عن ابن عبَّاس. ولم يذكر قيس بن حَبْتَر. ورواه أبو صالح عبد الغفَّار بن داود الحراني عن موسى بن أعين عن عليِّ بن بَذيمة عن سعيد بن جبير عن قيس بن حَبْتَر (3) عن ابن عبَّاس، كما قال عليُّ بن معبد، رواه عنه أبو الأحوص محمد بن الهيثم قاضي عكبرا، قال أبو الأحوص: والصحيح عن عليِّ بن بَذيمة عن قيس بن حَبْتَر. يعني: ليس فيه سعيد بن جبير. وقال أبو بكر الخطيب: كان موسى بن أعين يخلط في هذا الحديث، والصحيح عن عليِّ بن بَذيمة ما رواه سفيان الثوري عنه عن قيس بن حَبْتَر عن ابن عبَّاس، وليس لسعيد بن جبير فيه ذكرٌ (4) O. 3194 - قال أحمد: وحدَّثنا عبد الله بن إدريس قال: سمعت المختار ابن فلفل قال: سألت أنس بن مالك عن الشرب في الأوعية، فقال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المزفتة، وقال: " كلُّ مسكر حرامٌ " (5).
ز: رواه النسائي عن ابن إدريس (1). ورواه أبو خيثمة وأحمد بن منيع وأبو بكر بن أبي شيبة (2) وغيرهم عن ابن إدريس O. 3195 - قال أحمد: حدَّثنا مؤمَّل ثنا سفيان عن علقمة بن مرثد عن ابن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نهيتكم عن الظروف، وإن الظروف لا تحلُّ شيئًا ولا تحرمه، وكلُّ مسكر حرامٌ " (3). ز: رواه مسلمٌ عن حجَّاج بن الشاعر عن الضحَّاك بن مخلد عن سفيان (4) O. 3196 - قال أحمد: وحدَّثنا يحيى عن شعبة قال: حدَّثني سلمة بن كهيل قال: سمعت أبا الحكم قال: سألت ابن عبَّاس عن نبيذ الجرِّ، فقال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن نبيذ الجرِّ والدبَّاء، وقال: " من سرَّه أن يحرِّم ما حرَّم الله ورسوله، فليحرِّم النبيذ " (5). ز: رواه النسائي عن إسحاق بن إبراهيم عن أبي عامر والنضر بن شميل ووهب بن جرير، ثلاثتهم عن شعبة به (6).
وأبو الحكم هو: السلمي (1)، الكوفي، واسمه: عمران بن الحارث، وقد روى له مسلمٌ في "صحيحه" (2)، والله أعلم O. 3197 - أخبرنا ابن ناصر أنا عبد الله بن محمد جحشويه أنا عليُّ بن عمر القزويني ثنا أبو عمر بن حيويه ثنا البغوي ثنا أحمد بن حنبل ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن جدِّه قال: بعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا بردة ومعاذ بن جبل إلى اليمن، فقال أبو موسى: يا رسول الله، إنَّا بأرض يصنع بها شراب من العسل، يقال له: البتع، وشراب من الشعير، يقال له: المزر؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كلُّ مسكر حرامٌ " (3). ز: كذا فيه: (أبا بردة) وهو خطأٌ، والصواب: أبا موسى (4). وقد تقدَّم بعض هذا الحديث (5)، وهو مخرَّج في "الصحيحين" من حديث شعبة، وبالله التوفيق O. احتجُّوا: 3198 - بما رواه الإمام أحمد، قال: حدَّثنا وكيع ثنا شعبة عن يحيى ابن عبيد عن ابن عبَّاس أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان ينبذ له يوم (6) الخميس، فيشربه يوم الخميس ويوم الجمعة - قال: وأراه [قال] (7) يوم السبت - فإذا كان عند
العصر: فإن بقي منه شيء سقاه الخدم، أو أمر به فأهريق (1). قالوا: ولو كان حرامًا ما سقاه الخدم. 3199 - وقال الدَّارَقُطْنِي: حدَّثنا أحمد بن عبد الله الوكيل ثنا عليُّ بن حرب ثنا يحيى بن اليمان العجلي عن سفيان عن منصور عن خالد بن سعد عن أبي مسعود الأنصاري أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عطش وهو يطوف بالبيت، فأُتي بنبيذ من السقاية، فقطب، فقال له رجل: أحرام هو، يا رسول الله؟ قال: " لا، عَلَيَّ بذنوبٍ من ماء زمزم ". فصبَّه عليه، ثم شرب وهو يطوف بالبيت (2). 3200 - قال الدَّارَقُطْنِي: وحدَّثنا يعقوب بن إبراهيم بن أحمد البزَّاز ثنا عمر بن شبة ثنا عمر بن عليٍّ المقدَّمي عن الكلبي عن أبي صالح عن المطلب بن أبي وداعة السهمي قال: طاف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالبيت في يوم قائظ، شديد الحرِّ، فاستسقى رهطًا من قريش، فأرسل رجل إلى امرأته، فجاءت جارية معها إناء فيه نبيذ زبيب، فلمَّا رآها النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: " ألا خمرتموه، ولو بعود تعرضونه عليه ". فلمَّا أدنى الإناء منه وجد له رائحة شديدة، فقطب، وردَّ الإناء، فقال الرجل: يا رسول الله، إن يكن حرامًا لم نشربه، فاستعاد الإناء، وصنع مثل ذلك، وقال الرجل مثل ذلك، فدعا بدلوٍ من ماء زمزم، فصبَّه على الإناء، وقال: " إذا اشتدَّ عليكم شرابكم فاصنعوا هكذا " (3). وقد روى أبو عبد الرحمن النسائي من حديث عبد الملك بن نافع عن ابن عمر نحو هذا الحديث (4).
3201 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا إسحاق بن محمد بن الفضل الزيَّات ثنا يوسف بن موسى ثنا جرير عن أبي إسحاق الشيباني عن مالك بن القعقاع قال: سألت ابن عمر عن النبيذ الشديد، فقال: جلس رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مجلسٍ، فوجد من رجل ريح نبيذ، فقال: " ما هذه الرياح؟ ". قال: ريح نبيذٍ. قال: " فأرسل فأتونا منه ". فأرسل، فأتي به، فوضع فيه رأسه، فشمَّه، ثم رجع فردَّه حتى إذا قطع الرجل البطحاء رجع، فقال: أحرامٌ هو، يا رسول الله أم حلالٌ؟ قال: فوضع رأسه فيه، فوجده شديدًا فصبَّ الماء عليه، ثم شرب، ثم قال: " إذا اغتلمت أسقيتكم، فاكسروها بالماء " (1). 3202 - وقال الدَّارَقُطْنِيُّ أيضًا: حدَّثنا محمد بن أحمد بن هارون ثنا أحمد بن عمر بن بشر ثنا جدِّي إبراهيم بن فرقد ثنا القاسم بن بهرام ثنا عمرو بن دينار عن ابن عبَّاس قال: مرَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على قومٍ بالمدينة، فقالوا: يا رسول الله، إنَّ عندنا شرابًا لنا، أفلا نسقيك منه؟ قال: " بلى ". فأتي بقعب - أو قدح - غليظٍ فيه نبيذ، فلما أن أخذه النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقرَّبه إلى فيه، قطب. قال: فدعا الذي جاء به، فقال: " خذه فأهرقه ". فلمَّا أن ذهب به، قال: يا رسول الله، هذا شرابنا، إن كان حرامًا لم نشربه. فدعا به، فأخذه، ثم دعا بماء، فشنَّه عليه، ثم شرب وسقى، وقال: " إذا كان هكذا، فاصنعوا به هكذا " (2). 3203 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا أبو العبَّاس الأثرم ثنا محمد بن أحمد المقري ثنا الحسن بن داود بن مهران ثنا عبد العزيز بن أبان عن سفيان الثوري عن منصور عن خالد بن سعد عن أبي مسعود قال: سئل النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن النبيذ:
حلالٌ أو حرامٌ؟ قال: " حلالٌ " (1). 3204 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا محمد بن القاسم بن زكريا أنا عبد الأعلى بن واصل ثنا أبو غسَّان ثنا أبو الأحوص عن سِماك عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي بردة قال: سمعت النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " اشربوا في المزفَّت، ولا تسكروا " (2). 3205 - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا عثمان بن أحمد الدقَّاق ثنا يحيى بن عبد الباقي ثنا لوين ثنا محمد بن جابر عن سِماك عن القاسم بن عبد الرحمن عن ابن بريدة عن أبيه عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " نهيتكم عن الظروف، فاشربوا فيما شئتم ولا تسكروا " (3). 3206 - قالوا: وروى أبو سعيد عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " إنَّ الله حرَّم الخمر بعينها، والسكر من كلِّ شرابٍ ". 3207 - وقال العقيلي: حدَّثنا محمد بن إسماعيل ثنا أبو نعيم ثنا يونس ابن أبي إسحاق عن أبي إسحاق وابن أبي السفر عن سعيد بن ذي لعوة قال: شرب أعرابيٌّ نبيذًا من إداوة عمر، فسكر، فأمر به فجلد، فقال: إنَّما شربت [نبيذًا] (4) من إداوتك! فقال عمر: إنَّما نجلدك على السكر (5). والجواب:
أمَّا الحديث الأوَّل: فإنَّما سقاه الخدم، لأنَّه لمَّا مضت حلاوته وخاف أن يصير مسكرًا أعطاه الخدم. وأمَّا حديث أبي مسعود: فقال الدَّارَقُطْنِيّ: هو معروفٌ بيحيى بن يمان، ويقال: إنَّه انقلب عليه الإسناد، واختلط عليه بحديث الكلبي عن أبي صالح الذي ذكرناه (1). قال: وقد رواه اليسع بن إسماعيل عن زيد بن الحباب عن الثوري، واليسع ضعيفٌ، ولا يصحُّ عن زيد (2). وقال أحمد بن حنبل: كان يحيى بن يمان يغلط. وضعَّفه، قيل له: أرواه غيره؟ قال: لا، إلا من هو أضعف منه. وقال النسائي: لا يحتجُّ بحديث يحيى بن يمان لسوء حفظه، وكثرة خطئه (3). وقال أبو حاتم الرازي: هو مضطرب الحديث (4). ثم لو صحَّ الحديث فلا حجَّة فيه، لأنَّ نبيذ السقاية كان نقيع الزبيب، وليس من عادتهم طبخه فهو حرام باتفاقنا. وأمَّا حديث الكلبي: فاسم الكلبي: محمد بن السائب، قال زائدة (5) وليث (6) وسليمان التيمي (7): هو كذَّابٌ. وقال السعدي: كذَّابٌ
ساقطٌ (1). وقال يحيى: ليس بشيءٍ (2). وقال النسائي (3) والدَّارَقُطْنِيّ (4): متروك الحديث. وقال أبو حاتم بن حِبَّان: وضوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفه، لا يحلُّ الاحتجاج به (5). وأمَّا أبو صالح: فاسمه: باذام، قال أبو أحمد بن عَدِيٍّ: لا أعلم أحدًا من المتقدمين رضيه (6). وأمَّا حديث عبد الملك بن نافع: فقال أبو حاتم الرازي: هو شيخٌ مجهولٌ، لم يرو إلا حديثًا واحدًا، منكر الحديث، لا يثبت حديثه (7). وقال أبو عبد الرحمن النسائي: لا يحتجُّ بحديثه (8). وأمَّا حديث الشيباني عن مالك بن القعقاع: فقال الدَّارَقُطْنِيّ: كذا قال الشيبانيُّ، وقال غيره: عبد الملك بن نافع ابن أخي القعقاع، وهو مجهولٌ ضعيفٌ، والصحيح عن ابن عمر عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما أسكر كثيره فقليله حرامٌ " (9). وأمَّا حديث ابن عبَّاس: فتفرَّد به القاسم بن بهرام، قال ابن حِبَّان: لا
يجوز الاحتجاج به بحالٍ (1). وأمَّا حديث أبي مسعود: ففيه: عبد العزيز بن أبان، قال أحمد بن حنبل: تركته (2). وقال محمد بن عبد الله بن نمير: هو كذَّابٌ (3). وقال يحيى: ليس بشيءٍ، كذَّابٌ يضع الحديث (4). وأمَّا حديث أبي بردة: فقال الدَّارَقُطْنِيّ: وهم أبو الأحوص في إسناده ومتنه، وقال غيره: عن سِماك عن القاسم عن ابن أبي بردة (5) عن أبيه: ولا تشربوا مسكرًا (6). وأمَّا حديث ابن بريدة: فقال الدَّارَقُطْنِيّ: رواه محمد (7) بن يحيى النيسابوري - وهو إمامٌ - عن محمد بن جابر، فقال فيه: فاشربوا في أيِّ سقاءٍ شئتم، ولا تشربوا مسكرًا. قال: وهذا هو الصواب، والله أعلم (8). وأمَّا حديث أبي سعيد: فهو موقوفٌ، وما يتصل إلى أبي سعيد.
وأمَّا حديث سعيد بن ذي لعوة: فمحالٌ، قال أبو حاتم بن حِبَّان: هو شيخٌ دجالٌ (1). وقد روى العقيلي قال: حدَّثنا جعفر الفريابي ثنا أحمد بن خالد الخلال قال: قلت لأحمد بن حنبل: حدَّثنا محمد بن عبيد عن صالح بن حيَّان عن ابن بريدة قال: شربت مع أنس بن مالك الطلا على النصف. فغضب أحمد، وقال : لا نرى هذا في كتاب إلا خرقته أو حككته، ما أعلم في تحليل النبيذ حديثًا صحيحًا، اتهموا حديث الشيوخ (2). قلت: وصالح بن حيَّان: قد قال فيه يحيى بن معين: هو ضعيفٌ (3). وقال النسائي: ليس بثقةٍ (4). ز: حديث يحيى بن عبيد [] (5) أبي عمر البهراني النخعي الكوفي عن ابن عبَّاس: رواه مسلمٌ من رواية شعبة والأعمش وزيد بن أبي أنيسة عنه (6). وحديث أبي مسعود: رواه النسائي عن الحسن بن إسماعيل بن سليمان عن يحيى بن يمان. وقال: وهذا حديث ضعيفٌ، لأنَّ يحيى بن يمان انفرد به دون أصحاب
سفيان، ويحيى بن يمان لا يحتجُّ بحديثه لسوء حفظه، وكثرة خطئه (1). رواه (2) الأشجعي وغيره عن سفيان عن الكلبي عن أبي صالح عن المطلب: أتي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنبيذ ... نحو هذا. وقال يحيى بن سعيد: عن سفيان عن منصور عن إبراهيم عن خالد بن سعد عن أبي مسعود فعله. قال منصور: ثم حدَّثني خالد بن سعد. يعني به. وقال الأعمش: عن إبراهيم عن همَّام عن أبي مسعود فعله. وقال أبو أحمد بن عَدِيٍّ: سمعت عبدان يقول: سمعت محمد بن عبد الله بن نمير يقول: ابن يمان سريع النسيان، وحديثه خطأ عن الثوري عن منصور عن خالد بن سعد عن أبي مسعود، إنَّما هو الكلبي عن أبي صالح عن المطلب بن أبي وداعة (3). قال ابن عديٍّ: وثنا الجنيدي قال: قال البخاري في حديث يحيى بن اليمان هذا: لم يصحَّ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال الأشجعي وغيره عن سفيان عن الكلبي عن أبي صالح عن المطلب (4).
وقال أبو موسى: ذكرت لعبد الرحمن بن مهدي حديث سفيان عن منصور في النبيذ، قال: لا تحدِّث بهذا (1). وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه يحيى بن يمان عن الثوري عن منصور عن خالد بن سعد عن أبي مسعود أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طاف بالبيت، فاستسقى، فأُتي بنبيذٍ، فشمَّه، فقطَّب (2) وجهه، فقيل: أحرام هو، يا رسول الله؟ قال: " لا ". فقلت لهما: ما علَّة هذا الحديث، وهل هو صحيحٌ؟ فقالا: أخطأ ابن يمان في إسناد هذا الحديث، وروي هذا الحديث عن الثوري عن الكلبي عن أبي صالح عن المطلب بن أبي وداعة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال أبي: والذي عندي أنَّ يحيى بن يمان دخل حديث له في حديث، رواه الثوري عن منصور عن خالد بن سعد - مولى أبي مسعود - أنَّه كان يشرب نبيذ الجرِّ، وعن الكلبي عن أبي صالح عن المطلب عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه كان يطوف بالبيت ... الحديث، فسقط عنه إسناد الكلبي، فجعل إسناد منصور عن خالد عن أبي مسعود = لمتن حديث الكلبي. وقال أبو زرعة: وهم فيه يحيى بن يمان، إنَّما هو الثوري عن الكلبي عن أبي صالح عن المطلب عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (3). وقال أبو زرعة في موضعٍ آخر: هذا إسنادٌ باطلٌ عن الثوريِّ عن منصور، وهم فيه يحيى بن يمان، وإنَّما [ذاكرهم سفيان عن الكلبي عن أبي
صالح عن المطلب بن أبي وداعة مرسل، فلعل الثوري إنَّما] (1) ذكره تعجبًا من الكلبي حين حدَّث بهذا الحديث مستنكرًا على الكلبي. انتهى كلامه (2). وأمَّا حديث الكلبي عن أبي صالح عن المطلب: فلم يخرِّجوه. وأمَّا حديث ابن عمر: فرواه النسائي، فقال: 3208 - أخبرنا زياد بن أيُّوب ثنا هشيم أنا العوَّام عن عبد الملك بن نافع قال: قال ابن عمر: رأيت رجلاً جاء إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقدحٍ فيه نبيذ، وهو عند الركن، ودفع إليه القدح، فرفعه إليه، فوجده شديدًا، فردَّه على صاحبه، فقال رجلٌ من القوم: يا رسول الله، أحرامٌ هو؟ فقال: " عَلَيَّ بالرجل ". فأتي به، فأخذ منه القدح، ثم دعا بماءٍ، فصبَّه فيه، ثم رفعه إلى فيه، فقطَّب، ثم دعا بماءٍ أيضًا، فصبَّه فيه، ثم قال: " إذا اغتلمت عليكم هذه الأوعية، فاكسروا متونها بالماء ". قال: وأخبرني زياد بن أيُّوب عن أبي معاوية ثنا أبو إسحاق الشيباني عن عبد الملك بن نافع عن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنحوه. قال النسائي: عبد الملك بن نافع ليس بالمشهور، ولا يحتجُّ بحديثه، والمشهور عن ابن عمر خلاف حكايته. ثم روى تحريم المسكر عن ابن عمر من غير وجه، ثم قال: وهؤلاء أهل الثبت والعدالة مشهورون بصحَّة النقل، وعبد الملك لا يقوم مقام واحد منهم، ولو عاضده من أشكاله جماعة، وبالله التوفيق (3).
وقال البيهقيُّ: هذا حديث يعرف بعبد الملك بن نافع هذا، وهو رجلٌ مجهولٌ، اختلفوا في اسمه واسم أبيه، فقيل هكذا، وقيل: عبد الملك بن القعقاع، وقيل: ابن أبي القعقاع، وقيل: مالك بن القعقاع (1). وقال ابن أبي مريم: قلت ليحيى بن معين: أرأيت حديث عبد الملك ابن نافع الذي يرويه إسماعيل بن أبي خالد في النبيذ؟ قال: هم يضعِّفونه (2). وقال البخاريُّ: عبد الملك بن نافع بن أخي القعقاع بن شور عن ابن عمر في النبيذ، لم يتابع عليه (3). وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث رواه أسباط بن محمد عن الشيباني عن عبد الملك بن نافع عن ابن عمر عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه أتي بشرابٍ، فدعا بماءٍ، فصبَّه فيه حتى كسره بالماء، ثم شرب، ثم قال: " إن هذه الأسقية تغتلم، فإذا فعلت ذلك، فاكسروها بالماء ". قال أبي: هذا حديث منكرٌ، وعبد الملك بن نافع شيخٌ مجهولٌ (4). وأمَّا حديث ابن عبَّاس: فلم يخرِّجوه، وهو حديثٌ لا يصحُّ، لضعف بعض رواته، وجهالة بعضهم. وكذلك لم يخرجِّوا حديث عبد العزيز بن أبان عن الثوريِّ، وهو حديثٌ باطلٌ، وعبد العزيز متروكٌ، وقد سرقه من غيره. وأمَّا حديث أبي الأحوص عن سِماك: فرواه النسائي، قال:
3209 - أخبرنا هنَّاد بن السَّريِّ عن أبي الأحوص عن سِماك عن القاسم ابن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي بردة قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اشربوا في الظروف، ولا تسكروا ". قال أبو عبد الرحمن: وهذا حديث منكرٌ، غلط فيه أبو الأحوص سلاَّم ابن سليم، لا نعلم أحدًا تابعه عليه من أصحاب سِماك بن حرب، وسِماك ليس بالقويِّ، وكان يقبل التلقين، قال أحمد بن حنبل: كان أبو الأحوص يخطئ في هذا الحديث. خالفه شريك في إسناده وفي لفظه: 3210 - أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم ثنا يزيد أنا شريك عن سِماك بن حرب عن ابن بريدة عن أبيه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن الدُّبَّاء والحَنْتَم والنَّقير والمُزفَّت. خالفه أبو عوانة: 3211 - أخبرنا أبو بكر بن عليٍّ ثنا إبراهيم بن الحجَّاج ثنا أبو عوانة عن سِماك عن قرصافة - امرأة منهم - عن عائشة قالت: اشربوا ولا تسكروا. وهذا أيضًا غير ثابتٍ، وقرصافة هذه لا يدرى من هي؟ والمشهور عن عائشة خلاف ما روت عنها قرصافة (1). وقال ابن أبي حاتم: سألت أبا زرعة عن حديث أبي الأحوص عن سِماك عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي بُردة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اشربوا في الظروف، ولاتسكروا ". قال أبو زرعة: فوهم أبو الأحوص فقال: عن سِماك عن القاسم عن
أبيه عن أبي بردة، قلب من الإسناد موضعًا، وصحَّف في موضعٍ، أمَّا القلب: فقوله: " عن أبي [بردة] (1) " أراد: " عن ابن بريدة "، ثم احتاج أن يقول: " ابن بريدة عن أبيه " فقلب الإسناد بأسره، وأفحش في الخطأ، وأفحش من ذلك وأشنع تصحيفه في متنه: " اشربوا في الظروف، ولا تسكروا "، وقد روى هذا الحديث عن ابن بريدة عن أبيه: أبو سنان ضرار بن مرَّة وزبيد اليامي عن محارب بن دثار وسِماك بن حرب والمغيرة بن سُبيع وعلقمة ابن مرثد والزبير بن عَدِيٍّ وعطاء الخراساني وسلمة بن كهيل، كلُّهم عن ابن بريدة عن أبيه عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلث فأمسكوا مابدا لكم، ونهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء فاشربوا في الأسقية، ولا تشربوا مسكرًا ". وفي حديث بعضهم: قال: " واجتنبوا كلَّ مسكرٍ ". ولم يقل أحدٌ منهم: " ولا تسكروا "، وقد بان وَهْمُ حديث أبي الأحوص من اتفاق هؤلاء المسمَّين (2) على ماذكرنا من خلافه (3). وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبا زرعة يقول: سمعت أحمد بن حنبل رحمه الله يقول: حديث أبي الأحوص عن سِماك عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي بردة خطأٌ، الإسناد والكلام، فأمَّا الإسناد: فإنَّ شريكًا وأيُّوب ومحمدًا ابني جابر رووه عن سِماك عن القاسم بن عبد الرحمن عن ابن بريدة عن أبيه عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما روى الناس: " فانتبذوا في كلِّ وعاءٍ ولا تشربوا مسكرًا ". قال أبو زرعة: كذا أقول، هذا خطأٌ، أمَّا الصحيح: حديث ابن بريدة عن أبيه (4).
فصل (789): وأما الدليل على التعليل
وأمَّا حديث محمد بن جابر: فلم يخرِّجوه، وكذلك حديث أبي سعيد، وحديث سعيد بن ذي لعوة. وقد قال عليُّ بن المدينيِّ في سعيد: هو مجهولٌ (1). وتكلَّم فيه ابن معين (2) وأبو زرعة (3) وأبو حاتم (4) والبخاري (5) وغيرهم. وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث سعيد بن ذي لعوة أنَّ أعرابيًّا شرب من إداوة عمر، فسكر ... فقال: سعيد مجهولٌ، لا أعلم روى عنه غير الشعبي وأبي إسحاق، وقد روى الزهري عن السائب بن يزيد عن عمر أنَّه قال على المنبر: ذكر لي أنَّ عبيد الله بن عمر وأصحابه شربوا شرابًا، وأنا سائلٌ عنه، فإن كان يُسكر حددتهم. قال السائب: فشهدت عمر حدَّهم (6) O. * * * * * فصل (789) وأما الدليل على التعليل: فقوله تعالى: (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ) [المائدة: 90] الآيات. وهذه المعاني المذمومة كلُّها موجودةٌ في كلِّ مسكرٍ.
مسألة (790): لا يجوز شرب الخمر للعطش، ولا للتداوي.
3212 - وقال الدَّارَقُطْنِيّ: حدَّثنا العبَّاس بن عبد السميع ثنا محمد بن الحسين بن سعيد ثنا أبو حفص الدمشقي ثنا سعيد عن جعفر بن محمد عن بعض أهل بيته أنَّه سأل عائشة عن النبيذ، فقالت: يا بني، إنَّ الله عزَّ وجلَّ لم يحرِّم الخمر لاسمها، وإنَّما حرَّمها لعاقبتها، فكلُّ شرابٍ يكون عاقبته كعاقبة الخمر، فهو حرامٌ كتحريم الخمر (1). ز: هذا الأثر لا يصحُّ عن عائشة، لجهالة بعض رواته O. * * * * * مسألة (790): لا يجوز شرب الخمر للعطش، ولا للتداوي. وقال أبو حنيفة: يجوز. وعن الشافعيَّة ثلاثة أقوال، قولان كالمذهبين، والثالث: يجوز للتداوي دون العطش. لنا حديثان: 3213 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا بهز وأبو كامل قالا: ثنا حمَّاد بن سلمة ثنا سِماك عن علقمة بن وائل عن طارق بن سويد أنَّه قال: قلت: يا رسول الله، إنَّ بأرضنا أعنابًا نعتصرها فنشربها؟ قال: " لا ". فعاودته، فقال: " لا ". فقلت: إنا نستشفي بها للمريض؟ قال: " إن ذاك ليس بشفاء ولكنَّه داء " (2).
مسألة (791): لا تجوز المسابقة على الأقدام بعوض.
ز: رواه ابن ماجه (1) والطبراني (2) وأبو حاتم البستي (3) من حديث حماد بن سلمة O. 3314 - الحديث الثاني: قال أحمد: وحدثنا عبد الرزاق ثنا إسرائيل عن سماك بن حرب عن علقمة بن وائل الحضرمي عن أبيه أن رجلا سأل النبي صلي الله عليه وسلم عن الخمر، فنهاه عنها، قال، إنما أصنعها للدواء. فقال النبي صلي الله عليه وسلم: "إنها داء وليست دواء" (4). انفراد بإخراجه مسلم. ز: رواه مسلم من حديث شعبة، فقال: 3315 - حدثنا محمد بن مثني ومحمد بن بشار - واللفظ لابن مثني - قالا: ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن سماك بن حرب عن علقمة بن وائل عن أبيه وائل الحضرمي أن طارق بن سويد الجعفي سأل النبي صلي الله عليه وسلم عن الخمر، فنهاه - أو كره - أن يصنعها، فقال: إنما أصنعها للدواء؟ فقال: "ليس بدواء، ولكنه داء" (5) O. *****
مسائل السبق
مسائل السبق مسألة (791): لا تجوز المسابقة على الأقدام بعوض. وقال أبو حنيفة: تجوز. وعن الشافعيِّ كالمذهبين. 3216 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا يزيد أنا محمد بن عمرو عن أبي الحكم - مولى الليثيين - عن أبي هريرة قال: قال رسول لله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا سبق إلا في خفِّ أو حافرٍ " (1). ز: رواه النسائي (2) وابن ماجه (3) من رواية محمد بن عمرو. وأبو الحكم: ليس بالمشهور، وقد رواه غيره عن أبي هريرة، والله أعلم O. * * * * *
مسألة (792): إذا قال: إن فعلت كذا فأنا يهودي، أو نصراني، أو
من مسائل الأيمان مسألة (792): إذا قال: إن فعلت كذا فأنا يهوديٌّ، أو نصرانيٌّ، أو بريء من الله، أو الإسلام، أو النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ = انعقدت يمينه، وإذا حنث لزمته الكفَّارة. وقال مالكٌ والشافعيُّ: لا تنعقد يمينه، ولا تلزمه الكفَّارة. 3217 - وقد روى أصحابنا من حديث زيد عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه سئل عن رجل يقول: هو يهوديٌّ أو نصرانيٌّ، فقال: " عليه كفَّارة يمين ". ز: " هذا الحديث لا أصل له. والصحيح في هذه المسألة أنَّه لا كفَّارة عليه. قاله بعض أصحابنا، وقد روي ذلك عن أحمد. وقد يَستدلُّ من قال بعدم الكفَّارة بقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الصحيح: " من حلف على يمين بملَّة غير الإسلام كاذبًا متعمدًا فهو كما قال ". فإنَّه لم يذكر كفَّارة، وجعل المرتَّب على ذلك قوله: " فهو كما قال ". ولشيخنا العلامة أبي العبَّاس في هذه المسألة كلام عظيم - يضيق هذا المكان عن ذكره - يرجِّح فيه القول بلزوم الكفَّارة، فمن أحب الوقوف عليه فليسارع إليه، والله أعلم O. * * * * *
مسألة (793): إذا قال: أقسمت، أو أقسم، أو أحلف، أو
مسألة (793): إذا قال: أقسمت، أو أقسم، أو أحلف، أو أشهد، لا فعلت كذا = انعقدت يمينه. وعنه: لا تنعقد، إلا أن ينوي اليمين، وبه قال مالكٌ. وقال الشافعيُّ: لا تنعقد يمينه. 3218 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا يزيد أنا سفيان (1) عن الزهريِّ عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عبَّاس أنَّ رجلاً رأى رؤيا، فقصَّها على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال أبو بكر: ائذن لي فلأعبرها. فأذن له، فعبَّرها، ثم قال: أصبتُ، يا رسول الله؟ قال: " أصبت وأخطأت ". قال: أقسمت يا رسول الله لتخبرني. قال: " لا تقسم هكذا " (2). رواه أحمد. وقد أخرج في "الصحيحين" بلفظ آخر، وأنَّه قال: والله لتحدثني بالذي أخطأت. فقال: " لا تقسم " (3). ز: سفيان هذا هو: ابن حسين، وقد تكلَّموا في روايته عن الزهريِّ، والله أعلم O. * * * * *
مسألة (794): يصح يمين الكافر.
مسألة (794): يصحُّ يمين الكافر. وقال أبو حنيفة: لا يصحُّ. لنا: قوله عليه السلام: " تبرئكم يهود بخمسين يمينًا ". وقد ذكرناه بإسناده في القسامة (1). * * * * * مسألة (795): إذا حلف: لا يأكل أُدْمًا؛ فأكل لحمًا، أو بيضًا، أو جبنًا = حنث. وقال أبو حنيفة: لا يحنث إلا بأكل ما يصطبغ به، كالخل والشيرج. لنا حديثان: 3219 - الحديث الأوَّل: قال البخاريُّ: حدَّثنا يحيى بن بكير ثنا الليث عن خالد عن سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسارعن أبي سعيد الخدريِّ قال: قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة، يتكفؤها الجبار بيده، كما يتكفأ أحدكم خبزته في السفر، نزلاً لأهل الجنة ". فأتى رجل من اليهود، فقال: بارك الرحمن عليك يا أبا القاسم، ألا أخبرك بإدامهم؟ قال: بلى. قال: إدامهم بالام والنون. قالوا: ما هذا؟
قال: " ثور ونون يأكل من زائدة كبدهما سبعون ألفا " (1). أخرجه البخاري ومسلم في "الصحيحين" (2). ووجه الحجَّة: أنَّه جعل اللحم أُدْمًا لأنَّ الام: اسم للثور، والنون: للحوت. قال الخطابي: يشبه أن يكون اليهوديُّ أراد أن يعمي الاسم، وإنما هو لأى - على وزن لعا - أي: ثور، والثور الوحشيُّ: اللأى، إلا أن يكون ذلك بالعبرانيَّة (3). 3230 - الحديث الثاني: قال أبو عمر بن حيويه: أنبأ عبد الله بن عبد الرحمن السكري ثنا أبو محمد بن قتبية قال: حدَّثني القومسي ثنا الأصمعي عن أبي هلال الراسبي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " سيد إدام أهل الدنيا والآخرة اللحم " (4). ز: هذا الحديث لم يخرِّجوه. وأبو هلال الراسبي: اسمه محمد بن سليم، وقد اختلف في الاحتجاج به، قال ابن معين: هو صدوقٌ (5). وقال النسائي: ليس بالقويِّ (6). وقال ابن عَدِيٍّ: هو ممن يكتب حديثه (7).
مسألة (796): إذا حلف: لا يهب لفلان، فتصدق عليه، لم يحنث.
وقد روي هذا الحديث عن أبي هلال عن قتادة عن ابن بريدة عن أبيه موقوفًا، والله أعلم O. * * * * * مسألة (796): إذا حلف: لا يهب لفلان، فتصدق عليه، لم يحنث. وقال مالكٌ والشافعيُّ: يحنث. 3221 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا أبو معاوية ثنا هشام بن عروة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت: كان الناس يتصدَّقون على بريرة، فتهدي لنا، فذكرت ذلك للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " هو عليها صدقة، وهو لكم هديَّة " (1). أخرجاه في "الصحيحين" (2). * * * * * مسألة (797): إذا حلف: أنَّه لا مال له، وله مالٌ غيرُ زكاتيٍّ - كالعقار والأثاث - = حنث. وقال أبو حنيفة: لا يحنث إلا أن يملك شيئًا من الأموال الزكاتيَّة.
مسألة (798): إذا قال: هذا الطعام - أو هذه الأمة - علي حرام =
3222 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا روح بن عبادة ثنا أبو نعامة العدوي عن مسلم بن بديل عن إياس بن زهير عن سويد بن هبيرة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " خير مال امرئ له: مهرة مأمورة، أو سكة مأبورة " (1). ز: هذا الحديث لم يخرِّجوه. ومسلم بن بديل العدوي (2)، وإياس بن زهير أبو طلحة (3): ذكرهما ابن أبي حاتم في "كتابه"، ولم يذكر فيهما جرحًا. وقد روى هذا الحديث البخاري في "تاريخه" (4) وأبو القاسم الطبراني من رواية عبد الوارث بن سعيد عن أبي نعامة العدوي (5). قال البخاريُّ: وقال معاذ: عن أبي نعامة بإسناده عن سويد بلغني عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ O. * * * * * مسألة (798): إذا قال: هذا الطعام - أو هذه الأمة - عَلَيَّ حرامٌ = كان يمينًا. وقال الشافعيُّ: لا يلزمه في الطعام شيءٌ، وفي الأمة كفَّارة بنفس اللفظ.
لنا: أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حرَّم مارية - وقيل: العسل - فنزل قوله تعالى: (قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ) [التحريم:2]. 3223 - أخبرنا عبد الوهَّاب الحافظ أنا أبو المفضَّل وأبو طاهر قالا: أنا ابن شاذان أنا أحمد بن كامل قال: حدَّثني محمد بن سعد قال: حدَّثني أبي حدَّثني عمِّي عن أبيه عن جدِّه عن ابن عبَّاس قال: كانت حفصة وعائشة متحاببتين، فذهبت حفصة إلى أبيها تتحدث عنده، فأرسل النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى جاريته، فظلت معه في بيت حفصة، فرجعت حفصة فوجدتهما في بيتها، فخرجت الجارية ودخلت حفصة، فقالت: قد رأيت من كان عندك، والله لقد سؤتني! فقال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " والله لأرضينَّك، وإنِّي مسرُّ إليك سرًّا فاحفظيه " - قالت: وما هو؟ قال: " أشهدك أنَّ سُرِّيتي عَلَيِّ حرامٌ، رضًا لك ". فأنزل الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ) [التحريم:1]. ز: محمد بن سعد هو: العوفي، وهذا الإسناد مشهورٌ، وإن كان في بعض رواته كلامٌ، وقد روى نسخة عن ابن عبَّاس يرويها ابن جرير وابن أبي حاتم وغرهما O. 3224 - وأخبرنا عليُّ بن عبد الواحد أنا عليُّ بن عمر القزويني أنا أحمد ابن إبراهيم بن شاذان أنا البغوي ثنا أحمد بن حنبل ثنا حجَّاج بن محمد ثنا ابن جريج عن عطاء أنَّه سمع عبيد بن عمير يحدِّث قال: سمعت عائشة تخبر أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يمكث عند زينب ويشرب عندها عسلاً، قالت: فتواصيت أنا وحفصة: أيتنا ما دخل عليها فلتقل: إنِّي أجد منك ريح مغافير، أكلت مغافير؟! فدخل على إحداهما، فقالت له ذلك، فقال: " بل شربت عسلاً عند
زينب، ولن أعود إليه ". فنزل قوله تعالى: (لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لك) [التحريم:1]. أخرجاه في "الصحيحين" (1). * * * * *
مسألة (799): مذهب أحمد أنه يجوز تقديم الكفارة قبل الحنث.
من مسائل الكفَّارة مسألة (799): مذهب أحمد أنَّه يجوز تقديم الكفَّارة قبل الحنث. وقال أبو حنيفة: لا يجوز، وهو اختياري. واستدلَّ أصحابنا: 3225 - واستدلَّ أصحابنا بما رواه الإمام أحمد، قال: حدَّثنا أسود بن عامر وعفَّان قالا: ثنا جرير بن حازم قال: سمعت الحسن قال: حدَّثني عبد الرحمن بن سمرة قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرًا منها، فكفِّر عن يمينك وائت الذي هو خير " (1). أخرجاه في "الصحيحين" (2). 3226 - قال أحمد: وحدَّثنا أبو سلمة الخزاعى ثنا مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها، فليكفِّر عن يمينه وليفعل الذي هو خير " (3). انفرد بإخراجه مسلمٌ (4).
قال المصنِّف: قلت: والاحتجاج بهذا إنما يصلح لو كانت الواو تقتضي الترتيب، وإنَّما هذا من الرواة، وقد روى هذا جماعة فقدَّموا الحنث على الكفَّارة (1). 3227 - قال الإمام احمد: حدَّثنا عبد الرحمن بن مهدي ومحمد بن جعفر قالا: ثنا شعبة عن عمرو بن مُرَّة قال: سمعت عبد الله بن عمرو - مولى الحسن بن عليٍّ - يحدِّث عن عَدِيِّ بن حاتم قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها، فليأت الذي هو خير، وليكفِّر عن يمينه " (2). ز: رواه النسائي عن إسحاق بن منصور عن ابن مهديٍّ (3). ورواه مسلمٌ من رواية تميم بن طرفة عن عَديٍّ، ففي بعض ألفاظه:
" إذا حلف أحدكم على اليمين، فرأى خيرًا منها، فليكفرها وليأت الذي هو خير ". وفي بعضها: " فليأت الذي هو خير، وليترك يمينه " (1) O. 3228 - قال أحمد: وحدَّثنا هُشيم أنا منصور ويونس (2) عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة قال: قال لي النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا عبد الرحمن بن سمرة، إذا آليت على يمين فرأيت غيرها خيرًا منها، فأت الذي هو خير، وكفِّر يمينك " (3). ز: رواه البخاريُّ عن أبي معمر عن عبد الوارث عن يونس (4)، وقال: تابعه سِماك بن عطيَّة وسِماك بن حرب وحميد وقتادة ومنصور وهشام والربيع (5). ورواه مسلمٌ عن علي بن حُجْر عن هُشيم عن يونس ومنصور وحميد به (6) O. 3229 - قال أحمد: وحدَّثنا الحكم بن موسى ثنا موسى (7) بن خالد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها، فليأت الذي هو خير، وليكفِّر عن
يمينه " (1) ز: هذا الحديث لم يخرِّجوه من هذا الوجه، والله أعلم O. 3230 - وقال النسائي: أخبرنا محمد بن منصور عن سفيان ثنا أبو الزعراء عن عمِّه أبي الأحوص عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله، أرأيت ابن عمٍّ لي، آتيه أسأله فلا يعطيني ولا يصلني، ثم يحتاج إليَّ فيأتيني ويسألني، وقد حلفت أن لا أعطيه ولا أصله. فأمرني أن آتي الذي هو خير، وأكفِّر عن يميني (2). ز: رواه ابن ماجه عن محمد بن يحيى بن أبي عمر عن سفيان بإسناده نحوه (3) O. * * * * *
مسألة (800): إذا نذر شيئا على وجه اللجاج والغضب - مثل أن
من مسائل النذور والأيمان مسألة (800): إذا نذر شيئًا على وجه اللجاج والغضب - مثل أن يقول: إن فعلت كذا فمالي صدقة، أو عَلَيَّ حجَّة، أو صوم سنة - فهو بالخيار: إن شاء وفَّى بنذره، وإن شاء كفَّر كفَّارة يمين. وعنه: الواجب الكفَّارة لا غير. وعن الشافعيِّ كالروايتين. وقال أبو حنيفة: يلزمه الوفاء به. وقال مالكٌ في صدقة المال: يلزمه الثلث، وفي غيره: يلزمه الوفاء. لنا أربعة أحاديث: 3231 - الحديث الأوَّل: قال الإمام احمد: حدَّثنا حسن ثنا ابن لهيعة ثنا كعب بن علقمة عن عبد الرحمن بن شِماسة عن أبي الخير مَرْثَد بن عبد الله عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كفَّارة النذر كفَّارة اليمين " (1). انفرد بإخراجه مسلمٌ. ز: رواه مسلمٌ عن غير واحد عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن كعب (2).
وقد روي عن ابن شِماسة عن عقبة بن عامر. وروي عن كعب عن أبي الخير، من غير ذكر ابن شِماسة O. 3232 - الحديث الثاني: قال أحمد: وحدَّثنا إسماعيل بن أبان الورَّاق ثنا أبو بكر النهشلي عن محمد بن الزبير عن الحسن عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا نذر في غضب، وكفَّارته كفَّارة يمين " (1). ز: رواه النسائي من رواية أبي بكر النهشلي وغيره عن محمد بن الزبير الحنظلي (2)، وهو منكر الحديث. قاله البخاري (3)، وقد اختلف عليه في إسناد هذا الحديث ومتنه. ولم يصحّ عن الحسن عن عمران بن حصين سماعٌ من وجهٍ صحيحٍ يثبت. قاله عليُّ بن المديني (4)، والله أعلم O. 3233 - الحديث الثالث: قال الدَّارَقُطْنِيّ: حدَّثنا الحسين بن إسماعيل ثنا أحمد بن منصور زاج ثنا عمر بن يونس ثنا سليمان بن أبي سليمان عن يحيى بن أبي كثير عن طاوس عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا نذر إلا فيما أطيع الله، ولا يمين في غضب، ولا طلاق ولا عتاق فيما لا يملك " (5). ز: هذا الحديث لم يخرِّجوه، وهو حديثٌ لا يصحُّ، لأنَّ سليمان بن أبي سليمان هو: سليمان بن داود اليمامي، وهو متَّفقٌ على ضعفه، قال يحيى بن
معين: ليس بشيءٍ (1). وقال البخاريُّ: منكر الحديث (2). وقال ابن عَدِيٍّ: عامَّة ما يرويه لا يتابعه عليه أحدٌ (3) O. 3234 - الحديث الرابع: قال الدَّارَقُطْنِيّ: حدَثنا أحمد بن محمد بن زياد القطَّان ثنا جعفر بن محمد بن كزال ثنا محمد بن نعيم (4) بن هارون ثنا كثير ابن مروان ثنا غالب بن عبيد الله العقيلي عن عطاء بن أبي رباح عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من جعل عليه نذرًا في معصية فكفَّارة يمين، ومن جعل عليه نذرًا فيما لا يطيق فكفَّارة يمين، ومن جعل عليه نذرًا فيما لم يسمِّه فكفَّارة يمين، ومن جعل ماله هديًا إلى الكعبة في أمر لا يريد به وجه الله فكفَّارة يمين، ومن جعل ماله في المساكين صدقة في أمر لا يريد به وجه الله فكفَّارة يمين، ومن جعل عليه المشي إلى بيت الله في أمر لا يريد به وجه الله فكفَّارة يمين، ومن جعل عليه المشي إلى بيت الله تعالى في أمر يريد به وجه الله تعالى فليركب ولا يمشي، فإذا أتى مكة قضى نذره، ومن جعل عليه نذرًا لله تعالى فيما يريد به وجه الله تعالى فليتق الله وليف به " (5). قال المصنف: غالب ضعيفُ الحديث. ز: هذا الحديث لا يصحُّ، ولا يثبت، وفيه غير واحدٍ من الضعفاء. وغالب بن عبيد الله: ليس بثقةٍ، ولا مأمون، بل هو مجمعٌ على ترك
مسألة (801): إذا قال: إن شفى الله مريضي فمالي صدقة = لزمه أن
الاحتجاج به. وليت هذا الحديث يصحُّ عن عطاء من قوله! والله أعلم O. * * * * * مسألة (801): إذا قال: إن شفى الله مريضي فمالي صدقة = لزمه أن يتصدق بثلث جميع ماله. وعنه: يرجع إلى ما نواه من ماله. وقال أبو حنيفة: يتصدق بجميع أمواله الزكاتيَّة، في إحدى روايتيه؛ وفي الأخرى: يتصدق بجميع ما يملك، وبها قال الشافعيُّ. 3235 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا روح ثنا ابن جريج قال: أخبرني ابن شهاب أن الحسين بن السائب بن أبي لبابة أخبره أنَّ أبا لبابة بن عبد المنذر قال - لمَّا تاب الله تعالى عليه -: يا رسول الله، إنَّ من توبتي أن أهجر دار قومي وأساكنك، وأن أنخلع من مالي صدقة لله ولرسوله. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يجزئ عنك الثلث " (1). ز: هذا الحديث لم يخرِّجوه. والحسين: ذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثقات"، وقال: يروي عن أبيه المراسيل (2).
مسألة (802): يمين الغموس لا توجب الكفارة، خلافا للشافعي.
وله ذكرٌ في "سنن أبي داود" في النذور (1)، وقد روى أبو داود نحوه من رواية كعب بن مالك (2)، والله أعلم O. * * * * * مسألة (802): يمين الغموس لا توجب الكفَّارة، خلافا للشافعيِّ. 3236 - أنبأنا محمد بن عبد الملك عن أبي محمد الجوهري عن أبي حفص بن شاهين ثنا محمد بن هارون بن حميد ثنا داود بن رشيد ثنا بقيَّة عن بحير ابن سعد عن خالد بن معدان عن أبي المتوكل عن أبي هريرة أنَّه سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ليس لها كفَّارةٌ: يمينٌ صابرةٌ ليقتطع بها مالاً بغير حقٍّ ". ز: هذا الحديث لم يخرِّجه أحدٌ من أئمة " الكتب الستَّة "، وإسناده جيِّدٌ. وقد رواه الإمام أحمد في "مسنده" مطولاً، فقال: 3237 - حدَّثنا زكريا بن عَدِيٍّ ثنا بقيَّة عن بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن المتوكل - أو: أبي المتوكل - عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من لقي الله عزَّ وجلَّ لا يشرك به شيئًا، وأدَّى زكاة ماله طيِّبة بها نفسه محتسبًا، وسمع وأطاع، فله الجنَّة - أو: أدخل الجنَّة -، وخمسٌ ليس لهنَّ كفارة: الشرك بالله عزَّ وجلَّ، وقتل النفس بغير حقٍّ، أو بهت مؤمن، أو الفرار من يوم الزحف، أو يمينٌ صابرةٌ يقتطع بها مالاً بغير حقٍّ " (3).
مسألة (803): لاتنعقد يمين المكره.
كذا فيه: (عن المتوكل - أو: أبي المتوكل -). وقوله: (صابرة): بمعنى مصبورة، كـ (عِيْشَةٍ رَاضِيَةٍ) [القارعة: 7] O. * * * * * مسألة (803): لاتنعقد يمين المكره. وقال أبوحنيفة: تنعقد. 3238 - قال الدَّارَقُطْنِيّ: حدَّثنا محمد بن الحسن المقري ثنا الحسين بن إدريس ثنا خالد بن الهيَّاج ثنا أبي عن عنبسة بن عبد الرحمن عن العلاء عن مكحول عن واثلة بن الأسقع وعن أبي أمامة قالا: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس على مقهورٍ يمينٌ " (1). قال المصنِّف: عنبسة ضعيفٌ. ز: هذا حديثٌ منكرٌ جدًّا، بل موضوعٌ، وفي إسناده جماعةٌ من الضعفاء الذين لا يجوز الاحتجاج بهم O. * * * * *
مسألة (804): ينعقد نذر المعصية وكفارته كفارة يمين.
مسألة (804): ينعقد نذر المعصية وكفَّارته كفَّارة يمين. وقال أكثرهم: لا ينعقد، ولا يلزم كفَّارة. لنا: حديث عمران بن حصين: أنَّ امرأة نجت على العضباء، فنذرت لتنحرنها، فقال عليه السلام: " لا وفاء لنذر في معصية الله ". وقد سبق بإسناده (1). 3239 - وقال الترمذي: حدَّثنا قتيبة ثنا أبو صفوان عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا نذر في معصية، وكفَّارته كفَّارة يمين " (2). ز: هذا الإسناد رواته كلُّهم ثقات، لكن الحديث غير صحيح، لأنَّ له علة توجب ضعفه، وقد حكى بعضهم الاتفاق على ضعفه. وقال بعضهم: احتجَّ به أحمد وإسحاق. وقد روى هذا الحديث: أحمد (3) وأبو داود (4) وابن ماجه (5) والنسائي (6) من حديث يونس.
وقال الترمذي بعد أن رواه: وهذا حديث لا يصحُّ، لأنَّ الزهريَّ لم يسمع هذا الحديث من أبي سلمة. سمعت محمدًا يقول: روي عن غير واحد، منهم: موسى بن عقبة وابن أبي عتيق عن الزهري عن سليمان بن أرقم عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن عائشة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال محمدٌ: والحديث هو هذا. ثم رواه من حديث سليمان بن أرقم، وقال: هذا حديث غريب، وهو أصحُّ من حديث أبي صفوان عن يونس (1). وكذلك رواه أبو داود (2) والنسائي (3) من حديث سليمان. وقال النسائي: سليمان بن أرقم متروك الحديث، خالفه غير واحد من أصحاب يحيى في هذا الحديث. وقال الإمام أحمد - في رواية حنبل -: هذا حديث منكرٌ، وزعموا أنَّ الزهري رواه عن سليمان بن أرقم. وقال في رواية أبي داود: أفسدوا علينا حديث الزهري عن أبي سلمة، قالوا: عن سليمان بن أرقم (4). وقد سئل الدَّارَقُطْنِيّ عن هذا الحديث، فذكر الاختلاف فيه على الزهريِّ،
مسألة (805): نذر المباح ينعقد، ويكون مخيرا بين الوفاء والكفارة.
ثم قال: والصحيح حديث ابن أبي عتيق وموسى بن عقبة عن الزهريِّ (1). وقال الترمذي: وقال قوم من أهل العلم من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغيرهم: لا نذر في معصية، وكفَّارته كفَّارة يمين، وهو قول أحمد وإسحاق، واحتجَّا بحديث الزهريِّ عن أبي سلمة عن عائشة (2) O. * * * * * مسألة (805): نذر المباح ينعقد، ويكون مخيرًا بين الوفاء والكفَّارة. وقال أكثرهم: لا ينعقد. 3240 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا زيد بن الحباب قال: حدَّثني حسين ابن واقد قال: حدَّثني عبد الله بن بريدة قال: حدَّثني بريدة أنَّ أمةً سوداء أتت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد رجع عن (3) بعض مغازيه، فقالت: إني كنت نذرت إن ردَّك الله صالحًا أن أضرب عليك بالدُّفِّ، فقال: " إن كنت فعلت فافعلي ". فضربت (4). ز: رواه الترمذي (5) وأبو حاتم البستي (6) من رواية الحسين بن واقد. وقال الترمذي: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ O. * * * * *
مسألة (806): من شرط القاضي أن يكون من أهل الاجتهاد، خلافا
من مسائل القضاء مسألة (806): من شرط القاضي أن يكون من أهل الاجتهاد، خلافًا لبعض الحنفيَّة. 3241 - قال أبو داود: حدَّثنا محمد بن حسَّان السَّمتي ثنا [] (1) خلف بن خليفة عن أبي هاشم عن ابن بريدة عن أبيه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " القضاة ثلاثة: واحد في الجنة، واثنان في النار: فأمَّا الذي في الجنة: فرجل عرف الحقَّ فقضى به؛ ورجل عرف الحقَّ فجار في الحكم فهو في النار؛ ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار " (2). ز: رواه ابن ماجه عن إسماعيل بن توبة عن خلف (3)، ورواه النسائي عن [إبراهيم بن] (4) يعقوب عن سعيد بن سليمان [] (5) عن خلف (6)، ورواه الترمذي عن محمد بن إسماعيل عن الحسن بن بشر عن شريك عن
مسألة (807): لا يجوز أن يولى النساء القضاء، خلافا لأبي حنيفة.
الأعمش عن سعد بن عبيدة عن ابن بريدة (1). وهو حديثٌ حسنٌ أو صحيحٌ O. * * * * * مسألة (807): لا يجوز أن يولَّى النساء القضاء، خلافًا لأبي حنيفة. 3242 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا هاشم ثنا المبارك عن الحسن عن أبي بكرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لن يفلح قوم تملكهم امرأة " (2). انفرد بإخراجه البخاري. ز: رواه البخاري من رواية عوف (3)، والترمذي (4) والنسائي (4) من رواية حميد الطويل، كلاهما عن الحسن به O. * * * * * مسألة (808): يصحُّ التحكيم، خلافًا لأحد قولي الشافعيِّ. لنا:
مسألة (809): يجوز القضاء على الغائب، وكذلك على الحاضر إذا
3243 - ما روى أبو بكر عبد العزيز - من أصحابنا - من حديث عبد الله بن جراد قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من حكم بين اثنين تحاكما إليه وارتضياه، فلم يقل بينهما بالحقِّ فعليه لعنة الله ". ز: هذا الحديث لا يصلح الاحتجاج به، لأنَّه من نسخة ابن جراد، وهي نسخةٌ باطلةٌ، وقد ذكر المؤلِّف فيما تقدَّم أنها نسخةٌ موضوعةٌ، وبالغ في الحط على الخطيب لما احتجَّ بحديثٍ منها (1)! والله الموفق للصواب O. * * * * * مسألة (809): يجوز القضاء على الغائب، وكذلك على الحاضر إذا امتنع من مجلس الحكم. وعنه: لا يقضى عليه، كقول أبي حنيفة. لنا: قوله عليه السلام: " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ". وقد سبق بإسناده في النفقات (2). ز: قال بعضهم: في الاستدلال بهذا الحديث على القضاء على الغائب نظرٌ، لأنه يحتمل الفتوى، بل قد يقال: يتعين للفتوى، لأنَّ الحكم يحتاج إلى إثبات السبب المسلط على الأخذ من مال الغير، ولا يحتاج إلى ذلك في الفتوى.
مسألة (810): حكم الحاكم لا يحيل الشيء عن صفته.
وقد يقال: إنَّ أبا سفيان كان حاضرًا في البلد، ولا يقضى على الغائب الحاضر في البلد مع إمكان إحضاره وسماعه الدعوى عليه، في المشهور من مذاهب العلماء، والله أعلم O. * * * * * مسألة (810): حكم الحاكم لا يحيل الشيء عن صفته. وقال أبو حنيفة: يحيله في العقود والفسوخ. 3244 - قال البخاري: حدَّثنا عبد العزيز بن عبد الله ثنا إبراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير أنَّ زينب بنت أمِّ سلمة أخبرته عن أمِّها أمِّ سلمة زوج النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبرتها عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه سمع خصومة بباب حجرته، فخرج إليهم، فقال: " إنما أنا بشرٌ، وإنَّه يأتيني الخصم فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض، فأحسب أنه قد صدق، فأقضي له بذلك، فمن قضيت له بحقِّ مسلمٍ فإنما هي قطعة من النار، فليأخذها أو فليتركها " (1). [أخرجاه في "الصحيحين"] (2). 3245 - قال المؤلف: وأخبرناه عاليًا عليُّ بن عبيد الله أنا عبد الصمد ابن المأمون أنا حبابة ثنا ابن صاعد ثنا عبد الجبَّار بن العلاء ثنا سفيان ثنا هشام بن
مسألة (811): إذا شهد شاهدان على قضاء الحاكم، وهو لا يذكر،
عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أمِّها أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال للناس: " إنما أنا بشر مثلكم تختصمون إليَّ، ولعل بعضكم يكون ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له من حقِّ أخيه المسلم شيئًا، فإنَّما أقطع له قطعة من النار ". احتجُّوا: 3246 - بما روي: أنَّ شاهدين شهدا عند عليٍّ عليه السلام (1) على امرأة بالنكاح، فقالت المرأة: أنَّه لم يكن بيننا نكاحٌ، فإن كان ولا بد فزوجني منه، فقال عليٌّ عليه السلام: شاهداك زوَّجاك. وجواب هذا: أنَّ عليًّا عليه السلام لم يطلع على الباطن، أنَّما حكم بالظاهر، فأمَّا الأخذ بالظاهر مع العلم بمنافاة الباطن له فقبيحٌ. * * * * * مسألة (811): إذا شهد شاهدان على قضاء الحاكم، وهو لا يذكر، قبل شهادتهما. وقال الشافعيُّ: لا يرجع إلى قولهما. لنا: 3247 - أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجع إلى قول غيره في قصة ذي اليدين، وقد
ذكرناه بإسناده في الطهارة (1). وذكرنا في أوَّل النكاح أنَّ جماعة حدَّثوا ونسوا، وكان أحدهم يقول: حدَّثني فلان عنِّي (2). * * * * *
مسألة (812): إذا طلب أحدهما القسمة وفيها ضرر على الآخر = لم
من مسائل القسمة مسألة (812): إذا طلب أحدهما القسمة وفيها ضرر على الآخر = لم يقسم، وتباع، ويقتسمان الثمن. وقال أبو حنيفة: إذا كان لأحدهما في ذلك منفعة أجبرا على القسمة. وقال مالك: يجبر على القسمة بكلِّ حالٍ. وقال الشافعي: إن كان المطالب ينتفع بذلك أجبر، وإن كان يستضر فعلى وجهين. 3248 - قال الدَّارَقُطْنِيّ: حدَّثنا الحسين بن إسماعيل ثنا خلاد بن أسلم ثنا روح بن عبادة ثنا ابن جريج قال: أخبرني صُديق بن موسى عن محمد ابن أبي بكر عن أبيه عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تعصبة على أهل الميراث، إلا ما حمل القسم " (1). ز: هذا حديثٌ لا يثبتُ، وهو مرسلٌ. وصُديقٌ: ليس بذاك المشهور، وقد ذكره ابن أبي حاتم في "كتابه"، فقال: صُديق بن موسى بن عبد الله بن الزبير، تيميٌّ، كان أصله جزريًّا، ثم تحوَّل إلى مكَّة، روى عن: أبي بردة بن أبي موسى ومحمد بن أبي بكر بن محمد ابن عمرو بن حزم، روى عنه: ابن جريج وجعفر بن ميسرة. سمعت أبي
يقول ذلك (1) O. 3249 - قال الدَّارَقُطْنِيّ: وحدَّثنا إسماعيل بن محمد الصفَّار ثنا عباس ابن محمد ثنا عثمان بن محمد بن عثمان بن ربيعة ثنا عبد العزيز بن محمد عن عمرو ابن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد الخدريِّ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا ضرر ولا ضرار " (2). ز: هذا الحديث لم يخرِّجوه. وعثمان بن محمد: لا أعرف حاله. وقد رواه الحاكم وزعم أنه صحيح الإسناد (3)، وفي قوله نظرٌ. والمشهور فيه الإرسال، كذلك رواه مالك عن عمرو بن يحيى عن أبيه مرسلاً، والله أعلم O. * * * * *
مسألة (813): إذا تداعيا شيئا في يد ثالث، فأقر به لأحدهما لا يعينه،
من مسائل الدعاوى مسألة (813): إذا تداعيا شيئًا في يد ثالث، فأقر به لأحدهما لا يعينه، قرع بينهما، فمن خرجت قرعته حلف واستحقه. وقال أكثرهم: يوقف الأمر حتى ينكشف. لنا ثلاثة أحاديث: 3250 - الحديث الأول: قال أبو داود: حدَّثنا أحمد بن حنبل ثنا عبد الرزَّاق ثنا معمر عن همَّام بن منبِّه عن أبي هريرة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا كره الاثنان اليمين أو استحباها، فليستهما عليها " (1). ز: هذا الحديث رجاله رجال "الصحيحين". وقد رواه البخاري (2) والنسائي (3) من حديث عبد الرزَّاق بغير هذا اللفظ، والله أعلم O. 3251 - الحديث الثاني: قال أبو داود: وحدَّثنا الربيع بن نافع ثنا ابن المبارك عن أسامة بن زيد عن عبد الله بن رافع مولى أمِّ سلمة عن أمِّ سلمة قالت: أتى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلان يختصمان في مواريث لهما، لم يكن لهما بيِّنة،
فقال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنكم لتختصمون إليَّ ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجَّته، فمن قضيت له من حقِّ أخيه شيئًا فلا يأخذ منه شيئًا، فأنما أقطع له قطعة من النار ". فبكى الرجلان، وقال كلُّ واحدٍ منهما: حقِّي له! فقال لهما رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أما إذ فعلتما، فاقتسما، وتوخَّيا الحقَّ، ثم استهما، ثم تحالا " (1). ز: هذا الحديث انفرد به أبو داود. وأسامة بن زيد هو: الليثيُّ، [وهو حسن الحديث] (2)، وقد تكلَّم فيه أحمد (3) وغيره، ووثَّقه ابن معين (4) وغيره، وقال ابن عَدِيٍّ: ليس بحديثه بأسٌ (5) O. 3252 - الحديث الثالث: قال أبو داود: حدَّثنا محمد بن منهال أنا يزيد بن زريع ثنا ابن أبي عروبة عن قتادة عن خلاس عن أبي رافع عن أبي هريرة أنَّ رجلين اختصما في متاعٍ إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ليس لواحدٍ منهما بيِّنة، فقال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " استهما على اليمين ما كان أحبَّا ذلك او كرها " (6). ز: رواه النسائي (7) وابن ماجه (8) من رواية ابن أبي عروبة، والله أعلم O.
مسألة (814): يجوز للجار أن يضع خشبه في جدار جاره عند الحاجة
احتجُّوا: 3253 - بما رواه الإمام أحمد، قال: حدَّثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة (1) عن قتادة عن سعيد بن أبي بردة عن أبي بردة عن أبيه أنَّ رجلين اختصما إلى نبيِّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في دابة ليس لواحد منهما بيِّنة، فجعلها بينهما نصفين (2). ز: رواه أبو داود (3) والنسائي (4) وابن ماجه (5) من رواية سعيد ابن أبي عروبة عن قتادة. وقال النسائي: إسناد هذا الحديث جيِّدٌ (6) O. * * * * * مسألة (814): يجوز للجار أن يضع خشبه في جدار جاره عند الحاجة إلى ذلك، بشرط أن لا يضر بالحائط، فإن امتنع الجار أجبره الحاكم عليه، وبه قال الشافعيُّ إلا أنَّه قال: لا يحكم عليه الحاكم بذلك. وقال أكثرهم: لا يجوز ذلك إلا بإذن المالك. 3254 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا عبد الرزَّاق أنا معمر عن الزهريِّ عن عبد الرحمن بن هرمز عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يمنعن أحدكم جاره أن يضع خشبه على جداره ". ثم يقول أبو هريرة: ما لي أراكم
مسألة (815): إذا وطئا أمة بشبهة، فأتت بولد، عرض على القافة،
معرضين، والله لأرمينَّ بها بين أكتافكم (1). أخرجه البخاريُّ ومسلم في "الصحيحين" (2). * * * * * مسألة (815): إذا وطئا أمة بشبهة، فأتت بولدٍ، عرض على القافة، فإن ألحقوه بأحدهما - أو بهما - لحق، وإن أشكل عليهم وقف حتى يبلغ، فينتسب إلى أيهما شاء. وقال أبو حنيفة: لا يعرض على القافة. 3255 - قال الدَّارَقُطْنِيّ: حدَّثنا أبو بكر النيسابوري ثنا أحمد بن عبد الرحمن ثنا عمِّي ثنا إبراهيم بن سعد عن الزهريِّ عن عروة عن عائشة قالت: دخل قائفٌ ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شاهدٌ، وأسامة وزيد بن حارثة مضطجعان، فقال: هذه الأقدام بعضها من بعض! قالت: فتبسم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأعجبه، وأخبر به عائشة. قال إبراهيم بن سعد: وكان زيد أشقر أبيض، وكان أسامة مثل الليل (3). ز: رواه البخاري عن يحيى بن قزعة (4)، ورواه مسلمٌ عن منصور بن
مسألة (816): لا ترد اليمين في شيء من الدعاوى، ويقضى
أبي مزاحم (1)، كلاهما عن إبراهيم بن سعد به O. * * * * * مسألة (816): لا تردُّ اليمين في شيءٍ من الدعاوى، ويقضى بالنكول. وقال مالكٌ والشافعيُّ: تردُّ اليمين، ولا يقضى بالنكول. لنا ثلاثة أحاديث: 3256 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا نافع بن عمر عن ابن أبي مليكة قال: كتب إليَّ ابن عبَّاس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لو أنَّ الناس أعطوا بدعواهم، ادَّعى ناس من الناس دماء ناس وأموالهم، ولكن اليمين على المدَّعى عليه " (2). أخرجاه في "الصحيحين" (3). 3257 - الحديث الثاني: قال الدَّارَقُطْنِيّ: حدَّثنا أحمد بن محمد بن أبي شيبة ثنا محمد بن هشام المرُّوذِيُّ ثنا محمد بن الحسن ثنا حجَّاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " البيِّنة على المدَّعي، واليمين على المدَّعى عليه " (4).
ز: هذا الحديث لم يخرِّجوه من رواية حجَّاج عن عمرو. وحجَّاج هو: ابن أرطأة، ولم يسمعه من عمرو، أنَّما أخذه عن العرزميِّ عنه، والعرزميُّ متروكٌ. وقد رواه الترمذي عن علي بن حُجْر عن علي بن مُسهر وغيره عن محمد بن عبيد الله عن عمرو. وقال: في إسناده مقالٌ، ومحمد بن عبيد الله العرزميُّ يضعَّف في الحديث من قبل حفظه، ضعَّفه ابن المبارك وغيره (1) O. 3258 - الحديث الثالث: قال الدَّارَقُطْنِيّ: حدَّثنا ابن صاعد ثنا عباس بن محمد الدُّوري ثنا عثمان بن محمد بن عثمان بن ربيعة الرأي ثنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " البيِّنة على من ادَّعى، واليمين على من أنكر، إلا في القسامة " (2). قال المصنِّف: مسلم بن خالد ضعيفٌ. ز: هذا الحديث لم يخرِّجوه، وزيادة الاستثناء فيه منكرةٌ. ومسلم بن خالد الزنجي: تكلَّم فيه غير واحد من الأئمة، وقد اختلف عليه في هذا الحديث: فقيل: عنه هكذا. وقال بشر بن الحكم وغيره: عنه عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب
عن أبيه عن جدِّه به. وقد رواه ابن عَدِيٍّ من الوجهين، وقال: هذان الإسنادان يعرفان بمسلم عن ابن جريج، وفي المتن زيادة قوله: (إلا في القسامة)، والله أعلم (1) O. احتجُّوا: 3259 - بما رواه الدَّارَقُطْنِيّ، قال: حدَّثنا أبو هريرة محمد بن علي الأنطاكي ثنا يزيد بن محمد بن عبد الصمد الدمشقي ثنا سليمان بن عبد الرحمن ثنا محمد بن مسروق عن إسحاق بن الفرات عن الليث بن سعد عن نافع عن ابن عمر أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ردَّ اليمين على طالب الحق (2). والجواب: أنَّ فيه جماعةٌ مجاهيلٌ. ز: هذا الحديث لم يخرِّجوه، وجواب المؤلِّف غير صحيحٍ، فإنَّ رواة هذا الحديث ليس فيهم مجهولٌ، لكن الحديث فيه نكارةٌ. وإسحاق بن الفرات: قال عبد الحقِّ: هو ضعيفٌ (3). وفي قوله نظرٌ، وقد وثَّق إسحاق: أبو عوانة الإسفرايني (4)، وقال أبو حاتم: هو شيخٌ ليس بالمشهور (5)، وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: ما رأيت فقيهًا
أفضل منه، وكان عالمًا (1). وقال ابن يونس: كان فقيهًا، ولي القضاء بمصر، خليفة لمحمد بن مسروق الكندي، وفي أحاديثه أحاديث كأنها منقلبة (2) O. * * * * *
مسألة (817): لا تجب الشهادة في البيع، خلافا لداود.
من مسائل الشهادات مسألة (817): لا تجب الشهادة في البيع، خلافًا لداود. لنا: أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشترى فرسًا من أعرابي ولم يشهد: 3260 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا أبو اليمان أنا شعيب عن الزهريِّ قال: حدَّثني عمارة بن خزيمة أنَّ عمَّه حدَّثه - وهو من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابتاع فرسًا من أعرابي، فاستتبعه النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليقبضه ثمن فرسه، فأسرع النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المشي، وأبطأ الأعرابي، فطفق رجال يعترضون الأعرابي فيساومون بالفرس، لا يشعرون أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابتاعه، حتى زاد بعضهم الأعرابي في السوم على ثمن الفرس الذي ابتاعه به النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنادى الأعرابي النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: إن كنت مبتاعًا هذا الفرس فابتعه، وإلا بعته. فقام النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين سمع نداء الأعرابي، فقال: " أوليس قد ابتعتُه منك؟! ". قال: لا، والله ما بعتك. فقال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بلى، قد ابتعته منك ". فطفق الناس يلوذون برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والأعرابي وهما يتراجعان، فطفق الأعرابي يقول: هلم شهيدًا يشهد أني بايعتك. فمن جاء من المسلمين قال للأعرابي: ويلك أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن ليقول إلا حقًّا! حتَّى جاء خزيمة، فاستمع لمراجعة النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومراجعة الأعرابي، وطفق الأعرابي يقول: هلم شهيدًا يشهد أنِّي بايعتك. فقال خزيمة: أنا أشهد أنَّك قد بايعته. فأقبل النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على خزيمة فقال: " بم تشهد؟ ". فقال: بتصديقك يا رسول الله. فجعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شهادة
مسألة (818): يقبل في الولادة شهادة امرأة واحدة، وكذلك في كل ما
خزيمة بشهادة رجلين (1). ز: رواه أبو داود عن محمد بن يحيى بن فارس عن الحكم بن نافع (2)، ورواه النسائي من رواية الزبيديِّ عن الزهريِّ (3)، وهو حديث صحيح. وعمارة بن خزيمة: ثقةٌ، والله أعلم O. * * * * * مسألة (818): يقبل في الولادة شهادة امرأة واحدة، وكذلك في كلِّ ما لا يطََّلع عليه الرجال. وعنه: لا يقبل إلا امرأتين، كقول مالك. وقال الشافعيُّ: لا يقبل إلا أربع نسوة. 3261 - قال الدَّارَقُطْنِيّ: حدَّثنا عثمان بن أحمد الدَّقَّاق ثنا أحمد بن القاسم بن مساور ثنا محمد بن إبراهيم بن معمر ثنا محمد بن عبد الملك الواسطي عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أجاز شهادة القابلة. قال الدَّارَقُطْنِيّ: محمد بن عبد الملك لم يسمع من الأعمش، بينهما رجلٌ مجهولٌ، وهو أبو عبد الرحمن المدائني (4). 3262 - وقد روى أصحابنا من حديث ابن عمر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال: يجزئ في الرضاع شهادة امرأة واحدة. ز: حديث حذيفة لم يخرِّجوه، وهو حديثٌ باطلٌ لا أصل له. وحديث ابن عمر: رواه الإمام أحمد، فقال: 3263 - حدَّثنا عبد الرزَّاق أنا شيخٌ من أهل نجران قال: حدَّثني محمد ابن عبد الرحمن بن البَيلماني عن أبيه عن ابن عمر أنَّه سأل النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو: أنَّ رجلاً سأل النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: ما الذي يجوز في الرضاع من الشهود؟ فقال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رجلٌ أو (1) امرأةٌ " (2). هكذا رواه. وقال عبد الله بن أحمد: ثنا أبي ثناه ابن أبي شيبة عن معتمر عن محمد بن عُثَيم عن محمد بن عبد الرحمن. يعني هذا الحديث. 3264 - قال عبد الله: وثنا أبو بكر عبد الله بن أبي شيبة ثنا معتمر عن محمد بن عُثَيم عن محمد بن عبد الرحمن بن البَيلماني عن أبيه عن ابن عمر قال: سئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما يجوز في الرضاعة من الشهود؟ فقال: " رجلٌ وامرأةٌ " (3). كذا قال: (رجلٌ وامرأةٌ). ولم يخرِّج هذا الحديث أحدٌ من أصحاب " الكتب الستَّة "، وهو حديثٌ ضعيفٌ.
مسألة (819): لا تقبل شهادة العدو على عدوه، خلافا لأبي حنيفة.
وابن البَيلماني: ليس بشيءٍ. قاله ابن معين (1)، وقال ابن عَدِيٍّ: الضعف على حديثه بَيِّنٌ (2). وروى هذا الحديث في ترجمته، ولفظه: سئل نبيُّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما يجوز في الرضاع من الشهود؟ قال: " رجلٌ وامرأة " (3). وقد روى البخاري في "صحيحه" عن عقبة بن الحارث أنَّه تزوَّج أمَّ يحيى بنت أبي إهاب، فجاءت أمة سوداء، فقالت: قد أرضعتكما. قال: فذكرت ذلك للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأعرض عنِّي، قال: فتنحَّيت، فذكرت ذلك له، فقال: " فكيف وقد زعمت أنَّها أرضعتكما؟! ". فنهاه عنها (4). وفي لفظ: " دعها عنك " (5). وللدَّارَقُطْنِيّ: " دعها عنك، لا خير لك فيها " (6) O. * * * * * مسألة (819): لا تقبل شهادة العدوِّ على عدوِّه، خلافًا لأبي حنيفة. لنا حديثان: 3265 - الحديث الأول: قال الإمام أحمد: حدَّثنا عبد الرزَّاق ثنا محمد
ابن راشد عن سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة، ولا ذي غِمرْ (1) على أخيه، ولا تجوز شهادة القانع لأهل البيت، وتجوز شهادته لغيرهم ". والقانع: الذي ينفق عليه أهل البيت (2). قال المصنِّف: محمد بن راشد ضعيفٌ. ز: رواه أبو داود عن حفص بن عمر عن محمد بن راشد (3). وقد وثَّق محمدًا: أحمدُ بن حنبل (4) ويحيى بن معين (5) وغيرهما، وتكلَّم فيه بعض الأئمة. وقد تابعه غيره عن سليمان. وقد روى ابن ماجه نحوه من رواية حجَّاج بن أرطأة عن عمرو بن شعيب (6)، والله أعلم O. 3266 - الحديث الثاني: قال الترمذي: حدَّثنا قتيبة ثنا مروان بن معاوية الفزاري عن يزيد بن زياد الدمشقي عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة، ولا مجلود حدًّا،
مسألة (820): لا تقبل شهادة الوالد لولده، ولا الولد لوالده.
ولا ذي غِمْر لأخيه، ولا القانع لأهل البيت لهم، ولا ظنين في ولاء ولا قرابة ". قال الفزاري: القانع التابع (1). قال أبو عبيد: هو التابع للقوم، كالخادم لهم؛ والظنين: المتهم في دينه (2). قال المصنِّف: يزيد بن زياد ضعيفٌ لا يحتجُّ به. قاله الدَّارَقُطْنِيّ (3). ز: هذا الحديث انفرد به الترمذي، وقال: غريبٌ، لا يعرف هذا الحديث من حديث الزهري إلا من حديثه. يعني يزيد بن زياد. وقال النسائي: يزيد بن زياد متروك الحديث (4). وقد روي بإسنادٍ ضعيفٍ من حديث ابن عمر، والله أعلم O. * * * * * مسألة (820): لا تقبل شهادة الوالد لولده، ولا الولد لوالده. وعنه: تجوز شهادة الابن لأبيه. وعنه: تجوز شهادة أحدهما للآخر، فيما لا تهمة فيه، كالنكاح والطلاق والمال، وكلُّ واحد مستغن عن صاحبه. وقال داود والمزني وأبو ثور: تجوز على الإطلاق.
مسألة (821): لا تقبل شهادة بدوي على قروي.
لنا: الحديث المتقدِّم. * * * * * مسألة (821): لا تقبل شهادة بدويٍّ على قرويٍّ. وقال أبو حنيفة والشافعيُّ: تقبل. وقال مالكٌ كقولنا فيما عدا الجراح، فإنه تقبل شهادته احتياطًا للدماء. 3267 - قال الدَّارَقُطْنِيّ: حدَّثنا عبد الملك بن أحمد الدَّقَّاق ثنا يونس ابن عبد الأعلى ثنا ابن وهب أنا يحيى بن أيوب ونافع بن يزيد عن ابن الهاد عن محمد بن عمرو بن عطاء عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تقبل شهادة البدويِّ على القرويِّ " (1). ز: رواه أبو داود عن أحمد بن سعيد الهمداني عن ابن وهب، ولفظه: " لا تجوز شهادة بدويٍّ على صاحب قرية " (2). ورواه ابن ماجه عن حرملة عن ابن وهب عن نافع وحده (3). وإسناده جيِّدٌ. وقال البيهقي: وهذا الحديث مما تفرَّد به محمد بن عمرو بن عطاء عن
مسألة (822): لا تقبل شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض.
عطاء بن يسار O. * * * * * مسألة (822): لا تقبل شهادة أهل الذِّمَّة بعضهم على بعض. وقال أبو حنيفة: تقبل. 3268 - قال الدَّارَقُطْنِيّ: حدَّثنا أحمد بن عبد الله وكيل أبي صخرة ثنا علي بن حرب ثنا الحسن بن محمد (1) ثنا عمر بن راشد عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا ترث ملَّة ملَّة، ولا تجوز شهادة أهل ملَّة على ملَّة، إلا أمَّتى فإنه تجوز شهادتهم على من سواهم ". قال الدَّارَقُطْنِيّ: عمر بن راشد ليس بالقويِّ (2). ز: هذا الحديث لم يخرِّجوه. وعمر بن راشد: ضعَّفه يحيى بن معين (3) وغيره، وقال النسائي: ليس بثقةٍ (4). وقال ابن عَدِيٍّ: هو إلى الضعف أقرب منه إلى الصدق. وروى هذا الحديث في ترجمته، فقال: 3269 - أخبرنا محمد بن يحيى بن سليمان المروزي ثنا علي بن الجعد ثنا
عمر بن راشد اليمامي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة - أحسبه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لايرث أهل ملَّة ملَّة، ولا تجوز شهادة ملَّة على ملَّة، إلا أمَّتي تجوز شهادتهم على من سواهم ". حدَّثنا جعفر بن أحمد بن عاصم ثنا ابن مصفَّى ثنا بقيَّة ثنا الأسود بن عامر عن عمر بن راشد بإسناده نحوه (1) O. احتجُّوا بحديثين: 3270 - الحديث الأول: قال ابن ماجه: حدَّثنا محمد بن طريف ثنا أبو خالد الأحمر عن مجالد عن عامر عن جابر بن عبد الله أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أجاز شهادة أهل الكتاب بعضهم على بعض (2). 3271 - الحديث الثاني: قال الدَّارَقُطْنِيّ: حدَّثنا البغوي وأحمد بن الحسين بن الجنيد قالا: ثنا الحسن بن عرفة ثنا عبد الرحيم (3) بن سليمان عن مجالد عن الشعبيِّ عن جابر قال: أُتي النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيهوديٍّ ويهوديَّة قد زنيا، فقال لليهود: " ما يمنعكم أن تقيموا عليهما الحدَّ؟ ". فقالوا: كنا نفعل إذ كان الملك لنا، فلما أن ذهب ملكنا فلا نجترئ على الفعل. فقال لهم: " ائتوني بأعلم رجلين فيكم ". فأتوه بابني صوريا، فقال لهما: " أنتما أعلم من وراءكما؟ ". قالا: يقولون. قال: " فأنشدكما بالله الذي أنزل التوراة على موسى: كيف
تجدون حدَّهما في التوراة؟ ". فقالا: إذا شهد أربعة أنهم رأوه يدخله فيها كما يدخل الميل في المُكْحُلَةُ (1)، رجم. قال: " ائتوني بالشهود ". فشهد أربعة، فرجمهما النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (2). والجواب: هذان الحديثان تفرَّد بهما مجالد، قال أحمد: ليس بشيءٍ (3). وقال يحيى: لا يحتجُّ بحديثه (4). وكذلك قال ابن حِبَّان: لا يجوز الاحتجاج به (5). ز: الحديث الأول: انفرد به ابن ماجه، وهو مختصرٌ من الحديث الذي بعده. والحديث الثاني: رواه أبو داود عن يحيى بن موسى البلخي عن أبي أسامة عن مجالد بنحوه. وعن وهب بن بقيَّة عن هشيم عن مغيرة عن إبراهيم والشعبيِّ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحوه، ولم يذكر: فدعا بالشهود فشهدوا. وعن وهب عن هشيم عن ابن شبرمة عن الشعبيِّ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنحو منه (6). وهذا الذي تفرَّد به مجالد من الزيادة في الحديث لم يتابع عليه، ومجالد لا
مسألة (823): يجوز الحكم بشاهد ويمين في المال، وما يقصد به
يحتجُّ بما انفرد به، قال الفلاس: سمعت يحيى بن سعيد القطََّان يقول: لو شئت أن يقول لي مجالد فيها كلها عن الشعبيِّ عن مسروق عن عبد الله عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقال. وقال ابن عَدِيٍّ: ومجالد له عن الشعبيِّ عن جابر أحاديث صالحة، وعن غير جابر من الصحابة أحاديث صالحة، وجملة ما يرويه عن الشعبيِّ، وقد روى عن غير الشعبيِّ، ولكن أكثر روايته عنه، وعامَّة ما يرويه غير محفوظٍ (1) O. * * * * * مسألة (823): يجوز الحكم بشاهد ويمين في المال، وما يقصد به المال، خلافًا لأبي حنيفة. 3272 - وقال الإمام أحمد: حدَّثنا عبد الوهَّاب الثقفي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى باليمين مع الشاهد (2). ز: رواه الترمذي عن ابن بشَّار ومحمد بن أبان عن عبد الوهَّاب به، وعن علي بن حُجْر عن إسماعيل بن جعفر عن جعفر بن محمد عن أبيه أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى باليمين مع الشاهد الواحد. قال: وقضى بها عليٌّ عليه السلام (3). قال: وهذا أصحُّ.
وهكذا روى الثوري عن جعفر عن أبيه عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسل. وروى عبد العزيز بن أبي سلمة ويحيى بن سليم هذا الحديث عن جعفر عن أبيه عن علي عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1). ورواه ابن ماجه عن بندار عن الثقفيِّ به (2) O. 3273 - وقال الدَّارَقُطْنِيّ: حدَّثنا ابن مخلد ثنا عبَّاس بن محمد ثنا شبابة ثنا عبد العزيز بن أبي سلمة عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عليه السلام (3) أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى بشهادة شاهد واحد، ويمين صاحب الحقِّ، وقضى به عليٌّ عليه السلام (4) بالعراق (5). ز: هذا إسناد منقطعٌ، فإنَّ محمد بن عليِّ بن الحسين لم يدرك جدَّ أبيه علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وقد أطال الدَّارَقُطْنِيّ الكلام في كتاب "العلل" على حديث جعفر هذا في " مسند عليٍّ "، ثم قال: وكان جعفر بن محمد ربَّما أرسل هذا الحديث، وربَّما وصله عن جابر، لأنَّ جماعة من الثقات حفظوه عن أبيه عن جابر، والحكم يوجب أن يكون القول قولهم، لأنَّهم زادوا، وهم ثقات، وزيادة الثقة مقبولةٌ (6) O. وقد روى هذا الحديث عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عمر بن الخطَّاب وابن
عبَّاس وأبو هريرة وابن عمر وابن عمرو وزيد بن ثابت وأبو سعيد الخدري وسعد بن عبادة وعامر بن ربيعة وسهل بن سعد وعمارة بن حزم وعمرو بن حزم والمغيرة بن شعبة وبلال بن الحارث وسلمة بن قيس وأنس بن مالك وتميم الداريُّ وزبيب بن ثعلبة وسُرَّق. * * * * *
مسألة (824): إذا ترك ابنا واحدا لا وارث له غيره، فأقر بأخ = ثبت نسبه.
من مسائل الإقرار مسألة (824): إذا ترك ابنًا واحدًا لا وارث له غيره، فأقرَّ بأخٍ = ثبت نسبه. وقال أبو حنيفة ومالك: لا يثبت النسب حتى يقرَّ اثنان. لنا: حديث ابن زمعة، قال عبد بن زمعة: أخي وابن وليدة أبي ... فأثبت النسب بإقراره، وقد سبق هذا الحديث بإسناده في أنَّ الأمة تكون فراشًا. * * * * *
مسألة (825): إذا أعتق الموسر نصيبه من العبد = عتق عليه نصيب
من مسائل العتق (1) مسألة (825): إذا أعتق الموسر نصيبه من العبد = عتق عليه نصيب شريكه. وقال أبو حنيفة: يخيَّر الشريك بين أن يعتق، أو يستسعي العبد، أو يقومه على شريكه. فإن أعتق المعسر نصيبه من العبد لم يجب عليه عتق الباقي. وقال أبو حنيفة: يجب بالاستسعاء أو بعتق الشريك. لنا حديثان: 3274 - الحديث الأول: قال الإمام أحمد: حدَّثنا يزيد أنا يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أعتق نصيبًا له في مملوك، كلف أن يتم عتقه بقيمة عدل، فإن لم يكن له مال يعتقه به، فقد جاز ما عتق " (2). ز: رواه مسلم عن محمد بن المثنَّى عن عبد الوهَّاب الثقفيِّ عن يحيى (3)، ورواه البخاري تعليقًا، فقال: ورواه يحيى بن سعيد عن نافع مختصرًا (4).
ورواه أبو داود (1) والنسائي (2) من رواية يزيد بن هارون. وهو مخرَّج في "الصحيحين" من رواية مالك وغيره عن نافع (3)، والله أعلم O. 3275 - الحديث الثاني: قال أحمد: وحدَّثنا عبد الرزاق ثنا عمر بن حوشب قال: حدَّثني إسماعيل بن أميَّة عن أبيه عن جدِّه قال: كان لهم غلام فأعتق جدَّه نصفه، فجاء العبد إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تعتق في عتقك، وترق في رقك ". قال: فكان يخدم سيده حتى مات (4). قال المصنِّف: جدُّ أميَّة هو: عمرو بن سعيد، وله صحبة. ز: هذا الحديث مرسلٌ، وليس هو مخرَّج في شيء من " الكتب الستَّة ". وعمرو بن سعيد هو: المعروف بـ " الأشدق "، وليست له صحبة. وعمر بن حوشب: ليس بالمشهور، وقد ذكره ابن أبي حاتم في "كتابه"، فقال: عمر بن حوشب الصنعاني، روى عن: إسماعيل بن أميَّة، روى عنه: عبد الرزَّاق، سمعت أبي يقول ذلك (5) O. احتجُّوا بثلاثة أحاديث:
3276 - الحديث الأول: قال الإمام أحمد: حدَّثنا يزيد بن هارون أنا سعيد عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نَهيك عن أبي هريرة عن النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من كان له شقص في مملوك، فأعتق نصيبه، فعليه خلاصه إن كان له مال، فإن لم يكن له مال، استسعى العبد في ثمن رقبته، غير مشقوق عليه " (1). 3277 - الحديث الثاني: قال أحمد: حدَّثنا عبد الله بن بكر السهمي ثنا سعيد عن قتادة عن أبي المليح عن أبيه أنَّ رجلاً من هذيل أعتق شقيصًا له من مملوك، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هو حرٌ كلُّه، ليس لله تعالى شريكٌ " (2). 3278 - الحديث الثالث: قال أحمد: وحدَّثنا يزيد بن هارون أنا حجَّاج بن أرطأة عن عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب قال: حفظنا من ثلاثين من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " من أعتق شقيصًا له في مملوك ضمن بقيته " (3). قال المصنِّف: بشير بن نََهيك: مجروحٌ، قال أبو حاتم الرازي: لا يحتجُّ به (4). وحجَّاج: ضعيفٌ جدًّا. وحديث أبي المليح: محمولٌ على عتق الغني.
ز: هذا الذي أجاب به المؤلف ليس بشيءٍ، فإنَّ حديث أبي هريرة مخرَّج في "الصحيحين" من رواية بشير بن نَهيك عنه، رواه البخاري من رواية يزيد بن زريع وغيره عن سعيد بن أبي عروبة (1)، ورواه مسلمٌ من رواية عيسى ابن يونس وغيره عن سعيد (2). وقد تكلَّم جماعة من الأئمة في حديث سعيد هذا، وضعَّفوا ذكر الاستسعاء، وقالوا: الصواب أنَّ ذكر الاستسعاء من رأي قتادة، كما رواه همَّام عنه فجعله من قوله. وفي قول هؤلاء الأئمة نظرٌ، فإنَّ سعيد بن أبي عروبة من الأثبات في قتادة، وليس هو بدون همَّام، وقد تابعه جماعة على ذكر الاستسعاء ورَفْعِه إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهم: جرير بن حازم وأبان بن يزيد العطَّار وحجَّاج بن حجَّاج وموسى بن خلف وحجَّاج بن أرطأة ويحيى بن صبيح الخراساني، والله أعلم. وأمَّا حديث أبي المليح عن أبيه: فرواه أبو داود (3) والنسائي (4) من رواية همَّام عن قتادة عنه. ورواه النسائي من رواية سعيد بن أبي عروبة وهشام عن قتادة عن أبي المليح أنَّ رجلاً ... ، ولم يذكر أباه (5). قال النسائي: هشام وسعيد أثبت في قتادة من همَّام، وحديثهما أولى
مسألة (826): إذا أعتق في مرض موته عبيدا لا مال له سواهم، ولم
بالصواب (1). كذا قال، وقد تقدَّم أنَّ عبد الله بن بكر رواه عن سعيد، وقال فيه: عن أبيه، والله أعلم وأمَّا حديث حجَّاج بن أرطأة: فلم يخرِّجوه، وحجَّاج مدلسٌ، لكن حديثه شاهدٌ لغيره، والله أعلم O. * * * * * مسألة (826): إذا أعتق في مرض موته عبيدًا لا مال له سواهم، ولم يجز الورثة = جمع العتق في الثلث بالقرعة. وقال أبو حنيفة: يعتق من كلِّ واحدٍ ثلثه، ويستسعي في الباقي. لنا: 3279 - ما رواه الإمام أحمد، قال: حدَّثنا إسماعيل ثنا أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلَّب عن عمران بن حصين أنَّ رجلاً أعتق ستَّة مملوكين له عند موته، ولم يكن له مال غيرهم، فدعاهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجزأهم أثلاثًا، ثم أقرع بينهم، فأعتق اثنين، وأرقَّ أربعة، وقال له قولاً شديدًا (2). انفرد بإخراجه مسلم (3). * * * * *
مسألة (827): إذا ملك ذا رحم محرم عتق عليه.
مسألة (827): إذا ملك ذا رحم محرم عتق عليه. وقال مالك: يعتق الوالدان والمولودون، دون الإخوة والأخوات. وقال الشافعيُّ: يعتق عمودا النسب. 3280 - قال أحمد: حدَّثنا يزيد وأبو كامل قالا: ثنا حمَّاد بن سلمة عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من ملك ذا رحم فهو عتيق " (1). وقال أبو كامل: " من ملك ذا رحم محرم فهو حرٌّ " (2). قالوا: قد قال يحيى بن سعيد: أحاديث الحسن عن سمرة من كتاب (3). وقال ابن حبَّان: لم يشافه الحسن سمرة (4). قلنا: قد قال علي بن المديني: أحاديث سمرة صحاح، قد سمع الحسن من سمرة (5). وقول ابن المديني مقدَّمٌ. ز: قد تكلِّم في هذا الحديث بسبب آخر، وهو انفراد حمَّاد به، وشكِّه فيه، ومخالفة غيره ممن هو أثبت منه له. وقد رواه أصحاب " السنن الأربعة " من حديث حمَّاد (6).
وفي رواية أبي داود: عن الحسن عن سمرة - فيما يحسب حمَّاد -. وقال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه مسندًا إلا من حديث حمَّاد بن سلمة. وقال البيهقي: والحديث إذا انفرد به حمَّاد بن سلمة، ثم يشكُّ فيه، ثم يخالفه فيه من هو أحفظ منه، وجب التوقف فيه (1). وقد رواه سعيد عن قتادة عن عمر بن الخطاب من قوله. وقتادة لم يدرك عمر. وقد رواه الطحاوي من رواية الأسود عن عمر موقوفًا (2). وقد روي من حديث ابن عمر مرفوعًا بإسنادٍ مختلفٍ فيه. وروي بإسنادٍ ضعيفٍ من حديث عائشة. وبإسنادٍ ساقطٍ من حديث علي. وقد كتبت الكلام على جميع ذلك محررًا في مكان آخر، والله أعلم O. * * * * *
مسألة (828): بيع المدبر جائز.
من مسائل المدبَّر مسألة (828): بيع المدبَّر جائزٌ. وعنه: يجوز بشرط أن يكون على السيِّد دَينٌ. وقال أبو حنيفة: لا يجوز، إذا كان التدبير مطلقًا. وقال مالكٌ: لا يجوز في حال الحياة، ويجوز بعد الموت إن كان على السيِّد دَينٌ. 3281 - قال الترمذي: حدَّثنا ابن أبي عمر ثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر أنَّ رجلاً من الأنصار دبَّر غلامًا له، فمات ولم يترك مالاً غيره، فباعه النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاشتراه نعيم بن النَّحَّام. قال الترمذي: هذا حديثٌ صحيحٌ (1). ز: رواه البخاري عن قتيبة (2)، ورواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم (3)، ثلاثتهم عن سفيان به O. 3282 - وقال النسائي: أخبرنا قتيبة ثنا الليث عن أبي الزبير عن جابر قال: أعتق رجل عبدًا له عن دبر، فبلغ ذلك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " ألك
مال غيره؟ ". قال: لا. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من يشتريه مني؟ ". فاشتراه نعيم بن عبد الله العدوي بثمانمائة درهم، فجاء بها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدفعها إليه، ثم قال: " ابدأ بنفسك فتصدَّق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل من أهلك شيء فلذوي قرابتك، فإن فضل من قرابتك شيء فهكذا وهكذا وهكذا ". يقول: من بين يديك، وعن يمينك، وعن شمالك (1). ز: رواه مسلمٌ عن قتيبة ومحمد بن رُمْح، كلاهما عن الليث به (2) O. 3283 - وقال الدَّارَقُطْنِيّ: حدَّثنا يوسف بن يعقوب ثنا إبراهيم بن عبد العزيز ثنا سلم بن قتيبة ثنا ابن أبي ذئب عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببيع المدبَّر (3). ز: لم يخرِّجوه من رواية سلم بن قتيبة عن ابن أبي ذئب. وقد رواه النسائي من حديث ابن أبي ذئب بغير هذا اللفظ، فقال: 3284 - أخبرنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم قال: ثنا أبي وعمِّي قالا: ثنا ابن أبي ذئب عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أنَّ رجلاً أعتق عبدًا له، لم يكن له مالٌ غيره، فردَّه عليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وابتاعه نعيم بن النَّحَّام (4). كذا رواه بهذا اللفظ.
ورواه البخاري عن عاصم بن علي عن ابن أبي ذئب (1)، وهذا أصحُّ من رواية سلم، والله أعلم O. 3285 - قال الدُّارَقُطْنِيّ: وحدَّثنا أبو بكر النيسابوري قال: ثنا أحمد ابن يوسف السلمي والعبَّاس بن محمد وإبراهيم بن هانئ قالوا: ثنا أبو نعيم ثنا شَريك عن سلمة بن كُهيل عن عطاء وأبي الزبير عن جابر أنَّ رجلاً مات وترك مدبَّرًا ودَينًًا، فأمرهم النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يبيعوه في دينه، فباعوه بثمانمائة درهم. قال أبو بكر النيسابوري: قول شَريك: (مات) خطأ، لأنَّ في حديث الأعمش عن سلمة بن كُهيل: (ودفع إليه ثمنه، وقال: " اقض دينك ")، وكذلك رواه عمرو بن دينار وأبو الزبير عن جابر أنَّ سيِّد المدبَّر كان حيًّا يوم بيع المدبَّر (2). ز: لم يخرِّجوه من حديث شَريك. ورواه النسائي من رواية الأعمش عن سلمة عن عطاء وحده، فقال: 3286 - أخبرنا أبو داود ثنا محاضر ثنا الأعمش عن سلمة بن كُهيل عن عطاء عن جابر قال: أعتق رجل من الأنصار غلامًا له عن دبر، وكان محتاجًا، وكان عليه دَين، فباعه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بثمانمائة درهم، فأعطاه، قال: " اقض دينك " (3) O. 3287 - قال الدَّارَقُطْنِيّ: وحدَّثنا الحسين بن إسماعيل المَحاملي ثنا
يوسف بن موسى ثنا جرير عن عبد الغفَّار بن القاسم عن أبي جعفر قال: ذكر عنده أنَّ عطاءً وطاوسًا يقولان عن جابر في الذي أعتقه مولاه في عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كان أعتقه عن دبر، فأمره أن يبيعه ويقضيى دينه، فباعه بثمانمائة درهم، فقال أبو جعفر: شهدت الحديث من جابر، إنَّما أذن في بيع خدمته (1). قال المصنِّف: وهذا الحديث لا يصحُّ، فإنَّ عبد الغفَّار قد كذَّبه سِماك ابن حرب (2) وأبو داود (3)، وقال أحمد: ليس بثقة، عامَّة حديثه بواطيل (4). وقال ابن المديني: كان يضع الحديث (5). ز: هذا الحديث لم يخرِّجوه. ورواه ابن عَدِيٍّ في ترجمة عبد الغفَّار عن محمد بن يوسف بن عاصم عن يوسف بن موسى (6). وعبد الغفَّار: من غلاة الشيعة، وقد روى عنه شعبة حديثين، قال ابن عَدِيٍّ: ويكتب حديثه مع ضعفه (7). وقول المؤلِّف: (كذَّبه سِماك بن حرب) وهمٌ، إنَّما الذي كذَّبه سِماك
الحنفيُّ، وهو سماك بن الوليد، فقال أبو داود الطيالسي: سمعت شعبة يقول: سمعت سماكًا الحنفيَّ يقول لأبي مريم - يعني عبد الغفَّار - في شيءٍ ذكره: كذبت والله (1) O. * * * * *
مسألة (829): يجوز بيع رقبة المكاتب.
من مسائل المكاتب مسألة (829): يجوز بيع رقبة المكاتب. وقال أكثرهم: لا يجوز. 3288 - قال الإمام أحمد: حدَّثنا إسحاق بن عيسى ثنا ليث قال: حدَّثني ابن شهاب عن عروة عن عائشة أنَّ بريرة جاءت عائشة تستعينها في كتابتها، ولم تكن قضت من كتابتها شيئًا، فقال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ابتاعي فأعتقي، فإنما الولاء لمن أعتق " (1). ز: رواه البخاري (2) ومسلم (3) وأبو داود (4) والترمذي (5) والنسائي (6) عن قتيبة عن ليث O. * * * * *
مسألة (830): لا يجوز بيع أم الولد.
من مسائل أمهات الأولاد مسألة (830): لا يجوز بيع أمِّ الولد. وقال داود: يجوز. 3289 - قال الدَّارَقُطْنِيّ: حدَّثنا أبو بكر الشافعيُّ ثنا القاسم بن زكريا المقرئ ثنا محمد بن عبد الله المخرمي ثنا يونس بن محمد - من كتابه - ثنا عبد العزيز بن مسلم عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن بيع أمهات الأولاد، وقال: " لا يبعن، ولا يوهبن، ولا يورثن، يستمتع منها سيدها ما دام حيًّا، فاذا مات فهي حرَّة " (1). ز: كذا رواه الدَّارَقُطْنِيّ مرفوعًا، وهو وهمٌ. ورواه معتمر بن سليمان عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن عمر قوله. ورواه يحيى بن إسحاق عن عبد العزيز بن مسلم عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن عمر نحوه غير مرفوع. وكذلك رواه فليح بن سليمان عن عبد الله بن دينار. وكذلك رواه البيهقي من رواية سليمان بن بلال وسفيان عن عبد الله بن دينار، وقال: هكذا رواية الجماعة عن عبد الله بن دينار، وغلط فيه بعض
الرواة عن عبد الله بن دينار فرفعه إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو وهمٌ، لا يحلُّ ذكره (1) O. 3290 - أخبرنا أبو منصور القزَّاز أنا أبو بكر بن ثابت قال: أنا القاضي أبو العلاء الواسطي وأبو القاسم الأزهري وعلي بن أبي علي المعدِّل قالوا: ثنا أحمد بن إبراهيم بن شاذان ثنا أبو عيسى محمد بن أحمد بن إبراهيم ثنا بندار محمد ابن بشَّار ثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: قضى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّ أمهات الأولاد لا يبعن، ولا يوهبن، ولا يورثن، فإذا مات صاحبها فهي حرَّة. قال ابن ثابت: لم أكتبه إلا بهذا الإسناد، والمحفوظ عن ابن عمر قال: قضى عمر أنَّ أمهات الأولاد ... (2). أمَّا حجَّتُهم: 3291 - فقال الدَّارَقُطْنِيّ: حدَّثنا البغوي ثنا عبيد الله بن عمر ثنا خالد ابن الحارث ثنا شعبة عن زيد العَمِّي عن أبي الصدِّيق الناجي عن أبي سعيد الخدري أنَّه قال في أمهات الأولاد: كنَّا نتبايعهن على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (3). والجواب: أنَّ زيد (4) العَمِّي ليس بشيءٍ، قال ابن حبَّان: لا يجوز الاحتجاج
بخبره (1). ثم من الجائز أن يكون هذا خفي على أبي سعيد وغيره من الصحابة، أو أن يكون النهي ورد بعد ذلك. 3292 - قال سعيد بن منصور: حدَّثنا أبو عوانة عن مغيرة عن الشعبيِّ عن عَبيدة قال: خطب عليٌّ الناس، فقال: شاورني عمر في أمهات الأولاد، فرأيت أنا وعمر أن أعتقهنَّ، فقضى بها عمر حياته، وعثمان حياته، فلما وليت رأيت أن أرقَّهن. قال عَبيدة: فرأي عمر وعلي في الجماعة، أحبُّ إليَّ من رأي عليٍّ وحده (2). ز: حديث أبي سعيد: صحَّحه الحاكم (3)، ورواه العقيلي في ترجمة زيد عن محمد بن إسماعيل عن عمرو بن مرزوق عن شعبة، ثم قال: وهذا المتن يرويه غير زيد العَمِّي بإسناد جيِّد (4). 3293 - ورواه النسائي، فقال: أخبرنا محمد بن عبد الأعلى ثنا خالد ثنا شعبة عن زيد العَمِّي عن أبي الصدِّيق عن أبي سعيد في أمهات الأولاد، قال: كنَّا نبيعهن في عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال النسائي: زيد العَمِّي ليس بالقويِّ (5).
3294 - وقال أيضًا: أخبرنا إبراهيم بن يعقوب ثنا المكِّي بن إبراهيم أنا ابن جريج قال: حدَّثني أبو الزبير أنَّه سمع جابرًا يقول: كنَّا نبيع سرارينا أمهات الأولاد والنبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيٌّ، ما نرى بذلك بأسًا. 3295 - أخبرنا عمرو بن علي ثنا أبو عاصم ثنا ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال: كنَّا نبيع أمهات الأولاد على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلا ينكر ذلك علينا (1). 3296 - وقال أبو داود: حدَّثنا موسى بن إسماعيل ثنا حمَّاد عن قيس عن عطاء عن جابر بن عبد الله قال: بعنا أمهات الأولاد على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر، فلما كان عمر نهانا، فانتهينا (2). قال الحاكم في هذا الحديث: على شرط مسلم (3). * * *
آخر كتاب تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق والحمد لله رب العالين والصلاة والتسليم الأتمان الأكملان على سيدنا محمد خاتم النبيين وسيد المرسلين كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون وعلى آله وصحبه أجمعين صلاة دائمة إلى يوم الدين وحسبنا الله ونعم الوكيل علقه لنفسه بيده الفانية ومن شاء الله من بعده العبد الفقير الحقير الذليل المعترف بذنبه وعصيانه المقر لله سبحانه وتعالى بفضله وامتنانه الراجي رحمته الخائف من عذابه محمد بن عبد الله الزركشي غفر الله له ولوالديه وحشره في زمرة من أنعم عليهم بكرمه وجوده ومنه ويمنه وكان الفراغ منه يوم الجمعة لست مضين من شهر جمادى الآخر سنة ست وستين وسبعمائة والحمد لله وحده علقته من نسخة معتمدة عليها حواشي المؤلف وضبطه رحمه الله
مصادر التحقيق
مصادر التحقيق - إتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة من أطراف العشرة لابن حجر. ط: الأولى، 1415، وزارة الشؤون الإسلامية، السعودية. - الأحاديث الطوال للطبراني = المعجم الكبير. - الأحاديث المختارة للضياء المقدسي. ط: الأولى، 1410، مكتبة النهضة الحديثة، مكة المكرمة - السعودية. - الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان لابن بلبان. ط: الأولى، 1408، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان. - الأحكام الوسطى لعبد الحق الإشبيلي. 1416، مكتبة الرشد، الرياض - السعودية. - الأخبار العلمية من الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية للبعلي. ط: الأولى، 1418، دار العاصمة، السعودية. - الاختيارات = الأخبار العلمية من الإختيارات الفقهية. - آداب الشافعي ومناقبه لابن أبي حاتم. ط: الثانية، 1413، مكتبة الخانجي، القاهرة. مصر. - إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري للقسطلاني. مصورة عن الطبعة السابعة، 1403، دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان. - الإرشاد للخليلي. ط: الأولى، 1409، مكتبة الرشد، الرياض - السعودية. - الأسامي والكنى لأبي أحمد الحاكم. ط: الأولى، 1414، مكتبة الغرباء الأثرية، المدينة النبوية - السعودية. - الاستغناء في المشهورين من حملة العلم بالكنى لابن عبد البر. ط: الثانية، 1412، دار ابن تيمية للنشر، الرياض - السعودية. - الاستيعاب في أسماء الأصحاب لابن عبد البر (بهامش كتاب الإصابة لابن حجر). 1398، دار الفكر، بيروت - لبنان.
- الإشراف على مذاهب أهل العلم لابن منذر. 1414، دار الفكر، بيروت - لبنان. - الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر. 1398، دار الفكر، بيروت - لبنان. - أطراف الغرائب والأفراد من حديث الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للدارقطني لابن طاهر. ط: الأولى، 419، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان. - أطراف مسند الإمام أحمد بن حنبل لابن حجر. ط: الأولى، 1414، دار ابن كثير، دار الكلم الطيب، دمشق - بيروت. - الإعلام بسنته عليه السلام لمغلطاي = شرح سنن ابن ماجه. - إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال لمغلطاي. ط: الأولى، 1422، الفاروق الحديثة للطباعة والنشر، القاهرة - مصر. - الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف في الأسماء والكنى والأنساب لابن ماكولا. ط: الأولى، 1411، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان. - إكمال المعلم بفوائد مسلم للقاضي عياض. ط: الأولى، 1419، دار الوفاء، المنصورة - مصر. - الإلزامات للدارقطني. ط: الثانية، 1405، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان. - الأم للشافعي. دار المعرفة، بيروت - لبنان. - الأنساب للسمعاني. ط: الثانية، 1400، محمد أمين دمج، بيروت - لبنان. - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي. ط: الأولى، 1414، دار هجر للطباعة والنشر، وزارة الشؤون الإسلامية، السعودية. - أهوال القبور وأحوال أهلها إلى النشور لابن رجب. دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان. - الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف لابن المنذر. ط: الأولى، 1405، دار طيبة، الرياض - السعودية. - بحر الدم في من تكلم فيه الإمام أحمد بمدح أو ذم لابن المبرد. ط: الأولى، 1413، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان.
- البحر الزخار = مسند البزار. - البداية والنهاية لابن كثير. دار الفكر، بيروت - لبنان. - البدر المنير في تخريج أحاديث الشرح الكبير لابن الملقن. الأولى، 1414، دار العاصمة، السعودية. - بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث للهيثمي. دار الطلائع، القاهرة - مصر. - بغية الراغب المتمني في ختم النسائي للسخاوي. ط: الأولى، 1414، مكتبة العبيكان، الرياض - السعودية. - بيان الدليل على بطلان التحليل لابن تيمية. ط: الأولى، 1418، المكتب الإسلامي، بيروت - لبنان. - بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام لابن القطان الفاسي. ط: الأولى، 1418، دار طيبة، الرياض - السعودية. - تاريخ الأمم والملوك لابن جرير الطبري. ط: الأولى، 1407، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان. - التاريخ الأوسط للبخاري. ط: الأولى، 1418، دار الصميعي، الرياض - السعودية. - التاريخ الكبير للبخاري. دار الباز للنشر والتوزيع، مكة المكرمة - السعودية. - تاريخ بغداد للخطيب. دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان. - التاريخ لابن أبي خيثمة. ط: الأولى، 1418، دار الوطن، الرياض. السعودية. - التاريخ لابن معين برواية ابن طهمان = من كلام ابن معين في الرجال. - التاريخ لابن معين برواية الدارمي. دار المأمون للتراث، دمشق - بيروت. - التاريخ لابن معين برواية الدوري. ط: الأولى، 1399. - التاريخ لابن معين برواية بن الجنيد = سؤالات بن الجنيد.
- التاريخ لابن معين برواية بن محرز = معرفة الرجال. - التاريخ لأبي زرعة الدمشقي، مطبوعات مجمع اللغة العربية، دمشق. - تاريخ واسط لبحشل. ط: الأولى، 1406، عالم الكتب، بيروت - لبنان. - تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة. ط: الأولى، 1409، المكتب الإسلامي، بيروت - لبنان. - تبصير المنتبه بتحرير المشتبه لابن حجر. المكتبة العلمية، بيروت - لبنان. - التتبع للدارقطني. مطبوع مع الإلزامات له. - تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف للمزي. ط: الثانية، 1403، الدار القيمة، بومباي - الهند، المكتب الإسلامي، بيروت - لبنان. - التحقيق لابن الجوزي. ط: الأولى، 1419، دار الوعي العربي، القاهرة - مصر. - تخريج الأحاديث الضعاف من سنن الدارقطني للحافظ الغساني. ط: الأولى، 1411، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان. - تذكرة الحفاظ للذهبي. دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان. - تراجم رجال الدارقطني في سننه للشيخ مقبل الوادعي. ط: الأولى، 1420، دار الآثار، صنعاء - اليمن. - ترتيب أسماء الصحابة الذين أخرج حديثهم أحمد بن حنبل في المسند لابن عساكر. ط: الأولى، 1409، دار البشائر الإسلامية، بيروت - لبنان. - ترتيب علل الترمذى لأبي طالب القاضي. ط: الأولى، 1409، عالم الكتب، بيروت - لبنان، مكتبة النهضة العربية. - ترتيب معرفة الثقات للعجلي. ط: الأولى، 1405، مكتبة الدار، المدينة المنورة - السعودية. - التعديل والتجريح لمن خرج له البخاري في الجامع الصحيح للباجي. ط: الأولى، 1406، دار اللواء، الرياض - السعودية. - تعليقات على المجروحين لابن حبان البستي للدارقطني. ط: الأولى، 1414، الفاروق الحديثة،
القاهرة - مصر، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة. - تعليقة على العلل لابن أبي حاتم لابن عبد الهادي. ط: الأولى، 1423، أضواء السلف، الرياض - السعودية. - تغليق التعليق على صحيح البخاري لابن حجر. ط: الأولى، 1405، المكتب الإسلامي، بيروت - لبنان، دار عمار، عمان - الأردن. - تفسير القرآن العظيم للحافظ ابن كثير. الطبعة الأولى، 1418، دار طيبة، الرياض - السعودية. - تقدمة الجرح والتعديل لابن أبي حاتم. مطبوع مع الجرح والتعديل. - تقريب التهذيب لابن حجر. ط: الأولى، 1416، دار العاصمة، السعودية. - تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير لابن حجر. مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة - مصر. - التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد. لابن عبد البر. مكتبة المؤيد، مصورة عن الطبعة المغربية. - تنقيح التحقيق للذهبي. ط: الأولى، 1419، دار الوعي العربي، القاهرة - مصر. - تهذيب التهذيب لابن حجر. ط: الأولى، 1404، دار الفكر، بيروت - لبنان. - تهذيب السنن لابن القيم، (مع عون المعبود). ط: الثالثة، 1399، دار الفكر، بيروت - لبنان. - تهذيب الكمال في أسماء الرجال للحافظ المزي. ط: الرابعة، 1413، مؤسسة الرسالة، بيروت - لبنان. - التوبة لابن عساكر. ط: الأولى، 1418، دار ابن الأثير، الكويت. - توضيح المشتبه لابن ناصر الدين. ط: الثانية، 1414، مؤسسة الرسالة، بيروت - لبنان. - الثقات لابن حبان. ط: الأولى، 1393، دار الفكر، بيروت - لبنان. - الثقات للعجلي = ترتيب معرفة الثقات. - جامع التحصيل في أحكام المراسيل للعلائي. ط: الثانية، 1407، عالم الكتب، بيروت - لبنان.
- الجامع لأحكام القرآن للقرطبي. الطبعة الأولى، 1408، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان. - الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي. ط: الثالثة، 1416، مؤسسة الرسالة، بيروت - لبنان. - الجامع للترمذي. تحقيق: أحمد شاكر، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان. وتحقيق: بشار عواد معروف، ط: الأولى، 1996، دار الغرب الإسلامي، بيروت - لبنان. - الجرح والتعديل لابن أبي حاتم. ط: الأولى، 1371، دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان. - حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم. ط: الأولى، 1409، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان. - الخلافيات للبيهقي. ط: الأولى، 1414، دار الصميعي، الرياض - السعودية. - خلق أفعال العباد والرد على الجهمية وأصحاب التعطيل للبخاري، ط: الثالثة، 1411، مؤسسة الرسالة، بيروت - لبنان. - درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية. ط: الأولى، 1401، جامعة الإمام، الرياض - السعودية. - درء اللوم والضيم لابن الجوزي. ط: الأولى، 1415، دار البشائر الإسلامية، بيروت - لبنان. - الدعاء للطبراني. ط: الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان. - دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة للبيهقي. ط: الأولى، 1405، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان. - ذكر أخبار أصبهان لأبي نعيم. ط: الثانية، 1405، الدار العلمية، دلهي - الهند. - الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب. دار المعرفة، بيروت - لبنان. - رجال صحيح مسلم لابن منجويه. ط: الأولى، 1407، دار المعرفة، بيروت - لبنان. - الروض البسام بترتيب وتخريج فوائد تمام لجاسم الفهيد. ط: الأولى، 1408، دار البشائر الإسلامية، بيروت - لبنان. - زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم. ط: الخامسة عشر، 1407، مؤسسة الرسالة، بيروت -
لبنان، مكتبة المنار الإسلامية، حولي - الكويت. - سؤالات أبي داود لأحمد. ط: الأولى، 1414، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة - السعودية. - سؤالات أبي عبيد الآجري لأبي داود. ط: الأولى، 1418، مكتبة دار الإستقامة، مكة المكرمة - السعودية، مؤسسة الريان، بيروت - لبنان. - سؤالات البرذعي لأبي زرعة. ط: الثانية، 1409، دار الوفاء، المنصورة - مصر، مكتبة ابن القيم، المدينة المنورة - السعودية. - سؤالات البرقاني للدارقطني. ط: الأولى، 1404، لاهور - باكستان، مكتبة القرآن، القاهرة - مصر. - سؤالات الحاكم للدارقطني. ط: 1404، مكتبة المعارف، الرياض - السعودية. - سؤالات حمزة السهمي للدارقطني. ط: الأولى، مكتبة المعارف، الرياض - السعودية. - السؤالات لابن معين لابن جنيد. ط: الأولى، 1408، مكتبة الدار، المدينة المنورة - السعودية. - سؤالات محمد بن عثمان بن أبي شيبة في الجرح والتعديل لابن المديني. ط: الأولى، 1404، مكتبة المعارف، الرياض - السعودية. - السنة للخلال. ط: الأولى، 1410، دار الراية، الرياض - السعودية. - سنن ابن ماجه. دار الفكر، بيروت - لبنان. - سنن أبي داود. ط: الأولى، 1419، دار القبلة للثقافة الإسلامية، جدة - السعودية، مؤسسة الريان، بيروت - لبنان، المكتبة المكية، مكة المكرمة - السعودية. - سنن الدارقطني. ط: الثانية، 1403، عالم الكتب، بيروت - لبنان. - السنن الكبرى للبيهقي. دار المعرفة، بيروت - لبنان. - السنن الكبرى للنسائي. ط: الأولى، 1411، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان. - سنن النسائي الصغرى. ط: الرابعة، 1414، مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب - سوريا.
- سنن سعيد بن منصور. ط: الأولى، 1405، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان. - السنن للأثرم - مخطوط. - سير أعلام النبلاء للذهبي. ط: السابعة، 1410، مؤسسة الرسالة، بيروت - لبنان. - الشجرة في أحوال الرجال للجوزجاني. ط: الأولى، 1411، فيصل آباد - باكستان، مكتبة دار الطحاوي، الرياض - السعودية. - شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة لأبي قاسم اللالكائي، دار طيبة، الرياض - السعودية. - شرح الإلمام بأحاديث الأحكام لابن دقيق العيد. ط: الأولى، 1418، دار أطلس، الرياض - السعودية. - شرح العمدة - كتاب الصيام لابن تيمية. ط: الأولى، 1417، دار الأنصاري، مكة المكرمة - السعودية. - شرح العمدة - كتاب الصلاة لابن تيمية. ط: الأولى، 1418، دار العاصمة، الرياض - السعودية. - شرح العمدة - كتاب الطهارة والحج لابن تيمية. ط: الأولى، 1413، مكتبة العبيكان، الرياض - السعودية. - الشرح الكبير للمقدسي. ط: الأولى، 1414، هجر للطباعة والنشر، وزارة الشؤون الإسلامية، السعودية. - شرح سنن ابن ماجه للمغلطاي. ط: الأولى، 1419، دار نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة - السعودية. - شرح سنن أبي داود لمحمود العيني. ط: الأولى، 1420، مكتبة الرشد، الرياض - السعودية. - شرح علل الترمذي لابن رجب. ط: الأولى، 1398، دار الملاح. - شرح مختصر الخرقي للزركشي. ط: الأولى، 1413، مكتبة العبيكان، الرياض - السعودية. - شرح مسلم للنووي. دار الفكر، بيروت - لبنان.
- شرح معاني الآثار للطحاوي. ط: الثانية، 1407، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان. - الصحيح لابن خزيمة. ط: الأولى، 1395، المكتب الإسلامي، بيروت - لبنان. - الصحيح للبخاري. دار الحديث، القاهرة - مصر. - الصحيح لمسلم. دار الجيل، بيروت - لبنان. طبعة أخرى: بتحقيق: فؤاد عبد الباقي، سنة: 1403، دار الفكر، بيروت - لبنان. - الضعفاء الكبير للعقيلي. ط: الأولى، 1404، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان. - الضعفاء والمتروكون لابن الجوزي. ط: الأولى، 1406، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان. - الضعفاء الصغير للبخاري = المجموع في الضعفاء والمتروكين. ويحوي: 1. الضعفاء والمتروكون للنسائي. 2 - الضعفاء الصغير للبخاري. - الضعفاء لأبي زرعة. ط: الثانية، 1409، دار الوفاء، المنصورة - مصر، مكتبة ابن القيم، المدينة المنورة - السعودية. - الضعفاء والمتروكون للدارقطني. ط: الأولى، 1404، مكتبة المعارف، الرياض - السعودية. - الضعفاء والمتروكون للنسائي = المجموع في الضعفاء والمتروكين. - طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى. دار المعرفة، بيروت - لبنان. - الطبقات الكبرى لابن سعد. دار صادر، بيروت - لبنان، دار الفكر، بيروت - لبنان. - الطبقات الكبرى لابن سعد، ط: الثانية، 1408، مكتبة العلوم والحكم، المدينة النبوية - السعودية. - طبقات المحدثين بأصبهان والواردين عليها لأبي الشيخ. ط: الأولى، 1407، مؤسسة الرسالة، بيروت - لبنان. - طبقات علماء الحديث لابن عبد الهادي. ط: الأولى، 1409، مؤسسة الرسالة، بيروت - لبنان.
- العقود الدرية لابن عبد الهادي، دار الكاتب العربي. - علل الحديث لابن أبي حاتم. 1405، دار المعرفة، بيروت - لبنان. - العلل الكبير للترمذي = ترتيب علل الترمذي. - العلل المتناهية في الأحاديث الواهية لابن الجوزي. ط: الأولى، 1403، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان. - العلل الواردة في الأحاديث النبوية للدارقطني. ط: الأولى، 1405، دار طيبة، الرياض - السعودية. - العلل لابن المديني. ط: الثانية، 1980، المكتب الإسلامي، بيروت - لبنان. - العلل ومعرفة الرجال برواية عبد الله بن أحمد. ط: الأولى، 1408، المكتب الإسلامي، بيروت - لبنان، دار الخاني، الرياض - السعودية. - العلل ومعرفة الرجال عن أحمد رواية المروذي وغيره. ط: الأولى، 1408، الدار السلفية، بومباي - الهند. - علوم الحديث لابن الصلاح. ط: الثالثة، 1404، دار الفكر، دمشق - سوريا. - عمل اليوم والليلة للنسائي. ط: الثانية، 1406، مؤسسة الرسالة، بيروت - لبنان. - غريب الحديث لابن قتيبة. الطبعة الأولى، 1408، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان. - غريب الحديث لأبي عبيد الهروي. طبعة مصورة عن الطبعة الأولى، 1396، دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان. - غريب الحديث للخطابي. ط: الأولى، 1405، مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي، مكة المكرمة - السعودية. - الفتاوى لابن تيمية = مجموعة فتاوى ابن تيمية لابن قاسم. - فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر. دار المعرفة، بيروت - لبنان. - فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن رجب. ط: الأولى، 1417، مكتبة الغرباء الأثرية،
المدينة المنورة - السعودية. - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للسخاوي. ط: الثانية، 1412، دار الإمام الطبري. - الفروع لابن مفلح. ط: الرابعة، 1404، عالم الكتب، بيروت - لبنان. - فضائل الصحابة للإمام أحمد. ط: الثانية، 1420، دار ابن الجوزي، السعودية. - القاموس المحيط للفيروزآبادي. ط: الثانية، 1407، مؤسسة الرسالة، بيروت - لبنان. - الكافي لابن قدامة. ط: الأولى، 1417، دار هجر، وزارة الشؤون الإسلامية، السعودية. - الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي. ط: الثالثة، 1409، دار الفكر، بيروت - لبنان. - الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي، 1409، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان. - الكنى والأسماء للإمام مسلم. ط: الأولى، 1404، دار الفكر، بيروت - لبنان. - لسان العرب لابن منظور. ط: السادسة، 1417، دار صادر، بيروت - لبنان. - لسان الميزان لابن حجر. ط: الأولى، 1416، دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان. - المؤتلف والمختلف للدارقطني. ط: الأولى، 1406، دار الغرب الإسلامي، بيروت - لبنان. - المجروحون من المحدثين والضعفاء والمتروكون لابن حبان. دار المعرفة، بيروت - لبنان. - المجروحون من المحدثين لابن حبان. ط: الأولى، 1420، دار الصميعي، الرياض - السعودية. - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي، 1406، مكتبة المعارف، بيروت - لبنان. - المجموع شرح المهذب للنووي. دار الفكر، بيروت - لبنان. - المجموع في الضعفاء والمتروكين. ط: الأولى، 1405، دار القلم، بيروت - لبنان. ويحوي على: 1 - الضعفاء والمتروكون. 2 - الضعفاء الصغير للبخاري.
- مجموعة فتاوى ابن تيمية لابن قاسم. مكتبة ابن تيمية. القاهرة - مصر. - المحرر في الحديث لابن عبد الهادي. ط: الأولى، 1405، دار المعرفة، بيروت - لبنان. - المحلى بالآثار لابن حزم، 1408، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان. - مختار الصحاح للرازي، 1401، دار الفكر، بيروت - لبنان. - المختارة للضياء = الأحاديث المختارة. - مختصر الفتاوى المصرية لابن تيمية للبعلي. ط: الثانية، 1406، دار ابن القيم، الدمام - السعودية. - مختصر خلافيات البيهقي لابن فرح. ط: الأولى، 1417، مكتبة الرشد، الرياض - السعودية، شركة الرياض، الرياض - السعودية. - المراسيل لابن أبي حاتم. ط: الأولى، 1397، مؤسسة الرسالة، بيروت - لبنان. - المراسيل لأبي داود. ط: الأولى، 1408، مؤسسة الرسالة، بيروت - لبنان. - مسائل أحمد رواية ابن هانئ. ط: الأولى، 1400، المكتب الإسلامي، بيروت - دمشق. - مسائل أحمد رواية صالح. ط: الأولى، 1408، الدار العلمية، دلهي - الهند. - مسائل أحمد للبغوي. النشرة الأولى، 1407، دار العاصمة، الرياض - السعودية. - مسائل الإمام أحمد لأبي داود. ط: الأولى، 1420، مكتبة ابن تيمية، القاهرة - مصر. - مسائل الإمام أحمد لعبد الله بن أحمد. ط: الأولى، 1406، مكتبة الدار، المدينة المنورة - السعودية. - المستدرك على الصحيحين للحاكم. دار المعرفة، بيروت - لبنان. - مسند الإمام أحمد بن حنبل ط: الثانية، 1420، مؤسسة الرسالة، بيروت - لبنان. - مسند البزار = البحر الزخار المعروف بمسند البزار. - مسند الروياني - المسند المستخرج على صحيح الإمام مسلم لأبي نعيم الأصبهاني، ط: الأولى، 1417، دار الكتب
العلمية، بيروت - لبنان. - مسند بلال بن رباح رضي الله عنه للحسن الزعفراني. ط: الثانية، 1409، مكتبة السلف الصالح - مصر. - مسند عمر بن الخطاب وأقواله على أبواب العلم للحافظ ابن كثير. ط: الأولى، 1411، دار الوفاء، المنصورة - مصر. - المسند لأبي يعلى الموصلي. ط: الأولى، 1412، دار الثقافة العربية، دمشق - بيروت. - المسند للإمام أحمد. ط: الثانية، 1398، المكتب الإسلامي، بيروت - لبنان. - المسند للإمام أحمد بن حنبل. ط: الثانية، دار المعارف - مصر. - المسند للطيالسي. ط: الأولى، 1421، دار الكتاب اللبناني، دار التوفيق. - مشارق الأنوار على صحاح الآثار للقاضي عياض. ط: الأولى، 1418، دار الفكر، بيروت - لبنان. - مشتبه النسبة لعبد الغني بن سعيد الأزدي. - مشكل الآثار للطحاوي. ط: الأولى، 1415، مؤسسة الرسالة، بيروت - لبنان. - المصاحف لابن أبي داود. ط: الأولى، 1405، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان. - المصباح المنير في شرح غريب الحديث للرافعي للفيومي. دار الفكر، بيروت - لبنان. - المصنف في الأحاديث والآثار لابن أبي شيبة. ط: الأولى، 1409، دار التاج، بيروت - لبنان. - المصنف لابن أبي شيبة. ط: الأولى، 1416، تحقيق: حمد الجمعة ومحمد اللحيدان. - المصنف لعبد الرزاق. ط: الثانية، 1403، المكتب الإسلامي، بيروت - لبنان. - المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية لابن حجر. ط: الأولى، 1418، دار الوطن، الرياض - السعودية. - معالم السنن للخطابي. مكتبة السنة المحمدية، القاهرة - مصر، مكتبة ابن تيمية، القاهرة - مصر.
- المعجم الأوسط للطبراني، 1415، دار الحرمين، القاهرة - مصر. - معجم البلدان لياقوت الحموي، 1404، دار صادر، بيروت - لبنان. - المعجم الصغير للطبراني. ط: الثانية، 1401، دار الفكر، بيروت - لبنان. - المعجم الكبير للطبراني. ط: الثانية، دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان. - المعجم المشتمل على ذكر أسماء شيوخ الأئمة النبل لابن عساكر، 1401، دار الفكر، دمشق - سوريا. - المعجم المفهرس لابن حجر. ط: الأولى، 1418، مؤسسة الرسالة، بيروت - لبنان. - معرفة السنن والآثار عن الإمام الشافعي للبيهقي. ط: الأولى، 1412، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان. - معرفة الرجال عن يحيى ابن معين لابن محرز. مطبوعات مجمع اللغة العربية، دمشق. - معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني. ط: الأولى، 1419، دار الو طن، الرياض - السعودية. - معرفة علوم الحديث لابن الصلاح = علوم الحديث. - المعرفة والتاريخ للفسوي. ط: الأولى، 1410، مكتبة الدار، المدينة المنورة - السعودية. - المغني لابن قدامة. ط: الثانية، 1412، دار هجر، وزارة الشؤون الإسلامية، السعودية. - المقصد العلي في زوائد أبي يعلى الموصلي للهيثمي. ط: الأولى، 1413، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان. - من كلام ابن معين في الرجال لابن طهمان. دار المأمون للتراث، دمشق - بيروت. - مناقب الشافعي لابن أبي حاتم = آداب للشافعي ومناقبه. - المنتخب من العلل للخلال لابن قدامه. ط: الأولى، 1419، دار الراية، الرياض، جدة - السعودية. - المنتخب من مسند عبد بن حميد. ط: الأولى، 1405، دار الأرقم، حولي - الكويت.
- المنتقى للمجد ابن تيمية = نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار. - المنفردات والوحدان للإمام مسلم. ط: الأولى، 1408، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان. - منهاج السنة النبوية لابن تيمية. ط: الأولى، 1406، مؤسسة قرطبة. - موضح أوهام الجمع والتفريق للخطيب البغدادي، طبعة مصورة بمطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، 1378، دار الفكر، بيروت - لبنان. - الموضوعات لابن الجوزي. ط: الثانية، 1407، مكتبة ابن تيمية، القاهرة - مصر. - الموطأ لابن وهب. ط: الثانية، 1420، دار ابن الجوزي، الدمام - السعودية. - الموطأ للإمام مالك، برواية أبي مصعب الزهري. ط: الثانية، 1418، مؤسسة الرسالة، بيروت - لبنان. - الموطأ للإمام مالك، برواية يحيى بن يحيى الليثي، 1406، دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان. - ميزان الاعتدال في نقد الرجال للذهبي. دار المعرفة، بيروت - لبنان. - ناسخ الحديث ومنسوخه لابن شاهين. ط: الأولى، 1408، مكتبة المنار، الزرقاء - الأردن. - نتائج الأفكار في تخريج أحاديث الأذكار لابن حجر. مكتبة المثنى، بغداد - العراق. - نزهة الألباب في الألقاب لابن حجر. ط: الأولى، 1409، مكتبة الرشد، الرياض - السعودية. - نصب الراية لأحاديث الهداية للزيلعي. ط: الثانية، دار المأمون، القاهرة - مصر. - النقض على المريسي لعثمان الدارمي. ط: الأولى، 1418، مكتبة الرشد وشركة الرياض، الرياض - السعودية. - النكت الظراف على الأطراف لابن حجر. ط: الثانية، 1403، الدار القيمة، بومباي - الهند، المكتب الإسلامي، بيروت - لبنان. - النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير. أنصار السنة المحمدية، لاهور - باكستان.
- نيل الأوطار وشرح منتقى الأخبار من كلام سيد الأخيار للشوكاني. مكتبة دار التراث، القاهرة - مصر. - الوحدان للإمام مسلم = المنفردات والوحدان. * * *
فهرس الفوائد والقواعد
فهرس الفوائد والقواعد (1) - ليس كل زيادة تقع في نسخة من نسخ الكتاب تكون صحيحة: 1/ 41 ح. - جهالة الصحابي لا تضر: 1/ 43، 3/ 245. - مثال على ذكر كلام أحد العلماء في رجل تحت ترجمة رجل آخر خطأ: 1/ 47 ح. - تفسير قول ابن أبي داود: فلان كان نباذًا بالكوفة: 1/ 60. - التفريق بين حنش الصنعاني وحنش بن المعتمر: 1/ 60 - 61 ح. - هبة الله الطبري: أحاديث الوضوء بالنبيذ وضعت على أصحاب ابن مسعود عند ظهور العصبية: 1/ 63. - ابن الجوزي يروي الكتاب "المجروحين" لابن حبان من طريق الدارقطني عنه: 1/ 66 ح. - ابن الأصبهاني ليس من المعروفين بالكلام في الرجال فلا يعتمد على قوله مع مخالفته لكبار الأئمة: 1/ 69 ح. - مغلطاي أحيانًا يطلق نسبًا وأسماء لمؤلفي الكتب غير مشهورين بها: 1/ 73 ح. - رجل يستدرك على ابن حجر في " لسان الميزان ": 1/ 77 ح. - ابن حبان: الدعاة الى البدعة يجب مجانبة رواياتهم على الأحوال، فأما من انتحل بدعة فلم يدع إليها وكان متقنًا كان جائز الشهادة محتجًا بروايته: 1/ 78. - الخطيب: الكرابيسي يعزُّ حديثه جدًا لأن أحمد بن حنبل يتكلم فيه بسبب مسألة اللفظ: 1/ 86. - الحاكم: مالك بن أنس هو الحكم في حديث المدنيين: 1/ 94.
- وقوع بعض اللحن في مؤلفات ابن عدي: 1/ 114 ح. - تسمية أحمد للحديث الذي لم يسمعه الراوي ممن روى عنه مرسلاً: 1/ 152. - معنى قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث رويفع " من عقد لحيته ": 1/ 166 ح. - تعريف بكتاب " المترجم " للجوزجاني: 1/ 179 ح. - حكم اختلاف الثقات في الإرسال والإسناد: 1/ 188. - بعض أصحاب كتب الرجال يلفق كلام الناقد من أكثر من رواية عنه: 1/ 192 ح. - موقف المحدثين والفقهاء من الاختلاف في الرفع والوقف: 1/ 206 - 207، 248. - ابن الجوزي: المحدثون يضعفون بما ليس بتضعيف عند الفقهاء: 1/ 267، 2/ 216. - نقول الترمذي في " جامعه " عن أحمد وإسحاق هي من رواية الكوسج عنهما: 1/ 309 ح. - محمد بن يحيى: لا أعلم في " من غسل ميتًا فليتوضأ " حديثًا ثابتًا: 1/ 318. - الإمام أحمد: ليس في قلبي من المسح شيء، فيه أربعون حديثًا عن أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 1/ 324. - إخراج النسائي للرجل مما يقوي أمره: 1/ 337. - الإمام أحمد وابن المنذر: يذكر المسح على الجوربين عن سبعة أو ثمانية من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 1/ 345 - 346. - نموذج لطريقة التعامل مع الاختلاف الذي يقع بين نسخ الكتاب: 1/ 345 ح. - البيهقي: لا يثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في باب المسح على الجبيرة شيء: 1/ 350. - التنبيه على الرمز الذي كان يستخدمه الهيثمي في المقصد العلي للتمييز بين رواية ابن حمدان ورواية ابن المقرئ لـ "مسند أبي يعلى": 1/ 392 ح. - التنبيه على إشكال في " المنتخب من ضعفاء الساجي " لابن شاقلا: 2/ 31 ح.
- التنبيه على لفظة في مطبوعة "الضعفاء" للنسائي: 2/ 31 ح. - من الأمور التي يجب مراعاتها حال البحث في حال الراوي التوثق من صحة نسخة الكتاب الذي فيه الحكم على الراوي: 2/ 32 ح. - نص نقله البيهقي عن "العلل الكبير" للترمذي ولم نقف عليه في المطبوع: 2/ 51 ح. - إشارة المنقح لتقوية سماع الراوي من شيخه برواية النسائي له عن ذلك الشيخ: 2/ 60 ح. - نص للإمام أحمد نقله ابن أبي حاتم من رواية ابنه عبد الله ولم نقف عليه في مطبوعة " العلل ومعرفة الرجال ": 2/ 83 ح. - نص ليحيى بن معين يحتمل أن يكون ملفقًا من أكثر من رواية: 2/ 89، 214 ح. - إشارة المنقح لتقوية الحديث بإخراج البخاري لحديث آخر بنفس إسناد ذلك الحديث: 2/ 97 ح. - رأي ابن القطان في الاضطراب: 2/ 109. - أسماء الصحابة الذين رووا عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رفع اليدين في الصلاة: 2/ 131. - لم يثبت عن أحد من الصحابة أنه لم يرفع يديه في الصلاة: 2/ 131. - التنبيه على احتمال وقوع خطأ من ابن الجوزي في نسبة كلام لابن معين إلى الإمام أحمد ومتابعة من أتى بعده له في ذلك: 2/ 135 - 136 ح. - التفريق بين يزيد بن زياد القرشي ويزيد بن أبي زياد الكوفي: 2/ 136 ح. - أسماء الصحابة الذين كانوا يرفعون أيديهم في الصلاة: 2/ 141. - من طرائق مسلم أنه قد يروي الحديث وإن لم يكن على شرطه لسماعه له مع غيره: 2/ 150. - إشارة المنقح إلى تقوية الراوي بتصحيح الترمذي له: 2/ 152 ح.
- الإشارة إلى سقط محتمل في مطبوعة "المستدرك": 2/ 156 ح. - مثال على اختلاف الروايات المنقولة عن ابن معين: 2/ 167 ح. - التنبيه على خطأ محتمل لابن الجوزي في "الضعفاء" وتابعه عليه الذهبي والمنقح: 2/ 198 - 199 ح. - الدارقطني: كل ما روي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الجهر فليس بصحيح، فأما عن الصحابة فمنه الصحيح ومنه الضعيف: 2/ 192. - مسألة الجهر بالبسملة من أعلام المسائل وهي شعار المذهب من الجانبين ومبناها على النقل: 2/ 192. - مثال محتمل على الحذف المتعمد من النساخ للكلام في الإمام أبي حنيفة: 2/ 214 ح، 3/ 134 ح. - التنبيه على خطأ محتمل في "الضعفاء" لابن الجوزي: 2/ 219 ح. - التنبيه على سقط في مطبوعة "سنن أبي داود": 2/ 230 ح. - البيهقي: حديث يعد في أفراد شريك القاضي: 2/ 250. - التنبيه على سقط في مطبوعة "المستدرك" للحاكم: 2/ 250. - الدارقطني قلّ أن يضعف رجلاً ويكون فيه طبّ: 2/ 256. - لا يطلب بيان السبب في التضعيف إلا إذا عارضه تعديل: 2/ 256، 3/ 511. - البيهقي: ما روي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من السجود على كور العمامة فلا يثبت من ذلك شيء: 2/ 261. - حديث يوجد في بعض نسخ "صحيح مسلم" دون بعض: 2/ 264 ح. - الاستفادة غير المباشرة لشراح "صحيح البخاري" من كتاب "تحفة الأشراف" للمزي: 2/ 275 ح.
- درجة أحاديث التسليمة الواحدة عند العقيلي: 2/ 283. - حديث سقط من مطبوعة "المسند" للإمام أحمد: 2/ 310 ح. - مثال على إلحاق الحواشي بمتن الكتاب من قبل النساخ: 2/ 378 ح. - مسند خارجة بن حذافة من ضمن المسانيد الساقطة من مطبوعة "المسند" للإمام أحمد: 2/ 404 ح. - في المختارة أحاديث كثيرة ضعيفة: 2/ 480. - فائدة نفيسة تساوي رحلة: 2/ 487 ح. - التنبيه على وهم نادر للمنقح في نسبة كلام للبيهقي إلى الإمام أحمد: 2/ 606 ح. - تنبيه الحافظ ابن حجر على سقط وقع في بعض نسخ "صحيح مسلم": 2/ 619 ح. - حديث رواه الإمام أحمد في مسنده وحكم عليه بالنكارة: 2/ 626. - التنبيه على التلفيق بين عبارتين لابن حبان من موضعين مختلفين: 2/ 647 ح. - مثال على خطأ في "التحقيق" وصححه المنقح في الجوف مع الإشارة إلى ذلك في الحاشية: 2/ 669 - 670 ح. - كلام البيهقي في رواية حماد بن سلمة عن قيس بن سعد: 3/ 10. - رجل ذكره ابن حبان في كتابيه "الثقات" و"الضعفاء": 3/ 23. - كثيرًا ما يدخل ابن حبان الرجل في كتابيه "الثقات" و"الضعفاء": 3/ 23. - خطأ لوكيع في اسم رجل: 3/ 25. - بيان رجوع ابن حبان عن تضعيف عمرو بن شعيب: 3/ 28 ح. - فائدة لابن القيم في احتجاج الأئمة الأربعة والفقهاء بسلسلة عمرو بن شعيب: 3/ 29 ح.
- الإمام أحمد: عن خمسة من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنهم يزكون مال اليتيم: 3/ 34. - الترمذي: ليس يصح عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الباب شيء (زكاة الخضروات): 3/ 49. - البخاري: ليس في زكاة العسل شيء يصح: 3/ 59. - ابن المنذر: ليس في وجوب الصدقة في العسل خبر يثبت: 3/ 59. - الترمذي: لا يصح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الباب كبير شيء (زكاة العسل): 3/ 61. - الإمام أحمد: في زكاة الحلي عن خمسة من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يرون فيه زكاة: 3/ 67. - الترمذي: لا يصح في هذا الباب عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (زكاة الحلي): 3/ 75. - رجل ظن الدارقطني أنه مجهول بسبب نسبته الى جده: 3/ 78. - التنبيه على خطأ للشيخ أحمد شاكر في إثباته لسماع الحسن البصري من ابن عباس: 3/ 124 ح. - زيادة أنكرت على ابن عيينة فتركها: 3/ 131. - التنبيه على سقط في مطبوعة "المسند" للإمام أحمد: 3/ 153 ح. - التنبيه على خطأ في مطبوعة "المجروحون" لابن حبان: 3/ 178 ح. - التنبيه على خطأ في مطبوعة "السنن الكبرى" للنسائي: 3/ 180 ح. - الإشارة إلى بحث نفيس للعلامة المعلمي حول اختصار صيغة " أخبرنا ": 3/ 181 ح. - التنبيه على سقط في مطبوعة "العلل" لابن أبي حاتم: 3/ 183 ح. - التنبيه على خطأ وقع في نسخة المنقح من "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: 3/ 191، 493 ح. - الإشارة إلى أن الحافظ النووي اختصر جزء الخطيب البغدادي في مسألة صوم يوم الغيم في
كتابه " المجموع ": 3/ 197 ح. - يحيى بن سعيد القطان شرطه شديد في الرجال: 3/ 207. - أبو حاتم أطلق لفظة: " لا يحتج به " على رجال كثيرين من أصحاب الصحيح من الثقات الأثبات من غير بيان السبب: 3/ 207. - الضياء: قد رأيت غير حديث من حديث " الصحيح " يرويه ابن المبارك فيوقفه: 3/ 212. - استدلال الحاكم على خطأ لفظة في الحديث بعدم وجودها في كتاب من روي عنه: 3/ 224. - ابن تيمية: الألف واللام في الغالب إنما تسقط في ليث بن أبي سليم وتثبت في ابن سعد، وما ذاك بضربة لازب: 3/ 235. - تعقب المنقح لابن عدي في تفريقه بين سعيد بن أبي سعيد وسعيد بن عبد الجبار: 3/ 249. - ذكر بعض الحفاظ أن حديث " أفطر الحاجم والمحجوم " متواتر: 3/ 255. - التنبيه على خطأ في مطبوعة "تحفة الأشراف": 3/ 256 ح. - التنبيه على سقط في مطبوعة "السنن الكبرى" للنسائي: 3/ 259 ح. - التنبيه على أن النسائي لم يخرج من حديث ابن لهيعة شيئًا مسندًا إلا حديث واحد في غير السنن: 3/ 267 ح. - من عادة الضياء في "المختارة" أنه يروي الحديث من المسانيد التي رواها وغيرها من الأمهات: 3/ 276. - مما يدل على شذوذ الحديث وعلته عدم تخريج أئمة الكتب الستة والمسانيد المشهورة له مع حاجتهم إليه: 3/ 276. - الدارقطني إنما جمع في كتابه "السنن" غرائب الأحاديث: 3/ 276. - الأحاديث المعللة والضعيفة في "سنن الدارقطني" أكثر من الأحاديث الصحيحة: 3/ 276.
أصحاب الصحيح إذا رووا لمن قد تكلم فيه فإنهم ينتقون من حديثه ما لم ينفرد به، بل وافق من الثقات، وقامت شواهد صدقه: 3/ 277. - أبو الخير لا يروي إلا عن ثقة: 3/ 284. - تعليل البيهقي الحديث بمخالفة رأي الصحابي (راوي الحديث) لما روى: 3/ 308. - زيادة في حديث زادها ابن عيينة في آخر حياته: 3/ 314. - الاختلاف في ضبط اسم محمد بن سلام: 3/ 341 ح. - ابن عبد البر: حديث لم يبلغ مالكًا على أنه حديث مدني، والإحاطة بعلم الخاصة لا سبيل له: 3/ 360. - التنبيه على أن كتاب " الإيمان " للإمام أحمد مضمن في كتاب " السنة " للخلال: 3/ 409 ح. - زيادة " وتعتمر " في حديث جبريل فيها شذوذ: 3/ 423. - التمتع في عرف أصحاب وسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدخل فيه القران والتمتع الخاص: 3/ 434. - الأثر المروي عن عثمان في شم المحرم الريحان: 3/ 471. - فائدة أدبية في معنى كلمة (محرم): 3/ 476. - تفرد ابن أبي الجنوب عن الزهري بإسنادين نظيفين من أقوى الأدلة على ضعفه عند أهل الشأن: 3/ 511. - الحاكم: حديث عروة بن مضرس في الحج قاعدة من قواعد الإسلام: 3/ 529. - سماع الحسن من سمرة: 3/ 575 - 576. - التنبيه على وهم لابن الجوزي في "الضعفاء": 4/ 112. - مما ينبغي مراعاته عند نقل قول أحد النقاد: النظر في السياق الذي وردت فيه عبارته: 4/ 126 ح.
- البيهقي: إجماع العلماء على خلاف الحديث - وهم لا يجمعون على ترك رواية ثابتة - دليلٌ على ضعفه أو نسخه إن كان ثابتًا: 4/ 130. - التنبيه على تناقض الحاكم بتوثيق رجل في موضع وتضعيفه في موضع آخر: 4/ 183 - 184. - أنكر حديث روي عن الحسن عن سمرة: 4/ 229. - بعض الأحاديث التي صححها البخاري مع ما فيها من التفرد: 4/ 231. - الضياء: غرابة الحديث والتفرد به لا يخرجه عن الصحة: 4/ 231. - ابن الجوزي: الحسن بن صالح عشرة ليس فيهم مطعون فيه غير واحد: 4/ 258. - النسائي: عند المغيرة بن مسلم عن أبي الزبير غير حديث منكر: 4/ 277. - من حدث ونسي: 4/ 287. - الأحاديث الواردة في اشتراط الشهادة في النكاح لا تصح عند أحمد وابن المنذر: 4/ 327. - ابن تيمية: من أصل الإمام أحمد أن العقود تنعقد بما يدل على مقصودها من قول وفعل: 4/ 336. - مثال للأحاديث التي حدث بها معمر في البصرة فأخطأ فيها: 4/ 356. - ابن حبان: إذا روى رجل ليس بمشهور العدالة عن شيخ ضعيف أشياء لا يرويها عن غيره لا يتهيأ إلزاق القدح براو مجهول دونه: 4/ 437 ح. - التنبيه على احتواء كتابي "تحفة الأشراف" و" النكت الظراف " على دقائق مهمة: 4/ 605 ح. - الدارقطني: " أحلت لكم ميتتان " ليس له إسناد جيد البتة: 4/ 641 ح. - رواية بقية عن بحير حسنة أو صحيحة سواء صرح بالتحديث أو لم يصرح: 4/ 658. - الإمام أحمد: قد روي تحريم المسكر عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عشرين وجهًا: 5/ 12.
- التنبيه على كلمة سقطت من مطبوعة " جزء حنبل ": 5/ 18 ح. - نسخة عطية العوفي عن ابن عباس في التفسير إسنادها مشهور وإن كان في بعض رواتها كلام: 5/ 46. * * *